الاوضاع في ليبيا وتأثيرها علي الامن القومي المصري
اعداد : دينا سليمان كمال لاشين – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية .قسم علوم سياسية – جامعة القاهرة
- المركز الديمقراطي العربي
تكتسب ليبيا اهتمامًا كبيرًا من الجانب المصري، حيث لا يتجزأ أمنهما القومي، علاوة على العلاقات التاريخية، والحدود المشتركة بينهم ، وكذلك القبائل المصرية الليبية المنتشرة في البلدين، ونتيجة لعلاقات الجوار والمصاهرة والمصالح القومية العليا، تهتم مصر بشدة بالأوضاع في ليبيا . فكانت مصر من أوائل الدول التي تعاملت مع ليبيا رسميًا بعد استقلالها في أوائل الخمسينات من القرن العشرين، كما سعى الرئيس الليبي الاسبق العقيد “القذافي” للوحدة مع الدولة المصرية وذلك بتوقيع ميثاق طرابلس ديسمبر 1969 الذى تضمن ما يسُمي بالجبهة القومية العربية، وفي مرحلة لاحقة انضمت سوريا وتم إعلان اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وليبيا وسوريا في 17 أبريل 1971م ، وساعدت ليبيا مصر في حرب أكتوبر 1973؛ حيث قامت بعقد صفقة طائرات «ميراج» مع فرنسا، واستخراج جوازات سفر ليبية للطيارين المصريين من أجل التدريب في فرنسا.. وعندما واجهت مصر مشكلة شراء الدبابات « تي 62» قامت ليبيا بدفعها، كما قامت بإرسال سربين من الطائرات إحدهما يقوده مصريون وآخرون ليبيون , ولكن لن تسير هذه العلاقة علي نفس الخط ؛ فقد مرت العلاقات بفترة من التوتر خلال حكم الرئيس الراحل انور السادات ، إلى أن عادت العلاقات بين مصر وليبيا عام 1989 أثناء إنعقاد مؤتمر القمة العربية فى المغرب و إلغاء تأشيرات الدخول لمواطنى البلدين و توقيع عشر إتفاقيات تنظم كافه أوجه التعاون بين البلدين فى عام 1991 ومع بدء ظهور أزمة (لوكيربي)، والحصار الأمريكي الذي اصبح دولياً بقرار من الأمم المتحدة عام 1992م، بذلت مصر مساعى لمسانده ليبيا سندًا لها في اتصالاتها مع العالم الخارجي . كما ابدت مصر اهتماما كبيرا بالاوضاع في ليبيا في مرحلة مابعد عهد القذافي(عقب ثورة 17فبراير 2011) حيث استضافت مصر العديد من اللقاءات التي جمعت قوى سياسية وممثلين ليبيين ، في إطار المحاولات لإيجاد حل للأزمة بأيدي الليبيبن أنفسهم، فضلا عن مشاركة مصر في مؤتمرات دولية حول ليبيا سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وآخرها مؤتمر باليرمو بجنوب إيطاليا (12 – 13 نوفمبر2018 ) الذي شارك فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك الاجتماع الوزاري الـ12 لآلية دول جوار ليبيا بالخرطوم (29 نوفمبر 2018 ) وشارك فيه وزير الخارجية المصري . ونتيجة لهذه العلاقة وهذا التجاور فكان لابد ان تهتم مصر بشكل كبير بكافة الاحداث الموجودة في ليبيا علي اعتبار انهم شعباً واحداً وامة واحدة , لذلك كانت مصر من اكثر الدول اهتماماً بقضية التدخل التركي في ليبيا نظراً لان ما يؤثر علي ليبيا من شأنه ان يؤثر علي مصر .
