قضية أرخبيل Chagos / Diego Garcia نموذج مُصغر لقضية فلسطين
اعداد : الــــــــســـــفــــيــــر بـــــلال الـــمــــصــــري – ســفــيــر مــــصـــر الـسـابـق لدي أنجولا وساوتومي وبرنسيب والنيجر – مدير المركز الديمقراطي العربي – مصر – القاهره
أعلنت محكمة العدل الدولية بمقرها في لاهاي بتاريخ 25 فبراير2019 عن رأيها الإستشاري في النزاع الذي بين بريطانيا وجمهورية موريشيوس علي أرخبيل Chagos وهو نزاع يرجع تاريخه إلي ما قبل إستقلال موريشيوس في 12 مارس عام 1968, وبالرغم من الدلالة الرمزية الهامة جداً لهذا الرأي الإستشاري الذي جاء لصالح موريشيوس كونه ذهب إلي ضرورة تسليم بريطانيا لموريشيوس أرخبيل Chagos بما فيه جزيرة Diego Garcia التي تؤجرها بريطانيا منذ عقود للولايات المتحدة التي أقامت عليها قاعدة عسكرية إستراتيجية في قلب المحيط الهندي ساهمت في الجهود العسكرية الأمريكية في حروب وهجمات كانت لها آثار سلبية فارقة علي مجري تاريخ منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان ومناطق أخري بالعالم , لكن وبالرغم من هذه الأهمية التي لهذا الرأي الإستشاري شديد الوضوح إلا أن هذا الحدث لم يحظ بالتغطية الإعلامية المناسبة من وسائل الإعلام الدولية والعربية وفي مقدمتها “شبكة الجزيرة” المُتميزة بتغطية الحدث خبرياً و/ أو تحليله والتعليق عليه , فالرأي الإستشاري تأسس علي حقيقة أن عملية إنهاء الإستعمار البريطاني لموريشيوس لم تكن شاملة كونها لم تتضمن أرخبيل Chagos بما فيه جزيرةDiego Garcia التي علي أرضها القاعدة الأمريكية وهو الأرخبيل الذي فصلته بريطانيا قسراً عن موريشيوس كما سيلي بيانه .
مُـــــقــــدمــــة :
أرخبيل Chagos عبارة عن مجموعة من 55 جزيرة علي الأقل (هناك من يُشير إلي أن عددها 65) مُقسم علي سبع جزر مُرجانية كبري مساحتها 56,13 كم مربع وهناك 3 جزر فقط من بين الخمس وخمسين جزيرة التي يتكون منها هذا الأرخبيل مأهولة بالسكان وهي : جزيرة Diego Garcia وهي أكبرها وتبلغ مساحتها 32,8 كم مربع وجزيرة Salomon وجزيرة Peros Banhos , والأرخبيل برمته يقع بالمحيط الهندي جنوب جزر المالديف وعلي بعد 1,800 كم من Port Louis عاصمة موريشيوس(التي تبلغ مساحتها الإجمالية بجزرها العديدة 2,500كم مربع) التي كانت أكثر هذه الجزر سكاناً , وأكتشفها البرتغاليون في القرن السادس عشر وكانت وقتها خالية من السكان حتي إستعمرتها فرنسا في القرن الثامن عشر وأستجلبت (هي وليس العرب) الأفارقة كعبيد ليعملوا بها في زراعة الكاكاو وجوز الهند, ثم بعد ذلك وفي صفقة فرنسية / بريطانية سيطر علي الإستعمار البريطاني علي موريشيوس , ويتحدث سكانها اللغة الفرنسية ذات اللهجة والمفردات الشائعة بمنطقة غربي المحيط الهندي وخاصة بجزر Réunion الفرنسية , أما أرخبيل Chagos فكان تابعاً في الأصل لموريشيوس لكن السلطة الإستعمارية البريطانية وبعد أن هجرت قسراً سكانه البالغ عددهم آنئذ 2,500 نسمة خلال الفترة ما بين عام 1967 حتي عام 1973 إعتبرت الأخبيل وإلي يومنا هذا أراض بريطانية تقع فيما يُسمي بالمحيط الهندي البريطاني British Indian Ocean Territory أو BIOT , ومن الوجهة التاريخية كان الفرنسيون هم أول من طالب بأحقيته بجزر Chagos بعد أن سيطروا وأستقروا بجزر Réunion عام 1665 التي دُمجت لاحقاً في السيادة الفرنسية وتُجري فيها الإنتخابات الرئاسية والتشريعية الفرنسية , لكن الفرنسيين تنازلوا لاحقاً عن مجموعة جزر Chagos التي كانت منذ القرن الثامن عشر جزءاً من جزيرة Mauritius – وذلك في إطار التسويات الإستعمارية المعروفة – للبريطانيين بموجب معاهدة ثنائية , بعد ذلك وفي عام 1814 أُديرت مجموعة جزر Chagos من موريشيوس Mauritius التي أصبحت مُستعمرة بريطانية , وفي نوفمبر 1965 قررت الحكومة البريطانية شراء أرخبيل Chagos من Mauritius أو موريشيوس التي تنازلت فرنسا عنها لتستعمرها بريطانيا عام 1810 , أي أن بريطانيا إشترت أرخبيل Chagos من نفسها إذ كانت Mauritius آنئذ مُستعمرة ذات حكم ذاتي شكلي تحت السيطرة البريطانية وبعد ذلك وفي ستينيات القرن الماضي فصلته بريطانيا عن الوطن الأم Mauritius لقاء 3 مليون جنية إسترليني , ثم ضغطت(بريطانيا) فيما بعد عام 1965 خلال مفاوضات زعماء موريشيوس مع رئيس الوزراء البريطاني في لندن للحصول علي إستقلال Mauritius بأن خيرتهم ما بين الإستقلال التام بدون أرخبيل تتنازل نهائياً عن أرخبيل Chagos مقابل منحها الإستقلال عام 1965 , لكن وبعد إستقلال موريشيوس بدأ نزاع مرير بين بريطانيا وموريشيوس Chagos أو بقاء موريشيوس رازحة تحت نير الإستعمار البريطاني , فإختار هؤلاء الإستقلال بدون الأرخبيل والتخلي عنه الأرخبيل من أجل للحصول على الاستقلال خلال عملية تصفية الاستعمار , لاحقاً وعندما أثارت نازعت موريشيوس بريطانيا علي السيادة علي هذا الأرخبيل تذرعت بريطانيا بعملية شراؤها للأرخبيل وتنازل موريشيوس عنه طواعية , وكان الهدف الإستراتيجي البريطاني من وراء فصل أرخبيل Chagos عن موريشيوس هو إقامة منطقة بريطانية بالمحيط الهندي علي غرار ما فعلته بريطانيا في جزيرة قبرص إذ أقامت قاعدتي Akrotiri و Dhekelia بموجب معاهدة الضمان وإستقلال قبرص المُوقعة مع اليونان وتركيا عام 1960 وإعتبارهما أراض بريطانية خاضعة تماماً للسيادة البريطانية الخالصة .
بالنسبة لبريطانيا تأتي حالة جمهورية Mauritius وأرخبيل Chagos الذي تعتبر قضية تأجير بريطانيا لإحدي جزره وهي جزيرةDiego Garcia للولايات المتحدة قضية فرعية منه , تأتي كحالة عكسية لحالة الجزيرة القبرصية التي إستطاعت بريطانيا الإستيلاء علي قطعة من أراضي الجزيرة القبرصية بموجب إعلان مُرفق بمعاهدة ضمان إستقلال قبرص التي وقعتها في 15 فبراير 1959خمسة أطراف معنية بالمسألة القبرصية هي : اليونان وتركيا وزعيم الطائفة الطائفة القبرصة اليونانية الأسقف مكاريوس وزعيم الطائفة القبرصية التركية فاضل كوجك وبريطانيا التي كانت السلطة المُستعمرة للجزيرة , وكان من بين وثائق هذه المعاهدة إعلان من جانب بريطانيا يتعلق بقاعدتي Dhekelia و Akrotiri وضمان سلامتهما من جانب تركيا واليونان وجمهورية قبرص .
ما يهمني وربما يهم المهتمين بوطننا العربي بقضية فلسطين علي نحو خاص من عرض وتحليل مسألة نزاع موريشيوس مع بريطانيا علي أرخبيل Chagos , هو إثبات أن ما حدث ويحدث حالياً من قبل بريطانيا وبالتلازم من قبل الولايات المتحدة في حالة قضية إحتلال الأولي لأرخبيل Chagosيُلقي الضوء علي حقيقة مُتوارية لا يتعرض لها الإعلام أياً كان منشأه , هذه الحقيقة هي أن لا بريطانيا ولا الولايات المتحدة لديهما نسق مُوحد للتعامل مع القضايا أي لا معيار لدي أيهما لتناول القضايا الدولية بأداة قياس واحدة , وبالتالي فموقفهما الحقيقي من القضية الفلسطينية قابل للإحتلال الصهيوني ووسائله المُتبعة في تفريغ فلسطين من أهلنا هناك تماماً كما فعلت بريطانيا بسكان هذا الأرخبيل ثم إستولت عليه لتلحقه إلحاقاً بمنطقة أسمتها المحيط الهندي البريطاني , وذلك نفس ما فعلته بريطانيا التي لابد من القول بأنها دخلت في شراكة مع اليهود لإقامة وطن قالت أنه قومي لهم في فلسطين , فهي التي أعانت اليهود في الإستعمار الإستيطاني لفلسطين بإصدارها وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917الذي إعتبر فلسطين وطناً قومياً لليهود والذي كانت نتيجته النهائية نكبة 1948 , فبسبب هذا الوعد تعامت بريطانيا عمداًعن الهجرات اليهودية غير الشرعية لفلسطين وبعدها تعامت عن تسلح العصابات الصهيونية / اليهودية رغم الحظر الذي فُرض علي الجانبين العربي والفلسطيني من جانب واليهودي من الجانب الآخر , وبالتالي كان أن تشكلت عصابات يهودية كانت النواة لاحقاً لما يُسمي بجيش الدفاع الصهييوني فقامت بغارات القتل والترويع لعرب فلسطين وهم الأغلبية السكانية ما أدي إلي عمليات تهجير قسري والإستيلاء الجبري علي الممتلكات من منازل ودور وممتلكات العقارية وزراعية مختلفة , وذلك حتي وقتنا الحاضر وهي عمليات تُغطي في أحيان كثيرة بقوة القانون الإحتلالي , ولهذا أري أن هناك ثمة تشابه بين الإحتلال البريطاني لأرخبيل Chagos المُتضمن جزيرة Diego Garcia التي تؤجرها بريطانيا بعقود طويلة الأجل لحكومة الولايات المتحدة التي أنشأت بها قاعدة عسكرية بها منذ وقت طويل , والإحتلال الصهيوني لفلسطين وإن كان وجه التشابه الرئيسي هو عملية تهجير وطرد السكان الأصليين من الأرخبيل لوطنهم الأم أي موريشيوس , وكان عددهم 2,000 أو 2,500 نسمة عدد منهم كان يقطن بجزيرة Diego Garcia , وهذه الحالة يمكن وصفها ” بالإستعمار الإستيطاني ” تماماً كالإستعمار الإستيطاني الصهيوني لفلسطين إذ أنه بدأ هكذا , لذلك ولأسباب أخري تعتبر حالة أرخبيل Chagos حالة مُشابهة جزئياً للحالة ما فعله الفلسطينية وإن علي نطاق ديموجرافي أقل كثيراً من الحالة الفلسطينية , وبصفة عامة هناك وحدة مفاهيمية بين الحالتين فالحالتين قاسمهما المُشترك إنتزاع وطن من سكانه لصالح آخرين بهدف الأإستيطان السكاني أو إقامة قواعد عسكرية للسيطرة والتحكم العسكري , ويمكن مما يلي بيانه إستنباط ليس فقط هذا المعني بل أيضاً إستنباط أمرين آخرين هامين هما (1) الأمرالمُتعلق بإستمرارية تطبيق البريطانيين والأمريكيين بنفس الدرجة العالية لمفهوم التغيير الديموجرافي والتطهير العرقي Cleansing الذي ليس بالضرورة أن يكون قاصراً علي التصفيات الجسدية والقتل بل يتسع ليشمل التهجير القسري Forced displacement وهو نفس ما حدث في أرخبيل Chagos و Diego Garcia تحديداً , (2) عدم مبالاة بريطانيا تماماً كالكيان الصهيوني بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية أو بمعني أدق بالقانون الدولي أو الشرعية الدولية , فهل يمكن إيداع الثقة في بريطانيا ومعها الولايات المتحدة التي شاركت بريطانيا جريمتها بإقامتها قاعدة عسكرية في Diego Garcia أحد جزر أرخبيل Chagos التذي فصلته بريطانيا عنوة من موريشيوس لتقترف نفس الجريمة التي إقترفها الكيان الصهيوني بعون بريطاني مُتعمد أدي لإعلان قيام دولة للكيان الصهيوني في 15 مايو 1948 أول من إعترف بها الولايات المتحدة التي تتاجر الآن بالجزء المُتبقي من قضية فلسطين حتي إنها نادت بها علي أنها “صفقة” , إن قضية أرخبيل Chagos وضمنه القاعدة الأمريكية في Diego Garcia أحد جزر هذا الأرخبيل قضية كاشفة للتكوين الإستعماري في الذهنية الرسمية البريطانية , فإعراض بريطانيا عن الإمتثال للرأي الإستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية في 25 فبراير 2019 الذي نص علي إنهاء المملكة المتحدة في أقرب وقت ممكن لإدارتها لأرخبيل Chagos بدعوي مفادها أن محكمة العدل الدولية لا إختصاص لها في نزاع كهذا أما الولايات المتحدة فتدعي أن لا صلة لها بهذا النزاع , وبالتالي فهي غير معنية , والمعني الواضح الذي يمكن إستخلاصه بسهولة من إستعراض بداية ونهاية النزاع علي أرخبيل Chagos هو أن بريطانيا والولايات المتحدة شأنهما شأن كل القوي الدولية الأخري , لا تعتنقان المثل العليا فمصالحهما هي أداة القياس أو المعيار الوحيد لمواقفهما من القضايا والنزاعات والصراعات الدولية علي إختلافها أضف لذلك في حالة موقفهما من الصراع العربي / الصهيوني في الشرق الاوسط الهوية العقائدية لدي الغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة الفاعل الرئيسي وبريطانيا بإعتبار أن لديها أرشيف هذه المنطقة , فهويتهما الإنجيلية ذات الخلفية التوراتية كما يعبر عنها المعسكر الرئيسي للمحافظين الجدد بالولايات المتحدة وفروعه في باريس ولندن وجنيف وبرلين وغيرها من عواصم الغرب والشرق المسيحيين تعمل في غير إتجاه الحق العربي ذلك الحق الذي يتطابق مع قيم الحق والعدل , لكن العدل كما أثبتت بريطانيا وبالتلازم معها الولايات المتحدة لابد له أن يتطابق مع مصالحهما القومية حتي يكون عدلاً .
الحكم الإستشاري لمحكمة العدل الدولية في قضية أرخبيل Chagos :
قررت حكومة Mauritius عرض قضية نزاعها مع بريطانيا بشأن أرخبيل Chagos شاملاً جزيرة Diego Garcia التي أجرتها الولايات المتحدة من بريطانيا لتقيم عليها قاعدتها العسكرية بالمحيط الهندي , علي محكمة العدل الدولية (المُنشأة عام 1946والمُكونة من 15 قاض بهدف تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء بالأمم المتحدة) , وقد صعدت موريشيوس من مستوي تناولها لهذه القضية بعضها علي محكمة العدل الدولية بعدما أخفقت محادثاتها مع بريطانيا لتسوية النزاع بسبب تمديد وزارة الخارجية البريطانية عقد استئجار الولايات المتحدة لجزيرة Diego Garcia حتى عام 2036 وأعلانها مُجدداً أنه لن يُسمح لسكان جزر أرخبيل Chagos الذين طردتهم السلطة الإستعمارية البريطانية عام 1965 من جزر الأرخبيل , بل إن بريطانيا أعلنت أنه لن يُسمح لهؤلاء بزيارة أرخبيل Chagos إلا بتصريح خاص (ما عدا Diego Garcia فغير مسموح بزيارتها مطلقاً) , لذلك أعلن رئيس وزراء موريشيوس Pravind Jugnauth” إن استقلال موريشيوس لن يكتمل حتى يتم إعادة جزر Chagos ” , وبناء علي تصريح كهذا مضت موريشيوس قُدما بقضيتها إلي محكمة العدل الدولية , وبالفعل أجتمعت المحكمة لتفصل في القضية بالنظر في مسألتين مُشار إليهما تالياً .
نص الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية :
بعد دراسة قضاة المحكمة للقضية وإلإستماع للأطراف في عدة جلسات إستماع في الفترة من 3 إلي 6 سبتمبر 2018 أعلنت محكمة العدل الدولية في جلسة النطق رأيها الإستشاري في ملف يقع في 45 صفحة عنوانه ” الآثار القانونية لفصل أرخبيل Chagos بموريشيوس في عام 1965″ , وذلك بتاريخ 25 فبراير 2019 في تمام الساعة 1400 بتوقيت جرينتش بمقرها بقصر السلام في La Haye , وقد صدر هذا الرأي بأغلبية 13 قاض مقابل صوت واحد ونصه بعد الإشارة إلي حيثيات المحكمة كالآتي :-
” تقرر وفقا للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة ، أن يُطلب من محكمة العدل الدولية عملاً بالمادة 65 من نظامها الأساسي فتوى حول القضايا التالية :
(ألف) هل انتهت عملية إنهاء الاستعمار بشكل صحيح عندما حصلت على استقلالها في عام 1968 ، بعد فصل أرخبيل Chagos عن أراضيها بالنظر إلي القانون الدولي وخاصة الالتزامات المشار إليها في قرارات الجمعية العامة 1514 (د -15) بتاريخ 14 ديسمبر 1960 ، 2066 (XX) المؤرخ 16 ديسمبر 1965 ، 2232 (XXI) المؤرخ 20 ديسمبر 1966 و 2357 (د -22) المؤرخ 19 ديسمبر 1967؟ . “
(باء) ما هي الآثار المترتبة في القانون الدولي ، بما في ذلك فيما يتعلق بالالتزامات المشار إليها في القرارات المذكورة أعلاه ، والحفاظ على أرخبيل Chagos تحت إدارة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى ايرلندا الشمالية ، ولا سيما فيما يتعلق باستحالة نهوض موريشيوس ببرنامج إعادة التوطين لمواطنيها لا سيما من هم من سكان هذا الأرخبيل أصلاً ؟ . “
وكان الرأي الذي أعلنته المحكمة بشأن هذين السؤالين هو :
(1) ” أن المحكمة وبالإجماع تري أنها مُختصة بالرد علي طلب الفتوي ” .
(2) ” بأحد عشر صوت ضد صوتين تُقرر الاستجابة لطلب الفتوى ” .
(3) ” بثلاث عشر صوت ضد صوت واحد تري أنه بموجب القانون الدولي ، فإن عملية إنهاء الاستعمار في موريشيوس لم تكتمل بشكل صحيح عندما حصلت تلك البلاد على استقلالها في عام 1968 نتيجة فصل أرخبيل Chagos ” .
(4) ” بثلاث عشر صوتاً ضد صوت واحد ترى أن المملكة المتحدة مطالبة في أقرب وقت ممكن بإنهاء أعمالهاإدارة أرخبيل Chagos ” .
(5) ” بثلاث عشر صوتاً ضد صوت واحد ترى أن جميع الدول الأعضاء مُلزمة بالتعاون مع الأمم المتحدة لاستكمال إنهاء الاستعمار في موريشيوس ” .
عرض لمـــوقـــــف مـــوريــــشـــيـــوس منذ بداية النزاع :
يستند موقف موريشيوس في هذا النزاع مع بريطانيا إلي رأي الخبراء الذين إستعانت حكومة موريشيوس بهم بالإضافة إلي قرارات صادرة عن الأمم المتحدة ومنها الإعلان الصادر بقرار عن الأمم المتحدة برقم 1514 في ديسمبر 1960الذي يشير إلي أن ” كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية لبلد ما يتعارض مع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ” , والقرار رقم 2066 في ديسمبر 1965 الذي أشار إلي القرار 1415 كمرجعية له ثم أضيف إليه ما نصه ” أي عمل تقوم به الدولة القائمة بالإدارة (بريطانيا) بفصل بعض من أراضي جزر موريشيوس لإقامة قاعدة عسكرية سينتهك هذا القرار وطالب بريطانيا بعدم إتخاذ أي تدبير من شأنه إقتطاع أراضي موريشيوس ويقوض وحدة أراضيها , وهذين القرارين كما هو واضح بموجب نصهما يمنعان القوة الإستعمارية قبل منح الإستقلال لمستعمراتها من إقتطاع أي من الأراضي التي أستعمرتها هذه القوة , كذلك هناك قرار صادر عام 1980عن منظمة الوحدة الأفريقية(حالياً الإتحاد الأفريقي) يُطالب بإعادة أرخبيل Chagos بدون قيد أو شرط لموريشيوس وهناك قرار آخر صدر عن الإتحاد عام 2010برقم 331 تضمن الإشارة إلي أن أرخبيل Chagos بما فيه جزيرة Diego Garcia قد تم فصلها عن أراضي موريشيوس من قبل القوة الاستعمارية السابقة في انتهاك للقرار 1514 (د -15) المؤرخ 14 ديسمبر1960 و 2066 (XX) المؤرخ 16 ديسمبر 1965 للجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1960 و 2066 (XX) المؤرخ 16 ديسمبر 1965 للجمعية العامة والذي يحظر علي القوى الاستعمارية تفكيك الأراضي الاستعمارية قبل منحها الإستقلال , وفي عام 1983 أعلنت حركة عدم الإنحياز في قمة نيودلهي عن دعمها الكامل لسيادة موريشيوس , ومن المعروف أن بريطانيا فصلت أرخبيل Chagos بما فيه جزيرة Chagos عام 1965 أي أنها طيلة هذه الفترة الزمنية الطويلة لم تكترث بكل هذه القرارات فهي والكيان الصهيوني تتبعان نفس السلوك , لكن المُير للدهشة أن حكومة موريشيوس لم تتحرك بشكل جاد لتناول قضيتها تلك إلا عام 1982عندما قررت تشكيل لجنة برئاسة Jean Claude de L’Estrac وزير الخارجية والسياحة والتجارة والهجرة بغرض مناقشة القضية مع بريطانيا , ومما يؤكد تراخي الحكومات المُتعاقبة في موريشيوس في هذا الشأن أنها كان يمكنها منذ أمد طويل التقدم للأمم المتحدة(الجمعية العامة) بطلب لإدراج القضية علي جدول أعمالها في أي من دوراتها العادية للتصويت علي طرح النزاع علي محكمة العدل الدولية للحصول علي رأيها الإستشاري غير المُلزم والذي بالرغم من عدم إلزاميته إل أنه يُشكل ضغطاً أخلاقياً لصدوره عن قضاة تشكل آراءهم رافداً مهماً للقانون الدولي , وقد أعاد رئيس وزراء موريشيوس مؤخراً التأكيد علي تمسك بلاده بأن فصل بريطانيا لأرخبيل Chagosانتهاك للقانون الدولي بما في ذلك القرار 1514 الذي يحظر إقتطاع منطقة ما قبل الإستقلال موقف موريشيوس ويحرج بريطانيا سياسياً وقانونياً , كما أن رئيس جمهورية موريشيوس السابق Anerood Jugnauth صرح مؤخراً أيضاً فقال ” إنه “بعد أكثر من خمسين عاما من الاستقلال ، لا تزال عملية إنهاء الاستعمار في موريشيوس غير مكتملة , وقد تم تنفيذ التقسيم الإقليمي لموريشيوس بفصل بريطانيا لأرخبيل Chagos تحت الضغط والإكراه خلال المفاوضات مع بريطانيا حول استقلال موريشيوس التي منحت بعد ثلاث سنوات من التفاوض لموريشيوس ” * ( africanews.FR . بتاريخ 23 فبراير 2019) , ومع هذا فتتبع تاريخ هذا النزاع بين بريطانيا وموريشيوس يشير إلي أن موريشيوس تقاعست طويلاً عن إستخدام ميزة من لديه الحق لتطرح موضوع إحالة نزاعها مع بريطانيا علي محكمة العدل الدولية , وبرر مسئولي موريشيوس هذا التقاعس بحجة أن صداقتها أي موريشيوس لبريطانيا فيها مساحة كبيرة للتفاهم وهو الأمر الذي لم يؤثر في ثني البريطانيين عن إصرارهم بعدم التخلي عن أرخبيل Chagos وتأكد ذلك بالأحكام المُبتسرة غير الموضوعية الصادرة عن المحكمة البريطانية العُليا بلندن والتي أشرت إليها , لكن وخلال إنعقاد قمة رؤساء دول الكومنولث في 17 أبريل 2018 بلندن ألقي رئيس وزراء موريشيوس Pravind Jugnauth كلمة أمام المجموعة البرلمانية لحزب كل الشعب البريطاني أشار فيها إلي موقف موريشيوس من قضية أرخبيل Chagos , وكان من أهم ما أشار إليه فيها : ” إن حكومة موريشيوس تدرك تمام الإدراك نضال السكان السابقين في أرخبيل Chagos وتطلعاتهم المشروعة كمواطنين من موريشيوس حتى يتمكنوا من الاستقرار هناك بأسرع ما يمكن , كما أن حكومة موريشيوس لا تبخل ببذل الجهود لتحسين أحوالهم المعيشية ” , مُضيفاً أن ” الإخلاء القسري لسكان الأرخبيل الذي قامت به بريطانيا بفصله نعتبره وقت محزن ومظلم في تاريخنا وما من أحد ينكره اليوم ” , ودعا رئيس الوزراء المجموعة البرلمانية البريطانية لمحو هذا الظلم ثم أشار إلي ” أنه بوصول النزاع بين بريطانيا وبلاده إلي أيدي وأنظار قضاة محكمة العدل الدولية تكون القضية قد وصلت إلي نقطة حرجة ” , وأعرب عن ” أمله في في أن تقدم محكمة العدل الدولية رأياً يوضح القواعد القانونية التي تنطبق على القضية وتحديد القضايا المتعلقة بالإخلاء القسري لأن ذلك سيسهم في استكمال عملية إنهاء الاستعمار في موريشيوس” , وشدد على العلاقات التاريخية والاقتصادية والثقافية الوثيقة بين موريشيوس وبريطانيا قائلاً أن “علاقتنا الخاصة ببريطانيا ” تدعمها القيم المشتركة للديمقراطية واحترام القانون والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان , ثم قال كما لو كان يُعلن عن مآل النزاع حتي في حال كان الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية سيكون في صالح بلاده ” إن عودة أرخبيل Chagos إلي حضن موريشيوس لن يكون لها أي تأثير على القاعدة العسكرية الأمريكية في جزيرةDiego Garcia ” , وأشار إلي ” أنه وبمجرد الانتهاء من عملية إنهاء الاستعمار(بإعادة بريطانيا لأرخبيل Chagos) يستطيع مواطنو موريشيوس الذين من Chagos ويرغبون في الرحيل إلي الأرخبيل أن يفعلوا ذلك ” , لكنه أشار في نفس الوقت إلي ” أن تقسيم أراضي موريشيوس علي هذا النحو أمر يدينه المجتمع الدولي , وهو ما بدا جلياً في الأغلبية التي حصلت عليها موريشيوس في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإحالة نزاعها مع بريطانيا علي محكمة العدل الدولية ” . (صوتت 95 دولة لصالح الإحالة لمحكمة العدل الدولية وعارضت 15 دولة وأمتنعت 65 دولة عن التصويت ) * (Defimedia.info بتاريخ 24 فبراير 2019)
قبل ثلاثة أيام من جلسة إعلان محكمة العدل الدولية بمقرها في لاهاي في 25 فبراير 2019 عن رأيها الإستشاري في النزاع ما بين موريشيوس وبريطانيا , وفي مؤتمر صحفي بعد ظهر 22 فبراير 2019 بعاصمة موريشيوس Port-Louis قال رئيس وزراء موريشيوسPravind Jugnauth ” لا المال ولا الإعتذار العلني من بريطانيا يمكن أن يضيف قانونية أو شرعية علي ما هو غير قانوني وغير شرعي ” , ثم أشار وكأنه يُلطف من هذه العبارة فقال ” إنني لا أفهم طريقتهم (أي البريطانيين) في التصرف بشأن Chagos , لكني أتمنى أن يصلحوا الضرر الهائل الذي تسببوا فيه لموريشيوس ولسكان الأرخبيل وبصرف النظر عن ملف Chagos فنحن نتمتع بتعاون جيد مع الإنجليز في العديد من المجالات ” . *( Defimedia.info بتاريخ 24فبراير 2019)
جمهورية Mauritius والتأثير السلبي لإستمرار النزاع عليها :
هناك نتائج سلبية مختلفة بالنسبة لجمهورية Mauritius إن ظلت بريطانيا والولايات المتحدة بالضرورة ترفضان الإستجابة إلي ما إنتهت إليه محكمة العدل الدولية من رأي إستشاري , أي ترفضان إخلاء أرخبيل Chagos ومن بين هذه النتائج النتيجة الإقتصادية السلبية علي موريشيوس فمن المعروف أن المنطقة الاقتصادية الخالصة لأرخبيل Chagos غنية بالموارد السمكية , لذلك تري جمهورية موريشيوس أن المرسوم البريطاني الصادر في 8 نوفمبر 1965 ادى الى فصلChagos عنها وإبقاءها مستعمرة بريطانية وهو ما يُعد انتهاكاً لسيادة وحرمة الحدود الموروثة عن الاستعمار الذي يحظر تقطيع أوصال إقليم كان كله مُستعمراً ومن ثم خسرت موريشيوس المنطقة الإقتصادية الخالصة لأرخبيل Chagos , وهو ما أكده ممثل موريشيوس لدى الأمم المتحدة عندما طالب الجمعية العامة لمحكمة العدل الدولية في خطاب مُؤرخ في 14 يوليو 2016 بأن تقرر مآل الآثار القانونية علي موريشيوس جراء فصل بريطانيا أرخبيل Chagosعن موريشيوس في عام 1965 ” , وذلك على أساس أن مفاوضات التسوية الثنائية مع بريطانيا كانت جارية من أجل إستعادة موريشيوس لأرخبيل Chagos وعودة السكان إليه , وكان السقف الزمني لهذه المفاوضات على أبعد تقدير في يونيو 2017 , لكن حكم المحكمة العُليا بلندن كان صادماً لشعب أرخبيل ولموريشيوس فالمحكمة أصدرت في 13 فبراير 2019 حكماً غريباً ورد فيه “أنه لا يمكن أن يكون الأساس المنطقي لقرار الحكومة البريطانية فيما يتعلق برفض عودة سكان Chagos إلي أرخبيلهم قضية قضائية , ففي نظام ديموقراطي لا يتعلق أمر كهذا إلا بحكومة مُنتخبة (؟؟؟؟) ( مع أن المحكمة العُليا بلندن نفسها سبق لها وأن أصدرت حكماً مُختلفاً في 3 نوفمبر 2000 إعترفت قضائياً فيه بحق سكان Chagosالأصليين في العودة لأراضيهم , وبالتالي فحكم كهذا يعني أن القضاء البريطااني نفسه إنحاز إلي جانب الحكومة البريطانية في رفضها الأذن لمواطني Chagos في العودة لموطنهم (يبلغ عددهم حالياً 10,000 نسمة) , وكان الحديث والتوقعات عن تجديد بريطانيا لعقد إيجار جزيرةDiego Garcia مع الولايات المتحدة في 30 ديسمبر 2016 ساريين بالإضافة إلي عدم تحقيق تقدم يُذكر في المفاوضات الثنائية حتي منتصف عام 2016 , كل ذلك كان بمثابة وضع نهاية لصبر موريشيوس الذي طال أمده , فما كان من موريشيوس إلا أن تُنفذ وعيدها لبريطانيا فقررت في 16 سبتمبر 2016 التوجه مع دعم أفريقي إلي الأمم المتحدة لتطلب من المنظمة الدولية أن تدرج علي جدول أعمالها مسألة طلبها الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن ما إذا ما كانت عملية إنهاء الاستعمار نُفذت وفقاً للقانون الدولي عندما حصلت موريشيوس على استقلالها عن بريطانيا عام 1968 بعد فصل بريطانيا أرخبيل Chagos عن موريشيوس وتحت عين القانون الدولي ؟ , وهو الفصل الذي أدي ما أدي إلي نزاع متوتر بين موريشيوس و بريطانيا بشأن أيلولة أرخبيل Chagos (أو أرخبيل الأحزان أو L’archipel du chagrin كما يُطلق عليه بلغة أهل مورشيوس) إلي الأولي , وبالفعل تقدمت موريشيوس بطلب للأمم المتحدة لوضع هذا النزاع علي جدول أعمال الدورة الواحد والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بغية عرضه علي محكمة العدل الدولية من أجل الحصول علي رأيها الإستشاري بشأنه , وقد صوتـت الدول الأعضاء بالجمعية العامة في 22 يونيو 2017علي طلب موريشيوس فكانت النتيجة إعتماد القرار71/292 القاضي بإحالة مسألة أرخبيل Chagos علي محكمة العدل الدولية لإستصدار رأي إستشاري بشأنها , وذلك بأغلبية 94 صوتا ضد 15صوت منهم الولايات المتحدة وبريطانيا وامتناع 65 .
موريشيوس دولة صغيرة متواضعة الموارد الطبيعية وإقتصادها يحتاج إلي تحسين الإنتاجية والتنافسية ومن ثم فهي بحاجة إلي دعم إقتصادها والبحث عن حلول لإفتقادها للعمالة المهنية والمُدربة , ومن ثم فمن شأن دخول موريشيوس في مواجهة مفتوحة ضد بريطانيا والولايات المتحدة بالتلازم أن يُعرضها لتداعيات إقتصادية سلبية لا يتحملها إقتصادها , وأمام موريشيوس سابقة لم يكن فيها الموقف البريطاني بأقل صلابة من موقف بريطانيا فيما يتعلق بقضية أرخبيل Chagos وجزيرةDiego Garci علي وجه التعيين , وأعني بهذه السابقة جزيرة فوكلاند القريبة من الساحل الأرجنتيني علي المحيط الأطلنطي الجنوبي فقد خاضت بريطانيا إبان عهد رئيسة الوزراء البريطانية السيدة / مرجريت ثاتشر حرباً عام 1982ضد الأرجنتين وإنتصرت فيها تمسكاً بما تعتقده بأنه حق لها في جزيرة فوكلاند القفر , أضف إلي هذا أن تجاوز موريشيوس أكثر فأكثر مع بريطانيا سيجعل من الولايات المتحدة طرفاً ولو مُستتراً لكنه فاعلاً في أي تجدد للنزاع بين موريشيوس وبريطانيا علي أرخبيل Chagos أوجزيرة Diego Garci وهو ما سيؤثر سلباً علي موريشيوس في مجالات عدة خاصة وأن الهند الداعم الرئيسي لموريشيوس أصبحت في شراكة عسكرية مع الولايات المتحدة وبإمكانها بإتفاق وقعته مع الولايات المتحدة إستخدام القاعدة الأمريكية في Diego Garci .
موقف سكان أرخبيل Chagos :
قصة سكان أرخبيل Chagos وطرد بريطانيا لهم من وطنهم بالإخلاء القسري قصة تكاد وأن تكون مُتماثلة لقصة الشعب الفلسطيني الذي أُجبر علي ترك أرضه وموطنه تحت نيران العصابات الصهيونية في فلسطين التي وفرت لها بريطانيا خلفية أو قاعدة شرعية أوة كأنها كذلك بإصدارها وعد بلفور أوBalfour Declaration الصادر في 2 نوفمبر 1917 ليكون لهذه العصابات سنداً سياسياً سوغ لصهاينة أجانب إتخاذ فلسطين وطناً لهم تحت دعاو توراتية ليس لشعب فلسطين إيمان أو علاقة بها , لكن وبصفة عامة فهجرة الصهاينة غير الشرعية لفلسطين وطرد بعض سكانها أمر مُشابه لما حدث لشعب أرخبيل Chagos , وفي الحالتين يُلاحظ أن بريطانيا كانت هي المُتسبب الرئيسي عن تهجير الشعبين من أراضيهما قسراً , هنا في فلسطين من أجل اليهود / الصهاينة وهناك في Chagos من أجل تحقيق أهداف عسكرية لمصلحة بريطانيا والولايات المتحدة , وفي الحالتين إنتهكت بريطانيا وبالتالي الولايات المتحدة المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصها : ” لا يمكن منع أي شخص من العيش في بلده “, و لا شك أن بريطانيا تدرك حجم الجرم الذي إرتكبته ومازالت ترتكبه في حق شعب Chagos المسكين وتدرك أن وضع يدها مع الأمريكيين علي الأرخبيل وعلي جزيرة Diego Garciaعلي وجه التعيين جريمة تحايل أو سرقة بالإكراه , وإلا لما حاولت شراء ضمير هذا الشعب بعرض شراء جزرهم وتنازلهم عنها مقابل 40 مليون جنيه إسترليني و 3 رحلات في السنة لزيارة Chagos لمن يرغب منهم في ذلك , وهو ما رفضه هذا الشعب صوناً لأرضه وكرامته .
منذ أن طردتهم بريطانيا من جزرهم عام 1965 يقاتل سكان Chagos من أجل العودة من خلال خوضهم لسلسلة من الإجراءات القانونية كان أولها في عام 1975, ثم تتابعت تحركات نخبة سكان Chagos وطرحت القضية علي القضاء البريطاني نفسه أي أمام المحكمة العليا البريطانية وأخيراً ذهبت موريشيوس بملف Chagos إلي الأمم المتحدة من أجل طلب الحصول علي رأي محكمة العدل الدولية في النزاع بين موريشيوس وبريطانيا , وكان الدعم الأفريقي لهذه القضية واضحاً عند التصويت في الجمعية العامة علي إحالة القضية لمحكمة العدل فقد صوتت 94 دولة معظمهم من الدول الأفريقية لصالح إحالة القضية لمحكمة العدل الدولية للبت فيها بفتوي قانونية , وقبل إحالة القضية لمحكمة العدل الدولية كانت هناك توقعات وآمال تخامر قلوب وعقول سكان أرخبيل Chagos بأن عودتهم لجزرهم ومنها جزيرة Diego Garcia أمر سيتحقق باستعادة الأرخبيل , لكن أتي تمديد بريطانيا لعقد إيجار جزيرة Diego Garcia للولايات المتحدة في تاريخ غايته 30 ديسمبر 2036 ليضع نهاية صادمة لهذه الآمال , فقد قامت بريطانيا بعمليات خداع ومراوغة مع موريشيوس ساهمت في تكوين إنطباع لدي سكان Chagosفي المهجر بإمكانية عودتهم لجزرهم , ففي بيان إلى مجلس العموم في 8 يوليو 2013 أشارMark Simmonds وكيل وزارة الخارجية البريطانية للشؤون الخارجية إلي إن بريطانيا ستطلب من مجلس الوزراء خبراء لإجراء دراسة جدوى حول إعادة توطين سكان Chagos في موطنهم , ثم وبعد ذلك في 19 نوفمبر 2013 صرحSimmonds بأن حكومته ستقرر بحلول 31 ديسمبر 2014 دراسة الجدوى حول مسألة عودةهؤلاء إلى جميع جزر أرخبيل Chagos بما في ذلك الجزء الشرقي من جزيرة Diego Garcia التي بها القاعدة الأمريكية , لكن في تقرير حول إعادة توطين Chagos نُشر في 28 نوفمبر 2014بالموقع الإلكيتروني لمكتب الشؤون الخارجية والكومنولث أوضحت الحكومة البريطانية أنها لن تُرحب بعد الآن إلا بعدد صغير من شعب Chago في القطاع الشرقي وحده من Diego Garciaكذلك ورد في تقرير آخر نُشر على شبكة المعلومات في 4 أغسطس 2015 حظرالبريطانيون علي المستفيدين من العودة من الحق في إعادة ملكية منازلهم التي كانت لهم قبل طردهم عام 1965 , وعلق Olivier Bancoult زعيم مجموعة لاجئي Chagos علي ذلك بقوله ” إن الشروط البريطانية غير مقبولة ” , وزادت الأمور سوءاً فبعد تغيير الحكومة البريطانية عقب الاستفتاء الذي تم في 23 يونيو 2016 على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تم التخلي عن مشروع إعادة توطين شعب Chagos , فقد أعلنت Joyce Anelay وزيرة الدولة البريطانية للتنمية الدولية في مجلس العموم في 16 نوفمبر 2016 أن حكومتها اتخذت هذا القرار ومقابل تعويض لأسباب تتعلق “بالدفاع والأمن” وأنه قد وُوفق على دفع مبلغ 40 مليون جنيه إسترليني للاجئيChagos لدمجهم في مجتمعاتهم بموريشيوس وبسيشيل , ويبدو أن الأوروبيين دعموا الموقف البريطاني بصراحة إذ أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تقدم إليها لاجئيي Chagos للنظر والحكم في قضيتهم رفضت بموجب حكمها الصادر في 11 ديسمبر 2012 النظر في القضية بإعلانها عدم قبول الشكوى المقدمة من هؤلاء ضد البريطانيين بدعوي انتهاك بريطانيا لحقوق الإنسان أثناء الترحيل وأستندت المحكمة في ذلك بأن بريطانيا سبق لها أن دفعت لهم عام 1982تعويض إجمالي قدره 4 مليون جنيه إسترليني , وعموماً فالقرار البريطاني الذي يُنكر علي لاجئي Chagos حقهم في العودة إلى وطنهم ينتهك ويتعارض كما سبق الإشارة مع المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على ” لا يجوز الإعتقال التعسفي أو الحجز أو النفي” , ومما يؤكد تعسف الحكومة البريطانية في هذه القضية أن حكماً صدر عن المحكمة العليا في لندن في 3 نوفمبر 2000 يقضي بحق هؤلاء في العودة للعيش في بلدهم الأصلي , وهو حكم عادت تلك المحكمة وأكدته ثانية بحكمها الصادر في 11 مايو 2006 وكذا فعلت محكمة الاستئناف لندن في حكم بتاريخ 23 مايو 2007, لكن مما يُؤسف له أن مجلس أو لجنة ” لوردات القانون” رفض حق العودة هذا في قرار صدر عنه في 22 أكتوبر 2008 أكدته المحكمة العليا للمملكة المتحدة بحكمها الصادر 29 يونيو 2016 .
خلال فترة الـ 20 سنة القادمة أي خلال مدة تمديدعقد إيجار جزيرة Diego Garcia الموقع بين بريطانيا والولايات المتحدة والمُقرر له أن ينتهي في 30 ديسمبر 2036 سيظل سكان جزر أرخبيل Chagos ومنه سكان جزيرة Diego Garcia والذين طردتهم بريطانيا منها , ضحايا عملية تغيير ديموجرافي قسري إقترفتها بريطانيا لتحقيق مصالح عسكرية بريطانية / أمريكية في إطار الإستراتيجية العسكرية لكلاهما وستظل أحلام الدول المُشاطئة للمحيط الهندي في جعل هذا المحيط “منطقة سلام ” أحلام مُعلقة أو أحلام يقظة لا أكثر ولا أقل .
تلقي لجنة تضامن Chagos – La Réunion دعماً من شخصيات مُتعددة في جزيرة La Réunion وهي جزء من فرنسا ما وراء البحار ففي 28 مايو 2018 وصل وفد يمثل سكان Chagos إلي جزيرة La Réunion في زيارة إستغرقت أسبوعاً للقاء شخصيات تنتمي للحزب الشيوعي بجزيرة La Réunion , وتقدم هذه الشخصيات المساعدة الممكنة لقضية ولسكان Chagos الذين طردتهم بريطانيا في ستينيات القرن الماضي فقد بذلت هذه الشخصيات جهوداً ملموسة في تعريف العالم بحجم الكارثة الإنسانية التي أصابت شعب أرخبيل Chagos , وفي إجتماع لهذا الحزب في عام 2017 صوت الحزب في مؤتمره لصالح التضامن مع شعب Chagos , وفي 2 يونيو 2018 وبمدينة Saint-Denis في جزيرة La Réunion نُظمت مظاهرة للسلام للتضامن مع الشعبين الفلسطيني وشعب Chagos وانتهت بالإعلان عن إنشاء حركة La Réunion للسلام التي أرسلت رسالة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية تطلب منه عدم استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي , ثم عُقد إجتماع آخر في شهر يونيو 2018 للمتضامنين من بينهم Maurice Gironcel أمين عام الحزب الشيوعي وذلك فيkiosque du Barachois وأعتبرهؤلاء المُتضامنون أن هذه المظاهرة نقطة البداية لإعلان قيام حركة لارينيون للسلام أو Mouvement réunionnais pour la paix , وكان أول إجراء عملي إتخذته هذه الحركة التضامنية – كما سبق وأشرت – إرسال رسالة لرئيس الجمهورية الفرنسية قرأها أحد المًتضامنين علي الجمع تضمنت طلب عدم إستقباله لرئيس وزراء الكيان الصهيوني في ضوء شراسة القمع الصهيوني للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية , كما تضمنت الرسالة عدم دعم فرنسا لبريطانيا ضد موريشيوس في محكمة العدل الدولية ( وكلا الطلبين لم يُستجاب لهما بالطبع) التي تنظر في قضية أرخبيل Chagos , وفي ختام هذه المناسبة التضامنية قرأ أحد المُتضامنين رسالة من المندوبين الفلسطينيين الموجودين فى الصين حاليا للمشاركة فى ندوة دولية حول الماركسية تضمنت ترحيب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني بكفاح شعب Chagos وتمنى النجاح لمسيرته * ( موقع Temoignages بتاريخ2 يونيو2018) , من جهة أخري دعت لجنة تضامن Chagos-La Réunion(أُنشأت عام 2010 للتعريف والتوعية بقضية الأرخبيل عن طريق تنظيم مؤتمرات وندوات وإصدار بيانات) في رسالة أصدرتها في 29 أكتوبر 2018 إلي دعمها مالياً في موعد غايته نوفمبر 2018 حتي يتمكن وفد يمثل أرخبيل Chagos من السفر إلي لندن للمشاركة في جلسات بشأن قضيتهم أمام المحكمة البريطانية العُليا في 10 ديسمبر 2018 لتنظر في الطعن علي قرار الحكومة البريطانية تجديد عقد إيجار جزيرة Diego Garcia للأمريكيين , علي غرار تمويل المشاركة السابقة في جلسات الإستماع التي كانت أمام محكمة العدل الدولية في La Haye بهولندا حيث توجه وفد يمثل مواطني أرخبيل Chagos وكان مُكوناً من 9 رجال ونساء منهم 3 عن جزيرة Peros Banhos و3 عن جزيرة Salomon و3 عن جزيرة Diego Garcia , وقد تولت حكومة موريشيوس تغطية نفقات سفر وإقامة 3 أشخاص بينما تولت لجنة تضامن Chagos – La Réunion وأستراليا تغطية نفقات الأعضاء الست الآخرين .
نشرت لجنة تضامن Chagos – La Réunion مع أرخبيل Chagos بياناً في 9 ديسمبر 2018 تضمن الإشارة إلي أن مرحلة جديدة من الكفاح لشعب Chagos من أجل العودة لبلدهم التي طُردوا منها بسبب إقامة قاعدة عسكرية في Diego-Garcia ستبدأ , وطالبوا أيضاً بالتصريح لهم بالمثول أمام المحكمة العُليا بلندن التي تبدأ جلساتها في 10 ديسمبر 2018 حيث ستتعامل مع جوهر مشكلة Chagos , وكانت المحكمة العليا البريطانية قد رفضت في يونيو 2016 الطعن المقدم من Olivier Bancoult نيابة عن مجموعة لاجئي أرخبيل Chagos ( تم إبعاده عن الأرخبيل وطرده بواسطة السلطات البريطانية عام 1973) , ويتعلق هذا النداء بـالحكم الكارثي الصادرعن مجلس اللوردات عام 2008 , وإستغرق عقدًا من المعارك القضائية إنتهت بحكم رافض رفضاً باتاً لحق سكان Chagos في العودة للعيش في جزرهم الأصلية التي طردوا منها قبل 40 عاما , وليس هذا هو الوجه الوحيد لحشد وتعبئة الرأي العام في موريشيوس في أوساط سكان Chagosاللاجئين بها فقد عقد البروفيسور André Oraisonمُؤتمراً في مسرح Elieبجامعة La Réunion في Saint-Denis يوم 21 فبراير 2019 برئاسة لجنة Chagos La Réunion أوإختصاراً (CSCR) للتضامن برئاسة Georges Gauvin ومن بين النقاط التي تعرض لها المؤتمر موضوع قاعدة Diego Garcia .
