الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

المغازلة التركية للقاهرة تعود من جديد “أبعاد وأهداف”

إعداد: د.  أسماء حجازي – باحثه سياسية متخصصة في الشأن الافريقي

  • المركز الديمقراطي العربي

 

لعل مما تجدر الاشارة به ان العلاقات المصرية التركية تدهورت منذ عام 2013، أخذت العلاقات بين البلدين منحنى جديد، بسبب رفض أنقرة عزل الجيش المصري للرئيس الإخواني السابق محمد مرسي، والقبض على قيادات الجماعة، وتم على إثر ذلك قطع العلاقات بين البلدين، ورفض أردوغان الاعتراف بالنظام المصري الجديد ممثلا في الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ومن هنا تصاعد الخلاف بسبب موقف البلدين في عدد من القضايا، أهمهما تقاسم ثروات شرق المتوسط، وانخراط مصر في مفاوضات بشأن تقسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان دون وجود تركيا.

ويمكن الإشارة إلى ان مصر وقعت في أغسطس الماضي، اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، لكنها حذفت المنطقة المثيرة للجدل الخاصة بحدود جزيرة كاستيلوريزو، التي تصر تركيا على أنها تقع داخل حدودها البحرية، بينما تتمسك اليونان بتبعية الجزيرة ومنطقتها الاقتصادية لها.

وترتب على ذلك ارتفاع وتيرة التصعيد بين البلدين، والتي وصلت إلى حدود الحديث عن احتمالية المواجهة العسكرية، بعد توقيع أنقرة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني، والتدخل في ليبيا لمساعدتها في مواجهة قوات حفتر المدعومة من مصر.

لكن خلال الشهور الماضية، تراجعت حدة التصعيد بين البلدين، وبدأ الحديث عن مفاوضات، وخاصة مع دعوات الحكومة التركية للقاهرة للتفاوض بشأن ترسيم الحدود البحرية، ومن هنا يتم التطرق إلى النقاط الأتية:

أولا: ما هو السبب الرئيسي الذي دفع تركيا للمصالحة مع مصر[1]

يعود السبب في ذلك إلى أسباب معلنه واخري غير معلنه:

  • الأسباب المُعلَنة هو طرح مِصر مُناقصة للتّنقيب عن النّفط والغاز في مِياهها الإقليمية شرق المتوسّط، وأخذت في الاعتِبار الحدود “المشروعة” للجرف القارّي التركي (منطقة معروفة باسم ماردين 28) وهذا من وجهة نظر وزير الخارجية التركي سيُؤدي إلى فتح الباب لمُباحثات لترسيم الحُدود البحَريّة بين البلدين.
  • سبب غير المُعلَنة لهذا الغزَل فتعود إلى رغبة الرئيس أردوغان بكسر حالة العُزلة التي تعيشها بلاده في الشّرق الأوسط وأوروبا بحيث باتت مُحاطَةً بالأعداء من الجِهات الأربع، الأمر الذي انعكس سلبًا على اقتِصادها الذي يُسَجِّل حالات تَراجُع ملحوظ، وفشل الكثير من مُغامراتها العسكرية في سورية (تغيير النظام والصلاة في المسجد الاموي)، وليبيا تعزيز سيطرة حكومة الوفاق الإسلاميّة على معظم أنحاء البِلاد وثرواتها النفطية، حيث تمخض لقاء جنيف الذي تم تحت إشراف الأمم المتحدة وبدعم أمريكي من تشكيل مجلس رئاسي وحُكومة انتقاليّة تقوم بالتّحضير لانتِخابات عامّة نهاية هذا العام.

ثانيا: رد فعل مصر على التصريحات التركية بشأن المصالحة[2]

قابلت مصر تصريحات الرئيس التركي بشأن المصالحة بالصمت ولم يصدر عن مصر أي تصريح رسمي حتى الان بشأن المصالحة وتعددت الأقاويل حول سبب الصمت المصري تجاه المصالحة:

  • الرأي الأول: يري ان الصمت المصري تجاه هذه التصريحات يعني أن هناك أمورا ناقصة في حديث المسؤولين الأتراك بخصوص القضايا الخلافية بين البلدين يجب استكمالها، وأن مصر ترى أن هناك بعض الأوضاع التي يجب تغييرها من قبل الجانب التركي فيما يخص ملفي شرق المتوسط وليبيا.
  • الرأي الثاني: يري ان هذه الاقاويل التي تصرح بها تركيا لابد وان تترجم إلى سياسات لأنه من المعروف عن تركيا انها تتبني سياسة الشائعات والاتفاقيات الوهمية كما فعلت مع كلا من فرناس وإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية من قبل فهي تمهد بأن هناك خطوات للتقارب بالفعل بينما لم تتخذ أي أليات على طريق التقارب وأصبح الامر مقتصرا على مجرد تصريحات من الجانب التركي[3].