شهدت ليبيا العديد من التطورات السياسية وكان لها تأثير واضح على الأمن القومي المصري فالاوضاع السياسية والأمنية في ليبيا في تدهور مستمر وذلك مع تزايد مظاهر عدم الاستقرار وافتقاد الأمن، فقد شهدت مرحلة إسقاط القذافي إحياءً للتيارات الإسلامية بشقيها المعتدل والمتشدد حيث سعى الإخوان المسلمين للسيطرة على المشهد الأمني في طرابلس من خلال تكليف مليشيات تابعة لها بتأمين العاصمة الليبية والوزارات المتعددة ، ولفرض نفوذهم على الحكومة الليبية، خاصة بعد تراجع شعبيتهم بصورة كبيرة، فضلاً عن قيام مجموعة من الانفصاليين بقيادة “إبراهيم الجضران””( رئيس حرس المنشآت النفطية في شرق ليبيا ) بتأسيس مكتب سياسي من أجل المناداة باستقلالية برقة، وعيّن نفسه رئيساً للمكتب، وقام بإغلاق الحقول النفطية وموانئ التصدير في شرق البلاد، مما أدى لانخفاض إنتاج ليبيا بحوالي 60%، كما تم التلويح بإمكانية استقلال الإقليم مستقبلاً. ومع استمرار المواجهات بين المليشيات المرتبطة بالأحزاب الإسلامية من جانب، وتلك الموالية لرئيس الحكومة وتحالف القوى الوطنية، واندماج المليشيات العسكرية – خاصة تلك التي لها صلة بتنظيم القاعدة في الأجهزة الأمنية في ليبيا، ومشاركتها في تأمين مناطق الحدود الليبية، الغربية والجنوبية , وامتلاك هذه المليشيات مخازن ضخمة من الأسلحة على اختلاف أنواعها، وارتباطها بصلات قوية مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ، ووجود معسكرات تدريب للعناصر الجهادية في مناطق قرب الحدود المصرية هذا من شأنه ان يهدد الامن القومي المصري من خلال :
1- المساهمة في نمو ظاهرة الجريمة المنظمة (تهريب السلاح والمخدرات، وغيرها) على جانبي الحدود المصرية الليبية، لاسيما أنها تشكل قاعدة اقتصادية وتمويلية للتيارات الإسلامية في مصر.
2- الإضرار بالمصالح الاقتصادية (استهداف العمالة المصرية، والاستثمارات، وغيرها) بين مصر وليبيا.
3- تحول بعض مناطق شرق ليبيا التي تسيطر عليها جماعات جهادية إلى ملاذ آمن لبعض المنتمين للتيارات الإسلامية المعارضة للسلطة في مصر بعد 30 يونيو .
.لذلك ما تتعرض له ليبيا يثير اهتمام الدولة المصرية _علي اعتبار انها تُمثل بوابة مصر الغربية _فلقد تعرضت ليبيا مؤخراً لازمة كبيرة من شأنها ان تهدد الامن القومي والاستقرار الداخلي لكلا البلدين تتمثل في التدخل “التركي قي ليبيا ” حيث تسعى تركيا جاهدة لاقتحام الساحة الليبية سياسيا وعسكريا وذلك بسبب زيادة حجم الأطماع التركية في ليبيا والعوائد الهائلة التي ستعود عليها, فتتعدد الاهداف التركية من التدخّل في ليبيا ومنها :ا- : رغبة تركيا في تحقيق اهدافها في منطقة شرقي المتوسّط، بعد أن وجدت نفسها معزولة بسبب الدور المصري المُتصاعِد في هذه المنطقة حيث تمكنت مصر منذ 2015 وحتى الآن من عزل تركيا عن أية فعاليات أو اتفاقات تخص التنقيب عن الغاز، وذلك عن طريق تدشين منتدى غاز شرق المتوسط، ما جعلها تستحوذ فعلياً على الموقع الذي كانت تسعى إليه تركيا _وهو أن تصبح اللاعب الرئيس في ملف غاز شرق المتوسط، وبوابة عمليات إسالته وتصديره لأوروبا_ما دفعها إلى اتخاذ العديد من الاجراءات مثل إطلاق عمليات التنقيب عن الغاز في مناطق شرقي وجنوبي جزيرة قبرص، وهي عمليات انتقدتها كافة الدول المعنية بملف الغاز في هذه المنطقة. يضاف إلى ذلك قياما بتوقيع اتفاقية تفاهم حول الحدود البحرية مع حكومة طرابلس بما ينتهك المنطقة الاقتصادية لليونان، ويتجاهل وجود مناطق بين تركيا وليبيا مثل جزيرة كريت ,يُعد ذلك إجباراً للأطراف المعنية في المنطقة على إعادة التواصل مع تركيا بشأن ملف الغاز وعدم تجاهلها .
