أثر المحاصصة الطائفية علي استقرار النظام السياسي اللبناني: دراسة حالة للطائفة الشيعية ” 2005 – 2014 “
إعداد : سها معتز محمد رزق – إشراف: د. مي مجيب .
- المركز الديمقراطي العربي
الـــمـــقــدمـــة :
منذ إقرار نظام المحاصصة الطائفية عام 1943م عند استقلال لبنان وإقرار اتفاق الطائف الذي أنهي الحرب الأهلية ولبنان لم يهدأ لها بال، وأصبحت تعاني من مشكلات متتالية، وتُعد الطائفة تعبير عن المجموعة التي لديها معتقدات واحدة ولكن الطائفية تكون بمثابة المرض الموجود في النظام السياسي الخاص بالدولة، إذا تم صبغها بصبغة سياسية، وإذا حدث تنافس من أجل تحقيق الطائفة أهدافها وبالتالي يبدأ المجتمع في الانقسام وتتحول كل طائفة إلي فاعل مستقل بذاته عن الطوائف الآخري، وأقر نظام المحاصصة الطائفية تقسيم المناصب السياسية علي أساس طائفي فرئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة، وذلك مايُسمي بالديمقراطية التوافقية التي تسعي لتقسيم المناصب السياسية بين الفئات الأساسية في المجتمع لعدم حدوث صراع سياسي ومنع هيمنة طائفة دون الآخري وانهيار النظام السياسي للدولة.
وتُعد لبنان منذ نشأتها من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعًا حيث يعيش فيها نحو 18 طائفة معترف بها، ومشكلة لبنان متجذره لم تظهر بين ليلة وضحاها بل إن لبنان منقسمة طائفياً بشكل واضح وظهرت الطائفية في لبنان منذ عام 1840م، وتم إقرار نظام المحاصصة الطائفية ثم اتفاق الطائف الذي أقر استقرار سياسي نسبي ومؤقت، ولم يقدم حلًا نهائيًا لمشكلة التنافس علي السلطة وتولي المناصب، بل أنه جعل الدولة رهينة الحسابات والتوازنات الطائفية وعرضة للابتزاز المصلحي والانتهازية من الداخل ومن الأطراف الخارجية التي تستغل ورقة الطائفية لتحقيق مصالحها في هذه الدولة كما جعلت الأفراد عرضه لتغيير معتقداتهم وأفكارهم وتحالفتهم من أجل الحصول علي مكاسب أو مناصب معينة، وتتم الدراسة في إطار عام 2005م منذ مقتل رفيق الحريري حتي عام 2014م وحدوث مشكلة فراغ منصب رئيس الجمهورية الرابعة.
وتُعد طائفة الشيعة من أبرز الطوائف المتواجدة في لبنان، وفي بداية النظام الطائفي كانت الشيعة مهمشة بشكل كبير ثم بعد حدوث الصراع اللبناني الإسرائيلي اكتسبت الشيعة مكانة كبيرة عند اللبنانيين وخاصة حزب الله الذي يظهر في صورة الحامي للأراضي اللبنانية، وتعاني طائفة الشيعة من اختلالات كبيرة داخليًا حيث لا يوجد ممثل واحد عن الشيعة بل أكثر من ممثل مثل حزب الله وحركة أمل وغيرهم، وتشتهر طائفة الشيعة بالقدرة علي التفاوض والمساومة وعقد التحالفات السياسية مثل التحالف مع التيار الوطني الماروني الحر وتكوين تحالف 8 آذار ضد السنة المكونيين لتحالف 14 آذار.
ثـــانـــيـــًا الـــمــــشـــكــلــة الــبــحـــــثــيـــة:
شكلت الصيغة الطائفية في لبنان تحديًا كبيرًا وفعليًا أمام الدولة اللبنانية ونظامها السياسي ولجأت لبنان إلي تقاسم
السلطة كحل للطائفية السياسية، كان الاتفاق الوطني بالأساس يقوم علي تقاسم السلطة بين الموارنة والمسلمين ولكنه عزز من سلطة الموارنة لأن رئاسة الجمهورية في يد الموارنة، ولكن عدل اتفاق الطائف ذلك التوزيع وقلل من صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيس الوزراء ومجلس النواب، وتتمثل القوي السياسية في لبنان بعد مقتل رفيق الحريري عام 2005م من تحالفين أساسيين تحالف 14 آذار الممثل للسنة ويحصل علي72 مقعد في البرلمان وهو مكون من (تيار المستقبل، القوات اللبنانية، حزب الكتائب اللبنانية، لقاء قرنة شهوان، حزب الوطنيين الأحرار، حركة التقدمي الاشتراكي، حركة اليسار الديمقراطي، الكتلة الوطنية اللبنانية)، وتحالف 8 آذار يحصل علي 56 مقعد وهو ممثل للشيعة والمعارضة ويتكون من (حزب الله، حركة أمل، التيار الماروني الحر، الحزب الديمقراطي اللبناني، تيار المرده، حركة مجد، حزب الطاشناق، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب البعث العربي الاشتراكي، حركة التضامن)، ويتكون مجلس النواب من 128 مقعد ويتم تقسيمهم كالتالي: 34 مقعد للموارنة، 27 للسنة، 27 للشيعة، و14 ارثوذكس، و8 للدروز، و8 كاثوليك، 5 للأرمن الأرثوذكس، 2 علويين، 1 أرمن كاثوليك،1 انجيليون، 1 أقليات.
وتدور المشكلة البحثية حول فكرة تقاسم السلطة واتفاقيات تقاسم السلطة التي عقدتها طائفة الشيعة حتي تحافظ علي وجودها كفاعل أساسي في النظام السياسي اللبناني، ويكون التساؤل البحثي “ماهو تأثير تقاسم السلطة علي استقرار النظام السياسي اللبناني؟”، تتكون لبنان من 18 طائفة معترف بها ولكل طائفة قانون أحوال شخصية خاص بها، ولا يوجد إحصاء رسمي منذ عام 1932م معترف به حول نسبة كل طائفة لأن ذلك الإحصاء سيؤدي حتمًا إلي قلب موازيين القوي الأساسية في لبنان وبالتالي إعادة تقسيم السلطة علي أساس نسبة كل طائفة من السكان، ويعتقد أن الطائفة الشيعة هي النسبة الأكبر بنسبة 31.6% نحو ثلث السكان، تليهم السنة بنسبة 31.3% ولكنها مازالت إحصائيات غير رسمية[1]، وهناك إحصائيات عام 2022م تؤكد أن نسبة الشيعة أصبحت 45% من السكان، ويتركز معظم الشيعة في جنوب لبنان والمناطق الغربية والشمالية من وادي البقاع وجبيل وبعلبك وبيروت وكسروان وشمال لبنان وبعض العلويين مقيمين في منطقة جبل محسن في طرابلس وأغلبية الشيعة ينتمون إلي المذهب الاثنا عشري، وبدأ الشيعة في الظهور في لبنان علي يد الإمام موسي الصدر وعمل علي تحسين أوضاع الشيعة مع تأسيس المجلس الأعلي الشيعي اللبناني، وتشكل التجمع الجنوبي مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان وقام بتشكيل حركة أمل لمواجهة العدوان الإسرائيلي ثم ظهور حزب الله كمنشق عن حركة أمل لأنه يريد اتباعه الارتباط بإيران، وظهر حزب الله لمقاومة إسرائيل في عام 1982م ومثل ذراع أساسي لإيران وسوريا داخل لبنان، وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية عام 2000م استمر حزب الله بالاحتفاظ بسلاحة وبعد الصراع الإسرائيلي اللبناني عام 2006م قرر حزب الله دخول الحياة السياسية والمشاركة فيها والحصول علي مقاعد تمثله في مجلس النواب والحكومة كممثل أساسي عن الشيعة بالتحالف مع حركة أمل والتيار الماروني الحر وعدد من الأحزاب الآخري، من أجل السيطرة علي الثلث المعطل في البرلمان لإستحالة إصدار أي قرار من دول موافقة الشيعة، وفي الحكومة التي تتكون من 30 وزراة يحصل الشيعة علي 5 وزرات و6 للموارنة، 7 للسنة، 4 للروم الارثوذكس، 3 للروم الكاثوليك، 3 للدروز و2 للأرمن من الارثوذكس، وتحالف الشيعة بشكل أساسي مع التيار الماروني لأنه يمتلك أكبر عدد مقاعد في الحكومة ومجلس النواب وبالتالي سيمتلك الثلث المعطل.
