أنواع العقود الإدارية “دراسة وصفية تحليلية”
إعداد الباحث: محمد مصطفى حرارة – الجـامعــــــــــة الإســـــلاميــة بغــزة – عمادة البحث العلمي والدراسات العليا – كـليــــــــــــــــــة الشريعة والقانــــون – ماجستيــــر قانــــــــــون عـــــــــــــام – اشراف : د. باسم صبحي بشناق
- المركز الديمقراطي العربي
ملخص :
من المسلم به أن العقد الذي تبرمها الإدارة مع احد الأشخاص الطبيعية أو المعنوية لا يختلف في مفهومه العام عن العقد المدني الذي يبرمه الإفراد فيما بينهم حيث أن كلاً منهم يقوم على أساس توافق إرادتين بقصد القيام بالتزامات متقابلة. وبناء على ذلك فان العقد الإداري يجب أن تتوافر فيه الأركان العامة المتمثلة بالرضا والمحل والسبب. بيد أن العقدين – الإداري والمدني – يختلفان من حيث النظام القانوني الذي يخضع لكل منهما ومرجع هذا الاختلاف أن الإدارة تبرم العقد باعتبارها سلطة عامة تتمتع بامتيازات لا تتوافر للمتعاقد معها وذلك بهدف تحقيق أهداف أو أغراض المرفق العام الذي من اجله تم إبرام العقد.
ومن جانب آخر ليس كل عقد تبرمه الإدارة يكون عقدا إدارياً ومن ثم يخضع للقضاء الإداري فهناك عقود تخضع للقضاء العادي على الرغم من كون الإدارة طرفاً فيها وهي عقود الإدارة الخاصة.
المنهجية المتبعة:
اعتمد الباحث في دراسته المنهج الوصفي لأنه اعتمد على الظاهرة كما توجد في الواقع ويهتم بوصفها وصفا دقيقا لأنه المناسب لهذا الموضوع، واستعملنا عدة ومراجع مكتبية وللإلمام بمختلف جوانب هذا الموضوع.
وتلخص في الآتي النتائج والتوصيات حال دراساتنا للعقود الإدارية:
ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺒﻘﺔ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﺨﺭﻭﺝ ﺒﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﺘﺎﺌﺞ أهمها:
- إن الإدارة عند إبرامها لما تحتاجه من عقود قد تتصرف كشخص عادي وبالتالي تخضع لما يخضع له الشخص العادي من قواعد مدنية وتخضع لأحكام القضاء الإداري فيما يتعلق بأعمال الإدارة.
- عليه يكون العقد إدارياً وبالتالي يخضع لنظام العقود الإدارية إذا كان أحد أطرافه شخص معنوي عام واستخدم ماله من سلطات وامتيازات واتصال موضوع العقد بمرفق العام.
ثانيا: اﻟﺘﻭﺼﻴﺎت:
ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺒﻘﺔ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﺨﺭﻭﺝ ﺒﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﻭﺼﻴﺎﺕ ﻨﺫﻜﺭ ﻤﻨها:
- .نقترح وضع نظام قانون خاص بالعقود الإدارية مواكباً للتطور الحاصل في العالم والاتجاهات الحديثة نحو إدارة المرافق العامة من قبل أشخاص القانون الخاص المتمثل بالشركات العملاقة أو الشركات الدولية.
- أن يكون النظام القانوني للعقود الإدارية نظاما مرناً يسهل عمل الأشخاص الخاصة ( الشركات ) والتعاون مع الدولة لغرض تطوير السلع والخدمات التي تقدمها المنظمات الحكومية .
Summary:-
It is recognized that the contract entered into by the administration with a natural or legal person does not differ in its general concept from the civil contract that the individuals enter into among themselves, since each of them is based on the compatibility of two wills with the intention of performing opposite obligations. Accordingly, the administrative contract must have the general staff of consent, place and reason. However, the two contracts – administrative and civil – differ in terms of the legal system that is subject to each of them and the reference for this difference is that of administration The contract is concluded as a public authority enjoying privileges not available to the contracting party with the aim of achieving the goals or objectives of the public facility for which the contract was concluded.
On the other hand, not every contract concluded by the administration is an administrative contract, and then it is subject to the administrative judiciary.
Methodology used:
The researcher adopted in his study the descriptive approach because it relied on the phenomenon as it exists in reality and is concerned with describing it accurately because it is appropriate for this topic, and we used several library references and for familiarity with various aspects of this topic.
The results and recommendations of our administrative contracts studies are summarized in the following:
First: Results:
Through the previous analytical study, a set of results can be drawn up, the most important of which are:
1- The administration, upon concluding the contracts it needs, may act as a normal person and thus subject to the civil rules to which the ordinary person is subject and subject to the provisions of the administrative judiciary with regard to the work of the administration.
2- Accordingly, the contract is administrative and therefore subject to the administrative contract system if one of its parties is a public legal person and uses his money from the powers, privileges and connection of the subject of the contract to the public facility.
Second: Recommendations:
Through the previous analytical study, it is possible to come up with a set of recommendations, including:
المقدمة:
الحمد لله الواحد الأحد الذي عمت بحكمته الوجود، والذي شملت رحمته كل الوجود، نحمده الله سبحانه وتعالى ونشكره بكل لسان محمود، ونشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الحمد وله الملك وهو الغفور الودود، وعد سبحانه وتعالى من أطاعه بالعزة، كما توعد من عصاه بالنار، ونشهد أن نبينا محمداً بن عبد الله هو عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وصل الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
لقد شهد القرن الحالي تطوراً هائلاً في مجال تدخل الدولة واتساع مجالات السلطة العامة، فقد بلغ اتساع نشاط الدولة وازدياد مجالاتها حداً كبيراً في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهي تقوم بدور الموجه والمخطط والمنظم والمنتج، فضلاً عن أنها أصبحت تحتل مجالات عديدة من النشاط الاقتصادي كانت حكراً على الأفراد، فبعد أ، كانت وظيفة الدولة تقتصر على حماية الأمن الداخلي والدفاع الخارجي والقضاء أصبحت وظيفتها اليوم واسعة ومتشبعة من خلال إشرافها على جميع نواحي الحياة.
وبناء على ذلك فإن الحاجة الملحة للدولة تقتضي وجود مرافق مختلفة الأداء وظيفتها الجديدة، وتزداد حاجة للدولة إلى إقامة هذه المرافق كما تعاظم دورها في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بتأثير المفاهيم الاشتراكية، وعلى ضوء خطط التنمية الاقتصادية.