ثالثا: هل من الممكن ان تحدث مصالحة؟ وما مداها؟

  • لا، ولكن لان السياسة هي “فن الممكن” فمن المتوقع عودة العلاقات عن طريق قنوات الاتصال على المستوي الأمني او التمثيل الدبلوماسي بدلا من التمثيل الحالي “المستوي القائم بالأعمال” سواء بالنسبة للبعثة الدبلوماسية المصرية او التركية.

ثالثا: ما الشروط التي من المتوقع ان تضعها مصر للموافقة علي مصالحة مع تركيا[4]

  • عدم ترسيم الحدود البحرية بين الجانيين إلا بالالتزام بدون قواعد القانون الدولي في إشارة الي رضوخ تركيا بالالتزام بالقانون الدولي للبحار.
  • لن يكون هناك اتفاق مصري تركي في شرق المتوسط إلا بعد اتفاق تركي شامل مع الحلفاء الأوربيين وتحديدا مع الجانب اليوناني والقبرصي.
  • خروج تركيا سياسيا وأمنيا وعسكريا وسياسيا من ليبيا وترك الملف الليبي كليا والتعهد بخروج المرتزقة من ليبيا.
  • التواصل مع تركيا امنيا فقط لأن التواصل السياسي لا يتم مع الدول الراعية للإرهاب من جهة نظر مصر.
  • تعهد تركيا بعد التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية والالتزام بمحددات الأمن القومي العربي.
  • وقف جميع المنابر الإعلامية التي تهاجم مصر ودول الخليج وكذلك حظر أي نشاط سياسي يضم الاخوان على أراضيها.

رابعا: السيناريوهات المتوقعة من فرض مصر لتلك الشروط على تركيا مقابل المصالحة معها

إذا كانت العوامل السياسية والاستراتيجية تدفع باتجاه إجراء مصالحة بين البلدين، فإن لغة الشروط التي تعلنها مصر عبر قنواتها الرسمية والإعلامية من الممكن ان تعقد من إمكانيات المصالحة للأسباب التالية[5]:

  • البلدين بحاجة لإعادة العلاقات بنفس القدر، لأنها تمثل مصلحة مشتركة فكلا منهما ليس مضطرا للاستجابة للشروط تمثل ضغطا عليه في جوانب اخري حتى وان كان هناك دوافع اخري غير معلنة.
  • أثبتت الأحداث السياسية خلال السنوات السابقة أن تركيا لديها قدر كبير من البراغماتية، جعلها تتنازل في مواقف مهمة في العلاقة مع روسيا وفي الملف السوري نتيجة لطبيعة الوضع العسكري في سوريا، ولكنها أثبتت في نفس الوقت أنها لا تستطيع التنازل عندما لا تكون مضطرة لذلك أو عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي، كما حصل في ملف الشمال السوري، وفي الملف الليبي، وغيرها من الملفات الأخرى.
  • أظهرت الصراعات في الإقليم خلال السنوات الثلاث الأخيرة أن لغة الشروط لا تنجح في المنطقة؛ بسبب امتلاك كل طرف لأوراق قوة تساعده في الصراع والمفاوضات، ولعل الأزمة الخليجية تمثل نموذجا على هذه الحقيقة، إذ فشلت مصر وثلاث دول خليجية بفرض شروطها الثلاثة عشر على قطر، قبل أن تبدأ بإعادة العلاقات معها ورفع الحصار عنها دون شروط معلنة. فمن المحتمل أن يكون هذا هو مصير الشروط المصرية للمصالحة مع تركيا، إذا صحت تلك الشروط ولم تكن مجرد جزء من لعبة المفاوضات للوصول إلي نتائج أفضل[6].

[1]– عبد الباري عطوان، جريدة رأي اليوم، متاح على الرابط التالي: https://www.raialyoum.com/index.php/

[2]–  كيف ينظر المصريون إلى تصريحات أردوغان حول التصالح مع مصر؟ RT Online، متاح علي الرابط التالي: https://arabic.rt.com/middle_east/1210901

[3]– غزل تركي.. وصمت سياسي مصري لجسّ النبض أولا، جريدة العرب، متاح على الرابط التالي: https://alarab.co.uk/

[4] – بلال الخالدي، جريدة عربي21، متاح على الرابط التالي: https://arabi21.com/story/1344338/

[5]المرجع السابق ذكره.

[6]– مصر تعلن شروط عودة العلاقات مع تركيا، جريدة العربية، متاح علي الرابط التالي: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/egypt/2021/03/14/

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى