أبعــاد التدخـل الأوروبي في الشؤون الداخلية للجـزائر…كيف سترد الجــزائــر؟
اعداد : أميرة أحمد حرزلي، باحثة متخصصة في الدراسات المتوسطية، المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
في سابقة خطيرة هي الاولى من نوعها منذ بداية الحراك الشعبي السلمي في الجزائر في 22 فيفري الماضي عقد البرلمان الأوروبي أمس جلسة طارئة في مقره بستراسبورغ الفرنسية لمناقشة الوضع السياسي الراهن في الجزائر بحيث أعرب البرلمان في بيانه عن قلقه لما سماها ” انتهاكات حقوق الانسان في البلاد” و” الحريات الأساسية في الجزائر” و” الاعتقالات التعسفية”…
الملفت للانتباه أن الموقف الأوروبي عموما منذ بداية الحراك الشعبي في الجزائر كان غير منسجم ومتضارب مع بعضه في كيفية التعاطي معه فتأرجح حينا بين الحذر والصمت وأحيانا أخرى بين الانتقاد والتدخل، في سياق ذي صلة انتقد النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي رافايل غلوكسمانRaphael Glucksmann عبر تغريدة على موقع تويتر الصمت البرلمان الأوروبي تجاه مثالية الحراك الجزائر رغم اعجابه به وبمجرياتها التي ستغير منطقة المتوسط، واتهم في ذات الوقت اطرافا بالوقوف خلف صمت أوروبا وعدم مناقشتها الحراك الجزائري وهو أمر متوقع بسبب الحساسيات التاريخية و السياسية بين الجزائر فرنسا.
أثارت الخطوة الأوروبية الأخيرة ردود فعل واسعة وطنية وعربية ودولية من حلفاء الجزائر مستنكرة لتدخلها في شؤون الجزائر الداخلية، متناسية قضايا أخرى يفترض ان تولي لها أوروبا الاهتمام الأكبر كمظاهرات السترات الصفر في فرنسا وما شابها من عنف واعتقالات ضد المتظاهرين وقضية البريكسيت التي تهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي.
- وعليه كيف يمكن قراءة التدخل الأوروبي في الشأن الجزائري سياسيا؟
- ماهي دلالات ذلك في الراهن؟ وماهي استراتيجيات الرد المناسبة للجزائر إزاء الخطوة الأوروبية؟
- لماذا تتدخل أوروبا في شؤون الجزائر؟
من منطق الصلف أن تتدخل أوروبا عبر برلمانها في مناقشة الوضع السياسي في الجزائر معتمدة على التاريخ الاستعماري لها في منطقة المغرب العربي، فالنهج الأوروبي والفرنسي بشكل خاص ما يزال يعمل بمبدأ التبعية غاضا البصر و متناسيا ان الجزائر خاضت ثورة تحريرية كبرى دفعت فيها النفس و النفيس لتنال استقلالها في 1962 ، فالتاريخ وملف الذاكرة مازالا يلقيان بضلالهما على العلاقات الأوروبية الجزائرية و تحديدا مع فرنسا.
تتدخل أوروبا في الشؤون الجزائرية لان الحراك الجزائري الشعبي وضع أسس جديدة للتعامل مع الطرف الأوروبي والفرنسي على أساس فك الارتباط / التبعية واحترام خيارات الشعب الجزائري الواعية والواضحة بضرورة الحفاظ على المصالح الجزائرية من تاريخ وثقافة وثروات …
في أبجديات العلاقات الدولية و تحديد في حقل النزاعات الدولية تلجأ الدول الى إدارة ازماتها الداخلية الى ما يسمى الإدارة بالأزمة بحيث تلفت انتباه الراي العام المحلي و الدولي الى قضايا أخرى لا تهمه لإشغاله بقصد كسب المزيد من الوقت لإيجاد حل لأزماتها الداخلية يناسبها، وهو الحل الأوروبي الذي اختارته لإدارة ازماتها الداخلية سواء ما تعلق بالعنف و التخريب و الاعتقالات التي وقعت في فرنسا في مظاهرات السترات الصفراء أو قضية البركسيت التي تهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي الذي سعى مؤسسوه روبير شومان وجان مونيه جاهدين لبنائه.
- توقيت التدخل الأوروبي …
ليست محض صدفة ان يفتح البرلمان الاوروبي جلسة نقاش والتصويت على قرار ادانة حقوق الانسان الجزائر في هذا التوقيت بالذات، فالتوقيت الراهن له دلالات سياسية واضحة من بينها:
ــ الحراك الشعبي الجزائري الذي يغلق جمعته الأربعين اليوم 29 ديسمبر والذي أكد خلاله الشعب الجزائري رفض التدخل الخارجي والفرنسي بشكل خاص، ورحيل النخبة السياسية الموالية لفرنسا واسترجاع الثروات والأموال المنهوبة والتمسك ببيان اول نوفمبر….
ــ علاقة المؤسسات الأمنية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والشرطة الوطيدة بالشعب الجزائري ومرافقتها له في كل مسيراته بكل مهنية واحترافية.
ــ نجاح مسار الحراك الشعبي الجزائري في وقف العهدة الخامسة والتمسك بكل الثوابت التاريخية والوطنية، واجراء إصلاحات … بكل سلمية.
ــ موعد محاكمة رموز النظام السابق يوم الاثنين المقبل الذين كانوا على علاقة وثيقة بفرنسا وقضايا الفساد…
ــ اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر التي ستجرى في الثاني عشر ديسمبر المقبل أي بقي لها اقل من أسبوعين 12 يوم، فليس ثمة شك انها محاولة أوروبية للتشويش على الوضع في الجزائر قبل الانتخابات.