ولكي تؤمن الدولة أداء وظيفتها وإشباع حاجات الجمهور وانجاز المشروعات الاقتصادية وخاصة مشروعات خطط التنمية، فإنها تلجأ إلى أهم الوسائل التي تكفل لها حسن أداء هذه المهمة.
ولع العقود الإداري هو انجح أسلوب لقيام الإدارة بهذه المهمة، بيد أن الإدارة كثيراً ما تلجأ عند ممارسة نشاطها إلى طريقة التعاقد، سواء كان ذلك التعاقد بين الهيئات الإدارية ذاتها أو بينها وبين الأفراد أو الشركات الخاصة لغرض إدارة المرافق العامة وتسييرها، أو لأجل إقامة المنشآت والأشغال العامة.
أهمية البحث: بيان ماهية العقود الإدارية من مفهوم وعناصر العقود الإدارية ومن ثم توضيح أنواع العقود الإدارية وأهداف هذه العقود.
مشكلة البحث: مدى كفاية النظم القانونية التي تنظم موضوع إبرام العقود الإدارية ومدى توافر خصائص العقد الإداري ما بين الإدارة والجهة المتعاقدة معها ومدى إمكانية توافر أركان وعناصر التعاقد في العقود الإدارية.
- ما هي العقود الإدارية؟
- ما هي خصائص العقود الإدارية؟
- أركان العقد الإداري؟
- ما هي أنواع العقود الإدارية؟
- من هي الجهة المختصة في إبرام العقود الإدارية؟
الفرضيات:
- وضع آلية وإجراءات محددة للعقد الإداري وتحديد التزامات وواجبات كل متعاقد بحق المتعاقد الآخر.
- وضع قانون خاص يوضح وينظم أحكام العقود الإدارية.
أهداف البحث:
الهدف من هذه الدراسة هو بيان مفهوم العقود الإدارية وتأثيرها الملحوظ على المرافق العامة وما هي أبعاد العقود الإدارية, وﺍﻟﻭﻗﻭﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﺒﻌﺎﺩ توافر أركان التعاقد, وﺒﻴﺎﻥ أنواع العقود الإدارية.
نطاق وحدود: لقد اتبعت في البحث النطاق الزمانِ فقط دون المكاني في بيان مفهوم وأنواع العقود الإدارية بشكل عام.
منهجية البحث اتبعت المنهج التحليلي الوصفي حيث تم عرض المعلومات المتعلقة بموضوع البحث مع وصف ما يتعلق بها.
هيكلية البحث: تتألف خطة البحث من المقدمة السابقة ومبحثين، وخاتمة على النحو الآتي:
مقدمة.
المبحث الأول: ماهية العقود الإدارية.
وفيهِ مطلبان:
- المطلب الأول: مفهوم العقد الإداري.
- المطلب الثاني: أركان العقد الإداري.
المبحث الثاني: طبيعة عقد القرض العام.
وفيهِ مطلبان:
- المطلب الأول: آلية تقسيم العقود الإدارية.
- المطلب الثاني: أنواع العقود الإدارية.
مقدمة:
انتشرت المبادئ الاشتراكية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وعمت أرجاء العالم ولم تخلو دولة من دول العالم إلا وباتت تعتنق تلك المبادئ والأفكار أو على الأقل شغلت عقول وأذهان بعض رواد الفكر فيها وبعض التطبيقات العلمية فيما يتعلق بكيفية تيسير وتنظيم المرافق العامة المختلفة . ولقد ترتبت على ذلك أن صارت الدولة تتدخل في العديد من أوجه وأنشطة المجالات الخاصة التي لم تكن تطرق لها من قبل بل أصبحت تقوم بأنشطة وعلاقات كتلك التي يقوم بها الأفراد في مجال القانون الخاص.([1])
والعقد الإداري ما هو إلا عقد بين شخصين من أشخاص القانون العام أو شخصين احدهما عام والآخر خاص بقصد تسيير مرفق عام، ولكن ليس كل عقد تبرمه الإدارة يعد عقدا إداريا بل لابد أن تكون للعقد صلة بالمرفق العام وفي هذا القول عملت محكمة القضاء الإداري في مصر حكمها الصادر في 24 فبراير سنة 1957 س 13 ص 557 ” أن العقد المبرم بين شخص معنوي وبين احد الأفراد لا يستلزم بذاته اعتبار العقد من العقود الإدارية بل إن المعيار المميز لهذه العقود عما سواها من عقود القانون الخاص ليس في صفة المتعاقد بل في موضوع العقد نفسه متى اتصل بمرفق عام من حيث تنظيم المرفق وتيسيره أو إدارته أو استغلاله أو المعاونة أو المساهمة فيه “.
فإذا كنا بصدد أداة العقود التي قد تلجأ لها الإدارة لتحقيق أهدافها، نجـد أن العقد لا ينعقد ولا يكون له وجـود ، إلا بالتقـاء إرادة الإدارة مـع إرادات أخرى، منفردة أو في شكل تجمعات قانونية ، تنتمي لأشخاص القانون الخاص أو كانت من أشخاص القانون العام.([2])
وإذا كان العقد الإداري يختلف عن العقد المدني في أن الأول يتطلب لإبرامه مجموعة خاصة من الإجراءات والشكليات الضروري وفي انه لابد من أن يتصل بنشاط مرفق عام تديره الدولة أو احد الأشخاص المعنوية العامة بالطريق المباشر أو الغير مباشر إلا انه لا يفترق عنه في أن كلاهما يترتب عليه العديد من الالتزامات القانونية التعاقدية المتبادلة بين كلا المتعاقدين بأن اخطأ في تنفيذ بنود التعاقد أو لم يقم بتنفيذها على النحو المتفق عليه أو تراخى أو أهمل في التنفيذ أو خل بالبنود المالية التي تم التعاقد بناء عليها أو حث الإخلال تحت أي وصف من الأوصاف الأخرى فان ذلك يترتب عليه بلا شك قيام المسئولية التعاقدية تجاه الطرف الآخر.([3])
وباعتبار ما تعقده الإدارة عقداً ، فإنه يخضع في تكوينه للقواعد العامة في العقود، حسبما تنظمها النظرية العامة في العقود في القانون الخاص، والتي تعلن أن عناصر العقد – أي عقد – تكاد تنحصر في الرضا والسبب والمحل. وتتميز عقود أشخاص القانون الخاص ، بأنها يتم انعقادها بين أطـراف ذوي إرادات متساوية، مما يجعل تطبيق القانون عليها ميسوراً، فضلاً عن أنها عقود قديمة، وأنها تخضع لقواعد القانون الخاص القديمة كذلك.
