الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الانتخابات الاثيوبية بين تحدي التيجراي .. ومأزق فرض سيادة القانون

اعداد : إيمان الشعراوي – باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

سلط إجراء إقليم التيجراي شمالي إثيوبيا الانتخابات، متجاهلًا قرار المجلس الانتخابي بتأجيل الانتخابات التي كان من المقرر لها أن تكون في أغسطس الماضي  بسبب جائحة كورونا الضوء على الانقسام بين الجماعات الإثيوبية بعد سنتين من تولي رئيس الوزراء آبي أحمد السلطة في 2018، حيث وضع إجراء الانتخابات إدارة اقليم التيجراي في وضع تصادمي مع الحكومة الفيدرالية لإثيوبيا والتي وصفت عملية الاقتراع بأنها “غير دستورية”.

وقد ساهم هذا الموقف في تعزيز حالة الغموض التي اعترت ملامح المشهد السياسي في إثيوبيا، عقب إجازة البرلمان إجراء الإنتخابات، وترك تحديد موعدها للهيئة الدستورية المعنية بالاقتراع، وهو ما أثار التساؤلات حول موعد إجرائها وإمكانية مشاركة إقليم التيجراي فيها خصوصا أن سبب إرجائها لا يزال قائما من استمرار مواجهة البلاد فيروس كورونا، فضلًا عن كيفية تعامل الحكومة الاثيوبية مع  غموض مواقف بعض الأطراف حيال اجراء الاقتراع في ظل وضع أمني معقد ببعض الأقاليم.

بداية الأزمة:

لم يكن الارتباك الذي تشهده اثيوبيا بسبب الانتخابات وليد اللحظة بل أنه يأتي ضمن سلسلة خلافات بدأت منذ مجيء أبي أحمد رئيسا للحكومة، حيث رأت جبهة تحرير تجراي الحاكمة في الإقليم  والتي قادت المشهد السياسي في البلاد خلال الفترة (1991- 2018)  أن خططه الإصلاحية تستهدف قياداتها ورموزها فأصبحت جبهة تجراي من أشد وأبرز المعارضين له، كما تعمقت خلافات الجانبين بعد المصالحة مع إريتريا، حيث تعتبر جبهة تحرير تيجراي الرئيس الإريتري أسياس أفورقي عدو لها ، وهو ما زاد من حالة الخلاف بين الجبهة وآبي أحمد.

بالإضافة إلى  رفض التيجراي الاندماج ضمن حزب الازدهار الذي أعلن أبي أحمد تدشينه والذي يتكون من 3 أحزاب رئيسية من الائتلاف الحاكم، وهم حزب الأورومو الديمقراطي والأمهرة الديمقراطي والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا، إلى جانب الأحزاب الموالية للائتلاف وهي “عفار والصومال الإثيوبي وجامبيلا وبني شنقول جومزوهرر”.

فضلًا عن تصاعد الشكاوى من بعض التعقيدات في التعديلات التي أقرها البرلمان الإثيوبي في 24 أغسطس 2019م بخصوص مسودة قانون الانتخابات والأحزاب الذي اعتبرته جبهة تحرير تيجراي والمعارضة منحازًا لصالح الائتلاف الحاكم وتفرض مزيدًا من القيود على قيام الأحزاب، من حيث زيادة عدد التوقيعات لتسجيل حزب من 150 إلى 1000 توقيع، وبالنسبة للأحزاب الإقليمية 4000 توقيع بدلًا من 750 توقيع، حيث رأت المعارضة أن التعديل لم يُعالِج مطالبها، وتطبيقه يمهّد الطريق مجددًا لاستحواذ الائتلاف الحاكم على السلطة.

الخوف من الانفصال

على الرغم من إعلان جبهة تحرير التيجراي عدم وجود أي نزاعات إنفصالية لديها وأن إجرائها الانتخابات منفردة تطبيقًا للدستور ، إلا أن حديث رئيس حزب استقلال لتيجراي جيرماي بيرهي،  عن أنه في حالة رفض الحكومة الفيدرالية الاعتراف بشرعية حكومة إقليم تيجراي، سوف يغذي ذلك الدعوات إلى الاستقلال الكامل، قائلًا “في هذه الحالة قد تبدأ حكومة تيجراي في التصرف كدولة أمر واقع مستقلة فعليًا،  اعتمادًا على ما سيجري بعد ذلك، هناك إمكانية لإعلان استقلال إقليم تيجراي من جانب واحد”، وهو ما يخالف ذلك ويثير المخاوف لدى حكومة أبي أحمد أن البعض من التيجراي يسعى للانفصال عن الدولة الاثيوبية الام.