وكذلك انضم ميشال عون رئيس التيار الوطني الماروني لتحالف 8 آذار وتحالف مع حزب الله ليضمن عدم تعرضه لأذي من الجانب السوري وضمان تأييد حزب الله في ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وكانت مشكلة حزب الله الأساسية وحركة أمل “كممثليين عن الشيعة” مع تحالف 14 آذار هو قضية سحب سلاح حزب الله والمحكمة اللبنانية الدولية والثلث المعطل في البرلمان والحكومة، ومنذ ذلك الوقت يمثل الشيعة فاعل أساسي في النظام السياسي اللبناني وخاصة حزب الله فقد قام الشيعة بإسقاط حكومة التوافق الوطني عام 2010م عند انسحاب وزرائهم من الحكومة اعتراضًا علي سياسة سعد الحريري، واستطاع الشيعة تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية منذ عام 2014م حتي عام 2016م لتمسكهم بتعيين ميشال عون رئيسًا للجمهورية لتحقيق مطالبهم وأهدافهم، وحزب الله يمثل الشيعة كفاعل أساسي في إطار تقاسم السلطة وبالتالي يميل لهم ميزان القوي في إطار تحالفهم مع الموارنة ضد السنة لأن السنة دائمًا تمثل عدو أساسي للشيعة لأن السنة تمتلك رئاسة الوزراء وتعارض ذلك الشيعة وترغب في السيطرة علي ذلك المنصب.
ومع البحث في الموضوع يظهر لدينا عددًا من الأسئلة الفرعية التي يجب الإجابة عليها أثناء البحث وهي كالتالي:
- (1) ماهو مفهوم الطائفية ونظام المحاصصة الطائفية؟
- (2) كيف يتم تقاسم السلطة في لبنان؟
- (3) ماهي العوامل التي مكنت الشيعة من الحصول علي مكاسب داخل السلطة؟
- (4) هل تقاسم السلطة بين الشيعة والسنة والموارنة وتطبيق نموذج الديمقراطية التوافقية أدي إلي الاستقرار السياسي؟
- (5) ماهي العوامل الخارجية المؤثرة علي استقرار النظام السياسي اللبناني؟
ثـــالـــثًــا أهـــمــيـة الــدراســة :
تتناول هذه الدراسة موضوعاً حيويًا وجدليًا له انعكاساته المباشرة علي الدولة اللبنانية وتظهر أهمية الدراسة في إبراز وإظهار الصيغة الطائفية وأثار الطائفية التي يُعاني منها المجتمع اللبناني، ومدي فاعلية ميثاق الطائف ونظام المحاصصة الطائفية والبحث في مدي ثبات وصمود الدولة اللبنانية في ظل نظام المحاصصة الطائفية، ويتم تسليط الضوء علي التركيبة الطائفية والسياسية للمجتمع اللبناني مع بروز أهمية طائفة الشيعة في النظام اللبناني وحزب الله الذي يمثل دولة داخل الدولة.
- الأهــمـية الـــنــظـــريــة :
رغم وجود عدد كبير من الدراسات التي تهتم بلبنان والطائفية في لبنان، فهذه الدراسة تسعي لتوفير تراكم علمي ومعرفي وبحثي في نقاشات الطائفية وأثرها علي الأوضاع الاجتماعية والسياسية في لبنان، وأثرها علي النظام السياسي في لبنان ومدي رسوخه وثباته، وبحث عدد من الأزمات التي مرت علي لبنان، وشرح نموذج الديمقراطية التوافقية في لبنان لأنه مصطلح غير متعارف عليه، والتطرق لطائفة الشيعة وهي حالة الدراسة ودراسة تطورها في النظام السياسي، وتوفير عدد من المقترحات والرؤي المستقبلية واستنتاجات بحثية التي يمكن أن تمثل فروضاً علمية لبحوث آخري أكثر تعمقًا وتخصصًا.
- الأهــمــيـة الــعــمــلــيـة:
يمكن أن يخدم هذا البحث بما قد يتوصل له من نتائج صانعي القرار اللبنانيين والفاعلين السياسيين اللبنانيين وأفراد الحراك الشعبي اللبناني، من أجل تحسين أداء وإدارة النظام السياسي اللبناني، ويسعي البحث لدراسة أثر الطائفية علي استقرار النظام السياسي وأثر طائفة الشيعة علي النظام، مع تقديم بعض الحلول التي يمكن أن يتم الاستناد إليها في الواقع.
رابــعًـــا هـــدف الــبــحــث:
يهدف البحث بشكل أساسي إلي :
1– التعريف بمصطلح الإثنية والطائفية والديمقراطية التوافقية والاستقرار السياسي .
2– إبراز الصيغة الطائفية الموجودة في النظام اللبناني، والعوامل التي أدت إلي عدم استقرار النظام السياسي اللبناني وتأثير الطائفية عليه.
3– التعرف علي الخبرة الطائفية اللبنانية وكيف يمكن أن تتفاداها الدول الآخري لمنع تعميق الخلافات الطائفية في الدول.
4– قياس مدي فاعلية نظام المحاصصة الطائفية اللبناني خاصًة في ظل غياب تعداد سكاني أصلي يعبر عن التركيب السكاني الحالي للبنان.
5– العمل علي شرح نموذج الديمقراطية التوافقية في لبنان وبيان أسباب تطور النزاع الطائفي.
6– دراسة آليات حل وتسوية الصراع بالطرق القانونية، مع محاولة تحديد احتمالات ورؤي مستقبلية للحالة اللبنانية في ضوء الأزمة الاقتصادية والسياسية.
خامــسًـــا مـنـهــج الــدراســة:
اعتمدت هذه الدراسة علي منهج الجماعة، وهو المنهج الذي يعتمد علي الجماعة كوحدة تحليل أساسية، ويعتبر Arthur Bently هو أول من استخدام اقتراب الجماعة في دراسة النظم السياسية، ويعتمد منهج الجماعة علي عدد من المقولات والمنطلقات الأساسية لنظرية الجماعية منها التالي:
– الجماعة هي وحدة التحليل، بمعني أن دراسات نظرية الجماعة تركز علي تجمعات الأفراد الذين يتفاعلون معًا من أجل
تحقيق أهداف سياسية مشتركة.
– انصب الاهتمام الرئيسي لنظرية الجماعة علي دراسة الجماعات وليس الفرد علي اعتبار أن الجماعات أكثر تأثيرًا من الأفراد في تشكيل الحياة السياسي.
– تري نظرية الجماعة أن المجتمع مقسوم بصورة رأسية وأفقية إلي جماعات، وليس بصورة أفقية فقط إلي طبقات كما في التحليل الطبقي، أو نخبة وجماهير كما في نظرية النخبة.
– يري هذا المنهج النظام السياسي بإعتباره شبكة ضخمة من الجماعات المتفاعلة مع بعضها البعض علي نحو مستمر تأخذ هذه التفاعلات شكل الضغوط والضغوط المضادة، ومحصلة هذه التفاعلات هي حالة النظام السياسي في لحظة زمنية محددة.
– التغير في تشكيل الجماعة يترتب عليه تغيرًا في شكل وطبيعة النظام السياسي، فطبيعة الجماعات في أي مجتمع تصبح بمثابة المتغير المستقل الذي يؤثر علي النظام السياسي باعتباره المتغير التابع الذي تحدد تشكيل الجماعات وتتأثر به، وإن أي تغير في النظام السياسي هو نتاج التغير في تشكيل الجماعات في المجتمع.
– تؤثر الجماعة بشكل كبير علي سلوك أعضاءها.
– تمارس الجماعات تأثيرًا كبيرًا علي النظام السياسي فهي أحد العوامل التي تؤثر علي استقرار النظام السياسي.[2]
وستقوم الباحثة بتطبيق المنهج من خلال :
– تحديد أهم الجماعات والأحزاب المسيطرة في لبنان والتي تدور بينها صراع طائفي.