وفي الجانـب الآخر فإن العقد الإداري، عقد يتم عقده بين الإدارة العامة وآخرين، والقاعدة أن للإدارة العامة هدف متفق عليه، تسعى لتحقيقه، وهو هدف الصالح العام، فـيحين أن المتعاقد مع الإدارة – وهو في الغالب الأعم من أفراد القانون الخاص– يسعى لتحقيق صالحه الخاص، وأنه لا يهتم بالصالح العام، ولا يسعى لتحقيق الصالح العام.
يعتبر العقد الإداري اتفاقية مُبرمة بين طرفين أحدهما شخصية عامة، ويتم عقد سعياً لإدارة مرفق عام أو تسييره وفقاً للقانون العام، وتدخل في هذه الاتفاقية بعض الشروط الاستثنائية غير المألوفة ضمن التعاملات الفردية, ولكن لا بدّ من التنويه إلى أنّ ليس كل عقد أو اتفاقية تبرمها الإدارة يعتبر عقداً إدارياً خاضعاً لأحكام القانون العام.([4])
وإذا كان العقد الإداري يختلف عن العقد المدني في أن الأول يتطلب لإبرامه مجموعة خاصة من الإجراءات والشكليات الضروري وفي انه لابد من أن يتصل بنشاط مرفق عام تديره الدولة أو احد الأشخاص المعنوية العامة بالطريق المباشر أو الغير مباشر إلا انه لا يفترق عنه في أن كلاهما يترتب عليه العديد من الالتزامات القانونية التعاقدية المتبادلة بين كلا المتعاقدين بأن اخطأ في تنفيذ بنود التعاقد أو لم يقم بتنفيذها على النحو المتفق عليه أو تراخى أو أهمل في التنفيذ أو خل بالبنود المالية التي تم التعاقد بناء عليها أو حث الإخلال تحت أي وصف من الأوصاف الأخرى فان ذلك يترتب عليه بلا شك قيام المسئولية التعاقدية تجاه الطرف الآخر.([5])
المبحث الأول : ماهية العقد الإداري
ويشتمل هذا المبحث على مطلبين أساسيين وهما:
- المطلب الأول : مفهوم العقد الإداري.
- المطلب الثاني : أركان العقد الإداري.
المطلب الأول : مفهوم العقد الإداري
من خلال ما تقدم يمكن تعريف العقد الإداري: هو العقد الذي يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام بمناسبة تسييره وأن تظهر نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام وذلك بتضمين العقد شرطاً أو شروطاً غير مألوفة في عقود القانون الخاص.([6])
كما وعرفه الدكتور سليمان محمد الطماوي، بأنه: هو العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه، وتظهر في نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام، وآية ذلك أن يتضمن شروطاً استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص أو يخول المتعاقد مع الإدارة الاشتراك مباشرة في تسيير المرفق العام. لكن ليس كل عقد تبرمه الإدارة مع فرد أو هيئة خاصة يعتبر حتماً والضرورة عقداً إدارياً، في الواقع الأصل العام في عقود الإدارة العامة أنها عقود إدارية تخضع بهذه الصفة لأحكام القانون الإداري التي تختلف عن القانون المدني والقواعد التي تضمنها بالنسبة لعقود الأفراد فيما بينهم.
غير أنه إلى جانب هذا الأصل العام أي بجانب العقود الإدارية قد تبرم السلطات الإدارية عقوداً مدنية خاصة أي غير عادية، تماماً مثل أي عقد مدني أو تجاري بين فرد وفرد آخر فقد تستأجر الإدارة أحد العقارات أو الشقق بعقد إيجار مدني عادى أي قد تبيع بعض محاصيل مزرعة خاصة تابعة للدولة ( من أموال الدولة الخاصة ). وهذه العقود المدنية أو الخاصة للإدارة لا تعتبر عقوداً إدارية بالمعنى الدقيق ولا ينطبق عليها كأصل عام النظام القانوني للعقد الإداري طبقاً للقانون الإداري وإنما ينطبق عليها القانون المدني.([7])
المطلب الثاني : أركان العقد الإداري
من المهم أن نعرف متى يكون العقد الذي تبرمه الإدارة عقداً إدارياً لان ليس كل عقود الإدارة لها صفة العقود الإدارية حيث أن الإدارة – كما قلنا – يمكنها أن تبرم عقوداً مدنية تخضع للقانون المدني. وأهمية التفرقة بين العقود الإدارية وعقود الإدارة المدنية هي أنه من ناحية أولى تخضع العقود المدنية لقواعد القانون المدني والقانون الخاص ومن ناحية ثانية، تخضع العقود الإدارية عند حدوث منازعات بشأنها لاختصاص مجلس الدولة أي القضاء الإداري بينما تخضع المنازعات المتولدة عن العقود المدنية لمحاكم القضاء العادي.([8])
نجد أن المعيار المستقر للعقد الإداري هو معيار يتضمن شروطاً ثلاثة يجب توافرها جميعاً، بحيث إذا تخلف واحد منها فقط لا يصبح العقد إدارياً بل عقدا مدنياً من عقود القانون الخاص، وهذه الشروط الثلاثة هي على التوالي، أن يكون أحد طرفي العقد شخصاً معنوياً عامة وأن يتعلق العقد بإدارة مرفق عام – وأخيراً أن يتضمن العقد شروطاً غير مألوفة في عقود القانون الخاص ولنتناول بالتفصيل هذه الشروط الثلاثة التي تكون في مجموعها معيار العقد الإداري.([9])
نخلص من هذه الأحكام أن القضاء لم يستقر على معيار واحد للتمييـز بـين العقد الإداري وغيره من عقود القانون الخاص، وإنما استند في ذلك إلى عـدد من العناصر، إذا توافرت كان العقد إدارياً وإذا تخلفت كان العقد مدنياً ويمكن القول بأن عناصر التمييز حسبما جاء بأحكام القضاء، تنحصر في ثلاث أركان.([10])
أولاً: أن يكون أحد طرفي العقد شخصاً من أشخاص القانون العام.
ثانيا: أن يتعلق العقد بإدارة مرفق عام.
ثالثا: أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص.