2-محاولة حلّ مُعضلة بدأت ملامحها في الظهور في المناطق التي تحتلها تركيا في الشمال والشمال الشرقي السوري، فالجيش العربي السوري على ما يبدو مُصمّم على إكمال معركة إدلب، وهو ما يعني أنه عملياً آجلاً أو عاجلاً، سيتدفّق إلى الأراضي التركية مئات المقاتلين المُنتمين إلى الفصائل المسلّحة التي تدعمها أنقرة في سوريا، وهو ما سيخلق مشكلة كبيرة وعبئاً على الداخل التركي ، لذلك وجدت تركيا في إرسال هؤلاء إلى ليبيا حلاً تظهر من خلاله كداعم قوي لحكومة طرابلس، وفي نفس الوقت تتخلّص من عبء هؤلاء على وضعها الداخلي ,وبالفعل بدأت تركيا منذ أيام السير بمسار استقدام عناصر مُتطرّفة من الفصائل التي كانت تُقاتل الجيش العربي السوري، ونقلها إلى ليبيا عبر رحلات جوية مدنية وقد عقد كبار الضبّاط الأتراك سلسلة اجتماعات في طرابلس مع ضبّاط تابعين لرئاسة أركان حكومة الوفاق، تلتها سلسلة أخرى من الاجتماعات بين ضبّاط من الاستخبارات التركية وقياديين من أبرز الفصائل المسلّحة الموالية لتركيا في الشمال السوري وتمّ الاتفاق خلال هذه الاجتماعات على أن ترسل تركيا إلى ليبيا أعداداً من مُقاتلي ما يُسمَّى (الجيش الوطني ) .
وفي 27 نوفمبر 2019، أعلن وزير الداخلية بحكومة الوفاق، “فتحي باش أغا”، توقيع اتفاقية أمنية بين حكومته والحكومة التركية. وأوضح باش أغا في تصريحات صحفية أن الاتفاقية تتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية ولكنها في حقيقة الامر تحقيقأ لمصالحهم ولكن بطريقة غير مباشرة فاستقبل الرئيس التركي رجب اردوغان فايز السراج. وقاما بتوقيع مذكرتي تفاهم: الأولى حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية. وتهدف مذكرتي التفاهم إلى تعزيز العلاقات والتعاون بين الجانبين، بحسب “نص البيان التركي”. ونتيجة لان هذه الاتفاقية لم تكن شرعية فقد اعترض عليها المجتمع الدولي , فمصر كانت من اوائل الدول التي اعترضت عليها فقد رفضت هذه الاتفاقية بكافة المعايير حيث وصفت مصر الاتفاقية بأنها معدومة الاثر القانوني واكدت علي انه لا يحق لحكومة الوفاق الليبية توقيع الاتفاقيات مع تركيا لان ذلك يقع خارج اطار الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات _(الذي يُعد اساس الصراع بين حكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج وبين قوات الخليفة حفتر فهذا الاتفاق الذي تم توقيعه في الصخيرات في المغرب تحت رعاية منظمة الامم المتحدة وذلك في 17 ديسمبر 2015 وذلك لانهاء الحرب الاهلية الليبية المندلعة منذ 2014 وقد تضمن 67 مادة و 9فصول واهم ما تضمنه الاتفاق ” منح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني الذي يترأسه رئيس الحكومة نفسه وعلى رأسها قيادة الجيش والقوات المسلحة وبدء مرحلة انتقال جديدة تستمر 18 شهر وفي حال عدم انتهاء الحكومة من مهامها قد يتم تمديد المدة 6 أشهر إضافية ونص الاتفاق أيضاً على تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد والإبقاء على مجلس النواب الليبي المنتخب في يونيو 2014) فقبول مصر بالاتفاق البحري اليبي –التركي يعني ما يلي :
1-اعتراف مصر بشرعية الاتفاق البحري بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني وبالتالي اعترافها بشرعية الاتفاق الامني والعسكري الذي يمنح انقرة دوراً كبيراً في ليبيا وهو امر غير مناسب للقاهرة التي تعتبر ليبيا ساحة نفوذ لها.