أثناء مؤتمر عُقد من خلال الفيديو في 13 ديسمبر 2018 مع مجموعة Preserve Seychelles قدم له Alain Dreneau أمين لجنة التضامن مع Chagos / La Réunion حيث أشار إلي بعض المعلومات عن المعركة التي استمرت لأكثر من 40 عامًا من أجل الحصول علي حق العودة إلى بلدهم من المكان الذي يعيشون فيه بعد طردهم منه بسبب إقامة قاعدة Diego Garcia العسكرية , وقال السيد Dreneau ” أنه منذ يوم الاثنين10 ديسمبر 2018 وحتي يوم عقد المؤتمر بالفيديو كانت هناك محاكمة جديدة في المحكمة العليا في لندن تعقد جلساتها , وهي المحكمة التي تنظر في قرار سابق لها عام 2016 يُنكر علي سكان Chagos وDiego Garcia حقهم في العودة لجزرهم , لكن هذا الحكم مع ذلك بموجب منطوقه ترك الباب مفتوحاً ” وأشار إلي ” أنه إذا لم تقدم الحكومة البريطانية حلا معقولا بناء على طلب من شعب Chagos فبإمكانهم المثول أمام محكمة لندن العليا , لكن ما حدث في الواقع هو أن الحكومة البريطاانية قطعت طرق اللجوء للمحكمة العليا بلندن حين جددت حكومة رئيسة الوزراء البريطانية Theresa May عقد الإيجار للقاعدة العسكرية الأمريكية بجزيرةDiego Garcia للولايات المتحدة , وبالتالي لم يعد التفاوض ممكناً مما إضطرهم مرة أخري للتقدم للمحكمة العُليا بلندن التي حضرت جلساتها ” .
في إطار كشف جريمة أرخبيل Chagos أصدر Olivier Précieux وهو مدرس بكلية College la Confiance بموريشيوس كتاباً بعنوان” بيع أرخبيل : عقد باطل” أو ” Selling of Archipelago : A void contract” , وفي هذا الكتاب تساءل مؤلفه Olivier Précieux بقوله : هل هم جميعا مذنبون ومتواطئون: الإنجليز والأميركيين وحزب العمل PTR بموريشيوس ؟ أجاب المؤلف أن : نعم ، فعلي طاولة التفاوض في سبتمبر من عام 1965 فيLancaster House بين البريطانيين وممثلي حكومة موريشيوس الإنتقالية إبان الفترة الإستعمارية وكانوا من أعضاء بحزب العمل Ptr وحزب كتلة الإستقلال IFB ولجنة العمل للمسلمين وحزب موريشيوس وممثلين عن القطاع الخاص , كل هؤلاء ناقشوا إستقلال موريشيوس مع الجانب البريطاني الذي كان يترأسه Harold Wilson رئيس الوزراء البريطااني آنئذ , وكانت اليد العُليا في هذه المفاوضات لحزب العمل إذ كان وقتذاك يحوز 23 مقعد بالجمعية التشريعية لموريشيوس وكان يقوده السير Seewoosagur Ramgoolam , ووقتذاك ثارت شائعات عن تنازل هذا الحزب عن أرخبيل Chagos لبريطانيا وتأكدت هذه الشائعات فيما بعدعندما كُشف عنها إذ وافقت موريشيوس من حيث المبدأ – نتيجة المفاوضات – علي فصل أرخبيل عن موريشيوس , وعرض البريطانيين مقابل ذلك شراء الأرخبيل من موريشيوس مقابل 3 ملايين جنيه إسترليني , لكن القضية – كما قال Olivier Précieux في كتابه – أكثر تعقيدًا من ذلك , إذ أن البريطانيين والأمريكيين كانوا قد إتفقوا قبل التفاوض علي فصل Diego Garcia عن موريشيوس لإقامة قاعدة عسكرية وهو ما كان موضوع تقرير سري بريطاني يحمل رقم FO371/18452 , وفي موضع آخر من كتابه شرح Olivier Précieux وسائل الإكراه التي مارستها بريطانيا علي موريشيوس للتخلي عن الأرخبيل وتساءل كيف يمكن للمستعمر البريطاني أن تكون لديه الولاية والقدرة علي التفاوض مع مالك الأرض ؟ وبالتالي فما يتذرع به البريطانيين من أنهم أشتروا الأرخبيل من موريشيوس لقاء 3 مليون جنيه أسترليني يجب إعتباره لاغياً , فموريشيوس لم تكن في هذه الآونة دولة وبالتالي ليست خاضعة لأحكام القانون الدولي ومن ثم لم تكن لديها القدرة على إبرام المعاهدات , لكن يُلاحظ أيضاً فيما يتعلق بقضية Chagos أنه وفي عام 1982 دفعت الحكومة البريطانية بناء علي حكم المحكمة العُليا البريطانية مبلغ 4 ملايين جنيه إسترليني لسكان الأرخبيل الذين تم طردهم من أراضيهم بالأرخبيل في الفترة الممُتدة بين 1968 و1973, ويتسق مع كلام Olivier Précieux ما صرح به Ashok Subron الناشط النقابي من موريشيوس إذ أعرب عن أسفه لأن حكومة موريشيوس والأحزاب السياسية التقليدية والنخبة الرسمالية لا يريدون عودة أرخبل Chagos بصفة فعلية لموريشيوس . * ( موقع Defimedia.info بتاريخ 27فبراير 2019)
حاولت بريطانيا إثناء سكان أرخبيل Chagos الذين طردتهم في ستينات القرن الماضي من موطنهم بالأرخبيل الذي إستعمرته عن المُضي في مطالبتهم بالعودة لموطنهم وإسترداد موريشيوس لهذا الأرخبيل , وذلك عن طريق إغرائهم مالياً إذ أصدرت الحكومة البريطانية في نوفمبر 2016 قراراً أُعلن عنه في البرلمان البريطاني مفاده استعداد الحكومة البريطانية لدفع 40 مليون جنيه إسترليني على مدى عشر سنوات قادمة لبرامج الدعم الاجتماعي والتربوي لهؤلاء , لكنهم رفضوا .
في نهاية المطاف عقدت محكمة العدل الدولية جلسات إستماع مفتوحة عٌقدت في الفترة من 3 إلي 6 سبتمبر 2018 بمقر محكمة العدل الدولية بلاهاي شارك فيها مع الجانبين البريطاني والمورشيوسي ممثلي 20 دولة أخري منهم الإتحاد الأفريقي , وألقي ممثلو هذه الدول والإتحاد الأفريقي بيانات شفوية , ومما يُلاحظ في هذه الجلسات أن الكيان الصهيوني كان من بين هذه الدول ومثله Tal Becker المُستشار القانوني بوزارة خارجية الكيان وتبني في بيانه الشفوي الذي ألقاه في جلسة الإستماع وجهة النظر البريطانية , فيما لم تكن هناك دولة عربية واحدة من بين هذه الدول العشرين , وأعلنت المحكمة خلال هذه الجلسات أن رأيها الإستشاري سيُعلن بعد 6 أشهر من نهاية جلسات الإستماع , (دافعت 18 دولة من هذه الدول عن مطالبة موريشيوس بالسيادة علي الأرخبيل وهذه الدول هي : بليز وبوتسوانا والبرازيل وقبرص وألمانيا وجواتيمالا والهند وكينيا وجزر مارشال وموريشيوس ونيكاراجوا ونيجيريا وصربيا وجنوب أفريقيا وتايلند وفانواتو وزامبيا بالإضافة إلي الاتحاد الأفريقي) , وابتداءً من 3 سبتمبر 2018 وهو أول يوم في جلسات الإستماع تعين على محكمة العدل الدولية البت في مشروعية القرارات التي اتخذتها الحكومة البريطانية بين عامي 1963 و 1973 لإفراغ أرخبيل Chagos من جميع سكانه ثم تأجير بريطانيا لواحدة من جزره وهي جزيرة Diego Garcia للحكومة الامريكية لإقامة قاعدة عسكرية عليها يعمل فيها أشخاص من مختلف الجنسيات باستثناء شعب Chagos , وفي هذه الجلسات أوضح ممثلي مورشيوس وكذا سكان جزر Chagosأن “عملية إنهاء الإستعمار لم تكتمل بعد بالنسبة لموريشيوس , كما أوضح رئيس موريشيوس السابق ووزير الدفاع الحالي Anerood Jugnauth – وهو الوحيد الباقي علي قيد الحياة من بين زعماء موريشيوس الخمسة الذين شاركوا في مؤتمر Lancaster House الدستوري عام 1965 للتفاوض مع بريطانيا لنيل الإستقلال عنها – في هذه الجلسات قال أنه ” بعد أكثر من خمسين عامًا من الاستقلال ، لا تزال عملية إنهاء استعمار موريشيوس غير مكتملة ” , مُضيفاً قوله ” أن التقسيم الإقليمي (لموريشيوس وفصل الأرخبيل عنها) تم تحت الإكراه في إطار المحادثات حول استقلال موريشيوس ، الذي منحته بريطانيا لموريشيوس بعد ثلاث سنوات من التفاوض ” , ثم أشار إلي ” إن الوفد الموريشيوسي في ذلك الوقت لم يكن لديه هامشاً أو خياراً بشأن قضية Chagos , وان شعب موريشيوس لم يُمنح أبداً فرصة للموافقة علي أو معارضة إنفصال الأرخبيل ” , ثم نوه ” إلي أنه خلال اجتماعات التفاوض السرية في لندن أراد رئيس الوزراء البريطاني آنذاكHarold Wilson “تخويف” المسؤولين الموريشيوسيين لإجبارهم على التخلي عن أرخبيل Chagos قائلاً لهم أنه يمكنهم العودة إلى Port-Louis ” مع الاستقلال أو بدونه ” , وأن أفضل حل هو الاستقلال وفصل Chagos من خلال اتفاق” * ( Le Monde . بتاريخ 3 سبتمبر 2018) , وفي هذه المفاوضات غير المُتكافئة إنتحي رئيس الوزراء البريطاني Harold Wilson برئيس وزراء موريشيوس آنذاك Seewoosagur Ramgoolam ومستشاره السياسي فقط في إجتماع إقتصر عليهم ومارس عليه ضغطاً وتخويفاً من مغبة عدم الموافقة علي فصل الأرخبيل * ( موقع Mail \ Guardian بتاريخ 4 سبتمبر 2018)
بطبيعة الحال فإن جمهورية موريشيوس بإعتبارها الوطن الأم , لذلك فقد حملت علي عاتقها هذا النزاع بإعتبارها مسئوليتها عن سكان أرخبيل Chagos , فتوجهت بالقضية إلي مسارات مختلفة أهمها القضاء االبريطاني الذي لم يسمح لسكان Chagos بالعودة , والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان التي أشارت بممارسة سكان الأرخبيل حق العودة لأراضيهم بالأرخبيل من مواطن لجوءهم بسيشل وببريطانيا وبموريشيوس , في الوقت الذي حظيت موريشيوس بتعاطف ودعم دائم لموقفها في مواجهة بريطانيا من الرأي العام بجزيرةLa Réunion (جزيرة تابعة لفرنسا تقع بشرق المحيط الهندي وشرق جمهورية مدغشقر) بالإضافة إلي أن أرخبيل Chagosكان مُمثلاً لدي منتدي المحيط الهندي , وكان بعض سكان Chagos أيضا ضيوف شرف في المنتدى الأول الذي عقد العام الماضي في أنتاناناريفوعاصمة مدغشقر مما أتاح الفرصة لأوليفييه بانكولت للظهور لأول مرة في مدغشقر وقد سمح ذلك أيضا لشعب أرخبيل Chagos بأن يكون عضواً كاملاً في منظمة دولية هي منتدى جزر المحيط الهندي .
مواقف وردود أفعال الأطراف المعنية بالنزاع علي أرخبيل Chagos بعد إعلان الرأي الإستشاري :
(1) مــوقـــف مـوريـــشيوس :
بعد صدور الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية في 25 فبراير 2019 لصالح موريشيوس إستدعت وزارة خارجية موريشيوس كوادرها الدبلوماسية والإدارية في 27 فبراير 2019 لحضور جلسة عمل بهذا الشأن , بينما أعرب وزير الخارجية والتكامل الإقليمي والتجارة الدولية لموريشيوس Vishnu Lutchmeenaraidoo في تصريح له تعقيباً علي الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية عن ” شكره وعرفانه لجميع الدول التي دعمت قضية موريشيوس في محكمة العدل الدولية في لاهاي , منوُهاً بأن بلاده تنوي بهذه المناسبة إرسال خطابات شكر لوزراء خارجية هذه الدول تقديراً لدعمها ” , لكنه أضاف قوله ” إن هناك طريق طويل يتعين قطعه حتى تتمكن موريشيوس من ممارسة السيادة الكاملة على أرخبيل Chagos واستكمال عملية إنهاء الاستعمار” , ومع ذلك أشار إلى ” أن بريطانيا والولايات المتحدة حليفتان لموريشيوس وستظلان كذلك ” . * ( موقع defimedia.info بتاريخ 3 مارس 2019) , وفي الواقع فقد أدت وزارة خارجية موريشيوس أداء دبلوماسياً عالياً إذ أنها نفذت حملة دبلوماسية ضاغطة تضمنت التحرك بإتجاه الهيئات الدولية والاتحاد الأفريقي وكتلة أفريقيا – البحرالكاريبي والمحيط الهادئ وحركة عدم الانحياز ومجموعة الـ 77 ، بالإضافة للتحركات علي الصعيدين الثنائي والإقليمي , وكان هناك تنسيق وثيق بين وزارة الشؤون الخارجية وبين مكتب رئيس وزراء موريشيوس فيما يتعلق بالإجراءات والخطة الدبلوماسية لتأمين أفضل نتيجة لقضية أرخبيل Chagos .
في تعقيبه علي الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 25 فبراير 2019 أدلي وزير خارجية موريشيوس السابق Jean Claude de l’Estrac بتصريحات بشأن ذلك في مقابلتين صحفيتين نشرهما موقع defimedia.info وكان أهم ما ذكره في المقابلة الأولي في 27 فبراير 2019 أي بعد إصدار محكمة العدل الدولية رأيها الإستشاري بيومين :-
– ” للأسف فمن يعرفون ملف نزاع Chagos يعرفون أيضاً أن البريطانيين والأميركيين لن يتركوا Diego Garcia فهي اليوم أحد أهم المطارات البحرية للولايات المتحدة , وإني لأجد صعوبة في تصديق أن سكان أرخبيل Chagoss لن يعودوا لأرضهم “.
– ” المُتاح لموريشيوس بعد حكم محكمة العدل هو الدبلوماسية وممارسة التفاوض , فعلي مدي الخمسين عاماً الماضية مع البريطانيين في هذا النزاع أصبحت مقتنعاً بأنه لم يعد من الممكن أن تستعيد موريشيوس سيادتها على Diego Garcia , ولعل البعض قد لاحظ أنه حتى محكمة العدل الدولية (ICJ) تجنبت في نص رأيها الإستشاري استخدام كلمة ” سيادة ” مُفضلة الإشارة إلي ” إنهاء الاستعمار ” , ومن الواضح أن المفهومين مرتبطان لكن الفوارق الدقيقة بينهما تستحق المُلاحظة , ولهذا السبب تجدني أتبني نهج إتباع سياسة واقعية يمكن أن تسمح لنا باستعادة الجزر الأخرى لأرخبيل Chagos والتي هي جزء من إقليم المحيط الهندي البريطاني المعروف إختصاراً بــ BIOT فهذه الجزر الأخري ليست للاستخدام العسكري للأمريكيين ، فأحد جزر أرخبيل Chagos وهي جزيرة Peros Banhos تقع على بعد 100 كيلومتر من Diego Garcia , وبما أن الحكومة أعلنت بالفعل أنها لن تثير مسألة وجود القاعدة الأمريكية في Diego Garcia ، إذن يجب أن يُفهم من هذا أنه لن يتم السماح لسكان Chagos الأصليين بالعودة إلى جزيرة Diego Garcia , والبريطانيين من جانبهم درسوا هذه المسألة من الناحية القانونية , وبريطانيا ومعها الولايات المتحدة لا تريدان إقامة سكان من أرخبيلChagos في Diego Garcia مع أنهم وبموجب ميثاق الأمم المتحدة يمكنهم ممارسة حقهم في تقرير المصير , لكن الفرصة في ذلك ضعيفة ” .
– ” المسألة ليست مسألة قدرة , بل مناخ مناسب , و المناخ الحالي للعلاقات البريطانية مع موريشيوس متوتر للغاية , لكن في الوقت نفسه قد ترغب لندن في إعطاء الانطباع بأنها تبحث عن مخرج من خلال الدبلوماسية الذكية وبالتالي فقد تطلب لندن بدء مفاوضات بشأن سيادة موريشيوس على الجزر الأخرى من BIOT (إقليم المحيط الهندي البريطاني) مع التأكيد على عدم منازعة موريشيوس في موضوع القاعدة الأمريكية بجزيرة Diego Garcia , وهناك سابقة إيجابية إذ أن بريطانيا سبق لها وسلمت أكثر من ثلاث جزر سيشيلية كانت في الأصل جزءا من ” BIOT.
– ” فيما يتعلق بالحجج التي يمكن أن تتمسك بها موريشيوس في أي مفاوضات قادمة مع بريطانيا , لا أري بديلاً عن الإستمرار في إثارة الإضطراب الدبلوماسي ضد بريطانيا إذ أنها تمر بوقت صعب سياسياً ودبلوماسياً في الوقت الحالي , وأتوقع معارضة حزب العمال الذي يقوده Jeremy Corbyn والذي لديه حساسية من قضية أرخبيل chagos ” .
– ” ما حدث هو أن بريطانيا تجاهلت الرأي الاستشاري كما هو مُتوقع فقد ردت بريطانيا بأن هذا (أي رأي محكمة العدل الدولية) مجرد رأي ليس له قوة ملزمة , كما أنه في الماضي زعمت بريطانيا أنها لم تصوت لصالح قرار الأمم المتحدة 1514 (د -15) الذي يحظر إقتطاع أراضي استعمارية قبل أن تحصل الدولة المُستعمرة على الاستقلال , وبالتالي فليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إدانة بريطانيا بموجب قرار من الجمعية العامة الذي أصبح يعتبر جزءا من الميثاق , وهذه الإدانة كانت في ديسمبر 1966وهي الأولى من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ” .
– ” ستواصل موريشيوس التطلع للحصول على الدعم الدبلوماسي من حلفائها التقليديين أي الاتحاد الأفريقي وحركة عدم الانحياز وهو دعم عقيم , ففي السابق وتحديداً في مارس 1983وبناء على طلب من موريشيوس كانت 101 دولة من دول حركة عدم الانحياز قد طالبت باحترام سيادة موريشيوس على الأرخبيل في مارس 1983 , ولذلك أدعو الكل بتوخي الواقعية ” . *( موقع Defimedia.info بتاريخ 27 فبراير 2019)
أما المقابلة الثانية فكانت بتاريخ 2 سبتمبر 2018 ( قبل بدء محكمة العدل الدولية جلسات الإستماع بشأن قضية أرخبيل (Chagosونشرها نفس هذا الموقع , وكان أهم ما أشار إليه Jean-Claude de L’Estrac وزير خارجية موريشيوس السابق فيها :-
– ” إن أولئك الذين يعرفون الملف يعرفون أيضاً أن البريطانيين والأمريكيين لن يدعوا Diego Garcia , لكني في نفس الوقت أرى أن مواطني Chagos ما زالوا يعتقدون أنهم سيعودون إلى الوطن قريباً “ . ( موقع defimedia.info بتاريخ 3 مارس 2019)
– ” على الرغم من أن رأي هذه المحكمة وهي الجهاز القضائي للأمم المتحدة غير ملزم ، إلا أنه يتمتع بسلطة أخلاقية عالية لهذا فعلت بريطانيا كل ما في وسعها لتفاديه ومع ذلك ومن الوجهة الجوهرية لا أتوقع للأسف أي شيء جديد ” .
– ” من الطبيعي أن تُصاب بريطانيا بالإحباط بسبب هذا الرأي الإستشاري إذ أظهر أنه بالرغم من قوة بريطانيا إلا أنها ظهرت أمام العالم بشكل يثير الإزدراء , كما أنه كشف للعالم وقبله للسكان الذين طردتهم بريطانيا من أرخبيل Chagos الوجه الإستعماري لبريطانيا التي حاولت أن تمحوهم من خريطة العالم , مع أنه شعب صغير وبسيط كان محتاجًا للحماية , ولكن بعيداً عن الإدانة الأخلاقية المحتملة أخشى أن تبقى الأمور هناك علي ما هي عليه ” .
– ” انتهكت بريطانيا بلا أدني شك ميثاق الأمم المتحدة بشأن حق الشعوب في الاستقلال , وفشلت في الامتثال لقرار الجمعية العامة الذي يحظر على السلطة القائمة بإدارة أي إقليم أن تمزقه قبل الاستقلال ولقد تجاهلت ذلك لأكثر من خمسين عاما , وقد أدانت الجمعية العامة بريطانيا في حينه ، لقد تجاهلت ذلك لأكثر من خمسين عاما ” .
– ” تعهد البريطانيون للأمريكيين مقابل إيجارهم لجزيرة Diego Garcia بإفراغ الجزيرة من سكانها , وفي نهاية المطاف فإن من سيقرر إخلاء هذه الجزيرة هم الأمريكيون , ومن المعلوم أن العقيدة العسكرية الأمريكية تقوم على أسس منها اقتناء جزر ذات كثافة سكانية منخفضة أو غير مأهولة بالسكان لإقامة القواعد بها تجنباً للمشاكل السياسية , ووفقًا لهذا اشتروا عددًا كبيرًا من الجزر في ستينيات القرن الماضي , ويري الأمريكيين أن Diego Garcia موقع “شبه مثالي” بسبب صغر عدد سكانه “غير البيض” .
– “سيواصل الأمريكيون تبرير ضرورة قاعدة Diego Garcia لهم في سياق الحرب الباردة الجارية الآن ، وفي سياق محاربة الإرهاب , كما أن الأميركيون إستثمروا أكثر من 3 مليارات دولار في المرافق التي جعلت من Diego Garcia واحدة من أهم قواعدهم العسكرية , بالإضافة إلي سبب آخر وهو زيادة وجود البحرية الصينية في المحيط الهندي ، وهناك حديث في واشنطن عن إمكانية السماح بدخول السفن الحربية الهندية إلى Diego Garcia ” .
– “ مسألة السيادة علي أرخبيل Chagos ومسألة حق عودة سكانه مسألتان مُنفصلتان , فلقد رفع هؤلاء السكان عدة قضايا في المحاكم البريطانية بإعتبار أنهم رعايا بريطانيين تعرضوا للظلم من قبل الإدارة البريطانية , لقد تحدوا كمواطنين بريطانيين نظام إقليم المحيط الهندي / البريطاني ، وبالتالي فمن أمر بطردهم بريطانيا وهم بريطانيون , ولهذا شرع هؤلاء في طلب إعادة النظر في قانون الهجرة البريطاني ، الذي قبله القاضي البريطاني , وكانت إحدى الحجج أن الحكومة البريطانية ليس لديها السلطة لطرد المواطنين البريطانيين من الأراضي الوطنية , وقد قيل في دعوى قضائية رفعها Olivier Bancoult( زعيم مجموعة لاجئي Chagos ) بإعتباره مواطن يعيش في BIOT (نطاق المحيط الهندي البريطاني) أن لديه الحق الأساسي في الإقامة فيه وأن هذا الحق قد انتهكه قانون الهجرة ، لذلك ولأسباب أخلاقية وإنسانية يجب على دولة موريشيوس التمييز باستمرار بين المعركتين ” . * (موقع Defimedia. Info بتاريخ 2 سبتمبر 2018)
كذلك كانت هناك تعقيبات أخري في مجتمع موريشيوس عبر عنها كثيرين منهم مثلاً السيد Philippe Sands وهومحامي حكومة موريشيوس في قضية أرخبيل Chagos أمام محكمة العدل الدولية *( موقع lexpress.mu بتاريخ 5 مارس 2019) ومن أهم ما ذكره فيها :
– ” إنني متفاءل بحل دائم لمشكلة Chagos وأؤيد الحوار مع البريطانيين ” .
– ” بالنسبة للحكم الذي صدر بشأن أرخبيل Chagos والذي كان في صالح وجهة نظر حكومة موريشيوس أري أن كل شخص معني سوف يفكر , فهذا القرار له تداعيات وسيكون له آثار داخل منظومة الأمم المتحدة وخارجها , وليس هناك من شك في أن موريشيوس والمملكة المتحدة ستجلسان في وقت ما وتتحدثان ” .
– ” أنا متفائل بواقعية , فمن كان يظن ،قبل بضع سنوات أنه سيتم الحصول على مثل هذا القرار من الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة , ومع ذلك ، فإن رد فعل المملكة المتحدة عبر عنه مسئوليها فقالوا أن ما إنتهت إليه محكمة العدل الدولية مجرد رأي إستشاري غير ملزم , وهو يدل بوضوح على أن المقاومة البريطانية مستمرة , إذن ما هو البديل الآخر إذا فشل الحوار؟ دعونا ننتظر ونرى ” .