وبناء على ذلك سيتم شرح أركان العقد الإداري:
أولاً: أن يكون أحد طرفي العقد شخصاً من أشخاص القانون العام:
أمر طبيعي أن تكون الإدارة أحد أطراف العقد :ويعتبر هذا العنصر من البديهيات، ذلك أنه لا يجوز أن يوصف عقـد بأنه إداري، إلا إذا كان أحد أطرافه على الأقل جهة إداريـة، وإذا كـان مـن الجائز والمقبول أن تكون الإدارة طرفاً في عقد مدني غير إداري، فإنه ليس من المقبول أن يوصف عقد بأنه إداري، حالة أن جميع أطرافه من أشخاص القانون الخاص، فالعقد الذي لا يكون أحد أطرافه من أشخاص القانون العام، لا يجوز اعتباره عقداً إدارياً على الإطلاق.
وينتج عن هذا الشرط الأول أن العقود التي يكون أطرافها جميعاً من أشخاص القانون الخاص ( أفراد-شركات-جمعيات-نوادي- نقابات-مؤسسات خاصة) ، فإن هذه العقود لا تكتسب أبداً صفة العقود الإدارية حتى ولو تصورنا أن موضوع العقد تعلق بمرفق عام وحتى لو كان أحد طرفيه هيئة خاصة تخضع لرقابة قوية من الدولة.
ومع ذلك في حالة استثنائية واحدة فقط يمكن أن تكون العقد المبرم بين شخصين من أشخاص القانون الخاص عقداً إدارياً وهي حالة ما إذا كان أحد طرفي هذا العقد قد أبرم العقد ليس لحسابه الخاص وإنما لحساب شخص معنوي عام،
فهنا يعتبر العقد إدارياُ على أساس أن المتقاعد الخاص كان بمثابة وكيل عن الشخص العام والأمر كما نرى ليس استثناء حقيقياً لأن العقد في النهاية لن يترتب آثاره في ذمة المتقاعد وإنما سيرتبه إيجابياً أو سلبياً في ذمة الشخص العام الذي أبرم العقد لحسابه.([11])
ثانيا: أن يتعلق العقد بإدارة مرفق عام:
هذا الشرط الثاني ضروري يتحصل في أن موضوع العقد يجب أن يتصل بمرفق عام، وحكمة هذا الشرط أن ضرورات أو مقتضيات المرافق العامة وسيرها بانتظام وباضطراد هي التي تبرر النظام القانوني الاستثنائي أي أن المتغير للعقود الإدارية ذلك النظام الذي يختلف عن القانون الخاص في كثير من نواحيه سواء في حقوق الإدارة المتعاقدة أم في حقوق والتزامات المتعاقد معها. والمرفق العام الذي يجب أن يتصل به العقد يأخذ التعريف أو المعنى المحدد له في القانون الإداري كنشاط تتولاه الإدارة إدارته ويستهدف تحقيق النفع العام مباشرة .
لكن اتصال العقد الإداري بالمرفق العام ليس له صورة بذاتها: فقد يتصل العقد بتنظيم المرفق واستغلاله أو تسييره أو بالمعاونة في تسييره وإدارته عن طريق توريد مواد أو خدمات أو غير ذلك من صور الاتصال.[12]
ويعتبر عنصر تعلق العقد بمرفق عام من أهم العناصر المميزة للعقـد الإداري عن غيره مما تعقده الإدارة من عقود.([13])
ثالثاً: أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص:
رأينا أن عنصر كون الدولة أحد أطراف العقد لا يكفي وحده للقول بأن العقد إداري، وذلك لأن الدولة أو الإدارة قد تتعاقد بأساليب القـانون الخاص وتخضع نفسها وعقدها لقواعد وأحكام القانون الخاص ورأينا كذلك أن اتصال العقد بمرفق عام، لا يصلح وحده كذلك للقـول بأن العقد إداري، وذلك للتطور الكبير الذي تعرض له القانون الإداري، والذي أدى إلى العدول عن الفكرة التي اتخذت من المرفق العام، أساساً لكل علاقـات ومبادئ وأفكار ونظريات القانون الإداري، وذلك بعد أن دخل في عداد المرافق العامة التقليدية، مرافق عامة اقتصادية، فرضت طبيعتها على الإدارة أن تديرها بأحكام ومبادئ القانون الخاص المدني وهكذا لم يعد عنصر اتصال العقد بمرفق عام عنصراً مميزاً للعقد الإداري. ولهذآ استقر القضاء الإداري في كل من مصر وفرنسا، واتفـق الفقـه كذلك، على أن العنصر المميز الرئيسي، من بين العناصر الثلاثة المميزة للعقد الإداري، هو العنصر المتمثل في أخذ الإدارة في العقد بوسائل القـانون العـام وأساليبه، وهو ما يعني تضمن العقد لشروط استثنائية، غير مألوفة في مجـال عقود القانون الخاص.([14])
وهذه الشروط الاستثنائية غير مألوفة هي عبارة عن شروط يحتويها العقد المبرم بين الإدارة والفرد المتقاعد معها والتي لا يجوز قانوناً للأفراد في القانون الخاص ارتضاها وقبولها أي حتى إذا لم تكن محرمة في القانون الخاص ” وغير مألوفة” لديهم فهذه الشروط الاستثنائية هي إذن بإيجاز إما شروط غير جائزة في القانون الخاص أو جائزة ولكنها غير مألوفة ونادرة في عقود الأفراد الخاصة.([15])
ومن أمثلة هذه الشروط الاستثنائية أو الغير مألوفة: أن تعطي الإدارة نفسها الحق في تعديل العقد وشروطه في أي وقت أو الحق في فرض جزاءات على المتقاعد معها في بعض الحالات أو الحق في إلغاء العقد في أي وقت وبدون إنذار أو حتى بدون تعويض.
وحكمة اشتراط القضاء الإداري لشرط يتضمن العقد شروطاً استثنائية أو غير مألوفة حتى يكتسب العقد الطابع الإداري هي أن صلة العقد بالمرفق العام- وإن كان ضرورية- إلا أنها غير كافية بالمرة لكي تجعل من عقود الإدارة عقوداً إدارياً .
فاشتراط وجود شروط استثنائية غير مألوفة ضروري من حيث أنه العقد يعبر عن إراداتها في استعمال وسائل القانون العام بما تتضمنه من امتيازات السلطة العامة. غير أنه ليس بضرورة أن يتضمن العقد عدة شروط غير مألوفة أو استثنائية إذ انه من الممكن أن يكفى وجود شرط واحد غير مألوف.