2- ان الاتفاق يتيح لمصر امكانية زيادة مساحتها البحرية لكنه سيتسبب لها بمشاكل مع اليونان وقبرص بعد ان كانت القاهرة قد تنازلت لهما ولاسرائيل سابقا عن مساحات بحرية مقابل الدفع باتجاه اقامة تحالف في حوض البحر المتوسط ومن شأن ذلك ان يؤثر بشكل جدير علي مصير “منتدي غاز شرق المتوسط”
3-ان الاتفاق يقوض عمليا الجهود المبذولة من قبل هذا المنتدي وخاصة بعض اعضاءه مثل مصر واسرائيل واليونان وقبرص لعزل تركيا في مياهها الاقليمية وحرمانها من تحسين وضعها الجيوسياسي ومن الاستفادة من الثورات الموجودة في شرق المتوسط ومحاولة تقزيم دورها السياسي والاقتصادي المرتبط بهذا الملف
4-اعتقاد مصر بأن هذا الاتفاق من شأنه ان يضر بدورها ومكانتها كقوة اقليمية في شمال افريقيا فهذا الاتفاق سيمنح تركيا ادوراً مهمة في المشاورات ا لدولية المتعلقة بمستقبل ليبيا .
وان ذلك من شأنه ان يؤثر علي الامن القومي المصري حيث ان التواجد التركي في ليبيا يمثل تهديداً صريحاً واستهدافاً لمصر وامنها القومي فتحقق أنقرة مجموعة من الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية حال تمكّنها من السيطرة على ليبيا, ففي حال نجاحها في السيطرة على ليبيا، ستكتسب قوة مضافة لموقفها التفاوضي في الملفين؛ العراقي والسوري، أمام القوى الدولية والإقليمية، ويستطيع تحقيق انتصار سياسي يُعزز من موقفه الداخلي في ضوء ارتباك سياسي تركي داخلي يُهدد مشروعه بالكامل كما يمكنها من تكوين قاعدة ارتكاز لمقاتلين إسلاميين متطرفين يمكنها استخدامهم لإعادة إحياء مشروع الإسلام السياسي مُنتهي الصلاحية، وتكون هذه القاعدة منطلقاً لتهديد دول الجوار الليبي ولا سيما مصر للضغط عليها وفرض أمر واقع عليها، كما ستُحقق سيطرتها على خامس احتياطي نفطي في العالم, إضافة إلى تعزيز قدرتها الاستراتيجية على تهديد منتدى غاز شرق المتوسط وتحقيق سيطرة جيواستراتيجية. فتركيا ترغب في التواجد علي حدودها الغربية وامام المياه الاقليمية والاقتراب من حقول الغاز المملوكة لها في المتوسط , كما انها تسببت في العديد من العمليات الارهابية فمعظمها جاءت من الحدود الغربية ليضيف هذا التهديد الاستراتيجي الكبير لمصر تداعيات خطيرة في المنطقة قد لا تقف عند هذا الحد فالهدف الاساسي للاتراك من ذلك هو خلخلة الامن القومي المصري وعدم السماح بتحقيق توازن اقليمي فهي تهدف الي توسيع نفوذها وتحقيق مصالحها فسيطرة تركيا علي ليبيا من شانه ان يؤدي الي تحييد النفوذ المصري ومحاصرته وتقويض امن المصريين من خلال دعم حركة الاخوان والسيطرة علي الحدود الغربية واشعال النار فيها