– رداً علي سؤال في منتهي الأهمية عن أن موقف حكومة موريشيوس هو أنها تعترف بوجود القاعدة الأمريكية في Diego Garcia , وانها أي موريشيوس أوضحت للأمريكان والسلطة الإدارية (بريطانيا) بأنها تقبل مستقبل القاعدة . إذن فلماذا هذا الموقف من حكومة موريشيوس ؟ رد المحامي Philippe Sands بقوله ” تُسأل في ذلك حكومة موريشيوس وليس المُستشارين القانونيين لها , فالموقف المُعلن منها أمام المحكمة مازال كما كان من قبل , يعني أن القاعدة الأمريكية فيDiego Garcia يمكن أن تعمل وفقاً للقانون الدولي” .
– ” كل خطوة كانت ضرورية , أولا وقبل كل شيئ أنوه إلي أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تمسكت بها موريشيوس في دعواها وهو نجاح أدى إلى إشارة المحكمة إلي أن الحديقة البحرية التي أعلنتها بريطانيا تتعارض مع القانون الدولي ، واثنين من الآراء المنفصلة للقضاة وهما كاتيكا وولفولوم أشارا بناء علي ذلك بأن أرخبيل Chagos كان جزءاً من موريشيوس ” .
مما قد يتكامل مع هذه التصريحات ما صرح به السيد Pierre Prosper رئيس جمعية سكان أرخبيل Chagos بجزرSeychelles , فلقد أشار إلي ملاحظة ذات مغزي إذ قال ” أن موريشيوس تتطلع إلي الفوائد التجارية أو المالية من وراء إستعادة أرخبيل Chagos وأعتقد أن مطالبة حكومة موريشيوس بإستعادة أرخبيل Chagos دافعها المكاسب التجارية والإيجار الأمريكي لجزيرة Diego Garcia ومناطق الصيد الجديدة , وأخشي ما أخشاه هو أنه إذا حدث ذلك فإن لاجئيChagos سيجدون أنفسهم أمام أفق أكثر قتامة مما كانوا عليه في 50 عامًا مضت , فموريشيوس في الواقع ليست معنية برفاهية سكان هذا الأرخبيل المُبعدين عن موطنهم الأصلي بمعرفة بريطانيا وذلك في موجات مُتتابعة بدأت عام 1960 وتوالت في 1965 وفي سبعينيات القرن الماضي , وقلقنا هو أن حكومة موريشيوس لم تبد أي اهتمام برفاهية سكان الجزيرة ونوعية حياتهم لا سيما أولئك الذين يعيشون في موريشيوس “ . * (Seychelles News Agency . 7 سبتمبر 2018) , وفي تقديري أن ما ذهب إليه السيد Pierre Prosper به من الحقيقة أكثر مما به الخشية المُجردة , فالمنطق القانوني أن الرأي الإستشاري صدر متضمناً طلب المحكمة من البريطانيين أن يسلموا الأرخبيل لموريشيوس بما فيه جزيرة Diego Garcia أولاً وقبل كل شيئ , ومن البديهي أن حكومة موريشيوس وهي تعلن أنها لن تمس القاعدة الأمريكية في Diego Garcia فهي تعلن في نفس الوقت وبدون أن تقولها صراحة أن سكان جزيرة Diego Garciaلن يعودوا إليها وهم الذين سبق وطردتهم بريطانيا من هذه الجزيرة كي يقيم الأمريكيين قاعدتهم العسكرية بها والهدف هو الكسب المالي وليذهب سكان الجزيرة إلي حيث ألقت , مع أن 19 من القضاة والمحكمين الدوليين نظروا في قضية أرخبيل Chagos فحكم 14 منهم بأن إنهاء استعمار موريشيوس لا يزال غير مكتمل ، وأن موريشيوس تتمتع بالسيادة على أرخبيل Chagos وأن حق تقرير المصير قد انتهك , في الوقت الذي لم يوافق أي قاض أو محكم أو يؤيد موقف المملكة المتحدة .
يبدو من متابعة تطور موقف موريشيوس بالنسبة لهذا النزاع أنها مستعدة لمواصلة التأجير في الولايات المتحدة , ولكن بشرط مسبق بالطبع وهو أن تعترف واشنطن بقرار محكمة العدل الدولية وهو في تقديري ليس شرطاً بقدر ما هو غلالة تتستر حكومة خلفها لتبرر الخضوع للأمر الواقع أي لبقاء Diego Garcia في يد البريطانيين والأمريكيين الذين لن يقبلوا أن رابطة بين موريشيوس وهذه الجزيرة الإستراتيجية لكن ربما تكون هناك ترضية أمريكية غير مُعلنة لموريشيوس تأخذ الشكل الإعتيادي للمساعدات أو زيادة برامج التنمية الأمريكية في موريشيوس عبر الوكالة الدولية الأمريكية للتنمية USAID أو إضافة مساعدات أخري غير القائمة حالياً حيث تركز الولايات المتحدة علي تقوية وتعزيرز قدرات موريشيوس في أمن سواحلها وتدريب ضباط الأمن إضافة لبرامج تبادل خبرات خاصة في المجالين القضائي والعدلي هذا بالإضافة إلي أن موريشيوس مؤهلة للإستفادة من قانون الفرصة والنمو لأفريقيا AGOA وترتبط الولايات المتحدة وموريشيوس بإتفاق إطاري للتجارة والإستثمار , وبصفة عامة فالولايات المتحدة لم تُعلق علي الرأي الأإستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي كان لصالح وجهة نظر موريشيوس كما لو كانت غير معنية به بصفة مباشرة أو غير مباشرة , وذلك في الوقت الذي تمر فيه الولايات المُتحدة بموقف فيه بعض التشابه مع موقفها في جزيرة / قاعدة Diego Garcia التي وفقاً لرأي محكمة العدل الدولية الصادر في 25 فبراير 2019 تابعة لجمهورية موريشيوس , فقد تزامن هذا الحكم مع إستفتاء سكان جزيرة Okinawa في اليابان علي وجود القاعدة الأمريكية والذي جري تنظيمه في هذه الجزيرة في 24 فبراير 2019 وكانت نتيجة الإستفتاء هي أن سكان الجزيرة سأموا من الوجود العسكري الأجنبي علي أرضهم والذي كان إرثاً من الحرب العالمية الثانية , ففي هذه الجزيرة الواقعة بالمحيط الهادئ يتمركز 25,000 عسكري أمريكي بالقاعدة العسكرية الأمريكية بها .
قال Nundkeswarsing Bossoondyal مؤسس وأمين عام جمعية الأمم المتحدة لموريشيوس ” إن حكم محكمة العدل الدولية يمنح البلاد وضعًا مريحًا للغاية , وأعتقد أن على حكومة موريشيوس الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الدول التي دعمت موريشيوس بشأن قضية أرخبيل Chagos بل طلب مزيد من الدعم من الدول التي امتنعت عن التصويت مع موريشيوس ” , وأضاف ” إن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد تواجهان فترة صعبة حتى تعتمد الجمعية العامة للأمم الامتحدة فتوى محكمة العدل الدولية كقرار ملزم , وسيحاول البريطانيون ممارسة سياستهم المعروفة ” فرق تسد ” , ولكن علي موريشيوس أن تستمر في التعاون لأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عضوان دائمان نافذان بمجلس الأمن الدولي المتحدة , علاوة على ذلك تحتاج المملكة المتحدة موريشيوس في كتلة الكومنولث وبالتالي لدينا ميزة لإقناعهم باستكمال إنهاء استعمار موريشيوس للتمتع باستقلالنا الإقليمي التام , من جهة أخري فعلاقاتنا التجارية مع الولايات المتحدة يحكمها قانون قانون الفرصة والنمو لأفريقيا AGOA وهو اتفاق أحادي الجانب للولايات المتحدة بموجبه اليد العُليا حيث لدى الإدارة الأمريكية القدرة على استبعاد أي بلد مستفيد من فوائد قانون AGOA , ومن الناحية السياسية ليس لدى الولايات المتحدة أي دافع لفرض عقوبات على موريشيوس لأن جنرال موتورز الموريشيوسية GM طمأنت واشنطن بأنها تستطيع الاحتفاظ بقاعدتها العسكرية في Diego Garcia ” , وختم بأن قال ” في عالم متعدد الأقطاب لن يكون من السهل على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تهميش موريشيوس” . * (موقع Defimedia.info بتاريخ 5 مارس 2019) , أما البروفيسور Andrew Skudder المحاضر المشارك في جامعة Middlesex في موريشيوس فقال ” إن شيئاً لم يتغير بصدور هذا الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية لأنه ووفقاً للقانون الدولي فإن هذا الرأي غير ملزم ومع ذلك فهو مُعترف به سياسياً , إذ سيكون من الصعب على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تتجاهله أو تتعارض معه , والأمر في النهاية يعود إلى الجمعية العامة لتقرر ما يجب القيام به والخطوات التي يجب اتخاذها وقد أقرت حكومة موريشيوس بوجود قاعدة عسكرية أمريكية ذات أهمية استراتيجية وقالت إن كل ما قد يحدث هو إدارة الجزر وسيتم السماح للقاعدة بالبقاء لأن كلا الطرفين يعترفان بأن القاعدة العسكرية تظل ضرورية ، ويمكن أن يكون ذلك نقطة انطلاق للمناقشات الدبلوماسية والسياسية التالية “ . *(المصدر السابق) , كذلك قال Roopanand Mahadew كبير المُحاضرين بجامعة موريشيوس” إن موريشيوس عززت موقعها بأفضل طريقة ممكنة في القانون الدولي , فالفتوى الصادرة عن محكمة العدل ستساهم في أي إجراء جديد تعتزم الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخاذه بما في ذلك إمكانية صدور قرار آخر يدعو المملكة المتحدة إلى اتخاذ تدابير محددة , وفتوي محكمة العدل والحالة هذه ستكون بمثابة سلاح لإقناع وحشد الدعم من جميع البلدان التي امتنعت عن التصويت في يونيو 2017 لمجرد أنها لم تكن على علم بالوضع , وفيما يتعلق بالمفاوضات مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة فستكون ذات طبيعة دبلوماسية بشكل أساسي , ومع ذلك ربما يتم الانتهاء من هذه المعركة من خلال مختلف أجهزة الأمم المتحدة إستناداً إلى مبادئ القانون الدولي ” وأستدرك قائلاً ” أما مع Trumpبوصفه رئيس للولايات المتحدة والمملكة المتحدة التي تخوض في قضية خروجها من الاتحاد الأوروبي أو ما يُسمي Brexit فلا أرى أي تحسن إيجابي معهما على الجبهة الدبلوماسية ” . * (المصدر السابق)
أما رد فعل من تبقي من أبناء الجيل الذين طردتهم بريطانيا من جزر أرخبيل Chagos فيعبر عنهم Louis Rosemond Samynaden البالغ من العمر حالياً 82 عاماً والمولود في جزيرة Salomon أحد جزر هذا الأرخبيل الذي فصلته بريطانيا قسراً عن موريشيوس وبالذي بعد 40 يوماً من مولده إنتقل مع عائلته لجزيرة Diego Garcia , فقد قال ” كان لدي طفولة سعيدة وكانت المنازل من القش وكان بالجزيرة محطة إذاعية واحدة فقط ولم يكن هناك مدرسة فتعلمت حرفة الصياغة في سن 10 سنوات , وكانت Diego Garcia مثل الجزر المجاورة مليئة بنخيل جوز الهند وتغطي سواحلها الرمال وكانت هناك الكثير من السلاحف البحرية وتزوجت عام 1968 عندما كان عمري 32 سنة وكانت زوجتي Maudea تبلغ من العمر 19 عامًا وقتذاك , وكانت هي من جزيرة Peros Banhos , ولكن في يوم من الأيام تحول هذا الحلم إلى كابوس ، فعندما عالج الأطباء الأمريكيون والإسرائيليون ابنتي ووالدتي عام 1971 في Diego Garcia تحققت من أن هيكلاً متيناً يُشبه المطار يجري بناؤه وإقامة رصيف للقوارب على جزء من الجزيرة حتى أني رأيت رعايا فلبينيين يقومون بتنظيف الجزيرة , ومع ذلك ففي أي وقت من الأوقات لم أكن لأعتقد أن الترحيل من جزيرتي ووطني كان يمكن أن يكون مصيري , ففي عام 1973 فقط أخبرنا مسؤولان في جزيرة Diego Garcia أحدهما من سيشيل والآخر بريطاني أنه سيتم ترحيلنا إلى موريشيوس وكان ذلك في اجتماع ضم السكان الأصليين , وبالفعل تم الترحيل بعد ظهر يوم 29 أبريل , وكان المشهد لا يوصف ومازال لدي الإنطباع بأننا اضطررنا إلى مغادرة الجزيرة خلال المساء حتى لا نستطيع أن نحصل على آخر ذكرى للحظاتنا الماضية كان هناك ما لا يقل عن 250 من سكان أرخبيل Chagos في قارب من سيشيل أبحر بنا إلى Port-Louis عاصمة موريشيوس ….. كان ترحيلنا بالنسبة لي مثل طاعون لا يمكن علاجه , والتعويض من البريطانيين سيخفف من معاناتنا قليلاً , لكن المعاناة لا تقدر بثمن , علينا أن ندفع التعويض لأننا وقعنا ضحية عمل شنيع , ولكن للتخفيف من حزننا يجب أن تتاح لنا الفرصة للعودة إلى وطننا ” . * (موقع Defimedia.info بتاريخ 3 مارس 2019)
(2) الموقفان البريطاني / الأمريكي :
تشير الموسوعة البريطانية إلي أرخبيل Chagos تحت عنوان “Chagos Archipelago ” إلي ما يلي نصه :
” Island group , a major geographical feature of the British Indian Ocean, located in the central Indian Ocean about 1,000 mi (1600km) south of the tip of the Indian subcontinent . The archipelago has a total area of 23 sq mi (60 sq km) and comprises a semicircular group, open to the east , consisting (counterclockwise from the north)of the Solomon Islands, Peros Banhos atoll, Three Brothers ,Eagle, and Danger Islands, the Egmont Islands , and Diego Garcia atoll (q.v) the largest landmass in the group . Strategically situated at the the center of the Indian Ocean region and out of the path of cyclonic storms , the archipelago has been developed, especially at Diego Garcia , as an the as an air and naval refuelling and support station by the U.S . and U.K , over the strong opposition of the littoral and island states of the area , who wish to preserve the “Zone of Peace” status of the ocean embodied in United Nations resolutions .”
(ENCYCLOPAEDIA BRITANNICA- MICROPAEDIA – Volume 3 – 13 th EDITION 1985 – page 55)
ويُلاحظ في هذه الفقرة من المعلومات عن أرخبيل Chagos أن الوسوعة راعت وجهة نظر الحكومة البريطانية وطريقتها في كتابة تاريخ مستعمراتها السابقة , فهذه الفقرة عن أرخبيل Chagos لم تشر إلي إلي إكراه البريطانيين لزعماء موريشيوس الخمسة الذين ذهبوا إلي لندن بغية التفاوض مع رئيس الوزراء البريطاني Harold Wilson الذي خيرهم بين منحهم الإستقلال بدون أرخبيل Chagosأو بقاءهم تحت نير الإستعمار البريطاني , ولم تشر الموسوعة أيضاً لطرد السلطة الإستعمارية البريطانية لسكان أرخبيل Chagos من جزرهم والأهم أن الموسوعة لم تشر إلي أن جزيرة Diego Garcia أجرتها بريطانيا للولايات المتحدة لتقيم عليها قاعدة عسكرية ولا معلومات عن مبلغ الإيجار الذي يدفعه الأمريكان حتي نعرف أنه أكثر أم أقل من مبلغ الثلاث ملايين جنيه أسترليني الذي دفعته بريطانيا لموريشيوس مقابل شراء أرخبيل Chagos الذ مساحته التقريبية لا تقل عن 56,13 كم مربع والمُكون من 55 جزيرة منهم Diego Garcia , فالموسوعة البريطانية ضحت أو أنها تنازلت عن الموضوعية مقابل مصالح بريطانيا العُليا ففي تقديري أن التاريخ لا يُكتب ولكنه يُرسم بفرشاة فنان .
إن الموقف البريطاني من قضية التنازع مع موريشيوس بشأن أيلولة السيادة علي أرخبيل Chagos ينحصر في أن بريطانيا كما أكد بعض فقهاء القانون الدولي البريطانيون بقوة حصلت علي موافقة مجلس وزراء موريشيوس علي التخلي لبريطانيا عن أرخبيل Chagos مقابل حصول موريشيوس علي الإستقلال , وأن إقتطاع بريطانيا بهذه الكيفية كان دستورياً لأن جزر الأرخبيل كانت جزءًا قانونيًا من أراضي موريشيوس عندما كانت مستعمرة ثم أن بريطانيا بعد ذلك اقترحت دفع تعويض عن إخلاءها لأرخبيل Chagos من ساكنيه الألفين وهو إقتراح وصفه البريطانيون بأنه “كريم” (3 مليون جنيه إسترليني تم بهم شراء أرخبيل Chagos الذي لا تقل مساحته عن 56,13 كم مربع إضافة لموقعه الحاكم في قلب المحيط الهندي) , وهذا التعويض تم التفاوض عليه مع ممثلي مورشيوس كما أن هناك العديد من التصريحات التي أدلى بها الزعماء السياسيون في موريشيوس في ذلك الوقت من داخل الجمعية التشريعية وفي أماكن أخرى تؤكد جميعها أن هذا الاتفاق قد تم تقديمه للبرلمان بموريشيوس , وهذا ما يمثل لدي البريطانيين خط الدفاع الرئيسي لهم في هذه القضية وطرحوه علي محكمة العدل الدولية , ويضيف إلي هذا الموقف بياناً ما صرح به Robert Buckland النائب بالبرلمان البريطاني والمستشار القانوني للحكومة البريطانية إذ قال ” إن الطريقة التي عومل بها شعب أرخبيل Chagos مخزية ، ونحن نأسف لذلك بشدة , لكن هذا نزاع ثنائي بين لندن وبورت لويس ، وينبغي على قضاة محكمة العدل الدولية التخلي عن اعطاء رأيهم بشأن هذه القضية ” * ( africanews.fr بتاريخ 23 فبراير 2019) , وأضاف ” إن محكمة العدل الدولية ليست في وضع يمكنها من الوصول إلى رأي بشأن السيادة علي Chagos في إجراءاتها الاستشارية , كما نفى أن يكون اتفاق عام 1965 وُقع تحت الإكراه وأنه في عام 1982 وقعت موريشيوس والمملكة المتحدة معاهدة توصلتا فيها إلى “تسوية كاملة ونهائية ” لمطالب موريشيوس بالجزر .
في سبيل إنشاء قاعدتها العسكرية في Diego Garcia إقترحت الولايات المتحدة علي بريطانيا في محادثتهما التي بدأت عام 1964 بشأن أرخبيل Chagos فصل هذا الأرخبيل عن موريشيوس قبل إستقلالها , وفي 8 نوفمبر 1965 أنشأت بريطانيا مُستعمرة جديدة تتكون من أرخبيل Chagos وجزر Aldabra و Farquharو Desroches , وبدأت بريطانيا في الإخلاء المُتدرج لسكان أرخبيل حتي لا تخضع – علي الأقل من الوجهة القانونية النظرية – لأي إلتزام عليها بموجب أحكام المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة , لكن سواء أكان هذا الإخلاء القسري مُتدرجاً أو علي أكثر من مرحلة أو كان دفعة واحدة فالنتيجة واحدة وهي أن إخلاء قسرياً جبرياً قد كان , ومن ثم فلن تفلت بريطانيا من إلتزاماتها بموجب المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة , ويؤكد ذلك أن محكمة إستئناف بريطانية قضت عام 2007 بأحقية عودة سكان جزر Chagos في العودة إليها (يبلغ عدد هؤلاء حالياً 10,000 نسمة موزعين علي موريشيوس وسيشل والمملكة المتحدة) , لكن مجلس اللوردات البريطاني ألغي هذا الحكم عام 2008 , وبالرغم من إعلان بريطانيا في سبتمبر 2018 عن ” أسفها للطريقة المخجلة ” التي عُومل بها سكان جزر Chagos في عام 1965 عند طردهم من جزرهم تلك ، لكنها في الوقت نفسه وقطعاً للطريق أمام موريشيوس لنيل حقها المسلوب أي في أرخبيل Chagos جاهرت بالقول وهي أي بريطانيا ذات ماضي إستعماري تليد بأن محكمة العدل الدولية ليست بالمكان المناسب لتسوية نزاعها علي هذه الجزر مع موريشيوس , أما الولايات المتحدة فقد أكدت علي أن محكمة العدل الدولية عليها “واجب رفض” اتخاذ موقف بشأن مصير أرخبيل Chagos * La Croix) بتاريخ 23 فبراير 2019) , وفي فبراير 2019 أعربت Emily Thornberry وزيرة الشئون الخارجية البريطانية في تصريح لها عن تقديرها بأن علي رئيسة وزراء بريطانيا Theresa Mayالإعتذار لدي رؤساء دول وحكومات الكومنولث البريطاني للإخفاقات التي إقترفتها الحكومة البريطانية , وأعريت عن إعتقادها بأنه ينبغي علي رئيسة وزراء بريطانيا السيدةTheresa May أن تستغل إنعقاد قمة الكومنولث البريطاني لإصلاح ما سببته بريطانيا من ضرر وأذي لشعب أرخبيل Chagos وكذلك لتصرفات السيدة Margaret Thatcher رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق في ثمانينات القرن الماضي . * ( موقع africanews. بتاريخ 23 فبراير 2019)
لكن من الواضح أن الحكومة البريطانية تتبع تكتيكات الإرباك والخداع , فهي تتصرف في أرخبيل Chagos كما لو كانت ستبقي فيه أبد الدهر , ففي أبريل 2010اتخذت الحكومة البريطانية قراراً من جانب واحد يقضي بإنشاء منطقة محمية تُعرف باسم المُتنزه البحري أو Parc marin وذلك في النطاق البحري المُحيط بأرخبيل Chagos بدعوي الحفاظ علي البيئة البحرية والأحياء بها , فلماذ كان هذا الاهتمام المفاجئ في الحفاظ على البيئة الغنية في هذه المنطقة الشاسعة ؟ , الواقع – وهو ما أتفق معه – أن الدافع الحقيقي وراء هذا القرار ظهر لاحقاً بنشر موقع Wikileaks برقيات مُتبادلة في هذا الشأن بين الجانبين البريطاني والأمريكي , فقد تبين من مضمونها أن الدافع من إقامة المُتنزه البحري كان لمنع عودة سكان Chagos للأرخبيل للأبد , وهو ما تذرعت به الحكومة البريطانية أمام محكمة التحكيم التي تعمل تحت سلطة الأمم المُتحدة والمُكونة من 7 قضاة والتي لجأ إليها الطرفين المُتنازعين وهما بريطانيا وموريشيوس , إذ حكمت هذه المحكمة في مارس من عام 2015 بأن إنشاء بريطانيا للمُتنزه البحري غير قانوني , ولذلك فقد صرح Philippe Sands المحامي العام لموريشيوس (بريطاني/ فرنسي) تعليقاً علي إمتناع دول عدة من الإتحاد الأوروبي عن التصويت بالجمعية العامة بشأن إحالة النزاع لمحكمة العدل الدولية قائلاً ” يبدو الأمر وكأنه نزيف دعم من الإتحاد الأوروبي لبريطانيا , وربما لو كان هذا قد حدث قبل بضع سنوات أي قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لكان الوضع مختلفا ” , من جهة أخري صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية ” أن بريطانيا ستدافع بقوة عن موقفها ” , وقد جاء هذا التصريح قبل شهور قليلة من نظر محكمة العدل الدولية للنزاع وفي نهاية عدة تصريحات من مسئوليين بريطانيون تعهدوا فيها مراراً وتكراراً بتسليم الأرخبيل إلى موريشيوس عندما لم تعد ضرورية لأغراض الدفاع * ( موقع VOA بتاريخ 31 أغسطس 2018) وهو معيار مطاطي ولن يحدث , لكن هذا هو الأسلوب التقليديالذي درج عليه الساسة البريطانيين .
أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي وعمداً لا تثير صخباً حول قضية أرخبيل Chagos ليس لأنها خلافية ولكن لأنها لازمة للمصالح العُليا الأمريكية وهو موقف سيستمر قبل وبعد عرضها علي محكمة العدل الدولية وإلي يوم القيامة , إذ دائماً ما يكرر المسئوليين الأمريكيين القول بأن مشكلة Chagos تتعلق بالمملكة المتحدة وموريشيوس , إلا أن هناك إتجاه في موريشيوس نمي أكثر فأكثر بعد صدور الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية في 25 فبراير 2019 يدعو إلي ضرورة التعامل مع الولايات المتحدة لا بريطانيا فيما يتعلق بأرخبيل Chagos ككل وجزيرةDiego Garcia علي وجه التعيين بما أنها وفقاً للرأي الإستشاري للمحكمة تعد جزءاً لا يتجزأ من موريشيوس .
(3) الــمــوقــف الــهــنـــدي :
تدعم الهند موقف حكومة موريشيوس بالنسبة لقضية إستعادتها لأرخبيل Chagos من بريطانيا بما فيه جزيرةDiego Garcia , وهو الأرخبيل الذي تؤمن حكومة موريشيوس أنه جزء لا يتجزأ من أراضيها وسيادتها , وفي سبيل رؤية أوسع نطاقاً للموقف الهندي من قضية أرخبيل Chagos وجزيرة Diego Garcia يحسن الذهاب إلي ما يتصل بهذا الأرخبيل وجزره الأخري فكما إرتبط الموقف الأمريكي من قضية أرخبيل Chagos بالمصالح الأمريكية مُمثلة في القاعدة الأمريكية بجزيرةDiego Garcia , فقد أصبح الموقف الهندي من قضية هذا الأرخبيل في سبيلها لأن تكون كالموقف الأمريكي أو تكاد وأن تكون كذلك , فهناك أرخبيل آخر يتبع موريشيوس وهذا الأرخبيل المُكون من جزيرتين إحداهما جزيرة تُدعي Agaléga وهي واقعة شمال المنطقة البحرية الإقتصادية الخالصة لموريشيوس , وتقع هذه الجزيرة علي بعد 1,122 كم من Port Louis عاصمة موريشيوس ويسكنها 300 نسمة (أو 280 نسمة في قول آخر) , وتكمن أهمية هذا الأرخبيل في أنه يقع في قلب لعبة الشطرنج التي بدأها لاعباها وهما الهند والصين منذ أوائل عام 2000 , فهناك ثمة صراع بارد وكامن بين الصين والهند للتواجد والتمركز والإستثمار في أرخبيل Agaléga وقد شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس وزراء الهند Narendra Modi لموريشيوس في مارس 2015 قلقاً لدي الصين , ففي هذا العام 2015 وقعت الهند إتفاقيات عدة مع حكومة موريشيوس منها ما يتعلق بتنمية أرخبيل Agaléga وتحويله إلي مقصد للسياحة البيئية بإستثمار هندي يُقدر بنحو 500 مليون دولار , ويخشي مراقبون أن تتحول جزيرتي Agaléga إلي Diego Garcia أخري لكن بمذاق هندي هذه المرة * ( موقع GEO بتاريخ 17 ديسمبر 2018) , فالهند تنشط في التحرك بإتجاه حلفاء الصين بالمحيط الهندي ومنهم سيشل التي وقعت الهند معها أيضاً إتفاقيات منها ما يتعلق بإقامة بني أساسية عسكرية هندية بها وتحديداً بجزيرةl’Assomption التابعة لسيشل والواقعة إلي الجنوب الغربي علي بعد 1,140 كم منها وتبلغ مساحتها 11,07 كم مربع .
إزاء عسكرة منطقة المحيط الهندي سواء من جانب الصين أو الولايات المتحدة وبريطانيا من خلال القاعدة العسكرية في Diego Garcia وغيرها بالإضافة إلي فرنسا (التي نقلت قاعدتها العسكرية في مدغشقر إلي جزيرة La Réunionالتابعة لها) , لذا فقد تحركت الهند سريعاً نحو موريشيوس التي بالرغم من أنها حملت علي عاتقها قضية إستعادة أرخبيل Chagos من أيدي بريطانيا التي طردت سكانها عام 1965 فتوزعوا في المهاجر بين موريشيوس وسيشل والمالديف ومدغشقر فعرضت هذه القضية علي الجمعية العامة للأمم المتحدة حتي تنظر فيها محكمة العدل الدولية , لكن في تزامن مع عرضها لنزاعها مع بريطانيا علي أرخبيل Chagos مُتضمناً جزيرة Diego Garcia التي بها القاعدة العسكرية الأمريكية المُؤجرة من بريطانيا , إذ بنا نجد حكومة Maurice تسمح لحكومة للهند بإقامة قاعدة عسكرية في جزيرة Agaléga الواقعة في شمال المحيط الهندي وهو أمر تأكد من أكثر من طرف , فسكان جزيرة Agaléga أنفسهم البالغ عددهم 280 نسمة يشعرون بالقلق من التقنيين الهنود الذين يقومون تحت غطاء إقامة وتحسين البنية التحتية بهذه الجزيرة بإعداد مهبط طائرات أكبر قادرعلى استيعاب الطائرات الكبيرة , وهو أمر تأكد أكثر فأكثر عندما أعلنت المعارضة في موريشيوس عن أن الجيش الهندي شرع في إنشاء مهبط طائرات بالجزيرة طوله 3 كيلومترات ومنطقة لرسو السفن , ومن جهتها أشارت السلطات الهندية المعنية إلى أنها ستستخدم العمالة المحلية في هذا العمل ، ولقد عارضت المعارضة في موريشيوس هذه الخطوة لعسكرة الجزيرة خشية التأثير السلبي علي البيئة البكر بالجزيرة وقال نواب المعارضة في هذا الصدد أن طلب ضمان بقيمة 18 مليون دولار الذي عرضته الحكومة الهندية للحفاظ على بيئة Agaléga يبدو غير كاف على الإطلاق *( موقع lexpress.mu . بتاريخ 25 أكتوبر 2018) , وإتصالاً بذلك إستنكر الحزب الديمقراطي الاجتماعي الموريشيوسي PMSD التعتيم حول العمل الجاري بجزيرة Agaléga وخاصة مسألة إقامة مدرج الطائرات حيث أوضح Xavier-Luc Duvalزعيم هذا الحزب أنه لا يمكن استخدام مشروع إقامة مدرج كهذا إلا للأغراض العسكرية , ومن الضروري أن تُعرض الإتفاقيات الموقعة مع الهند ومشروع مدرج الطائرات للنقاش الوطني لأن موريشيوس نفسها تتجه لأن تكون Diego Garcia أخري ( هناك معلومات أخري تشير أن موضوع جزيرة Agaléga مازال قيد التفاوض) , كما أنه وفقاً للسيد Duval لا يمكن وضع شريط للهبوط طوله ثلاثة كيلومترات في جزيرة يبلغ عدد سكانها 300 نسمة إلا لأغراض عسكرية , وأضاف قوله ” لا نرى أي سبب لقيام قوة أجنبية باستثمار مليارات الروبيات في هذه الجزيرة , وبالتالي فمن الواضح أنه في حالة حدوث نزاع إقليمي سيصبح الموقع قاعدة عسكرية , وفي حالة الصراع الإقليمي يمكن أن تصبح Agalega حاملة طائرات عملاقة مع سفن عسكرية تقوم بدوريات حولها لضمان حمايتها وجنودها في هذه الجزيرة , ومن المُرجح أن يكون مصير سكان جزيرة Agaléga الثلاثمائة هو نفسه ذات المصير الذي ما زال يعاني منه سكان أرخبيل Chagos ” * ( موقع defimedia.infoبتاريخ 10 فبراير 2019) , من جهة أخري تحاول الحكومة الهندية تبديد الشكوك حول نواياها بشأن مسألة السعي نحو جزيرة Agalega , فقد قالت Sushma Swaraj وزيرة الدولة الهندية للشئون الخارجية لزعيم المعارضة في موريشيوس Xavier-Luc Duval أن بلادها ليست لديها أجندة سرية في تعاملاتها مع موريشيوس , لكن الواقع يقول أن الهند تتولي تنفيذ مشروعين للبني التحية في جزيرة Agalega * (lexpress.mu بتاريخ 25 أغسطس 2018) , لذلك ففي تقديري أنه من المنطقي والحالة القول بثقة بأن قضية إقامة منطقة سلام في المحيط الهندي أصبحت من الماضي , فالهند القوة الإقليمية الكبري بالمحيط الهندي أقدمت علي عسكرة جزيرة Agalégaفيما الولايات المتحدة وبريطانيا متواجدتان قريباً منها بجزيرةDiego Garcia والصين هي الأخري أقامت قاعدة عسكرية لها بجيبوتي علي مدخل البحر الأحمر وخليج عدن الذي يؤدي إلي المحيط الهندي والنتيجة النهائية أن المحيط الهندي أصبح مجالاً لتنافس عسكري دولي وإقليمي لا شك في قابليته للتصاعد .
وإذا ما تحدثنا عن المحيط الهندي وعسكرته الجارية الآن علي قدم وساق فلا يمكن إغفال جهود وتحركات الإستراتيجية العسكرية الروسية فالروس وحدهم أو بالتحالف مع الصين وقوي إقليمية في آسيا ترقب التحركات الإستراتيجية الأمريكية في المحيطين الهادئ والهندي المُتميزان بخاصية تداخل الأخطار والمهددات وأيضاً تداخل المزايا , ولهذا نجد أن الكرملين وفقاً لمعلومات إعلامية نقلاً عن مصادر غير مُسماة يدرس وبمنتهي الجدية فتح قاعدة عسكرية جديدة في فنزويلا ، وذلك في إطار التنافس مع الولايات المتحدة وقواعدها المُقامة على جزر جوام (بالمحيط الهادئ) وفي جزيرة Diego Garcia (بالمحيط الهندي) , ومن واقع الأوضاع الحالية بفنزويلا والهجمة الأمريكية عليها – كما فعلت مع الرئيس شافيز في محاولة الإنقلاب الفاشلة ضده – فإن الحكومة الفنزويلية ستؤيد مسعي موسكو لإقامة قاعدتها العسكرية بفنزويلا مع ما لذلك من تداعيات لا تقل عن تلك التي حدثت إبان عهدي الرئيسين السوفيتي والأمريكي خرتشوف وكيندي في أزمة خليج الخنازير في كوبا في ستينيات القرن الماضي , خاصة مع خشية الرئيس الفنزويلي مادورو من إحتمال تدخل عسكري أمريكي ضده بصفة إستباقية قبل تحرك الروس مثلما فعلوا في سوريا إبان عهد Obama ليضمنوا موطئ قدم راسخة في مياه شرق المتوسط تأميناً لأسطولهم بالبحر الأبيض المتوسط , لذلك فالروس يتابعون قضية أرخبيل Chagos مع علمهم بأن الأمر سيستقر عند نقطة بقاء القاعدة الأمريكية في Diego Garcia مع تغيير بسيط لن يتجاوز دفع مبلغ معقول لحكومة موريشيوس حتي تلوذ بالصمت و / أو إعادة بعض سكان أرخبيل Chagos إلي جزيرتين أو ثلاث من جزر الأرخبيل ليست من بينهم جزيرة Diego Garcia , وهم الذين أجلتهم بريطانيا علي دفعات بدأت في الستينيات , وبالتالي فستبذل روسيا مزيداً من الجهد للتساوي علي الأقل مع الهند في التمركز بقاعدة عسكرية في المحيط الهندي المُتداخل إستراتيجيا مع المحيط الهادئ ذا الأهمية القصوي لأمن روسيا القومي .
يعمل الأمريكيون في ضوء أهمية الهند ف إطار الإستراتيجيات التي تضعها القوي البحرية الدولية بشأن المحيط الهندي علي جذبها إلي جانبهم وبعيداً عن الصين ما أمكنهم ذلك , ومن بين الإشارات الدالة علي ذلك تغيير مُسمي القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ USPACOM ليكون القيادة العسكرية الأمريكية للمحيطين الهادئ والهندي INDOPACOM, (هناك حالياً تفسير موسع لحدود آسيا والمحيط الهادئ نشأ عن الفكر الإستراتيجي العسكري الأمريكي مع إنشاء القيادة العسكرية للمحيط الهادئ , فقد تحددت منطقة مسؤولية القيادة في أسطول الولايات المتحدة السابع في المحيط الهادي في هاواي لتكون من جزيرة Diego Garcia في المحيط الهندي وتمتد نحو المحيط الهادئ) خاصة وأن الولايات المتحدة تعي الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الصينية في محاولة تذويب الفوارق في المفاهيم الإستراتيجية بين القوي الإقليمية الآسيوية وذلك من خلال منظمة شنجهاي للتعاون Organisation de coopération de Shanghai التي من بين أعضاءها أربع قوي نووية ويبلغ عدد سكان أعضاءها 3 مليار نسمة .
(4) مـــوقـــف الإتـــحـــاد الأفــريـــقي :
بعد إصدار محكمة العدل الدولية رأيها الإستشاري في النزاع ما بين موريشيوس وبريطانيا علي أرخبيل Chagos في 25فبراير 2019 صدرفي 26 فبراير 2019 بيان عن رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي موسي فقيه محمد تضمن دعوة بريطانيا لوضع نهاية لإدارتها في الأرخبيل في أسرع وقت ممكن وتسليم الأرخبيل لموريشيوس مُوضحاً أن ” عملية إنهاء الاستعمار في موريشيوس لم تكن قد اكتملت بصورة قانونية عندما حصلت البلاد على استقلالها في عام 1968 بعد فصل أرخبيلChagos ” , كما دعي رئيس المفوضية جميع شركاء الاتحاد الأفريقي لدعم هذه الجهود مع التشديد على وجه الخصوص على أهمية الاحترام الدقيق للشرعية الدولية التي أكدها الرأي الإستشاري التاريخي لمحكمة العدل الدولية وما نوهت إليه بشأن العواقب القانونية لفصل أرخبيل Chagos عن موريشيوس عام 1965 , وأكد البيان أنه وفقاً للاتحاد الأفريقي فإن أرخبيل Chagos ، الذي يضم جزيرة Diego Garcia “هو جزء لا يتجزأ من أراضي جمهورية موريشيوس ولن ينتهي استعمار موريشيوس إلى أن يُمارس هذا البلد سيادته الكاملة على الأرخبيل ” , وأشار البيان كذلك إلي أن الرأي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية يوم الاثنين 25 فبراير 2019رد على القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في يونيو 2017 بناء على مبادرة من المجموعة الأفريقية بالأمم المتحدة في نيويورك , وختم البيان بالإشارة إلي أن ” الكتلة الإفريقية بالإتحاد الأفريقي والمكونة من 55 دولة مُلتزمة بصفة جماعية بالتعاون مع الأمم المتحدة من أجل استكمال إنهاء الاستعمار في موريشيوس”.
(5) الأمم المتحدة :
عُرضت قضية أرخبيل Chagos علي الأمم المتحدة في وقت مبكر جداً وقبل إستقلال موريشيوس عام 1968 , ففي الدورة العشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة وتحت عنوان ” مسألة موريشيوس ” أصدرت الجمعية العامة القرار 2066 بالجلسة العامة المُنعقدة بتاريخ 16 ديسمبر 1965 ونصه كالتالي : ” إن الجمعية العامة : وقد نظرت في مسألة جزيرة موريشيوس والجزر الأخري التي يتألف منها إقليم جزيرة موريشيوس , وقد بحثت الفصلين المُتعلقين بإقليم جزيرة موريشيوس من تقريري اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ منح الإستقلال للبلدان والشعوب المُستعمرة , وإذ تُشير إلي قرارها 1514 (الدورة 15) المُتخذ في 14 ديسمبر 1960 والمُتضمن إعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المُستعمرة , وإذ تأسف لعدم قيام الدولة القائمة علي الإدارة (بريطانيا) بتنفيذ القرار 1514 (الدورة 15) تنفيذاً تاماً فيما يتعلق بذلك الإقليم , وإذ تُلاحظ مع القلق الشديد أن أية خطوة تتخذها الدولة القائمة بالإدارة لفصل جزيرة مُعينة عن جزيرة موريشيوس بقصد إنشاء قاعدة عسكرية ستُشكل خرقاً للإعلان ولاسيما الفقرة 6 منه , لذا :
1- تُقر الفصلين المُتعلقين بإقليم جزيرة موريشيوس من تقريري اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المُستعمرة وتؤُيد المُقررات والتوصيات الواردة فيهما ,
2- وتؤكد من جديد حق شعب إقليم جزيرة موريشيوس غير القابل للتصرف في الحرية والإستقلال وفقاً لقرار الجمعية العامة1514(الدورة15),
3- وتدعو حكومة المملكة المُتحدة لبريطانيا العُظمي وإيرلندا الشمالية إلي إتخاذ التدابير الفعالة اللازمة لتأمين التنفيذ الفوري التام للقرار 1514(الدورة 15) ,
4- وتدعو الدولة القائمة بالإدارة إلي عدم إتيان أي عمل من شأنه تمزيق أوصال إقليم جزيرة موريشيوس وإنتهاك سلامتها الإقليمية ,
5- وتدعو كذلك الدولة القائمة بالإدارة إلي إعلام اللجنة الخاصة والجمعية العامة عن تنفيذ هذا القرار ,
6- وتلتمس من اللجنة الخاصة متابعة النظر في مسألة إقليم جزيرة موريشيوس وإعلام الجمعية العامة عن ذلك في دورتها الحادية والعشرين . * ( القرارات التي إتخذتها الجمعية العامة في دورتها العشرين . الفترة من 21 سبتمبر – 22 ديسمبر 1965. الجمعية العامة / الوثائق الرسمية :الدورة العشرين – الملحق رقم 14 ” ج ع /6014″ الأمم المتحدة)
ومما يلفت النظر ويُظهر بعض التشابه بين ما حدث في فلسطين إبان عهد الإنتداب البريطاني عليها من عمليات لشراء الأراضي من ملاكها الفلسطينيين وما حدث من الحكومة العنصرية في أفريقيا الجنوبية في ستينيات القرن الماضي أن شركات من أفريقيا الجنوبية توجهت إلي جزيرتي سانت هيلانة وسيشل لشراء الأراضي من السكان المحليين بغية إستعمارهما إقتصادياً وسلب ثروات الجزيرتين بأبخس الأثمان , ويشير جزء من تقرير اللجنة الخاصة للأمم المتحدة التي أُنيط إليها تحري تطبيق إعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المُستعمرة الذي تضمنه قرار الجمعية العامة للأمم المُتحدة 1514 عندما أشار إلي ما نصه ” أتخذت اللجنة الخاصة قراراتها وتوصياتها في 13 أغسطس 1971وذلك بشأن إقليمي سيشل وسانت هيلانة وذلك بموافقتها علي تقرير لجنتها الفرعية الأولي التي كانت قد نظرت في المسألة في وقت سابق من نفس العام ولاحظت اللجنة مع بالغ الأسف في مقرراتها وتوصياتها أن الدولة القائمة علي الإدارة لم تُنفذ توصياتها السابقة بشأن جزر سيشل …. ولاحظت اللجنة الخاصة أنه لم تحدث منذ إنتخابات 1968 أية تطورات دستورية في سانت هيلانة , وأن الحالة لا تزال غير مُواتية للتنفيذ التام والسريع للإعلان , كذلك لاحظت أن الحالة الإقتصادية في الإقليمين لا تزال يُرثي لها , وأن الظروف الإجتماعية لا تزال غير مُرضية , وشجبت إنشاء قواعد عسكرية فيما يُسمي ” إقليم المُحيط الهندي البريطاني” إنتهاكاً لقراري الجمعية العامة 2708 (الدورة 25) و2709 (الدورة 25) , كذلك شجبت تدخل أفريقيا الجنوبية المباشر في إقتصاد إقليمي سيشل وسانت هيلانة , وطلبت إلي الدول القائمة بالإدارة أن تتخذ تدابير فورية وفعالة لوقف بيع الأراضي إلي الشركات الأجنبية والحؤول دون تدخل أفريقيا الجنوبية إقتصادياً في الإقليمين بغية الحفاظ علي مصالح السكان المحليين . * ( تقرير الأمين العام عن أعمال المنظمة في الفترة من 16 يونيو1971 إلي 15 يونيو 1972 – الجمعية العامة . الوثائق الرسمية : الدورة السابعة والعشرون . الملحق رقم 1″ A\8701” الأمم المُتحدة)
كذلك وفي 14 ديسمبر 1960 إعتمدت الجمعية العامة للأمم المُتحدة في دورتها الخامسة عشرة إعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المُستعمرة الذي تضمنه قرارها 1514 , وقررت الجمعية العامة في دورتها السادسة عشرة بقرارها 1654 إنشاء لجنة خاصة مُؤلفة من سبعة عشر عضواً يُعينهم رئيس الجمعية العامة لتحري تطبيق الإعلان وتقديم الإقتراحات والتوصيات اللازمة بشأن تقدم تنفيذه , وجددت الجمعية العامة في دورتها السابعة عشرة بقرارها 1810 ولاية اللجنة الخاصة كما قررت توسيع عضويتها بإضافة سبعة أعضاء جدد , وعادت الجمعية العامة فجددت ولاية اللجنة في الدورة الثامنة عشرة بقرارها 1956 ثم في الدورة العشرين بقرارها 2105 , وكانت اللجنة تتألف خلال عام 1960 من 24 دولة منهم الولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد السوفيتي , ثم لاحقاً وفي شهر يونيو 1967 نظرت اللجنة الخاصة في تقرير لجنتها الفرعية الاولي عن جزر سيشل وجزيرة موريشيوس وفي 19 يونيو 1967 إتخذت قراراً بشأن هذه الأقاليم وذلك بأغلبية 17 صوتاً مقابل صوتين وإمتناع 3 أعضاء عن الإقتراع , وقد ” حثت اللجنة الخاصة الدولة القائمة بالإدارة (المُستعمرة) بهذا القرار علي إجراء إنتخابات حرة علي أساس مبدأ إقتراع الراشدين العام في هذه الأقاليم دون تأخير , ونقل جميع السلطات إلي هيئات تمثيلية ينتخبها الشعب , وحثت المملكة المُتحدة أيضاً علي منح هذه الأقاليم المركز السياسي الذي يختاره سكانها بحرية , والإمتناع عن إتخاذ أية تدابير تتنافي وميثاق الأمم المتحدة وإعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المُستعمرة , وأسفت اللجنة الخاصة لقيام الدولة القائمة بالإدارة (بريطانيا) بتجزئة جزر سيشل وجزيرة موريشيوس خارقة بذلك سلامتهما الإقليمية خلافاً لقراري الجمعية العامة 2066(الدورة20) و2232 (الدورة 21) وطلبت إلي المملكة المُتحدة أن ترد إلي هذين الإقليمين الجزر التي فصلتهما عنهما , وأعلنت اللجنة الخاصة أن إقامة المُنشآت العسكرية والقيام بأية نشاطات عسكرية أخري في الإقليم يُشكل خرقاً لقرار الجمعية العامة 2232 (الدورة21) ومصدراً للتوتر في أفريقيا والشرق الأوسط , وطلبت إلي الدولة القائمة بالإدارة العدول عن إقامة مثل هذه المُنشآت العسكرية ” * (التقرير السنوي للأمين العام للأمم المُتحدة عن أعمال المنظمة في الفترة من 16 يونيو 1966 – 15 يونيو 1967. الجمعية العامة – الوثائق الرسمية : الدورة الثانية والعشرون – المُلحق رقم 1. A\6701– الأمم المتحدة)
وأخيراً تلقت بريطانيا ضربة دبلوماسية عندما إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 يونيو من عام 2017 قرارًا قدمته موريشيوس دعمته دول أفريقية تدعو فيه الأمم المتحدة محكمة العدل الدولية لإبداء رأيها بشأن مستقبل جزر Chagos التي تطالب موريشيوس بالسيادة عليه وهي الجزر التي قامت بريطانيا بفصلها عن موريشيوس قبل إستقلال الأخيرة عام 1968عن بريطانيا بثلاث سنوات .