وعن موقف الأقاليم الأخرى لم يعترض أي إقليم آخر من أقاليم إثيوبيا العشرة التي تضم 10 حكومات ولايات (هرر، تجراي، أمهرا، أروميا، شعوب جنوب إثيوبيا، العفر، الصومال الإثيوبي، بني شنقول جومز، غامبيلا) على تأجيل الانتخابات بسبب جائحة كورونا باستثناء، حكومة إقليم تجراي، إلا أنه هناك مخاوف من تصاعد حالات النزعة الانفصالية في البلاد بسبب مخالفة إقليم التيجراي الدستور وإجراء الانتخابات في تحدي للحكومة المركزية،  الأمر الذي يسهم في اشتعال الوضع الداخلي في البلاد وتشجيع عرقيات أخرى على العصيان وطلب الانفصال بحكم شبه ذاتي خاصة أن الدستور الإثيوبي يُقِرُّ هذا الحق للجميع، فهناك حوالي 8 مجموعات عرقية تستهدف الحصول على الاستقلال الذاتي على غرار قومية سيداما في البلاد، ففي يوليو 2019م قامت بعض مناطق قومية “الولايتا” برفع العلم الخاص بها إلى جوار العلم الإثيوبي الفيدرالي.

هل يذهب التيجراي للانتخابات الوطنية المقبلة..؟

بدراسة موقف جبهة تحرير التيجراي منذ تولي أبي أحمد رئاسة الحكومة نجد أن احتمالية رفض مشاركتها في الانتخابات البرلمانية الوطنية العامة المؤجلة كبيرة وذلك لعدة أسباب..

  • هناك موقفًا عدائيًا تجاه أبي أحمد وجماعة الاورومو الذي ينتمي إليها ورغبة في انتقام قومية التيجراي بسبب شعورها بالاستبعاد وسيطرة الأورومو والأمهرة.
  • محاولتها بمختلف الطرق تقويض وتعطيل مسيرة آبي أحمد في الحكم من خلال تأليب الرأي العام الداخلي ضده، وإفشال مشروعه الإصلاحي الداخلي بهدف إسقاطه وعودة التيجراي إلى الحكم مرة أخرى، بالإضافة إلى محاولة تغذية المطالب الانفصالية في البلاد بهدف توريط النظام الحاكم الحالي في أزمات متعددة، وهو ما استطاعت تحقيقه من إجرائها الانتخابات بشكل منفصل من إحراج أبي أحمد ووضع البلاد في أزمة دستورية.
  • تحذيرها من أن أي قرار للحكومة الفيدرالية بوقف أو عرقلة الانتخابات “يرقى إلى إعلان حرب، وعقدها الجلسة الأولى لبرلمان التيجراي، في تحدٍ واضح لحكومة آبي أحمد، ومواصلة تشكيل حكومتها الجديدة، وهو ما يؤكد عزمها على التمسك بالانتخابات التي أجرتها وعدم المشاركة في الانتخابات الوطنية.

لذلك فأنه في ضوء دراسة هذه المحددات فأنه من المتوقع رفض جبهة تحرير تجراي الحاكمة مشاركتها في الانتخابات البرلمانية الوطنية العامة المؤجلة، مما قد يعرضها إلى مواجهة مع الحكومة الفيدرالية وفقدانها لأي تمثيل في مجلس نواب الشعب .

سيناريوهات المستقبل

اعتبرت انتخابات تيجراي تحدي صارخ وسابقة في تاريخ البلاد، حيث لم يحدث أن أجرى أحد الأقاليم انتخابات منفصلة عن الانتخابات العامة التي تجرى كل 5 أعوام، لذلك فأنه هناك عدد من السيناريوهات يمكن من خلالها التنبؤ بمستقبل المشهد السياسي في اثيوبيا في ظل تأجيل الانتخابات العامة وإجراء التيجراي الانتخابات بشكل منفرد.

السيناريو الأول : التدخل عسكري  حيث دعا مؤيدين متشددين لآبي أحمد، بينهم الجنرال السابق بالجيش كاساي تشيميدا، إلى التدخل العسكري في تيجراي لبسط سيادة الحكومة الفيدرالية، كما أنه  في مشهد نادر اُعتبر رسالة وجهها آبي أحمد للساعين للتيجراي، استعرضت قوات من الحرس الجمهوري الإثيوبي في عروض عسكرية وقتالية محترفة ، على هامش افتتاح مشروع منتزه “شغر بارك” لتجميل العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بحضور رئيسة إثيوبيا سهلى ورق زودي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وكبار المسؤولين الإثيوبيين، وهو ما اعتبره البعض رسالة تهديد واضحة للتيجراي وتؤكد وجود الخيار العسكري ضمن الخيارات المتاحة أمام أبي أحمد لبسط سلطة القانون .

إلا أن هذا السيناريو مستبعد  ومن الصعب تطبيقه بسبب الخسائر الذي سيرتب عنها فضلًا عن إدخاله البلاد في حلقة مفرغة من الصراع الاثني الذي قد يصل لحرب أهلية ،  ويعزز ذلك حديث آبي أحمد باستبعاده إرسال قوات فيدرالية إلى إقليم تيجراي لوقف الانتخابات، قائلا إنه سيكون من “الجنون” القيام بذلك.

