الدراسات البحثيةالمتخصصة

تأثير تكتل البريكس على الهيمنة الأمريكية

 إعداد :  رامز صلاح عبد الإله الشيشي – كلية السياسة والاقتصاد – جامعة السويس

  • المركز الديمقراطي العربي

 

الملخص: –

يتناول هذا البحث التأثير الفاعل لتكتل البريكس على الهيمنة الأمريكية سواء من خلال سياسات التكتل ذاته، أو سياسات دوله كالصين، وروسيا الاتحادية. وذلك، من خلال الاعتماد على نظرية الإقليمية الجديدة، الواقعية، تحول القوة، الهيمنة كأطر تنظيرية لها ثقلها وأهميتها في حقل العلاقات الدولية في خِضَمْ التفاعلات المتغيرة التي تشهدها بنية النظام الدولى الراهن الأمر الذي باليقين ينعكس سلباً على الولايات المتحدة الأمريكية.

Abstract: –

This research addresses the effective impact of the BRICS bloc on U.S. hegemony, whether through the bloc’s own policies, or those of its states such as China, and the Russian Federation. This, by relying on the new regionalism theory, realism, the transformation of power, and hegemony as theoretical frameworks of weight and importance in the field of international relations in the midst of the changing interactions in the structure of the current international order, which with certainty reflects negatively on the United States of America.

مقدمة: –

على مدى القرن الماضي شَهِدَ النظام الدولي تحولات ذات طبيعة ديناميكيّة مضطردة، بل ومضطربة أثرت على إيقاع وحركة آلة الأكورديون التي كانت تارة مُفرِحة وتارة أخرى مُحزِنة تمثلت في قيام وعودة الولايات المتحدة الأمريكية من عُزلتها الدولية التى كانت تتلخص في مبدأ مونرو في إبريل ١٩١٧ وتولت دور شُرطي العالم، أو بالأحرى دور ” الأخ الاكبر”. وبين عامي 1929 و1933، دمر الكساد الكبير الرأسمالية وأدى إلى انهيار وول ستريت، ولم تتمكن الولايات المتحدة من استعادة نفوذها إلا بفضل الحرب العالمية الثانية عندما ألغى الكونغرس حظر الأسلحة وبدأت الوحدات السياسية المُتحاربة في شراء المعدات، وظهرت أمريكا بمستوى اقتصادي وإنتاج صناعي هائل بنسبة تتجاوز ٤٢%. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، شَهِدَ النظام الدولي مرة أخرى حالة من الجمود وكان كوكب الأرض على وشك الانتهاك في أي لحظة؛ بسبب الثنائية القطبية والحرب الباردة القائمة بينهما إلى أن سقط الاتحاد السوفيتي أوائل العقد التاسع من القرن العشرين، ثم انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم وظهور النظام العالمي الجديد الأمر الذي دفع (جوزيف ناي) إلى القول بأنها ” اللحظة الأمريكية “The American Moment. ونتيجًة للهيمنة الأمريكية على كافة المؤسسات الدولية سواء التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية وعُرِفَتْ باسم منظمات بريتون وودز أو حمايتها لدول الاتحاد الأوروبي؛ حيث إنه يمكن القول إن النظام العالمي الجديد كانت الولايات المتحدة الأمريكية باليقين هي واسِطة العِقد وضابط الإيقاع لنغمات هذا النظام المعولَم. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، ظهرت العديد من القضايا والأزمات التي باتت تُمثِل هاجسًا حول مدى قدرة الهيمنة الأمريكية على الاستمرار، وبخاصة بعد أحداث ١١ سبتمبر، والحرب على العراق وحركة طالبان بأفغانستان مرورًا بالتكتُّلات الدولية الصاعِدة سواء كانت إقليمية أو دولية في طبيعتها. فهي تظهر من وقت لآخر، وتحاول الدول أن تحقق أقصى قدر من مكاسبها الاقتصادية والسياسية من خلال هذه التكتُّلات. وتكتُّل البريكس واحد من تلك التكتُّلات التي تضم دول لها ثقلها ووزنها السياسي والاقتصادي، بل والعسكري كالصين وروسيا الاتحادية، وسعت مرة أخرى وبقوة إلى المشاركة في مجريات السياسة الدولية من خلال تكتُّل البريكس، ومبادرة الحزام والطريق الأمر الذي سينعكس بدوره على هيكل النظام الدولي وتحوله حتميًا من أحادية قطبية إلى تعددية قطبية. كما تقع الصين في موقف مضاد تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تحاول عرقلة أي محاولات لتقاسم النفوذ الدولي سواء في منطقة مليئة بالقلاقل والصراعات كالشرق الأوسط، القارة الأفريقية، أو التمثيل في المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي والتي تتعارض مع استراتيجيتها ومصالحها العالمية المُتعددة، بل والمتشعبة. وفي كل الأحوال، لا تزال الصين تلعب دورًا حاسمًا في التعزيز من نفوذها الدولى خلال الجائحة العالمية وهو الأمر الذي سينعكس على حالة الهيمنة الأمريكية التي شهدت تراجعاً كبيراً إبان الجائحة.

مشكلة الدراسة: –

إن هناك تيار رئيسي في الأدبيات يُشير إلى وجود علاقة وطيدة بين السلوك الخارجي للدول والتحولات والتغييرات الهيكلية التي تقع داخل النظام الدولى، على نحو ما تشير إليه حالة التكتلات الاقتصادية (تكتل البريكس) والهيمنة الأمريكية منذ بداية الألفية الثالثة وهو ما يعني أن هناك علاقة ارتباطية بين متغيرين أحدهما مستقل وهو تكتل البريكس والآخر تابع وهو الهيمنة الأمريكية. وفي هذا الإطار تتمثل المشكلة البحثية في هذه الدراسة في تحديد أثر تكتل البريكس على الهيمنة الأمريكية، لأنه باليقين مثل ذلك الأثر سيعمل على تحديد هوية ضابط الإيقاع المستقبلي للنظام الدولى.

من خلال استقرائنا للمشكلة البحثية تنبثق التساؤلات البحثية التالية: –

  • التساؤل الرئيسي: – إلى أي مدى سيؤثر تكتل البريكس على الهيمنة الأمريكية؟

التساؤلات الفرعية: –

  • ١- ما هي إرهاصات تشكيل تكتل البريكس؟
  • ٢- ما هي المؤسسات المالية لتكتل البريكس؟
  • ٣- إلى أي مدى يختلف تكتل البريكس عن المنظمات الدولية؟
  • ٤- ما هو وضع الهيمنة الأمريكية في ظل الصعود الصيني؟
  • ٥- ما هي أهداف وتحديات مبادرة الحزام والطريق في الصين؟
  • ٦- إلى أي مدى يُمكن أن تساهم مبادرة الحزام والطريق في تحقيق أهداف الهيمنة الصينية؟
  • ٧- كيف يمكن أن نقارن بين تكتل البريكس ومبادرة الحزام والطريق؟
  • ٨- ما هي السيناريوهات المتوقعة لتكتل البريكس؟

فرضيات الدراسة: –

١- النمو الهائل المتزايد لاقتصاديات دول تكتل البريكس لاسيما الصين يُهدد الاقتصاد الأمريكي والهيمنة الأمريكية.

٢- تكتل البريكس سيؤثر على مؤسسات بريتون وودز (النظام المالي العالمي).

٣- افتقار تكتل البريكس إلى ميثاق دولي لا يُعيق من بروزه بشكل قوى على الساحة الدولية.

أهداف الدراسة: –

  • توضيح ومعرفة نشأة وطبيعة هذا التكتل الصاعد بقوة في السياسة الدولية.
  • التعرف على الإمكانيات التي تجعل من تكتل البريكس قوة مهددة للولايات المتحدة الأمريكية، ومغيرة للنظام الدولي.
  • وضع القارئ في صورة واضحة أمام طبيعة هذا التكتل الدولى المتميز مع بيان اختلافاته عن المنظمات الدولية.
  • التعرف على دور ورؤية تكتل البريكس للنظام الدولي البديل.
  • استشراف المرحلة المقبلة لتواجد البريكس في النظام الدولى من خلال السيناريوهات المتوقعة.

أهمية الدراسة: –

  • يستطيع القارئ من الناحية النظرية التعرف على مجموعة دول البريكس بشكل مُفصل، بحيث يتمكن من معرفة نشأة ومقومات هذا التحالف وما هي أهدافه ومؤسساته.
  • تحاول الدراسة استشراف مستقبل الهيمنة الأمريكية في ظل التأثير والدور القوى الذي يقوم به تكتل ودول البريكس سواء تجاه مؤسسات بريتون وودز أو في منطقة الشرق الأوسط من خلال الاعتماد على نظرية الواقعية، نظرية تحول القوة، نظرية الهيمنة.
  • تكمن أهمية الدراسة في توضيح أبرز الفروق بين مجموعة البريكس وبين المنظمات الدولية.

حدود الدراسة: –

الحَد الزماني: ٢٠٠٩-٢٠٢٠.

الحَد المكاني: دول البريكس، الهيمنة الأمريكية، النظام الدولي.

مفاهيم الدراسة: –

البريكس BRICS: –

هي اختصار للحروف الأولى الأجنبية للدول المؤلفة للمجموعة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 41 % من سكان الأرض، عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة فى يكاترينبورغ روسيا في حزيران ٢٠٠٩. ومن المتوقع بحلول عام ٢٠٥٠ أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حالياً – وفقًا للاقتصادي الإنكليزي جيم أونيل- حيث كان أول من استخدم هذا المصطلح في عام ٢٠٠١.

القوى الصاعدة Emerging Powers: –

الدول الصاعدة “القوى الصاعدة” أو “الاقتصاديات الصاعدة” باللغة الفرنسية Pays émergents باللغة الإنجليزية Rising Powers

هي دول لها خصوصية معينة تظهر خاصة في المجال الاقتصادي والتي تمتاز بتسجيل نمو سريع، مستوي معيشي لائق متجه نحو الدول المتقدمة، تطور البنية التحتية وظهور الشركات الجديدة، ورفاهية المواطنين. ويُعدُّ تكتل البريكس من القوى الصاعدة باستثناء روسيا الاتحادية.

الهيمنة الأمريكية U.S. Hegemony: –

الهيمنة هي سيطرة جماعة على أخرى، وتعكس الهيمنة قدرة القوى المسيطرة على إقناع الآخرين بقبول تلك الحالة والتكيف معها واستدخال قيمها ومعاييرها إلى وعيها ولا وعيها.[1]

وفي هذا السياق، يُمكن الإشارة لتعريف جوزيف ناي وروبرت كوهين وهما من أقطاب المدرسة الواقعية الجديدة في السياسة الدولية في كتابهما: القوة والاعتماد المتبادل؛[2] حيث وصفا الهيمنة بأنها “ظاهرة تعكس وجود قوة دولية مسيطرة تتوافر لديها القوة والإدارة التي تمكنها من صياغة قواعد للتفاعل بين الدول في النظام الدولى”. وباليقين، فإن اللحظة الأمريكية على حد قول جوزيف ناي هي تصريح وتأكيد واضح على الهيمنة الأمريكية (الأحادية القطبية) بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

النظام الدولي International System: –

هو مجموعة من القواعد، والضوابط المنظمة والملزمة، تبعا لكونها صادرة عن سُلطة عليا، ومن ثم فهي قواعد سلطوية، وتتمثل في العلاقات بكافة أنواعها بين دول العالم، وهو حالة من التوافق والانضباط تتسم بخلوها من الفوضى أو الاضطراب، وذلك بعامل الالتزام بالقانون واحترام السلطة. ويفترض النظام الدولي أن مجموعة القواعد المنظمة والأنماط السلوكية المقننة التي تتم من خلال التفاعل بين وحداته السلوكية الدولية. كما اعتمد العديد من علماء السياسة الأفكار التي أسسها ديفيد ايستون David Easton لدراسة السياسة والتي تقوم على فكرة أن الحياة السياسية جسد من التفاعلات ذات الحدود الخاصة والتي تحيطها نظم اجتماعية تؤثر فيها بشكل مستمر.

وعرف ديفيد ايستون “النظام” بأنه أيّ كيان يتكون من مجموعة الأجزاء التي ترتبط ببعضها البعض. [3]

الدراسات السابقة:

كتاب: “بريكس والتعايش.. رؤية بديلة للنظام العالمي”[4]

تناول هذا الكتاب الأُطر التاريخية المرتبطة بالدول المكونة لتكتل البريكس، بدءًا من ظهور التكتل وتطوره وهدفه، ومن ثم مناقشة دول رغبة المجموعة في إنشاء نظام عالمي جديد متميز عن النظام الحالي الذي يتميز بالهيمنة الأمريكية، من أجل تحديد مستقبل تكتل بريكس في ظل النظام الدولي. ووفقًا للكتاب، يحاول تكتل البريكس القيام بأدوار أكثر أهمية على المستوى الدولي من خلال إنشاء مؤسسة دولية. وذلك من خلال إنشاء مؤسسة دولية توازن المؤسسات الاقتصادية الحالية، ومن أجل أن تكون أداة لتحرير العالم من الهيمنة الأمريكية وقيودها؛ لأن الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على المؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية بشكل أساسي، سواء من حيث إداراتها أو سياساتها أو توجيه عملية اتخاذ القرار فيها، بما يعني أن النظام العالمي الحالي يعيش مرحلة تتسم بالفوضى السياسية والاقتصادية، وهو ما تسعى دول “بريكس” إلى إصلاحه.

وفي هذا الإطار؛ أشار الكتاب إلى أن “بريكس” عبارة عن نهج متعدد الأقطاب واستراتيجية للتعايش متضمنةً أربعة مبادئ أساسية، هي:

الاحترام المتبادل لسيادة الدول.

عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى إلا وفق قواعد ومعايير متفق عليها.

تعزيز المساواة القانونية بين كل الدول.

تعزيز المنافع المتبادلة بين الدول، ودعم مسارات التنمية الوطنية.

“بروز القوى الصاعدة في التأثير على هيكل النظام العالمي دراسة حالة دول البريكس Bricks” (براهمي، محمد، صليحة، كشرود. ٢٠١٥)[5]

ناقشت هذه الدراسة التأثير القوى للقوى الدولية الصاعدة على هيكل النظام العالمي، ومحاولة وضع تصور لحاضر ومآلات توزيع القوى على الساحة العالمية وطبيعة انعكاساتها على دور ومكانة الولايات المتحدة كقوى عظمي. كما رأت أن تحكم هذه القوة الصاعدة ممثلة بتكتل البريكس يهدد الاقتصاد الأميركي وسيؤدى إلى تقزيمها على المستوي الدولى.

