تداعيات الانسحاب الفرنسي من الساحل الإفريقي على حالة الاستقرار
اعداد : حبيبة هاني الدسوقي باشا – باحثة في الشئون السياسية والعلاقات الدولية
- المركز المركز الديمقراطي العربي
مقدمة :
تعد منطقة الساحل هي منطقة تتكون من خمسة بلدان: بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر (التي تشكل مجموعة الساحل الخمس). تواجه هذه المنطقة العديد من الصعوبات والتحديات، بما في ذلك التهديد المتزايد للإرهاب والجريمة المنظمة، وتغير المناخ والنمو الديموغرافي ، وكلها مصادر للهشاشة. باعتبارها تحديات مشتركة ، يجب معالجتها من منظور سياسي وعسكري وتنموي، لذلك تلتزم فرنسا وشركاؤها الأوروبيون والدوليون التزامًا تامًا بدعم جهود دول الساحل منذ عام 2014 من خلال عملية ” برخان ” لمحاربة الأرهاب وإيدتها المجموعة الخماسية التي تتأسست فقي نفس العام و التي تحتوي على دول الساحل .
وفيما يتعلق بنظرة الدول الكبرى تجاه القارة الإفريقية، تجدر الإشارة إلى أنها تعد واحدة من أكبر المناطق الغنية في العالم بالموارد الطبيعية ومصادر الطاقة؛ إذ تتوافر بها كمية كبيرة من المخزون الاستراتيجي لمصادر الطاقة والموارد الطبيعية، لذلك تتنافس الدول الكبرى على التواجد داخل القارة بأي شكل كان أبرزها التدخل الدولي لحل الازمات والتخلص من تواجد الارهاب في المنطقة مثل التواجد الفرنسي في منطقة الساحل ففرنسا تعتبر نفسها حامي دول الساحل من اي خطر قد تواجهه .
وأبان التواجد الفرنسي في المنطقة الإفريقية خلال القرن العشرين، فرضت باريس سيطرتها على معظم الأراضي بمنطقة غرب إفريقيا، لا سيما داخل دول السنغال، بوركينا فاسو، وبنين وغينيا وساحل العاج، كما قامت فرنسا بتعيين حاكم لمنطقة غرب إفريقيا تابع للحكومة الفرنسية، واتخذت من السنغال مقرًا له. كما يتمركز الوجود الفرنسي بشكل كبير داخل مناطق نفوذها السابقة، إذ لا يزال التأثير الفرنسي على تلك المناطق موجود؛ إذ تستمر الدول في استخدام اللغة الفرنسية كلغة أولى، وتستمر بعض المناطق في استخدام “الفرانك” كعملة للبلاد داخل منطقة الغرب والوسط بإفريقيا، ووجود إلى رابطة ما يعرف بالدول الفرانكفونية.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة الي ان الدراسة تهدف الي تناول عدد من العناصر، وأبرزها : التواجد الفرنسي في الساحل الأفريقي، وكذلك عرض تداعيات الإنسحاب الفرنسي على أمن الساحل الأفريقي بالاضافة الي توضيح مستقبل الساحل الأفريقي عقب الإنسحاب وذلك من خلال استعراض عدد من المحاور التالية:
- أولًا: التواجد الفرنسي في الساحل الأفريقي.
- ثانيًا: تداعيات الانسحاب الفرنسي على أمن الساحل الأفريقي.
- ثالثًا: الموقف الفرنسي من تطورات الأوضاع في تشاد.
- رابعًا: مستقبل الساحل الأفريقي عقب الانسحاب.
أولًا: التواجد الفرنسي في الساحل الأفريقي.
بعد سنوات من التعاون الفرنسي مع دول مجموعة الساحل الإفريقي فيما يتعلق بمكافحة الارهاب والجماعات المسلحة في المنطقة، وخلال هذه الفترة تمكنت باريس من تقديم الدعم ومساندة منطقة الساحل بأعداد كبيرة من القوات العسكرية للمشاركة في العمليات المتنوعة، وفي ظل محدودية القدرات العسكرية لدول المنطقة مقارنة بحجم التهديد الواقع عليها، كما حظيت فرنسا جراء هذه الخطوات الكثير من المصالح الاقتصادية والسياحية بالإضافة إلى البناء الثقة والتعاون مع دول الساحل، ونتيجة لتوتر العلاقات بين الحكومة الفرنسية ودولة مالي التي تُعد واحدة من أهم دول الساحل الإفريقي، حيث أثار اعتزام مالي الاستعانة بخدمات “فاجنر” الروسية غضب فرنسا، إذ جاء الرد الفرنسي شديد اللهجة تعقيبًا على هذه الخطوة، حيث أكَّدت وزيرة الجيوش الفرنسية “لورنس بارلي” أنه إذا دخل الاتفاق حيز التنفيذ في وقت يسعى فيه الشركاء الدوليون لمحاربة التنظيمات المتطرفة في البلاد، فإن ذلك لن يقود إلى نتيجة سوى العزلة الدولية لمالي.