وأخيراً الشروط غير مألوفة وإن كان غالباً ما يتضمنه العقد نفسه إلا أنه من الممكن أن تكون موجودة خارجة من فانون أو لائحة إذ كان العقد يحيل إلى ذلك القانون أو تلك اللائحة ومثال ذلك أن يحيل العقد إلى أحكام قانون المناقصات والمزايدات أو لائحته التنفيذية
كانت هذه الشروط الثلاثة التي يتطلب ضرورة توافرها جميعاً حتى يعتبر عقداً من العقود عقداً إدارياً بما يترتب على ذلك من آثار ومن أهمها خضوع العقد لنظام العقد الإداري المختلفة عن القانون الخاص وخضوع منازعاته لقضاء مجلس الدولة ( وليس القضاء العادي ).([16])
ولا كن يجب التنويه انه ليس كل عقد تبرمه جهة إدارية بعقد إداري حتماً فكثيراً ما تلجأ هذه الجهة وهي في سبيل استغلال أموالها الخاصة، إلى إبرام عقود بينها وبين جهة إدارية أخرى، أو بينها من جهة وبين بعض الأشخاص من جهة أخرى في ظل قواعد القانون الخاص فيختص بها قاضى القانون الخاص ولا تعنى بأمرها مبادئ القانون الإداري.
وإنما تتميز العقود الإدارية عن العقود المدنية بطابع معين مناطه احتياجات المرفق العام الذي يستهدف العقد الإداري تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة عن مصلحة الأفراد الفردية الخاصة غير متكافئة.
المبحث الثاني تقسيمات العقود الإدارية وسنتناول في هذا المبحث مطلبين أساسيين وهما:
- المطلب الأول : آلية تقسيم العقود الإدارية
- المطلب الثاني : أنواع العقود الإدارية
المطلب الأول : آلية تقسيم العقود الإدارية
نخصص هذا الفصل للتعـرض لأهـم أنواع تقسيم العقـود الإداريـة بالدراسـة والتمحيص، وهي دراسة من شأنها تعميق فكرة العقـد الإداري وترسـيخها، ونرى – قبل الدخول بالبحث في عقود معينة – أن نوضح التقسيم الذي يعنون له بـ “العقود الإدارية المسماة، والعقود الإدارية بطبيعتها”.
للعقود الإدارية تقسيمات عديـدة، تتنـوع وتـصنف حـسب الزاويـة المنظور منها.
وأشهر هذه التقسيمات، تقسيم العقود الإدارية إلى عقود إدارية مسماة وعقود إدارية غير مسماة أو العقود الإدارية بطبيعتها.
ويقصد بالعقود الإدارية المسماة، تلك العقود الإدارية التي نظم القـانون أحكامها، ووضع لها نظاماً قانونياً محدداً، وجعل لها اسماً ، هذه العقود توصف بأنها إدارية لأن القانون وصفها بهذه الصفة، ووضع أحكامها على هذا الأساس ولأن القانون سماها وحدد أحكامها، فلا يجوز البحث في صفتها، فهي عقـود إدارية بلا خلاف، وبغير حاجة إلى بحث، فهي لذلك عقود إدارية مسماة، إشارة إلى أن القانون سماها ووصفها بأنها إدارية، فهي عقود إدارية بقوة القانون، فلا خلاف حول صفتها، ولا مجال للجدال في هذه الصفة.([17])
ومن أمثلة العقود الإدارية المسماة، ما جاء ذكره بقانون مجلس الدولـة المصري الرقيم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ ، وهي عقد امتياز المرافق العامـة، وعقـد الأشغال العامة وعقد التوريد، ومنها ما أضافه قانون مجلس الدولة الفرنسي وهي عقد النقل وعقد تقديم المساعدة أو المساهمة وعقد القرض العام ثم عقـد إيجار الخدمات.
وعلى ما هو معروف، فإن النصوص متناهيـة وأن الحادثـات غيـر متناهية. فمهما كان بعد نظر المشرع واتساع رؤيته، فإنه لا يستطيع أن يـأتي بنصوص تحكم كل ما سيقع أو يكون، ومن ناحية أخرى فإنـه لا يتـصور أن تقف الإدارة مكتوفة الأيدي، إزاء ما تواجهه من أمور تحتاج إلى عقود مما لا يندرج تحت أي من العقود التي نظمها المشرع وسماها، من هنا كان لـلإدارة سلطة إبرام عقود لا تدخل تحت أي عقد من العقود المسماة، وهذه عقود إدارية متى استوفت شرائط العقود الإدارية، على النحو الذي شـرحناه فـي الفـصل السابق، ولقد أطلق على هذه العقود تسمية العقود الإدارية غير المسماة، وسميت كذلك بالعقود الإدارية بطبيعتها.
وبديهي أن لا تقع العقود الإدارية غير المسماة تحـت حـصر، فإنهـا متجددة متغيرة بتجدد الحاجات وتغير الظروف، في حين أن العقـود الإداريـة المسماة، عقود محددة وعلى سبيل الحصر.
العقود الإدارية كثيرة ومتنوعة ، فكل عقد تبرمه سلطة إدارية عامة طبقاً لشروط المعيار العقد الإداري يعتبر عقداً إدارياً.([18])
المطلب الثاني أنواع العقود الإدارية – سنتناول أهم ثلاثة عقود إدارية أشارت إليها اغلب التشريعات العربية وهذه العقود وهي:([19])
1- عقد الالتزام أو الامتياز.
2- عقد الأشغال العامة.
3-عقد التوريد.
الفرع الأول: عقد الالتزام أو الامتياز:
يعد عقد الالتزام من أهم العقود الإدارية، لأنه يمنح فرد أو شركة الحق بإدارة واستغلال مرفق من المرافق العامة.
و عرفته محكمة القضاء الإداري المصرية بقولها “.. إن التزام المرافق العامة ليس إلا عقداً إدارياً يتعهد أحد الأفراد أو الشركات بمقتضاه بالقيام على نفقته وتحت مسئوليته المالية بتكليف من الدولة أو إحدى وحداتها الإدارية، وطبقاً للشروط التي توضع لها، بأداء خدمة عامة للجمهور وذلك مقابل التصريح له باستغلال المشروع لمدة محددة من الزمن واستيلائه على الأرباح “.
ويمكننا عرض الخصائص العامة الأساسية لعقد التزام المرافق العامة بالشكل التالي🙁 ([20]
نظراً لأن التزام المرافق العامة أسلوب استثنائي لإدارة بعض المرافق العامة الاقتصادية عن طريق هيئة خاصة ، فلا بد من رقابة قوية وإشراف فعال من الإدارة المتعاقدة مانحة الالتزام والجهة الإدارية قد تكون الدولة أو السلطة من السلطات المحلية اللامركزية.
الالتزام له دائماً مدة محدودة، وهي إذا كانت تتميز بطولها عادة إلا أنها لا يمكن أن تزيد في كل الأحوال عن ثلاثين سنة طبقاً لقانون التزامات المرافق العامة. وشرط المدة ركن في العقد لأنه ليس متصوراً أن يمنح الالتزام إلى ما لا نهاية لأنه استثناء من القاعدة التي تقضى بإدارة المرافق العامة عن طريق الأشخاص الإدارية العامة (الدولة-الهيئات-المحلية-الهيئات العامة).
وفي نظام الالتزام يتولى إدارة واستغلال المرفق الشخص من أشخاص القانون الخاص، وقد يكون فرداً ولكن عادة تكون شركة قادرة على الوفاء بالأعمال و الإنشاءات اللازمة للإدارة واستغلال المرفق.
وبالنظر للتكاليف المالية الكبيرة التي يتحملها الملتزم فإن المقابل المالي الذي يتمثل في السعر أو الرسم المدفوع من المنتفعين له أهمية مطلقة بالنسبة له. فهذا المقابل النقدي الذي يدفعه الجمهور هو الذي يعوضه عن الإنشاءات إذا كانت لازمة لعمل المرفق وللآلات والأدوات والأشياء الأخرى الضرورية لاستغلال هذا المرفق بالإضافة إلى أن هذا المقابل يغطى مصاريف العمل والإدارة ويبقى له جانب يمثل أرباحه في النهاية.
السمات العامة لعقد التزام المرافق العامة:([21])
على ما رأينا فإن عقد الامتياز أو الالتزام، هو عقد إدارة مرفق عـام، أطرافه الإدارة العامة، وأحد أشخاص القانون الخاص، والإدارة مهتمة بتحقيق الصالح العام، المتمثل في تقديم خدمات المرفق للمنتفعين بها، فـي حـين أن المتعاقد معها والمتولي إدارة المرفق، مهتم بالدرجة الأولى بصالحه الخـاص، وللتوفيق بين الاتجاهين تبرز السمات المميزة لعقد الالتزام في الآتي :
١ -الالتزام بمبادئ تسيير المرافق العامة :
يلتزم المتعاقد مع الإدارة بالأحكام الضابطة لتسيير المرافـق العامة والمتمثلة في استمرار سير المرفق العام، وتطويره وتحديثـه، والتـزام مبـدأ المساواة بين المنتفعين بخدماته، وذلك إضافة إلى التزامه بشروط عقد امتياز ولا يحتاج التزام المتعاقد بمبادئ تسيير المرافق العام إلى نص على ذلك فـيعقد الالتزام إذا أن هذه من المسلمات في عقود الامتياز.
٢ -شروط عقد الامتياز التنظيمية (اللائحية):
يتضمن عقد امتياز المرافق العامة نوعين من الشروط، شروط تنظيمية أو لائحية، وهي الشروط المتعلقة بكيفية أداء الخدمة للمنتفعين، والتـي كانـت الإدارة لابد لها من متابعة المرافق العامة كما لو أنها كانت تتولى إدارة المرفق العام بنفسها،هذه الطائفة من الشروط يكون للإدارة حق تعديلها في أي وقت تشاء بإرادتهـا المنفردة، ودون توقف ذلك على قبول الطرف الآخر أو رضائه بذلك.
تعليل حق الإدارة في تعديل الشروط التنظيمية :وتعلل محكمة القضاء الإداري حق الإدارة في تعديل هذا النوع ـمن الشروط بإرادتها المنفردة، بأن الإدارة العامة هي المكلفة أصلاً بإدارة المرافق العامة، فإنها إذا عهدت إلى غيرها أمر القيام بها، لم يخرج الملتزم في إدارتـه
عن أن يكون معاوناً لها، ونائباً عنها في أمر هو من أخص خصائصها.وهذا النوع من الإنابة – أو بعبارة أخرى هذه الطريقة غير المباشـرة لإدارة المرفق العام – لا تعتبر تنازلاً أو تخلياً من الدولة عن المرفق العام، بل تظل ضامنة ومسئولة قبل أفراد الشعب عن إدارته واستغلاله، وهي في سـبيل القيام بهذا الواجب تتدخل في شئون المرفق العام كلما اقتضت المصلحة العامة.
٣ -شروط عقد الامتياز التعاقدية :
والطائفة الثانية من الشروط هي شروط تعاقدية، إنها الـشروط التـي تتعلق بحقوق الملتزم المالية، وتتماثل هذه الشروط، مع شروط التعاقد في دائرة المعاملات الخاصة، المحكومة بقواعد ومبادئ القانون الخاص، القاعدة فيها أن العقد شريعة المتعاقدين، ومن ثم فإنه لا يجوز لـلإدارة العامـة تعـديل هـذه الشروط إلا بالاتفاق مع الملتزم وبرضاه.
وتمثل هذه الطائفة من الشروط، الشروط الحارسة لمـصلحة الملتـزم، والتي من خلالها يستطيع تحقيق هدفه المتمثل في تحقيق صالحه الخاص.
٤ -طول مدة عقد الامتياز :
القاعدة العامة في عقود امتياز المرافق العامة أن يتولى المتعاقـد مـع الإدارة، إدارة المرفق العام على حسابه، فيتحمل كافة النفقات اللازمة للتشغيل والتطوير والتحديث والإدارة بوجه عام، وعادة ما يتحمل الملتزم في سـنواته الأولى الكثير من النفقات والتي قد لا تكفي عائدات التشغيل لتعويضها، ومـن هنا كان لابد من منح الملتزم مدة يستطيع من خلالها تعويض نفقاته، وتحقيـق عائد مناسب لرأسماله وجهده، ومن هذا أصبح عنصر المدة عنصراً مميزاً لعقد امتياز المرافق العامة.
وكان قد ساد تقليد قديم في مصر أن يكون عقد امتياز المرافق العامـة لمدة تسعة وتسعين عاماً، إلا أنه مع التقدم العلمي والتكنولوجي، ومـا يترتـب عليهما من زيادة سرعة التطور بوجه عام، فقد رأى المشرع التدخل لوضع حد أقصى لمدة الامتياز، فأصدر القانون رقم ١٢٩ لسنة ١٩٤٧ ،الذي جعل الحـد الأقصى لعد الامتياز ثلاثين عاما.
الفرع الثاني: عقد الإشغال العامة:
يمكن القول بأن عقد الأشغال العامة هو عقد بين الإدارة العامة وأحـد أشخاص القانون الخاص، محله القيام ببناء أو ترميم أو صيانة عقارات لحساب جهة الإدارة، في مقابل مادي متفق عليه، ويستهدف تحقيق مصلحة عامة.
ولقد اعتنقت محكمة القضاء الإداري ذات التعريف إذ قالت “… إن عقد الأشغال العامة هو عقد مقاولة بين شخص من أشخاص القانون العام، وفرد أو شركة، بمقتضاه يتعهد المقاول بالقيام بعمل من أعمـال البنـاء أو التـرميم أو الصيانة في عقار، لحساب هذا الشخص المعنوي العام، وتحقيقاً لمصلحة عامة مقابل ثمن يحدد في العقد”.([22])
وعقد الانشغال العامة هو من العقود الإدارية التي لها هذه الصفة على الدوام هناك مجال للقول بان هذا العقد قد يكون إداريا وقد يكون مدنيا بل أنه كعقد التزام المرافق العامة من العقود الإدارية وبالإضافة إلى ذلك فإنه يجب أن يكون محل ذلك العقد الإداري عقارا وليس منقولا، فكل اتفاق يكون موضوعه منقولات مملوكة للإدارة ولو كانت من الأموال العامة لا يعتبر من قبيل عقود الإشغال العامة.([23])
وليس من الضروري أن يكون العقار موضوع العقد مملوكا للإدارة بل كفى أن يتم العمل لحساب شخص من أشخاص القانون العام.
وهذا ولابد أن يكون الهدف من إبرام عقد المقاومة العامة هي تحقيق الصالح العام وبالتالي فإن دور المقاول أو القائم بالعمل الإنشاء أو الصيانة أو الترميم أو البناء يقتصر على ذلك دون استغلال المشروع أو مرفق أو التربح من ورائه أو إدارته.
من خلال ما تم بيانه يمكن تحديد ملامح عقد الأشغال العامة، وعناصره التي تميزه عن غيره تتبلور في الآتي: ([24])
١ -أن ينصب الالتزام في العقد على عقار :
حسب ما رأينا في التعريف، فإن محل عقد الأشغال العامة “القيام ببناء أو ترميم أو صيانة عقار”، بمعنى أنه من الرئيسي والجـوهري، أن ينـصب الالتزام على “عقار”، فلو أبرمت الإدارة العامة عقداً ببناء أو ترميم أو صـيانة”منقول”، كان هذا العقد خارج دائرة عقود الأشغال العامة.
وبإعمال هذا العنصر، يعتبر من عقود الأشغال العامـة، عقـد بنـاء مدرسة، وعقد ترميم مستشفى، وعقد صيانة مبنى ومنشآت كلية أو محكمة، لأن الالتزام بالبناء أو الترميم أو الصيانة ينصب على عقارات.
٢ -أن يكون محل العقد لصالح أحد أشخاص القانون العام :
لا يكفي أن ينصب الالتزام في العقد على عقار للقول بأنه عقد إداري،وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون الالتزام لصالح أحد أشخاص القـانون العام، ذلك أن أشخاص القانون العام هم المنوط بهم السهر على تحقيق الصالح العام، وهو الأمر المبرر لإخراج العقود الإدارية من دائرة الأحكـام المنظمـة للعقود في القانون الخاص، وإخضاعها لأحكام خاصة، وخارجة عن المعتاد في دائرة القانون الخاص، هي قواعد القانون العام بصفة عامة، وقواعـد القـانون الإداري بصفة خاصة.
وبأعمال هذا العنصر، يعتبر عقد أشغال عامة بناء مستـشفى لحـساب وزارة الصحة، وعقد ترميم كلية لحساب الجامعة، عقد صيانة محكمة لحساب وزارة العدل.
ولا يعتبر من عقود الأشغال العامة، عقد بناء مستشفى لـصالح أحد الأشخاص أو لحساب شركة خاصة، وكذلك عقد ترميم مدرسـة خاصـة مملوكة لفرد أو أفراد.
٣ -أن يستهدف العقد تحقيق مصلحة عامة :
قد يبدو أن اشتراط أن يكون الالتزام في العقد لصالح أحـد أشـخاص القانون العام، يتضمن شرط تحقيق المصلحة العامـة، ذلـك أن الفـرض أن أشخاص القانون العام لا تسعى إلا لتحقيق الصالح العام، ولكن وقـع أن بـدأ مجلس الدولة الفرنسي يربط عقد الأشغال العامة بالمال العام، فالعقد عقد أشغال إذا انصب الالتزام فيه على عقار يدخل في الدومين العام، أما إذا تعلق بعقـار من عقارات الدومين الخاص، فلا يعتبر العقد عقد أشغال عامة، ثم تطور قضاء مجلس الدولة، إلى اعتبار العقد عقداً من عقود الأشغال العامـة إذا اسـتهدف تحقيق مصلحة عامة، سواء انصب الالتزام على عقار من عقـارات الـدومين العام، أو عقار من عقارات الدومين الخاص.
الفرع الثالث : عقد التوريد:
عرفت محكمة القضاء الإداري المصرية عقد التوريد بأنه ” اتفاق بين شخص معنوي من أشخاص القانون العام وفرد أو شركة يتعهد بمقتضاه الفرد أو الشركة بتوريد منقولات معينة للشخص المعنوي لازمة لمرفق عـام مقابل ثـمن معين.”([25])
ومن هذا التعريف يتضح الفارق بين عقد الأشغال العامة وعقد التوريد الإداري ففي حين لا يرد عقد الأشغال العامة إلا على عقار بطبيعته أو على عقار بالتخصيص فإن عقد التوريد الإداري يجد محله في المنقولات أيا كان محلها بالإضافة إلى أنه هو اتفاق بين أرادتين وتقابلهما من حيث الإيجاب والقبول- إرادة الإدارة أو أحد أشخاص القانون العام أو احدي الجهات الإدارية – وإرادة الفرد أو الشركة أو أحد أشخاص القانون العام أو إحدى شركات القطاع العام أو الخاص.([26])
كما أن عقد التوريد الإداري لا يكون إداريا باستمرار كعقدي الأشغال العامة والتزامها بالمرافق العامة بل يكون كذلك بالنظر إلى طبيعته وقت التعاقد فقد يكون إداريا وقد يكون مدينا، فإذا تضمن شروط غي مألوفة في مجال العقود في إطار القانون الخاص وكان لمصلحة شخص معنوي عام وباستخدام وسائل القانون العام في علاقته بالمرافق المراد التوريد إليه ما فان العقد إداريا، أما إذا ما تخلفت في هذه الشروط وتلك الوسائل وكان لا يتصل بالمرافق العام فان العقد في هذا الحالة لا يكون إلا مدينا أو تجاريا.