“What do the BRICS mean for US leadership?” (Palacio, Ana. 2015)[6]

ترى هذه الدراسة أن دول البريكس من الناحية الاقتصادية تواجه تحديات خطيرة، بالإضافة إلى تباطؤ النمو الموثق توثيقًا جيدًا، حيث ترى أن الصين شهدت مؤخرًا اضطرابات كبيرة في سوق الأوراق المالية وانخفاضًا في قيمة العملة. فالاقتصادات البرازيلية والروسية تتقلص؛ فقد تباطأ النمو في جنوب أفريقيا، ويتعين على الهند أن تسعى إلى نمو قوي نسبيًا وأن تجري إصلاحات سياسية واقتصادية، بل واجتماعية مهمة. كما فشلت دول البريكس في الوفاء بوعدها بالقيادة الدولية. في بداية العقد، أظهرت البرازيل طموحًا معينًا إلى جانب تركيا بالمضي قدماً في التوصل إلى اتفاق نووي بديل مع إيران، ولكن هذا الاقتراح انهار وفي خضم الضغوط الناجمة عن فضائح الفساد وانخفاض أسعار السلع الأساسية، غادرت البرازيل الساحة العالمية. كما ترى أن زيارة الرئيس الصيني شى جين بينغ إلى واشنطن العاصمة في ٢٠١٥، والتي أسفرت عن إعلانات رئيسية حول العمل المناخي، والأمن السيبراني، والتنمية الدولية. كما تتابع الصين مبادرات مثل البنك الآسيوي للاستثمار فى البنية الاساسية وإنعاش منظمة شانغهاي للتعاون يزيد من دور الصيني كونها الفاعل الحاسم في تكتل البريكس. ولكن حزم الصين المتزايد، وخاصة في بحر الصين الجنوبي يزيد من تعقيدات العلاقات مع أمريكا. وبشكل عام، ترى هذه الدراسة أن تكتل البريكس في مرحلة الانحسار ولا يُمثل تهديدًا للهيمنة الغربية.

“How Hegemony Ends The Unraveling of American Power” (Colley, Alexander & Nexon H. Daniel. 2020)[7]

ناقشت هذه الدراسة علامات الخطر المتعددة للنظام العالمي بعد ظهور جائحة كوفيد-١٩، وترى أن الاستجابة الدولية غير المنسقة الجائحة “كوفيد-19″، وما نتج عنه من تراجع اقتصادي، وعودة ظهور السياسات القومية، وتصلب حدود الدولة، تبشر بظهور نظام دولي أقل تعاوناً وأكثر هشاشةً. ووفقًا للعديد من المراقبين، تؤكد هذه التطورات مخاطر سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “أمريكا أولا” وتراجعه عن القيادة العالمية، وكذا تهديده، بل وانتهاكه لمبدأ التعددية.

“China in BRICS: A threat to US Power?” (Hsu, Sara.2015)[8]

سعت هذه الدراسة إلى توضيح حقيقة سياسة الصين في تكتل البريكس التي ينظر البعض إليه على أنه وسيلة يمكن من خلالها الصين ممارسة سلطتها خارج المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة. وقد يشير إنشاء مجمع احتياطي من العملات الدولارية لتجنب الحاجة إلى إنقاذ صندوق النقد الدولي إلى هذا الاتجاه، أو حتى مشاركة الصين العميقة مع روسيا في القضايا الاقتصادية يمكن أن ينظر إليها على أنها تجنب للسياسة الأمريكية تجاه روسيا التي فرضت مرة أخرى بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا لضمها شبه جزيرة القرم في ٢٠١٤. ورأت أن تلك القضايا الاقتصادية وقضايا السياسة الخارجية معقدة للغاية بحيث لا يمكن النظر إليها على أنها “تتبع القيادة الأمريكية”، أو “ضد القيادة الأمريكية”. وتحاول الصين في مجموعة البريكس تعزيز التنمية الاقتصادية والسياسية للأسواق الناشئة التي هي بحكم تعريفها ليست جزءًا من مجموعة الدول الغربية المتقدمة النمو. ولهذه البلدان نهجها الخاصة في التعامل مع العلاقات الدولية، ولا يبدو أنها تعمل كهيئة معادية للغرب. وترى أن الصين تعاملت بشكل مرن في قمة تكتل البريكس ٢٠١٥ تصرفت الصين في قمة مجموعة البريك بشكل مثمر، ورأت أن تعزيز النشاط الاقتصادي في مختلف المناطق العالمية يساعد على توليد النمو في أماكن أخرى؛ لأن النمو ليس لعبة محصلتها صفر. وينبغي النظر إلى الصين في تكتل البريكس نظرة إيجابية وليس على أنها تهديد.

“Post-Pandemic Geopolitics”(Nye, S. Joseph. 2020)[9]

ترى هذه الدراسة أن تقديرات التأثيرات على المدى الطويل للجائحة الحالية ليست دقيقة؛ ويضيف أنه لا يوجد تصور مستقبلي واحد مضمون الحدوث حتى عام (2030) وبدلاً من ذلك تتنبأ بإمكانية حدوث خمسة سيناريوهات محتملة كالتالي:

نهاية النظام الليبرالي العالمي، استبداد سلطوي يشبه فترة الثلاثينات، نظام عالمي تهيمن عليه الصين، أجندة دولية خضراء.

التعقيب على الدراسات السابقة: –

من خلال العرض لبعض الدراسات نرى تباينًا حول حقيقة تكتل البريكس إزاء النظام العالمي والهيمنة الأمريكية، حيث نرى قبولًا لوضع هذه القوى الدولية الصاعدة وقيامها بصياغة لاستراتيجية تسعي إلى تحقيق تنمية اقتصادية وسياسية بعيدًا عن منظمات بريتون وودز ودول الغرب، وأنها تسعي لتصحيح ومعالجه هذا الوضع. ونرى رفضًا وعدم قبول لحالة تلك التكتل؛ لأنه في نظر البعض فشل في تحقيق القيادة الدولية، وأن بعض دوله تعاني من قلاقل اجتماعية وسياسية، بل واقتصادية خطيرة. وترى أخرى، أن تكتل البريكس متمثلًا في دولة الصين سيشكل تهديدًا للولايات المتحدة خصوصًا في خضم الجائحة، وتراجع هيبة أمريكا وانتهاكها الصريح لمبدأ التعددية.

الإطار النظرى المُفسر لتكتل البريكس في العلاقات الدولية: –

أولًا، نظرية الإقليمية الجديدة New Regionalism

لا يمكن إنكار أن الاهتمام المعاصر بالتكتلات الإقليمية، أو ما يسمى بالنزعة الإقليمية الجديدة يمثل اتجاهاً هاماً في العلاقات الدولية المعاصرة، حيث تزامن الاهتمام العلمي في هذا المجال مع إنشاء عدد من المنظمات الإقليمية، مثل اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) والسوق المشتركة لأمريكا الجنوبية (MERCOSUR) وكلاهما أنشئ في عام 1991، وتكتل البريك ٢٠٠٦ ((BRIC. وقد ارتبط الاهتمام الأكاديمي بالإقليمية الجديدة بعدد من التغيرات العالمية، بما في ذلك نهاية الحرب الباردة، وزيادة الترابط الاقتصادي بين الدول، وإنشاء العديد من المنظمات والاتفاقيات الإقليمية، والعولمة.

يعرّف بجورن هيتن، أحد كبار روّاد الإقليمية الجديدة على أنّها “عمليّة متعدّدة الأبعاد لتحقيق التكامل الإقليمي، والتي تشمل الجوانب الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية.” يمكن تعريف الإقليمية الجديدة كذلك بوصفها “عمليّة معقّدة تنطوي على محاولة توحيد مجموعة من الدول أو إرساء التعاون فيما بينها.” تحدث هذه العملية نتيجة تفاعل هذه الدول مع المتغيرات العالمية والإقليمية المتسارعة التي قد تستوجب الدخول في تكتلات لاجتناب أثارها السلبية، أو لمواكبة التطورات الحاصلة في شتى المجالات.

وفقًا لمانويلا سبيندلر، أصبحت الإقليمية الجديدة منطقية في العصر الحديث لأن العالم الذي نعيش فيه هو عالم إقليمي (أي مقسم إلى العديد من المناطق الاقتصادية). وبالتالي، فإن النزعة الإقليمية الجديدة عند سبيندلر تشير إلى زيادة التكامل الاجتماعي بين الدول نتيجة لزيادة التفاعل الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن العولمة على نطاق إقليمي.

العوامل المؤثّرة في تكوين المنظمات والتكتلات الإقليميّة:

تتفاوت أسباب تشكيل المنظمات والكتل الإقليمية وفقًا للوقت والمنطقة.

تاريخياً، كانت الدوافع العرقية والثقافية القائمة على وحدة الأصل واللغة والدين هي الخط الفاصل في تشكيل التحالفات والتكتلات، كما رأينا في الشرق الأوسط بشكل عام. وهناك أيضًا دوافع أمنية وجيوسياسية تنبع من حاجة التكتل إلى الدفاع عن نفسه من أجل مواجهة تهديد مشترك أو لمنع الحروب داخل الإقليم نفسه، وهو ما ينطبق عموماً على أوروبا في مراحل تاريخية مختلفة. وعلاوة على ذلك، فإن العامل الجغرافي كان عنصراً هاماً في عملية قيام التكتلات في الماضي، وقد فقدت هذه العوامل الآن الكثير من بريقها ولم تعد متناسبة مع عصر العولمة والسرعة. وقد سهلت التكنولوجيا الحديثة الاتصال والتفاهم بين الشعوب التي لا تحتاج إلى الوحدة أو الانتماء إلى دولة معينة في المقام الأول. وفي حين أن تحديد المناطق والأقاليم يرتبط عادة ارتباطاً جغرافياً بالدول كما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فقد أصبح من الواضح أن عدم الاتساق الجغرافي بين الدول لا يتطلب بالضرورة عدم قدرتها على التعاون، وأن ربطها بالحدود لا يعني قدرتها على الاندماج إقليمياً. إن المعيار الجغرافي، بوصفه شرطاً مسبقاً لعملية التكامل الإقليمي في الماضي، لم يفسر التعاون والترابط بين الدول من جهة، ومواكبة التغيرات الهيكلية في النظام العالمي من جهة أخرى، ولا سيما مع ظهور العولمة.[10]

ثانيًا، نظرية الواقعيةTheory of the Realism

الواقعية السياسية بشكل عام هي تيار فكرى وفلسفي قديم ترجع أصوله إلى عدة قرون مضت.    يمكن إرجاع أسس الفكر الواقعي إلى الفيلسوف والمفكر اليوناني ثوسيديدس Thucydides الذي عاش من 460-400 قبل الميلاد ويصف كتابه “تاريخ الحرب البيلوبونيزية” الحروب بين أثينا وإسبارطة؛ بسبب الصراع على القوة. كان للواقعية نصيباً كبيراً من أفكار ميكيافيللي Niccolò Machiavelli في بداية القرن السادس عشر والفيلسوف الانجليزي توماس هوبز Thomas Hobbes في القرن السابع عشر. فقد اعتبر ميكيافيللي أن كل مجال يخضع لمعيار محدد، وأن السياسة ظاهرة لها مجالها وقوانينها الخاصة التي ليس لها علاقة بالقيم المستمدة من الدين والأخلاق، فالسياسة تقوم على معيار الصديق والعدو الذي يحدده منطق المصلحة والقوة، عكس الأخلاق التي تقوم على الخير والشر.[11]

الواقعية الكلاسيكية: –

ترجع بداية ظهور هذه المدرسة أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد ظهور كتاب السياسة بين الأمم The Politics Among Nations لمورجانثو عام ١٩٤٨.

أولًا وقبل كل شيء، الواقعية هي تيار فكرى مهم تعمل على تحليل العلاقات الدولية. في الواقعية الكلاسيكية، الدولة القومية هي الفاعل الرئيسي، حيث يتأثر الواقعيون بأصحاب النزعة الدولاتية Statism. اهتمامهم الرئيسي هو بقضايا الأمن والقوة. إن هذه النظرة إلى العالم لا تهتم بأخلاق الدولة، وتسعى الدول إلى تعظيم قوتها مقارنة بالدول الأخرى. الواقعيون مثل توماس هوبز ينظرون إلى البشر على أنهم أنانيون بطبيعتهم ومهتمون بالحفاظ على مصالحهم الخاصة. في كتاب الليفياثان أو الوحش الأسطوري، يصف هوبز البشر بأنهم أنانيون للغاية، ويقول بأن الإنسان هو ذئب لأخيه الإنسان “A man is wolf to another man”.[12]

كما تُركز الواقعية الكلاسيكية على الفوضى في السياسية الدولية، أي غياب الحكومة حرفياً. مفهوم النظام الفوضوي يأتي من أعمال توماس هوبز. يفترض هوبز أن الحالة الطبيعية للعالم هي حالة بدون حكومة حيث كل رجل يساوي الآخر. في هذا العالم، يمكن لأي فرد أن يستخدم القوة لكسب ما يرغب فيه. وتركز أعمال هوبز في المقام الأول على العلاقات بين الأفراد والدولة. ولكن كتاباته يمكن تطبيقها على العلاقات داخل النظام الدولي أيضًا. ومن وجهة نظر الدولة، فإن هذا يعني أن الدول تحتاج إلى الاعتماد على نفسها وأن تكون مسؤولة عن بقائها، حيث لا يوجد مؤسسة دولية ستسهر وتتدخل لحماية مصالح الدولة نيابةً عنها. ولأن الدولة يجب أن تحمي مصالحها وأمنها، فإن القوة تصبح العنصر الحاسم في العلاقات الدولية. وستكون الدول التي لديها المزيد من القوة أكثر قدرة على حماية نفسها ومصالحها، وستكون الدول ذات القوة الأقل في وضع غير ملائم. وعندما تحاول الدول حشد المزيد من القوة في عالم واقعي، يتعين عليها أيضًا أن تنخرط في موازنة القوة لردع التهديدات المحتملة.

توازن القوى هو تكتيك تستخدمه الدول لتقليل التهديد الذي يشكله منافس يسعى إلى تعظيم مكاسبه الخاصة في حالة ما. يمكن تحقيق توازن القوة مع القوة العسكرية والثروة المالية والتحالفات الاستراتيجية ومجموعة متنوعة من الأساليب الأخرى مثل إدراك الدول الأخرى لهذا التوازن. كما يرى مورجانثو وهو رائد الواقعية الكلاسيكية أن النظام ثنائي القطبية سيؤدى إلى نشوب الحروب على عكس النظام متعدد الأقطاب الذي سيسعى فيه كل قطب إلى زيادة قوته على حساب الآخر الأمر الذي يتعارض مع رؤية كينيث والتز في الواقعية البنيوية.[13]

الواقعية البنيوية

الواقعية البنيوية والمعروفة أيضًا باسم الواقعية الجديدة، هي نسخة من الفكر الواقعي الذي ينص على أن العنصر الأكثر أهمية في العلاقات الدولية هو القوة. تم تطوير هذه النظرية من قبل كينيث والتز في كتاب نظرية السياسة الدولية عام 1979. في الواقعية البنيوية، يتم النظر إلى بنية النظام الدولي على أنها فوضوية. أيضًا من خلال “توزيع القدرات” التي يمكن قياسها بعدد القوى العظمى في النظام.

الواقعية البنيوية الجديدة

تشمل الواقعيين الهجوميين والدفاعيين، ويختلفون حول كيفية سعي الدول إلى القوة النظام الدولى ذا الطبيعة الفوضوية.

والواقعية الهجومية طرحها جون ميرشيمر في كتابه مأساة سياسة القوى العظمى يعتقد الواقعيون الهجوميون أن الدول تسعى إلى تعظيم القوة من خلال الهيمنة في محاولة لخلق الأمن. يعتقد الواقعيون الهجوميون أن الأمن نادر في النظام الدولي، ويجب على الدول أن تتخذ نهجاً هجومياً لتأمينه. وتهدف الدول إلى تعظيم قوتها حتى تصبح الدولة المهيمنة في محاولة لخلق الأمن من خلال الهيمنة على منافسيها. ولذلك فإن كل قوة عظمى لديها هدف تحقيق الهيمنة، لأن هذا هو الموقف الوحيد الذي يمكن فيه تحقيق الأمن الحقيقي لأن الدول الأضعف ستكون أقل احتمالاً لرؤيتها كهدف. يقول ميرشايمر باقتدار: “سرعان ما تفهم الدول أن أفضل طريقة لضمان بقائهم على قيد الحياة هي أن يكونوا أقوى دولة في النظام”.[14]

الواقعية الدفاعية من ناحية أخرى، تعتقد أنه من مصلحة الدولة اتباع سياسات معتدلة للحصول على الأمن بسبب البنية الفوضوية للنظام الدولى. وهذا يعني أن التوسع العدواني الذي تفضله الواقعية الهجومية لا يتماشى مع المنظور الواقعي الدفاعي حيث ينظر إليه على أنه لديه القدرة على قلب نظرية توازن القوى ويخفض أمن الدولة. ويعتقد أن الموقف المعتدل الذي يفضله الواقعيون الدفاعيون يسمح للدول بتجنب المعضلات الأمنية من خلال عدم قيام الدول الأخرى بأعمال عدوانية. وإذا كان الواقعيون الهجوميون يسعون إلى تعظيم القوة، فإن الواقعيين الدفاعيين يسعون إلى تحقيق أقصى قدر من الأمن. فقد اندمجت القوة بعمق في النظرية الواقعية للعلاقات الدولية التي مفادها أن الواقعية كثيراً ما ينظر إليها على أنها دراسة القوة.

وقد وصف جون ميرشايمر المدرسة الواقعية بقوله: “إن الحسابات حول القوة تكمن في صميم الطريقة التي تفكر بها الدول في العالم من حولها”. وعند النظر إلى القوة من فهم الواقعية البنيوية، يمكن النظر إلى العلاقات الدولية باعتبارها صراعاً مستمراً على القوة. ومع ذلك الواقعيين البنيويين لا يعتقدون أن هذا يرجع إلى الطبيعة البشرية، بل يكمن الصراع بسبب الطبيعة الفوضوية للنظام الدولى عكس الواقعيين الكلاسيكيين. غالبا ما يعتمد الواقعيون البنيويين الجدد مثل الواقعيين البنيويين على فهم أن القوة هي مقدار القدرات التي تمتلكها الدولة لتحقيق مصالحها على الساحة الدولية. ويمكن أن تكون القدرات مجموعة واسعة من الأدوات أو الموارد، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، القوة العسكرية والاقتصادية والعقوبات والاستثمارات والصفقات التجارية وما إلى ذلك.

ثالثًا، نظرية تحول القوة Power Transition Theory

يرى الأكاديمي والمحلل السياسي أبرامو أورجانسكي في نظرية تحول القوة (PTT) التي اقترحها لأول مرة في كتابه: السياسة العالمية World Politics للذي نشره عام ١٩٥٨، ويؤكد فيه على أهمية عامل القوة ويفترض أنها هي القاعدة الأساسية التي تتمحور حولها سياسات الدول والتي تتحكم في صياغة العلاقات الدولية. وقد وصفت الأطروحات التي صاغها كما ذكرنا باسم ” نظرية تحول القوة ” The Power transition theory التي حملت عدة تصورات للعلاقة بين ما تمثله مسألة التكافؤ أو التفاوت في القدرات ودرجة القناعة بوضعها داخل النسق الدولى وبين احتمالات الصراع بين الدول.

في هذه النظرية قسم أورجانسكي الدول في تسلسل هرمي Hierarchy إلى أربع مجموعات من حيث القوة، وأي دولة تتواجد في أحد هذه الأنماط:[15]

أ- دولة مهيمنة Dominant State

ب- قوى عظمى Grate Powers

ج- قوى متوسطة Middle Powers

د- قوى صغيرة Small Powers

وعلى عكس نظرية توازن القوى Balance of Power التي يبني – عليها الواقعيون افتراضاتهم تأت نظرية تحول القوة The Power Transition لتمثل عائقاً وتحدياً لنظرية الواقعية البنيوية، فهو يرى أن توازن القوى لا يقود إلى السلام، بل بالعكس يرى أن هذا التوازن غالبا ما يؤدي إلى الحرب، خاصة عندما تمتلك إحدى القوى العظمى ما يجعلها في حالة من التعادل Power Parity أو التفوق على الدولة المهيمنة وتحاول أن تحل محلها في النظام الدولي. بل أن أورجانسكي يعتقد الفترات التي شهدت تفوقا لأحد أطراف النظام الدولي على باقي الدول هي فترات السلم والاستقرار، وأن فترات التوازن في العلاقات الدولية هي فترات الحرب، حيث يرى أورجانسكي أن حالة التفوق وما تعكسه تفاوت ملحوظ في القوة من شأنها أن تثبط أو تثني الأطراف الضعيفة عن المقامرة بشن الحرب بسبب إدراكها للنتائج الكارثية ستنجم عن تورطها في الحروب، وفي نفس الوقت فإن الأطراف القوية لن تكون بحاجة إلى شن الحروب بسبب قدرتها على حسم المواقف عبر الضغوط أو الوسائل الأخرى دون الاضطرار للجوء إلى الحرب.

ويذهب أورجانسكي إلى أن احتمالات نشوب حرب بين دولتين إحداهما قوية وأخرى أقل قوة وغير قانعة بوضعها – تزداد حينما تنمو قوة الأخيرة حد يمكنها تحدي الدولة الأقوى، فحينما تمتلك دولة ما قدرات جديدة تبدأ في تحدي الدولة المهيمنة، وحينما تستشعر الدولة المهيمنة تحول میزان القوى لغير صالحها فإنها ستسعى لوقف هذا التحول بتوجيه ضربة استباقية لإجهاض الدولة التي تزداد قوقا… بمعنى أنها لن تدعها تهنأ وستسعى لاستعادة الموقف والعودة لوضع التفوق على الدولة التي تجاوزتها، وهكذا. ویری أوراجنسكي أن قرار الحرب غالبا ما يُتخذ من قِبل الدولة الأضعف لا الأقوى فالدولة الأقوى من وجهة نظره لا تميل إلى أن تسلك سلوكاً عدوانياً وتتبنى توجهات سلمية حتى وإن كانت تعمل للحفاظ على تفوقها!

قسم أورجانسكي مراحل تحول القوة إلى ثلات مراحل رئيسية، وأكد أن الدول التي شهدت تحولًا في القوة قد مرت بتلك المراحل وهي:[16]

مرحلة القوة الكامنة. Potential Power Stage

مرحلة النمو الانتقالي. Transitional Growth Stage

مرحلة نضج القوة. Power Maturity Stage

ثانيًا، نظرية الهيمنة Hegemony Theory

في مجال العلاقات الدولية، تشير الهيمنة إلى “قدرة جهة فاعلة ذات قدرة هائلة على تشكيل النظام الدولي من خلال وسائل قسرية وغير قسرية على حد سواء”. وعادة ما يكون هذا الفاعل دولة، ولكن في بعض الحالات يمكن أن يشير “الفاعل” إلى كتلة مثل الاتحاد الأوروبي حيث يوجد مجتمع سياسي موحد وعمليات خارجية لصنع القرار. تهيمن الدول المهيمنة على الساحة الدولية من خلال التأثير على الدول الأخرى، ولكن ليس من خلال السيطرة على دولة أخرى أو أراضيها مباشرة. وعلى النقيض، تحاول الصين القيام بهذا الدور من خلال التعاون مع دول تكتل البريكس، ولكن عن طريق الأدوات الغير قسرية تجاه كيانات سياسية في الشرق الأوسط، وأفريقيا، بل وحتى أوروبا.

في هذا السياق يرى المفكر الإيطالي أنطونيو جرامشي Antonio Gramsci أن الهيمنة لا تتحقق فقط عبر القوة المسلحة أو الوسائل القهرية، وأوضح أن الهيمنة على المستوى الداخلي قد تتحقق بواسطة القوة والرضا سواء بشكل منفرد أو بشكل متزامن في آن واحد، فقد تعمد الدولة إلى تحقيق الهيمنة أو التحكم في المحكومين أو طبقة معينة من المحكومين عبر الرضا. ويرى جرامشي أن الهيمنة هي حالة قوامها قوة سياسية منشأها القيادة الفكرية والأخلاقية والإجماع. وفيما يتسق مع تعریف جرامشي نرى أنه أضاف الطابع الأخلاقي على الهيمنة بكونها “القيادة الأخلاقية فإننا نجد آخرين يضفون الطابع الرضائي في تعريفهم للهيمنة، حيث نجد الأكاديمي والدبلوماسي البريطاني روبرت کوکس Robert W. Cox الذي يعرف الهيمنة بأنها نظام قائم على أساس رضائي في المقام الأول.[17]

مفهوم البريكس: –

البريكس BRICS هي اختصار للحروف الأولى الأجنبية للدول المؤلفة للمجموعة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. البريكس مجموعة مستقلة تُشجع التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي. تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب ٤١,5 % من سكان الأرض، عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة فى يكاترينبورغ روسيا في حزيران ٢٠٠٩. ومن المتوقع بحلول عام ٢٠٥٠ أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حالياً – وفقًا للاقتصادي الإنكليزي جيم أونيل حيث كان أول من استخدم هذا المصطلح في عام ٢٠٠١.[18] وكان الجانب الروسي هو الذي بدأ إنشاء مجموعة البريكس.

نشأة البريكس: –

ظهر مصطلح بريك “BRIC” لأول مرة عندما صاغه في ٣٠ نوفمبر عام 2001 رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس آنذاك (جيم أونيل Jim O’Neill الاقتصادي البريطاني) في تقريره الذي صاغه بعنوان “بناء مراكز اقتصادية عالمية أفضل”.[19] وأشار إلى أنه من المتوقع أن تنمو دول مجموعة بريك بسرعة أكبر من مجموعة السبع والتي تشمل كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي عام 2003، كتب دومينيك ويلسون وروبا بوروشوتهامان تقريراً بعنوان “الحلم مع بريك: الطريق إلى عام 2050″، نشره بنك جولدمان ساكس مرة أخرى زاعمين أنه بحلول عام 2050 يمكن أن تنمو مجموعة BRIC إلى حجم أكبر من مجموعة السبع عند قياسها بالدولار الأمريكي. وبالتالي، فإن أهم الاقتصادات في العالم سوف تبدو مختلفة اختلافاً جذرياً في غضون أربعة عقود، حيث لم تعد أكبر القوى الاقتصادية العالمية من حيث نصيب الفرد من الدخل أغنى الدول.[20]

تشكيل البريكس: –

في 20 أيلول/سبتمبر 2006 بدأت المشاورات لتأسيس المنظمة؛ حيث عُقِدَ الاجتماع الوزاري الأول لمجموعة البريك بناءً على اقتراح من الرئيس الروسي ديميترى ميدفيديف على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وشارك في الاجتماع وزراء خارجية روسيا والبرازيل والصين ووزير الدفاع الهندي في نيويورك مدشنين بذلك سلسلة اجتماعات لاحقة للتشاور حول تأسيس المنظمة؛ مما أدى إلى عقد المزيد من القمم السنوية الرسمية بدايةً من عام 2009. وفي عام 2008 عقد اجتماع في مدينة ييكاترينبرغ الروسية، ثم تبع ذلك أول مؤتمر قمة لدول المجموعة في 16 يونيو/حزيران عام 2009، وفي عام 2010 بدأت جنوب إفريقيا التفاوض حول الانضمام إلى المجموعة، وهو ما تم رسمياً في 24 ديسمبر/كانون أول عام 2010. وبصفة عامة، تُعقد هذه الاجتماعات؛ لتحسين الظروف الاقتصادية داخل بلدان مجموعة البريكس وإعطاء قادتها الفرصة للعمل بالتعاون فيما يتعلق بهذه الجهود. تبلغ مساحة تكتل البريكس مجتمعة 39,746,220 كم2 (15,346,101.0 ميل مربع) ويقدر إجمالي عدد سكانها بنحو 3.21 مليار نسمة، أو حوالي 26.656٪ من مساحة الأرض في العالم و41.53٪ من سكان العالم.  أربعة من أصل خمسة أعضاء هم من بين أكبر عشرة بلدان في العالم من حيث عدد السكان والمنطقة، باستثناء جنوب أفريقيا هي الرابع والعشرين في كليهما.

بريكس ليس لديه سكرتارية أو ميثاق. ومنذ تأسيسها، تقوم الدولة التي تترأس المجموعة بتنظيم القمة التي تستضيفها ويتم التنسيق على اختيار الدولة التي ستعقد القمة المقبلة بعد نهاية كل قمة، حيث تُعقد القمم بشكل سنوي. كما تختلف مجموعة البريكس كثيراً عن بقية أشكال التجمعات والتحالفات والمنظمات التي شهدتها الساحة الدولية من قبل فهذه الدول الخمس بينها رابط ثقافي مهم، وهو أنها لا تنتمي إلى «دائرة الحضارة الغربية»، بل تشكل مزيجاً متميزاً من حضارات مختلفة، حيث قمة الحضارة الشرقية العريقة: الهندوسية في الهند والبوذية في الصين، والحضارة السلافية الأرثوذكسية المتميزة عن الشرق والغرب معاً في روسيا، والحضارة الغربية اللاتينية في البرازيل التي يتميز شعبها بثقافة وفنون متميزة كثيراً حتى عن الدول المحيطة بها، والحضارة الأفريقية في جنوب أفريقيا. لكن المؤكد أن الرابط السياسي الذي يربط هذه الدول الخمس، والذي على أساسه نشأت هذه المجموعة، هو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، هذه الهيمنة التي تسببت في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات يعاني الكثير من أجل الخروج منها أنها لا يربطها نطاق جغرافي أو إقليمي. لذا يُمكن أن نسبغ عليها مصطلح المنظمة العابرة القارات، أو بالأحرى المنظمة المرنة.

المقر: شنغهاي

عدد اللغات الرسمية: اللغة الروسية، البرتغالية، الإنجليزية، الهندية، الماندرين الصينية.

أهداف تكتل البريكس: –

تقديم المساعدة المالية للدول الأعضاء.

تقديم المساعدة المالية الدول غير الأعضاء.

تنمية الدول الأعضاء.

التعاون مع الدول الأعضاء من أجل التجارة والتنمية.

دعم المشاريع والبنية التحتية للدول الأعضاء.