واعلنت الحكومة الفرنسية ورئيسه الجيوش الفرنسي في يوليو 2021 نية باريس نحو تغيير نظام التواجد العسكري الفرنسي في الساحل الافريقي، والتأكيد على أن تقليل التواجد العسكري لباريس لا يعني الانسحاب بشكل كامل، بل استمرار الجهود الفرنسية والتواجد في المنطقة، مع تقديم الدعم للشركاء دوليين أخرين للتواجد في الساحل الافريقي، وذلك من أجل دعم الاستقرار والامن في المنطقة الإفريقية، بالإضافة إلى مواجهة الجماعات المسلحة، وبالفعل بدأت الحكومة الفرنسية بإصدار قرارات سحب جزء من القوات في الساحل الإفريقي.
وفي إطار اتجاه الجانب الفرنسي نحو تعزيز القوات العسكرية في الساحل اتخذ اجراء في أغسطس 2014 تم على أثرة تنفيذ ما يعرف باسم العملية العسكرية “برخان” والي استهدفت نشر 3 ألاف جندي في دول الساحل الخمس لتحل محل عملية “سيرفال”، وقد جهزت هذه القوات بالمعدات العسكرية اللازمة كما منحت حق العمل عبر الحدود لملاحقة الإرهابيين، وتعمل قوات “برخان” بالتعاون مع دول شريط الساحل والصحراء لدعم جهودها في القضاء على الإرهاب والجريمة ودعم أمن واستقرار المنطقة. وفي عام 2017 أعلنت حكومات الدول الخمس اتجاهها نحو تشكيل قوة عابرة للحدود وتم إقرار هذه الخطوة بقرار مجلس الأمن رقم (2359) الصادر في يونيو 2017، والتي ضمت ما يقرب من خمسة ألاف جندي مكونين من سبع كتائب موزعة على ثلاث أقاليم الشرق والغرب والوسط، ونجحت هذه القوات بالفعل في أكثر من 17 عملية عسكرية.
وجاء الإنسحاب الفرنسي من مالي عقب 9 سنوات قبل قمة الاتحاد الاوربي وأفريقيا في بروكسل نتيجة لتمرد السلطات العسكرية في باماكو بالاضافة الي تدهور العلاقات بين الدولتين بعد تراجع القادة العسكريين في مالي عن اتفاق تنظيم إنتخابات هذا الشهر وهو ما اثار غضب السلطات الفرنسية مما بسبب تماطل الرئيس المالي اسيمي جويتا بتحديد موعدآ للانتخابات لا سيما بعد أن شهدت مالي انقلابيين عسكريين خلال 9 أشهر فقط، وهو ما دفع فرنسا بالتهديد بالإنسحاب من مالي للتمركز في أماكن افريقية أخرى لمكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة.
وتواجه عملية البرخان الفرنسية مؤخرًا حالة من القلق؛ إذ شهدت دول مالي وبوركينا فاسو عدة هجمات من جانب الجماعات المسلحة، والتي تسببت في وقوع عشرات القتلى من المدنيين والقوات المسلحة في البلدين، وهو ما دفع إلى تساؤل العديد حول أهمية الوجود الفرنسي في الساحل الإفريقي، لا سيما بعد ارتفاع اعداد القتلى من المدنيين والعسكرين داخل الساحل الإفريقي عن 500 شخصًا خلال عام 2021 فقط.
بالاضافة الي تجديد فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة رغبتها في مواصلة عملياتها العسكرية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، ضد التمدد و انتشار الجماعات المسلحة في خليج غينيا، ونتيجة لتلك الهجمات التي وقعت مؤخرًا في شمال بنين والتي ادت وقوع ىما لا يقل عن 9 قتلى بينهم فرنسي، وجاء هذا القراربالتزامن مع توتر العلاقات بين الحكومة الفرنسية و المجلس العسكري المالي بقيادة الرئيس اسيمي جويتا .
ثانيًا: تداعيات الانسحاب الفرنسي على أمن الساحل الأفريقي.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة الي تدهور العلاقات الفرنسية والمالية لاسيما بعد ان شهدت مالي انقلابين عسكريين خلال 9 أشهر، ويأتي ذلك بعد ان كانت فرنسا تعهدت بإعادة تواجدها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي،بالاضافة الي مساعيها نحو إخلاء قواعدها العسكرية في شمال مالي وتركيز قواتها العسكرية بالقرب من الحدود بين النيجر وبوركينا فاسو إذ تضمن الخطة الفرنسية على تقليل عدد قواتها العسكرية من خمسة آلاف عسكري حالياً إلى نحو 2500 بحلول عام 2023، بالاضافة الي انتشار مقاتليين ينتمون لمجموعة “فاغنر” الروسية في البلاد في خطوة تشير إلى تنامي مشاعر العداء ضد فرنسا في مالي.
كما انه تجدر الإشارة إلى الزيارة التي قامت بها وزيرة الدفاع الفرنسية “فلورنس بارلي”؛ حيث التقت نظيرها المالي الكولونيل “ساديو كامارا”، وسط تصاعد التوترات بين البلدين بعد تداول تقارير عن اتفاق مالي مع مجموعة فاجنر الروسية، وإعلان فرنسا عن خفض عدد كبير من قواتها بمنطقة الساحل الإفريقي، مع إغلاق العديد من القواعد العسكرية الفرنسية في شمال مالي، أوائل عام 2022، وتأتي هذه الزيارة بعد توتر العلاقات بين باريس وباماكو، وتحذير فرنسا لمالي من توقيع اتفاق مع شركة فاجنر والتي تعتبر مقرّبة من الرئيس الروسي “بوتين”، كما تُصر فرنسا على التزام الكولونيل “أسيمي غويتا” بإجراء انتخابات سريعة لعودة الحكم المدني لمالي .
وفيما يتعلق بالتواجد العسكري الروسي في مالي فقد لعبت مجموعة فاغنر – وهي قوة عسكرية خاصة أسسها ضابط مخابرات روسي سابق ومرتبطة بشريك لبوتين – دورًا رئيسيًا في إدخال جمهورية إفريقيا الوسطى ، وهي مستعمرة فرنسية سابقة أخرى، إلى دائرة نفوذ روسيا.فأنه يُعتقد الآن أن ما بين 800 إلى 1000 مرتزق ينتمون إلى مجموعة فاجنر الروسية موجودون في مالي ، ومن المتوقع أن تزداد أعدادهم ، وفقًا لمسؤولين دفاعيين أمريكيين كبار. وقالت فرنسا إن المرتزقة تلقوا دعوة من حكام مالي العسكريين الذين نفوا الاتهامات[1].
وفي سياق الاتفاق بين باماكو وفاجنر، كانت الأمم المتحدة قد اتهمت بعض أفراد مجموعة فاجنر بارتكاب انتهاكات في جمهورية إفريقيا الوسطى، كما أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام “جان بيير لاكروا”، على أن أي الاتفاق بين مالي وفاجنر يجب أن يقوم على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وحذر مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، من تداعيات الاتفاق مع مجموعة “فاجنر” على السلطات المالية، وقد تشهد تدهور للعلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي إذا استمر هذا الاتفاق، ستكون مالي امتداد لسلسلة البلدان الإفريقية التي تضم (ليبيا، وموزمبيق، وجمهورية إفريقيا الوسطى) التي شهدت دخول فاجنر، ومن ناحية أخرى ، قد تحاول الحكومة المالية الاستفادة من المخاوف الفرنسية والأمريكية من الهيمنة الروسية على القارة لخدمة مصالحها.
يعد الانسحاب الفرنسي من مالي فشلًا للقوات العسكرية الفرنسية في حربها علي الجماعات الإرهابية والمسلحة، على الرغم من نجاح هذه العمليات عام 2013 إلا أنها فشلت في الوقت الحالي لعدم قدرتها على احتواء الجهاديين او القضاء عليهم، ومن المؤكد فإن هذا الانحساب الفرنسي من المنطقة، سيخلق جوًا ملائمًا لانتشار القوات المسلحة للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، والتحرك في الدول، مما يصعب مهمة القوات المسلحة لدول الساحل الإفريقي في التصدي للعمليات العسكرية التي تقودها الجماعات المتطرفة.
