الدور العسكري الفرنسي بمنطقتي الساحل والصحراء تراجع ام إعادة صياغة ؟
اعداد : السفير بلال المصري – ســفيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر
- المركز الديمقراطي العربي
حدثان بينهما إرتباط وثيق بموضوع واحد هو الدور العسكري الفرنسي في منطقتي الساحل والصحراء الحدث الأول / إعلان الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron في 10 يونيو 2021 عن إنسحاب قوات فرنسية تتشكل منها عملية Barkhane العسكرية الفرنسية وأشار إلي أنه سيكون هناك “تحولاً عميقاً” في الوجود العسكري الفرنسي بمنطقة الساحل مع تعزيز قوة Takuba الأوروبية , هكذا قال الرئيس الفرنسي وعلينا أن نرقب حالة المد والجزر في تصريحات المسئولين الفرنسيين فهي دائماً ما تحمل معاني باطنية غير مرئية , ومع ذلك – وهذا ليس كل شيء – هناك بالفعل خفض بنحو 50% من قوة Barkhane حتي عام 2023 وهي قوة مُؤلفة من حوالي 5100 جندي فرنسي بدأت في الأول من أغسطس 2014 بعد إنتهاء عملية Serval العسكرية الدموية الوحشية التي بدات في 11 يناير2013 بزعم دعم الحكومة المالية في مواجهتها للتنظيمات الإسلامية المُسلحة بشمال مالي والتي تقودها جماعة أنصار الدين عام 2012 التي أسسها عام 2012 أياد أج غالي الذي أصبح عام 2017رئيسًا لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM) التي نشأت نتيجة اندماج معظم الجماعات الجهادية في مالي والتي تعمل عناصرها المُسلحة بصفة رئيسية في شمال مالي وبايعت بايعت حركة طالبان وقت إنشائها عام 2017 , وقد نُقل عن أياد أج غالي قوله لنفر من أنصاره ” لقد حانت ساعتنا مثلما حانت ساعة طالبان , ومن المعروف أن زعيم مجموعة دعم الإسلام والمسلمين أياد أج غالي يدعو إلي تتطبيق الشريعة الإسلامية علي كامل التراب المالي شأنه شأن طالبان , ومن أقواله لأنصاره وعموم الماليين : “لا تعتمدوا على ديمقراطية مالي لتحريركم ، فالتحرير مع مراعاة مطالبكم سيمر بالجهاد” .
كانت عملية Serval العسكرية الفرنسية التي بدأت في 11 يناير 2013 ثم عملية Barkhane التي بدأت في 15يوليو 2014 تعملان بصفة أحادية في مناطق شمالي مالي وأجزاء من النيجر في مواجهة التنظيمات الجهادية في شمال مالي إلي أن أُقيمت مجموعة الساحل الخماسية G5 Sahel في 16 فبراير 2014 التي أُضيف إليها مُكون عسكري أعلن عنه في باماكو في 2 يوليو 2017 رؤساء دول المجموعة الخماسية للساحل تحت مُسمي “القوة المشتركة العابرة للحدود” بغية توحيد جهودهم في مكافحة التهديدات الأمنية في منطقة الساحل , وأقرّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تشكيل هذه القوة العسكرية المشتركة في القرار 2359 الذي أصدره في 21يونيو 2017 وبالطبع فقد حظي القرار بدعم فرنسا لأن هذه القوة ما أقيمت إلا من أجل دعم العملية العسكرية الفرنسية (وشرعنتها) بحيث كان هناك تنسيق بين عملية Barkhane والقوة الخماسية المُكونة من تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينافاسو لمواجهة الإرهاب المزعوم , وعملية Barkhane تلك لم تتحر المعايير الدولية في شأن حقوق الإنسان ومنها إتفاقيات جنييف الأربع وبروتوكولاتها الإضافية التي تدعو بعض نصوصها إلي توفير الحماية للأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية وهو مالم يكن في إعتبار الآلة العسكرية الفرنسية التي تحررت من رقابة جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة التي إهتمت فقط بالتنسيق ما بين قوة الساحل الخماسية وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي MINUSMA بموجب القرار 2391 الصادر في 8 ديسمبر 2017 فقد أشار هذا القرارإلى أنه يتعيّن على بعثة الأمم المتحدة تقديم الدعم العملياتي واللوجستي للقوة المشتركة .
أما الحدث الثاني / فهو إعلان الحكومة التشادية في 21 أغسطس 2021 عن سحب 600 من جنودها بأسلحتهم الثقيلة من قوة مجموعة الساحل الخماسية G 5 Sahel المُرتبطة بعملية Barkhane العسكرية الفرنسية وذلك بالتشاور المُسبق مع الفرنسيين وبالإتفاق مع دول هذه المجموعة (وهو تقريباً نصف عديد مشاركتها في هذه القوة) , والواقع أن قرار سحب الـ 600 جندي لم يكن مُؤسساً في الغالب علي القرار الفرنسي بإنهاء عملية Barkhane وغلق القواعد الفرنسية في Kidal و Tessalitو Tombouctou عام 2022 بقدر ما هو مُرتبط بالوضع الداخلي بتشاد وتصاعد وتيرة المواجهات بين المُعارضة المُسلحة والنظام العسكري القائم حتي الآن في تشاد فقد كان الرئيس التشادي الصريع إدريس ديبي قد ألمح في حديث له بالتليفزيون الوطني التشادي قبل مصرعه بأسبوع وبعد إنتهاء عملية غضب بوما أو Colère de Boma إلي أن تشاد لن ترسل قوات قوات إلي الخارج , وربما كانت العلاقة الوحيدة الظاهرة بين قرار تشاد بسحب بعض من قواتها المُشاركة في مجموعة الساحل الخماسية التي اُقيمت بجهد ديبلوماسي وعسكري فرنسي لدعم عملية Barkhane والقرار الفرنسي بإنهاء هذه العملية يُشير إلي أن العلاقات والترتيبات العسكرية كانت أحد القضايا التي نُوقشت بين الرئيس الفرنسي والرئيس التشادي الجديد محمد إدريس ديبي (هناك إنقسام داخل عائلته بين أخويه عمر وزكريا ديبي) في لقاءهما بقصر Elyséeبباريس في 5 يوليو 2021 , لكن في تقديري أن قرارتشاد سحب بعض من قواتها كان أحد النتائج المباشرة لإنهاء فرنسا لعملية Barkhane والبدء في عملية إعادة تشكيل reconfiguration (وليس إنسحاباً كما يُشاع) وإعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي بمنطقتي الساحل والصحراء التي طرحها الرئيس الفرنسي علي قمة رؤساء دول المجموعة الخماسية للساحل G 5 Sahel الإستثنائية التي عُقدت في 9 يوليو 2021 , والتي تقتضي نقل مركز الوجود العسكري الفرنسي والقوة الأوروبية ) Task Force Takubaمكونة من 600 عسكري نصفهم فرنسيين والباقي من إيطاليا وأستونيا والسويد والتشيك) وقوة الساحل الخماسية G 5 Sahel من N’Djamena عاصمة تشاد إلي Niamey عاصمة النيجر لقربها من منطقة الحدود الثلاثية Liptako–Gourma بين النيجر ومالي وبوركينافاسو مع بقاء القاعدة الجوية الفرنسية وأفرادها في N’Djamena والإبقاء علي الكتيبة التشادية بمجموعة الساحل الخماسية حيث هي ببلدة Tera شمال غرب Niamey عاصمة النيجر , أي أن تناقص الدور والأهمية العسكرية لتشاد في عملية إنتقال الدور العسكري الفرنسي في المنطقتين لمرحلة جديدة مركزها النيجر وليس تشاد كانت أحد أهم الدوافع لإتخاذ تشاد قرار سحب 600 جندي من القوة الخماسية التي تعتبر تنظيماً عسكرياً أضافته فرنسا لدعم وشرعنة عملية Barkhane العسكرية , وقد أوضح الرئيس الفرنسي جزئياً الدور العسكري الجديد لفرنسا في مؤتمر صحفي مُشترك بباريس بمناسبة زيارة رئيس النيجر محمد بازوم لفرنسا في 12 يوليو 2021 بقوله : ” أن فرنسا ستركز دعمها على بعدين : الأول / لصالح تعزيز قوات دول الساحل بمواصلة تدريب الجيوش الشريكة وتدريبها وتجهيزها , الثاني / سيكون الدعم العسكري في تحييد الإرهابيين ولا سيما مع قوة جوية كبيرة متمركزة في نيامي كذلك ففرنسا جددت استنتاجات المجلس الأوروبي في 24 يونيو بشأن التزام الدول الأعضاء بالمساهمة في عملية Takouba التي انضمت إلبها دول جديدة مثل رومانيا , في الوقت نفسه جدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع في يوم 29 يونيو الماضي ولاية قوة MINUSMA التي يشارك فيها أيضًا العديد من الشركاء الأوروبيين .” كذلك أشار الرئيس الفرنسي إلي ما نصه : ” في نفس الوقت وفي هذه الظروف تظل فرنسا ملتزمة التزاما حازما بالمنطقة , وإننا نظل ملتزمين بمنطقة الساحل ، لأن هذا أمر تطلبه منا دول المنطقة” ، مشيرًا إلى أن ” فرنسا ليس لديها أي دعوة ناهيك عن إرادة البقاء هناك إلى الأبد” والمحصلة أن الدور العسكري الفرنسي باق لكن ليس كما كان قبل 10 يونيو 2021 تاريخ الإعلان عن إنهاء عملية , فكل ما سيجري عمل الفرنسيين عليه هو إحداث توائم بين قوة مطرقة المسلحين الإسلاميين وغيرهم بمنطقتي الساحل والصحراء وطاقة تحمل سندان الفرنسيين وحلفاءهم الأوروبيين (عملية ) والأفارقة بمجموعة الساحل الخماسية G 5 Sahel ,وذلك لتجنب المصير الذي لاقاه الأمريكيين وحلفاؤهم في أفغانستان بالإنسحاب المُذل من أفغانستان وتركها لطالبان التي قاتلتهم وحدها بينما الكتل الأفغانية الأخري بين خائن مُتعاون وخائن عميل أو مُتعامل مع قوة دولية أخري وهاهم الآن يطلبون المُشاركة في حكومة مُوسعة لم تُدع إليها طالبان طيلة 20 عاماً ظل فيها الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان مُتحكماً في حكومة أشرف غني التي كان يحركها موظف أو عسكري صغير أمريكي صغير الرتبة إلي أن أطاحت بها وبهم طالبان .
الدور العسكري الفرنسي في تراجع أم أنه إنتقال لعملية إعادة تشكيل وصياغة للإستراتيجية العسكرية ؟
مبدئياً لابد لي من الإشارة إلي أن فرنسا لا يمكنها الإستغناء عن الدور العسكري في أفريقيا خاصة بمنطقة نفوذها الإستعماري السابق بغرب أفريقيا التي تتضمن جغرافياً منطقتي الساحل والصحراء , فهذا الدور العسكري مطلوب من جهة فرنسا لحماية مصالحها الإقتصادية والسياسية والثقافية وكذلك لحماية النظم المحلية الموالية والحارسة للمصالج الفرنسية , خاصة وأن فرنسا تواجه تهديداً إقتصادياً قد يثور مُجدداً ويتمثل في أن الأوساط النقدية والإقتصادية في دول وسط وغرب أفريقيا التي يتم تداول الفرنك الأفريقي F CFA بها تتصاعد بها وتيرة الجدل بشأن الإرتباط النقدي ما بين النظام النقدي بدولهم مع النظام النقدي الفرنسي إذ يتم يتم إلقاء اللوم على فرنك CFA F بشكل متزايد في الوضع الاقتصادي السيئ للبلدان التي تشترك في هذه العملات ومنذ ما قبل 10 سنوات مضت كان النقاش حول عمل مناطق الفرنك CFA F كموضوع تقني يتعلق بالكفاءة النقدية , وبينما كان النقاش وقتذاك محصوراً في المجالات الأكاديمية والسياسية والاقتصادية ، فإن النقاش حالياً حول عمل فرنك CFA قد توسع جمهوره تدريجياً إلي أن وصل إلى الشوارع في غربي ووسط إفريقيا ، وهناك ينتقد بعض المثقفين والفنانين والسياسيين صراحة فرنك CFA ويتضمن نقاش هؤلاء حججاً رمزية وسياسية وحتى اقتصادية ويعتبرون جميعاً تداول هذه العملة المُرتبطة بالفرنك الفرنسي(اليورو) من بقايا المستعمرات بل و”أداة العبودية الطوعية” أو “عملة النخب المحلية” فيما يعتبرها المدافعين عن هذه العملة نموذجًا للاستقرار النقدي” , لكنها تظل مصيبة مُعلقة أمام فرنسا , ومن هنا فإن الدور العسكري مداه يتسع لمنع إحتمال خروج دولة أو دول أفريقية من دائرة الـفرنك الأفريقي CFA F تلك حتي لو إعتبر البعض هذا الإحتمال صعب التحقق , وإتصالاً بذلك عُقدت قمة غير إعتيادية بحضور رؤساء دول الجماعة الإقتصادية النقدية لوسط أفريقيا CEMAC ومُشاركة المدير العام لصندوق النقد الدولي (IMF) والسيدة Kristalina Gueorguieva ورئيس مجموعة البنك الدولي والسيد David Malpass ، ورئيس مجموعة بنك التنمية الأفريقي (AfDB) السيد Akinwumi Adesina وممثل الحكومة الفرنسية وكانت القمةعن طريق الفيديو بعد ظهر يوم الأربعاء 18 أغسطس 2021 برئاسة رئيس الكاميرون Paul BIYA الرئيس الحالي لمؤتمر الرؤساء , وناقش الرؤساء موضوع : “تقييم حالة الاقتصاد الكلي لمنطقة CEMAC في سياق جائحة COVID-19 وتحليل تدابير التعافي”.
وفقاً لما تقدم فلا يعني إنهاء عملية Barkhane العسكرية الفرنسية نهاية أو حتي نذر نهاية للدور العسكري الفرنسي في أفريقيا أومنطقتي الساحل والصحراء تعييناً , وذلك للأسباب والشواهد التالية :
1- إن نقل مركز الوجود العسكري الفرنسي من N’Djamena إلي Niamey بالنيجرتمهيداً لإعادة صياغة وتكوين دورها العسكري برره الفرنسيون بأنه للإقتراب أكثر من منطقة الحدود الثلاثية Liptako–Gourma الواقعة بين النيجر ومالي وبوركينافاسو , واقتراب العسكرية الفرنسية من هذه المنطقة من نقطة إنطلاق Niamey , وعملية النقل تلك في حد ذاتها تؤكد أن الدور العسكري الفرنسي يتقدم نحو بؤرة تقتضي المزيد من القدرات والمعدات العسكرية مما ينسف ما يروجه المسئولين الفرنسيين من أن هناك خفضاً أو إعادة نظر , ففي هذه المنطقة تنشط المقاومة المُسلحة للوجود العسكري الفرنسي مُستهدفة العسكريين الفرنسيين كما تنطلق منها الهجمات التي تستهدف المصالح الإقتصادية الفرنسية , وإرتباطاً بذلك ومن بين شواهد مُتعددة نُشرموقع africaintelligence.fr في 20 أغسطس 2021 أن فرنسا سعت لإحباط نوايا تشاد والنيجراللذان أرادا تعديل النظام الأساسي لـ Asecna (منظمة إقليمية تدير الأمن الجوي للعديد من المطارات في القارة) , كما أن العبارات الواضحة من المسئوليين الفرنسيين تؤكد هي الأخري ذلك , ففي هذا الإطار صرح رئيس هيئة الأركان الفرنسية الجنرال Francois Lecointre لصحيفة Le Monde الفرنسية في ديسمبر 2020 خلال زيارته لمالي بأنه “يهدف إلى “الحد” من عدد القوات هناك في أقرب وقت ممكن” , مُوضحاً ” أن فرنسا لن تنسحب من الساحل لكنها ستجعل عمليتها “تتطور” , وهو ما كررته وزيرة الدفاع Florence Parly في مقابلة مع صحيفة Le Parisien في 3يناير 2021 بقولها “أن فرنسا ستخفض”على الأرجح” قواتها البالغ عددها 5100 جندي في عملية Operation Barkhane بشمالي مالي ومناطق أخري بعد “نجاحات عسكرية كبيرة” في عام 2020″ وهو نفس المنطق الدعائي الذي إلتزمه وزير الخارجية الفرنسية في حديث له لإذاعة فرنسا حيث ردد نفس الكذبة فقال : ” إننا نحقق تقدمًا في مالي حيث نكافح من أجل ضمان أمننا وأمن البلدان الأخرى” .
2- بناء علي عملية إعادة تشكيل reconfiguration (وليس إنسحاب كما يُشاع) وتنظيم الوجود العسكري الفرنسي بمنطقتي الساحل والصحراء التي طرحها الرئيس الفرنسي علي قمة رؤساء دول المجموعة الخماسية للساحل G 5 Sahel الإستثنائية التي عُقدت في 9 يوليو 2021 , والتي إقتضت نقل مركز الوجود العسكري الفرنسي والقوة الأوروبية Task Force Takuba وقوة الساحل الخماسية G 5 Sahel من N’Djamena عاصمة تشاد إلي Niamey عاصمة النيجر لقربها من منطقة الحدود الثلاثية Liptako–Gourma بين النيجر ومالي وبوركينافاسو ( لفرنسا بالفعل قاعدتان للطائرات المُسيرة واحدة في Niameyوأخري في شمال النيجر في Agadez بالإضافة إلي القاعدة العسكرية الفرنسية في Niamey) مع بقاء القاعدة الجوية الفرنسية وأفرادها في N’Djamen والإبقاء علي الكتيبة التشادية بمجموعة الساحل الخماسية حيث هي ببلدة Tera شمال غرب Niamey عاصمة النيجر (لفرنسا قاعدتين أماميتين للعمليات بتشاد أحداهما في Faya-Largeau بوسط البلاد لرصد الحدود الشمالية لتشاد مع ليبيا وأخري في Abeche بالقرب من الحدود مع السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ) ففي تقديري أن الفرنسيين وضعوا إستراتيجية جديدة أكثر مرونة بخطط فرعية تعتمد علي الشراكات مع الأوربيين في مدي سوف لا يقتصر علي قوة Task Force Takuba الأوروبية , وكذلك مع الأمريكيين (القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM) ومحاولة العمل معهم وفقاً لنهج تعاوني قدر الإمكان وليس تنافسي خاصة وأن هناك وجود عسكري صغير بتشاد مكون من 70 عسكري للمساعدة في تدريب وتجهيز وبناء قدرات قواتها المُسلحة , ويُلاحظ أن توطن التنظيمات والقوي العسكرية وخاصة الفرنسية – المُشار إليها – علي الأراضي التشادية أتاح لهذا البلد الفقير دوراً مُتميزاً يتجاوز قوة دولتها الشاملة وهي في حقيقة أمرها قوة متواضعة , لا لشيئ إلا لأن تشاد مدعومة بقوة من الخزانة والعسكرية الفرنسية والمديرية العامة للأمن الخارجي أو DGSE , ولهذا عُقدت بتشاد كثير من الإجتماعات والقمم الرئاسية المُتعلقة بأمن منطقة اساحل كان آخرها قمة N’Djamena في 15 فبراير 2021 وشارك فيها رؤساء دول مجموعة الساحل الخماسية وكانت مشاركة الرئيس الفرنسي فيها عبر الفيديو وهي القمة التي تم فيها تعيين ممثل لتحالف يضم هذه الدول جميعاً للترويج لتحالفهم في الخارج , وكذلك الإتفاق علي تفعيل خطة “الحدود الثلاثية” Liptako–Gourma التي قررتها قمة Pau بفرنسا قبل 14 شهر خلت لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية , وبناء علي الإنتقال المُتوقع لمركز ثقل الدور العسكري الفرنسي من تشاد للنيجر سوف تظهر المكانة الحقيقة وهي متواضعة – كما أشرت – لتشاد وهو أمر لن يستسلم له عسكريي تشاد بسهولة , وقد تنجم عنه مشاكل لفرنسا لاحقاً , وعلي كل حال فسوف تعتمد فرنسا إستراتيجية عسكرية جديدة يكون فيها دور واضح لساحل العاج التي ستلعب دوراً هاماً لصالح الوجود العسكري الفرنسي المُعاد تنظيمه في غرب إفريقيا , وسيكون هناك أدوار مناسبة أيضاً لبوركينافاسو وبنين لتعويض الدور التشادي الذي إنخفض نتيجة مصرع إدريس ديبي ونقل مركز عمليات القوات الفرنسية من N’Djamena إلي Niamey .
3- نُشر في 11 يوليو 2021 أي بعد نحو شهر من إعلان الرئيس الفرنسي إنهاء عملية Barkhane العسكرية في شمال مالي , نُشر خبر توقيع وزيرا الدفاع الأمريكي Lloyd Austin والجيوش الفرنسية Florence Parly بمقر البنتاجون “خارطة طريق” جديدة للتعاون بين قوات العمليات الخاصة في البلدين حيث يسعى كلاهما إلى بناء جهود دولية لمواجهة التهديدات غير الحكومية مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية , وقالت Florence Parly في تغريدة على تويتر تعليقاً علي ذلك : ” أنه “في مواجهة الإرهاب ، طورت قواتنا الخاصة أخوة حقيقية في السلاح , وستعمل هذه الاتفاقية على تعميق العلاقات الاستثنائية , وقال وزير الدفاع الأمريكي تعقيباً علي ذلك “إن فرنسا شريك مثالي في المحيطين الهندي والهادئ ، حيث تحاول واشنطن هناك بناء شراكات أقوى لمواجهة الصين” , فيما وصف المتحدث باسم البنتاجون العقيد Anton Semelroth خارطة الطريق بأنها “بيان نوايا لتوسيع التعاون في جميع مجالات العمليات الخاصة” , واللافت أن توقيع هذه الخارطة الجديدة للطريق يأتي والعسكرية الأمريكية تنسحب من أفغانستان في مدي أقصاه 31 أغسطس 2021 والعسكرية الفرنسية تنهي عملية عسكرية عدوانية فاشلة في شمال مالي , وهو ما يؤكد أن المؤسستين العسكريتين الأمريكية والفرنسية تحاولان الظهور مُجدداً وكأنهما مصرتان علي المُضي في طريق العدوان علي الدول والشعوب تحت عناوين معهودة كالدفاع عن الديموقراطية وإستئصال شأفة الإرهاب (وهم المُتسببين فيه) وحماية المصالح الأمريكية والفرنسية وكعظمها مصالح غير مشروعة لا يُؤمنها سوي قادة لا ولاء لهم إلا للقوي الكبري , لكن بالرغم من هذا التطور المظهري في العلاقات العسكرية بين فرنسا والولايات المُتحدة يجب أن أشير إلي أنه بينما تمثل منطقتي الساحل والصحراء الكبري دائرة الإهتمام الأولي للعسكرية الفرنسية حيث معظم مستعمراتها السابقة في أفريقيا , إلا أنها ليست كذلك بالنسبة للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM , فقد سبق وأعلن رئيس أركان هذه القيادة قبل بضعة أشهر “أن الولايات المتحدة تعتزم تقليص عدد أفرادها على الأرض بشكل كبير وعلى الرغم من تكرار هذه الإعلانات ، فإن الالتزام الأمريكي بأفريقيا لا يزال قائمًا” , كما أكدت ذلك Marissa Scott-Torres المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية لأفريقيا , فالعسكرية الأمريكية مناط إهتمامها الأول علي الصعيد الأفريقي يبدأ بشرق أفريقيا والقرن الأفريقي ولها قاعدة إستراتيجية في جيبوتي بمعسكر Camp Lemonnier حيث تتمركز East Africa Response Force وفرقة العمل البحرية الجوية الخاصة – الاستجابة للأزمات التابعة للقيادة الأفريقية Special Marine Air Ground Task Force-Crisis Response-Africa Command , فهذه المنطقة تكاد وأن تكون في تقديري نقطة إلتقاء لثلاث قيادات عسكرية أمريكية هي القيادة الوسطي أو المركزية والقيادة الأفريقية والقيادة الباسيفيكية , ومن ثم فالعسكرية الفرنسية تأمل في أن تدفع بالولايات المتحدة نحو زيادة إنخراطها في منطقتي الساحل والصحراء من خلال وسائل مختلفة من بينها زيادة المساهمة الأمريكية في تمويل إقامة مجموعة الساحل الخماسيةG 5 Sahel وهو مالم يحدث , أما المساهمة الأمريكية في إقامة قوة مجموعة الساحل الخماسية فقد أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي Rex Tillerson في 30 أكتوبر 2017 عندما قال : ” ستقدم الولايات المتحدة عون مالي يمكن أن يبلغ نحو 51 مليون يورو يُوجه بصفة ثنائية للدول أعضاء قوة الساحل الخماسية ” , وتعد هذه المساهمة الأمريكية تنازل أمريكي كبير في ضوء القرار الأمريكي بخفض مساهمات الولايات المتحدة في ميزانية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في يوليو 2017, وقد ترك الوزير Tillerson لمندوبة الولايات المتحدة لدي الأمم المتحدة Nikki Haley مسألة توضيحية تتعلق بهذه المُساهمة الأمريكية , إذ كان عليها بيان أن هذه المُساهمة لن تُوجه للأمم المتحدة لتمويل القوة الخماسية وبرر Andrew Lebovich الباحث المُتخصص في شؤون الساحل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ذلك الموقف الأمريكي بقوله أن ” إدارة الرئيس Trump قالت وبوضوح أن ثقتها في الأمم المتحدة محدودة جداً …. وأنها لشديدة الحذر من منح تفويض كبير جداً للقوة الخماسية , وهي تخشي من ألا تدفع الأمم المتحدة التكاليف في نهاية المطاف ومنها المساهمة الأمريكية ” , لذلك ففي تقديري أن ما ساهمت به واشنطن قليل لكنها تراه كافياً , ويعكس هذا الموقف الأمريكي عدم إتفاق أمريكي/ فرنسي في الشأن العسكري بالساحل.
4- مازالت فرنسا تربط عدم الإستقرار والقرصنة بمنطقة خليج غينيا بالتنظيمات الجهادية المُسلحة بالساحل والصحراء , لكن هذا الطرح يفتقد الكثير من واقعيته وتوزانه إن إستحضرن الوضع الحاضر في موزمبيق حيث هناك إنتفاضة للمسلمين في إقليم Cabo Delegado وهي حالة بينها وبين المقاومة المُسلحة في إقليم / محافظة Cabinda قاسم مُشترم ألا وهو إهمال التنمية للأقليمين من قبل الحكومة المركزية بالعاصمة المركزية Maputo و Luandaالعاصمة الأنجولبة , فكلا الإقليمين منتج للبترول والغاز ويعتمد عليه إقتصاد هاتين الدولتين ومع ذلك فليس هناك إنعاكس لهذه الثروة علي التنمية في الإقليمين المُستبعدين من خريطة التنمية بأنجولا وموزمبيق , وقد أشار كثير من المراقبين للأوضاع في موزمبيق وقضية Cabo Delgado علي نحو خاص , بأن التمرد العنيف ضد حكومة موزمبيق في مقاطعة Cabo Delgado الشمالية ناتج عن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحلية ،والتي لم تتُمول من تجارة الياقوت سابقاً واستغلال النفط والغاز حالياً , وقد أدت إنتفاضة سكان Cabo Delgado التي بدأت عام 2017 والتي تحولت بسبب عناد سلطات Maputoإلي مصرع أكثر من 1500 قتيل وتشريد 250000 آخرين , ومن الواضح من مسير الصراع أن حكومة Maputo شأنها شأن فرنسا في منطقة الساحل ليست لديها القدرة العسكرية الكافية لحسم الصراع العسكري القابل للتطور فكلما إمتد الصراع العسكري كلما زادت دربة وقدرات (التمرد) المُسلح علي حكومة موزمبيق , كما أن القوات المُسلحة لدول مجموعة الساحل الخماسية ستنكشف أكثر بعد خفض القوة العسكرية الفرنسية لما يُقارب نسبة 50% , ولهذا يمكن إعتبار التقدير الذي ذهب إليه Siaka Coulibaly الباحث بمركزCenter for Public Policy Monitoring by Citizens ببوركينافاسو صحيحاً , إذ قال “إن الجيوش الأفريقية ليست مستعدة لملء الفراغ إذا غادر الفرنسيون , فنحن نخشى حدوث الأسوأ لدول الساحل إذا غادرت القوات الأجنبية”) .
يشير المسئولين الفرنسيين إلي أن هناك تأثير تبادلي لعدم الإستقرار في خليج غينيا والساحل ويعني ذلك مباشرة أن فرنسا باقية في منطقتي الساحل والصحراء ولا خفض حقيقي سيتم علي مكونات الآلة العسكرية الفرنسية فلو أن العسكرية الفرنسية ستنهي وجودها في الساحل كما تفعل الولايات المتحدة في أفغانستان التي سيكتمل إنسحابها رسمياً من هناك في موعد غايته 31 أغسطس 2021 لما أعلن وزير الخارجية الفرنسي عن إرتباط ما يحدث في خليج غينيا بما يحدث في الساحل وعملت الدبلوماسية الفرنسية في الأمم المتحدة علي تنشيط الذاكرة الدولية بتضمين البيان الصادر عن رئاسته في 17 أغسطس 2021 ما يُعبرعن قلق المجلس إزاء تصاعد القرصنة في خليج غينيا ، والتشجع على مواصلة الجهود على المستويين الوطني والإقليمي لمكافحة هذه التهديدات, ولذلك فتصريح وزير الخارجية الفرنسي مقصود به تبرير إحتفاظ فرنسا بأدواتها العسكرية بهاتين المنطقتين رغم الإختلاف البين بين الحالتين , فما يحدث في خليج غينيا قرصنة لسفن البترول غالباً ما تقوم بها مافيا مُعقدة تصل بجذورها حتي إلي بعض المؤسسات المعنية بمواجهة القرصنة ببعض دول خليج غينيا في صدارتها نيجيريا , أما في الساحل فمن يقوم بالقرصنة هي فرنسا من خلال عمليات الإستغلال المُستمر للموارد الأولية مثل اليورانيوم /الذهب / البترول والغاز الطبيعي وغيرها وهو الدافع الرئيس الذي يحرك التنظيمات الجهادية حتي تستهدف المصالح الأقتصادية والأفراد الفرنسيين , ومع ذلك صرح وزير الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drian لقناة BFM TVفي 18 يونيو2021أن بلاده قلقة للغاية من زعزعة الإستقرار ببلدان خليج غينيا حيث ينتشر التهديد الجهادي إلى دول خليج غينيا من كوت ديفوار إلى بنين عبر بوركينا فاسو وأن التسلل الإرهابي لا سيما من خلال بوركينا فاسو يؤثر اليوم على شمال هذه البلدان سواء كانت ساحل العاج أو توجو أو بنين أو غانا , وإن هناك مخاطر هناك ونقوم بالكثير في الوقت الحالي للتأكد من أن هذه الدول تنظم نفسها أيضًا لضمان أمن حدودها ومنع الإرهاب من الانتشار في هذه المناطق , كما أكدت وزيرة القوات المُسلحة Florence Parly رغبة بلادها في التعاون مع دول خليج غينيا في هذا الشأن , ويُلاحظ في تصريح وزير الخارجية الفرنسي أنه ربط ما بين القرصنة في خليج غينيا وبين ما يزعم أنه إرهاب بمنطقتي الساحل والصحراء وكان أحري به أن يربط ما بين التمرد المُسلح بمنطقة حوض بحيرة تشاد بالأنشطة المُسلحة التي تواجهها العسكرية الفرنسية بمنطقتي الساحل والصحراء علي الأقل لتداخلهما جغرافياً والتشابه في طبيعة المواجهات بهذه المناطق , لكنه تجنب ذلك ربما لتوسيع مفهوم مواجهة الإرهاب المزعوم الذي سببه الأساسي فرنسا وإستغلالها الإقتصادي وهيمنتها علي مقدرات هذه الدول ودعمها لأنظمة فاسدة فاشلة .
5- إن فرنسا تدرك يقيناً المستوي المتواضع للقوات المُسلحة لدول مجموعة الساحل الخماسية G 5Sahel وتدرك أيضاً أن القوة الأوروبية المُسماة TAKUBA وقوامها 600 عسكري من 4 دول أوروبية ودول الساحل الخمس لن يكون بمكنتها تحقيق الهدف الذي عجزت قوة عملية Barkhane العسكرية الفرنسية وقوامها 5100 عسكري فرنسي (وقبلها عملية Serva العسكرية)عن تحقيقه وهو دحر التنظيمات الجهادية المناوئة للوجود العسكري / الإقتصادي الفرنسي , فمهما زعم الفرنسيين أنهم بصدد إجراء خفض في قواتهم أو إعادة تشكيلها فلن يكون بوسع فرنسا التي يعتمد إقتصادها علي نهب الثروات والموارد الأولية بدول الساحل والصحراء بثمن بخس أن تتخلي عن آلتها العسكرية الحارسة علي إستراتيجية FRANCAFRIQUE ولهذا الأفضل عند النظر لمرحلة ما بعد إنهاء عملية Barkhane (التي تكلفت وفقاً لبيانات صحيفة Le Point Afrique في 23 فبراير 2018 نحو أربعة آلاف مليار فرنك , وتكلفت عام 2020 وفقاً للمصادر الفرنسية مبلغ 911 مليون يورو) النظر في الإستراتيجية العسكرية الفرنسية الجديدة بغض النظر عن القوة العددية ففرنسا بمزيج مُقدر من الأدوات والوسائل يمكنها تجاوز قيد الأرقام والأعداد , وبالتالي فستقوم علي تنفيذ هذه الإستراتيجية الجديدة لتحقيق نفس الأهداف التقليدية المعهودة , ومن ثم فلا يجب أن نلقي بالاً لكلام وزير الخارجية الفرنسي Jean Yves Le Drian في تصريح له في 11 يونيو 2021 قال فيه “إن الوجود الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي سوف يقوم الآن على محورين أساسيين : التعاون مع القوات الأفريقية المتواجدة على الأرض ومحاربة أشكال الإرهاب المختلفة من خلال قوة TAKUBA وأن دول الساحل يجب أن تتحمل مسؤولياتها في المناطق النائية وأن تعيد الإدارة وتعيد تثبيت خدمات التعليم والصحة والشرطة ، وباختصار يجب أن تحتل الدولة المكان الذي هو كل بلد ” , ومن حانبها وفي تصريح يخدم نفس الغرض قالت وزيرة القوات المُسلحة الفرنسية : ” إن جيوش دول الساحل لديها قدرات أكبر لمواجهة أعدائها بعد أن نفذت في الأشهر الأخيرة عمليات مشتركة مع القوات الفرنسية ” , هذا في الوقت الذي يردد فيه المسئوليين السياسيين والعسكريين بدول المجموعة الخماسية للساحل G5 Sahel إنهم لا يملكون التمويل الكافي أو المعدات الكافية لحماية دولهم من المتشددين الإسلاميين المرتبطين بالقاعدة وداعش , ويؤكد ذلك أن ضابط من بوركينا فاسو تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه لم يُسمح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام وقال: “نحن بحاجة إلى مزيد من المساعدة لمحاربة الإرهابيين لكن لسنوات أظهرت فرنسا عدم قدرتها على القيام بذلك” . fr.saharamedias.net)* بتاريخ 11 يونيو 2021)
6- لا يمكن لفرنسا أن تجري خفضاً ملموساً أو مُؤثراً علي منسوب سطوتها العسكرية بمناطق تمركزها سواء في عديدها أوعدتها بمنطقتي الساحل والصحراء فهي إن كانت مُصرة علي الحفاظ علي وتنمية مصالحها في أفريقيا وهاتين المنطقتين تعييناً فلسوف تستبدل إستراتيجيتها القديمة بأخري جديدة تحقق نفس الأهداف العسكرية / السياسية والإقتصادية لفرنسا فهي مُقيدة بتراث نفوذها الإستعماري وبمكاسبها الإقتصادية اللامحدودة والتي يحققها لها حكام وقادة فاقدي الإرادة المُستقلة والنزاهة إضافة لوجودها العسكري علي نطاق واسع والذي إستعارت له مبررات تجيزه وتشرعنه منها مواجهة الإرهاب وحماية الأنظمة الديموقراطية المصنوعة علي أعينها بواسطة الإدارة العامة للأمن الخارجي الفرنسي DGSE ألخ , ومما يؤكد ذلك أن فرنسا منذ إستقلال مُستعمراتها عنها في مستهل ستينات القرن الماضي وقعت مع أكثر من 20 دولة أفريقية فرانكفونية أكثر من 20 إتفاقية عسكرية / في مجالات الدفاع والتعاون العسكري والأمن , هذه الإتفاقيات ستنحسر علي المدي المتوسط والبعيد إذا ما قررت فرنسا الإنسحاب الكلي والنهائي عن مواقع تمركزها في تشاد ومالي وبوركينافاسو والنيجر وغيرهم , وهو ما لن يحدث مع بقاء العوامل المؤثرة في حالة ثبات , ولذلك لا حل يجبر هؤلاء المُستعمرون الفرنسيون علي الجلاء الناجز عن أراضي الساحل والصحراء إلا بالقوة القاهرة للتنظيمات الإسلامية المُسلحة تماما كحالة طالبان مع القوات الأمريكية والمُتحالفة معها الذين إستسلموا للقوة القاهرة لطالبان في قتال شرس إستمر لعشرين عاماً , فالإنسحاب العسكري (والسياسي) الفرنسي إن حدث بالقوة القاهرة سوف يخدم إستقلال هاتين المنطقتين فلطالما إستغلت فرنسا وجودها العسكري ونفوذها الثقافي والسياسي في إذكاء الخلافات والإنقسامات الداخلية بين الأحزاب والساسة وعملت علي تعميق النزعات والموجات الإنفصالية بمالي والنيجر تحديداً وماوراءهما , ومن ثم فسيُؤدي إنسحابها الذي لن يتحقق إلإ بالقوة القاهرة إلي خفض وربما ضمور في قدرات فرنسا في التحكم في إستقرار هذه المناطق ففرنسا قوة مجبولة علي التدمير في بلادنا .