تحقيق التكامل الاقتصادي

هناك توقعات أن تنتج بلدان مجموعة البريكس ٥٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، بالرغم أن مجموعة دول مجموعة البريكس ليست سوقاً مشتركة للتجارة الحرة. وقد نُوقِشَ موضوع “منطقة التجارة الحرة” المحتملة داخل مجموعة البريكس على أعلى المستويات على الأقل منذ عام 2015، عندما ذكر نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي أن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يكون ممكناً “في غضون 5 سنوات”، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن، ويمكن القول إن البريكس تتبني التجارة التفضيلية كباكورة لتحقيق أهداف التكامل الاقتصادي وذلك من خلال العمل على تخفيض الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء Reducing tariffs” “. وفي العقد الماضي، زادت التجارة داخل مجموعة البريكس بأكثر من الضعف، حيث ارتفعت من 168 مليار دولار أمريكي في عام 2008 إلى 353 مليار دولار أمريكي في عام 2018 عندما بلغت ذروتها. وبالنظر إلى الأهمية العالية لتجارة السلع الأساسية داخل بلدان مجموعة البريكس لعبت طفرة السلع الأساسية التي شهدتها حتى 2013-2014 دوراً هاماً في هذا النمو الإجمالي. وعلى هذا النحو، انخفضت التجارة داخل مجموعة البريكس في 2015 و2016، لتعافت من اتجاه تصاعدي في السنوات التالية. عند مقارنة التجارة داخل مجموعة البريكس في 2008-2018 يُمكن ملاحظة أن معدلات النمو قد انخفضت بشكل كبير بعد عام 2012، حيث ركزت بعض دول مجموعة البريكس على التدفقات التجارية على شركاء مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وعلاوة على ذلك، فإن السمة الرئيسية للتجارة داخل مجموعة البريكس هي مركزية الصين كمصدر ومستورد رئيسي، تمثل حالياً الشريك التجاري الرئيسي لكل بلد من بلدان مجموعة البريكس.[21] بلغت قيمة الاستيراد والتصدير الإجمالية لمجموعة البريكس 2339183 مليون دولار أمريكي و2902801 مليون دولار أمريكي على التوالي في عام 2016.Source: Export Genius[22]

يختلف حجم مبيعات التجارة الإلكترونية بشكل كبير داخل مجموعة البريكس. في عام 2016، كانت مبيعات التجارة الإلكترونية بالتجزئة أكبر بالنسبة للصين حيث بلغت 376 مليار دولار أمريكي تليها الهند وروسيا بنحو 16 مليار لكل منهما، والبرازيل ب 14 وجنوب أفريقيا بملياري دولار. وعلى الرغم من أن جميع بلدان مجموعة البريكس قد أظهرت نمواً في مبيعات التجارة الإلكترونية بالتجزئة في السنوات الأخيرة، فإن مبيعات الصين من التجارة الإلكترونية تتجاوز كثيراً مبيعات بلدان مجموعة البريكس الأخرى. وعلى الرغم من أن هذا يرجع في المقام الأول إلى حجم السوق الكبير، وانخفاض تكلفة السلع، وتحسين البنية التحتية للتجارة الإلكترونية كتوفير موقع الكتروني Alibaba.com، إلا أن هناك مجالاً لتعزيز التعاون بين الصين وغيرها من بلدان مجموعة البريكس لمزيد من تطوير التجارة الإلكترونية، وبالطبع هذه يوضح مدى اهتمام هذه المجموعة بالتحول الرقمي في مجال التجارة والاقتصاد.[23]

للبريكس أهدافٌ سياسية تتمثل في: –

مُكافحة الإرهاب: تم الدعوة لتوحيد الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب في إطار الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب، وفقًا لجميع القرارات الصادرة في هذا المجال عن مجلس الأمن، مع التشديد على ضرورة إتباع رؤية تشاركية خالية من ازدواجية في المعايير. اتضح هذه أكثر في الوثيقة المعلنة لمكافحة الإرهاب في القمة الثانية عشر عبر الفيديو كونفرانس بين دول البريكس عام ٢٠٢٠.[24]

تسوية الأزمات الدولية: بخصوص الملف النووي الإيراني، ومسألة إبرام اتفاق شامل في إطار المفاوضات بين إيران وأمريكا، فعبرت بريكس آنذاك عن اقتناعها التام بأن تسوية هذا الملف مع رفع العقوبات الغربية عن طهران من شأنه أن يعزز السلم والأمن الإقليمي والدولي.[25] كما دعت دول “بريكس” إلى وقف العمليات القتالية واستئناف المفاوضات في اليمن من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع. وأعربت عن قلقها إزاء الأزمة الإنسانية الحادة المستمرة في البلاد. ودعت إلى توفير الإمكانية لنقل المساعدات الإنسانية إلى كافة أنحاء البلاد. وأضافت أن على كافة الأطراف احترام القانون الدولي، وكذا الأزمة السورية، والقضية الفلسطينية.[26]

المؤسسات المالية لتكتل البريكس: –

في قمة مجموعة البريكس السادسة التي عُقِدَتْ في مدينة فورتاليزا البرازيلية في يوليو/تموز 2014، أعلنت البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا رسمياً عن إنشاء بنك للتنمية الجديدة وصندوق ترتيب احتياطي للوحدات. وصورت الوثائق الرسمية المبادرتين على أنهما تُكملان المؤسسات المالية والاقتصادية القائمة. بيد أنها ستعزز، في الأجل القصير من الاستقلال الذاتي للبلدان النامية فيما يتعلق بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وقد تمثل على المدى الطويل التوصل إلى واقع ملموس لمجموعة جديدة من المبادئ التي ستوجه العلاقات الاقتصادية بين الدول في القرن الحادي والعشرين.

بنك التنمية الجديد New Development Bank

نشأ هذا البنك بموجب اتفاقية عُقِدَتْ بين دول البريكس في مدينة فورتاليزا البرازيلية عام ٢٠١٤. من حيث المبدأ، يعالج هيكل بنك التنمية الوطني الحالات الشاذة التي أنشأها أعضاء مجموعة البريكس كبنك مقابل للبنك الدولي World Bank. رأس المال الأولي المصرح به للبنك هو 100 مليار دولار مقسمة إلى مليون سهم بقيمة تعادل 100،000 دولار لكل سهم. يبلغ رأس المال المكتتب الأولي لبنك التنمية الوطني 50 مليار دولار مقسمة إلى أسهم مدفوعة الأجر (10 مليارات دولار) وأسهم قابلة للتداول (40 مليار دولار). ووزع رأس المال الأولي المكتتب فيه للبنك بالتساوي بين الأعضاء المؤسسين. وينص الاتفاق بشأن بنك التنمية لتكتل البريكس على أن كل عضو سيكون له صوت واحد لا يتمتع به أحد أي حق النقض.[27] وتم اختيار شنغهاي كمقر للبنك الجديد، فإن أول رئيس للبنك كان هندياً، وأول رئيس لمجلس المحافظين كان من روسيا وأول رئيس لمجلس الإدارة كان من البرازيل، وأول مركز إقليمي للبنك كان في جنوب أفريقيا.

أهداف بنك التنمية الجديد: –

أولًا، يهدف هذه البنك إلى تحقيق التنمية الاقتصادية لتكتل البريكس، وكل الدول النامية التي تسعي إلى تحقيق تنمية وهذا يبرهن على قدرة وديناميكيات مجموعة البريك على الرغم من كل الشكوك والانتقادات في السنوات الأخيرة. إن بعض الانتقادات تتمثل في وجهات نظر مختلفة بين الأعضاء كدليل على وجود مشاكل خطيرة للبنك، ولكن يمكن الرد على هذا الانتقاد أنه صحيح هناك دائمًا آراء ووجهات نظر مختلفة بين بلدان مجموعة البريكس، تماماً كما توجد اختلافات بين أعضاء مجموعة السبع.

ثانيًا، يبرهن بنك بريكس على الزعامة العالمية للصين. ونظرًا لحجم الصين الضخم وتطورها السريع، فليس هناك شك في أن العالم يحتاج حقًا إلى زعامة الصين. إن ما يتعين على الصين أن تكون حريصة عليه هو الحفاظ على التوازن بين تأثيرها على البنك وتأثير الأعضاء الآخرين. وبالتالي فمن الأهمية بمكان بالنسبة للصين أن تتجنب الانطباع بأن الصين تهيمن على بنك بريكس. وعلى عكس الولايات المتحدة، لا ينبغي للصين أن تحاول فرض إرادتها وقواعدها على الأعضاء الآخرين والبلدان النامية التي تسعى للحصول على تمويل من البنك. وهذا هو الحال بشكل خاص عندما يكون لدى أعضاء مجموعة البريكس مصالح متباينة وحتى مصالح متضاربة (مثل النزاعات الإقليمية بين الصين والهند) فيما بينهم. ولا ينبغي للصين أن تستخدم بنك بريكس كمنصة للنهوض بمصالحها الوطنية فقط.[28] ثالثًا، بنك بريكس مهم لأنه يشكل تحدياً مباشراً للنظام العالمي الذي يقوده الغرب. ويرى الكثيرون أن بنك بريكس الجديد استجابة للإصلاحات الفاشلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ لأن الدول الصاعدة مثل الصين والهند لا تستطيع زيادة نفوذها داخل هاتين المؤسستين.

ترتيب احتياطي الوحدات The Contingent Reserve Arrangement

هو مماثل لصندوق النقد الدولي، فهو يهدف إلى مساعدة البلدان على التعامل مع ضغوط ميزان المدفوعات على المدى القصير. ويبلغ موارده الأولية الملتزم بها 100 مليار دولار أمريكي موزعة على النحو التالي: الصين 48 مليار دولار أمريكي. البرازيل وروسيا والهند، 18 مليار دولار أمريكي. وجنوب أفريقيا، 5 مليارات دولار أمريكي. وعلى الرغم من أن الصين قد ساهمت بأكبر مبلغ من المال، فإن عملية صنع القرار التي يقوم بها مجلس محافظي اللجنة تستند إلى توافق في الآراء. وعلى مستوى اللجنة الدائمة، ينبغي في بعض المسائل حل عدم التوصل إلى توافق في الآراء من خلال التصويت المرجح، حيث يتم ترجيح الأصوات حسب الأسهم التي يمتلكها كل مساهم. وبالمقارنة مع صندوق النقد الدولي، لا يمكن أن يكون الوضع مماثلًا.

مجموعة البريكس والمنظمات الدولية: –

لقد أُنشئت العديد من المنظمات الدولية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهم متميزون عن وكالات الأمم المتحدة المتخصصة مثل منظمة العمل الدولية. فالمنظمات الدولية المُستقلة هي على سبيل المثال، اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، مؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية للملكية الزراعية – وكالة ضمان الاستثمار المتعددة الأطراف، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وصندوق النقد الدولي، واليونسكو – ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، ومنظمة الصحة العالمية، على سبيل المثال لا الحصر.

إن التفاهم المشترك هو الذي يؤهل المنظمة للاعتراف بها كمنظمة دولية هو أنه يجب أن يكون لديها أعضاء، و “دستور” أو ” ميثاق” (عادةً من خلال معاهدة بين أعضائها) ونتيجًة لذلك نصبح أمام شخصية قانونية دولية. وبالتالي، يجب أن تخضع المنظمات الدولية للقانون الدولي الذي يُميزها عن المنظمات غير الحكومية التي تنشأ من قبل أطراف خاصة في ظل سيادة القانون الوطني أو النظام القانوني الوطني المختار. ويجب أن تكون المنظمات الدولية قادرة على تكوين إرادة خاصة بها واتخاذ إجراءات خاصة بها، ولهذا فإنها تحتاج إلى جهاز واحد على الأقل لاتخاذ القرار، ولكنها ستعتمد دائمًا على توافق آراء الدول الأعضاء المكونة لها.

وعلى النقيض من ذلك، تفلت المنظمات الدولية المستقلة من سيطرة الدول الأعضاء فيها، حيث يسمح لها بالعمل والتصرف بمبادرة منها. ولا شك أن مجموعة البريكس تشكل أو تعتبر بمثابة منتديات جديدة غير رسمية مهمة للتعاون الدولي. ومن الواضح حتى الآن أن مجموعة البريكس لا تتمتع بشخصية قانونية داخل دولها الأعضاء (الشخصية القانونية الداخلية)، كما أنها لا تلزم الدول المشاركة بأغلبية الأصوات. كما أن مجموعة البريكس لا تقترح إبرام معاهدات دولية، أو إرسال بعثات دبلوماسية، أو التفاعل بشكل عام واكتساب الحقوق والواجبات تجاه دول أو أطراف ثالثة، أو منظمات دولية أخرى، مثل منظمة التجارة العالمية أو المحكمة الجنائية الدولية. كما أن القمم السنوية لمجموعة البريكس هي اجتماعات استشارية. ومع ذلك، فقد أسفرت جميع مؤتمرات القمة عن توافق آراء مشترك في عدد من “الإعلانات” الرسمية المشتركة التي تلتزم الدول المشاركة بموجبها بسياسات مشتركة معينة.

فعلى سبيل المثال، ذكر إعلان قمة عام 2009 ما يلي: “نحن ملتزمون بالنهوض بإصلاح المؤسسات المالية الدولية، لكي نجسد التغيرات في الاقتصاد العالمي. ويجب أن يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت وتمثيل أكبر في المؤسسات المالية الدولية، وينبغي تعيين رؤسائها وقيادتها العليا من خلال عملية اختيار مفتوحة وشفافة وقائمة على الجدارة. ونعتقد أيضا أن هناك حاجة قوية إلى نظام نقدي دولي مستقر ويمكن التنبؤ به وأكثر تنوعاً”.

وخارج بنك التنمية الوطني، تظل مجموعة البريكس منتدى فريداً أو غير رسمي للتعاون الدولي. ويدافع عن أعضائها الرغبة في المساومة معًا وتغيير الواقع الدولي مباشرة ودون الشكلية والعوائق المؤسسية لمنظمة دولية. ومن الواضح أن مجموعة البريكس لا تزال تعوقها الافتقار إلى التماسك التاريخي أو التقليدي أو الثقافي أو الإيديولوجي. فهي ائتلاف للارتقاء جنباً إلى جنب، بدلًا من “مجتمع للنهوض معًا”. إن المعيار الأساسي للقانون الدولي هو توافق في الآراء. وتعلن مجموعة البريكس سنوياً توافق الآراء وتؤكده، ولكنها تحتفظ بخيار عدم الرغبة في الالتزام، أو حرية عدم المشاركة. وحيثما يقبلون الالتزام بتوافق الآراء، تتصرف مجموعة البريكس بانتظام بشكل موحد في تفاعلاتها مع بلدان ثالثة ومنظمات دولية. ويسعى تعاون مجموعة البريكس إلى تعزيز أساس بديل للقيم للنظام القانوني الدولي، يركز على التنمية البشرية. ويمكن التدليل على ذلك، بما كتبه الباحث العظيم في القانون الدولي فاتيل منذ أكثر من قرنين: “القانون العام الأول الذي يمكن العثور عليه في نهاية مجتمع الأمم، هو أنه ينبغي لكل أمة أن تساهم بقدر ما تستطيع في سعادة وتقدم الأمم الأخرى”.[29]

يجب التأكيد على أن مجموعة البريكس ليست منظمة دولية وليست على وشك أن تصبح منظمة دولية. ولكنها الثقل الموازن للعالم الغربي “مجموعة العشرين”، وسوف تتحدى على نحو متزايد “الاتحاد الأوروبي” باعتباره مغتصب للقيادة العالمية، وبالتالى فهي ليست مضطرة لإنشاء ميثاق أو دستور ينظم عملها فهناك تناغم بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بالقرارات الصادرة بعد كل قمة، بالرغم من الاختلافات في بعض الأزمات بين بعض تلك الدول كالهند والصين.