السيناريو الثاني: ينصرف إلى “فرض إجراءات عقابية” : حيث أنه من الممكن الانتقام من جبهة تحرير شعب تيجراي من خلال اتخاذ إجراءات “عقابية” ضد حكومة الإقليم، مثل حجب المنح المالية التي تشكل نحو نصف ميزانية الإقليم.

السيناريو الثالث: حل حكومة التيجراي وتشكيل حكومة فترة انتقالية ويعزز هذا السيناريو حديث رئيس المجلس الفيدرالي الإثيوبي، السلطة الدستوريا العليا، أدم فرح، بإمكانية حل حكومة تيجراي المنتخبة وتشكيل حكومة فترة انتقالية بالإقليم تخضع للحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، موضحًا أن هناك أساسًا دستوريًا كافياً لاتخاذ إجراءات ضد ما قامت به جبهة تحرير تجراي من إجراء لانتخابات لم تعترف بها من قبل المجلس الفيدرالي، فضلا عن انتخابها حكومة للإقليم.

السيناريو الرابع: يتمثل في تدخل وسطاء لحل الأزمة ، حيث أنه من الممكن أن يتدخل حكماء ووسطاء لإجراء حوار بين اقليم التيجراي والحكومة المركزية في أديس ابابا لحلحلة الخلافات بينهما، وفي هذه الحالة قد يتم تعديل الدستور بشكل يفسر الوضع الحالي للحكومة أو البحث عن تفسير دستوري وفقًا للدستور القائم.

ويمن المرجح حدوث السيناريو الأخير و ذلك نظرًا لرغبة ابي أحمد وضع حد للنزاعات الاثنية التي عانت منها اثيوبيا لسنوات،  وعدم رغبته في إنجراف اثيوبيا في صراع مع اقليم التيجراي قد يصل لحرب أهلية تتكبد فيها اثيوبيا الخسائر وتعطل تطلعات ابي أحمد في النهوض باثيوبيا والانتهاء من عدد من المشروعات الضخمة مثل سد النهضة، فضلًا عن أن آبى أحمد أكثر خطورة ودهاء من كل رؤساء الوزراء الإثيوبيين السابقين هو سياسى من الدرجة الأولى وحينما وصل للسلطة، تمكن فى وقت وجيز من تصفية المشاكل والأزمات، مع كل دول الجوار والمنطقة لذلك فأنه سيعمل على حل الأزمة القائمة مع اقليم التيجراي.

قائمة المصادر

أولًا: مصادر باللغة العربية

1)أحمد عسكر، “الداخل المضطرب: الولاية الثانية ومستقبل آبي أحمد في الحكم”، قراءات أفريقية، 22 أكتوبر 2019، على رابط

https://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A7%D9%8

2)انتخابات تجراي بإثيوبيا.. بين فرض الواقع وسيادة القانون، العين الاخبارية، 10 سبتمبر 2020 على رابط

3)رحمة حسن، “تأثير الداخل الإثيوبي على انتخابات 2020 وانسحاب “مراوغ”من مفاوضات سد النهضة”، المرصد المصري، 7 مارس 2020، على رابط

https://marsad.ecsstudies.com/22285/

4)محمد الدابولي، “عامان على تنصيب أبي أحمد…أزمات واضطرابات تهدد مستقبله السياسي ” مركز فاروس ، 9 أبريل 2020، على رابط

https://pharostudies.com/?p=4224

ثانيًا: مصارد باللغة الانجليزية

1)Abdur Rahman Alfa Shaban, “Ethiopia poll body ‘rejects’ Tigray region’s request to hold elections”, Africa News, 26 June 2020, URL

https://www.africanews.com/2020/06/25/ethiopia-pm-reject

2)Ethiopia’s Tigray region defies PM Abiy with ‘illegal’ election”, Bangkok Post, 9 SEP 2020, URL

https://www.bangkokpost.com/world/1982511/ethiopias-tigray-region-defies-pm-abiy-with-illegal-election

3) Isaac Mugabi, “Ethiopia: Political tensions rise ahead of planned regional elections”, DW, 18 August 2020, URL

https://www.dw.com/en/ethiopia-political-tensions-rise-ahead-of-planned-regional-elections/a-54598768

ثالثًا: مصادر باللغة الفرنسية

1)Christelle Gérand, ” Éthiopie: le Tigré défie le pouvoir d’Abiy Ahmed en tenant ses elections”, international, 11 septembre 2020,  à

https://www.lefigaro.fr/international/ethiopie-le-tigre-defie-le-pouvoir-d-abiy-ahmed-en-tenant-ses-elections-20200910.

2)Ethiopie : la région du Tigré défie le gouvernement fédéral avec des élections illégales remportées par le TPLF, Agence ecofin, 14 septembre 2020,  à

https://www.agenceecofin.com/actualites/1209-80119-ethiopie-la-region-du-tigre-defie-le-gouvernement-federal-avec-des-elections-illegales-remportees-par-le-tplf

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى