سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني
بقلم : د. إسلام عيادي – أستاذ العلاقات الدولية – الجامعة العربية الأمريكية
- المركز الديمقراطي العربي
أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي عقدت في الثالث من نوفمبر 2020، وبذلك أصبح بايدن الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية، وبسبب خبرته الواسعة في السياسة الخارجية حيث كان نائباً للرئيس في عهد الرئيس الأمريكي السابق براك أوباما، فإن العديد من القادة الأجانب يعيدون فحص سجله السياسي، لا سيما في ساحة السياسة الخارجية للشرق الأوسط وسياسته تجاه إسرائيل والملف الفلسطيني. حيث يأمل القادة الفلسطينيون أن يخفف الديمقراطي بايدن من حدة سياسات واشنطن المؤيدة لإسرائيل.
إلا أن الرئيس المنتخب بايدن عندما يتسلم مفاتيح البيت الأبيض في 20 يناير 2021 سيبقيه مشغولاً في محاربة عودة ظهور COVID-19 خاصة مع استمرار ارتفاع الحالات اليومية وعدد الوفيات، مما يتعين عليه التركيز بشكل شبه كامل على قهر الوباء وإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي واستعادة الوضع الطبيعي بعد حالة الانقسام في المجتمع الأمريكي، وتوفير ملايين الوظائف المفقودة، وتحديد المناصب الإدارية لنحو 4000 موظفاً في البيت الأبيض، وهذا يعكس العديد من السياسات المحلية المثيرة للجدل للرئيس السابق دونالد لترامب، مما يعني أن السياسة الخارجية ستتراجع لعدة أشهر، من بينها ملف القضية الفلسطينية، والعلاقات التجارية مع جمهورية الصين الشعبية، والملف الإيراني، وتركيا، ومستقبل التحالفات الإقليمية.
الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني
وفيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فإن مهمته الأولى ستتمثل في إصلاح الكثير مما يعتبره وأنصاره ضرراً ألحقه ترامب، الذي هدم الأعراف القديمة وعقوداً من السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
فقد أخبر بايدن المانحين اليهود الأمريكيين خلال مكالمة في مايو الماضي أنه سوف “يعكس” سياسات ترامب تجاه إسرائيل التي قال إنها تضر بفرص التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. حيث تعهد باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع السلطة الفلسطينية ودفع كلا الجانبين نحو حل الدولتين، مكرراً معارضته لضم الضفة الغربية الذي اقترحه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بينما تعهد بعدم تقليص أو حجب المساعدات العسكرية الأمريكية لليهود. كما قال بايدن للمانحين: “أنا لا أؤيد الضم”. سأقوم بعكس خطوات إدارة ترامب التي أعتقد أنها تقوض بشكل كبير آفاق السلام. ويشمل ذلك إصلاح العلاقات التالفة مع القادة الفلسطينيين وإنعاش المساعدات للسلطة الفلسطينية وتمويل البرامج الإنسانية”.
ويرى بايدن أن الولايات المتحدة الأمريكية حافظت على موقف محايد لعقود من الزمان تجاه المطالبات المتعلقة بالقدس الشرقية، وكان من المفترض تحديد وضعها النهائي في المراحل الأخيرة من محادثات السلام. ويقول مستشارو بايدن إنه لن يعيد السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، لكنه سيعيد فتح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية تخدم الفلسطينيين وتسمح بسفارة فلسطينية بحكم الأمر الواقع في واشنطن.
أما بالنسبة لحل الدولتين، على عكس ترامب، يدعم بايدن إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. وقال بايدن لوكالة التلغراف اليهودية في مايو الماضي: “يجب أن تكون الأولوية الآن لقضية السلام الإسرائيلي الفلسطيني هي استئناف حوارنا مع الفلسطينيين والضغط على إسرائيل حتى لا تتخذ إجراءات تجعل حل الدولتين مستحيلاً”.
كانت مواقف بايدن المؤيدة لإسرائيل معروفة منذ أن كان نائب الرئيس. لقد ساعد في ضمان دعم لا يتزعزع لأمن إسرائيل وكان مناصراً رئيسياً في تأمين الدعم لتقنيات إنقاذ الأرواح مثل القبة الحديدية وأنظمة الدفاع الصاروخي ديفيدز وأرو 3. من ناحية أخرى، ساعد بايدن في صياغة مذكرة تفاهم (MOU) غير المسبوقة البالغة 38 مليار دولار، ومدتها 10 سنوات، والموقعة في عام 2016، والتي كانت أكبر حزمة مساعدات عسكرية في تاريخ الولايات المتحدة.
وقد تم توضيح وجهات نظر بايدن بشأن إسرائيل في بيان صدر في 18 مايو على موقع حملته بعنوان “جو بايدن والجالية اليهودية: سجل وخطة صداقة ودعم وعمل”. وقد افتتح بخلط الدولة اليهودية مع القيم اليهودية واستمر في التباهي بدور بايدن في زيادة المساعدة العسكرية لإسرائيل في نهاية إدارة أوباما. كما وعد بايدن بأنه سيواصل الهجمات على الأفراد والمنظمات التي تقاطع إسرائيل لأسباب سياسية وتشير إلى “الخيارات” الفلسطينية لارتكاب العنف.
على الرغم من أن بايدن يصف نفسه بأنه صهيوني و”داعم قوي” لإسرائيل، فإن العديد من الديمقراطيين يعارضون السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين قبل الانتخابات العامة في نوفمبر. إذا كانت لدى بايدن رغبة حقيقية في تسهيل تغيير حقيقي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فعليه أن يعترف بهيكل القوة غير المتكافئ الذي مكّن من قمع إسرائيل للفلسطينيين واحتلال أراضيهم. على الرغم من اختلاف وجهات نظر بايدن عن آراء الناخبين الديمقراطيين، إلا أن هذه الآراء تظل مختلفة بشكل كبير عن آراء ترامب. حتى لو لم يتخذ بايدن أي خطوات في اتجاه أكثر تقدماً، فمن المرجح أن يتأثر بالمدافعين عن حقوق الفلسطينيين.
قد لا يكون بايدن مثالياً، لكنه الأمل الوحيد للفلسطينيين بعد أن ضخّم ترامب البؤس واليأس والقمع الفلسطيني بطريقة لم يكن يتصورها أسلافه. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتية في يوليو الماضي خلال مؤتمر افتراضي مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “إذا تم انتخاب السيد بايدن في نوفمبر، نأمل أن تكون ديناميكية مختلفة تماماً”.
على الرغم من أن الفلسطينيين لا يتوقعون الكثير من بايدن، فإن أفضل ما يمكن أن يأملوه من حكومة بايدن هو التراجع عن الكثير من الضرر الذي تسبب فيه ترامب. على الرغم من أن الديمقراطيين فشلوا سابقاً في تحويل خطابهم حول حل الدولتين إلى واقع، يأمل الفلسطينيون أن يتمكن بايدن من إحداث تغيير حقيقي هذه المرة وليس فقط الحفاظ على الوضع الراهن.
كما أن الكثيرين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية يعولون على الكيفية التي يمكن أن تحدد بها الإدارة الأمريكية الجديدة العلاقات بين الجانبين. حيث أن برنامج الحزب الديمقراطي لعام 2020، الذي يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية “قابلة للحياة”، بحيث يكون للفلسطينيين “حرية حكم أنفسهم” ويعارض صراحة “العمل الأحادي الجانب” من أي من الجانبين، وفي هذا السياق، فقد كتب الخبير الإستراتيجي الديمقراطي جويل روبين، الذي شغل منصب مدير التواصل اليهودي في حملة بيرني ساندرز الرئاسية 2020، في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن برنامج الحزب الديمقراطي لعام 2020 بأنه “الأكثر واقعية والأكثر تقدمية”.