وضع الهيمنة الأمريكية والصعود الصيني: –

كانت الولايات المتحدة هي القوة المُهيمنة الوحيدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991. ومنذ ذلك الحين، أشار العلماء إلى النظام العالمي على أنه أحادي القطب، مما يعني أنه لا توجد سوى قوة قيادية واحدة أو “قطب” واحد في المشهد الدولي. ولكن حتى قبل البداية الرسمية للحظة القطب الواحد التي يفهم عادة على أنها دائمة من عام 1991 إلى الوقت الحاضر، كانت الولايات المتحدة تحشد قوتها وحلفائها في المجال الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكي تكون الدولة قوة مهيمنة، يجب أن تكون قد حشدت ما يكفي من القوة لردع الهجمات أو التنافس على الهيمنة من القوى الأخرى. في التعريفات التقليدية، يشير هذا في المقام الأول إلى الثروة والقوة العسكرية اللازمة لدرء الهجمات التقليدية، ولكن التفاهمات الأكثر حداثة تشمل أيضا الهيمنة من خلال الثقافة وغيرها من الوسائل ذات التأثيرات المختلفة. استخدمت الولايات المتحدة العديد من الأدوات الرئيسية لخلق مركز الهيمنة والحفاظ عليها، أي سلطاتها العسكرية والمالية.

لقد استخدمت قوتها العسكرية لفرض أجندة ديمقراطية مناهضة للشيوعية ومؤيدة لليبرالية في الخارج من خلال استخدام الحروب ومبيعات الأسلحة إلى الكيانات والوحدات التي تتماشى مع نظام القيم الخاص بها. وفي حين لا تزال الولايات المتحدة أكبر دولة عسكرية بفارق كبير، إلا أنها تفوقت على أقرب منافسيها الصين بمبلغ 300 مليار دولار أمريكي في مجال الإنفاق العسكري. أنفقت الولايات المتحدة 649 مليار دولار على جيشها حتى عام 2019، وهذا أكثر بكثير من الصين، التي المرتبة الثانية على قائمة كبار المنفقين العسكريين بمبلغ 261 مليار دولار. وارتفع الإنفاق الدفاعي الأميركي للسنة المالية 2020 بمبلغ 731.7 مليار دولار. ولكن بعد الحربين في العراق وأفغانستان، تحولت المشاعر الأمريكية الداخلية بشكل حاد بعيداً عن السياسات التدخلية، مما أدى إلى المُثل الانعزالية للرئيس ترامب المتمثلة في استراتيجيته للأمن القومي “أمريكا أولا”.[30]

وفي هذا السياق، يرى بعض الخبراء أن هذه الحروب تمثل نقطة تجاوز فيها الجيش الأمريكي قدرته على الانخراط في صراعات عسكرية في الخارج، ويمكن أن ينظر إليه على أنه بداية لنهاية عصر القطب الواحد على أن هذا الانخفاض تدريجي، وأننا لن نرى تحولًا خلال الليل إلى التعددية القطبية الكاملة. إن القوى العظمى الأخرى في العالم، روسيا، والاتحاد الأوروبي، والصين، واليابان تستعد لجني مكاسب من انهيار اللحظة الأحادية القطب. ومع ذلك، فإن الصعود السريع والرؤية الواضحة للصين يشكلان موقفاً مواتياً لاكتساب قوة كبيرة في هذه التعددية القطبية الجديدة، بل وربما حتى اتخاذ موقف الهيمنة نفسه. وبعد النظر إلى الزاوية العسكرية للهيمنة الأميركية، يتعين على المرء أن ينظر إلى الأدوات المالية التي تعزز هذا الموقف، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وانتشار الدولار الأميركي في الاقتصاد العالمي. أنشأت الولايات المتحدة المؤسسات المعروفة باسم مؤسسات بريتون وودز في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وقد أنشأت هذه المؤسسات النظام المالي الذي من شأنه أن يساعد العالم على التعافي من دمار الحرب، وأصبحت أهم المؤسسات المالية في العالم اليوم. ومع نهاية الأحادية القطب وصعود التعددية القطبية، توارت الصين على أعتاب تولي موقع القوة العظمى وربما حتى الهيمنة.

في عالم متعدد الأقطاب، تتنافس دول أو كيانات متعددة على موقع الهيمنة، مما يغير بشكل أساسي الطريقة التي تتفاعل بها الدول مع بعضها البعض. لقد كان لعودة الصين إلى مكانة بارزة في العالم المعولم تأثير كبير على الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى الأمة. بدأت الصين فى النهوض الاقتصادى فى عام 1978 خلال قيادة دنغ شياو بينغ. وقد شهدت هذه المرة إخراج 850 مليون شخص من براثن الفقر وخلق مستوى معيشي مستمر في الارتفاع حتى يومنا هذا.[31] تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، شرعت الصين في عدد من الإصلاحات والمبادرات التي تهدف إلى زيادة مكانة البلاد في نظر العالم، وتوفير الازدهار المستمر لمواطنيها. وقد منحها الازدهار المستمر موقعاً بين أقوى الدول فى العالم. وقد ذكرت الصين أن صعودها سيكون سلمياً، وأنها لن تسعى إلى الهيمنة على الدول الأخرى مع نمو قوتها. ويتماشى هذا مع حقيقة أنها كانت على مدى جزء كبير من تاريخ الصين الطويل دولة مسالمة تسعى إلى تجنب الصراعات الكبيرة مع الدول ذات السيادة الأخرى. وفي كلمة ألقاها، قال الرئيس شي جين بينغ “نحن الصينيون نحب السلام. وبغض النظر عن مدى قوتها، فإن الصين لن تستفسر أبدا عن التوسع أو الهيمنة”.[32]

من المهم جداً التمييز بين تعريف الهيمنة المستخدمة هنا وأنه يختلف عن الموجود في هذا الاقتباس. وفي التعريف الذي استخدمته هذه الورقة، لا يوجد توسع متأصل أو سيطرة صريحة من جانب الهيمنة على الدول الأخرى. وتأخذ هذه الورقة بالمنظور القائل بأن الهيمنة هي القوة المهيمنة في منطقة ما وليس عليها أن تحكم بالقوة. تقول كتابات غرامشي عن الهيمنة إن الهيمنة يمكن أن تؤثر على الدول الأخرى بأفكارها وقيمها. وفي هذا الفهم لهذا المصطلح، يمكن للمرء أن يرى أن الصين تمتلك أهدافا مهيمنة، وأن هذا لا يتعارض مع الصعود السلمي للصين. وبالتالى، يمكن أن نرى تحولًا في المنهج الذي تتخذه الصين نحو استراتيجيتها العالمية في العقود الأخيرة. لقد تركت استراتيجية الصين السابقة المتمثلة في “التكتم” وراءها، وتتبع البلاد الآن اتجاهاً جديداً “لنسعى من أجل الإنجاز”.[33]

وتتيح هذه الاستراتيجية للصين أن تتفوق في أهدافها الجديدة المهيمنة المتمثلة في أن تصبح قوة اقتصادية قادرة على تشكيل وجه النظام الاقتصادي العالمي من خلال مؤسسات تكتل البريكس. والواقع أن الصين هي بالفعل أكبر قوة اقتصادية في آسيا، وأكبر مساهم في النمو الاقتصادي العالمي. وقد أعطى ذلك الصين مكاناً كواحدة من القوى العظمى في النظام الدولي اليوم، وأفسح المجال للصين لطرح أفكارها على العالم وربما الاضطلاع بدور مهيمن داخل العالم المتعدد الأقطاب الجديد.

مبادرة الحزام والطريق الصينية: –

مبادرة الحزام والطريق هي مشروع بنية تحتية طموح للغاية أطلقته الصين في عام 2013 من قِبَل الرئيس شي جين بينغ. وقد أطلق عليه في السابق مشروع “حزام واحد طريق واحد”؛ ومع ذلك تم استبدال هذا الاسم إلى حد كبير بمبادرة الحزام والطريق. ترتكز رؤية الحزام والطريق على طريق الحرير القديم منذ 2000 عام الذي ربط أسرة هان الصينية بالشرق الأوسط وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط. يتكون الحزام والطريق الحديثان من جزئين: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري. وسوف تربط هذه الطرق التجارية الصين مع ما يقرب من 138 دولة تشكل مجتمعة 65٪ من سكان العالم وثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي.[34]

يتبع الجزء البري مسار طريق الحرير القديم مروراً بالصين عبر آسيا الوسطى وغرب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. يتبع الحزام البحري مساراً مشابهاً للطرق البحرية للصين في القرن الخامس عشر والمستكشف الشهير تشنغ خه لربط الصين والعالم ككل، مروراً بالساحل الشرقي لأفريقيا إلى قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط. [35] وقد قدرت تكلفة المشروع بأرقام مختلفة جداً تتراوح بين تريليون دولار أمريكي إلى ما يصل إلى 26 تريليون دولار أمريكي.[36]

ومع هذه المجموعة المتنوعة من تقديرات التكاليف، فقد أثارت بعض المخاوف بشأن جدوى المشروع، إلا أن الصين ملتزمة بإكمال المشروع بحلول عام 2049، وهو الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وهذا تاريخ رمزي للغاية لإتمام مبادرة الحزام والطريق، لأنها ستظهر مستقبل الأمة الصينية للعالم في ذكرى سنوية بالغة الأهمية وخاصة.

تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى تعزيز “السلام والتنمية والتعاون والمنفعة المتبادلة” وبما أن هذا المشروع طموح للغاية ويمس الكثير من العالم بآثاره، فإن هناك مستوى عال من الاهتمام يجري توجيهه إلى مبادرة الحزام والطريق داخل الصين وخارجها على حد سواء. وإذا نجحت الصين في إنشاء هذه الشبكة التجارية الضخمة، فإن الصين سوف تضمن نفسها باعتبارها واحدة من الدول المهيمنة والقوى العالمية في العصر القادم، وسيكون هذا القرن هو القرن الصيني.

أهداف وتحديات مبادرة الحزام والطريق الصينية: –

مشروع الحزام والطريق هو مشروع طموح للغاية إذا نجح يمكن أن يشكل اتجاه الصعود المستمر للصين لعقود قادمة. وقد ولد المشروع من خطاب ألقاه الرئيس شي جين بينغ بعنوان “تعزيز الصداقة بين الشعبين وخلق مستقبل أفضل” ألقاه في كازاخستان وينظر إلى الحزام والطريق على انه طريق نحو تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وازدهار للامة الصينية وشركائها.[37] ومن خلال تأمين وسائل التصدير وسلسلة التوريد التي تدعمها، فإن ذلك يعطي الصين مسارا آمناً ومربحاً لتعزيز صناعاتها واستمرار الارتفاع الاقتصادي. ويمكن لهذا المشروع أيضًا أن يخلق أمن الحدود ويزيد من السلام والأمن للصين. ولكن ربما يكون الهدف الأكثر أهمية لتلك المبادرة هو إعادة هيكلة الاقتصاد السياسي الدولي في اتجاه يضع الصين في المقدمة.

يمتد مشروع الحزام والطريق على عدة أنواع من مشاريع البنية التحتية. ومن المقرر الانتهاء من الطرق الرئيسية والجسور والسكك الحديدية والموانئ كجزء من مشروع بري، ولكن هناك مشاريع أخرى مثل شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية وخطوط أنابيب الطاقة تستخدم أيضًا لتوسيع ودعم المصالح التجارية الصينية. داخل الصين هناك دعم واسع النطاق للحزام والطريق، حيث تقول صحف مثل تشاينا ديلي China Daily إن “مبادرة الحزام والطريق تعُطي العولمة زخماً جديدا للعولمة”. وقد ذكر الرئيس شي أن الحزام والطريق سيجلبان “ذهبية جديدة-عصر العولمة”. هذه كلمات قوية، والوقت وحده هو الذي سيخبرنا ما إذا كان هذا المشروع الطموح سيؤدي إلى الرؤية الذهبية للحلم الصيني.[38] وعلى الرغم من إطلاق مبادرة الحزام والطريق من بين توقعات كبيرة من الصين والعالم، كانت هناك مشاكل محتملة في التطور يمكن أن تشكل تحديات كبيرة للتجارة العالمية وأهداف الهيمنة في الصين. على سبيل المثال، تراجعت دول مثل باكستان وماليزيا وميانمار عن مشاريع الحزام والطريق الذي تم الاتفاق عليه من قبل.

ومن التحديات الأخرى التي تتكشف حالياً تأثير جائحة كوفيد-١٩ على مشاريع الحزام والطريق في جميع أنحاء العالم. وحتى كتابة هذه السطور، كانت علامات الانتعاش الاقتصادي في الصين آخذة في الظهور، ولكن كانت هناك اضطرابات خطيرة في سلاسل التوريد والتصنيع سيكون لها تموجات دائمة في مشاريع الحزام والطريق في المستقبل المنظور. مع قطع المشاريع عن العمال والإمدادات والموارد؛ الخسائر المالية والمشاريع التي تزيد على الجدول الزمني ستضع ضغوطا على الحزام والطريق بطرق يمكن أن تترك ندوبا دائمة ستحتاج الصين إلى العمل للتعافي من آثارها.[39]

مبادرة الحزام والطريق والهيمنة الصينية: –

على الرغم من أن المشروع لم ينته بعد، إلا أنه يمكن التوصل إلى بعض الاستنتاجات بشأن فعاليته في تحقيق أهداف الهيمنة الصينية.

وُلِدَتْ مبادرة الحزام والطريق من نفس الأفكار التي شكلت “الحلم الصيني”؛ خلق الصين مُزدهرة لأجيال قادمة. وقد شرع الحزام والطريق في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: إنشاء ممرات اقتصادية جديدة شاملة لمفهوم التعاون بين الدول، وتعزيز مكانة الصين في التكامل الإقليمي، وتحسين الحوكمة العالمية. وقد فتحت هذه المنطقة العديد من القنوات الجديدة للتنمية الاقتصادية. وقد عزز الحزام والطريق التنمية والشراكة الصينية في ستة ممرات اقتصادية: الجسر البري الأوراسي الجديد، والممر الاقتصادي بين الصين ومنغوليا وروسيا، والممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، والممر الاقتصادي بين الصين ووسط وغرب آسيا، والممر الاقتصادي لشبه جزيرة الصين الصينية، والممر الاقتصادي بين بنغلاديش والصين والهند وميانمار. وتخلق هذه المسارات فرصاً للصين والمناطق التي تمر عبرها، مما يجلب تطوير البنية التحتية والتجارة التي تعيد تشكيل الاقتصادات المحلية. وقد تعهدت الصين بتقديم 60 مليار دولار أمريكي لاستكمال البرنامج. ومن المتوقع أن تشهد المنطقة ما يصل إلى 800,000 فرصة عمل جديدة فيما يتعلق بالمشروع.[40]هذه الوظائف هي في المقام الأول في قطاعات الهندسة والبنية التحتية والطاقة. وهذا يعطي دفعة كبيرة من الفرص لكل من الصين للنمو.

وقد وُصِفَتْ الشراكة بين هذه الدول بأنها صداقة “أعلى من جبال الهيمالايا، وأعمق من المحيط، وأحلى من العسل”. وتحتاج باكستان إلى شريك قوي لأنها واجهت وقتا صعباً مع اقتصادها. فقد بلغت نسبة البطالة بين الشباب في البلاد 40٪،[41] وتسعى البلاد إلى الحصول على إنقاذ من صندوق النقد الدولي لتخفيف ديونها. فقد تمكنت الصين من مساعدة باكستان اقتصادياً من خلال البرنامج، وتكتسب الصين نفوذاً في المنطقة من خلال إظهار قدرتها على مساعدة الدول الأخرى. وهذا يتماشى مع أفكار نظرية الهيمنة، حيث يمكن أن تظهر هيمنة محتملة من خلال تعزيز مثلها العليا في شكل مربح لجميع المعنيين.

تكتل البريكس ومبادرة الحزام والطريق الصينية: –

إن الصين دولة قوية حدث تطورها بسرعة فاجأت باستمرار بقية العالم. وبينما تفقد الولايات المتحدة موقع الهيمنة الأحادية القطب وندخل في عالم متعدد الأقطاب، قفزت الصين إلى قمة مجموعة القوى العظمى. وحتى تتولى الصين موقع القوة العظمى والهيمنة الاقليمية، يتعين عليها تحقيق عدة اهداف، وبالتحديد خلق روابط قوية بينها وبين الدول الاخرى، وزيادة دورها العالمى، وتعزيز تكامل المنطقة الاسيوية مع قيادة الصين.

ولتحقيق هذه الأهداف، نفذت الصين مجموعة من الإصلاحات والسياسات والمشاريع التي تسهم في وضعها في جميع أنحاء العالم. وكان اثنان من المشاريع التي قدمت حجة للصين لإثبات قدرتها على القيادة في العالم الجديد متعدد الأقطاب هما تحالف مجموعة البريك المؤلف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ومبادرة الحزام والطريق.

أولا، من المهم الإشارة إلى أن تحالف مجموعة البريكس هو شراكة اقتصادية بين دول متساوية تهدف إلى تحويل النظام المالي وتحسين وضع الاقتصادات الناشئة في الحوكمة العالمية. وهذا يعني أن هذه الدول الخمس يجب أن يكون لها رأي قوي في الاتجاه الذي توجه به سياسة الجماعة. وفي حين أن هذا يمكن أن يكون أمراً جيداً بالنسبة للأعضاء الآخرين في مجموعة البريكس، فإن الصين أقوى من الأعضاء الآخرين. ورغم أن لمجموعة البريك أهدافاً مُماثلة لأهداف الصين، إلا أنها ليست وسيلة ناجحة لكي تصبح الصين مهيمنة إقليمية.

لقد أحرزت مجموعة البريكس تقدماً وخلقت بعض البدائل للنظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة؛ ولكن هذه ليست كافية في نهاية المطاف لخلق هيمنة جديدة. وتعمل مجموعة البريكس في أفضل حالاتها عندما تضغط على النظام المالي الحالي وتسمح بمزيد من المشاركة من جانب الاقتصادات الناشئة من خلال الإصلاحات. وتتناسب هذه الملاحظات مع إطار الواقعية الدفاعية. وتستخدم الصين مجموعة البريكس كمنتدى لخلق تغيير معتدل في النظم المالية في العالم. فهي لا تُنشئ نظاما مهيمناً بمفردها، بل إنها تعمل على تعظيم الأمن للصين من خلال تطوير هذا التعاون المتعدد الأطراف بين الاقتصادات الناشئة الأكثر نفوذاً في العالم.

عند النظر إلى الطريقة التي تحقق بها مبادرة الحزام والطريق أهداف الصين، يمكن للمرء أن ينظر إلى الواقعية الهجومية لشرح العديد من الإجراءات التي اتخذتها البلاد. والصين تعمل على تعظيم قوتها من خلال هذا المشروع من خلال إقامة شراكات اقتصادية قوية مع الدول على طول مسار هذا المشروع. تعمل الصين على إنشاء شبكة قوية ومتنوعة من مشاريع البنية الأساسية التي من شأنها تأمين الطرق التجارية للسلع الصينية، وضمان وصول الصين دائما إلى الأسواق العالمية. وتوفر هذه المشاريع أيضًا خيارات للتنمية البديلة وتدفقات إيرادات للدول الشريكة، مما يسمح لها بالدخول إلى منطقة نفوذ الصين بدلًا من الولايات المتحدة.

وتستخدم الصين براعتها المالية والتجارية لإنشاء شبكة من المشاريع التي ستسمح لها بأن تصبح قوة مالية وهيمنة إقليمية. وقد صممت الصين مبادرة الحزام والطريق لتمتد إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشرق أفريقيا وساحل البحر الأبيض المتوسط في أوروبا. وتتيح هذه المجموعة المتنوعة من المناطق والدول التي يشملها المشروع إمكانية تفوق الصين على موقع الهيمنة الإقليمية واكتساب نفوذ كبير حول هذه المراكز. تعد هذه استراتيجية ايجابية لتعزيز القيم والاعمال الصينية فى جميع انحاء العالم، وتشكيل التجارة الدولية حول الصين وسلعها. وهذا يعطي الصين زيادة كبيرة في القوة، وإذا نجحت، فقد يمنح الصين ميزة استراتيجية على القوى العظمى الأخرى المتنافسة على الهيمنة في النظام الدولي المُتعدد الأقطاب.

تأثير تكتل البريكس على الهيمنة الأمريكية: –

يهدف ائتلاف تكتل البريكس إلى تحدي الأنظمة المالية التي أنشأتها اتفاقية بريتون وودز وبالتالي فكرة الهيمنة الأمريكية. ولكن هل هذا ممكن حقًا؟ وقد ذكر العديد من الخبراء أن مجموعة البريكس فشلت في تحدي هذه الأنظمة. وتتمثل المخاوف الرئيسية في أن مجموعة البريكس متنوعة جداً في الجغرافيا والنظام السياسي وتواجه تحديات داخلية تحد من قدرتها على تحقيق أهدافها. ولكن هل تعوق هذه التحديات تقدم مجموعة البريكس، وكيف يؤثر نجاح أو فشل مجموعة البريك على أهداف القوى العظمى الصاعدة في الصين؟

يهدف تكتل البريكس البريك إلى تحدي الهيمنة الأميركية من خلال تعزيز نفوذ الدول غير الغربية في مؤسسات الحوكمة المالية والعالمية؛ لأنه مع صعود القوة الاقتصادية لدولة ما يرتفع نفوذها. والواقع أن مجموعة البريكس قد نمت اقتصادياً. وتظهر بيانات العقد الماضي أن النمو المشترك لدول مجموعة البريك يبلغ 179٪، وأنه في الفترة من 2008-2017 كان متوسط معدل النمو العالمي حوالي 1٪، ومع ذلك شهدت مجموعة البريكس معدل نمو سنوي قدره 8٪. لقد شهدت مجموعة البريكس ككل معدلات نمو مثيرة للإعجاب للغاية، ولكن هذه المعدلات باهتة بالمقارنة مع الارتفاع النيزكي للصين. وتفوقت الصين على اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2010، وفي عام 2020 بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني 14,8 مليار دولار.[42]

تعتبر الصين إلى حد بعيد أكبر اقتصاد في مجموعة البريكس، حيث تتضاءل أمام إجمالي الناتج المحلي المشترك للدول الأعضاء الأخرى. وهذا من الناحية النظرية ينبغي أن يؤدي إلى تحدٍ كبير لوضع الهيمنة في الولايات المتحدة، ولكن هذا لا تدعمه البيانات. وأظهرت أرقام الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة في عام ٢٠٢٠ أن البلاد بلغت 20.5 مليار دولار، وهو أعلى بكثير من الصين ودول مجموعة البريك المشتركة. وفي حين تقدم بلدان مجموعة البريك حالة مثيرة للاهتمام ونهجاً بديلًا للتمويل الدولي والحوكمة العالمية، فإنها لا تهدد حالياً موقف الولايات المتحدة في القمة. لقد جمعت مجموعة البريكس قدراً كبيراً من الملاذات المالية التي تمليها الواقعية ينبغي أن تمنحها حصة من السلطة في النظام الدولي، ولكنها لا تقترب من المستوى المطلوب لتجاوز الهيمنة الحالية.

إن المؤسسات العالمية التي تسعى مجموعة البريك إلى تحديها قد نشأت كجزء من مؤتمر بريتون وودز لعام 1944. وقد أُضيفت منظمة التجارة العالمية إلى المجموعة فى التسعينات. وتشكل هذه المؤسسات دعامة للمطالبة الأميركية بوضع الهيمنة، وهي تهيمن حالياً على الأنظمة المالية في العالم. وفي بيئة ما بعد الحرب، اعتقد مؤسسو مؤسسات بريتون وودز أنه من الأهمية بمكان إنشاء “إطار متعدد الأطراف للتغلب على الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن الكساد الاقتصادي العالمي السابق والمعارك التجارية”.

ويقول مؤيدو هذه المؤسسات إنها تعمل على خلق مجتمع عالمي ديناميكي يسمح للدول بتلبية إمكاناتها بطريقة سلمية، فضلًا عن تقديم الدعم المالي للبلدان الفقيرة. ويرى المنتقدون أن هذه ليست القصة الكاملة، وأنه بدلا من مساعدة جميع الدول على قدم المساواة، يفرض صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي سياسات ليبرالية جديدة تعود بالفائدة على الولايات المتحدة وحلفائها بدلًا من البلدان الصغيرة التي ليست في وضع قوي لتحديها. وردًا على انتقادات مؤسسات بريتون وودز، أنشأت مجموعة البريكس بنك التنمية الجديد في عام 2014. وقد نشأ بنك التنمية الجديد بهدف أن يكون في جانب العالم النامي وكبديل للبنك الدولى. ووفقًا لمركز سياسات مجموعة البريكس، يركز البنك على “تعبئة الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في بلدان مجموعة البريكس وغيرها من البلدان النامية، بالإضافة إلى الجهود الحالية للمؤسسات المالية المتعددة الأطراف والإقليمية للنمو والتنمية العالميين”

وتشكل الشفافية والاستدامة مجالين رئيسيين لبنك التنمية الجديد، حيث يدعي مصرف التنمية الجديد أنه يعمل على تنفيذ مشاريع مبتكرة من شأنها أن تساعد على تحقيق التوازن بين النظام المالي في العالم. وفي إنشاء بنك التنمية الجديد، أدلت مجموعة البريكس ببيان واضح انتقدت فيه صندوق النقد الدولي لفشله في تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تمنح المزيد من سلطات صنع القرار للاقتصادات النامية. ومع ذلك، فإن هذا الهدف لم يتحقق أبداً. وفي عام 2020، كان الأعضاء الوحيدون في البنك هم دول مجموعة البريكس المؤسسة له، وتبدو معايير اختياره مبهمة وبعيدة عن الاستدامة. وقد بدأ بنك التنمية الجديد بمثل هذا الوعد، ولكنه لم ينطلق حقًا، ولم يرق بعد إلى مستوى الهدف الذي حدده لنفسه، إلا أنه يمكن القول إن هذا البنك نشأ كأداة لاستقطاب الدول النامية في أماكن أخرى كبديل لمؤسسات بريتون وودز.[44]

كان استخدام دولار الولايات المتحدة كعملة احتياطية عالمية أحد أعمدة الهيمنة الأمريكية. يتداول العالم بالدولار الأمريكي في المقام الأول لأنه ينظر إلى هذه العملة على أنها العملة الأكثر أمانا للتجارة الدولية، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت حركة الابتعاد عن الدولار كعملة رئيسية للنظام المالي الدولي. ومن بين بلدان مجموعة البريكس، فإن الصين وروسيا تتحدثان بصوتٍ عالٍ عن رغبتهما في التحول بعيداً عن الاقتصاد القائم على الدولار. ومع ذلك، فإن بلدانا أخرى مثل البرازيل وجنوب أفريقيا تبدو متمسكة بالدولار وأقل صراحةً بشأن تفكيك نظام الدولار. ومع الخلاف الداخلي حول مدى وسرعة سياسات إلغاء الدولار، يتعين على مجموعة البريكس أن تتوصل إلى اتفاق قبل أن ينجح أي تحدٍ خطير للدولار، وهو أحد أهم عناصر الهيمنة الأميركية. بدأت مجموعة البريكس تطوير نظام يُسمى “بريكس باي” يهدف إلى العمل على غرار المحافظ الرئيسية عبر الإنترنت مثل Apple Pay أو Google Pay. من المقرر أن يربط بريكس باي بطاقات الائتمان والخصم لمواطني دول مجموعة البريك من أجل تمكين “المدفوعات للمشتريات في أي من بلدان مجموعة البريك الخمسة، بغض النظر عن العملة التي يتم فيها الدفع والمال في حساب المشتري”[46] ومن شأن ذلك أن يشكل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة لدول مجموعة البريكس، مما يخلق صلة أقوى بينها ويزيل الدولار كوسيط لهذه الأنواع من المعاملات. ستتمكن معاملات بريكس باي من تنفيذها على الهاتف الذكي، مما يزيد من تكامل الأنظمة الرقمية. حتى أن مجموعة البريك تحدثت عن إمكانية تطوير عملة مشفرة للمجموعة. وتمثل هذه الأفكار خطوة كبيرة بعيداً عن الدولار من الناحية النظرية، إلا أنها لم تختبر بعد، وهذا لن يكون كافياً لفصل الدول الخمس عن قبضة الدولار.

وكانت الصين وروسيا الأكثر صخباً بين دول مجموعة البريك حول رغبتهما في ترك الدولار وراءهما. وهم يزعمون أن هيمنة الدولار تستخدم لثني الدول لإرادة واشنطن. يقولون إن النظام العالمي الذي يعمل باستخدام الدولار يجبر الدول على الامتثال للمثل الأمريكية أو مواجهة العقاب المالي في شكل عقوبات أو حجب القروض.[47] في حين أن الدولار لا يزال العملة الاحتياطية الرائدة في جميع أنحاء العالم، يعتقد الكثيرون أن وقته في دائرة الضوء آخذ في الانحسار. يمكن التدليل على هذا بارتكاز العديد من الاقتصادات في جميع أنحاء العالم على الجنيه الإسترليني كشكل من أشكال الاستقرار والأمن. وفي آسيا، تحولت هونغ كونغ والهند وماليزيا وباكستان وسنغافورة. وكان العديد منهم صلات استعمارية قوية إلى المملكة المتحدة والتمسك بالجنيه الاسترليني حتى في الوقت الذي كانت المملكة المتحدة تفقد البروز العالمي للولايات المتحدة.