قــــاعـــدة Diego Garcia العــسـكرية الأمــريـكيـة :
يمر في فضاء المحيط الهندي ما نسبته 25% من حركة النقل البحري علي المستوي العالمي , ومن ثم فإن المحيط الهندي يمثل رئة هامة لحركة النقل البحري الدولي ومن ثم فأهميته حيوية للعالم الصناعي والقوي الدولية خاصة دول جنوب شرقي آسيا والهند والصين , وفي ضوء ذلك ولإعتبارات أخري مهمة من بينها مُهددات الصراع الصيني / الأمريكي وتأمين حركة تصدير البترول العربي والإيراني من موانئه بالخليج العربي مروراً بمضيق هرمز وصولاً لخليج عُمان ومنه لمياه المحيط الهندي للشرق الأقصي (اليابان) ودول جنوب شرقي آسيا لذلك تعتبر القاعدة الأمريكية بجزيرة Diego Garcia بقلب المحيط الهندي ذات دور استراتيجي رئيسي في إدارة والتحكم في العمليات العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ الذي تمت إضافة المحيط الهندي له ليكون داخلاً في نطاق مهام القيادة العسكرية الأمريكية للمحيط الهادئ USPACOM وهو الأمر الذي أعلن عنه وزير الدفاع الأمريكي في 30مايو 2018 خلال تفقده للقاعدة الأمريكية في Pearl Harbor بهاواي بتغيير مُسماها إذ قال ” اعترافا بالارتباط المتنامي بين المحيطين الهادئ والهندي ، نغير اليوم اسم القيادة الأميركية للمحيط الهادئ ليصبح القيادة الأميركية لمنطقة الهند والمحيط الهادئ ” * ( موقع عربية Sky News بتاريخ 31 مايو2018) , و لكن في الواقع سيبقى تغيير اسم هذه القيادة رمزيا إلى حد ما لأن المنطقة التي تغطيها مسؤولية هذه القيادة لم تتغير كما أن هذا الوضع سيثير تداخلاً بدرجة ما بين القيادة العسكرية الأمريكية للباسيفيك USPACOM والقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM ، إلا أن هذه الخطوة تعكس رغبة واشنطن في الاعتماد أكثر فأكثر على الهند للحد من تزايد نفوذ الصين في هذه المنطقة ذات الفضاء البحري مترامي الأطراف حيث تحاول بكين السيطرة على بحر الصين الجنوبي بإقامة منشآت عسكرية على جزر اصطناعية صغيرة , كما أنه بالنسبة للنظم العربية النائمة فهي لا تري خطراً من قاعدة Diego Garcia التي لعبت دوراً خطيراً في نزاع الشرق الأوسط وما تفرع عنه , فقد تم استخدامها من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكيةCIA كمركز استجواب للمشتبه بهم الذين تم القبض عليهم في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وأُستخدمت أيضاً كقاعدة لحملات القصف الأمريكية بأفغانستان وبالعراق .
بعد عام واحد فقط من استحواذها علي أرخبيل Chagos أي في عام 1966 وقعت بريطانيا مع الولايات المتحدة عقدًا إيجارًا لجزيرةDiego Garcia لصالح الأخيرة مدته 50 عامًا لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في هذه الجزيرة التي تعد واحدة من جزر الأرخبيل الذي من المُفترض تبعيته لبريطانيا التي إشترته من موريشيوس بثلاث ملايين جنيه إسترليني مقابل منح الأخيرة الإستقلال ويُلاحظ أن هذه الإتفاق / العقد بين الحليفين تعرض لانتقادات كثيرة بسبب طبيعته غير الرسمية , إذ لم يتم إجراء تصويت في البرلمان البريطاني للتحقق من صحة هذا الاتفاق , فكيف يمكن للبرلمان التحقق من إتفاق سري ؟ ففي سياق التنافس بين الشرق والغرب تم التوصل إلى اتفاق سياسي سري في عام 1961 بين رئيس الوزراء البريطاني Harold Macmillan والرئيس الأمريكي John Fitzgerald Kennedyتضمن موافقة بريطانيا (مقابل التأجير وكذا الحصول في المقابل علي خصم لشراء صواريخ بولاريس وناقلات قنابل ذرية) علي إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في Diego Garcia بالمحيط الهندي للدفاع عن مصالح الغرب , وقد تم تنفيذ عملية عسكرة Diego Garcia على ثلاث مراحل كل واحدة منها كانت تتخللها اتفاقية انجلو أمريكية تدخل حيز التنفيذ في نفس يوم توقيعها , وقد تضمنت المادة 11 من هذا الإتفاق الأنجلو / أمريكي بشأن قاعدة Diego Garcia ما يلي نصه : “تتوقع حكومتا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن تظل الجزر متاحة لفترة غير محددة من الزمن لتلبية الاحتياجات الدفاعية للحكومتين وبناء على ذلك تظل هذه الاتفاقية سارية المفعول لفترة أولية مدتها 20 سنة بعدها فترة أولية مدتها 50 سنة ما لم تُبلغ إحدى الحكومتين بخلاف ذلك في مدي لا يتجاوزعامين قبل نهاية الفترة الأولية وفي هذه الحالة تنتهي هذه الاتفاقية بعد عامين من تاريخ هذا الإخطار . ” (في 30 ديسمبر 2016 تم الإتفاق بينهما علي تمديد عقد الإيجار لعشرين عاماً أخري) وكان الهدف الأولي من الإتفاق السياسي السري غير المكتوب بين لندن وواشنطن عام 1961 هو تأجير الولايات المتحدة لجزيرة Diego Garcia بهدف إنشاء القاعدة العسكرية في المحيط الهندي للدفاع عن مصالح العالم الحر وذلك مقابل تنسيق وإتفاق أمريكي / بريطاني غير مكتوب لإستبعاد أرخبيل Chagos من عملية إنهاء الاستعمار, وإجلاء سكانها عنها , وفي هذا الإطار أنشأت حكومة لندن بموجب مرسوم بقانون صادر في 8 نوفمبر 1965 ما يُسمي بإقليم المحيط الهندي البريطاني أو (BIOT) بإعتبارها نطاقاً أو فلنسمها حينذاك مستعمرة جديدة تابعة للتاج البريطاني تتألف أساسا من أرخبيل موريشيوس / Chagos , وكان ذاك ردا على التهديد السوفييتي المتزايد في المحيط الهند , علي هذا الأساس وقعت الولايات المتحدة وبريطانيا على معاهدة في لندن في 30 ديسمبر 1966 من أجل الاستئجار الاستراتيجي للأراضي المدرجة في BIOT لمدة 50 عامًا وجُددت هذه المعاهدة ضمنيًا في 30 ديسمبر 2016 لمدة إضافية مداها 20 عاماً , في هذه الظروف أصبحت Diego Garcia بالفعل قاعدة عسكرية أمريكية بموجب هذه المعاهدة الأنجلو أميركية تلاها معاهدة مماثلة جديدة وقعتها الولايات المتحدة وبريطانيا في لندن في 25 فبراير 1976 , وقد لعبت هذه القاعدة – كما سبقت الإشارة – دورا حاسما خلال عمليات “عاصفة من الصحراء ” وعملية “الحرية غير القابلة للتغيير” التي أطلقتها الأمم المتحدة ضد العراق عام 1991 وأفغانستان في عام 2001 , ومازالت Diego Garcia موقع لواحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية خارج الولايات المتحدة وفي التقدير أن أهميتها الإستراتيجية ستتزايد بسبب إستمرارالوضع المتوتر في الخليج العربي وما تراه إسرائيل والولايات المتحدة من تهديد إيراني نووي وطاقوي وذلك وهذه الأهمية المُطردة ستظل كذلك في مدي زمني حده الأدني30 ديسمبر 2036 وهو الموعد النهائي الجديد لعقد إستئجار Diego Garcia , وسيعني ذلك من بين أمور مهمة بصفة إستراتيجية أن مفهوم”منطقة السلام”بالمحيط الهندي الذي تطمح لتحقيقه الدول المشاطئة بهذا المحيط منذ عام 1971 وعودة أرخبيل Chagos إلى الوطن الأم أي إلي موريشيوس وعودة سكانه إلى جزرهم الأصلية ليس أمراً مُحتملاً .
وفقاً لصحيفة Financial Times في عام 2015 فقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 3 مليارات دولار على إنشاء وتحديث قاعدةDiego Garcia , ويُشير تقرير لمجموعة Groupe de réflexion American Security Project الأمريكية (ASP) , إلي أن هناك 5 قواعد عسكرية أمريكية عُرضة لتهديدات هي : قاعدة Norfolk ببريطانيا وقاعدة Eglinبولاية فلوريدا بالولايات المتحدة وقاعدة Diego Garcia بالمحيط الهندي وقاعدة البحرين بالخليج العربي وقاعدةGuam غرب المحيط الهادئ وقاعدة Diego Garcia الأمريكية التي هي نتاج لمعاهدة أخيرة جديدة وقعتها بريطانيا والولايات المتحدة في 24 أكتوبر 1972, وقد أشارت Financial Times إلي أنه من المخطط إنشاء محطة للاتصالات في المنطقة الغربية من جزيرة Diego Garcia مع ملاحظة أن الإتفاقية المُشار إليها لا تشمل المنطقة الشرقية من هذه الجزيرة .
من جهة أخري فقد تزايد في سبعينيات القرن الماضي أيضاً التحرك النشط للبحرية السوفيتية في المحيط الهندي بسبب تمكن الإتحاد السوفيتي من الإتفاق مع عدة دول “صديقة” للحصول علي إذن بالرسو في مرابط بموانئ هذه الدول ومنها الهند بمينائي Bombayو Madras وميناء عدن باليمن الجنوبي , مما مكن البحرية السوفيتية من العبور من وإلي الموانئ الأوكرانية للبحر الأسود وموانئ سيبيريا , ونتج عن ذلك أيضاً أن القوات البحرية الأمريكية في المحيط الهندي أصبحت في مدي المراقبة السوفيتية فقد كان للسوفييت 15 قطعة بحرية سطحية بالمحيط , الأمر الذي حدا ببريطانيا والولايات المتحدة معاً إلي تحديث معاهدة 24 أكتوبر1972 لإستيعاب ومواجهة الوضع القوي للبحرية السوفيتية في المحيط الهندي فوقعا في 25 فبراير 1976 معاهدة جديدة تتعلق بالقاعدة العسكرية في Diego Garcia .
قبل إصدار محكمة العدل الدولية لرأيها الإستشاري الذي كانة مواتياً لوجهة نظر موريشيوس في نزاعها مع بريطانيا بشأن أرخبيل Chagos بحثت الولايات المتحدة وبريطانيا بصفة إستباقية في الوسائل والبدائل المُتاحة أمامهما لمواجهة الرأي الإستشاري لمحكمة العدل والمُحتمل أن يكون لصالح موريشيوس لكي تخففا من وطأته , وفي هذا الإطار فإنه نظراً لكون الموقف الهندي كان داعماً بقوة لموقف جمهورية موريشيوس المُعارض لأي سيادة بريطانية علي أرخبيل Chagos مما يمثل صعوبة للبريطانيين والأمريكيين معاً في تنفيذ مخططهما لإبتلاع نهائي لجزيرة Diego Garcia التي تمثل قاعدة عسكرية إستراتيجية ليس فقط للولايات المتحدة وبريطانيا بل لحلف شمال الأطلنطي برمته لذلك إقترح Mike E. Rosen رئيس مركز المصلحة القومية Center for the National Interest(Nixon Centre for Peace and Freedom سابقاً) ومقره واشنطن , إستخدام واشنطن لجزيرة Diego Garcia الإستراتيجية لتلعب دوراً مركزياً في العلاقات بين الهند والولايات المتحدة فهذه الجزيرة المرجانية واحدة من سبع جزر يتكون منها أرخبيل Chagos وتعد قاعدة عسكرية وبحرية للأمريكيين يجب – كما أشار إلي ذلك بمجلة The National Interest في عددها في الأول من يولية 2018 وتصدر كل أسبوعين – أن تتاح للبحرية الهندية وأوضح Mike E. Rosen فكرته تلك قائلاً بأن الهدف من وراء ذلك هو التصدي للتوسع الصيني في المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا , وأيضا لأن نيودلهي تدعم موريشيوس في سعيها لدي الأمم المتحدة لإستعادة سيادتها علي أرخبيل Chagos بما فيه جزيرة Diego Garcia , ثم شرح الفكرة بقوله أنه “إذا تمكنت الولايات المتحدة من العمل مع موريشيوس – بشكل مثالي في شراكة مفتوحة مع المملكة المتحدة والهند – للوفاء بروح اتفاق Lancaster House لأمكن إيجاد فرص عمل لتدريب أهالي Chagoالمقيمين في موريشيوس وإتاحة الوصول الآمن لهم إلى مصايد الأسماك , فالمصلحة الوطنية تفرض علينا هذه الطريقة لتهدئة المخاوف السياسية وبناء الثقة , وعلي التوازي فهناك بقدر ما رغبة لدي القوات المسلحة الهندية في بناء علاقة أقوى مع نظيرتها الأمريكية ثم أشار Mike E. Rosen في مقالته تلك بمجلة The National Interest إلي أن هناك تعاون وثيق بين الهند والولايات المتحدة في المجال العسكري , فالهند تشارك بانتظام في تدريبات بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة واليابان في خليج البنغال تعرف باسم Malabar , وقال Rosenإنه يجب على واشنطن أن تدعو البحرية الهندية إلى الرسو في Diego Garcia بل وفتح مكتب لوجستيات على الفور هناك ، فنيودلهي تفهم أن جزيرة Diego Garcia المرجانية حاسمة في الدفاع عن منطقة جنوب آسيا وأن دعمها لهذا المجهود ليس مرغوباً فيه فحسب بل إنه جوهري , فقبل ثمانية عشر شهراً كشفت صحيفة Hindustan Times الهندية أن بريطانيا والولايات المتحدة طلبتا المساعدة من Narendra Modi رئيس وزراءالهند فيما يتعلق بقضية Chagos , ولكن علي الجانب الآخر هناك قوى أخرى داخل الحكومة الهندية وربما داخل البرلمان تحث علي إتباع نهج أكثر تقييدًا في هذا الأمر خاصة مع استمرار تدفق الأموال الصينية إلى جنوب آسيا لأن لدي الصين إتجاه واضح لعسكرة بحر الصين الجنوبي , وبالفعل وجد طرح السيد Mike E. Rosen سبيله إلي التطبيق الفعلي فقد وقعت الولايات المتحدة مع الهند في 29 أغسطس 2016 على مذكرة اتفاق التبادل اللوجستي (LEMOA) وهي اتفاقية لوجستية عسكرية بموجبها يُسمح لكلتا الدولتين باستخدام القواعد الجوية والبحرية والأرضية لكل منهما بغرض الإصلاح أو التجديد , وبموجبها أيضاً تلتزم الولايات المتحدة برفع مستوى الهند إلى نفس مرتبة حلفائها الأقرب في نقل التكنولوجيا والتجارة العسكرية , مما سيسهل التدريبات والعمليات المشتركة , وهو علي أي مقياس تطور إستراتيجي في العلاقات الهندية / الأأمريكية وإنقلاب نسبي لموازين القوي في آسيا ومع الصين بصفة خاصة , ومع ذلك لم يرد بهذه المذكرة ما ينص علي تمركز قوات أمريكية في الأراضي الهندية أو قيادة تحالف عسكري بين البلدين إذ أن الهند عارضت في ذلك وفقاً لسياستها التقليدية . * (asialyst.com . بتاريخ 30 أغسطس 2016) ومن الواضح أن الولايات المتحدة تفهمت ذلك ولم تقف أمام هذا القيد كثيراً إذ كان وسيظل الهدف الأمريكي إقامة حائط بين الهند والصين وأسبابه الأخري متوفرة وفي نفس الوقت مواجهة العلاقة الصينية / الباكستانية المُتنامية , وقد أثار توقيع الهند علي هذه المذكرة مع الأمريكيين الكثير من النقد والمخاوف , لكن وزير الددفاع الهندي دافع عن وجهة نظر حكومته في هذا الشأن بأن قال عن الإتفاق مع الولايات المتحدة بأنه ” مجرد مسألة لوجستية تتعلق بإمدادات الوقود وتزويد العديد من الأشياء الأخرى المطلوبة للعمليات المشتركة والمساعدة الإنسانية والعديد من عمليات الإغاثة الأخرى .” * ( موقع qz.com/india بتاريخ 12 سبتمبر 2016)
بعد إصدار محكمة العدل الدولية لرأيها الإستشاري بشأن نزاع موريشيوس مع بريطانيا علي أرخبيل Chagos ببضعة أيام تعرض البروفيسور André Oraison وهو أستاذ قانون دولي في جامعة la Réunion ومُتخصص في مشاكل تصفية الإستعمار ونزع السلاح والتعاون في منطقة المحيط الهندي في مؤتمرعقده في 22 فبراير 2019 تعرض لمسألة Diego Garcia والنزاع علي أرخبيل Chagos علي ضوء رأي هذه المحكمة وخاصة ما يتعلق بشروط إقامة قاعدة Diego Garcia العسكرية الأمريكية وعواقبها , كما تعرض للظروف الصعبة لنضال سكان Chagos ضد تحالف القوى الغربية الكبرى المعارضة لإقامة منطقة سلام في المحيط الهندي والتي تعرقلها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأهمية التضامن الذي جعل من الممكن عرضهذا النزاع علي الأمم المتحدة , وختم بالإشارة إلي أنه منذ نحو شهر أشارت صحيفة Financial Chronicle الهندية إلي الصعوبات التي تواجهها نيودلهي مع البلدان الثلاثة الصديقة تقليديا موريشيوس وسيشيل وجزر المالديف لإقامة قاعدة عسكرية في أراضيها . * ( موقع ionnews بتاريخ10 يوليو 2018) , وهو ما يؤكد أن هناك تنافس دولي واضح علي إنتزاع كل من القوي الإقليمية والكبري مواقع إستراتيجية في نطاق المحيط الهندي لإقامة قواعد عسكرية بحرية وجوية معاً خاصة مع التداخل والتراتبية الحاصلة بين المحيطين الهادئ والهندي الأمر الذي يبدو واضحاً في التنافس الصيني / الهندي علي إقامة قواعد عسكرية لكل منهما في المحيط الهندي حالياً .
من جهة أخري وإتصالاً بتأكيد صعوبة تخلي الولايات المتحدة عن قاعدتها بجزيرة Diego Garcia أحد جزر أرخبيل Chagos المُؤجرة من بريطانيا , الإشارة إلي أن الولايات المتحدة تبدو وكأنها مُكتفية بما أحرزت من تموضع بقواعد عسكرية في أو تطل علي المحيطين الهادئ والهندي معاً مما وفر لقيادتها العسكرية للمحيط الهادئ والهند INDOPACOM (USPACOM سابقاً) ولقيادتها العسكرية بأفريقيا AFRICOM حرية حركة وقدرة عالية علي المناورة , إلا أنها أي الولايات المتحدة قد ترنو إلي مد أياديها لجزر أخري إن كانت موجودة , وقد يُشير إلي هذه الرغبة الأمريكية صمت الولايات المتحدة علي تحرك الإمارات العربية المتحدة للتموضع في بل وإحكام السيطرة علي جزيرة سقطري (المكونة من 6 جزر) بدءاً من 3 مايو 2018 , ولابد وأن يكون هذا الصمت الأمريكي عن تمدد دولة كالإمارات بلا أي تاريخ عسكري صمتاً هادفاً , وفي تقديري أن دولة كالإمارات لا ماض عسكري لها وتأنس بالحماية الفرنسية من خلال ” قاعدة السلام الفرنسية” في أبوظبي جنباً إلي جنب مع الحماية الأمريكية شأنها شأن مشيخيات الخليج العربي وشبه جزيرة العرب بدون إستثناء وعلي رأسهم السعودية وهي الحماية التي جاهر ببيانها جلياً الرئيس الأمريكي أكثر من خمس مرات مُتتالية قبل وبعد 2 أكتوبر 2018 , فالإمارات لا تفعل ما تفعله في جزيرة سقطري في إطار تمثيلية الحرب في اليمن التي تخوضها مع السعودية بدون تحقيق نتائج حتي الآن ولاحقاً إلا بعلم وبإذن أمريكي مُسبق , فالمنطق يقول أن من يتمتع بالحماية عليه إطاعة الأوامر ومن بين الأوامر الأمريكية أن تحتل الإمارات وتسيطر لحساب العسكرية الأمريكية (INDOPACOM) علي جزيرة سقطري قائقة الأهمية الإستراتيجية والواقعة قبالة القرن الأفريقي بالمحيط الهندي الذي يتداخل معه بحر العرب وتشرف علي خليج عدن المُؤدي لمضيق باب المندب المؤدي للبحر الأحمر , إلي أن تُفرض تسوية من خلال الأمم المتحدة في اليمن بعد إتفاق دولي مُستتر خلف حوائط مقر حلف الأطلنطي في بروكسل أو في أي مكان ما آخر بموجبه تتواجد الولايات المتحدة عسكرياً في سقطري نفسها فسقطري لا تقل أهمية عن Diego Garcia بل أقول أن أهمية سقطري عسكرياً مُضاعفة أي أن هناك إحتمال ما بأن تضم الولايات المتحدة إلي قائمة قواعدها بالمحيطين الباسيفيكي والهندي فهذه أحد مزايا إبقاء الصراع في اليمن بلا حل أو بحل يحقق أهداف واشنطن ومنها الإستيلاء علي سقطري بعد فقدان أطرافه لإنفاسهم وقواهم .
الآثار السلبية لوجود قاعدة عسكرية أمريكية في Diego Garcia على ” السلام” في المحيط الهندي :
كان تمديد عقد الإيجار في Diego Garcia مُتعارضاً مع آمال الدول المشاطئة للمحيط الهندي التي كانت ومازالت تفضل إنشاء “منطقة سلام” في المحيط الهندي , لكن الواقع لا يتطابف مع الأقوال , ففيما يتعلق بإقامة “مناطق السلام” ، نجد أنه بالرغم من أنه قد تحقق تقدم حقيقي في هذا الشأن في أجزاء كثيرة من العالم لا سيما في نصف الكرة الجنوبي حيث قارة Antarctique منزوعة السلاح بالكامل بموجب معاهدة واشنطن في الأول من ديسمبر 1959 , وفي أمريكا اللاتينية من الوجهة النظرية تم نزع سلاحها بموجب معاهدة تلاتيلولكو (مقاطعة مكسيكو سيتي) في 14 فبراير 1967 ونفس الأمر في جنوب المحيط الهادئ بموجب معاهدة راروتونجا بتاريخ 6 أغسطس 1985 وفي أفريقيا بموجب معاهدة بليندابا أو Pelindaba Treaty وهي معاهدة وقعت في القاهرة في 11 أبريل 1996 , لكن ماذا عن منطقة المحيط الهندي؟ الإجابة كانت هناك في ستينيات وسبعينيات جهود حثيثة من القوي الإقليمية خاصة الهند لجعل هذا المحيط منطقة سلام , فردا على عسكرةDiego Garcia من قبل بريطانيا والولايات المتحدة ، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1971 القرار 2832بمبادرة من سري لانكا بأغلبية 61 صوتا وامتناع 55 صوت منهم الولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد السوفيتي وُتضمن هذا القرار ” إعلان جعل المحيط الهندي منطقة سلام” , وكانت ومازالت هذه الدول التي إمتنعت عن التصويت وقت إتخاذ هذا القرار وبعده مُحتفظة بأساطيل حربية في هذا النطاق البحري المُسمي المحيط الهندي , ويمكن للمرء أن يفهم إحجام هذه الدول في التعبيرعن دعم فكرة نزع السلاح المستهدفة بالمحيط الهندي ، حتي مع صدور قرار آخر برقم2832وهو مُوجه بصفة مباشرة للقوى الكبرى إذ يُطالبها بإزالة “جميع القواعد في المحيط الهندي” و” المنشآت العسكرية ” وكذلك “الأسلحة النووية” و” أي مظهر من مظاهر الوجود العسكري للقوى العظمى في المحيط الهندي” , فالقرار 2832 إعتني بصفة أولية بالتفكيك الكامل والفوري للقواعد العسكرية الأجنبية بالمحيط الهندي ومنها القاعدة الأنجلو أمريكية في Diego Garci أحد جزر أرخبيل Chagos والقاعدتين الفرنسية والصينية في جيبوتي بالقرن الأفريقي , ومنذ اعتماد القرار 2832 كانت مسألة إقامة “منطقة سلام” بالمحيط الهندي على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة , ولذلك وفي 15 ديسمبر 1972 أصدرت قرارًا بإنشاء اللجنة الخاصة المعنية بالمحيط الهندي للنظر في اتخاذ التدابير المناسبة “للترويج لأهداف القرار 2832” ، وفي هذا الإطار إعتمدت العامة للأمم المتحدة في 15 ديسمبر 1989 وبأغلبية 137 صوتا ضد 4 أصوات رافضة منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وامتناع 14 عن التصويت قرارا يدعو دول المحيط الهندي لعقد مؤتمر في كولومبو في عام 1991 للإتفاق علي إبرام معاهدة لإقامة منطقة سلام بالمحيط الهندي , لكن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قدموا للأمين العام للأمم المتحدة مذكرات مُنفصلة مُؤرخة في 17 و 18 أبريل 1990 تضمنت الإشارة إلي قرار كل منهم بعدم المشاركة في اللجنة التحضيرية لمؤتمر المحيط الهندي بسبب اختلافات خطيرة مع المشاركين الآخرين حول القضايا المراد مناقشتها , وأستمر السجال حول هذه القضية داخل الأمم المُتحدة التي إعتمدت قرار أخير بتاريخ 4 ديسمبر 2017 بشأن “تنفيذ إعلان المحيط الهندي كمنطقة سلام ” أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فيه من جديد اقتناعها بأن مشاركة جميع أعضاء مجلس الأمن من شأنه أن ييسر إقامة حوار مفيد للطرفين لدفع السلام في المحيط الهندي , وعندما تم التصويت على هذا القرار والذي أخذ رقم 72/21 حظي بأغلبية 132 صوتاً مُؤيداً وامتناع 46 عن التصويت , وتم تصويت تالي عليه مرة أخرى , لكن معارضتة القرار أستمرت من قبل كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا بدعوي أنه لم يأت بجديد مما تضمنه القرار 2832, والمُحصلة أن القوى الغربية – وهي دول من خارج المحيط الهندي – عارضت إقامة منطقة سلام المحيط الهندي في هذا النطاق البحري الشاسع بتمسكها بحق الفيتو , وسيظل هذا الوضع قائماً علي الأقل حتى الموعد النهائي القادم في 30 ديسمبر 2036 وهو الموعد الذي تضمنه الإتفاق البريطاني مع الولايات المتحدة لتأجير جزيرة Diego Garcia لتستمر كما كانت قاعدة عسكرية أمريكية في قلب المحيط الهندي , هذا بالإضافة إلي أن الدول الأفريقية المُطلة علي المحيط الهندي مالت وتميل إلي التمتع بحماية القوي الكبري والإستفادة المالية من إتاحة موانئها و / أو أراضيها لهذه القوي لإقامة قاعدة لأي من القوي الدولية وجيبوتي أوضح مثال لذلك ففي جيبوتي تلك الدولة التي تفتقر إلي أي موارد طبيعية تؤجر أهمية موقعها الجيو/سياسي فهي في موقع يشرف علي القرن الأفريقي ومضيق باب المندب حيث يفصلها عن الساحل اليمني 20 كم فقط كما تطل علي خليج عدن الموصول بالمحيط الهندي , فهذه الدولة التي تبلغ مساحتها 23,200 كم مربع وبها قاعدة أمريكية وعلي مقربة منها قاعدة صينية إضافة لقاعدة فرنسية تمركزت بجيبوتي في إطار إتفاق دفاعي وعسكري بين فرنسا وجيبوتي , فبعد إعلان الولايات المتحدة في 6 فبراير 2007عن إقامتها للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM وكان في هذا الإعلان وبدء عمل هذه القيادة في أفريقيا ما سوغ للصين الداخلة في تنافس حميم مع الولايات المتحدة والقوي الدولية الأخري خاصة فرنسا بالتحرك صوب جيبوتي , فقد إتفقت الصين مع حكومة جيبوتي لإقامة قاعدة عسكرية لها بأراضي الأخيرة تتسع لنحو 10,000 من جنودها جنباً إلي جنب مع القاعدة العسكرية الأمريكية التي تتخذ من جيبوتي ما يمكن وصفه بالمقر لقيادتها العسكرية لأفريقيا AFRICOM وتتمركز هناك بهذه القاعدة البحرية في Camp Lemonnier حامية عسكرية أمريكية قوامها 4,0000 رجل , كما أن جيبوتي تاريخيا إرتبطت بالعسكرية الفرنسية التي تعد جيبوتي أيضاً أحد أهم مواقعها العسكرية في أفريقيا بموجب عدد من الإتفاقات العسكرية الموقعة مع فرنسا منذ إستقلال جيبوتي وحتي وقت قريب , هذا بالإضافة إلي أن الولايات المتحدة بعد تفعيل عمل ومهام قيادتها العسكرية لأفريقيا نشطت في إتجاه إقامة قواعد عسكرية لها بدول أفريقية تطل علي المحيطين الهندي والأطلنطي بل إنها أقامت قواعد لها في دول أفريقية حبيسة مثل النيجر حيث لها قاعدة لإطلاق الطائرات المُسيرة في محيط مدينة Agadez بشمال النيجر وكذلك في مالي بدعوي محاربة الإرهاب وهي المُبرر المُفضل لإتساعه ولمرونته الفائقة عند الإستخدام السياسي له , كما أن اليابان أقامت قاعدة بحرية لها في جيبوتي في يوليو 2011 وأرسلت 180 من عسكرييها هناك وذلك بهدف مواجهة القرصنة البحرية ( موقع THE DONG-A ILBO في 3 مايو 2013) , ووفقاً لذلك وهناك ما هو أكثر منه فلا حديث منطقي اليوم يمكن سماعه ناهيك عن الإقتناع بع عن ” منطقة سلام بالمحيط الهندي” أو أي محيط آخر , فالحرب الباردة اليوم ليست بين قطبين بل أقطاب مُتعددة وبالتالي فالعسكرة أصبحت الذراع اليمني لسياسات القوي الكبري , أما الدول غير الكبري فيتلقي حكامها ممن إرتضوا بإقتطاع أراض ببلادهم لإقامة قاعدة عسكرية لهذه القوي الكبري أو تلك فيتمتعون بحماية نظامهم وليس بلادهم من القوة الكبري التي أقامت قاعدتها العسكرية هذا بالإضافة للعمولة الشخصية التي قُدمت لرؤساء هذه الأنظمة الداجنة .
المحيط الهندي : منطقة سلام ؟ :
كان من الممكن القول عند إنهيار الإتحاد السوفيتي أن الحرب الباردة إنتهت لكن من يري ما يجري من عسكرة القوي الكبري للمحيط الهندي وأماكن أخري بالعالم لابد وأن ينتهي إلي القول بأن هذه الحرب مازالت مُتواصلة وبنفس الوتيرة السابقة علي نهاية الحرب الباردة ، فالقوى العظمى تواصل إقامة القواعد العسكرية , وقد كان هجوم 11 سبتمبر 2001 علي برجي التجارة في نيويورك الذريعة التي أعلنتها الولايات المتحدة للاستقرار في جيبوتي والعراق ثم تبعتها الصين بمبررات مختلفة لتقيم قاعدتها هناك بجيبوتي فالصين تحرص علي تأمين مسارات تجارتها وإمداداتها وهي لذلك تستهدف ضمان إحكام سيطرتها على بحر الصين الشرقي حيث توجد موارد الغاز وحيث التدفقات التجارية الكثيفة , كما أن ما يقرب من 80 ٪ من واردات الصين من الطاقة تمر عبر بحر الصين الجنوبي و 40 ٪ من احتياجاتها الهيدروكربونية تأتي من الشرق الأوسط , فيما تخطط روسيا تخطط لفعل ذلك , أما فرنسا فقد أعلن وزير الجيش أن المُهمة الأولي التي ستنفذها حاملة الطائرات Charles de Gaulle بعد إصلاحها هي التواجد في المحيط الهندي لإستعراض سلاح الدمار الشامل الذي لدي فرنسا في بحر الصين الجنوبي * ( موقع Temoignage بتاريخ 20 أكتوبر 2018) , ففرنسا هي أحد القوي العسكرية الدولية التي شاركت في عسكرة نطاق المحيط الهندي فبالرغم من أن القوى الغربية أجبرتها على ترك قواعدها العسكرية في مدغشقر في عام 1975 إلا أنها نقلتها إلى جزيرة La Réunion التابعة لها والتي تقع بالمحيط الهندي شرقي مدغشقر حيث ما تزال قواعدها العسكرية هناك , ثم ها نحن نري أيضاً الهند وهي تسعى لإقامة قاعدة عسكرية بجزيرة Agaléga التابعة لموريشيوس , وتتفاوض مع حكومة سيشيل لإستئجار جزيرة Assomption لفعل ذلك أيضاً ، وفي كلتا الحالتين يخشى سكان هاتين الجزيرتين من أن يعانوا من نفس مصير أرخبيل Chagos , لذا قرروا من الآن تنظيم أنفسهم لمواجهة هذا المصير المُحتمل , فقد أُعلن في فبراير 2018عن إتفاق سيشل والهند بشأن إقامة الأخيرة للبني التحتية بجزيرة Assomption وفي هذا قال Roger Mancienne زعيم حزب Linyon Demokratik Seselwa حزب المعارضة الرئيسي وصاحب الأغلبية البرلمانية في سيشل في مقابلة صحفية ” إن الاتفاق (مع الهند) الذي تم الكشف عنه لشعب سيشل في فبراير 2018 ، أولا من قبل مسؤولين في وزارة الشؤون الخارجية وبعد ذلك في الاجتماعات العامة قد مات , ولكن لا يزال من الممكن وجود مرفق عسكري علي أراضي سيشل في المستقبل , يبقى أن نرى إذا ما كان ذلك سيكون مع أو بدون دعم بلد أجنبي كالهند أو غيرها , والإتفاق الذي وقعته سيشل مع الهند ينص على الوصول التلقائي للأفراد العسكريين الهنود إلى المرفق العسكري المقترح وكذلك الإدارة المشتركة للمرفق وهو ما جعل من هذا الإتفاق غير مقبول بالنسبة لنا وللعديد من الناس هنا , ونحن لم نصدر بعد رأياً نهائياً في هذا الإتفاق , والإعلان الوحيد الذي صدر عن حزبنا يتضمن الإشارة إلي أن أي مرفق ينبغي أن يظل تحت سيطرة سيشيل بالكامل , ولم نشر في أي وقت من الأوقات إلى قبول هذا الإتفاق , وبالطبع فقد أخذنا في الاعتبار وجهات نظر المواطنين الذين تحدثوا أثناء الاحتجاجات علي إقامة قاعدة عسكرية هندية في جزيرة Assomption وكذلك رد فعل آخرين من القطاع الخاص وفي وسائل الإعلام , وما صدمني الإشارة الواردة في الإتفاق بشأن الوصول التلقائي للأفراد العسكريين من بلد آخر والإدارة المشتركة , فذلك من شأنه أن يُؤدى إلى إتاحة إمكانية استخدام المرفق لأنشطة لم يكن من المقرر التخطيط لها , أضف إلي ذلك إمكانية إستخدام المرفق(القاعدة) ضد مصالحنا الوطنية ” , من جهة أخري أشارWavel Ramkalawan من حزب الأغلبية LDS إلي ” أن الإتفاق بين سيشل والهند لم يُرسل بعد للبرلمان للتصديق عليه , كما أني لا أعتقد أننا سنصل لنقطة صدام , اما ما يتعلق بإقامة الهنود لمهبط طائرات ورصيف للمراكب الصغيرة وبني تحتية أخري في جزيرة Agaléga (التابعة لموريشيوس) فهو أمر متروك لحكومة وشعب موريشيوس ليقرروه , لكني أعتقد أنه علي كل دولة أن تحافظ علي سيطرتها الكاملة علي المنشآت التي علي أراضيها والمهم أن يتفق أي إتفاق مع أي دولة أجنبية مع مصالح الشعوب ” , من جهة أخري إجتمع رئيس سيشل Danny Faure في 26 مارس 2018 لمناقشة النقاط مثار الخلاف في الإتفاق بين الهند وسيشل * ( موقع lexpress.mu بتاريخ 10 أبريل 2018)
كانت الهند هي الدولة الوحيدة التي رفضت دعم المشروع الصيني بشان مشروع ” طريق الحرير ” الذي يربط الصين بأفريقيا بعد مروره أوراسيا والبحار , لأن جزء منه يخترق الممر بين الصين وباكستان وعبر كشميرالمُتنازع عليها بين الهند وباكستان , كما أن الرئيس الفرنسي , Macron عبر خلال زيارته الأخيرة للصين عن خشية فرنسا (وبالطبع الإتحاد الأوروبي) من أن يكون طريق الحرير الصيني ذا إتجاه واحد , ويجدر بالذكر أن الصين في إطار إستراتيجياتها التجارية والإقتصادية وضعت أيضاً ما أسمته بإستراتيجية عقد اللؤلؤ أو “Collier de Perles ” (تبلغ التكلفة الإستثمارية لطريق الحرير وحزام اللؤلؤ وفقاً لمركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية الدولية ما بين تريليون إلي 8 تريليون دولار) ولعقد اللؤلؤ مفهوم عسكري يتلخص في إستهداف الصين وضع نقاط دعم لبحريتها من خلال التوصل مع دول مُستهدفة إلي إقامة / تأجير / وربما شراء بني تحتية مينائية وجوية علي غرار ما فعله البريطانيين من أجل تأمين طرقهم البحرية نحو الهند في القرن التاسع عشر , وقد قام الرئيس الصيني Xi Jinping بزيارة موريشيوس عام 2018 قبل أن يقوم بزيارة لجزر المالديف , وقد لاحظ المراقبون أنهم أي الصينيين يُنفذون مشروع إقامة ميناء في جزيرة Gaadhoo وعلي ما يبدو أنه تلبية لاحتياجات قطاع السياحة المالديفية , وبالإضافة إلى ذلك هناك تقارير حديثة عن مشروع صيني لإقامة محطة مراقبة مشتركة للمحيط في Makunudhoo شمال جزر المالديف وبالقرب من الهند , وهو ما يدفع دلهي إلى اعتبار أن هناك إرادة صينية لتطويق الهند تحت ما يُعرف بإستراتيجية “عقد اللؤلؤ” , فللصين نقاط إرتكاز بباكستان وبسريلانكا وببنغلاديش وبجيبوتي وببورما وربما في موريشيوس بجزيرة Agalega التي تتمركز فيها حالياً الهند , ولدي الصين تخوف من التقارب الهندي / الأمريكي بعدما وقع الأمريكيون والهنود الإتفاق اللوجيستي مؤخراًوالذي بموجبه مُنح حق الوصول للبحرية الهندية إلي القاعدة الأمريكية فائقة الحماية في Diego Garcia التي تُطالب بها حكومة موريشيوس , وهناك تقديرات لإستراتيجيين مفادها أن قاعدة Diego Garcia الأمريكية يمكن أن تلعب مُستقبلاً دوراً محورياً في منظومة العلاقات الهندية / الأمريكية .
الوضع الحالي بالمحيط الهندي الذي ينقسم إلي 3 مناطق هي المحيط الهندي الأفريقي والمحيط الهندي الأوسط والمحيط الهندي جنوبي الهند وبنجلاديش وسريلانكا , يُشير إلي أنه أصبح محيطاً عسكرياً وليس ” منطقة سلام ” بأي مقياس , فوفقاً لمركز أستراتيجي روسي نجد للصين في المحيط الهندي الأفريقي قاعدة عسكرية في جيبوتي ومشاريع بني تحتية في ميناء Lamu الكيني وفي Bagamoyo بتنزانيا وميناء Port de Gwadar بباكستان , أما الهند فهي في سبيلها – كما سبقت الإشارة – لإقامة قاعدة بحرية وجوية في جزيرة Assomption التابعة لسيشل ومركز راداري وتصنت في مدغشقر وإنشاءات جوية ومينائية في جزيرة Agalega التابعة لموريشيوس وقاعدة بحرية في دقم بعُمان وميناء Chabahar بإيران , أما في المحيط الهندي الأوسط فللصين منشآت مينائية وجوية في Malé بجمهورية المالديف , وفي ميناء Hambantota بسريلانكا , وللهند التي أُتيح لها وصول جوي وبحري بقاعدة Diego Garcia بموجب مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة المُؤجرة للجزيرة من بريطانيا , وللهند أيضاً منشآت بميناء Trincomalee بسريلانكا أيضاً , وفي القاطع الأخير من المحيط الهندي جنوبي الهند هناك منشأت مينائية للصين في ميناء Kyaukphyu بميانمار وللهند قاعدة جوية بجزيرتي Andaman و Nicobar (بدعم ياباني علي الأرجح) وقاعدة بحرية في سنغافورة . *( موقع Mondialisation.ca بتاريخ 14 فبراير 2018) .
في تقديري أن السياسة الهندية تشهد إنقلابات في عدد من خطوطها السياسية العامة والفرعية , ومما يعد مثالاً واضحاً ودامغاً لذلك موقفها من سياسة ” المحيط الهندي منطقة سلام ” فقد إنقلبت الهند عليها – كما سبقت الإشارة – من خلال سعيها إلي حيازة قواعد عسكرية وجوية في جزيرتي Assomption (التابعة لسيشل) و Agalega (التابعة لموريشيوس) بل والتوقيع مع الولايات المتحدة في 29 أغسطس 2016 على مذكرة اتفاق التبادل اللوجستي (LEMOA) وهي اتفاقية لوجستية عسكرية بموجبها يُسمح لكلتا الدولتين باستخدام القواعد الجوية والبحرية والأرضية لكل منهما , إذن نحن أمام إنقلاب علي تلك السياسة التي ظلت ثابتة لدي الهند زمناً طويلاً ورددتها الدبلوماسية الهندية بقوة في كل مؤتمرات دول عدم الإنحياز التي تعتبر الهند عراب نهج عدم الإنحياز ومنشؤها , فهذه السياسة أي سياسة ” المحيط الهندي منطقة سلام” التي أصبحت بمثابة عقيدة أو Dogma في السياسات العسكرية الهندية زمناً والتي لطالما سعت الدبلوماسية الهندية إلي ترسيخها والإرتباط بها مع الدول المُشاطئة للمحيط الهندي ومنهم موريشيوس , وكمثال علي ذلك حدث أن زار رئيس الوزراء الهندي الراحل Shri Rajiv Gandhi موريشيوس في 5 يوليووهناك ألقي كلمة أمام الجمعية التشريعية في Port Louis تضمنت الإشارة إلي هذا الموضوع تحت عنوان “حماية السلام” فقال ما نصه : ” فور حصولها علي الإستقلال تعرضت موريشيوس لتملقات من قبل قوي رغبت في إرساء وتوسيع وجودها العسكري في المحيط الهندي , وبالنسبة لبلد صغير يعتمد علي محصول نقدي واحد أسواق بيعه في الغرب , فإن الأمر والحالة هذه يستلزم شجاعة الإقتناع والإستقلال الذهني المتين لمقاومة صلبة لهذه التملقات , ولاحقاً وبعد ثلاث سنوات من الإستقلال أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان بشأن المحيط الهندي بإعتباره ” منطقة سلام” , ومما يُؤسف له أن هذا الإعلان جري إنتهاكه , فبدلاً من تناقص الوجود العسكري الأجنبي من خلال نبذه سواء من ناحية العدد أو التقدم التقني لهذا الوجود , نجد زيادة ملموسة في الوجود البحري الأجنبي , هناك هياكل ومنشآت قيادية جديدة بالمنطقة , إن الدول الأعضاء بحركة عدم الإنحياز والتي تطل علي المحيط الهندي وتلك النائية يجري جرها جراً للحرب الباردة التي أُسست حركة عدم الإنحياز لكي تحمينا منها , وفي هذه الفترة الصعبة فإن دكتور Ramgoolam وأنتم والسيد رئيس الوزراء إنضموا معاً وبكل شجاعة ومدوا أيادهم لحركة عدم الإنحياز مصرين علي التفعيل الفوري لإعلان “المحيط الهندي منطقة سلام” . إن أرخبيل Chagos والذي هو حقاً جزء من أراضيكم تم تفكيكه لتصير جزيرة Diego Garcia قاعدة , وقد أصررتم علي إستعادة هذا الأرخبيل تحت سيادتكم , ونحن ندعم طلبكم هذا بكل قوة , إن سياسة حيازة قواعد علي أراض أجنبية ليس إلا إستعادة للإمبريالية القديمة في ثوب جديد , إن الشكل الجديد للإمبريالية ليس بأقل بغضاً من القديم “ * ( دورية Foreign Affairs Record عدد يوليو 1986) , هذه كانت هي السياسة الهندية إزاء المحيط الهندي لا قواعد …. لا عسكرة … والآن فالهند نفسها تسعي لحيازة القواعد والبداية في جزيرتيAgalega و Assomption وبالإنتفاع من القاعدة الأمريكية في Diego Garcia بموجب توقيع الهند والولايات المتحدة علي مذكرة اتفاق التبادل اللوجستي (LEMOA) في 29 أغسطس 2016 التي تتيح لكل منهما إستخدام قواعدهما تبادلياً , لذلك أري أنه وبعد توقيع الهند لهذه المذكرة مع الولايات المتحدة التي ناصبتها الهند زمناً العداء ثنائياً ومن خلال حركة عدم الإنحياز تكون هذه الحركة قد لفظت أنفاسها الأخيرة إلا لو كان المنطق منافقاً , كذلك تصبح الهند من القوي المُتنافسة علي عسكرة المحيط الهندي , وبالتالي فلن يكون هناك منطق – بناء علي ذلك – في أن تجاهر الهند الرسمية بما كانت تجاهر به في الماضي علي لسان السيدة إنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند الراحلة وخليفتها في المنصب أبنها الراحل Shri Rajiv Gandhi والذي أوضح الموقف الهندي في كلمته أمام الجمعية التشريعية لموريشيوس في 5 يوليو1986في Port Louis والتي أشار فيها إلي ” أن أرخبيل Chagos والذي هو حقاً جزء من أراضيكم تم تفكيكه لتصير جزيرة Diego Garcia قاعدة ” , فالهند الآن هي نفسها التي أتاح لها الأمريكان إستخدام قاعدتهم في Diego Garcia بموجب الإتفاق الكتابي المُشار إليه , وبالتالي فلن تجاهر الهند الرسمية بعد الآن بحق لموريشيوس في إستعادة أرخبيل Chagos ولا حتي الحلول محل بريطانيا في تأجير جزيرة Diego Garcia للولايات المتحدة لإستخدامها كقاعدة عسكرية , وهو موقف كاشف لكثير من السياسات الهندية مستقبلاً والتي آن للهند أن تنقلب عليها بإقترابها الشديد من الولايات المتحدة إلي حد حيازتها حق إستخدام قاعدة عسكرية أمريكية لوجيستيكياً وهو أمر لابد وأن باكستان والصين تتابعانه بإهتمام شديد نظراً للتداعيات الإستراتيجية للتعاون العسكري الهندي / الامريكي علي موازين القوي في جنوب آسيا وبحر الصين الجنوبي وعلي منسوب الصراع الهندي / الباكستاني الذي أصبح واضحاً عبث الولايات المتحدة بسياستها المرتبكة فيه .
أخيراً أشير إلي أن إتحاداً تكون في جمهورية (جزر) سيشل يُسمي Koalision Zilwa Pou Lape من 6 منظمات غير حكومية هدفه الجمع بين شعوب المحيط الهندي على أساس من تاريخها المشترك لبث روح التضامن والتحالف لمواجهة عسكرة المحيط الهندي وقد أرسل هذا الإتحاد في 7 مارس 2018 بخطاب عممه علي الدول الجزرية بالمحيط الهندي لدعمه وبيان معارضته لمشروع إقامة قاعدة عسكرية هندية في جزيرة L’Assomption *( موقع Temoignages بتاريخ 23 يونيو2018) , فقد نُشرت معلومات مُفصلة في مارس 2018 تشير إلي أن فنيين هنود يستعدون لإقامة بنية تحتية عسكرية في جزيرة L’Assomptionوهي واحدة من مائة وخمس عشرة جزيرة تابعة لجمهورية (جزر) سيشيل قبالة شرق أفريقيا , وهي قريبة جداً من جزيرة Aldabra المرجانية التي تعتبر أكبر جزيرة مرجانية مرتفعة بالعالم وهي مُسجلة لدي اليونسكو ضمن التراث العالمي علي أنها محمية طبيعية استثنائية بها حيوانات المحيط الهندي وبها موقع التعشيش الرئيسي للسلحفاة الخضراء, كما أنها موطن لأكبر عدد من السلاحف العملاقة والعديد من أنواع الطيور النادرة جدا , وبالطبع فمن الواضح أن الهند تسعي إلي توزيع أرتكازاتها العسكرية في نقاط بعيدة عن الأراضي الهندية لسببين أولهما تشتيت الجهد العسكري الباكستاني بإبعاد نقاط الإرتكاز العسكري(الجوي والبحري الهندية) عن متناول باكستان وثانياً لإحراز نقاط إضافية لصالح الإنتشار العسكري الهندي في المحيط الهندي في مواجهة العسكرية الصينية , ومن ثم يأتي الدافع العسكري الهندي في هذا الإطار ليبرر سعي الهند لإقامة قاعدتين عسكريتين في جزيرتي L’Assomption (سيشل) و Agaléga (موريشيوس) فالجزيرتين يحققان إرتكازاً عسكرياً للهند ما يمثل دعماً وإسناداً لأي مجهود عسكري هندي مُحتمل ضد أعداءها أو خصومها بمنطقة المحيط الهندي التي أكدت الهند بسعيها نحو عسكرته بإقامة قاعدتين عسكريتين لها في Agalégaو L’Assomptionأنه لم يعد “محيط سلام ” ولا محيط هندي إذ إعتمدنا في تسميته علي توزع وإنتشار القواعد العسكرية لدول أجنبية من خارج هذا المحيط ولا سواحل لها تشرف عليه .
