وعى استهلاكي رشيد لتجاوز الأزمة الاقتصادية
اعداد : د. أماني عبد الحافظ – خبير في علم الاجتماع الثقافي
- المركز الديمقراطي العربي
تتأسس الثقافة الاستهلاكية على الإنتاج المستمر للعلاقات والرموز في تواصل المستهلكين مع غيرهم. وتتصف تلك الثقافة بالطابع القهري؛ لأنها تدفع المواطن إلى الاستهلاك وتقليد غيره تحاشيا للشعور بالنقص[1]. وبتأمل هذه القضية نجدها قضية ثقافية في المقام الأول، فلا يوجد وعي اقتصادي عقلاني للتعامل مع بنود الصرف، ويتكيف مع الأزمة الاقتصادية الراهنة في ظل الانخراط بعمق في الاستهلاك غير الرشيد- وهذا ما تؤكده عدد من المشاهدات الواقعية- والتي تشير إلى السعي المحموم نحو الحراك الاجتماعي القائم على أسلوب حياة استهلاكي مكلف يمنح الفرد مكانة اجتماعية، لكنه في المقابل يفرض عليه ضغوطا واستنزافا للطاقات وللموارد للحفاظ على متطلبات تلك المكانة، ويشكل ذلك تحديا كبيرا أمام برامج التنمية في تحقيق طموحات المواطنين وتوقعاتهم بشأن دولة الرفاه.
وفي ضوء انعكاسات الأزمة الراهنة على الاقتصاد المصري، تهتم هذه الورقة بالكشف عن ملامح الاستهلاك المصري، ومحركاته الثقافية، كل ذلك في إطار وضع رؤية حول الوعي الاستهلاكي الرشيد كأحد مقومات تجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية، اعرضها فيما يلي:
- ملامح الاستهلاك المصري
شهد المجتمع المصري في الآونة الأخيرة تغيرات كبيرة تتعلق بالسلوك الاستهلاكي للمصريين. فوفقًا لبيانات البنك الدولي، بلغ مجموع الإنفاق الاستهلاكي للأسر المصرية 3,13493مليار دولار لعام 2020، بالمقارنة بعام 2019 الذي بلغ 2,49636 مليار دولار[2]. كما تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن متوسط الاستهلاك الفعلي على مجموعة الطعام والشراب بلغ 19229.2 جنيه عام 2019- 2020 بنسبة 31.1% من إجمالي الإنفاق الكلي السنوي للأسرة مقابل 35% عام 2017- 2018. وإن متوسط إنفاق الأسرة المصرية يعادل الخمسة آلاف جنيه (318.46 دولار) شهريًا. كما أن حجم إنفاق الأسرة في الحضر بلغ متوسطة 71992 جنيه مقابل 55211 جنيه للأسرة في الريف. وعلى ذلك اعتبر أن متوسط إنفاق الأسرة في جمهورية مصر العربية 62625 جنيه سنويًا. وأن نسبة الإنفاق على المسكن ومستلزماته بلغت 19% من إجمالي الدخل، بينما استحوذت الرعاية الصحية على نحو 10.5%، ويأتي التعليم بعدها بنسبة 6%. وبناءً عليه، ارتفع نصيب الفرد من الإنفاق الكلي السنوي للأسرة من ١٢,٩ألف جنيه عام ٢٠١٧/٢٠١٨ إلى ١٥,٣ألف جنيه عام 2019/2020وبنسبة زيادة قدرها ١٨,٨%[3].
يتضح من ارتفاع الاستهلاك الاسري أن تقل مستويات الادخار، ذلك أن استقلال الاستهلاك عن الدخل يجعل كثير من الأسر تعيش في أساليب حياة استهلاكية منفصلة عن مستواها الاقتصادي الحقيقي وبصورة تتجاوز مستوي الدخل الفعلي. وتكشف نتائج بعض الدراسات عن خمسة محددات للاستهلاك في المجتمع المصري وهي: مستوي الدخل، والمهنة، والتعليم، بالإضافة الي الفروق الريفية الحضرية والهجرة. كما تشير نتائج بعض الدراسات إلى أن المستوي الاجتماعي الاقتصادي المرتفع يرتبط بالترف في الاستهلاك. إلى جانب ذلك هناك علاقة بين التعليم والتطلعات الاستهلاكية حيث أنه مع ارتفاع التعليم تزيد كل بنود الإنفاق ويقل بند الادخار. ذلك أن أكثر الناس تعليما هم أقل لجوءا إلي رشيد في الاستهلاك وأقلهم لجوءا إلى وضع ميزانية للأنفاق. وهذا يعني أن التعليم يعكس الطلب على المكانة أكثر مما يعبر عن مدى عقلانية والرشد. فكلما ارتقي الشخص تعليميا تطلع إلى مكانة اجتماعية أعلى وتبني أنماطا وتطلعات استهلاكية أعلى. بالإضافة إلى ذلك فإن اغلب دراسات الاستهلاك تؤكد على أن السلوك الاستهلاكي تجاوز منطق الضرورة وتلبية الاحتياجات الأساسية ليصبح محملا بمعاني ودلالات ثقافية تتجلي في حياتنا اليومية ولا يستطيع المرء العيش بدونها[4].
ومن المتوقع أن يزيد إنفاق المصريين على الأطعمة والمشروبات، علاوة على التبغ، ليصل إلى 1.155 تريليون جنيه (75 مليار دولار) بعد أربع سنوات من الآن بنسبة ارتفاع 57%. كما أن إنفاق المصريين على الطعام والشراب خلال 2020 سجل نحو 767 مليار جنيه (48.8 مليار دولار) بنسبة نمو 11%، مقارنة بالعام السابق 2019 عندما سجل 683 مليار جنيه (43.5 مليار دولار)، متوقعة أن تواصل نسبة إنفاق المصريين بهذا الشأن الزيادة خلال السنوات الأربع المقبلة بنسبة نمو 8.3 %، ليتخطى الإنفاق حاجز التريليون جنيه (66 مليار دولار) في نهاية2025[5].
ويشير كل ذلك إلى غلبة المظاهر الاستهلاكية على تصرفات المواطنين وسلوكهم تجاه السلع وطرق إشباع رغباتهم. فهناك نزعة استهلاكية مفرطة تسهم في هدر الموارد الطبيعية وتؤدى إلى مخاطر اجتماعية وبيئية واقتصادية، في مقدمتها إرباك ميزانية الأسرة من خلال استهلاك العديد من السلع التي لا معنى لها أو افتقادها لمعايير السلامة الصحية، وتعرض الأسرة للاستدانة، والإقبال المفرط على اقناء الهواتف المحمولة، والإسراف في المجاملات الاجتماعية نموذجًا، فضلًا عن افتقاد المستهلكين لقيم الادخار والاستثمار، وانعكاس ذلك سلبا على الدخل القومي ومعدلات الإنتاج والتشغيل، وبالأخص في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على سلسلة الإمداد العالمية، والتي انعكست على زيادات أسعار المواد الغذائية والطاقة والأسمدة، فوفقًا لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” لأسعار الغذاء ارتفعت أسعار المواد الغذائية عالميا بنسبة 12.6٪ في فبراير 2022، حتى وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في مارس 2022- لا سيما مع ارتفاع أسعار الحبوب والزيوت النباتية- بينما تراجعت أسعار السلع الغذائية العالمية بشكل طفيف في أبريل2022 بانخفاض 1.2 نقطة(0.8%) عن أعلى مستوى سجله في مارس2022، حيث يأتي ذلك كنتيجة لانخفاض متواضع في أسعار الزيوت النباتية والحبوب[6].
- محركات الثقافة الاستهلاكية
يمثل التطلع للتميز ركيزة أساسية للثقافة الاستهلاكية السلبية التي تؤدي بدورها إلى زيادة التضخم، نتيجة قلة الوعي الاستهلاكي الرشيد، وزيادة الإنفاق على السلع والخدمات الكمالية[7]. ويعزز ذلك طبيعة الاستهلاك ذاته؛ حيث أن الاستهلاك عملية طقوسية تكمن وظيفتها في خلق معاني اجتماعية وثقافية للأحداث المتدفقة، بهدف بناء عالم جلي بالسلع. لذا نجد تنوع في السلع لدى الطبقات المختلفة؛ التي تؤدي بدورها إلى خلق معاني طبقية متعددة خاصة بعالم كل طبقة، تكسبها علاقات اجتماعية، ورموز استهلاكية تتلاعب بها رمزيا لتكسبها الهيبة والمكانة الاجتماعية والتميز، في المقابل يؤدى الحرمان من اقتناء السلع إلى الحرمان بالتبعية من تلك المكانة الاجتماعية المرجوة[8]. فالمستهلك هو الغاية والوسيلة في حد ذاته فهو من جهة مطمح الشركات والدول لتصريف المنتجات لتعزيز النزعة الاستهلاكية كضمانة لاستدامة الاستهلاك وتحقيق الأرباح، ومن جهة أخرى آلية للضغط على السلطات والحكومات ودفعها للمديونية والاستيراد والدخول في صراعات سببها الحاجة إلى تحقيق الأمن الغذائي والمائي.
يتضح ذلك من ارتفع معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية في شهر أبريل 2022، ليصل إلى 14.9%، مقابل 12.1% في مارس 2022، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء[9]، كما أشارت إلى ارتفاع معدل التضخم الشهري أيضًا بنسبة 3.7%. وكان معدل التضخم السنوي قد سجل في نفس الشهر من العام السابق نحو 4.4%.
وهنا تتجلي أهمية وضرورة التثقيف الاستهلاكي بأشكاله وأنماطه المتنوعة، والذي يشير إلى دعم المواطنين ليكون لديهم المعارف المرتبطة بالعملية الاستهلاكية والمهارات اللازمة لحماية أنفسهم ويكونوا مسؤولين عن خياراتهم الاستهلاكية أيضًا. وهو ما سينجم عنها آثارا ايجابية على الفرد والمجتمع، وهذا لا يتأتى إلا بتضافر جهود مؤسسات المجتمع المعنية من خلال برامج للتثقيف الاستهلاكي لكافة فئات وشرائح المجتمع من بينها اعتماد مادة للتثقيف الاستهلاكي في المدارس والجامعات، بما يساهم في عملية التنشئة الاستهلاكية التي يتعلم من خلالها الفرد المعارف والمهارات والاتجاهات التي تتناسب مع السلوك الاستهلاكي المتعلق بالحصول على المنتجات أو الخدمات واستهلاكها.
- الوعي الاستهلاكي الرشيد قوة محفزة لتجاوز الأزمة الاقتصادية
تطرح ثقافة الاستهلاك عدة إشكاليات أبرزها ضرورة التوجه نحو ترشيدها وربطها بالمصالح المشتركة بين المستهلك والدولة والإعلام ومنظمات المجتمع المدني. وهناك ضرورة ملحة للتغيير وتطبيق آليات ترشيد الاستهلاك بداية من تهيئة المناخ الملائم لشروط الاستدامة، إلى الاستهلاك المسؤول والواعي من جانب المواطن[10]، وتفعيل دور وسائل الإعلام في طرح المشكلة بأبعادها وتأثيراتها من خلال بناء ثلاثة أنواع من القدرات لدى المواطنين لخلق مجتمع مرن- وفقًا للخبراء[11]– تتعلق الأولى بالاستجابة الإيجابية للأزمة من منطلق استيعابها الجيد، والثانية التكيف في الأجلين القريب والبعيد بما يُمكِّن المواطنين من التغير التدريجي وتأمين الوضع الراهن لاحتياجاتهم اليومية في مواجهة المخاطر المستقبلية. والثالثة تشاركية في تعبئة الإمكانيات المجتمعية، ويقع مسئولية تنفيذ ذلك على المواطن والإعلام والمجتمع المدني، ومدى اسهامهم في مواجهة الأزمة بقيم العمل والاستثمار والادخار. وبناءً عليه اقترح مجموعة من الأدوار الفعالة في تنمية الوعي الاستهلاكي الرشيد بالشراكة بين الدولة والأسرة والإعلام ومنظمات المجتمع المدني، فيما يلي:
دور الدولة:
ينطلق التوجه نحو ترشيد الاستهلاك من إعادة توجيه الإنتاج ذاته. وتشير آراء الخبراء إلى أن استهداف إنتاج سلع بعينها هو المفضل على السلع المنُتجة لصالح السكان ككل، وإن يزداد إنتاج السلع المفيدة بالمقارنة بإنتاج السلع غير المجدية وغير الصحية- كسحب منتج أندومى من الأسواق نموذجًا- يمكن مواجهتها بقوانين ضريبية تعزز تلك الصناعات التي تسعى إلى مطابقة إنتاجها لمواصفات نموذج المجتمع السوي وليس نموذج الربح فقط. وتسطيع الحكومة التأثير في الإنتاج بقروض أو مشروعات تملكها تمهد الطريق للمبادرات الخاصة طالما أن هناك ملاءمة مع الاستثمار المربح. مع تعزيز الاستثمار في القطاعات العامة مثل النقل العام والصحة والإسكان والمدارس والمسارح وما إلى ذلك من استثمارات لها جدارة مزدوجة.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجب على الجهات المعنية بالدولة، أخذ مجموعة من الإجراءات للحيلولة دون زيادة التضخم، كما عليها مواجهة جشع بعض التجار بإجراءات فعلية قوية، والتوجه لشراء السلع البديلة سيؤدي إلى التخلص من هيمنة التجار وإلغاء نظرية الاحتكار، ويستوجب ذلك إعادة النظر في القوانين التي سنتها الدولة لتنظيم السوق ومنع الاحتكار وحماية المستهلك وفق قانون حماية المنافسة التجارية.
دور الأسرة:
تؤدي الأسرة دورًا مهمًا في تعزيز الوعي الاستهلاكي الرشيد، وذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، والمشاركة في الاختيار والشراء والعمل والادخار، وبالأخص أن الفرد في الأسرة مستهلك للغذاء والملابس والطاقة والمياه والمصروف والأجهزة وغيرها. وهذا يتطلب ما يلي:
–إعداد ميزانية للأسرة شهريًا وسنويًا، تختص بكيفية موازنة مواردها المحدودة مع احتياجاتها المتعددة وأهدافها، وتحديد الأولويات، وضبط عمليات الشراء وذلك لتجنب الاستدانة المالية، وتقليل الإنفاق على الكماليات، فلا يزال الاعتقاد الخاطئ بربط الإسراف بالكرم.
-ضرورة الوعي لأساليب الدعاية والإعلان، التي تضخم مميزات السلع، وتغفل الأبعاد الأخرى التي تكون اعتيادية أو أقل أهمية في تلك السلعة، والتدقيق في العروض من حيث تواريخ الانتهاء بما يتناسب مع احتياجات المواطن؛ حتى لا يشترى كمّا أكبر من سلعة عن حاجته متوهمًا أنه ربح لأن سعرها أقل عن ذي قبل، وحقيقة الأمر قد يخسر لأنه قد يستخدم واحدة منها ولا يحتاج للأخرى.
– تقليل الشراء العشوائي للسلع، بحيث تتكيف الممارسات الشرائية مع ظروف المواطن الشخصية والاجتماعية؛ لأن من أحد أهم أسباب تشجيع التجار والموردين على رفع الأسعار، هو الشراء العشوائي، فسلوك التاجر هو رد فعل لسلوك المستهلك وليس العكس.
-المقاطعة، بهدف التأثير في سياسة واستراتيجية مؤسسة معينة وفقا لرغبات المستهلكين بدوافع منها صحية، وبيئية[12]. للضغط على المنتجين والمؤسسات التجارية والسلطات فيما يتعلق برفض المنتج أو محاولة تخفيض الأسعار أو تعديل في بعض الميزات.
وقد يتطلب هذا الوضع إجراءات من جانب منظمات المجتمع المدني لتحقيق مطالب مشروعة للمواطنين؛ لأن سلوك المستهلكين هو الذي يحدد طريقة تعامل التجار معهم ومع السوق، كما إن المستهلك بحاجة إلى ثقافة واعية تحدد سلوكه الشرائى من خلال العادات الاستهلاكية الصحية وشراء المكونات الغذائية الأساسية غير المعالجة أو المصنعة. فقد سيطرت المنتجات المعلبة ونصف الجاهزة على مشتريات المستهلك في الجانب الغذائي. فعلى المواطن أن يستخدم قوته الشرائية بتحديد خصائص المنتج وفقا لمعايير بيئة وأخلاقية تدل على التزامه تجاه المجتمع، والضغط على المؤسسات من أجل أن تقوم هي الأخرى بمسؤولياتها المجتمعية[13].
دور الاعلام:
يمثل الإعلام الأداة الأقوى على تغيير العادات والتقاليد وثقافة المجتمع السائدة. ونجد أن التعرض إلى وسائل الإعلام يستغرق ثلث النهار لدى معظم سكان الأرض، خلال هذه الساعات تحاول معظم الإعلانات تعزيز السلوكيات الاستهلاكية والترويج للقيم المادية[14].
ومن هنا نحتاج إلى الإعلام الترشيدى القائم على التفكير العقلاني حول السلوكيات الاستهلاكية الرشيدة والموجه نحو تثقيف المستهلكين وتوعيتهم عبر مختلف المواد الإعلامية التي يبثها. بحيث لا تتم عملية التوعية والتثقيف بشكل مباشر أي عبر الرسائل المتخصصة بقضايا الاستهلاك، إنما يمكن أن تتم من خلال مختلف المواد الإعلامية. وهذا النوع يرتكز على مفاهيم عدة تتعلق بالاستهلاك مثل الفائدة التي يحصل عليها المستهلك جراء شراء سلعة أو خدمة أو استهلاك أي منتج، وضرورة الحساب والتفكير العقلاني بالميزانية المالية وصولا إلى قدرة المستهلك على التحكم بسلوكه. كما يعطي الإعلام الترشيدى الأولوية لمساعدة المواطنين في عدم الوقوع تحت تأثير المشاعر والانفعالات التي يمكن أن تثيرها فيهم الإعلانات والتقارير الإعلانية أو أي عملية ترويجية أخرى، كما يسهم في تحفيز نقد المواطنين لها والتدقيق في صحتها، وكل هذه المفاهيم تؤسس لبعد إعلامي جديد يُخرج الوسائل الإعلامية من دائرة المؤسسات التجارية البحتة إلى وسائل إعلامية لها مسئولياتها تجاه المجتمع[15]. ويتطلب ذلك القيام بما يلي:
- تطوير التنظيمات والتشريعات بما يخدم النهج الترشيدي، وتحفيز إنتاج المواد الإعلامية الترشيدية بما يتطلبه من مقومات بشرية وتقنية.
- توفير الرقابة والتعاون بين السلطات والقنوات الإعلامية من خلال قيام جهاز إعلامي متخصص بوضع استراتيجيات تهدف إلى تطوير الخدمة الإعلامية بما يخدم القضايا الضرورية للمجتمع منها ثقافة الإنتاج والادخار.
- تطوير مهارات القائمين بالاتصال وتوعيتهم بأهمية الترشيد عبر المواد الإعلامية المنتجة.
- تنظيم سوق الإعلان حيث يرتبط الدور الذي يؤديه الإعلام المرئي في مجال تحفيز النزعة الاستهلاكية مباشرة بالكثافة الإعلامية التي تشهدها معظم المحطات التلفزيونية، وبالأخص تلك التي تعتمد اتجاهات تجارية واضحة.
- ملاءمة الإعلانات لاحتياجات الاقتصاد الوطني؛ حيث تحتاج الدولة المصرية إلى دعم مختلف القوي المؤثرة اجتماعيا بهدف النمو الاقتصادي الصحيح والتنمية البشرية.
- تشكيل جماعات الضغط لتحفيز الإعلام الترشيدي حيث يمكن تشكيلها في المجال الإعلامي للضغط علي الوسائل الإعلامية لتحسين أدائها بما يخدم المصلحة العامة، ومن أمثلتها(ِ(Accurancy In Media في الولايات المتحدة و((Action Critiqu Media في فرنسا[16].
دور منظمات المجتمع المدني
يتطلب الوعي الاستهلاكي الرشيد رؤية تشاركية وتضافر الجهود كافة لمشاركة الفرد والأسرة ومؤسسات الدولة المختلفة ومنظمات المجتمع المدني في مسؤولية مجتمعية واحدة. ولا يتحقق ذلك الجهد التشاركي إلا من خلال الإلمام والوعي العام بأهداف الدولة وسياستها الاقتصادية، كما يتوقف على نوعية المعلومات والعادات والاتجاهات المتأصلة لدى المجتمع.
وبما أن للأسرة دور كبير في قلب هذه المؤسسات، فمن الضروري أن ترتكز مساهمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على الأسرة في توجيه برامج التوعية وإرشاد المواطنين بأهمية القيمة الشرائية وكيفية ترشيد استهلاكهم، ووضع مبادرات تشجع على الادخار، ومنح الفرص لفهم معنى الاستدامة، إضافة إلى أجراء البحوث والدراسات المعنية بإيجاد مصادر بديلة للطاقة يتبناها الشباب، لأننا بحاجة ماسة إلى رؤية جديدة وآليات تواءم بين الدخل ومتطلبات الحياة اليومية.
وما يدعونا للتفاؤل أن صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد المصري إلي 5.9% من 5.6% العام المالي 2021-2022 ويعبر هذا التوقع عن استقرار الاقتصادي المصري [17]. فضلا عن عقد مؤتمرًا صحفيًا عالميًا لإعلان خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، ويضمن المؤتمر عددًا من المحاور أهمها زيادة فاعلية جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، إلى جانب فصل الجهات التنظيمية والرقابية عن الوزارات المنفذة، وكذلك تسهيل وتيسير الإجراءات الخاصة بالشركات الناشئة، وخاصةً ما يتعلق منها بريادة الأعمال وغيرها من الأنشطة، إلى جانب تعديل القوانين سعيًا للتوسع في إقامة المناطق التكنولوجية، وتسهيل اشتراطات إقامة شركات الفرد الواحد، كما سيتم إطلاق حزمة من الحوافز المتنوعة والجديدة، تتضمن حوافز خاصة بقانون الاستثمار، وحوافز خضراء، وحوافز الاستثمار في القطاع الصحي وغيره[18].
وختامًا، نعول على وعي المجتمع من خلال ثقافة واعية منفتحة ترتبط بمختلف الأنشطة اليومية التي يقوم بها المواطنون وترتكز على استيعابهم لعملية الاستهلاك الرشيد، والتطلع إلى تحقيق مصلحة الاقتصاد القومي بنظرة عالمية تراعي أبعاد القرارات الاستهلاكية الرشيدة على مستوى الفرد والدولة معًا. في ضوء رؤية شمولية تنعكس إيجابيا على استدامة التنمية، وترشيد الموارد الطبيعية والبشرية والتخطيط الاستراتيجي الاقتصادي، بما يسهم في خلق وعى استهلاكي أكثر مسئولية. ويصبح التحدي القائم أمام البحوث والدراسات الراهنة هو تفسير ما يدفع المواطنين إلى شراء أشياء لا ترقى إلى مستوى الضرورة المادية. وتكاتف جهود منظمات المجتمع المدني والإعلام الذي يعد حلقة وصل ودعم للجهود المبذولة لتحقيق عيشة كريمة للمواطن المصري الذي يستحق الأفضل دائمًا.
[1] – أحمد زايد وآخرون (1991): الاستهلاك في المجتمع القطري، وأنماطه وثقافته، الدوحة: مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، جامعة قطر، ص29.
[2]– بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي https://data.albankaldawli.org/indicator/NE.CON.PRVT.CD?end=2020&start=2000&view=chart
نفقات الاستهلاك النهائي للأسر المعيشية (الاستهلاك الخاص سابقاً) هي القيمة السوقية لكافة السلع والخدمات، شاملةً المنتجات المعمرة (كالسيارات، والغسالات، وأجهزة الكمبيوتر المنزلية)، التي تشتريها الأسر المعيشية. وهي لا تتضمن مشتريات المساكن لكنها تشمل قيمة إيجاريه تقديرية للمنازل التي يسكنها مالكوها. وتشمل أيضاً المدفوعات والرسوم المدفوعة للحكومة للحصول على التصاريح والرخص. وتشمل نفقات استهلاك الأسر المعيشية هنا نفقات المؤسسات غير الهادفة للربح التي تخدم الأسر المعيشية، حتى في حالة الإبلاغ عنها بصورة مستقلة من جانب البلد المعني. والبيانات معبر عنها بالقيمة الحالية للدولار الأمريكي.
[3] – أهم مؤشرات بحث الدخل والانفاق والاستهلاك 2019/2020، الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، اصدار ديسمبر2020.
[4] – سعيد المصري، مرجع سابق، ص.10
[5] – Fitch Solutions estimate/forecast. Source: Egypt CAPMAS, Fitch Solutions
[5]-مؤسسة الأبحاث الدولية “فيتش سليوشنز” مايو2021.[6]– المصدر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (مؤشر أسعار الغذاء) https://www.fao.org/worldfoodsituation/foodpricesindex/ar
المصدر أوراسيا ريفيو:
http://idscapp.gov.eg/public/share/news/details/31116
[7] سعيد المصري (2006): ثقافة الاستهلاك في المجتمع المصري، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، العدد 19 السنة الثانية، ص19.
[8] – ناهد سيف (2010): الاستهلاك لدي فئات مختلفة من الشباب بمدينة القاهرة، رسالة دكتوراه، أشراف أحمد زايد، جامعة القاهرة، كلية الآداب، قسم علم الاجتماع، ص328، ص107.
[9] – بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة يوم10 مايو2022. https://www.capmas.gov.eg/Pages/IndicatorsPage.aspx?page_id=6130&ind_id=2542
[10] – إيمان سوقال (2017): دور الإعلام في تفعيل ثقافة ترشيد الاستهلاك، عدد 74 جوان 7104، المجلد أ، ص. ص323-335.
[11] – سعيد المصري، الإدارة الاجتماعية للأزمة الاقتصادية، جريدة الدستور، 6 مايو 2022.
[12] – زكية مقري، أثر استراتيجية السلوك الاستهلاكي المسؤول للحد من ممارسات الغسيل الأخضر وحماية المستهلك، عدد2، مجلد9، مجلة البحوث العراقية، 2014، ص 166.
[13] – المرجع السابق، ص 167.
[14] نادية عطار، تقرير حالة العالم2010: من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الاستدامة الجزء الثالث، 2012 مارس،26.
https://permaculturearabia.org permaculture research institute 02 7109/01/
[15] محمد عبد الرؤف شعيب: “دور الإعلام المرئي في نشر ثقافة الترشيد”، المؤتمر العلمي الرابع ” القانون والاعلام” أبريل2017، جامعة طنطا، كلية الحقوق، ص 17.
[16] محمد عبد الرؤف، المرجع السابق، ص38.
[17]https://www.imf.org/ar/Home -Real GDP growth, Annual percent change موقع صندوق النقد الدولي،
https://economyplusme.com/category/%d8%a3%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1
https://www.imf.org/external/datamapper/NGDP_RPCH@WEO/OEMDC/ADVEC/WEOWORLD/MEQ/EGY
[18] – نشرة مركز المعلومات عرض لأهم الأحداث والأخبار والقضايا، نشرة يومية إخبارية وتحليلية لأبرز الاحداث والمؤشرات، تصدر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار مجلس الوزراء، الاثنين 16 مايو 2022، العدد320، السنة الثانية.