ثالثًا: الموقف الفرنسي من تطورات الأوضاع في تشاد.
كانت فرنسا في مقدمة الدول التي علَّقت على مقتل الرئيس التشادي “إدريس ديبي”، وقدَّمت التعازي للشعب التشادي، واصفةً إياه بأنه كان “صديقًا شجاعًا” لكنها في الوقت ذاته، شدَّدت على أهمية الانتقال السلمي للسلطة، وإتمام المرحلة الانتقالية في ظروف سلمية فضلًا عن تأكيدها أهمية عقد حوار مع كافة الأطراف السياسية، والمجتمع المدني، وتشكيل حكومة تشمل الجميع وتعتمد على مؤسسات مدنية.
ومن الجدير بالذكر أن فرنسا تُعتبر القوة الأجنبية الأولى في إقليم الساحل، وهي التي تضطلع بالدور الأهم فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وطالما نظرت إلى “ديبي الأب” باعتباره حليفًا لها؛ إذ درجت تشاد على المشاركة بفاعلية بقواتها في إطار القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الخمس G5، وذلك لمكافحة التنظيمات الإرهابية في إقليم الساحل (يضم كلًا من تشاد، والنيجر، ومالي، وبوركينافاسو، وموريتانيا)، والذي يُعد واحدًا من أكثر الأقاليم الإفريقية في معدلات العنف والإرهاب باستثناء موريتانيا التي تُعتبر من بين أكثر دول العالم استقرارًا[2].
ومن المرجَّح استمرار الدعم الفرنسي لـ “ديبي الابن” على غرار دعمها لوالده بما يتفق ومصالحها الأمنية في الإقليم، وذلك مقابل استئناف انخراط تشاد في جهود مكافحة الإرهاب عقب ضمان إحكام “ديبي الابن” سيطرته على أقاليم الدولة، وانتصاره في معركته ضد المتمردين[3].
ليس من مصلحة فرنسا أن تبدي معارضتها للمجلس العسكري الانتقالي في الوقت الراهن كون المجلس برئاسة “ديبي الابن” يحارب على أكثر من جبهة؛ فهو أولًا يحارب التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود فضلًا عن جبهة التغيير والوفاق وأذرعها المسلحة، وكذا إثنية “الزغاوة” التي كان ينتمي لها الرئيس التشادي الراحل، وظلت تهيمن طوال فترة حكمه على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ورغم موالاة “الزغاوة” لنظام “ديبي” لكنها دائمًا ما كانت مصدرًا للمعارضة نتيجة محاباة “ديبي” لأقاربه من الدرجة الأولى، ومنحهم مناصب عليا، وهو ما أثار غضب باقي أفراد إثنيته[4].
رابعًا: مستقبل الساحل الأفريقي عقب الإنسحاب الفرنسي.
يعد انسحاب القوات أمرًا لا مفر منه في الأسابيع الأخيرة ، بالأخص بعد أحباط فرنسا من القادة العكسريين في مالي ووصفهم بآنهم ” خارج السيطرة ” مما دفعه للتفكير في اعادة تنظيم القوات والاستراتيجية العسكرية والسياسية الفرنسية داخل مالي وطلب المساعدة من القوات الأوربية للتصدي أمام التنظيمات الأرهابية بالاضافة الي اعطاء دول الساحل المجاور أهمية و الانتقال لها تحت شعار مكافحة الارهاب وهذا أدى الي استياء العناصر القيادية داخل مالي وردوا بطرد السفير الفرنسي ، الذي مُنح مهلة 72 ساعة فقط لمغادرة الأراضي المالية. مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا أقل من شهرين ، كانت الحكومة الفرنسية تخشى من أن يتم مقارنتها بإنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان باعتبار أن انسحابها هو انسحاب مرتب ومنظم وليس لترك مالي بمفردها في مواجهة للتنظيمات الارهابية والانفراد بالدولة مما يجعلها تتراجع أمنيآ وسياسيآ.[5]
تخشى جميع دول الساحل من الانسحاب التام للقوات الفرنسية في المنطقة ففي حالة عدم تقديم الدعم للقوات الفرنسية وانسحابها من المنطقة فإن ذلك سيكون له تداعيات كارثية على غرب أفريقيا حيث أنه سيؤدي إلى تدهور الوضع الأمني على نحو قد يؤثر سلبا على أمن المنطقة بأكملها ويمتد إلى أوروبا بالاضافة الي تصاعد خطر التنظيمات الارهابية تهديد قارة بأكملها .
وبخصوص نمو النفوذ الروسي في الساحل الإفريقي فقد اعتمدت روسيا في محاولتها للتواجد في إفريقيا ولعب دور أكبر على عدم وجود ذاكرة استعمارية بين البلدين، وعليه فقد بدأت موسكو في تعزيز تواجدها من خلال توقيع الاتفاقيات العسكرية مثل؛ الاتفاقية العسكرية الوقعة في 24 يونيو 2021 مع الحكومة الموريتانية بهدف تطوير القدرات العسكرية للجيش الموريتاني، ودعم الامن في المنطقة، بالإضافة إلى تطوير لجنة مشتركة بين البلدين لمتابعة الاتفاق السابق، ولعل اهتمام روسيا بموريتانيا تحديدًا يأتي في إطار أنها دولة مستقرة في محيط مضطرب، كما انها بوابة للتعاون التنموي والعسكري مع دول الساحل وبالتالي فهي قوة لا يمكن لأي طرف ان يغض الطرف عنها إذا أراد لعب دورًا أكبر في إفريقيا والساحل، وقد سبقها التعاون الروسي مع مالي 2014 والنيجر 2017.
كما ان لجوء حكومة “باماكو” إلى شركة “فاجنر” الروسية من الممكن أن يؤدي إلى تعزيز الوجود الروسي في منطقة الساحل، لمواجهة الفراغ الأمني الذي سيتركه سحب بعض القوات الفرنسية، كما أن هناك العديد من القوى الداخلية في مالي لا تعارض الوجود الروسي في البلاد، وبالطبع لن يقتصر الوجود الروسي في الساحل على الجانب العسكري فقط، فمن الممكن أن تسعى روسيا إلى استغلال تراجع أداء الاتحاد الأوروبي في إدارة ملف الهجرة غير الشرعية بالسيطرة على طريق الهجرة الذي يعبر منطقة شمال إفريقيا والساحل إذا يتسبب تدفق المهاجرين في خلق أزمة جديدة تؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية بين دول الاتحاد، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها والتي ستحاول تعميق تواجدها على المستوى العسكري والأمني ومن الممكن الاقتصادي لتغلب على الأوضاع الاقتصادية المتردية فيها.
وبالنظر إلى المشهد في الساحل الإفريقي، نجده السيناريو يتشابه بشكل كبير مع سيناريو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وخاصة أن القوات الفرنسية شهدت خسارة كبيرة خلال عام 2021، وبالتالي فتصاعد الخوف من إمكانية تكرار السيناريو الأمريكي في أفغانستان، كما أن المقاربة الفرنسية من الممكن أن تؤدي إلى تحالف بعض الجماعات المسلحة فيما يعني عودة ميزان القوى للجهاديين، وهو ما يتشابه مع السيناريو في أفغانستان، كما أن الإجراءات الفرنسية ولدت نفس المخاوف لدى المجتمع الأوروبي من تكرار تجربة أفغانستان وما أعقبها من قلق من هجرة الحركات المتطرفة إلى أوروبا.[6]
ختامًا، تعد منطقة الساحل منطقة استراتيجية تشهد مستوى غير مسبوق من العنف والإرهاب، والتنافس الدولي والإقليمي على الثروات وغيرها، وبالحديث عن إيجاد حلول للأزمات المتجذرة فيها فالأمر يصعب تحقيقه في المدى القصير والمتوسط، بل أن المنطقة من الممكن ان تواجه تحديات أمنية كبيرة على خلفية تناقص التواجد الفرنسي فيها وبدء دخول اطراف أخرى للعب دور في الصراع، وبالتالي فمن الضروري تطوير استراتيجية جديدة لمواجهة الانتشار المتزايد للجماعات الإرهابية، وجماعات الجريمة المنظمة وكافة أشكال التنظيمات الإرهابية والمسلحة.
[1] https://www.nytimes.com/2022/02/17/world/africa/mali-france-withdrawal.html
[3] https://www.csis.org/analysis/d%C3%A9bys-dead-whats-next-chad-and-sahel
[4] https://www.csis.org/analysis/d%C3%A9bys-dead-whats-next-chad-and-sahel