– تحديد العلاقة بين الطوائف المختلقة لمعرفة مدي درجة تماسكها أو تفككها وتأثيرها في استقرار النظام السياسي.
– معرفة مدي تأثير هذه الجماعات في النظام السياسي مع التركيز علي دراسة جماعة الشيعة.
– دراسة مراكز قوي الجماعة الشيعية ومدي تأثيرها في استقرار النظام السياسي.
– معرفة مدي تأثير القوي الخارجية مثل إيران علي جماعة الشيعة في لبنان.
ســادسًــا الأدبـيــات الـسـابــقــة:
- أولاً محور يركز علي الطائفية ومفهومها :
– هناك دراسة بعنوان “تأملات في الهوية والانتماء والطائفية“[3]، قدمها جوزف حداد، تناقش دور الطائفية والانتماءات الدينية في تصرفات الأفراد ودوافعهم، واستخدم الباحث المنهج التحليلي في تحليل الطائفية وعلاقتها بالأديان وأفكار الأفراد وما يعتقدونه وأكد أن انتماءات الهوية والطائفية تؤثر علي أفكار الأفراد ومايعتقدونه، وتوصل الكاتب لعدد من النتائج عبر دراسته بدايًة من ذكر كتاب كيف نتربي علي الطائفية ل ” أوغاريت يونان” الذي يتحدث عن الطائفية، وقارن الكاتب بين الانتماء والهوية، ويتحدث عن التربية الطائفية التي تقوم بها الأسرة للطفل حيث تقوم برسم قالب وإطار معين للشخص المسلم والمسيحي وتضع كلًا منهما في إطار معين ومحدد وبالتالي ينشأ الفرد علي أساس فكرة طائفية معينه ويبدأ الفرد في المقارنة بين الأفراد ويلتزم الفرد بالانتماء لطائفة معينه، كما تطرق الباحث في دراسته إلي الخطاب الديني، وتوصل الكاتب إلي أن الانتماء الديني هو المبرر الأول لوجود الطوائف والتي تأخذ منه تسمياتها وتوصل لضرورة فصل الدين عن الدولة وجعل الأفراد أحرارًا في اختيار قراراتهم ومعتقداتهم الدينية، وقد أهمل الباحث عدداً من النقاط الهامة منها عدم تركيزه بشكل كبير علي الطائفية ومفهومها وعدم التمييز بينها وبين الهوية والأثنيه بشكل كافي، ركز الباحث علي الجانب الديني أكثر من التركيز علي الجوانب الأخري، جعل الباحث أهمية ورقته البحثية تتمحور حول الدين والأفراد بدلاً من الطائفية وأثارها علي الأفراد والمجتمعات، وموضوع الورقة قصير جداً وكان يمكن التوسع فيه، ويمكن الاستفاده من هذه الدراسة من خلال استنتاج الكاتب أن الطائفية ترتب عن الدين ويأخذ مسمياته منها والعلاقة الارتباطية بين الدين والطائفية التي يتحدث عنها الكاتب، بالإضاقة لمناقشته مفهوم التربية الطائفية والتي تمارسها الأسرة ويمكن الحديث عنها في نطاق مفهوم توريث الطائفية حيث أن الأفراد عندما يولدون في نطاق طائفة معينة ومفاهيم معينة يقوموا بالإيمان بها ويقوموا بتوريثها لأبناءهم والأجيال المستقبلية دون مراجعتها أو التشكيك فيها.
– في دراسة بعنوان “دراسات الطائفية مابعد كتاب: الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة: الآفاق الممكنة“[4]، قدمها الباحث حيدر سعيد، تدور اشكاليتها البحثية حول طرح وتفسير مفهوم الطائفية والتمييز بين الطائفية وسياسات الهوية ويعتمد الكاتب علي المنهج الوصفي التحليلي حيث يميل إلي وصف الطائفية والطائفة والتمييز بينهم وتحليلهم في إطار عدداً من الأمثلة والدراسات التي تناولت تلك المفاهيم ويقوم الكاتب بتحليل كتاب الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة لعزمي بشارة، وتوصل الكاتب إالي أن الطائفية هي وليدة الطائفة وليس العكس، ويقوم الكاتب بتقشير مفهوم الطائفة وإبرازة وتوضيح بعض الثنائيات التي ذكرها الكاتب في كتابة وهي المذهب(الفرقة) والطائفة (المجتمع الأهلي)، والطائفة والطائفة المتخيلة، الطائفية الاجتماعية والطائفية السياسية، وتوصل الكاتب أن الطافية هي انتماءات فوق وطنية حيث يكون ولاء الفرد لطائفته أكثر من انتماء لوطنه، ويمكن الاستفاده من هذه الدراسة في إطار التمييز بين الطائفة وعددًا من المصطلحات الآخري والتعرف علي عدد كبير من تعريفات الطائفية وعدم اقتصار التعريف علي اتجاه أو تعريف واحد فقط، وقد أهمل الكاتب وضع عدداً من الأمثلة في تحليله للكتاب وأهمل توضيح بداية الطائفية وكيف تظهر وتتجذر في المجتمعات.
- ثانياً محور يركز علي دراسة النظام السياسي اللبناني:
– في دراسة بعنوان “النظام السياسي اللبناني ( الواقع والآفاق)“[5]، قدمها بيرج نعلبنديان، وكانت مشكلتها البحثية تدور حول النظام السياسي اللبناني وأثر الصيغة الطائفية علي مؤسسات الدولة والتي كانت سبباً في عدد من الأزمات السياسية والحروب الداخلية وبالتالي تكمن مشكلة البحث في الطبيعة السياسية والطائفية للنظام السياسي اللبناني لأن النظام السياسي اللبناني نظاماً فريداً وخاصاً ومتميز ضمن الأنظمة السياسية العربية الآخري، وقد اعتمد الباحث علي المنهج الوصفي الذي يقوم علي وصف الظواهر التي توجد في الواقع كما اعتمد علي المنهج التاريخي لأن الباحث يقوم بجمع المعلومات التاريخية المرتبطة بالموضوع ويقوم بتحليل ووصف الأحداث من أجل تحديد الرؤية المستقبلية للنظام وللدولة اللبنانية، وقد توصل الباحث إلي نتائج لم يتم عرضها في الأدبيات التي عرضها في بحثه وقام بعرض النشأة التاريخية لدولة لبنان بمرتكزاتها السياسية والقانونية والجغرافية والبشرية، كما ذكر الكاتب الأحزاب السياسية الموجودة في لبنان وتشكيلها، وركز علي الصراعات اللبنانية الداخلية وانعكاساتها علي الصعيد السياسي وذكر الميثاق الوطني والأزمة اللبنانية التي حدثت عام 1958 والأزمة الفلسطينية اللبنانية التي كانت بمثابة انذار لبداية الحرب الأهلية اللبنانية، ثم الوفاق الوطني اللبناني واتفاق الطائف الذي أقر الأوضاع داخلياً ووضع نظام سياسي جديد للدولة اللبنانية، وقد أهمل الكاتب توضيح التعريفات الخاصة بالطائفية حيث لم يركز بشكل كبير علي الطائفية اللبنانية وكان تركيزه ينصب علي الإطار القانوني والدستوري بشكل كبير، ويمكن الاستفاده من البحث من خلال العرض الدقيق للنظام السياسي والمؤسسي اللبناني والاهتمام بالإطار القانوني والرؤية المستقبله للأوضاع في لبنان.