من خلال ما تقدم يمكن القول بان عقد التوريد يتميز بالخصائص التالية: ([27])
- أنه لا بد أن يرد على الأشياء منقولة، فلا يمكن أن تكون محله بناء عقار، وإلا أصبح عقد أشغال عامة وليس إطلاقاً عقد التوريد.
- هو باعتباره عقداً، فإن التوريد يتحقق برضاء الفرد أو الشركة الموردة.
- لا بد أن تكون الأشياء الموردة لازمة لخدمة مرفق عام.
- أن يكون المتعاقد مع المورد شخصاً من أشخاص القانون العام، وهـذا عنصر تشترك فيه كل العقود الإدارية.([28])
- أن يستهدف تحقيق مصلحة عامة، وهو على ما رأينا – عنصر لازم بلزوم أن يكون التوريد لشخص من أشخاص القانون العام، إذ الفرض أن أشخاص القانون العام لا يستهدفون إلا تحقيق الصالح العام.
الخاتمة:
للعقد الإداري بعد بيان مفهومه تبين أن له خصائص محددة تحكمه في تحديد كونه عقدا إداريا تعقده الإدارة مع غيره أم انه عدا مدنيا , ومن ثم بيان أنواع العقود الإدارية ؛ومن ثم بيان الهدف من إبرام العقود الإدارية لأن الإدارة تهدف من وراء العقد الإداري إدامة المرافق العامة، ومن خلال كل ما تقدم نخلص إلى أهمية عملية تكوين العقود الإدارية، وما تتطلبه من حسن إبرام ونود أن نسجل جملة من النتائج والتوصيات التي توصل إليها الباحث من خلال دراسة أثر القيود الموضوعية على سلطة الإدارة المتعاقدة.
النتائج :
ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺒﻘﺔ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﺨﺭﻭﺝ ﺒﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﺘﺎﺌﺞ أهمها:
- إن الإدارة عند إبرامها لما تحتاجه من عقود قد تتصرف كشخص عادي وبالتالي تخضع لما يخضع له الشخص العادي من قواعد مدنية , وتخضع لأحكام القضاء الإداري فيما يتعلق بإعمال الإدارة.
- عليه يكون العقد إدارياً وبالتالي يخضع لنظام العقود الإدارية إذا كان احد أطرافه شخص معنوي عام واستخدم ماله من سلطات وامتيازات واتصال موضوع العقد بمرفق العام.
ثانيا: اﻟﺘﻭﺼﻴﺎت:
ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺒﻘﺔ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﺨﺭﻭﺝ ﺒﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﻭﺼﻴﺎﺕ ﻨﺫﻜﺭ ﻤﻨها:
- .نقترح وضع نظام قانون خاص بالعقود الإدارية مواكباً للتطور الحاصل في العالم والاتجاهات الحديثة نحو إدارة المرافق العامة من قبل أشخاص القانون الخاص المتمثل بالشركات العملاقة أو الشركات الدولية.
- أن يكون النظام القانوني للعقود الإدارية نظاما مرناً يسهل عمل الأشخاص الخاصة (الشركات) والتعاون مع الدولة لغرض تطوير السلع والخدمات التي تقدمها المنظمات الحكومية .
المصادر و المراجع
أولا: المراجع الأصلية:
القرءان الكريم.
ثانيا: المراجع الثانوية:
- بلال أمين زين الدين , الإصلاح الإداري في مصر والدول النامية , دار الفكر العربي , سنة 2012.
- محمد الشافعي أبو رأس . العقود الإدارية , بنها , مصر.
- محمد عبد الوهاب , النظرية العامة للقانون الإداري, مصر, دار الجامعة الجديدة , سنة 2012.
- هاني غانم , القانون الإداري , غزة , سنة 2014, ص257.
([1])بلال أمين زين الدين , الإصلاح الإداري في مصر والدول النامية , دار الفكر العربي , سنة 2012. ص 465.
[2])) محمد الشافعي أبو رأس . العقود الإدارية , بنها , مصر.
[3])) بلال زين الدين . مرجع سابق . ص 467.
[4])) محمد الشافعي أبو رأس , مرجع سابق , ص19.
[5])) بلال زين الدين . مرجع سابق . ص 467.
[6])) بلال زين الدين . مرجع سابق .ص 469.
[7])) محمد عبد الوهاب , النظرية العامة للقانون الإداري, مصر, دار الجامعة الجديدة , سنة 2012 ص 553.
([8]) محمد عبد الوهاب , مرجع سابق ,ص554.
[9])) محمد عبد الوهاب , مرجع سابق , 556.
[10])) محمد أبو رأس , مرجع سابق , ص .19
([11])محمد عبد الوهاب , مرجع سابق , ص 557.
[12])) محمد عبد الوهاب , مرجع سابق , ص 557.
([13]) محمد أبو رأس , مرجع سابق , ص24.
[14])) محمد أبو رأس , مرجع سابق ص.27
[15])) محمد عبد الوهاب مرجع سابق ص560.
([16]) محمد عبد الوهاب مرجع سابق , ص 561.
[17])) محمد أبو رأس , مرجع سابق , ص32.
[18])) محمد عبد الوهاب , مرجع سابق , ص563.
([19])هاني غانم , القانون الإداري, غزة , سنة 2014, ص257.
[20]))محمد عبد الوهاب مرجع سابق ,565.
[21])) محمد أبو رأس مرجع سابق , ص 36.
[22])) محمد أبو رأس , مرجع سابق , ص41.
[23])) بلال زين الدين , مرجع سابق , ص493.
[24])) محمد أبو رأس , مرجع سابق , ص 41.
[25])) هاني غانم , مرجع سابق , ص258.
[26])) بلال زين الدين , مرجع سابق , ص505.
[27])) محمد عبد الوهاب , مرجع سابق , ص 596.
[28])) محمد أبو رأس , مرجع سابق , ص50.