العلاقة بين قضية أرخبيل Chagos والقضية الفلسطينية :
هناك بالطبع قاسم مُشترك بين القضيتين وهو ” الحق الضائع ” , فمن الصحيح أن لدي مورشيوس الآن قرارات صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن منظمة الوحدة الأفريقية وبعدها الإتحاد الأفريقي وحركة عدم الإنحياز وأخيراً الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 25 فبراير 2019مؤيداً لحق موريشيوس في إستعادة أرخبيل Chagos من بريطانيا بعد أكثر من ستين عاماً من فصله بواسطة السلطة الإستعمارية البريطانية كرهاً عن موريشيوس , كذلك صحيح أن القضية الفلسطينية والفلسطينيين لديهم قرارات الشرعية الدولية بدءاً من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين ويحمل رقم 181/2 بتاريخ 29 نوفمبر 1947وأيدته 33 دولة وعارضته 13 دولة فيما إمتنعت 10 دول عن التصويت , وقد صدرهذا القرار بعد أن طلبت بريطانيا بوصفها الدولة المنتدبة التي كانت تحكم فلسطين منذ 1917 من الأمم المتحدة النظر في المشكلة الفلسطينية في فبراير 1947 , وكان القرار 181 في حد ذاته متضمناً لبعض النقاط التي تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ففكرة التقسيم تخالف أحكام المادة الخامسة من صك الإنتداب التي تنص علي ” أن تكون الدولة المُنتدبة مسئولة عن عدم التنازل عن شيئ من أراضي فلسطين أو تأجيره أو وضعه تحت تصرف دولة أجنبية ” , لكن ما حدث في الواقع هو أن بريطانيا وضعت – بموجب قرار التقسيم – 56,74%% من المساحة الكلية لفلسطين أي 5,893 ميل مربع من الأراضي الفلسطينية تحت يد اليهود الصهاينة , أما الدولة العربية فقد خصص لها القرار 42,88% أي 4,476 ميل مربع , فيما المنطقة الدولية للقدس خُصص لها 0,56% من مجمل الأراضي الفلسطينية أي 68 ميل مربع من الأراضي الفلسطينية , وحتي قرارالتقسيم فهو علي سوءه شهداً تنافساً بين الدول الكبري وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا التي طلبت تأجيل الإقتراع علي التصويت علي هذا القرار لمنح الصهاينة فرصة لتحويل مواقف الدول حتي يصدر قرار التقسيم بالكيفية التي صدر بها وبنسب الأراضي المُشار إليها لكل من اليهود والعرب فمثلاً في جلسة الجمعية العامة يوم 28 نوفمبر 1947 أعلن مندوب هيتي أن ه صدرت إليه تعليمات بالتصويت لصالح التقسيم رغم أنه سبق واعلن أن بلاده تُعارض التقسيم , كذلك باراجواي التي لم تدل بصةتها في اللجنة السياسية قررت التصويت لصالح التقسيم وتحولت شيلي من تأييد التقسيم إلي الإمتناع عن التصويت , وبصفة عامة كان تأجيل التصويت علي قرار التقسيم رقم 181 ثلاث مرات بمثابة ثلاث فرص متتالية لتحويل مسارات التصويت لمختلف الدول حتي يحظي القرار بالإغلبية المُشار إليه آنفاً * (مصطفي عبد العزيز . التصويت والقوي السياسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة . منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث .صفحة 266) وبكل إختصار كان قرار التقسيم والذي كان في الحقيقة . وقد إقترفت بريطانيا نفس الجرم ولكن هذه المرة لمصلحتها وليس لمصلحة الغير أي اليهود في الحالة الفلسطينية , فقد فصلت أرخبيل Chagos عن موريشيوس عام 1965 وأشترته بمساحته التي لا تقل عن مساحتها 56,13 كم مربع مُوزعة علي 7 جزر بثلاث ملايين جنية إسترليني قبلتهم موريشيوس مُكرهة كما سبقت الإشارة , وبعد تقسيم فلسطين وحين أعلن الكيان الصهيوني قيام دولته في 15 مايو 1948 شبت حرب فلسطين لكن الدعم السياسي والمالي والعسكري الغربي (الأمريكي والبريطاني والسوفيتي) للكيان الصهيوني وحظر السلاح عن الأطراف المُتحاربة الذي نُفذ بصرامة علي العرب فيما غضت القوي الدولية الطرف عن تسلح الكيان الصهيوني والضعف الهيكلي البنيوي للجيوش العربية التي ما نجحت في شيئ إلا تنفيذ إنقلابات عسكرية وقتل الديموقراطية في العالم العربي بلا إستثناء , هذه العوامل وغيرها مما لا مجال لتفصيله أدت لهزيمة العرب وضياع حقهم في فلسطين ,
لكن هناك ثمة إختلاف بين حالة القضية الفلسطينية وقضية أرخبيل Chagos فعلي حين نجحت موريشيوس بدعم أفريقي ومعظم دول مجموعة عدم الإنحياز بقيادة الهند في إدراج طلب موريشيوس إحالة القضية إلي محكمة العدل الدولية للحصول علي الرأي الإستشاري , وفي الواقع ووفقاً لتقديري أنه كانت هناك ثمة فرص زمنية مُتاحة للعرب للذهاب بقضيتهم لمحكمة العدل الدولية وكانت فترة الستينيات من القرن الماضي أنسب هذه الأزمنة ففي هذه الفترة كان يمكن اللجوء إلي الخيار القانوني عن طريق عرض القضية الفلسطينية علي محكمة العدل الدولية مادامت الإرادة الدولية ماتزال عاجزة عن إلزام إسرائيل بأبسط مُقتضيات ومُتطلبات السلام , ففي هذا السبيل قد يمكن للعرب – كما فعلت موريشيوس في قضية أرخبيل Chagosوالمغرب في قضية الصحراء الغربية – إيجاد فرصة لتوظيف عنصر القوة الأساسي الذي يمتلكونه وهو “الحق” إذ أن مطالبهم بإستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المُغتصبة أمر يقره القانون الدولي والشرعية الدولية , وينبغي أن يكون الهدف في إطار هذا الخيار هو إستصدار قرار صريح يدين إنتهاكات إسرائيل الخطيرة لحقوق الشعب الفلسطيني وجرائمها المُتكررة التي تندرج تحت مفهوم جرائم الإبادة ضد الإنسانية * ( نزارعبيد مدني . قضايا ومواقف في الفكر والسياسة . العبيكان للنشر .2012) , لكن العرب أخفقوا في اللجنة السياسية الخاصة بمناقشة القضية الفلسطينية في الحصول علي موافقة أكثرية الدول الأعضاء بهذه اللجنة لإحالة القضية إلي محكمة العدل الدولية لإبداء رأيها القانوني كما أخفق العرب أيضاً في تمرير مشروع قرار يعبر عن رؤيتهم لحل القضية وكانت الفقرة الرئيسية للمشروع العربي إقامة حكومة مركزية تتولي إدارة فلسطين مُؤقتاً علي أن يتم الجلاء البريطاني عن فلسطين بعد عام واحد من قيام هذه الحكومة غير أن بريطانية مارست ضغوطها علي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإعلانها عن عزمها علي الجلاء عن فلسطين وكان ثقل هذا الإعلان الضاغط اكبر ما يكون علي الجانب العربي الذي سقط مشروعه عند الإقتراع عليه في 24 نوفمبر 1947حيث لم يصوت لصالحه غير 12 دولة ورفضته 29 دولة في مقدمتهم الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي الذي كانت الأنظمة القومية العربية في ستينيات القرن الماضي تصفه “بالصديق” , وبعد إجازة الجمعية العامة للأمم المتحدة لمشروع القرار الذي طرحته الأكثرية مُتضمناً التقسيم لأراضي فلسطين بالنسب السالف الإشارة إليها تحول مشروع القرار إلي قرار برقم 181 , ليبدأ بعده ما يصفه العرب بالإستعمار الإستيطاني الصهيوني لفلسطين وهو وضع مُشابه إن لم يكن مُتطابق مع ما فعلته بريطانيا مع موريشيوس , ففي مفاوضات زعماء موريشيوس الخمس ممثلي الحكومة الإنتقالية – وقتذاك – في موريشيوس مع رئيس وزراء بريطانيا Harold Wilsonفي سبتمبر 1965بقصر Lancaster House من أجل الإستقلال عرضت بريطانيا مقترحها ومفاده منح موريشيوس الإستقلال التام لكن في مقابل شراء بريطانيا لأرخبيل Chagos التابع لموريشيوس مقابل 3 ملايين جنيه إسترليني ولوح رئيس الوزراء البريطاني لوفد التفاوض الموريشيوسي مُهدداً بقوله إما أن تقبلوا فصل الأرخبيل وتعودوا لبلادكم بالإستقلال أو ترفضوا العرض البريطاني بشراء الأرخبيل ومن ثم فصله عن موريشيوس وتعودوا به لموريشيوس المُستعمرة , وأمام هذا الخيار لدولة صغيرة لا حول لها ولا قوة إستجابت موريشيوس , وبدأ إستعمار عسكري بريطاني / أمريكي لأهم جزر هذا الأرخبيل وهي جزيرة Diego Garcia التي أجرتها بريطانيا للولايات المتحدة لإقامة قاعدة عسكرية إستراتيجية بها , ولكي تستكمل بريطانيا خطتها لإبتلاع أرخبيل Chagos بالكامل قررت في عام 1965 إقامة ما سمته إقليم المحيط الهندي البريطاني أو BIOT وأعتبرته أرضاً بريطانية وذلك تحدياً لقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2708 (الدورة 25) ورقم 2709 (الدورة 25) , وكما أشارت قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة فإن هذا التصرف البريطاني ترسيم للحدود بين موريشيوس وأرخبيل Chagos خاصة قرار الجمعية العامة رقم 2066 الصادر بالجلسة العامة المُنعقدة بتاريخ 16 ديسمبر 1965, وهو تصرف مُشابه للجدار العازل الذي أقامته إسرائيل فبريطانيا أحاطت أرخبيل Chagos بدائرة إعتبرتها حدود الأرخبيل البحرية وبداخلها نطاق آخر أسمته المنتزه البحري لحماية البيئة البحرية داخل هذه الدائرة الحدودية , وهو ما تناولته محكمة العدل الدولية في رأيها المُعلن في 25 فبراير 2019 مُعتبرة إياه إنتهاكاً للقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة , وكذلك كان الجدار العازل الذي أقامه الكيان الصهيوني والذي أصدرت بشأن قانونيته محكمة العدل الدولية رأيها الإستشاري بتاريخ 7 سبتمبر 2004 تلبية لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3 ديسمبر 2003 وقد ردت المحكمة بأغلبية الأصوات إدعاء اسرائيل عدم صلاحية بحث هذه القضية في المحكمة , وتوصل أحد القضاة ، من بين الأقلية بفريق القضاة بالمحكمة إلى استنتاج مفاده أن المحكمة لا تملك المعلومات الكافية من أجل بلورة رأيها حول القضية ، ومن ثم فإن المحكمة لا تملك الصلاحية لبحث القضية ، وأوضحت المحكمة قبل بحث الأمر ، أن رأيها يقتصر فقط على المقاطع الخاصة من الجدار الفاصل ، التي أقيمت أو سيتم إقامتها وراء الخط الأخضر , وفي الجانب الثالث من رأيها الإستشاري والذي يتعلق بقانونية الجدار الفاصل في ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان ، وفي هذا السياق ، حددت المحكمة بصورة جازمة – خلافاً لرأي الكيان الصهيوني – أن هذا القانون (أي القانون الدولي) يسري بأكمله على الأراضي المحتلة ، وترى محكمة العدل الدولية أن الجدار الفاصل يمس مختلف الحقوق المقننة في الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت إسرائيل عليها ، وهي : الحق في حرية الحركة ، الحق في عدم التدخل في خصوصية البيت والعائلة ، والمقننة في البنود 12 و 17 من الميثاق الدولي بخصوص الحقوق المدنية والسياسية ، أما حقوق العمل ، والحق في مستوى حياة لائق ، والحق في الصحة والتعليم ، فهي حقوق مقننة في البنود 6، 11، 12 و 13 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية ، الاجتماعية والحضارية , ومع ذلك فلم يعبأ أو يكترث الكيان الصهيوني تماماً كبريطانيا بالرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية , فالشرعية الدولية لا تخضع لها لا بريطانيا ولا الكيان الصهيوني الذي دعمته بريطانيا ليبتلع فلسطين بدءاً من قرار التقسيم رقم 181 كما إبتلعت هي أرخبيل Chagosوالذي دافع بشأنه ممثل الكيان الصهيوني Tal Becker المُستشار القانوني بوزارة خارجية عن وجهة النظر البريطانية في جلسات الإستماع التي عقدتها محكمة العدل الدولية في الفترة من 3 إلي 6 سبتمبر2018 , وهو موقف يعيد التأكيد ما علي أن السلوك السياسي البريطاني مماثل للسلوك الصهيوني , ولذا كان من المنطقي جداً أن ندرك التشابه الذي يقترب من التطابق بين حالتي أرخبيلChagos وحالة فلسطين فالدولتين اللتين إنخرطا في هذين النزاعين يمارسان السلوك الإستعماري وهما بإستمرار خصوم الحق وأعداء الحقيقة , وربما كان ذلك خلافاً لحالة الكيان الصهيوني الذي لم يعلن رسمياً حدوده حتي يومناً ولهذا تكررت التصريحات الفلسطينية اومنها تصريح وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني نبيل شعث لصحيفة الحياة عقب لقاءه وإجتماعه بأمين عام الأمم المتحدة Kofi Anan إذ قال ” لم نعد نري القرار 242 قراراً لائقاً أو نافعاً , داعياً إلي إستبداله بقرار جديد يُبني أساساً علي أساس من المبادرة العربية المُعلنة في قمة بيروت العربية في مارس 2002 وقال ما نصه : ” أكدت كثيراً علي الحدود وسواء أُعلنت الدولة الآن أو أُعلنت بعد التحرير , فيجب أن تُعلن علي حدود 4 يونيو 1967 , فلن نقبل بدولة بدون حدود أو بحدود الواقع أي الأمر الواقع أو حدود دائمة علي أساس القرار 242الذي أصبح مطية لإستخدام الكيان الصهيوني نريد قرار جديد …. ” *( صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 19 يونيو 2002) , ولذلك سلكت بريطانيا نفس مسلك إسرائيل بأن أنشأت منطقة المحيط الهندي البريطانية والمنتزه البحري بها لفرض أمر واقع , ففي أبريل 2010 إتخذت الحكومة البريطانية قراراً من جانب واحد قضي بإنشاء منطقة محمية تُعرف باسم المُتنزه البحري أو Parc marin وذلك في النطاق البحري المُحيط بأرخبيل Chagos بدعوي الحفاظ علي البيئة البحرية , كل ذلك كان تنفيذا لإتفاق سياسي سري في عام 1961 بين رئيس الوزراء البريطاني Harold Macmillan والرئيس الأمريكي John Fitzgerald Kennedy تضمن موافقة بريطانيا علي تأجير جزيرة Diego Garciaللولايات المتحدة لإقامة قاعدتها العسكرية بها للدفاع عن مصالح الغرب , وإرتباطاً بذلك بدأت بريطانيا منذ 1965 إجلاء أو إخلاء أرخبيل Chagos من سكانه وكان عددهم وقتذاك 10,000 نسمة وذلك علي موجات إستمرت في الفترة بين عام 1967 حتي عام 1973 من القرن الماضي , تماماً كما طُرد الفلسطيتيون من أرضهم وأصبحوا لاجئين بلغ عددهم وفقاً لبيانات وكالةغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أنوروا والمُسجلين لديها في غزة والأردن والضفة الغربية ولبنان وسوريا مليون و853 ألف لاجئ * (صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 22 مارس 1981) وطرد السكان من أراضيهم قسراً كما هو معروف يتعارض في حالتي أرخبيل وفلسطين مع القانون الدولي وعلي نحو خاص المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصها : ” لا يمكن منع أي شخص من العيش في بلده ” , وكما أن هناك لاجئين فلسطينيين في الدول العربية المجاورة لفلسطين وفي الشتات ببقية أنحاء العالم , كان هناك أيضاً لاجئين من أرخبيل Chagos في دول الجوار سيشل ومدغشقر وجزيرة La Réunion التابعة لفرنسا وطبعاً في مورشيوس , لكن تحول السكان الأصليين أصحاب الأرض إلي لاجئين أو نازحين لم تره إسرائيل ولا بريطانيا إلا علي أنه ضرورة بغض النظر عن القانون الدولي وخاصة ما يتعلق منه بحقوق الإنسان , ولقد أشارت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بقضية أرخبيل Chagos وأخيراً الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية بنفس هذا الشأن إلي وجوب عودة سكان الأرخبيل لموطنهم , تماما كما أشار القرار الأممي رقم 194 بشأن حق عودة الشعب الفلسطيني لموطنه وهو القرار الذي نجده يُسحق حق الفلسطينيين في العودة وفقاً لهذا القرار في الأوراق المحفوظة بملف ما يُسمي “بصفقة القرن ” التي يتبناها رئيس أمريكي لا سابقة في التاريخ الأمريكي لشذوذه السياسي … رئيس ملعون بعدد نجوم العلم الأمريكي , وهي صفقة تأتي بعد أن مُحيت وزالت خطة الرئيس Georg Bush التي أعلنها في 24 يونيو 2004 أو ما سُمي وقتها “برؤية بوش” والتي خطها الرئيسي يتمحور في مساندة الولايات المتحدة لقيام دولة فلسطينية تكون حدودها ومظاهر السيادة فيها مُؤقتة إلي أن يتم البت في هذه المسألة ضمن التسوية النهائية في الشرق الأوسط , زالت أو أُزيلت هذه الخطة كسابقاتها من الأرشيف السياسي الأمريكي سواء أرشيف البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية لتحل محلها حالياً “الصفقة الأقذر” في مسير مشاريع التسوية السياسية الواردة من الولايات المتحدة وهي صفقة لا تحتاج لمنطق فهي لا تتضمن إرجاع حقوق بقدر ما تبحث عن مشتر مغفل وبائع سافل .
إن القوي الدولية الكبري أبداً لا تبحث في عالمنا العربي عن زعيم إنما تبحث عن مغفلين وهي إن دعمت قضية أو نزاع ما فلتحقيق مصالحها ومن بين مصالحها إضعاف الدول الفتية خاصة إن كانت تدين بالإسلام , وأنا أعلم أن هناك من لا يستسيغ إدخال الإسلام في قضايا كتلك أو غيرها بزعم ولاؤه الفكري للعلمانية وأقول لهؤلاء إن كنتم كذلك فالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة وأوروبا ليسوا كذلك …. فلتنعموا بغفلتكم فلا نامت أعين الجبناء ومن بين أمثلة كثيرة عن ذلك قضية أرخبيل تيمور الشرقية الذي حصل علي إستقلاله عن إندونيسيا في 20 مايو 2002 بعد 450 عام من الإستعمار البريطاني و24 عاما من سيطرة إندونيسيا عليه وعامان تحت إشراف الأمم المتحدة التي تحركت بموافقة من معظم القوي الدولية الكبري عام 1999 صوب تيمور الشرقية التي قاوم الإنفصاليون بها الوجود الإندونيسي وذلك بدعم من بعض القوي الدولية وهي تحديداً تلك الدول المانحة التي ضخت قبل عام من إستقلالها 300 مليون دولار لمساعدتها بمعدل 400 دولار لكل تيموري , وستنخفض هذه المساعدة المالية لتصل إلي 55 مليون دولار عام 2004 فمازال هناك عامان حتي يمكن لشركات البترول إستغلال البترول في النطاق البحري حول تيمور الشرقية وسيدر هذا البترول أموالاً طائلة لخزانة هذه الدولة الناشئة (The Economist عدد 13- 19أبريل 2002) , وكان هذا الإنفصال للأرخبيل عن إندونيسيا أحد أهم أسباب عدم إستمرار الرئيس الإندونيسي عبد الرحمن واحد من منصبه إذ فقدت المؤسستين العسكرية والأمنية الثقة في قدرته علي الحفاظ علي التكامل الترابي للبلاد , إذ تواجه إندونيسيا خطر إنفصال في Ache التي بها حركة إنفصالية أخري مُسلحة , وهكذا وللتدليل علي ذلك نجد أن هناك صراع أشرس في مقاطعة Cabinda الأنجولية منذ نوفمبر 1975 حيث تطالب جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC بالإنفصال للإستقلال عن أنجولا لأسباب مختلفة لكن الجيش الأنجولي يتمركز ما لا يقل عن 40,000 جندي منه في هذه المقاطعة التي تنج ما لايقل عن 70% من البترول الأنجولي البالغ حوالي 2 مليون برميل / يوم , لكننا لم نسمع ولن نسمع عن هذا الصراع المسلح القائم بين حكومة أنجولي وشعب كابيندا وكنيسته هناك ومعهما جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC والسبب هو أن شركة Chevron الأمريكية وTotal الفرنسية يستغلان البترول الأنجولي من هذه المقاطعة بالإضافة للآبار البحرية قبالة الساحل الأنجولي علي المحيط الأطلنطي الذي طوله حوالي 1,600 كم , ولذلك يسميه المراقبون بالصراع الصامت الذي حتي لم يُطرح علي منصة منظمة الوحدة الأفريقية ولا بعد ذلك عندما سمت هذه المنظمة نفسها الإتحاد الأفريقي , وهناك صراعات أخري بأفريقيا وبالعالم علي هذا النحو , فأنت تسمع فقط عن الصراعات التي تمثل تهديداً للمصلح العُليا للقوي الدولية والتي إن تناولها مجلس الأمن الدولي بالنظر لإصدار قرار ما فإن هذا التناول يتم علي غرار التسويات التي تجري في بورصة الأوراق المالية .
نــــتــيـــجـــة :
إن التشابه بين قضية أرخبيل Chagos والقضية الفلسطينية لابد وأن يؤكد للعرب المخلصين لقضية فلسطين أن ما يُسمي بالواقعية السياسية وهي الحد الأدني لأي موقف يتخذه زعيم سياسي وقد يدعمه فيه شعبه لن يجدي مع القوي الدولية الكبري فالعرض السابق يثبت بما لا يدع حيزاً للشك في أن بريطانيا لم يتغير سلوكها السياسي الإستعماري فهو سلوك خال من القيم والأخلاق ولا تحترم لا القانون الدولي ولا قبل لها بحقوق الإنسان وهي في ذلك ككل القوي الدولية الكبري بلا إستثناء واحد , لذلك من المثير للحزن أن يظل بعض العرب يستودعون ثقتهم بل وإحترامهم لبريطانيا بإعتبارها دولة ديموقراطية دون أن يعوا أن نعمة الديموقراطية لهم وهي مُحرمة علينا , فهم لا يستطيعون التعامل ولا قبول التعامل مع زعيم عربي قوي وشريف , ولن تستطيع دولة صغيرة مثل موريشيوس الإستفادة من الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية ولا حتي تلقي قيمة إيجار جزيرة التي أقام الأمريكان فيها قاعدتهم العسكرية اللعينة لعقود مضت وأخري تالية , فلا الأمريكان ولا البريطانيين ولا الصهاينة ولا غيرهم من القوي الدولية الكبيرة أو المتوسطة بقابلين للتعامل بالقانون والعرف الدوليين , ومن ثم فعلي دول العالم العربي المريضة أن تقبل بالعلاج المر وهو الديموقراطية الحقة حتي تتعافي وتستغني عن الثقة فيمن لا يُوثق بهم كهؤلاء المذكورين آنفاً وتأخذ حقوقها بيدها وعنوة , فمن غير المعقول أن أتعامل بالخلق القويم مع أنذال ومجرمين إستباحوا حقوق الشعوب …. مستحيل , ولذلك لا حل في للقضية الفلسطينية طالما تعاملنا مع دول كبريطانيا والولايات المتحدة تقول ما لا تفعل , فخطة أو رؤية Bush علي سبيل المثال لا الحصر لم تكن إلا مُخدر لعملية جراحية تم فيها إستئصال العراق من محيطه وعروبته .
- خاص – المركز الديمقراطي العربي – الــــــــســـــفــــيــــر بـــــلال الـــمــــصــــري – ســفــيــر مــــصـــر الـسـابـق لدي أنجولا وساوتومي وبرنسيب والنيجر
الـقـاهـرة تحريراً في 18 مارس 2019