من بين أهم القيود التي لابد وأنها تجبرفرنسا علي ضرورة إجراء تغيير حقيقي ملموس علي إستراتيجيتها العسكرية للتعامل مع الموقف المُتأزم في منطقتي الساحل والصحراء إنقاذا لما تبقي من ماء وجه العسكرية الفرنسية الدموية :
(1) الخشية من توغل القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM وروسيا والصين في مناطق نفوذها العسكري , فبالنسبة للولايات المتحدة هناك رابطة بين القوتين الفرنسية والأمريكية تتمثل في عضويتهما في حلف شمال الأطلنطي NATO ويمكن داخل مقر هذا الحلف في بروكسل التفاهم بشأن خطوط التماس العسكري الفرنسي / الأمريكي وإيجاد أرضية جديدة تتناسب مع النكسات التي تواجهها العسكريتين الأمريكية والفرنسية بحيث يتم تأمين مناطق النفوذ الغربية في أفريقيا من تطلعات وشراهة الصينيين والروس خاصة وأن الزحف الروسي والصيني لأفريقيا وصل بالفعل إلي مناطق نفوذ فرنسية فقد إستطاعت الصين مثلاً إقامة قاعدة عسكرية لها في جيبوتي أرسلت لها 10,000 جندي صيني تبعد بعض الكيلومترات عن القاعدتين العسكريتين الأمريكية والفرنسية هناك , أما روسيا فتشكل هماً ثقيلاً لفرنسا ففي أفريقيا الوسطي إستطاعت روسيا النفاذ إليها وقد كشف وزير الخارجية الفرنسي عن بداية صراع بينهما وصرح في18 يونيو 2021 ” لقد نفذت روسيا “الاستيلاء على السلطة” في جمهورية إفريقيا الوسطى عبر مرتزقة قوة Wagner ، ومن ناحية أخرى إعتبر أن مثل هذا التهديد غير مرجح في منطقة الساحل ” , وأتهم الوزير أفريقيا الوسطي بالتواطؤ مع روسيا ضد فرنسا وأن الميلشيات الموجودة في Bangui وبالداخل تُشرف علي نهب الثروات , ومع ذلك حاول وزير الخارجية الفرنسي إبتلاع حقيقة أن هناك تغولاً روسياً في مناطق نفوذ فرنسية (توظف شركة Wagner 3000 رجل بأفريقيا الوسطي الواقعة تحت وطأة حظر من الأمم المُتحدة علي السلاح إليها ) بقوله : ” لا أعتقد أنه خطر” فلم يُكتشف في الوقت الحالي اختراقًا روسياً كبيرًا” لكنه يُناقض نفسه وهو يشير إلي حالة أخري من التغول الروسي في مالي إذ قال : “إن هناك مخاوف القلق على وجه الخصوص من العقيد Assimi Goïta زعيم المجلس العسكري والذي تدرب في روسيا التي تبدو وكأنها بذلك وراء الانقلاب المزدوج في الأشهر الأخيرة في مالي , كما أن فرنسا قررت إزاء إتاحة الرئيس الوسط أفريقي Faustin-Archange Touadéra المجال لروسيا لممارسة نفوذها ببلاده فجمدت مساعداتها للموازنة العامة لجمهورية إفريقيا الوسطى (10 ملايين يورو) وتعليق تعاونها العسكري معها , فعملية تجميد المساعدة التمويلية وتعليق التعاون العسكري ليست بالخطوة البسيطة فهي دلالة قاطعة علي أن مكانة فرنسا في Bangui آلت إلي الذوبان , ومع ذلك إستدرك الوزير الفرنسي قائلاً “إن فرنسا ليست قلقة من أن Assimi Goïta تلقى تدريباً في روسيا بل لأن البعض ممن تدربوا في موسكو هم الآن متحالفون مع موسكو” , وهو كلام غير مُترابط وغير مفهوم إلا أنه يؤكد القلق والخشية الفرنسية من الزحف الروسي علي مناطق النفوذ الفرنسية , فكيف يمكننا الإقتناع بأن فرنسا ستتخلي عن دورها العسكري في أفريقيا والحالة هذه ؟ , فالأدعي إزاء الزحف الروسي والصيني والطموح الأمريكي ممُثلاً في AFRICOM لإزاحة فرنسا عن مناطق نفوذها بأفريقيا أن تمضي العسكرية الفرنسية في دعم قدراتها عدداً وعديداً لا خفضهما ,أضف إلي ذلك أنه سبق للولايات المتحدة أن أزاحت فرنسا وبريطانيا معاً عن منطقة نفوذهما في الشرق الأوسط بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في مايو 1945من خلال عدة أدوات منها الأداة المخابراتية بدءاً بتنفيذ الإنقلابات العسكرية كإنقلاب 23 يوليو 1952 بمصر ولبنان وسوريا والأردن وبرنامج النقطة الرابعة الذي قال عنه الرئيس ترومان في رسالة للشعب الأمريكي في يناير 1952 ” ليس في سائر نواحي سياستنا الخارجية ناحية أخطر ولا أهم من هذه النقطة , إذ لاشيئ أكثر منها أيضاحاً لما نعمل وبياناً لما نناضل وشرحاً لما نريد أن نحققه ” , وفي أواخر عام 1951كان لبرنامج النقطة الرابعة مشروعات جديدة في 33 دولة , ولهذا نجد الرئيس ترومان عندما تطرق لموضوع السلامة في الشرق الأدني شدد علي الإهتمام الأمريكي بالجانب العسكري / الدفاعي بهذه المنطقة فقال :” ونحن عاملون مع غيرنا من الأمم علي تعزيز مقدرة الشرق الأوسط الدفاعية بإنشاء قيادة له , تتولي معاونة دوله في إعداد العدة لمقاومة العدوان السوفيتي , إن سياسة أمريكا ترمي إلي ما وراء الموقف الحاضر في الشرق الأوسط ” * (سياسة أمريكا الخارجية في عام 1952 . ترجمة الأستاذ عباس حافظ . من سلسلة كتب عن السياسة الخارجية . صدر في مارس 1952 من مكتب الشئون العامة في واشنطن . صفحة 40) وكذلك برامج المعونة الأمريكية ( كمثال حصلت مصرمنذ خمسينات القرن الماضي حتي نهاية 2017علي معونات من الولايات المتحدة بلغ مجموعها حوالي 77 بليون دولار ومع ذلك لا أثر لها علي تنمية مجالات الصحة والتعليم والإسكان والري والزراعة والصناعة , وربما تجد لها أثراً بمخازن الأسلحة والمعدات لكن أثرها المُؤكد أنها أستخدمت لإدارة سياسة الولايات المتحدة مع الدول المُتلقية) وأخيراً أنشطة وكالة التنمية الدولية للولايات المُتحدةUSAID الخ * (www.jeuneafrique.com بتاريخ 11 يونيو2021) كل ذلك يُؤكد أن فرنسا لن تغامر بخفض حقيقي في دورها العسكري بمنطقتي الساحل والصحراء فهي بهذه ستفقد وللأبد لحاء شجرة الإقتصاد الفرنسي الوارفة فتذبل وتموت .
مما تقدم قد يتضح أن المسئوليين الفرنسيين متوترين إزاء المشهد الدولي العام فبينما هم يقرون بفشل عملية Barkhane العسكرية في شمال مالي يشاهدون في تزامن مدهش الإنسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان في موعد غايته 31 أغسطس 2021 وهو إقرار عملي دامغ من الولايات المتحدة بهزيمتها في أفغانستان بعد قتال ضار ضد طالبان وهم يدركون البون الشاسع بين قدرات عسكريتهم والعسكرية الأمريكية , وربما كان ذلك أحد أهم أسباب إدلاء المسئولين الفرنسيين بتصريحات إما أنها متناقضة مُتخبطة أو أنها تفتقد الدقة , خذ عندك مثلاً ما قاله مصدر دبلوماسي فرنسي وهو يعلق علي التوغل الروسي في أفريقيا الوسطي إذ قال : ” في منطقة الساحل على عكس جمهورية إفريقيا الوسطى “لا يوجد ماس ولا موارد طبيعية لتمويل المجهود الحربي ” * (المصدر السابق) فماذا يقول هذا المصدر علي إستغلال فرنسا ليورانيوم النيجر (ثاني أكبر منتج عالمي لليورانيوم) بناء علي إتفاقيات معيبة لصالح فرنسا لتموين 48 مفاعل نووي بفرنسا لتوليد الطاقة الكهربائية بها ولما حاول رئيس النيجر Mamadou Tandja التوصل لإتفاقية جديدة مع فرنسا لإستغلال منجم يوانيوم Imoraren ثاني أكبر منجم بالعالم ليصون حقوق ومكاسب بلاده فيه دبرت فرنسا مع الولايات المتحدة إنقلابا عسكرياً في 18 فبراير 2010 أطاح بالرئيس Tandja وجيئ بنقيب خامل الذكر ليرأس ما سُمي بالمجلس الأعلي لإستعادة الديموقراطية C S R D قضي عام سلم فيه النيجر ثانية لفرنسا .
7- مما يُؤكد أيضاً أن إنهاء عملية Barkhane في شمال مالي التي صرح مسئولين فرنسيين معنيين أنها ستُتبع بعملية إعادة تشكيل للقوات الفرنسية في منطقة الساحل أو بشمال مالي تحديداً بحيث ينخفض عدد قوة عملية Barkhane من 5100 إلي 2500 أو ثلاث الآف عنصر عسكري من عناصرها , أمر لا ينسحب معناه علي الدور العسكري أو الإستراتيجية العسكرية الجديدة لفرنسا في أفريقيا ومنطقتي الساحل والصحراء تحديداً أنه لم يُرصد حتي الآن مثلاً تحرك فرنسي لتعديل أو إعادة صياغة لإتفاقيات الدفاع والتعاون العسكري الفرنسي المُشترك مع دول الساحل والصحراء , وليس لهذا سوي معني واحد هو أن الدور العسكري الفرنسي بالقارة يظل كما هو بل في تقديري أن فرنسا ستشرع في تحديث هذه الإتفاقيات لتتسع فتعوض الخفض النسبي (وهو في النهاية غير حقيقي خاصة لو وُضعت خطط عسكرية جديدة بناء علي مزيج يتضمن تسليحاً نوعياً مختلفاً وتكثيف الإستعانة بالطائرات المُسيرة التي لا تستخدمها فرنسا فرنسا في مسرح عمليات الساحل رغم أنها أُستخدمت بمعرفة دول أخري كتركيا في ليبيا وناجورنو كاراباخ وشمال سوريا (شهدت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية Florence Parly في 7 يوليو2021 عرضًا ناجحًا للتدمير أثناء الطيران لطائرة صغيرة بدون طيار باستخدام الليزرتعمل بنظام Helma-P الذي طورته شركة SME Cilas الفرنسية ، وهو نظام تجريبي تأمل فرنسا أن يكون جاهزًا للعمل في عام 2024وتحقق هذه الطائة 3 مهام هي الكشف والتوصيف والتحييد) , وقد تتضمن الخطط الجديدةإعادة نشر القوات الفرنسية في نقاط جديدة ومتنوعة وبناء شراكات متطورة لتعوض الخفض النسبي في القوات علي إفتراض أنه خفض حقيقي , وقد تشمل هذه الشراكات دول لديها إستعداد سياسي للتعاون مع فرنسا مثل الإمارات (التي مولت عملية Serval) ومصر والمغرب والكيان الصهيوني لدرء أخطار ومُهددات ما تزعم فرنسا أنها إرهاب حماية لمصالحها .
8- ألقي مصرع الرئيس التشادي إدريس ديبي في 20 أبريل 2021 وكان حليفاً مُلماً تمام الإلمام بكيفية حماية المصالح الفرنسية ويدير جيشه وأراضي دولته فقط خدمة لهدف حماية هذه المصالح ويحاول إبنه الذي تولي السلطة مع مجلس عسكري مكون من جنرالات موالين لأبيه الصريع يحاول إستعادة مركز تشاد كما كان في عهد أبيه لدي الفرنسيين (تقع تشاد بين “مقاتلين جهاديين يجوبون صحراء ليبيا شمالاً وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الناشط في الغرب ومتمردي وميليشيات الجنجويد التي تقاتل في إقليم دارفور السوداني إلى الشرق ولذلك قدمت تشاد نفسها كمقاول مُضاد لما يُسمي إرهاباً وكان استعدادها التلقائي للتدخل في الأزمات الإقليمية يساعد واشنطن على تجنب الانجرار إلى صراعات أفريقية وأثبتت تشاد أنها مفيدة في تنفيذ المهام التي لا ترغب الولايات المتحدة ولا فرنسا في القيام بها) ولذلك وفي سرية أجرى المضيف التشادي الجديد الجنرال (30 عاماً) محمد ديبي مقابلة سرية بقصر الإليزيه مع الرئيس ماكرون في 5 و 21 يوليو 2021 للتحضير لقمة الساحل G5Sahelالإستثنائية , كذلك الزحف الروسي والصيني في أفريقيا عموماً وفي بعض مناطق النفوذ الفرنسي في مستعمرات فرنسا السابقة وتعقد الموقف السياسي في مالي خاصة بعد الإنقلاب العسكري الأخير في مايو 2021 (الذي لروسيا إتصال به) وتعليق فرنسا عملياتها العسكرية المُثشتركة مع الجيش المالي بدءاً من 3 يونيو 2021 للضغط علي العسكريين حتي يسلموا السلطة لمدنيين (هكذا أعلنت فرنسا رغم أنها دعمت إنقلاب عسكري آخر في تشاد في مايو 2021الجنرال محمد إدريس ديبي وزمرته العسكرية للإمساك بزمام السلطة خلافاً لما نص عليه دستور تشاد بتولي رئيس البرلمان في حال وفاة الرئيس) لكن فرنسا عادت في 4 يونيو 2021 فأعلنت عن إستئنافها التعاون العسكري مع الإنقلابيين في مالي بقيادة Assimi Goita , هذه المواقف الفرنسية المُهتزة المُتخبطة في مالي وفي أفريقيا الوسطي وفي عموم دول الساحل بدرجة أو بأخري تعني أن الوجود العسكري الفرنسي فقد بعضاً من توازنه بعد مصرع الحلبف الرئيسي لفرنسا في الساحل الرئيس إدريس ديبي في 20 أبريل 2021 مما أدي مع إشتداد وتيرة هجمات المُسلحين الإسلاميين إلي إتخاذ فرنسا للقرار الإضطراري بإنهاء عملية Barkhane في 10 يونيو 2021, ومع ذلك يظل الموقف الفرنسي في مالي غير مُستقر ومُرشح للمزيد من التباعد في وجهات نظر الماليين أنفسهم وفرنسا الرسمية , ففي 16 يوليو 2021 نظم أعضاء تجمع الدفاع عن الجيش (CDM) وأنصارالجبهة من أجل الاندماج والتجديد في مالي (FER-Mali) مسيرة سلمية هدفت المناداة بالتحرك نحو إعادة ومراجعة (إتفاقيات) التعاون العسكري لمالي مع فرنسا ، والذي قالو أنه : “أصبح فاشلاً ، ولم يجلب السلام ولا الأمن ولا المصالحة” , وخلال هذه المسيرة الاحتجاجية ضد اتفاقية الدفاع بين مالي وفرنسا ،أعلن محمد عثمان أج محمد ، رئيس حركة استعادة الكرامة من أجل حماية الأمة المالية (MRDSNM) ،وأن قوة Barkhane أصبحت اليوم قوة معارضة بين الدولة المالية وشعبها , المشكلة في مالي هي فرنسا وهي الإرهابية والجهادية ، وأصل كل الشرور التي تعيشها مالي ونحن بحاجة إلى الشجاعة لنقول ذلك ، فالجماعات المسلحة تريد مالي ولهذا السبب هم موجودون هنا اليوم بعلم مالي كلها ، كدليل على تفرد مالي على احترام السلامة والسيادة وان “السلطات الفرنسية ليست في مالي لمصلحة مالي وانما لمصلحة فرنسا ” , وسيكون سيكون من الضروري والحالة هذه تطبيق “القانون 04-051 بشأن تنظيم الدفاع عن الأراضي الوطنية الذي يخلق تآزرًا عسكريًا ومدنيًا بحيث يكون كل مالي هي الوصي على جزء من اإقليم دولة مالي (يقصد شمال مالي حيث تتمركز القوات الفرنسية) ,
تلعب القوات الفرنسية دور الشرطة والدرك بين سكان مالي في الشمال ممايمنع الجيش المالي من التنظيم بشكل صحيح وهي حقيقة فمنذ بدء التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي عام 2013 ومالي غير مُستقرة وتكررت فيها الإنقلابات العسكرية عديمة الجدوي , هذا بالإضافة إلي شدة الإنقسامات الداخلية خاصة بعد اغتيال رئيس تنسيق حركات أزواد في 13 أبريل 2021 , وقد شكلت هذه التطورات معاً مزيداً من التحديات أمام العسكرية والدبلوماسية الفرنسية , ومن ثم فلا فرصة لتراجع فرنسا عن دورها العسكري في الساحل والصحراء تعييناً وستظل ترفض الحوار مع التنظيمات الجهادية , فالإتجاه الغالب للسياسة الفرنسية تاريخياً في مثل هذه المواقف أن التحدث مع الجهاديين هو نوع من الاندفاع المتهور , وهذا خلافاً لما فعلته الولايات المتحدة مع طالبان فهناك تيار في فرنسا لا يقبل نظرية التشابه بين حالتي طالبان والتنظيمات الإسلامية المُسلحة في الساحل وهذا التيار يقوده الرئيس نفسه إذ قال في سياق مقابلة مع TF1 في 29 أغسطس 2021 : ” إن التدخل الفرنسي في منطقة الساحل يختلف عن تدخل الأمريكيين وحلفائهم في أفغانستان ولولا الجيش الفرنسي لانهارت دول كثيرة (بالساحل) تحت ضربات الجماعات الارهابية” , يؤيد وجهة النظر هذه كثيرون في فرنسا منهم Sputnik Nicolas Normand سفير فرنسا السابق في مالي الذي صرح بقوله : ” ليس من الموضوعية الحديث مع إياد أج غالي لأنه في الظروف الحالية سيكون بمثابة استسلام فأياد أج غالي يدعو إلى انسحاب القوات الأجنبية ” , علي أية حال فإن إنهاء عملية Barkhane التي كانت نتيجة واضحة لقوة المواجهة المُسلحة لتنظيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين GSIM (وفقًا لبيانات مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (ACLED) كان عام 2020 أكثر الأعوام دموية منذ اندلاع الحرب في منطقة الساحل ) ليست إنسحاباً بالمعني العريض وإنما دليل لفشل عسكري فرنسي وبداية لعملية إعادة تدوير Recyclage الدور العسكري الفرنسي في منطقتي الساحل والصحراء ليس إلا – حتي إشعار آخر – وهو بهذه الكبفية فإن ما يزعم البعض من أن إنسحاباً عسكريا فرنسيا قد حدث في شمال مالي ليس حقيقيقاً فهو ليس كإنسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في 31 أغسطس 2021ومن الصومال في يناير 2021 بأمر رئاسي في عهد الرئيس السابق D . Trump خفضاً للتكاليف وهو القرارالذي قُوبل بمقاومة من الحكومة والمعارضة الصومالية (؟؟؟) ومع ذلك مازالت الولايات المتحدة تقوم بضربات جوية في الصومال فمنذ تولي الرئيس Joe Biden الذي يتوق لإعادة نشر قوات أمريكية في الصومال نُفذت 3 ضربات جوية آخرها ضد معسكرات تنظيم الشباب بوسط الصومال في أغسطس2021 – لكن فرنسا التي ذهنيتها مُفعمة بالأفكار الإستعمارية حائرة وهي ثابتة في مفترق طرق فلا هي بقادرة ولا راغبة في الإنسحاب من الساحل والصحراء ولا هي قادرة علي تحمل شدة ضربات التظيمات الإسلامية المُسلحة في ظل حكاومات ضعيفة موالية لها , لذلك ففرنسا منذ 2012 تخوض في مُستنقع شديد الوحولة هي أول من صنعه بهدف إضعاف منطقتي الساحل والصحراء كي تتسيد المنطقتان وإذا بأقدامها تغرس فيه , ومع ذلك مازالت فرنسا تصم آذانها عن أصوات من هنا وهناك تدعو إلي الحوار والتسوية مع التنظيمات الإسلامية كان منهم الرئيس المالي الراحل الجنرال Amadou Toumani Touréالذي أُطاح به إنقلاب عسكري دعمته فرنسا في 22 مارس 2012 قبل شهر واحد من إنتهاء ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة لمجرد أنه لم يستجب لرؤية فرنسا في مواجهة التنظيمات الإسلامية المُسلحة في شمال مالي الداعية إلي إستخدام القوة العسكرية في شمال مالي مُجردة , لكنه رفض وقاوم الهج الفرنسي القائم علي الإعتماد الكلي علي الآلة العسكرية تجنباً لتمزيق النسيج الإجتماعي القبلي هناك مُفضلاً نهج الحوار مع هؤلاء مما أثار حفيظة الفرنسيين فدبروا هذا الإنقلاب ضده , وبرر الإنقلابيين ومعهم الإعلام الفرنسي الإنقلاب بالقول بأن” نظام الرئيسAmadou Tomani Toure لم يدعم جيش مالي بالقدر الكافي في معركته مع متمردي الطوارق بشمال مالي “(جيش مالي الذي هرب وتخلي عن مواقعه أمام عناصر الحركة الوطنية لتحرير أزواد عندما أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA الإنفصال عن مالي في 6 أبريل 2012 بريل 2012وسحقهم تنظيم أنصار الدين الإسلامي محافظاً علي التكامل الترابي لمالي) وهؤلاء المُقاتلين من أنصار الدين من الطوارق والعرب رددت مصادر مخابراتية غربية إنهم إكتسبوا قوة إضافية من إنضمام مُقاتلين خدموا عسكرياً نظام القذافي الذي بعد سقوطه تدفقت أنواع معينة من السلاح من ترسانته , وقد تزامن هذا الإنقلاب مع إضطراد الإهتمامات العسكرية الفرنسية والأمريكية بالصحراء الكبري (تتبعت أثناء عملي بالنيجر وتحديداً في أغسطس 2010 مهمة فني أمريكي يهودي كان يعمل في أرصاد مطار ديوري هاماني بالنيجر , كلفته الجهات الأمريكية المعنية بالبنتاجون برحلة عبر الصحراء الكبري بدأت من شمال النيجر مروراً بتشاد (فايا لارجو) إنتهاء بالصحراء المصرية الغربية وكان الهدف تركيب هوائيات فائقة التطور في رمال هذه الصحاري وأعتقد أن لهذه الهوائيات المطمور معظمها في رمال الصحراء لها علاقة بمهمات الطائرات التي بدون طيارDrones , كل ذلك جري ونحن نيام) كما أن الإتحاد الأوروبي بدوره أعلن في 23 مارس 2012 أي بعد يوم واحد من إنقلاب مالي عن إرساله بعثة خبراء لمنطقة الساحل لتدريب قوات الأمن بدول الساحل “لمواجهة تنامي “التهديد الإسلامي” وأنها أي البعثة ستتموضع في منطقة بشمال نيجيريا .
9- لا شك أن الغضب الشعبي في أوساط سكان منطقتي الساحل والصحراء بل وفي مراكز صنع القرار بداخل النظم السياسية الحاكمة في هاتين المنطقتين مُضطرد بوضوخ لسبب بسيط هو العناد الفرنسي علي عدم تحقيق إنسحاب عسكري من المنطقتين رغم فشل عملية Barkhane ومقارنة هؤلاء جميعاً الواقعية الأمريكية التي تحرتها الولايات المتحدة بإتخاذ قرار الإنسحاب العسكري مع حلفاءها من أفغانستان بالرغم الضعف النسبي للقوة العسكرية الفرنسية مقابل القوة العسكرية للولايات المتحدة التي لديها 9 قيادات عسكرية (منها 3 وظيفية) تغطي العالم , وقد تجلت عدم الواقعية الفرنسية في قمة Pau بفرنسا في 13 يناير 2020 وكان هدفها المُعلن : مناقشة الوضع في منطقتي الساحل والصحراء بينما الحقيقة أنها عُقدت نتيجة غضب Macron من الاحتجاجات المناهضة لفرنسا في ثلاث دول بغرب إفريقيا , وقد حضر هذه القمة الرؤساء الخمس للدول التي تشكلت منها مجموعة الساحل الخماسية التي بذلت فرنسا جهوداً دبلوماسية وصلت إلي حد التسول لطلب مساهمة المجتمع الدولي فيها حتي أن دول كرتونية خليجية هي السعودية والإمارات العربية وقطر ساهمت في هذه القوة التي تحقق هدف حماية مصالح فرنسا هناك , ورغم ذلك لم يسلم رؤساء دول الساحل الخمس من وقاحة الرئيس الفرنسي حيث قال ” أعرف أن من يحتضر من أجل مواطني النيجر ومالي وبوركينا فاسو هم الجنود الفرنسيون” , مع أن هناك عدد كبير من العسكريين والمدنيين من دول الساحل (خاصة النيجر ومالي ففي عام 2019 فقط قُتل ما يقدر بنحو 4000 شخص في دول الساحل الخمس وبالكاد لا يمر شهر دون وقوع مذبحة) كل هؤلاء لقوا حتفهم بسبب التدخل العسكري الفرنسي هناك بل إن جنوداً من النيجر لقوا حتفهم بالخطأ من قبل جنود فرنسيين في أحد عملياتهم بالنيجر , لكن لا بأس فالساسة الفرنسيين يفضلون الكذب غالباً , فبعد قمة Pau قتل 89 جنديًا من النيجر في هجوم واحد على قاعدة عسكرية وفي الشهر السابق قتل 71 جنديًا في هجوم آخر , وهي ليست أول مرة يردد فيها الرئيس الفرنسي هذه العبارات المُسيئة ففي كلمته التأبينية 2 ديسمبر 2019 بمناسبة مصرع 13 من العسكريين الفرنسيين المُشاركين في عملية Barkhane operation العسكرية بشمال مالي ضد الجهاديين الماليين (المعارضين المُسلحين للوجود الفرنسي بمالي) قال الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron ما نصه : ” هؤلاء قضوا وهم يُقاتلون من أجل فرنسا , ومن أجل حماية شعب الساحل (جغرافياً 13 دولة أفريقية) ومن أجل زملاءهم في الوطن وحرية العالم بأسره” , كان من الممكن أن يُصدق المرء نصف هذه العبارة أي نصدق أن هؤلاء الذين جاؤا من بلادهم لقتل شعب مالي ويقتلون عن إيمان ووطنية فرنسية من يدافعون عن السيادة المُهدرة لهذا البلد : مالي , إنما فعلوا ذلك من أجل فرنسا أو بمعني أوضح من أجل إستمرار النهب الفرنسي المُنتظم لموارد هذا البلد منذ إستقلاله عن فرنسا في 22 سبتمبر 1960 , وأخيراً وتدليلاً علي هذه الجزئية أشير إلي أن أشير إلي أن الرئيس Macron خلال زيارته للنيجر في 22 ديسمبر 2019 قال للقادة الأفارقة الذين “إستدعتهم ” الحكومة الفرنسية للنيجر للمشاركة في مراسم تأبين 71 جندي نيجري قُتلوا في عملية عسكرية بقاعدة عسكرية هناك قال : ” أدعوكم لإتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه المشاعر المُضادة للفرنسيين من قبل بعض الحركات ( التي تجنب تسميتها) , وواصل كلامه لهم ليقول ما نصه “مالم تكن هناك إدانة سياسية واضحة للمشاعر المُضادة للفرنسيين , فلن يكون بإمكاني الموافقة علي إرسال جنودنا لأراضي هذه البلاد” , وواضح للأسف أن هذا الفرنسي يقايض قادة هذه الدول الأفريقية بالدفاع عنهم إن دافعوا هم أولاً عن مصالح فرنسا تماماً كما فعل الرئيس الأمريكي Trump عندما قايض دول الخليج بالدفاع عنها وحماية قادتها مقابل دعم وتنمية المصالح الأمريكية وأمن الكيان الصهيوني , لكل ذلك يمكن القول بأن ما يدركه هذا الرجل المثير للسخرية Macron ومن حوله جيداً هو أن الحرب في الساحل وحشية ودامية ولا يمكن لفرنسا ولا غيرها الانتصار فيها .
لقد صبت شعوب دول مجموعة الساحل الخماسية جام غضبها علي فرنسا التي أذكي تدخلها العسكري الغبي نيران الحقد وفاقم الإنقسامات الداخلية وقد آن لهذا الغضب أن ينتقل كالنيران ليحرق تلك الحكومات غير الشعبية في الساحل تلك التي مكن رؤساءها للعسكرية والدبلوماسية الفرنسية أن تعبث وتتلاعب بهم بذريعة الإرهاب الذي هو في الأصل قتال لمن جاءوا ليسرقوا وينهبوا ثروات بلادهم ويتبجحون بوصف هؤلاء المُقاتلون بالإرهابيين والمُتطرفين , وقدتظاهر عشرات الآلاف في مالي بانتظام على مدى عامين ضد الحكومة المالية نفسها , ولهذا استقالت الحكومة المالية بأكملها في أبريل 2020, وسينتقل هذا الغضب إلي الحكومات إن تمادت فرنسا في عنادها ولذلك دون وزير خارجية مالي السابق Tiébilé Draعلى تويتر مُؤخراً مُعلقاً علي الفشل العسكري الأمريكي في أفغانستان والانسحاب المتسرع من كابول فقال : ” إن مثل هذا الفشل يجب أن “يجعل مالي والساحل يفكران” , والنيجر نفسها مُرشحة للمزيد من عدم الإستقرار بعد إنتقال مركز العمليات العسكرية الفرنسية من تشاد إلي النيجر , ومن الغريب أن لا يدرك رئيسها الجديد محمد بازوم أن بلاده ستلقي مصير مالي إن أتاح أراضي بلاده لهؤلاء الفرنسيون الأغبياء وعسكريتهم التي لا تسجل نجاحاً سوي مع السكان العزل بينما يمعن الجهاديون في ركل مؤخرات جنودهم ,وبالرغم من مما تقدم بيانه فلا يبدو أن العناد الفرنسي سيتوقف فقد حذر امرشح الرئاسة الفرنسية Xavier Bertrand في تصريح له نُشر في 25 أغسطس 2021 قال فيه “دعونا لا نرتكب نفس الخطأ في منطقة الساحل مثل الأمريكيين في أفغانستان , يجب أن تستمر فرنسا بمساعدة الأوروبيين في تحمل مسؤولياتها هناك ” .
10- إن إستمرار فرنسا في عنادها وعدم التخلي عن الأداة العسكرية التي لم تسجل نجاحاً يُذكر في تحقيق هدفها الرامي إلي إستئصال شأفة ما تزعم أنه إرهاباً في منطقتي الساحل والصحراء سيؤدي علي المدي المنظور إلي مزيد من الإحراج لنظم الحكم في هاتين المنطقتين مما قد يدفع حكام هذه الدول (خاصة قادة دول مجموعة الساحل الخماسية G5Sahel ) إلي الخيار السلمي أي الحواروربما التفاوض في مرحلة ما للتعاطي مع مسألة الإرهاب المزعوم أو بمعني أصح المعارضة الإسلامية وغير الإسلامية الرافضة للوجود العسكري والنفوذ السياسي والإقتصادي الفرنسي في أوطانهم , وهو إتجاه بدأ في مالي وتبناه الرئيس المالي الأسبق Amadou Tomani Toure , وتجدد ثانية في أواخر أكتوبر 2020 أو ربما قبل ذلك إذ بدأت الإشارات والعبارات المُتناقضة وتلك الواضحة تُنقل عبر الإعلام الغربي بشأن مستقبل التدخل والوجود العسكري الفرنسي في شمالي النيجر ومالي , ومن بين هذه العبارات تصريح Moctar Ouane رئيس وزراء مالي المُؤقت نُشر في 26 أكتوبر 2020 وقال فيه ” إنني منفتح على محادثات مع متشددين إسلاميين الذين جعل تمردهم مناطق شاسعة من البلاد غير قابلة للحكم ” مُوضحاً أن : ” استنتاجات المحادثات الوطنية الشاملة أشارت بوضوح شديد إلى ضرورة عرض الحوار مع هذه الجماعات المسلحة ” , بل إن هذا الإتجاه يمكن رصده في فرنسا نفسها من واقع ما صرح به مصدر غير مُسمي بمكتب الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron ونشرها موقع The Defence Post بتاريخ 22 ديسمبر 2020 حيث قال : ” قد تدعم فرنسا المحادثات مع بعض العناصر الجهادية في منطقة الساحل المضطربة في أفريقيا ، وسيكون الحوار مع بعض عناصر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM) “ممكنًا ” , لكن هذا الإتجاه قد يلقي معارضة منة صقور الإدارة الفرنسية الشغوفة بإستدعاء مجد العهد الإستعماري الفرنسي , فالسيد Jean-Marie Bockel وهو سياسي فرنسي حالياً ووزير دفاع فرنسا الأسبق عام 2008 يري أن التفاوض مع الجهاديين خطأ مأساوي وقاتل لن يفيد وسيفسد كل الجهود والتضحيات (الفرنسية طبعاً) .
11- بعد الخفض النسبي في عدد القوات الفرنسية في شمال مالي وإنهاء عملية Barkhane العسكرية , من المنطقي أن يزيد التعويل العسكري الفرنسي علي قوة الساحل الخماسية G5 Sahel , ولذلك سبق إنهاء عملية Barkhane إجتماع في 13 يناير 2021في Pau بفرنسا لتوضيح تعاونها مع فرنسا (كان مقرراً عقده في ديسمبر 2020 لكنه تأجل عقب الهجوم الإرهابي في Inates بالنيجرالذي قتل فيه أكثر من 70جنديًا نيجري) ورأي مُراقبون أن قصر الإجتماع علي توضيح تعاون دول مجموعة الساحل الخماسية مع فرنسا يعني أنهم جميعاً لم يعودوا يتحدثون نفس اللغة أي أنهم مُختلفين , ومع ذلك ففي تقدير هؤلاء أن إجتماع Pau لا يُتوقع أن يصدر عن رؤساء دول مجموعة G5 Sahel قرارًا بإنهاء الشراكة مع فرنسا بل على العكس من ذلك ، سوف يدعون إلى زيادة القوة والوسائل المتاحة لحليفهم وسيطلبون من الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال تبنى قضية التحالف ضد الإرهاب في منطقة الساحل , وفي تقديري أن الخفض العددي في قوة Barkhane البالغة حوالي 5100 عسكري فرنسي سيُؤثر ليس فقط علي أداء بل وعلي وجود قوة الساحل الخماسية نفسه وهو ما تتجنبه فرنسا حتي الآن , ولهذا عُقد إجتماع طارئ لوزراء دفاع دول مجموعة الساحل الخماسية في Niamey في 31 أغسطس 2021تم خلاله إطلاع وزراء دفاع المجموعة على تطورات الوضع الأمني والتدابير الإستراتيجية الناتجة عنه ، من أجل إعادة تحديد الدور المستقبلي للقوات المسلحة في هذه الدول والقوة المشتركة لمجموعة الساحل والقوى الشريكة , ويُلاحظ بعد إعلان فرنسا إنهاء عملية Barkhane تصاعدت وتيرة حديث الرئيس الفرنسي والمسئوليين الفرنسيين الذين يتناولون ملف الساحل عن التنمية حنباً إلي جنب مع المواجهة العسكرية , وهو بالطبع حديث فارغ من المضمون ففي منتدي باريس من أجل السلام الذي عُقد في 12 و13 نوفمبر 2019 الذي حضره عشرات من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية منهم رؤساء دول الساحل الخمس الذين أشاروا في كلماتهم إلي مساعدات الأمن والتنمية لبلادهم وأعتبروا أن المجتمع الدولي غير موجود حيث يستمر الوضع في التدهور , إما رئيس مالي Ibrahim Boubacar Keïta فأعرب في كلمته أمام الحضور عن أسفه لصمم العالم لدعواتهم للتضامن وهو ما أمن عليه الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي وقال الرئيس المالي : ” لقد وعدنا الأصدقاء والمانحون والشركاء الفنيون والماليون بأكثر من 12 مليار دولار لتطوير هذا المجال الحساس , لقد وضعنا خططنا ولكن حتى اليوم الذي أتحدث فيه ، لم يتم تمويل أي من هذه المشاريع فليس لدينا التمويل ” وقال رئيس النيجر Mahamadou Issoufou الذي كان أكبر المُحرضين علي التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي وسار ركب من المركبات العسكرية المُتجهة لمالي في شوارع عاصمته نيامي أمام الشعب الذي عبر عن حنقه من المشهد قال : “نشعر بالوحدة , يتم الاستماع إلينا بأدب بابتسامة صغيرة مدركة ولكن لا نجد الكثير عندما تصل لبلادنا ” .
لقد تحركت دول الساحل الخمس سريعاً إما بتنسيق فرنسي أو فزعاً وخشية من الفارغ الذي ربما ينتج عن الإستراتيجية العسكرية الفرنسية الجديدة والتي ستُوضع أو أنها وُضعت فقط حماية للمصالح الفرنسي دونما إعتبار لمصالح دول الساحل الخمس التي توجد قوتها العسكرية الخماسية مع قوة الأوروبية التي لن يكون بوسعها فعل ما حاول الفرنسيين فعله وفشلوا , وفي هذا الإطار إستضافت نيامي عاصمة النيجر – التي إنتقل إليها مركز العمليات العسكرية الفرنسية – يومي 31 أغسطس إلى 1 سبتمبر 2021 اجتماعًا للوزراء المسؤولين عن الدفاع الوطني ورؤساء الأركان العامة لجيوش دول مجموعة الساحل الخمس G 5 Sahel من أجل تحديد نهج جديد يتم اعتماده لتقليل العواقب التي يمكن أن تولد الوضع الأمني الجديد وإعادة النظر في المفهوم الاستراتيجي للقوة المشتركة للساحل G 5 Sahel من أجل تكييفها مع السياق الأمني الحالي بالتنسيق مع القوات الشريكة المُتمركزة بالمنطقة ، هذه هي الأهداف المخصصة لهذا الاجتماع وقد شارك في الحفل الوزراء المسؤولون عن الدفاع الوطني للدول الخمس الأعضاء في مجموعة G 5 Sahel ورؤساء أركانهم ، وفي هذا الإجتماع أشار وزير الدفاع الوطني النيجري إلى أنه في مواجهة تحديات كبيرة ، بما في ذلك تلك المتعلقة بالأمن والتنمية والتي تهدد استقرار الدول الأعضاء في مجموعة الساحل الخمس ، فإن حكومات هذه الدول ملتزمة بموجب قيادة رؤساء دولهم وحكوماتهم بتوحيد الجهود من خلال إقامة نظام أمني عالمي في إطار هذا الفضاء شبه الإقليمي من أجل مكافحة فعالة ضد التهديد الإرهابي ونتائجه ، وأشار إلي أنه من الواضح أن الحالة الأمنية في جميع أنحاء فضاءنا المشترك لا تزال متقلبة وغير قابلة للتنبؤ إذ لا يزال الأمر مقلقًا بشكل خاص في المنطقة الوسطى للقوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس والمعروفة باسم منطقة الحدود الثلاثة أو Liptako Gourma مع التهديد المستمر والمتزايد لأنشطة الجماعات الإرهابية المسلحة ولا سيما جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM) والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (EIGS) , وأضاف أن الإعلان عن انسحاب قوة Barkhane من شمال مالي وتحولها المستقبلي هو وضع أمني جديد يجب أخذه في الاعتبار , ويجب إعطاء مكانة مهمة للإجراءات الثنائية والمتعددة الأطراف ، لإبراز قدراتنا الخاصة”.
أشار وزير الدفاع الوطني التشادي اللواء فيلق الجيش داود يايا إبراهيم ، إلى أن الهدف من هذا الاجتماع هو مناقشة البعد الجديد لمحاربة الجماعات الإرهابية المسلحة في قطاع الساحل وبشكل أدق في المنطقة فهناك مناطق مختلفة تشكل مسارح عمليات G5 Sahel Force , وأوضح “إن القرار الفرنسي بإعادة تشكيل قوة Barkhane والذي يتم تنفيذه لا محالة يتطلب اتخاذ تدابير مفيدة وعاجلة لتوفير استجابات مناسبة لقوة الساحل G5 وشدد القول بانه لا ينبغي لهذا الوضع الجديد أن يؤثر بأي شكل من الأشكال سلبًا على المهام الموكلة إلى القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس .
أعتقد أن دول الساحل الخمس تنتظر زيادة الدعم التنموي والعسكري الفرنسي ملموس لمؤسساتها وكذلك للقوة العسكرية الخماسية , , وهذا ما سيكون موضوعاً للتوتر بين هذه الدول وفرنسا التي أثقل وجودها العسكري في المنطقة الإعباء علي خزانتها وهذا ما كان من بين أسباب قرار الخفض في عملية Barkhane .
تداعيات إستمرار الدور العسكري الفرنسي في منطقتي الساحل والصحراء:
- 1- فتح الطريق أمام المزيد من الإنقلابات العسكرية :
إن إنهاء عملية Barkhane العسكرية الفرنسية ينصرف معناه إلي فشل مزدوج للعسكرية الفرنسية وجيوش دول مجموعة الساحل الخماسية G5 Sahel في نفس الوقت , وسوف تنفك هذه الرابطة التي عُقدت ما بين عملية Barkhane ومجموعة الساحل الخماسية إثر إنهاء هذه العملية بالطبع لتنتقل هذه الرابطة لتكون بين جيوش دول مجموعة G5 Sahel وعملية Task Force Takuba الأوروبية التي تتكون من عناصر عسكرية من دول G5 Sahel , وفي هذا الإطار يُشار إلي أن البرلمان الأوروبي إعتمد قرارا قدمه النائب الأوروبي الإسباني Javier Nart بشأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا في مجال الأمن أعرب اعضاء بهذا البرلمان عن إعتقادهم بأنه يعبر عن إعقيدة أوروبية جديدة تُعد نقلة نوعية في السياق الجيوسياسي لمنطقة الساحل مركز الهجمات التي تنفذها الجماعات “الإرهابية” , إذ أنه سيُغير وبعمق العقيدة الأوروبية بشأن السياسة الخارجية والأمنية إذ بموجبه سيكون لدى أوروبا إمكانية توفير الأسلحة والمعدات بفضل أداة توفر آلية تمويل التي تعزز الدعم للقوات المسلحة للدول وقواتها المشتركة كما تنص علي ذلك الفقرتان 17 و 29 من هذا القرار , أشار هذا القرار إلي تضامن أوروبا مع بوركينا فاسو ومالي والنيجر وهي البلدان المتضررة بشدة من “الإرهاب”، ورحب ببعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي MINUSMA والقوة الخماسية للساحل G5 Sahel وعملية الفرنسية Barkhane ومجلس التنسيق الإقليمي الأوروبي CCCR وبعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في مالي EUCAP Sahel و GARSI-Sahel(مجموعة العمل السريع في الساحل) و EUTM Mali (بعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية في مالي) , طبعاً يُلاحظ أن كل هذه الزحمة وهذا الزخم العسكري / الأمني في هذه المنطقة ليس لوجه الله إنه الإفتراس الأوروبي لثروات هذه الدول وحماية هذا النهب لجعله مُستمراً وهذا هو الإرهاب بمعناه العريض فلم يتمكن 15000 جندي تتشكا منهم قوة الأمم المتحدةمن Minusma ولا برامج التدريب الأمني الأوروبي EUTM و EUCAP من تغيير الوضع بالساحل كما لم يفِ المجتمع الدولي نفسه قط بالتزاماته المالية فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية .
لكن محصلة تعاون جيوش الساحل خائرة القوة الجاهزة فقط للإنقلابات العسكرية في حالتي التعاون مع عملية Barkhane العسكرية الفرنسية المكونة من 5100 عسكري فرنسي أو Task Force Takuba الأوروبية المكونة من 600 عسكري من دول مختلفة في مستوي عسكرية كل منها سيكون مآلها أن جيوش دول مجموعة الساحل الخماسية التي لم تسجل نجاحاً في تعاونها مع أي منهما ستقاوم الإتجاه نحو مواجهة ” الجهاديين” أو “الإرهابيين” وهو المُسمي المُفضل لدي هؤلاء اللصوص ومن مكنهم , لذلك من قبيل المبالغة القول بأن Task Force Takubaالمكونة من 600 عنصر من دول مختلفة ستحقق الهدف الذي عجزت Barkhane المكونة من 5100 جندي فرنسي عن تحقيقة طيلة 7 سنوات , وهو موقف يسوقنا إلي الإشارة إلي أن القاعدة المنطقية والتاريخ نفسه يُؤكد أن الجيوش غير الكفئة أو الجيوش الفاشلة مهنياً وهي بالقطع جيوش دول مجموعة الساحل الخماسية التي لم تحقق هدفها في “إستئصال شأفة “الإرهاب ” بدعم فرنسي واضح , لذلك ستتفرغ وتتطلع هذه الجيوش لتدبير لإنقلابات العسكرية كالذي قام به الرائد Sanogo في مالي حين أطاح في 22 مارس 2012 بارئيس Amadou Tomani Toureبذريعة فشله في محاربة “الإرهاب” وكأن الرئيس هو الذي يتجه لساحة الوغي ليقاتل بدلاً من جيشه , وفرنسا تعتمد في تحقيق وصيانة مصالحها الأوسع مدي في هاتين المنطقتين بأفريقيا علي العسكريين الأفارقة أولاً ثم علي نخبة من المدنيين المُوالين لها ثانياً , وفرنسا كذلك لا تكتفي بدعم الإنقلابات العسكرية بل إنها تصنعها صناعة هناك , ومما يؤكد ذلك ما قاله رئيس النيجر محمد بازوم أمام القمة الإستثنائية لدول الساحل الخمس التي عُقدت في مالي في 9 يوليو 2021, إذ أشار إلي أنه ” يجب ألا نسمح للجيش بتولي السلطة لأن (العسكريين) لديهم نكسات على الجبهة حيث ينبغي أن يكونوا هناك” وأضاف ليؤكد مقولته تلك أنه “إذا أصبح العقيد وزيراً أو رئيس دولة , إذن فمن سيشن الحرب ؟ ولهذا فسيكون من السهل في كل مرة يخسر فيها جيش في بلادنا الحرب على الأرض أن يتولى السلطة “, هذا ما حدث مرتين في مالي ففي 2012 فشل الجيش المالي فجاء العسكريين لتنفيذ انقلاب هذا العام مرة أخرى في عام 2020 فعلوا الشيء نفسه , هذه ليست أشياء مقبولة .
يُلاحظ أن رئيس النيجر تجاهل الإشارة إلي الإنقلابات العسكرية في بلاده والإنقلاب علي الدستور في تشاد بتولي إبن الرئيس التشادي الصريع إدريس ديبي السلطة عنوة بالتعاون مع مجلس عسكري موال لأبيه وبتغافل يمكن للبعض إعتباره تواطؤ من مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الأفريقي الذي يديره التشادي موسي فكي لحساب الصهاينة والقوي الدولية الكبري .
- 2- العلاقات العسكرية المُحتملة لدول الساحل مع الصين وروسيا :
لا شك في أن إنهاء عملية Barkhane فشل عسكري فرنسي وكذلك الفشل الموازي لجيوش دول الساحل الخمس المُنحالفة مع فرنسا قد يُترجم إلي مواقف مختلفة ستظهر تباعاً من أهمها تحول دول الساحل الخمس وقد تتبعها دول أخري بغربي أفريقيا إلي التعاون مع العسكريتين الصينية والروسية أو أيهما اللذين يقرأون جيداً معني الفشل العسكري الفرنسي في هذه المنطقة , وسيكون هذا التعاون ومشتريات الأسلحة المُرتبطة به ضمن إتفاقيات قد توقعها هذه الدول الخمس معهما , وستحاول فرنسا -التي تتوقع ذلك الموقف – قطع هذا الطريق ما أمكنها ذلك , لكن نجاح الإختراق العسكري الروسي في أفريقيا الوسطي والتي كانت منطقة نفوذ فرنسا وتبدل النظام القائم في تشاد بمصرع إدريس ديبي وخيبة أمل أبنه محمد إدريس الذي تولي بإنقلاب دستوي السلطة ثم فوجئ بقرار فرنسا نقل مركز عملياتها من تشاد للنيجر ما يعني خفضاً لأهمية تشاد عسكريا وهي التي كانت تستفيد من هذه الميزة أمر قد يؤدي بتشاد للذهاب نحو الروس أو الصينيين الذين أصبح لديهم قاعدة في جيبوتي وهي أيضاً كانت منطقة نفوذ فرنسي ويسعون لدق وتد أو قاعدة عسكرية لهم بوسط أفريقيا في تشاد تحديداً , كما أن روسيا أيضاً سيغريها الفشل العسكري الفرنسي لتتحرك نحو تشاد المجاورة لأفريقيا الوسطي لتمديد مساحة تواجدها وإختراقها لمناطق النفوذ الفرنسية .
- 3- إستفادة العسكرية الأمريكية المُحتملة :
ستسعي الولايات المتحدة من جانبها إلي إستغلال هذه الهزيمة الفرنسية لتبدأ موجة جديدة من التعاون العسكري والإقتصادي والإنمائي عبر وكالة التنمية الدولية للولايات المُتحدة U S AID لجذب دول مجموعة الساحل الخماسية لتفضيل التعاون معها وهو أمر قد يكون مُرجحاً إذ أن دول الساحل الخمس لأسباب مختلفة تفضل التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة (وهو موجود حالياً عند مستوي لا يتجاوز الخطوط الفرنسية الموضوعة) مع الصين أو روسيا وإذا ما تباطأت الولايات المتحدة فقد ينفذ صبر دول المجموعة الخماسية فتهرع إلي موسكو أو بكين أو هما معاً , وضعاً في الإعتبار أن واشنطن ترصد خيبة أمل دول مجموعة الساحل الخماسية من إنهاء عملية Barkhane أو الفشل العسكري الفرنسي , ولذلك ستعمد علي الأمد القصير إلي تسكين الوضع خاصة وأن إنسحاباً عسكرياً أمريكيا من أفغانستان يتزامن مع الإنسحاب الفرنسي من شمال مالي (إنسحبت فرنسا من أفغانستان في نهاية عام 2012 وقلصت سفارتها في كابول بعد أن خسرت 89 من جنودها وإنفقت حوالي 500 مليون يورو في ذلك العام , ومن ثم عليها أن تعي أن مقاتلي الساحل يستلهمون روح طالبان ولن يجدي معهم التذاكي الفرنسي الممجوج إذا كانت لا تريد أن تلقي نفس مصير الولايات المتحدة في أفغانستان) , وأضيف أن تكرار الولايات المتحدة تجربة ملأ الفراغ الفرنسي علي غرار ما سبق وفعلته عندما ملأت الفراغ البريطاني / الفرنسي في الشرق الأوسط عقب نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 تعتبر تجربة غير قابلة للتكرار في الساحل ,وعلي كل الأحوال , فسيكون الوجود أو التدخل العسكري الفرنسي في الساحل والصحراء موضوعاً أو يجب ان يكون موضوعاً لمشاورات قد تجري داخل حلف شمال الأطلنطي , وقد تصل الولايات المتحدة مع حلفاءها إلي تسوية لهذه المسألة مع فرنسا وفي أسرع وقت ممكن حتي لا تملأ روسيا و/أو الصين جزءاً من الفراغ الفرنسي بمنطقتي الساحل والصحراء خاصة وان الولايات المتحدة عبر مسئوليها تعلن مراراً أنها في طريقها للمواجهة مع روسيا والصين علي جبهة مُتسعة تمتد من القارتين المتجمدتين الشمالية والجنوبية إلي الشرق الأوسط وأوروبا وقطاع من القارة الآسيوية .
تـــقـــديـــر مـــوقـــف :
إنهاء عملية Barkhane لم يكن قراراً سهلاً علي الرئاسة الفرنسية , فالدولة الفرنسية مُشبعة بالأفكار الإستعمارية التي مازالت تعتقد أنه بوسعها تكرار سلوكها الإستعماري بإخفاءه ببعض المساحيق السياسية والدبلوماسية , وهي قد آثرت إستخدام الآلة العسكرية كدأبها بإستمرار لحماية مصالحها الإقتصادية في منطقتي الساحل والصحراء بل إن بعض قادة دول الساحل وهم تعييناً رؤساء تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينافاسو صدعوا كعادتهم لأوامر فرنسا لإقامة ما يُسمي بمجموعة دول الساحل الخماسية G5 Sahel التي أقنعتهم أن الجهاديين يستهدفون بنيان دولهم المُتهاوي أصلاً بفعل عمليات السلب والنهب الفرنسي منذ إستقلال دولهم عن فرنسا , مع أن هؤلاء شأنهم شأن طالبان التي لم تستهدف من قتالها سوي إجلاء المُحتلين الأمريكيين وحلفاءهم عن أراضيهم , والواقع أن رؤساء دول مجموعة الساحل لم يدركوا أن التواجد العسكري الفرنسي شأن فرنسي خالص و لا صلة له بأمن بلادهم ولا تنميتها ففرنسا عندما تحققت من عبثية عملية Barkhane أعلنت عن إنهاءها دونما النظر إلي إنكشاف الموقف الأمني (هذا إن إعتبرنا أن الجهاديين ليسوا من أبناء هذه الدول وبالتالي فسيتهدفون أمن بني جلدهم) .
علي أية حال فلن تتراجع فرنسا عن غيها وستستمر في إستخدام آلتيها العسكرية والأمنية في منطقتي الساحل والصحراء بتقوية وجودها العسكري في منطقتي الساحل والصحراء لتعويض النقص العددي في قواتها وصيانة لثبات دورها العسكري بالقارة من خلال :
(1) مراجعة إتفاقيات الدفاع والتعاون العسكري مع دول المنطقتين بتوسيع نطاقها وإتاحة دور أكبر للمستشارين العسكريين والأمنيينن الفرنسيين الموجودين بالفعل بهذه الدول , ويثور جدال بشأن هذه النقطة تحديداً إذ أن هناك بديل محتمل يمكن إضافته وهو إستعانة الفرنسيين مثلما يفعل الروس من خلال Group Wagnerوهي شركات لتوريد المرتزقة لكن مازال هناك مانعاً قانونياً يعترض هذا البديل في فرنسا وهو القانون رقم 340 لسنة 2003 الصادر بتاريخ 14 أبريل 2003 والمتعلق بحظر نشاط المرتزقة علماً بأن فرنسا لديها ذخيرة من المحاربون الفرنسيون القدامى يمكن لفرنسا الإستفادة من إجرامهم لو إلتفت الحكومة الفرنسية او ألغت القانون المُشار إليه وهو أمر غير مُستبعد خاصة وأن Group Wagner إستفاد من خدماتها في ليبيا وأفريقيا الوسطي ومسارح عمليات عسكرية أخري خاصة بأفريقيا ,
(2) إثارة النعرات العرقية والخلافات السياسية مُجدداً داخل دول مجموعة الساحل الخماسية بين بين العرب والأمازيج والطوارق والأفارقة وبين المسلمين والمسيحيين ( نشرت صحيفة Guardian البريطانية في يناير 2021 أن أكثر من 340 مليون مسيحي – واحد من كل ثمانية – يواجهون مستويات عالية من الاضطهاد والتمييز بسبب إيمانهم ، وفقًا لقائمة المراقبة العالمية لعام 2021 التي أعدتها جماعة الدعوة المسيحية Open Doors التي تُشير إلي أن هناك زيادة بنسبة 60 % عن العام السابق في عدد المسيحيين الذين قتلوا بسبب إيمانهم , وكأن المسلمين الذين تقتلهم فرنسا في الساحل والذين تقتلهم الولايات المتحدة بإعترافهما في الصومال وهؤلاء الذين يقتلهم جيش موزمبيق في Cabo Delegado ليسوا من بني البشر) هذا بالإضافة إلي إذكاء نيران الخلافات السياسية بين الأحزاب وبعضها البعض وداخل الأحزاب الرئيسية نفسها , ومع ذلك ومع أن الساسة الغربيين واعلامهم ومعه الإعلام العربي والأفريقي ينعتون من يقاتلون الفرنسيين والأمريكان بأنهم متمردين / متطرفين / إرهابيين سواء في أفغانستان أو الساحل إلا أننا يجب أن نلحظ أن هناك تشابهاً بين هاتين الجبهتين التي تضم أفغانستان والصومال وموزمبيق وخاصة فالتشابه واضح من حيث نقاط ضعف الدول والتي تواجه تحديات متشابهة منها أنه لا توجد في هذه الجبهات دولة بالمعني العريض العميق للكلمة وفي هذه المناطق تتطابق الشرور التي يندد بها السكان مثل الفساد وضعف الجيوش وغياب العدالة والفساد السياسي وعملاء القوي الكبري .
(3) تحريض بعض الساسة العرب للدخول في المعترك الذي فشلت فيه العسكربة الفرنسية فتوعز لدول كالجزائر ومصر بمكافحة “الإرهاب” في الساحل وإستخدام بعض المفاهيم الجيوسياسية الجديدة وإدخالها في عبارات يطلقها الساسة والعسكريين الفرنسيين حول قدرات مصر والجزائر( للجزائر تجربة فاشلة في قيادة التدخل بالساحل من خلال لجنة الأركان العملياتية المشتركة (Cemoc) التي أُنشئت عام 2010 بهدف محاربة الإرهاب والتعاون بين دول الساحل الخمسة ، وظلت الجزائر شبه محايدة عسكريا في مكافحة الإرهاب في هذه المنطقة بعد هذا الفشل) , في مكافحة الإرهاب وأن هناك أثراً مُتوقعاً للإرهاب في الساحل علي أمنهما القومي الذي هو مُعرض بالفعل ولكن من داخلهما وليس من الخارج بصفة مُطلقة , هذا بالإضافة إلي تكرار إقحام الإمارات والسعودية وربما قطر في هذا المعترك كما فعلت في القمة المُصغرة في Celle Saint-Cloud بالقرب من العاصمة الفرنسية التي عُقدت في 13 ديسمبر 2017 وأُعلن فيها عن مساهمة السعودية بنحو 100 مليون يورو والإمارات نحو 30 مليون يورو وساهمت قطر لاحقاً بعدد 35 عربة مدرعة , كل هذه المساهمات وغيرها من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لإقامة قوة الساحل الخماسية G 5Sahel , ولم يُستدل علي أي نوع من الصلات بين دول الخليج الثلاث ومجريات الأمور في الساحل فبدلاً من أن تساهم هذه الدول الثلاث الخليجية في بناء مدارس ومستشفيات وحفر آبار للمياه في هذه الدول التي غالبيتها مسلمين يضع شيوخها أياديهم في جيوبهم المثقوبة لمنح فرنسا فرصة قتل أبناء هذه البلاد مسلمين ومسيحيين , إنهم بلاشك سفهاء لا يسألهم أحد عما يفعلون .
خلاصة القول أن فرنسا بصدد إعادة صياغة دورها العسكري بالساحل لأغراض التواؤم مع الظروف الضاغطة , إذ لا يمكن لفرنسا التوقف عن إستخدام آلتها العسكرية والأمنية في منطقتي الساحل والصحراء إلا إذا أجبرتها القوة القاهرة علي ذلك , فالإقتصاد الفرنسي مازال قائماً علي الثروات المسروقة والمال المنهوب الحرام من إقتصاديات دول الساحل والصحراء ومازال الربط النقدي / المالي بين فرنسا قائماً علي المعادلة الظالمة المُؤسسة علي الفرنك الأفريقي F CFA , ولذلك مازالت مصرة علي الإحتفاظ بالدور العسكري في الساحل والصحراء الكبري , فعندما يسرق اللص وهو مُسلح يمكنه سلب الكثير من ضحاياه .
الأمر الواضح أن فرنسا مازالت أسيرة عقيدة إستعمارية بالية وأنها لذلك لم تع بعد درس أفغانستان الذي أوجزه المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد الذي قال في بيان صدر في 31 أغسطس2021 من مطار كابول عن إنسحاب الولايات المتحدة من بلاده الأمريكي : “هذا درس عظيم للغزاة الآخرين ولأجيال المستقبل في بلادنا , وهوأيضًا درس للعالم “.