– في دراسة بعنوان ” إشكالية النظم السياسي اللبناني من الدستور إلي الوفاق الوطني“[6]، قدمتها الدكتورة إيمان مرداس، تدور مشكلة الدراسة حول دراسة النظام اللبناني ذات التركيبات المتناقضة ويتناول البحث المرتكزات الأساسية لهذا النظام وتتابع الأحداث منذ إعلان الجمهورية ودستورها لأول مرة عام 1926م حتي الاستقلال والميثاق الوطني عام 1943م والتسوية بعد الحرب اللبنانية والأوضاع الدستورية المختلفة لأنها أحد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء دوام إشكالية ممارسة السلطة في لبنان، واعتمدت الباحثة علي المنهج التاريخي حيث لا يمكن التعرف علي أي ظاهرة دون العودة لأصولها وجذورها التاريخية كما استخدمت الباحثة المنهج التحليلي من خلال استقراء وتحليل الواقع السياسي للنظام اللبناني كما اعتمدت المنهج المقارن من خلال مقارنة العمليات الحكومية وتطبيقها بمختلف نماذجها، وتوصلت الباحثة لعدد من النتائج بدايًة من أن الدستور اللبناني هو أول من أقر القواعد الطائفية، وأقرت أن النظام السياسي يقوم علي وثيقتين أحداهما مكتوب وهو الدستور والأخري هي الميثاق الوطني الذي يقر نظام المحاصصة الطائفية، وتحول نظام لبنان من نظام شبه رئاسي إلي نظام برلماني، وأهملت الباحثة عدداً من الجوانب السياسية والاجتماعية وبنية النظام السياسي ومؤسساته والأحزاب والمجتمع المدني مع التركيز علي الإطار الدستوري والقانوني والميثاق الوطني واتفاق الطائف دون ذكر مؤسسات الدولة وأهملت الباحثة ذكر الأحداث الأساسية مثل الحرب الأهلية وماحدث فيها وعدم التركيز علي الأزمات الأساسية التي تعاني منها الدولة اللبنانية كما أن الكاتبة تميل لعدم وصف لبنان كبلد غير مستقر أو غير مركب ولكن الحقيقه أن لبنان بلد بالفعل مفكك ومجزأ بشكل كبير ولكنه مازال يحافظ علي كينونته حتي الآن، ويمكن الاستفاده من هذه الدراسة من خلال تتبع نشأة الدستور اللبناني وتتبع الطائفية فيه وأيضاً الاستفاده من تحليل الكاتبة للميثاق الوطني واتفاق الطائف، كما تنبأت الكاتبة بإنتهاء النظام الطائفي وتنبأت بوجود أزمات سياسية ستلحق اتفاق الطائف وهذا مايحدث حاليًا بالفعل في لبنان من خلال الاحتجاجات التي تكاد تعصف بالنظام الطائفي.
– هناك دراسة بعنوان ” النظام السياسي اللبناني دراسة في المؤسسات والفواعل“[7]، قدمها الباحثان محمد الأمين وراهم علي، تدور مشكلتها البحثية حول كيفية بناء النظام السياسي اللبناني باعتباره نظام يقوم علي الطائفية السياسية وينعكس وضعه الداخلي علي وضعه الخارجي وكيف تأثر النظام السياسي اللبناني بعد وفاة رفيق الحريري، ويستخدم الباحثان المنهج الإحصائي الذي يقوم علي جمع البيانات ومسحها إحصائياً وتفسير البيانات من خلال ماتعنيه أرقام المجتمع، واستخدما أيضا المنهج التاريخي الذي يقوم علي تحليل وتفسير أحداث حدثت في الماضي، وقد قام الباحث في هذه الدراسة بفحص البعد الجغرافي للسكان في لبنان وأعدادهم وبحثوا مؤسسات النظام السياسي اللبناني، وذكروا الفواعل الأساسية التي تلعب أدواراً هامة علي مسرح السياسية اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات العمالية وذكروا دور المرأة في المشاركة السياسية وتحدثا عن مقتل رفيق الحريري ونتائجة علي النظام السياسي اللبناني وظهور حركتي 14 آذار و 8 آذار، وقد أهملا الباحثين ذكر الجانب التاريخي بشكل كبير نظرًا لأستخدامهم المنهج التاريخي دون ذكر أحداث تاريخية كثيره، كما أنهم لم يستخدموا المنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم بوصف الظواهر وتحليلها، ويمكن الاستفاده من الدراسة في إطار استخدام الإحصاءات التي ذكرها الباحثينن كما ذكروا أعدادًا للسنة والشيعة والطوائف الآخري.
- ثالثاً محور يجمع بين دراسة الطائفية والنظام السياسي اللبناني :
- في دراسة بعنوان “الخريطة الطائفية في لبنان وأثارها السياسية“[8]، قدمها الباحث د.ذيب اسليم القراله، تدور دراسته حول مشكلة النظام اللبناني وتنوعه الذي أدي لحدوث العديد من الأزمات ويقوم الباحث بدراسة الأثر السياسي لذلك التنوع وكيف انعكس علي تقسيمات السلطة في لبنان، واعتمد الباحث علي المنهج التحليلي الوصفي الذي يعتمد علي وصف النظام الطائفي اللبناني والمنهج التاريخي لأنه يذكر طبيعة النظام اللبناني منذ العهد العثماني، وتوصل الباحث في دراسته أن القضية اللبنانية ليست جديدة أو مفتعلة ولكنها قديمة ولها جذور تاريخية وأن العلاقة بين الطوائف محكومة دائما بمبدأ الشك والريبة والتربص بلآخر وليس بمبدأ التسامح مع الآخر، ويذكر الكاتب الطوائف الموجودة في لبنان وهي 18 طائفة معترف بها، وذكر الكاتب الطوائف الموجودة وما يمثلها من تيارات وأحزاب في البرلمان، وقد أهمل الكاتب عدداً من الجوانب من أهمها ذكر تأثير الطائفية علي الحياة السياسية والاقتصادية وذكر الحرب الأهلية والخلافات السياسية التي يمر بها لبنان وخاصةً أن المقالة قد كتبت عام 2015 حيث كانت أزمة رئيس الجمهورية في أكثر الأوقات اشتعالاً كما أهمل الكاتب ذكر تعريفات للطائفية و تاريخ الخلاف الطائفي في لبنان، ويمكن الاستفاده من هذه الدراسة في نطاق معرفة التوزريع الطائفي علي الأحزاب والتيارات الموجودة داخل البرلمان، والاستفاده بوجهة نظر الكاتب التي تؤكد ووجود اختلاف في التوزيع السكاني ونسب السكان الآن ولكن لا يوجد تعداد سكاني صحيح يستطيع أن يجزم بعدد الطوائف الأصلي الموجود في لبنان.
– هناك دراسة بعنوان ” الطائفية والطوائف في لبنان” [9]، قدمها ” ألبرت حوراني” وتعرض الدراسة فصل من كتاب ألبرت حوراني ” الأقليات في العالم العربي” الذي نشر عام 1947 في انجلترا، وكانت مشكلة الفصل البحثية أنه يبحث في مسألة الاقليات وتركيبها الاقتصادي والديمغرافي وبالرغم من أن المعلومات الذي يقدمها الكتاب قديمة ولكنه يعرض جزء هام من التاريخ الطائفي في لبنان وبالتالي تسمح لنا هذه الدراسة بوضع خليفة تاريخية يمكن الاستفادة منها والانطلاق منها وزيادة التراكم المعرفي عليها، وقد توصل الكاتب في هذه الدراسة لجدول يعرض التوزيع السكاني للطوائف الدينية في عام 1944 والذي يُعد مرجع أساسي للتعداد السكاني اللبناني ويركز الكاتب علي الضمانات المكتوبة للأفراد منذ دستور 1926 والبنية الاجتماعية للطوائف والاقتصادية حيث تعمل كل طائفة في قطاع مستقل عن الآخري، وقد أهمل الباحث عدداً من القضايا من أهمها ذكر بداية الطائفية في لبنان وتشكيل لبنان بالإضافة أن الدراسة قديمة تركز علي تشكيل لبنان في مرحلة الاستقلال وما قبلها وبالتالي لا تغطي ماحدث بعد عام 1947، كما أن جهة النشر قامت بنشر الفصل كما هو دون تحليله أو تكمله الأحداث وصولاً لعام نشره 1976، ويمكن الاستفادة من الدراسة بالاستعانه بالجانب التاريخي وجدول التوزيع الطائفي لسكان لبنان ومعرفة الأساس التاريخي للطوائف وتوزيعهم الاقتصادي والديمغرافي.
ســابــعًــا الإطــار الــنــظــري:
سيتم استخدام الطائفية كمدخل أساسي للدراسة في البداية يجب التمييز بين الطائفية والطائفة، فالطائفية هي كيان اجتماعي ذو أساس ديني أو عقائدي، ويشير التعدد الطائفي إلي شكل من أشكال التنوع الثقافي في المجتمع، أما الطائفية السياسية فهي فرض الطائفية كإطار وحيد للعمل السياسي، ومايحث في لبنان أبرز مثال علي الطائفية السياسية، فلبنان تتكون من عدد من الطوائف الدينية والمذهبية التي تستحوذ علي الولاء الأسمي لأتباعها بدون ولاءهم لدولة لبنانية موحدة، وعملت الدولة منذ استقلالها علي التأكيد علي الطائفية من خلال تقسيم المناصب بين الطوائف، حتي أصبحت الطائفية هي المدخل الأساسي للنظام السياسي اللبناني، وبالتالي لم تتعامل الدولة اللبنانية مع الطائفية كوضع مؤقت وستعمل علي إلغائه كما ينص الدستور ولكنها كرست هذا الوضع الطائفي، فبدلاً من أن تعلو الدولة علي الطوائف أصبحت الطوائف أعلي من الدولة ولم تكن الدولة بوتقه لصهر الطوائف المختلفة، وظل الوضع كما هو منذ المحاصصة الطائفية التي أقرت النظام الطائفي في لبنان وقسمت السلطة بين الموارنة والمسلمين حتي تم عقد اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية وبناء مؤسسات الدولة، وعمل اتفاق الطائف علي تدعيم سلطة المسلمين علي عكس الميثاق الوطني الذي رجح كفة المسيحيين، فقاموا بتوزيع مناصب مجلس النواب بالتساوي بين المسلميين والمسيحيين بعد أن كان التوزيع 5 إلي 6 لصالح الطائفة المارونية في الميثاق الوطني، وبالرغم من مرور عقدين من الزمان ولم تلغي الطائفية في لبنان وظل النظام اللبناني طائفيًا بإمتياز، فالطائفية التي كانت بمثابة مرحلة انتقالية أصبحت سمة جوهرية للنظام اللبناني[10].
فالطائفة هي دينامية الجماعة في سعيها إلي اكتساب السلطة وتوسعيها وتقويتها، وكل طائفة تنطوي علي بُعد سياسي، وعلي علاقة بالآخر من خلال منظومة ثقافية وقانونية وغيرها، من خلال أطر معينة مثل الأحزاب والمجالس، ودخول الطائفية إلي السياسية يحتاج إلي شرعية اجتماعية واسعة، وبالتالي لبنان تلجأ لتقسيم السلطة علي المجموعات مع مراعاة العامل الديمغرافي وأدوار النخب الاقتصادية والثقافية وأقر ذلك التقسيم، المحاصصة الطائفية بشكل علني ضمني من خلال الميثاق الوطني ولكنهم نصوا علي إلغاء الطائفية في الدستور ولكنها مازالت مستمرة حتي الآن.
ويعتقد بعض الباحثين أن الطائفية تؤثر علي استقرار النظام السياسي بالسلب مثل حالة العراق وحالة التناحر والتفتت السياسي وانهيار مؤسسات الدولة وهناك فريق آخر يؤيد وجود الطائفية لأنها تؤدي إلي استقرار النظام السياسي اإذا تم استخدامها بطريقة صحيحة مثل الحالة اللبنانية المستقرة نسبياً، ولكن في حقيقة الأمر أن الطائفية سلاح ذو حدين فهي تؤدي إلي تدهور النظام السياسي وانهياره إذا لم يتم تطويعها واحتواء الطوائف داخل النظام السياسي، أما إذا تم تدعيم النظام الطائفي وإقراره في الدولة وتقسيم السلطات والمناصب بين زعماء الطوائف سيؤدي ذلك إلي استقرار النظام السياسي ومؤسسات الدولة ولكن هذا الاستقرار يظل نسبي ومرتبط بتوازنات القوي والتحالفات مثل الحالة اللبنانية التي أصبح النظام السياسي فيها عرضه للابتزاز وسياسات المصالح بين الطوائف المختلفة[11].
وتمثل الأطراف الخارجية أحد أهم العوامل المؤثرة علي الطوائف في الدولة فإذا كانت الطائفة مدعومة من قوي خارجية مثل حالة دعم إيران للشيعة وحزب الله في لبنان، تزداد الطائفة قوة وتكون أكثر تأثيرًا في النظام السياسي وأكثر إصرارًا علي مطالبها وموقفها.
ومن أهم النظريات المتعلقة بالموضوع هي نظريات تقاسم السلطة أو مشاركة السلطة Power Sharing وتتعدد نظريات تقاسم السلطة منها نموذج تقاسم السلطة الاندماجي أو نظرية القوة الجاذبة ونموذج تقاسم السلطة الشامل الذي يعتمد علي مشاركة كافة الكيانات والتنظيمات التي تعبر عن مصالح الجماعات الرئيسية في ترتيبات تقاسم السلطة لإكسابها شرعية، وتُعد الحكومات الائتلافية نموذجاً لتقاسم السلطة الشامل فقد طرح أرند ليبهارت Arend Lijphart مصطلح ديمقراطية الإجماع كنموذج يسعي لتأمين أكبر تمثيل للأغلبية دون استبعاد أي طرف مؤثر من المشاركة في الحكم، وقدمت بيبا نوريس اسمهاماً متميز في نموذج تقاسم السلطة اعتماداً علي عدد المشاركين ومدي تنوعهم[12]، ويشجع ليبهارت تطبيق نموذج تقاسم السلطة في المجتمعات المتعددة عرقياً وأثنياً وثقافياً حتي تضمن تمثيل كافة الطوائف الموجودة في المجتمع.
ويُعد نموذج الديمقراطية التوافقية أحد أشهر نماذج تقاسم السلطة، ويُعد عالم السياسية الهولندي آرند ليبهارت أشهر من تحدث في نظرية الديمقراطية التوافقية بل إن النظرية بأكملها تنسب إليه، وتمثلت النظرية عنده في 3 مراحل للدراسة، ويقوم علي افتراض معين وهو إمكانية إقامة نظام ديمقراطي في الدول التعددية والدول التي تعاني من تعددية طائفية ويتحدي ليبهارت في دراسته الطرح القائل بإستحالة إقامة نظام ديمقراطي مستقر في المجتمعات ذات التعددية الثقافية والإثنية والطائفية الشديدة، وبالتالي يُعد نموذج ليبهارت نموذج إمبريقيًا ومعياريًا في آن واحد، واعتمد ليبهارت في نموذجه علي عدد من المبادئ وهي مبدأ الائتلاف الشامل، مبدأ حق النقض المتبادل (الفيتو)، مبدأ التناسبية، ومبدأ الاستقلال الطائفي.
فمن ناحية يساهم النموذج في شرح وتفسير استقلال المجتمعات الصغيره نسبيًا في أوروبا مثل النمسا وهولندا وغيرها، ويساهم في شرح الاستقرار في الدول الآخري الغير أوروبية، ويهدف النموذج التوافقي إلي احتواء النزاعات والاحتكاكات السياسية بين المجموعات المتعددة والمنقسمة داخل الدولة الواحدة[13]، وتتطلب الديمقراطية التوافقية عددًا من المطالب لتحقيقها ومن أهمها الوعي بمخاطر التعددية الطائفية وآثارها علي الوحدة الوطنية، الالتزام بالحفاظ علي النظام السياسي واستقراره والحفاظ علي مؤسسات المجتمع وغيرها من المطالب[14].
ويُعد نموذج الديمقراطية التوافقية نموذج لإدارة الصراع في المجتمعات المنقسمة وهو شكل من أشكال الهندسية المؤسسية التي تري أن الصراعات الطائفية يمكن علاجها بشكل ديمقراطي من خلال خلق ائتلاف حكومي دائم متعدد الطوائف، وعَرف ليبهارت تقاسم السلطة التوافقية علي أنها ” حكومة يتم إدارتها من قبل اتحاد من النخب”، ويتم تطبيق نموذج تقاسم السلطة التوافقي منذ الميثاق الوطني الذي أقر نظام المحاصصة الطائفية في لبنان بين كلاً من رياض الصلح وبشارة الخوري في إطار تقسيم السلطة والمناصب السياسية فيتم إعطاء رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة، وبالتالي جاء نظام المحاصصة الطائفية طبقًا لرغبة زعماء الطوائف وقادة الموارنة والمسلمين لإيجاد حل ديمقراطي بدلاً من الصراعات والحروب[15]، وكان ينص الاتفاق الوطني علي توزيع مقاعد البرلمان بنسبة 5 إلي 6 لصالح المسيحيين وكان يعزز بشكل عام سلطة الموارنة.
ولكن لم يكن نظام المحاصصة الطائفية قادرًا علي منع الصراعات، وبسبب الصلاحيات العديدة التي أُعطيت للموارنة وتهميش السنة وقيام الحرب الأهلية تم إقرار اتفاق الطائف 1990 لينهي 15 عام من الحرب الأهلية وأقر بعض التغييرات في النظام السياسي اللبناني حيث أنه أقر توزيع مقعد البرلمان بنسبة متساوية بين المسلمين والمسيحيين وأدخل تغييرات كبيرة علي توزيع الصلاحيات، فتم تقليل صلاحيات رئيس الجمهورية وزيادة صلاحيات رئيس الوزراء، ولكن عادت الصراعات للظهور مرة آخري علي الساحة اللبنانية بعد مقتل رفيق الحرير عام 2005، وبروز التوتر الشيعي- السني ومالبث أن اجتاح حزب الله لبيروت 2008، كما يشمل الصراع عدداً من العوامل الإقليمية وتأثير الصراع السني الشيعي في المنطقة بين إيران الشيعية من جانب والدول العربية بقيادة سعودية من جانب آخر.
وبالتالي يمثل النظام السياسي اللبناني نموذجاً علي تقاسم السلطة التوافقي حيث يأخذ منه الائتلاف الكبير أو تقاسم السلطة والفيتو، وإن كان أحياناً يجمع سمات تقاسم السلطة الاندماجي حيث يأخذ منه النظام الانتخابي وبدرجة ما وجود تحالفات انتخابية عابرة للانقسامات الطائفية، إلا أنه طرأ عليه العديد من التغييرات خاصة في عام 2008 عندما سعي الشيعة ممثلة في حزب الله لإمتلاك الفيتو المعطل في الحكومة اللبنانية والذي نص عليه في اتفاق الدوحة، وتغييرات النظام الانتخابي لإجراء انتخابات 2009، واستمرت مساعي حزب الله لإقامة النظام السياسي اللبناني وفقاً لصيغة المثالثة والتي يهدف من خلالها إلي تغيير طريقة توزيع المناصب السياسية بين الطوائف المختلفة، والتي كانت توزع مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وفقًا لاتفاق الطائف، حيث أنه يرغب في توزيعها بالتساوي بين السنة والشيعة والمسيحيين لتحصل كل طائفة علي ثلث المناصب الحكومية وثلث مؤسسات الدولة المختلفة.
ومما شجع إقامة نموذج تقاسم السلطة التوافقي وضوح الانقسام الطائفي في لبنان فالطوائف في لبنان محددة بوضوح فالانتماء الطائفي يذكر في بطاقة الهوبة، وجود توازن في القوي بين الطوائف المختلفة حيث لا تهيمن طائفة واحدة علي بقية الطوائف وقد اعتبر ليبهارت أن لبنان يتمتع بميزة أن كل الطوائف بها أقليات ولا يوجد طائفة تتمتع بالأغلبية العددية علي باقي الطوائف، وجود دعم شعبي لتقاسم السلطة، فاللبنانيون اعتادوا علي تقاسم السلطة سواء علي مستوي القرية أو الدولة فالحكومات اللبنانية تمثل كافة الطوائف، صغر حجم الدولة فلبنان مساحته صغيره يسهل السيطرة عليه.
ثــامــنًــا تــقـــســيــم الـــدراســـة:
بعد الانتهاء من عرض المشكلة البحثية الخاصة بالبحث سيتم تقسيم الدراسة إلي عدد من الفصول والمباحث من أجل دراسة الموضوع دراسة دقيقة وشاملة علي كافة الجوانب، سيتم تقسيم الدراسة إلي ثلاثة فصول يأتي الفصل الأول تحت عنوان “الإطار التاريخي والنظري للنظام السياسي اللبناني“، ويقع في مبحثين علي النحو التالي: المبحث الأول يتناول الحديث عن نشأة دولة لبنان وطبيعتها الأثنية والاجتماعية ووضع الميثاق الوطني الذي أقر نظام المحاصصة الطائفية، بينما يتناول المبحث الثاني الحديث عن الحرب الأهلية اللبنانية والتي أقرت اتفاق الطائف.
بينما يتناول الفصل الثاني “طبيعة النظام السياسي في لبنان” ويقع في مبحثين علي النحو التالي: حيث يتناول المبحث الأول الحديث عن مؤسسات النظام السياسي اللبناني والأحزاب السياسية في لبنان، بينما يتناول المبحث الثاني دراسة نموذج الديمقراطية التوافقية في لبنان وتأثيره علي استقرار النظام السياسي اللبناني، مع التطرق للحديث عن تحديات الاستقرار السياسي في لبنان.
أما فيما يتعلق بالفصل الثالث “دراسة في الطائفة الشيعية وتأثيرها علي النظام السياسي اللبناني” يأتي في مبحثين حيث يتضمن المبحث الأول دراسة الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة ودراسة تشكيل حزب الله والدور السياسي للشيعة بعد اقرار اتفاق الطائف، أما المبحث الثاني يتناول المشكلات التي تمثل طائفة الشيعة طرفًا فيها خاصًة بعد مقتل رفيق الحريري
وأخيراً، خاتمة يتناول فيها الباحث أهم النتائح التي توصلت لها الدراسة والتصورات الخاصة بمستقبل لبنان.
الفصل الأول: الإطار التاريخي والنظري للنظام السياسي اللبناني:
يعتبر لبنان من أكثر أقطار الوطن العربي تنوعاً وتعقيداً، ويضم عددًا كبيرًا جدًا من التكوينات الطائفية والمذهبية، والنظام اللبناني ذو خصوصية كبيرة حيث أنه يعكس تنوعًا طائفيًا كبيرًا وسبب ذلك العديد من الأزمات علي مر تاريخة الطويل، ويضم لبنان نحو 18 طائفة تشكل كل طائفة كياناً منفصلاً وكل طائفة تسعي للسيطرة علي البنية السياسية اللبنانية وتسعي لتوفير الخدمات الاجتماعية والاقتصادية لطائفتها، وبالتالي سيتضمن الفصل التالي عرض نشأة دولة لبنان وتكوينها وإقرار الاتفاق الوطني في مرحلة الاستقلال وإقرار نظام المحاصصة الطائفية الذي مازال موجودًا حتي الآن، ثم يتناول الحديث عن الحرب الأهلية اللبنانية وإقرار اتفاق الطائف.
المبحث الأول: نشأة لبنان وإقرار الاتفاق الوطني الذي أقر نظام المحاصصة الطائفية:
إن الأزمة في النظام اللبناني هي أزمة طائفية متجذرة منذ العهد العثماني وترتبط بأزمة نظام طوائف هش، ونظام سياسي اعتمد الطائفية في بناء جذوره السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وفي كل جوانب الحياة، ولا يجب إهمال عامل الدين في المجتمعات النامية وفي لبنان خاصة ولكن الوضع في لبنان تخطي العامل الديني إلي الطوائف الدينية التي تحولت إلي طوائف سياسية.
المطلب الأول نشأة دولة لبنان:
في البداية كانت منطقة لبنان تقع تحت حكم الدولة العثمانية، وجاء المشروع الأوروبي لتفكيك الدولة العثمانية إلي أجزاء اعتماداً علي الطوائف، وبدأت الدول الأوروبية تنفيذ مخططها فبدأت في استخدام الطوائف والمذاهب حتي تفرق بين الأفراد في المجتمع، وظهرت اتفاقية سايكس بيكو التي تقوم بتقسيم المنطقة بين فرنسا وبريطانيا علي أن تكون لبنان وسوريا تحت الانتداب الفرنسي، وعايشت دول المشرق العربي وخاصة لبنان ثلاثة مراحل من الطائفية وهي كالتالي:
الأولي: الطائفية المستقرة في إطار نظام الملل العثماني.
الثانية: مرحلة الطائفية مع بداية المشروع الأوروبي للسيطرة علي الدول العربية وعملوا في هذه المرحلة علي تحريك المشاعر الطائفية لبناء دول طائفية.
الثالثة: مرحلة الطائفية المدمرة التي أدت للحرب الأهلية اللبنانية[16].
تُعد المفارقة الكبري في لبنان أن نظامه سابق علي كيانه في العصر الحديث، فالنظام السياسي اللبناني هو مجموعة المؤسسات والسلطات التي تتوزع فيها آلية القرار السياسي وفق أيدولوجية الإقطاع الطائفي، في البداية كانت لبنان مكونة من مجموعة من الأنظمة التي تنازعت علي السطة ثم جاء فخر الدين والأمراء المعنيين والشهابيون، وثم النظام الذي أسس الكيان اللبناني، في البداية كان النظام إقطاعيًا، ثم جاء الصلبيون ثم العثمانيون، وبالتالي مرت لبنان في تكوينها بثلاث مراحل أساسية النظام المللي العثماني، النظام الإقطاعي الصليبي، النظام اللبناني الذي أدي لإنشاء دولة لبنان، وتدخل الانتداب الفرنسي بعد ذلك وهو الذي حول الطائفية إلي سمة عميقة داخل النظام اللبناني بل جعلها هي أساس النظام اللبناني.
في ظل الانفجار الطائفي الكبير عام 1840م وانتشار تأثير الدول الاستعمارية الكبري، أُرسي قواعد النظام اللبناني الطائفي من خلال بروتوكول سنة 1864م، وتطور بعدها النظام اللبناني علي أيدي الأتراك والفرنسيين، ومنذ إقرار ذلك البرتوكول حتي الآن هناك سمات مميزة للنظام السياسي اللبناني، وهي وجود حكم فيدرالي بقيادة بيروقراطية مسيحية، وتحالف البيروقراطيين وطبقة التجار من أجل الحفاظ علي المصالح التجارية[17].
المطلب الثاني التركيبة الأثنية والاجتماعية في لبنان:
تتنوع لبنان طائفيًا وعرقيًا بشكل كبير حيث أنها تتكون لبنان من 18 طائفة أساسية معترف بها ينشأ بينهم نزاعات وصراعات عديدة، وأدي الواقع الجغرافي لتعزيز الروح الانعزالية بشكل واضح، ومن أبرز الطوائف مايلي:
أولاً الطوائف المسيحية:
1- الطائفة المارونية: كانت أكبر الطوائف في لبنان ونسبتها حاليًا 28.8%، وتعود نشأتها للقرن الخامس الميلادي نتيجة استقرار الشعوب المارونية علي جبل لبنان وتمتعوا بمستوي ثقافي عالي نتيجة رعاية فرنسا لهم، وتشغل هذه الطائفة المناصب العليا دائمًا وأهمها منصب رئيس الجمهورية ولها 30 نائبًا في البرلمان[18]، ويتواجدون في كسروان وبيروت الشرقية.
2- الروم الأرثوذكس: تتركز هذه الطائفة في منطقة الكورة شمال لبنان ومنطقة الإرافية في العاصمة اللبنانية و نسبتهم 9.7%.
3- الروم الكاثوليك: تقدر نسبتهم نحو 5.9%، ومتواجدين في زحلة.
4- الأرمن الكاثوليك والأرثوذكس: متواجدين في لبنان منذ الحرب العالمية الأولي ويبلغ عدد الأرمن 70 الي 160 ألف أرميني، ويتركزون في جبل لبنان وبيروت وتابعين للكنيسة الأم في روما، ومتواجدين في زحلة.
ثانياً الطوائف الإسلامية:
1- الشيعة: يتبع الشيعة مذهب الإمام علي وأهل بيته وتتميز عقيدة الشيعة بأنهم يعتبرون سيدنا علي ابن أبي طالب أفضل الصحابة وأنه أحق بالولاية بعد الرسول، ويتبعوا الأئمة الاثني عشرية، والميزة الثانية أنهم يعتبرون الأمامة ضرورية وأن أهلها معصومون من الخطأ وصاحبها من أهل بيت الرسول وتشكل نسبتهم 27% حسب أخر إحصاء غير رسمي، ويتركز معظم الشيعة في جنوب لبنان والمناطق الغربية والشمالية من وادي البقاع وجبيل وبلعبك وبيروت وكسروان وشمال لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت.
2- السنة: تُشكل نسبتهم 27% يؤمنون بالقرآن الكريم ويتركزون في الشمال والوسط وخاصة طرابلس وبيروت، وإقليم الخروب ومنطقة العرقوب.
3- الدروز: ينحدر أصلهم من السلالة المعنية من أصل كردي ومتواجدون في الشرف وعالية في جبل لبنان وحاصبيا في وارسيا في البقاع ووادي التيم ونسبتهم 5.6%.
4- العلويين: يًعد العلويين جزء من الطائفة الشيعية يدينون بالولاء لعلي بن أبي طالب، ويتواجدون في زادي التيم وطرابس منذ عام 1304م واعترفت بهم دولة لبنان في 1936م وبعض العلويين مقيمين في منطقة جبل محسن في طرابلس، ويمثلون نحو 1% من سكان لبنان.
وتجدر الإشارة أن هذه الطوائف اختلفت نسبتها عبر التاريخ فحسب أول إحصاء رسمي عام 1932م، ولم يجري بعدها إحصاء رسمي آخر لاعتبارات سياسية عديدة، من أهمها عدم تغيير التركيبة التوافقية اللبنانية وفقاً للثقل السكاني لكل طائفة ولكن بالعودة إلي الإحصائيات نجد أن الموارنة أغلبهم هاجروا إلي خارج البلاد وشهدت لبنان زيادة في عدد الطائفتين السنية والشيعية بشكل كبير مما أدي لزيادة التنافس بينهم حول السلطة.
وقد تم إجراء إحصاء غير رسمي لنسبة الطوائف عام 2004م ووجد التالي :
المسلمون | المسيحيون | ||||
الطائفة | النسبة المئوية | الطائفة | النسبة المئوية | ||
السنة | 26.44% | الموارنة | 22.19% | ||
الشيعة | 26.06% | الروم الارثوذكس | 7.86% | ||
الدروز | 5.63% | الروم الكاثوليك | 5.2% | ||
العلويين | 0.79% | أرمن ارثوذكس | 3.01% | ||
النسبة الكلية | 58.92% | أرمن كاثوليك | 0.67% | ||
النسبة الكلية | 41.07% | ||||
جدول رقم (1) إحصاء سنة 2004 لنسبة الطوائف في لبنان[19].
وبالتالي من الجدول السابق نجد زيادة في نسبة المسلمون السنة بدرجة أكبر بكثير من الموارنة الذي يميل لهم الإحصاء السكاني عام 1932م، وازدات نسبة المسلمين بأكملها ووصلت لمعدل أعلي من معدل المسيحيون وبالتالي لا يتم إجراء إحصاء رسمي خوفاً من انقلاب موازين القوي في لبنان.
البنية الاجتماعية اللبنانية تكاد تكون غير موجودة وتحل محلها البنية الطائفية بالرغم من وجود قانون الدولة ولكن لكل طائفة قوانيين معينة تحكمها حيث يوجد لكل طائفة قانون للأحوال الشخصية ومحاكمها الشرعية أو الروحية وهذه المحاكم تحت سلطة رجال الدين ويكون الفرد مرتبط بطائفتة بشكل كبير وتصبح الطائفة هي المرجع الأساسي للفرد وليس الوطن أو الدولة، ويوجد 15 قانون للأحوال الشخصية.