ولا يمكن لمجموعة البريكس أن تشكل تهديداً للنظام المهيمن الذي أنشأته الولايات المتحدة. ولهذه المجموعة خلافات داخلية كبيرة تضعف مبادراتها، مثل النزاعات الحدودية بين الصين والهند، وتعقد مواقف الدول الأعضاء داخل الساحة السياسية الدولية. إن الصين أقوى كثيراً من نظيراتها في مجموعة البريك. ولا تزال مجموعة البريكس تخدم مصالح الصين، ولكن كأداة إضافية لتوفير بديل للمبادرات التي تقودها الولايات المتحدة. وفي مجال التنمية الأجنبية، وهو هدف صريح لمجموعة البريكس، كانت الصين أكثر نجاحاً وفعاليةً في تحدي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بمفردها مقارنةً ب مجموعة البريكس.

وفي حين أن مُساهمات مجموعة البريكس تتماشى مع الأهداف المعلنة للصين، إلا أنها ليست الطريق الأكثر فعاليةً إلى الأمام لتحدي الهيمنة المؤسسية التي خلقتها الولايات المتحدة. وتمثل مجموعة البريكس موقفاً يتماشى مع نظرية الواقعية الدفاعية. إن مجموعة البريكس هي محاولة لكسب الأمن من خلال سياسة معتدلة. إن الأصوات العديدة لبلدان مجموعة البريكس تخفف من أهداف دول مثل الصين التي لديها مواقف ورؤى قوية لموقفها في النظام الدولي في المستقبل. وتختار مجموعة البريكس اتباع نهج معتدل في محاولة لإحداث تغييرات وإصلاحات صغيرة في النظام المالي بدلًا من خلق نظام هيمنة جديد. يمكن التدليل على ذلك من خلال دور الصين القوى في حرب العملات القائمة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية منذ ٢٠١٨؛ حيث انخفض اليوان الصيني في عام ٢٠١٩ إلى أدنى مستوياته التاريخية. وانخفضت قيمة صرف العملة الصينية إلى 0.142 دولار أمريكي إلى يوان واحد.[48] وذلك حتى تتمكن وتستطيع زيادة صادراتها السلعية؛ وذلك يعود لكونها تمتلك جهاز إنتاجي مرن قادر على إغراق العديد من الأسواق بالمنتجات الصينية. بالرغم من تصريح محافظ البنك الصيني الشعبي يي غانغ بأن “الصين لن تدخل في تنافس على خفض قيمة العملة، ولن تستهدف سعر الصرف لأغراض تنافسية” ومن المنظور الأمريكي، تُرى هذه الخطوة على أنها محاولة لتعويض أثر رفع التعريفات على الصادرات الصينية إلى أمريكا.[49]

Source: Statista

الخاتمة والنتائج والتوصيات: –

إن العالَم والنظام الدولى الذي نعيش فيه يمر بفترة من التغيير الخطير. ومع اقتراب اللحظة القطبية الأحادية الأمريكية التي بدأت بانهيار الاتحاد السوفييتي، ما لبث أن عاد عصر التعددية القطبية. بعض القوى العظمى في هذه اللحظة المُتعددة الأقطاب هي وجوه مألوفة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي واليابان، حيث ساهمت كل هذه الدول بدور قوى في التأثير على إيقاع آلة الأكورديون في الماضي بشدة وذلك يعود للتفاعلات المُحزِنة الصادرة في ذلك الحين، ولكن هناك دول انضوت تحت التكتلات الإقليمية ” تكتل البريكس” نتيجًة للعولمة ولسياسات القطب المُهيمن. وكانت هناك واحدة تكتسب اهتماماً متزايداً مع نمو حصتها من القوة والنفوذ العالميين: الصين. كانت الصين ذات يوم أقوى دولة في العالم، وكانت لديها فترة من الزمن تضاءل فيها نفوذها العالمي. ولكن خلال العقود الأخيرة، أحدثت جمهورية الصين الشعبية ثورة في اقتصادها ورفعت البلاد إلى آفاق جديدة. ومع نمو مكانة الأمة وقوتها فإنها تحول رؤيتها إلى الخارج إلى بقية العالم.

ومع تكتل البريكس، دخلت الصين في هذا التحالف الاقتصادي الواعد للغاية مع بعض أقوى الاقتصادات الناشِئة في العالم. خلق هذا التكتل الكثير من الضجة حول تشكيله مع مزاعم بأنها قد تمثل كتلة قوة جديدة يمكن أن تتحدى النظام المالي المُهيمن للولايات المتحدة ومؤسسات بريتون وودز. ومع ذلك، لم يثبت أن هذا هو التكتل الناجح الذي تم التكهن به. يختلف تكتل البريكس على ما يقرب من العديد من المستويات بقدر ما لدي الدول المنضوية تحت لوائه من القواسم المشتركة. فهي تنتشر في جميع أنحاء العالم في مختلف القارات، وجميعها تتحدث لغات مختلفة، ولها نُظم سياسية مختلفة، ولها درجات مختلفة من التشابك مع النظم المالية التي تُهيمن حالياً على العالم. وهما يشتركان في هدف تمكين بلدان الجنوب والاقتصادات الناشئة في العالم، ولكن قول ذلك أسهل من القيام به. فالدول الغربية تعمل بلا كلل على تكوين تحالفات جديدة في جنوب شرق آسيا لاحتواء الصعود الصيني سواء من خلال تعظيم علاقاتها ومصالحها مع دولة عضو أيضًا في التكتل مثل الهند، بل وربما تعمل على ربط مصالحها بقوة عظمي مثل روسيا لتنفيذ ذلك المخطط وغيرها من دول جنوب شرق آسيا. من السهل توقع مثل تلك السيناريوهات؛ نظرًا للفراغ السياسي الذي أحدثته أمريكا في القارة الأفريقية والشرق الأوسط باستثناء الملف النووى الإيراني، واتجاهها للقارة الآسيوية عوضاً عن ذلك، وفي المقابل دخلت الصين مرة أخرى لهاتين المنطقتين بمدخل تنموي بحت. إن الصراعات الداخلية تُقسم التكتُّل نصفين، فالبُعد الصراعى هو الغالب في العلاقات الدولية وليس التعاون، بل أن حتى مثل هذا التعاون قد يحمل في طياته اختزالًا للنمط الصراعى الخفي والقائم، حيث تتصارع الهند والصين مع بعضهما البعض بسبب النزاعات الحدودية طويلة الأمد. وتتفق الصين وروسيا على أن الابتعاد عن العملة الاحتياطية للدولار أمر حتمي، ولكن البرازيل وجنوب أفريقيا لديهما استثمارات كبيرة في النظام الحالي وترغبان في إصلاحات أكثر اعتدالًا. وقد ثبت أن من الصعب تحقيق التوازن بين هذه الاختلافات، ووضع خطط لها وجاهتها لها في عطلة نهاية الأسبوع ولا يمكن أن تشكل تحدياً قوياً وموحداً للولايات المتحدة ونُظم هيمنتها. ويتجلى ذلك بوضوح في بنك التنمية الجديد لتكتل البريكس، حيث بدأ التكتل بوعود جريئة، ولكن في الواقع منعت التحديات الأيديولوجية البنك من الإقلاع. فيما يتعلق بأهداف الصين المحددة لزيادة النفوذ العالمي والهيمنة، فإن تكتل البريكس ليس مساراً فعالًا للغاية بمفرده. قوة مجموعة البريكس بالنسبة للصين هي أنها توفر مساراً نحو الإصلاح المعتدل من خلال العمل مع الاقتصادات الناشئة الرئيسية الأخرى في العالم. ومن خلال الاستمرار في الانضمام إلى مجموعة البريكس، تتبع الصين نهجاً واقعياً دفاعياً من خلال اتخاذ سياسات معتدلة تهدف إلى إصلاح النظام أكثر من قلبها لصالح إنشاء نظام الهيمنة الخاص بها. إن مجموعة البريكس ليست ناجحة بالنسبة للصين في إنشاء نظام مالي مهيمن، ولكنها تعمل كمنتدى هام للتعاون المتعدد الجنسيات لكي تقدم الصين أفكارها للعالم.

لا مبادرة الحزام والطريق ولا تحالف مجموعة البريكس ذو طبيعة عسكرية، لذا فهم لا يساهمون في هذه الزاوية تجاه الهيمنة. ومع ذلك، تمتلك الصين جيشا قوياً لديه الموارد والسلطة لردع التهديدات، فضلًا عن الحفاظ على القدرة على حماية أراضيها، وبالتالي خدمة الاعتقاد الواقعي الدفاعي بتعظيم الأمن. وبما أن الجيش موضوع نوقِشَ على نطاق واسع في دراسة الهيمنة، فإنه يمكن التوصية بضرورة قيام حلف عسكري بين دول البريكس مستقبلًا إذا كنا نأمل في زيادة دوره كفاعل دولي مؤثر وحقيقي على الهيمنة الأمريكية. وفي مثل تلك الحالة، يُمكن التأكيد على أن هذا التكتل سيشكل تهديدًا للولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا، هذا بجانب مشروع الحزام والطريق الذي سيكون له تداعياته السلبية على الاقتصاد الغربي الأمريكي. إن توضيح الطبيعة الدولية والقانونية والاقتصادية لمجموعة البريكس كرابطة تكامل جديدة يجعل من الممكن من نواحٍ كثيرة التنبؤ بتطورها في المستقبل. ومن خلال تلك الطبيعة يُمكن التنبؤ بسيناريوهات مستقبلية لحالة تلك المجموعة.

السيناريو الأول، تحول مجموعة البريكس إلى فاعل دولي قوى في الساحة الدولية

يفترض هذا السيناريو، قدرة الدول الخمس المُشكَّلة لتجمع بريكس على تجاوز خلافاتهم البينية وخاصة في الشؤون الاستراتيجية والتقاء مشاريع كل من هذه الدول حول استراتيجية تغيير بنية النظام الدولي الراهن، والانتقال إلى النظام الدولي المتعدد الأقطاب الذي ينهي عهد الهيمنة الأمريكية في العلاقات الدولية. فالإمكانيات التي تمتلكها الدول الخمس لو وُظِفَتْ في إطار مشروع واحد مع تأطير استخدامها وتوظيفها في إطار مؤسسات تقوم هذه الدول بتشكيلها، ستسهم بدورها في التأسيس لنظام دولي اقتصادي – مالي سيكون له الأثر الكبير في إحداث اختلال واضح في توازن القوى الراهن، والدفع باتجاه إعادة توزيع جديد للقوى فيه. حيث تأسس نظام دولي جديد تشكل بریکس أحد أهم أقطابه ومحددات تطوره وبخاصة في خِضَمْ الجائحة العالمية التي توفر المعطيات اللازمة له للتغلب على الهيمنة الأمريكية.

السيناريو الثاني، فشل مجموعة البريكس في التحول إلى فاعل دولي قوى في الساحة الدولية

يفترض هذا السيناريو، غلبة التحديات التي تواجه تجمع بریکس على الفرص التي تتمتع بها دوله، وهذا ما سيقود إلى غلبة الخلافات البيئية والابتعاد بين دوله، وبالتالي فشل مشروع بریکس في لعب دور دولي مؤثر، والمساهمة الفاعلة في تغيير شكل النظام الدولي الراهن. ولعل الأوضاع الصحية والاجتماعية في بعض دوله مثل الهند والبرازيل، وكذا جنوب أفريقيا أبسط دليل علي ذلك.

السيناريو الثالث، استمرار الوضع الدولى الراهن بين- بين

يفترض هذا السيناريو استمرار الوضع الدولى الراهن كما هو، إذ يُمكن وصفه باللاقطبية، وغياب وجود قطب مهمين في النظام الدولى الحالى خصوصاً بعد تراجع دور ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في أماكن عديدة في الساحة الدولية بجانب الأزمات الدولية الراهنة وعدم القدرة على حلها بسبب تناقض المصالح. وفي هذا السياق، يُمارس تكتل البريكس دوراً مؤثراً، ولكن ليس إلى حد تغيير هيكل النظام الدولي الراهن.

قائمتي المراجع العربية والأجنبية: –

(١) سلامة على، جمال. (٢٠١٣)،”تحليل العلاقات الدولية دراسة في إدارة الصراع الدولي”، القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، ص١٨٠.

(٢) سلامة على، جمال. (٢٠٢٠)،”علم الاجتماع السياسي: البُعد الإجتماعي للظاهرة السياسية”، القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، ص١٥٣.

(٣) براهمي، محمد، صليحة، كشرود. (٢٠١٥)،”بروز القوى الصاعدة في التأثير على هيكل النظام العالمي دراسة حالة دول البريكس Bricks”، جامعة العربي التبسي- تبسة.

(٤) بن دبكة، رمزي. (سنة النشر غير معروفة)،” الإقليمية الجديدة – New Regionalism “، الموسوعة السياسية. متاح على الرابط التالي: – https://political-encyclopedia.org/dictionary/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9

(٥) سلامة على، جمال. (٢٠١٣) “تحليل العلاقات الدولية دراسة في إدارة الصراع الدولى”، مصدر سبق ذكره، ص١٢١،١٢٠.

(٦) المصدر السابق نفسه، ص١٢٣.

(٧) المصدر السابق نفسه، ص١٨١.

(٨) آر تى العربية. )٢٠١٨)،”إعلان مشترك لدول “بريكس” حول أهم القضايا العالمية”، تاريخ الدخول:- ٢٩/٤/٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:- https://arabic.rt.com/world/959653-%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83-%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A3%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/

(٩) مجدي، إنجى. (٢٠٢٠)،”مصير غامض لمشروع طريق الحرير الصيني بعد كورونا”، تاريخ الدخول: – ٢٧/٤/٢٠٢١، متاح على الرابط التالى: –

https://www.independentarabia.com/node/121451/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B6-%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7

(١٠) بي بي سي نيوز. (2019)،”لماذا تعمدت الصين تخفيض قيمة عملتها؟”، تاريخ الدخول: ٢٨/٤/٢٠٢١، متاح على الرابط التالي: – https://www.bbc.com/arabic/business-49250834

(1) Keohane O. Robert & Nye S. Joseph. (2001),”Power and interdependence”, New York, Longman, 3rd Edition, p141,172.

(2) de Coning, Cedric and Mandrup, Thomas and Odgaard, Liselotte. (2015),”The BRICS and coexistence: an alternative vision of world order”, New York: Routledge, pp 220.

(3) Palacio, Ana. (2015),”What do the BRICS mean for US leadership?”, Accessed on: 24/4/2021, Available at: – https://www.weforum.org/agenda/2015/10/what-do-the-brics-mean-for-us-leadership/

(4) Colley, Alexander & Nexon H. Daniel. (2020),”How Hegemony Ends The Unraveling of American Power”, Accessed on: 24/4/2021, Available at: – https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2020-06-09/how-hegemony-ends

(5) Hsu, Sara. (2015),”China in BRICS: A Threat to US Power?”, Accessed on: 25/4/2021, Available at: – https://thediplomat.com/2015/07/china-in-brics-a-threat-to-us-power/

(6) Nye, S. Joseph. (2020),”Post-Pandemic Geopolitics”, Accessed  on: 25/4/2021, Available at:- https://www.project-syndicate.org/commentary/five-scenarios-for-international-order-in-2030-by-joseph-s-nye-2020-10?barrier=accesspaylog

(7) Griffiths, Martin. (1995),”Realism: Idealism, and International Politics”, New York, Routledge, pp 72-76.

(8) Hobbes, Thomas. (1958),”Leviathan”, New York, Bobbs Merrll, pp 78-85.

(9) Waltz, Kenneth. (1979),”Theory of International Politics”, New York, Random House, p 161-164.

(10) Mearsheimer, J. J. (2001),”Anarchy and the struggle for power. In: The tragedy of great power politics”, New York and London: W Norton & Company, pp 29-54.

(11) Mielniczuk, Fabiano. (2014),”The BRICS’ Economic Institutions and International Politics”, Accessed on: 24/4/2021, Available at: – https://www.e-ir.info/2014/08/18/the-brics-economic-institutions-and-international-politics/

(12) Neill O’ Jim. (2001),”Building Better Global Economic BRICs”, Accessed on: 26/4/2021, Available at: – https://www.goldmansachs.com/insights/archive/building-better.html

(13) Majaski, Christina. (2020),”Brazil, Russia, India, and China (BRIC)”, Accessed on: 26/4/2021, Available at: –  https://www.investopedia.com/terms/b/bric.asp

(14) United Nations, Department of Economic and Social Affairs, Population Division (2019). World Population Prospects 2019, Online Edition. Rev. 1.

(15) Torres, GDB. (2020),”BRICS’ Economic and trade cooperation: perspectives on a potential intra-BRICS preferential trade agreement”, Management and Economics Research Journal.

(16) Export Genius, (2018),”Trade Relations among BRICS Countries – Intra-BRICS Trade Statistics”,

Accessed on: 8/5/2021., Available at: – https://www.exportgenius.in/blog/trade-relations-among-brics-countries-intrabrics-trade-statistics-161.php

(17) UNIDO, ITC. (2017),”STATUS, OPPORTUNITIES AND CHALLENGES OF BRICS E-COMMERC

(18) The Wire. (2020),”Diplomacy For the First Time, BRICS Releases Policy Document on Counter-Terrorism”, Accessed on: 25/4/2021, Available at: – https://m.thewire.in/article/diplomacy/for-the-first-time-brics-releases-policy-document-on-counter-terrorism

(19) Tehran Times. (2017),”BRICS leaders firmly support Iran nuclear deal” Accessed on: 25/4/2021, Available at: – https://www.tehrantimes.com/news/416562/BRICS-leaders-firmly-support-Iran-nuclear-deal

(20) Chen, Dingding. (2014),”3 Reasons the BRICS’ New Development Bank Matters”, Accessed on: 26/4/2021, Available at: – https://thediplomat.com/2014/07/3-reasons-the-brics-new-development-bank-matters/

(21) Ibid.

(22) de Vattel, Emmerich. (1758), “The Law of Nations or the Principles of Natural Law”, Applied to the Conduct and the Affairs of Nations and of Sovereigns”.

(23) Floyd, D. (2021),”U.S. vs. China Military Spending: Which Is Bigger?”, Accessed on: 26/4/2021, Available at: –  https://www.investopedia.com/articles/personal-finance/043015/us-vs-china-military-budget.asp

(24) The World Bank Group. (2020),”The World Bank In China”, Accessed on: 26/4/2021, Available at:- https://www.worldbank.org/en/country/china/overview

(25) Wang, Yanang. (2018),”China will ‘never seek hegemony,’ Xi says in reform speech”, Accessed on: 26/4/2021, Available at: – https://apnews.com/article/4c9476378e184f238845337ba442715c

(26) Li, Xing. (2016),”The Expansion of China’s Global Hegemonic Strategy: Implications for Latin America”, Journal of China and International Relations. https://doi.org/10.5278/ojs.jcir.v4i2.1587

(27) China Power Team. (2021),”How Will the Belt and Road Initiative Advance China’s Interests?”, Accessed on: 22/2/2021, Available at: – https://chinapower.csis.org/china-belt-and-road-initiative/

(28) Li, X. (2019),”Mapping Chinas One Belt One Road initiative”, Accessed on: 26/2/2021,

Available at: –

https://www.researchgate.net/publication/330044375_Mapping_China’s_’One_Belt_One_Road’_Initiative

(29) China Power Team. (2020), Ibid.

(30) Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China. (2013),”Promote Friendship Between Our People and Work Together to Build a Bright Future”, Accesses on: 26/4/2021, Available at: –https://www.fmprc.gov.cn/mfa_eng/wjdt_665385/zyjh_665391/t1078088.shtml

(31) Phillips, Tom. (2017),”China’s Xi lays out $900bn Silk Road vision amid claims of empire-building”, Accessed on: 23/2/2021, Available at: – https://www.theguardian.com/world/2017/may/14/china-xi-silk-road-vision-belt-and-road-claims-empire-building

(32) Toppa, Sabrina. (2018),”Why Young Pakistanis Are Learning Chinese”, Accessed  on: 27/4/2021, Available at:- https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/11/pakistan-china-cooperationcpec/568750/

(33) Ibid.

(34) O’Neill, Aaron. (2021),”Gross domestic product of the BRIC countries from 2015 to 2025″, Accessed on: 29/4/2021, Available at: – https://www.statista.com/statistics/254281/gdp-of-the-bric-countries/

(35) Ibid.

(36) Andreoni, Manuela. (2017),”What happened to the BRICS Bank?”, Accessed on: 28/4/2021, Available at: – https://www.thethirdpole.net/en/regional-cooperation/new-development-bank/

(37) Ibid.

(38) PYMNTS. (2019),” INTERNATIONALBRICS Drives Mobile Payments Growth Last Decade “, Available at: – https://www.pymnts.com/news/international/2019/brics-drives-mobile-payments-growth-last-decade/

(39) Gehrke, Joel. (2020),”Russia urges China to ditch US dollar in bid to bust sanctions”, Accesses on: 28/4/2021, Available at:- https://www.washingtonexaminer.com/policy/defense-national-security/russia-urges-china-to-ditch-us-dollar-in-bid-to-bust-sanctions

(40) Buchholz, Katharina. (2019),”Yuan Increasingly Weak Against the Dollar”, Accessed on: 28/4/2021, Available at: – https://www.statista.com/chart/18939/yuan-renminbi-us-dollar-exchange-rate/

[1] سلامة على، جمال. (٢٠١٣)،”تحليل العلاقات الدولية دراسة في إدارة الصراع الدولي”، القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، ص١٨٠.

[2] Keohane  O. Robert & Nye S. Joseph. (2001),”Power and interdependence”, New York, Longman, 3rd Edition, p141,172.

[3] سلامة على، جمال. (٢٠٢٠)،”علم الاجتماع السياسي: البُعد الإجتماعي للظاهرة السياسية”، القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، ص١٥٣.

[4] de Coning, Cedric and Mandrup, Thomas and Odgaard, Liselotte. (2015),”The BRICS and coexistence: an alternative vision of world order”, New York: Routledge, pp 220.

[5] براهمي، محمد، صليحة، كشرود. (٢٠١٥)،”بروز القوى الصاعدة في التأثير على هيكل النظام العالمي دراسة حالة دول البريكس Bricks”، جامعة العربي التبسي- تبسة.

[6] Palacio, Ana. (2015),”What do the BRICS mean for US leadership?”, Accessed on: 24/4/2021, Available at:- https://www.weforum.org/agenda/2015/10/what-do-the-brics-mean-for-us-leadership/

[7] Colley, Alexander & Nexon H. Daniel. (2020),”How Hegemony Ends The Unraveling of American Power”, Accessed on: 24/4/2021, Available at:- https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2020-06-09/how-hegemony-ends

[8] Hsu, Sara. (2015),”China in BRICS: A Threat to US Power?”, Accessed on: 25/4/2021, Available at:- https://thediplomat.com/2015/07/china-in-brics-a-threat-to-us-power/

[9] Nye, S. Joseph. (2020),”Post-Pandemic Geopolitics”, Accessed  on: 25/4/2021, Available at:- https://www.project-syndicate.org/commentary/five-scenarios-for-international-order-in-2030-by-joseph-s-nye-2020-10?barrier=accesspaylog

[10] بن دبكة، رمزي. (سنة النشر غير معروفة)،” الإقليمية الجديدة – New Regionalism “، الموسوعة السياسية. متاح على الرابط التالي:- https://political-encyclopedia.org/dictionary/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9

[11] Griffiths, Martin. (1995),”Realism: Idealism, and International Politics”, New York, Routledge, pp 72-76.

[12] Hobbes, Thomas. (1958),”Leviathan”, New York, Bobbs Merrll, pp 78-85.

[13]  Waltz, Kenneth. (1979),”Theory of International Politics”, New York, Random House, p 161-164.

[14] Mearsheimer, J. J. (2001),”Anarchy and the struggle for power. In: The tragedy of great power politics”, New York and London: W W Norton & Company, pp 29-54.

[15] سلامة على، جمال. (٢٠١٣) “تحليل العلاقات الدولية دراسة في إدارة الصراع الدولى”، مصدر سبق ذكره، ص١٢١،١٢٠.

[16] المصدر السابق نفسه، ص١٢٣.

[17]  المصدر السابق نفسه، ص١٨١.

[18] Mielniczuk, Fabiano. (2014),”The BRICS’ Economic Institutions and International Politics”, Accessed on: 24/4/2021, Available at: – https://www.e-ir.info/2014/08/18/the-brics-economic-institutions-and-international-politics/

[19] Neill O’ Jim. (2001),”Building Better Global Economic BRICs”, Accessed on: 26/4/2021, Available at: – https://www.goldmansachs.com/insights/archive/building-better.html

 

[20] Majaski, Christina. (2020),”Brazil, Russia, India, and China (BRIC)”, Accessed on: 26/4/2021, Available at: –  https://www.investopedia.com/terms/b/bric.asp

 

[21] Torres, GDB. (2020),”BRICS’ Economic and trade cooperation: perspectives on a potential intra-BRICS preferential trade agreement”, Management and Economics Research Journal.

[22] Export Genius, (2018),”Trade Relations among BRICS Countries – Intra-BRICS Trade Statistics”,

Accessed on: 8/5/2021., Available at:- https://www.exportgenius.in/blog/trade-relations-among-brics-countries-intrabrics-trade-statistics-161.php

[23] UNIDO, ITC. (2017),”STATUS, OPPORTUNITIES AND CHALLENGES OF BRICS E-COMMERCE”

[24] The Wire. (2020),”Diplomacy For the First Time, BRICS Releases Policy Document on Counter-Terrorism”, Accessed on: 25/4/2021, Available at: – https://m.thewire.in/article/diplomacy/for-the-first-time-brics-releases-policy-document-on-counter-terrorism

[25] Tehran Times. (2017),”BRICS leaders firmly support Iran nuclear deal” Accessed on: 25/4/2021, Available at: – https://www.tehrantimes.com/news/416562/BRICS-leaders-firmly-support-Iran-nuclear-deal

[26] آر تى العربية. )٢٠١٨)،”إعلان مشترك لدول “بريكس” حول أهم القضايا العالمية”، تاريخ الدخول:- ٢٩/٤/٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:- https://arabic.rt.com/world/959653-%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83-%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A3%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/

[27] Chen, Dingding. (2014),”3 Reasons the BRICS’ New Development Bank Matters”, Accessed on: 26/4/2021, Available at: – https://thediplomat.com/2014/07/3-reasons-the-brics-new-development-bank-matters/

[28] Ibid.

[29] de Vattel, Emmerich. (1758), “The Law of Nations or the Principles of Natural Law”, Applied to the Conduct and the Affairs of Nations and of Sovereigns”.

[30] Floyd, D. (2021),”U.S. vs. China Military Spending: Which Is Bigger?”, Accessed on: 26/4/2021, Available at:-  https://www.investopedia.com/articles/personal-finance/043015/us-vs-china-military-budget.asp

[31] The World Bank Group. (2020),”The World Bank In China”, Accessed on: 26/4/2021, Available at:- https://www.worldbank.org/en/country/china/overview

[32] Wang, Yanang. (2018),”China will ‘never seek hegemony,’ Xi says in reform speech”, Accessed on: 26/4/2021, Available at:- https://apnews.com/article/4c9476378e184f238845337ba442715c

[33] Li, Xing. (2016),”The Expansion of China’s Global Hegemonic Strategy: Implications for Latin America”, Journal of China and International Relations. https://doi.org/10.5278/ojs.jcir.v4i2.1587

[34] China Power Team. (2021),”How Will the Belt and Road Initiative Advance China’s Interests?”, Accessed on: 22/2/2021, Available at:- https://chinapower.csis.org/china-belt-and-road-initiative/

[35] Li, X. (2019),”Mapping Chinas One Belt One Road initiative”, Accessed on: 26/2/2021,

Available at:-

https://www.researchgate.net/publication/330044375_Mapping_China’s_’One_Belt_One_Road’_Initiative

[36] China Power Team. (2020), Ibid.

[37] Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China. (2013),”Promote Friendship Between Our People and Work Together to Build a Bright Future”, Accesses on: 26/4/2021, Available at:- https://www.fmprc.gov.cn/mfa_eng/wjdt_665385/zyjh_665391/t1078088.shtml

[38] Phillips, Tom. (2017),”China’s Xi lays out $900bn Silk Road vision amid claims of empire-building”, Accessed on: 23/2/2021, Available at:-

https://www.theguardian.com/world/2017/may/14/china-xi-silk-road-vision-belt-and-road-claims-empire-building

[39] مجدى، إنجى. (٢٠٢٠)،”مصير غامض لمشروع طريق الحرير الصيني بعد كورونا”، تاريخ الدخول:- ٢٧/٤/٢٠٢١، متاح على الرابط التالى:-

https://www.independentarabia.com/node/121451/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B6-%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7

[40] Toppa, Sabrina. (2018),”Why Young Pakistanis Are Learning Chinese”, Accessed  on: 27/4/2021, Available at:- https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/11/pakistan-china-cooperationcpec/568750/

[41] Ibid.

[42] O’Neill, Aaron. (2021),”Gross domestic product of the BRIC countries from 2015 to 2025″, Accessed on: 29/4/2021, Available at:- https://www.statista.com/statistics/254281/gdp-of-the-bric-countries/

[43] Ibid.

[44] Andreoni, Manuela. (2017),”What happened to the BRICS Bank?”, Accessed on: 28/4/2021, Available at:- https://www.thethirdpole.net/en/regional-cooperation/new-development-bank/

[45] Ibid.

[46] PYMNTS. (2019),” INTERNATIONALBRICS Drives Mobile Payments Growth Last Decade “, Available at:- https://www.pymnts.com/news/international/2019/brics-drives-mobile-payments-growth-last-decade/

[47] Gehrke, Joel. (2020),”Russia urges China to ditch US dollar in bid to bust sanctions”, Accesses on: 28/4/2021, Available at:- https://www.washingtonexaminer.com/policy/defense-national-security/russia-urges-china-to-ditch-us-dollar-in-bid-to-bust-sanctions

[48] Buchholz, Katharina. (2019),”Yuan Increasingly Weak Against the Dollar”, Accessed on: 28/4/2021, Available at:- https://www.statista.com/chart/18939/yuan-renminbi-us-dollar-exchange-rate/

[49] بي بي سي نيوز. (2019،”لماذا تعمدت الصين تخفيض قيمة عملتها؟”، تاريخ الدخول: ٢٨/٤/٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:- https://www.bbc.com/arabic/business-49250834

 

 

4.6/5 - (19 صوت)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى