تحليل الأزمة الجزائرية 2019 من خلال اقتراب الجماعة
إعداد: سارة عبدالسلام الشربيني – المركز الديمقراطي العربي
قام الشعب الجزائري بمظاهرات كبيرة بدأت في ۲۲ فبراير ۲۰۱۹ ومستمرة حتى الآن والتي أدت إليها أسباب عديدة منها تفشي الفساد ، الأموال الضخمة التي تم صرفها فيما يُسمى ببرنامج رئيس الجمهورية ، زيادة نسبة البطالة ، عدم تطوير البنية التحتية وأيضا عودة ظاهرة الهجرة غير الشرعية في الآونة الأخيرة وقد حاولت السلطة في الجزائر التعتيم على وسائل الإعلام مما أدى إلى احتجاج الصحفيين وانضمامهم إلى جموع المتظاهرين ، ويشهد المشهد الجزائري وجود العديد من الأطراف المتفاعلة وفيما يلي سيتم تصنيف تلك الأطراف وتقييمها هذه الأزمة وفقا لاقتراب الجماعة.
يركز اقتراب على دراسة وتحليل علاقة الجماعات بعضها ببعض، وأثر ذلك على الاتجاهات والمصالح المشتركة، كذلك تحليل التفاعلات سواء بين الأفراد داخل الجماعة، أو بين الجماعات المختلفة، وقد حاول “الموند” بالتعاون مع “باول” و “كولمان” تقديم تصنيف للجماعات يتيح نطاقا واسعا من المقارنة، وطبقا لهذا التصنيف تنقسم الجماعات إلى أنماط أربعة :
1- جماعات المصالح التضامنية : وهي جماعات عالية التنظيم، ومتخصصة في تجميع وتمثيل مصلحة جماعة محددة، وبصورة واضحة، ويعطيها تنظيمها ميزة على الجماعات غير المنظمة
2 – جماعات المصالح المؤسسية : وهي تحقق أهدافا عديدة بجانب التعبير عن المصالح الخاصة بها، وهذه الجماعات على عكس السابقة موجودة لتحقيق وظائف أخرى غير الدفاع عن المصالح الخاصة بها، وهي منظمة بصورة جيدة، وتحتل مواقع قوة معينة في المجتمع.
3- جماعات المصالح غير المنظمة : و هي تحقق مصالحها بصورة غير رسمية، وتمتلك درجة عالية من التفاعل بين الأفراد، ولكن تغيب فيها الإجراءات المنظمة.
4 – جماعات المصالح الوقتية : وهي مؤقتة مثل المظاهرات وأعمال الشغب للتعبير عن مصلحة محددة.
- بتطبيق هذا التصنيف على الحالة الجزائرية، نجد أنه يمكن إدراج بعض الجماعات في الجزائر تحت ذلك التصنيف، وذلك كالتالي:
أولا جماعات المصالح التضامنية في الجزائر:
يمكن تصنيف النقابات المهنية في الجزائر على أساس أنها جماعات تضامنية، والتي اتجهت للإضراب العام وذلك ضمن احتجاجات الشعب الجزائري على ترشح بوتفليقة للعهدة الخامسة من حكمه، حيث قام الصحفيون باعتصام في ساحة الصحافة، كما قام مذيعو وموظفو الإذاعة الجزائرية باعتصام أمام مقر الإذاعة الوطنية كما قام عمال التليفزيون بتنظيم احتجاج أيضا.
كذلك خرج مئات المحامين إلى شوارع وسط العاصمة الجزائرية وذلك مطالبين بوتفليقة بالتنحي عن منصبه وعدم الترشح للعهدة الخامسة بالحكم، وقد طالب الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين من السلطات تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة انتقالية.
ثانيا جماعات المصالح المؤسسية في الجزائر:
وهي جماعات منظمة تحتل مواقع قوة معينة في المجتمع، ويمكن تصنيف كل من الجيش و الأحزاب السياسية في الجزائر كجماعات مصالح مؤسسية.
- الجيش
بالنسبة للجيش فقد حرص على عدم اتحاذ موقف صريح من الاحتجاجات، كما حرص علي أن يكون علي الحياد وألقى عدة خطابات حاول فيها التركيز على دور الجيش في حماية البلاد، ولكن مع استمرار الاحتجاجات وتصاعد وتيرتها اتجه للانحياز للشعب، وذلك من خلال تصريحات قياداته، خاصة الفريق أحمد قايد الصالح قائد الأركان ونائب وزير الدفاع والذي بدوره ألقى عدة تصريحات تدل على هذا الانحياز أبرزها عدم سماح الجيش بعودة حقبة سفك الدماء، كما أكد على أن الجيش يعد جزءا من الشعب ويشتركان في نفس القيم.
- الأحزاب السياسية
وفقا لتصنيف الجماعات فإن الأحزاب هي جماعة مؤسسية ومنذ بداية الحراك في الجزائر فقد تفاوتت مواقف الأحزاب السياسية في البداية تجاه احتجاجات الشعب؛ فهناك أحزاب ساندت وأحزاب أخرى عارضت وهناك أحزاب اتجهت للحياد والتمهل حتى تتضح الأمور، ثم بعد ذلك اختلفت تلك المواقف فمثلا الائتلاف الحاكم “جبهة التحرير الوطني” أيدت استمرار بوتفليقة في الحكم، ورأت أن بيان بوتفليقة الذي أعلن فيه عدم ترشحه للانتخابات، وقيامه بمجموعة من الإصلاحات يعد ملبيا لمطالب المتظاهرين، ثم تغيرت توجهات الائتلاف الحاكم، حيث صرح زعيمه معاذ بو شارب بانحيازه إلى الحراك الشعبي، ودعوة الجبهة إلى المفاوضات وإلى الوحدة ضمانا لاستقرار البلاد، وذلك جاء نتيجة الضغوط والاحتجاجات الشعبية المتصاعدة من الداخل والخارج.
أما فيما يخص أحزاب المعارضة فلم هي المحرك الرئيسي للأحداث في المشهد الجزائري، وإنما تفاوتت مواقفها أيضا منذ بداية الاحتجاجات وذلك المشاركة في الحراك الشعبي، ومحاولات التوصل إلى حوار وطني يتوافق فيه الفاعلون السياسيون، والجماهير الرافضة لاستمرار بوتفليقة في الحكم وترشحه لعهدة خامسة، كما أنه كان لها دور في محاولات إقناع الشارع الجزائري بالقبول بمرحلة انتقالية يترأسها بوتفليقة بشكل مؤقت، إلا أن موقفها اختلف بعد ذلك حيث أعربت عن أنا هذا الحل غير دستوري.
ثالثا جماعات المصالح غير المنظمة :
نجد أن يمكن تصنيف الحركات العرقية والانفصالية في الجزائر كجماعات مصالح غير منظمة في الحراك الجزائري؛ حيث استغل بعضهم الحراك الشعبي لرفع أعلامهم وإبراز مطالب فئوية وذلك كالأمازيغ، الذين تواجدوا في الجمعة الثامنة عشر للاحتجاجات رافعين العلم الأمازيغي، كذلك شهدت الاحتجاجات تواجد الماك وهي الحركة التي تعبر عن التوجه الانفصالي لمنطقة القبائل في الجزائر.
رابعا جماعات المصالح الوقتية :
يمكن تصنيف الطلاب المشاركين في الحراك الجزائري ككل كجماعة مصالح وقتية، وذلك نظرا لتجمعهم من أجل الاعتراض على استمرار بوتفليقة في الحكم وعدم ترشحه لفترة جديدة، والمطالبة بمحاكمة عدد من رموز النظام بتهمة الفساد، بالإضافة إلى إقالة رئيس الوزراء، وتأسيس هيئة وطنية للحوار والوساطة.
– وقد قام آرثر بنتلي ضمن اقتراب الجماعة بوضع عدة معايير لتقييم جماعات المصالح، وتلك المعايير هي الحجم والذي يتمثل في عدد الجماعة ككل، وكثافة النشاط، وتكتيكات جماعات المصالح، وأخيرا علاقة الجماعة بالجماعات الأخرى، وفي التالي سيتم تقييم الجماعات السابق ذكرها وفق هذه المعايير.
أولا الحجم ( العدد)
يعد الحراك الشعبي بتنوعه وتعدد الجماعات المشاركة فيه من بينهم الطلاب هو الأكبر حجما أي الأكثر عددا، وذلك اتضح من كثافة نشاط الطلاب وغيرهم من الجماعات في الحراك ككل.
أما الأحزاب السياسية فيتباين حجمها وأعدادها وفقا لقبول الشعب الجزائري لمواقفها وتأييد الشعب لها، فقد كشف الحراك الشعبي عن افتقار الأحزاب للقواعد الشعبية التي كانت تتفاخر بها في الندوات الصحفية والأرقام التي كانت تعلنها في مواعيد الانتخابات عن نسبة مشاركة المواطنين، فقد وصل الأمر إلى طرد بعض ممثلي الأحزاب في المسيرات رغم محاولتهم للتقرب من الحراك الشعبي.
ثانيا كثافة النشاط
وهنا نجد تفوق الجيش في هذا المعيار حيث تكتسب المؤسسة العسكرية قوتها من كثافة نشاطها حيث أنه منذ بداية الاحتجاجات كان للجيش دورا مؤثرا في الأحداث حيث ألقى رئيس الأركان قايد صالح العديد من الخطابات التي وضحت موقف المؤسسة العسكرية طوال فترة الاحتجاجات كما سبق توضيحه، هذا فضلا عن اللقاءات الاعلامية، وتعاطي الجيش مع الأعمال المخالفة للقوانين خلال الاحتجاجات مثل اعتقال نحو عشرين شابا رفعوا العلم الأمازيغي خلال تظاهرات الجمعة الثامنة عشرة.
أما فيما يخص الأحزاب السياسية فيقتصر دورها على تصريحات وردود فعل كوادرها، ومحاولاتهم توجيه الحراك الشعبي نحو مسار سياسي توافقي لمرحلة انتقالية، أو عبر ممارسة الدور التقليدي بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة وحشد الجمهور واعداد الحملات الانتخابية الواسعة، ونجد أن ذلك لم يفلح كثيرا حيث كشف الحراك الشعبي عن افتقار الأحزاب للقواعد الشعبية التي كانت تتفاخر بها في الندوات الصحفية والأرقام التي كانت تعلنها في مواعيد الانتخابات عن نسبة مشاركة المواطنين، فقد وصل الأمر إلى طرد بعض ممثلي الأحزاب في المسيرات رغم محاولتهم للتقرب من الحراك الشعبي.
أما فيما يخص الحراك الشعبي فقد استمر في الاحتجاجات والإضرابات و الدعوات إلى عصيان مدني، ومقاطعة الانتخابات إذا لم يتم تنفيذ مطالبه.
ثالثا تكتيكات جماعات المصالح
استخدم الجيش الوسائل القانونية بتأكيده على العمل بالدستور وخاصة المادة ۱۰۲، وحرصه على منع البلاد من السقوط في حالة فراغ دستوري، واستخدامه أيضا لأدوات الاكراه المادي التي يمتلكها في التعامل بحزم وليس بعنف، كذلك الخطابات واللقاءات الاعلامية.
أما الحراك الجزائري فقد استخدم المطالبة بتفعيل المادتين ۷و ۸ من الدستور، كذلك استخدم الاحتجاجات والإضرابات والعصيان المدني، ورفض إقامة الانتخابات الرئاسية في موعدها.
أما الأحزاب فقد فضلت ممارسة الدور التقليدي بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة وحشد الجمهور واعداد الحملات الانتخابية الواسعة.
رابعا علاقة الجماعة بالجماعات الأخرى :
ونلاحظ أن العلاقة الأقوى هنا تبرز بين الجيش والحراك الشعبي في مجمله، حيث يبقي الشعب على احترامه للجيش، الذي هو مكون بالأساس من أبنائه، مع التعامل بمرونة نسبية في محاولة الضغط عليه في ظل تسييره لأمور البلاد قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، وكذلك يعلن الجيش عدم رغبته الدخول كطرف في الصراع السياسي الدائر على السلطة، وعدم رغبته في تقديم أي من قيادته كمرشح لرئاسة البلاد، ويتعامل في أضيق الحدود مع المطالب الشعبية مع حرصه الشديد على عدم إطالة المرحلة الانتقالية أو استخدام العنف ضد المتظاهرين.
بينما تتفاوت درجة تقبل الحراك الشعبي في عمومه لدور الأحزاب السياسية المعارضة منها والمؤيدة، وخاصة في ظل توصيف بعض المحللين السياسيين للمعارضة في الجزائر بكونها شكلية، أو مهمشة؛ وذلك لتضائل دورها في السنوات التي أعقبت العشرية السوداء” في إطار محاولات احتواء حرب أهلية عصفت بالجزائر وأودت بحياة ما يقارب 250 ألف جزائري، وهو ما أدى إلى تراجع تأثيرها فضلاً عن تراجع قناعة الشعب بفاعلية دورها في الحياة السياسية، وكونها مجرد مؤشر على وجود تعددية حزبية وانتخابات في الجزائر.
وقد قام ترومان بتقديم تقييم أخر للجماعات ضمن اقتراب الجماعة من خلا تقييم أثر تفاعلات تلك الجماعات على المجتمع، وقد قسمها ترو مان إلي نوعين: جماعات تحدث أثر تنافسي وصراعي، وجماعات تحدث تجانس داخل المجتمع.
وبالتطبيق على الحالة الجزائرية نجد أن الأحزاب السياسية بطبيعة دورها تنافسية دون عنف بسعيها للوصول إلى السلطة، بينما تجنح بعض الجماعات غير المنظمة مثل بعض القبائل الانفصالية إلى المطالبة بقرارات متطرفة كالانفصال عن الجزائر.
وأما عن الحراك الشعبي بنقاباته وتجمعاته المختلفة فهو يطمح إلى بناء دولة مدنية جديدة مع تجنب الدخول في صراع دموي يشبه ما عرفته الجزائر في التسعينات، حيث يقتصر الحراك الحالي على المطالبة بتغيير سياسي جذري دون اللجوء إلى العنف، كما أن للجيش دور في الحفاظ على المشهد الجزائري مستقرًا ومتجانسا وذلك راجع إلى عدم رغبته في الحصول على السلطة بشكل مباشر.
ونستخلص مما سبق أن جماعات المصالح الجزائرية المتفاعلة في المشهد الحالي ستسعى جاهدة لتحقيق مطالبها، مع تحليها بالمرونة وتقبل الاخرين، كما نلاحظ علو الولاءات القومية على الولاءات الفرعية واتجاه كافة الأطراف لتداول السلطة بشكل سلمي ديمقراطي.