ــ اشغال الرأي العام الأوروبي و الدولي بقضايا أخرى جانبية ( الوضع في الجزائر ) على حساب المسائل التي تهم منطقته ودوله كمسألة البركسيت البريطاني من الاتحاد الأوروبي و احتجاجات السترات الصفراء …وغيرها من القضايا .
- هل للتدخل الأوروبي تأثيرات ملموسة على الجزائر ؟
رغم الضجة الكبيرة و المبالغ فيها من وسائل الاعلام المحلية والدولية، العامة والخاصة للحدث الذي كان يفترض ان لا يُعطى أكبر من حجمه، فلا يمكن ان يؤثر التدخل الأوروبي على الجزائر سلبيا بل سيؤثر إيجابيا باذن الله، بحيث يزيد من فخر الجزائريين بتاريخهم و ثقافتهم و حراكهم الشعبي، بالإضافة الى ذلك يُكرس قناعة عميقة ثابتة لدى الجزائريين بخياراتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بوجوب اجراء الانتخابات الرئاسية وإصلاحات بناءة في جميع المجالات تُعيد بناء الدولة الجزائرية الجديدة التي أسسها الأمير عبد القادر الجزائري.
من ناحية أخرى مُني مشروع القرار الأوروبي الذي طرح للتصويت بخسارة كبيرة داخل مقر البرلمان، فقد رُفض القرار بأغلبية أكثر من 484 صوت مقابل تأييد 140 صوت و37 صوت امتنعوا عن التصويت، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان التدخل الأوروبي لن يكون له تأثيرات سلبية ملموسة على جزائر فهو اشبه ما يكون بزوبعة في فنجان يهدف لاستفزاز الجزائر قبل الاستحقاق الانتخابي.
- الرد الجزائري على التدخل الأوروبي…
أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا للرد على التدخل الأوروبي في الشؤون الداخلية للجزائر مؤكدة ان الجزائر تدين وترفض بشدة التدخل السافر في شؤونها، كما اشارت الى أن البرلمان الأوروبي يُروج إلى أجندات الفوضى المقصودة، وهو بهذا التصرف أظهر ازدرائه للمؤسسات الجزائرية وقوانين الدولة الجزائرية، وعليه تحتفظ الجزائر بحق الرد في تقييم علاقاتها مع كافة المؤسسات الأوروبية.
أكد رئيس مجلس الامة ورئيس المجلس الشعبي الوطني رفضهم التام والقاطع للخطوة الأوروبية وكل اشكال التدخل من أي كان، كذلك اتخذ الاتحاد العام للعمال الجزائريين والاحزاب السياسية ومختلف تنظيمات المجتمع المدني على اختلاف انتماءاتها موقفا رافضا للتدخل الأوروبي ومناقشته الوضع السياسي في الجزائر
من جهتهما يرفض البرلمانان العربي والمتوسطي تدخل البرلمان الأوروبي في شؤون الجزائر الداخلية معتبرين ذلك تدخل سافرا مرفوضا في دولة مستقلة ذات سيادة.
في اعتقادي أن الإدانة والاستنكار لوحدهما غير كافيان، بل يجب اتخاذ خطوات واقعية على الخطوة الأوروبية غير المقبولة كإعادة تقييم جدي للعلاقات الجزائرية ـ الأوروبية عموما والفرنسية بشكل خاص على أساس الاحترام المتبادل.
أفضل رد برأي على ممارسات البرلمان الفرنسي هو المضي قدما نحو استكمال مسار الإصلاحات التي نادى بها الحراك الشعبي في كافة الميادين والحفاظ على مكتسبات الثورة والثوابت الوطنية وتكريس الوحدة الاجتماعية بين افراد الشعب الجزائري والتمسك بمؤسسات الدولة الشرعية وقوانينها وعلى رأسهم المؤسسة العسكرية.
خــاتـــمة:
لا يختلف اثنان ان مناقشة البرلمان الأوروبي للوضع السياسي في الجزائر وطرحه في شكل قرار للتصويت عليه خطوة استفزازية واضحة تنم النظرة الاستعمارية المتعالية لأوروبا لدول جنوب المتوسط وللجزائر بشكل خاص في ظل الحراك الشعبي السلمي الذي أعاد التعريف بمكانة الجزائر إقليميا ودوليا وبمصالحها الوطنية التي يجب الحفاظ عليها في جميع الظروف.
تفاعل العالم العربي والدولي متضامنا مع الجزائر ومستنكرا الخطوة الأوروبية التي تهدف الى خلق الفوضى قبل الانتخابات الرئاسية في الجزائر.
التدخل الأوروبي في الشؤون الجزائرية مناقشتها أوضاع حقوق الانسان في سياسة الكيل بمكيالين ومزدوجة المعايير لا تراعي سيادة الدول، لن ينسى التاريخ كيف دعمت أوروبا الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 وتدخل الحلف الأطلسي باسم الامن الإنساني في ليبيا سنة 2011 والتدخل الفرنسي في مالي … وغيرها من دول العالم، وما احدثته سياسات التدخل الأوروبية من استنزاف لخيرات الدول وهدم مؤسسات الدولة ونشر الإرهاب والتطرف.
في انتظار خطوات جدية ملموسة على ارض الواقع من الدولة الجزائرية لردع التدخل الأوروبي في الشؤون الجزائرية لعل أهمها إعادة تقييم وبناء العلاقات الجزائرية ــ الأوروبية على مبدأ الاحترام المتبادل لسيادة الدول، يجب استكمال مسار الإصلاحات و تحقيق الوحدة الاجتماعية والثقة بالمؤسسة العسكرية.