المطلب الثالث بداية الطائفية في لبنان :
بعد توسيع جيل لبنان وتحويله إلي لبنان الكبير عام 1920م ، نشأت دولة لبنان وكانت نسبة المسلمين فيها 20% من مجموع السكان[20]، ولكن تغير الوضع بعد إنشاء لبنان الكبير وخسر المسيحيون تفوقهم الديمغرافي الساحق حيث أن التوزيع السكاني لعام 1919م كان يعتمد علي المسيحيين والدروز وبعض الأقليات الطائفية الآخري، وكان الموارنة طائفة الأكثرية وقت الدولة العثمانية ولكنهم تحولوا إلي ثاني طائفة في لبنان الجديد، وانضم (بلعبك، البقاع، حاصبيا، راشيا) عام 1920م إلي لبنان، وكان هناك مجلس تمثيلي لدولة لبنان يتكون من 15 عضو ويوزع علي أساس طائفي بدلًا من المساواة، وكانت الطائفة المارونية هي التي تسيطر علي كافة الطوائف.
ولقد عمل الفرنسيون بشكل كبير علي توسيع الفتنة بين اللبنانيون وتقسيمهم إلي طوائف دينية واحتضنوا الموارنة وعمدوا علي حمايتهم وإعطاءهم الوظائف والمقاعد النيابية وجعلهم الفئة الأولي الحاكمة في لبنان، وبدأ يتبلور التمييز الطائفي بين الموارنة وباقي المسيحيين من جهة والمسلمين والمسحيين من جهة آخري[21]، وبدأت تنتشر ثقافة معينة وهي ثقافة التمييز وتشهد تقرب الموارنة من فرنسا وعداء المسلمين لها بسبب التمييز، وبدأ ارتباط لبنان بفرنسا وارتباط المسلمين بالأمة العربية واتهام المسيحيين بأنهم عقبة في وجه الوحدة العربية، وبدأت فرنسا تدعم ذلك الشعور وتنشر بين صفوف الدروز والموارنة أن الطائفة السنية تريد الوحدة العربية وبالتالي سيتم القضاء علي مصالحهم، وكان هدف فرنسا الأساسي هو القضاء علي الطائفة السنية واهدافها، في القطاع الخاص عزز المسيحيين سلطتهم علي قطاعات التجارة والخدمات والمصارف وهذه السيطرة منذ القدم من أيام المتصرفية[22].
وهناك عدة عوامل ساعدت علي تكريس الطائفية في النظام اللبناني ومنها التالي:
أ- الاحصاءات السكانية: تم إجراء إحصاء سكاني عام 1932م وحقق المسيحيون بالتزوير تفوق بسيط علي المسلمين (51.7% مسيحيين مقابل 48.3% مسلمين[23])، وهذا الفارق أدي لتوتر بين الطائفتين وظهور توترات طائفية، وبدأ التركيز علي البُعد السياسي ومكسب ونصيب كل طائفة من مغانم النظام السياسي وارتباط ذلك بحجمها، وبدأ الموارنة يطالبون بدولة مسيحية لبنانية لعدم تحول لبنان لدولة مسلمة، وبدأ يطالبون بالإبقاء علي النظام الطائفي في لبنان والدفاع عنه والاستحواذ علي امتيازات معينة للتحكم في البلاد والحفاظ علي مصالحهم الاقتصادية، وعملوا علي زيادة عددهم وتجنيس المسيحيين المغتربين، وبدأ كل فريق في تعزيز أفراد طائفية بطرق غير مباشرة.
ب- تحديد هوية رئيس الجمهورية: تحدد أن يكون رئيس الجمهورية مارونيًا وتأكيد الانتداب الفرنسي علي عدم قبول مسلمين في هذا المنصب.
ج- علاقة المسلمين بالانتداب: سعي بعض المسلمين للتقرب من الانتداب والحصول علي مناصب في النظام وتم اسناد رئاسة الوزراء إلي مسلم سني وهي المرة الأولي التي يتولي فيها مسلم رئاسة الوزراء منذ بداية عهد الجمهورية اللبنانية.
وهذه الأحداث لم تنهي الطائفية في لبنان بل زادت حدة التنافس علي أساس طائفي و مذهبي وأصبح اللبنانيون يشكلون فرقًا علي أساس الانتماء الديني[24].
الطائفية كمظهر من مظاهر الضعف في النظام السياسي اللبناني لا تكمن في مجرد تعدد الطوائف ولكن في الأثر النفسي الذي يتركه الانتماء الطائفي داخل الطائفة حيث ينعكس علي سلوكها مع الطوائف الآخري فيسود مجتمع الطوائف
اللبناني معدلات عالية من الشك والريبة تجاه كل الطوائف ، حيث تقوم كل طائفة علي التحفز والترصد والترقب للطوائف الآخري، بالتالي الطائفية منعت استخدام التنوع العرقي والثقافي الموجود في لبنان بشكل إيجابي بل أنها شجعت علي الهجرة والتناحر والنزاعات.
المطلب الرابع استقلال لبنان ووضع الميثاق الوطني:
انبثق الميثاق الوطني خلال الاستقلال عن فرنسا عام 1943م، وقامت بريطانيا بتشجيع اللبنانيين علي الاستقلال وتشجيع الحركات التي تطالب بالاستقلال، وبالتالي مر لبنان بأحداث كثيرة منذ عام 1930م حتي الحصول علي الاستقلال، وتم الاتفاق علي مبدأين أساسيين يقوم عليهم النظام اللبناني حتي الآن وهما “نفي المطالبة بالوحدة العربية ونفي المطالبة بالحماية الأجنبية”، وتم وضع الميثاق بعد عدة لقاءات وتأويلات بين بشارة الخوري ورياض الصلح، ويري فريق أن الميثاق جاء لتتويج الشعب اللبناني بعد نضاله ضد فرنسا، وفريق ثاني يري أنه مجرد تسوية بين بشارة الخوري ورياض الصلح، وفريق ثالث يري أنه ميثاق طائفي لأنه ابقي توزيع الرئاسات الثلاثة بين الموارنة والسنة والشيعة[25].
يعتبر الميثاق الوطني بمثابة تكملة وتصحيح للدستور اللبناني في قضايا أساسية تتعلق بهوية البلد ومشاركة المسلمين في السلطة وتحسين الاستقرار الداخلي وعلاقة لبنان بالدول العربية، وأكد علي استقلال لبنان وسيادتها وإقامة علاقات مع الدول الأجنبية بكل استقلال.
وأكد الميثاق الوطني علي ضمان وحقوق المسيحيين مقابل وعود سياسية واجتماعية للمسلميين، وظهر انحياز واضح للموارنة بسبب امتلاكهم رئاسة الجمهورية، وبالتالي دعم الميثاق عدم الانضمام للعرب أو الغرب، وظل اختلاف اللبنانيون بين مؤيدون للعرب وموالين للغرب وأدي الاختلاف لحرب أهلية ونزاعات داخلية مازالت تداعيتها مستمرة حتي الآن.
المطلب الخامس ملامح الطائفية في الميثاق الوطني:
كان الصراع الطائفي في لبنان يقوم بسبب محاولة كل جانب التأثير علي الجانب الآخر فقد كان يعمل المسلمون علي تعريب مسيحيون لبنان ويعمل المسيحيون علي لبننة المسلمين وعدم شعورهم بإنتماء عربي، وأقر الميثاق الوطني نظام تقاسم السلطة التوافقي الذي مازال مستمرًا حتي الآن ولكنه أقره بشكل صوري غير مكتوب، وأقر أن رئيس الجمهورية يكون مسيحي ماروني، رئيس الوزراء سني مسلم، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، وتوزيع المناصب العامة في الدولة محاصصة بين الطوائف، واستند هذا التقسيم علي إحصاء عام 1932م التي كان فيها الغلبه للمسيحين، وحصل الموارنة علي غالبية المناصب في هذا التقسيم، ولم يكتفوا يتوزيع المناصب العليا فقط بل أنهم قسموا المناصب الدنيا في شكل واضح لتقاسم السلطة وفي تطبيق لنموذج الديمقراطية التوافقية التي تجعل القرارات تتخذ بشكل توافقي بين الطوائف[26].
بالرغم من الوعود التي وعدت بإلغاء الطائفية السياسية بعد الاستقلال ولكن ذلك لم يحدث بل علي العكس عمل الميثاق الوطني واتفاق الطائف علي تعزيز النظام الطائفي وتم الحفاظ علي المادة 95 من الدستور اللبناني التي تقر الطائفية، وقاموا بتقسيم مقاعد النواب علي أساس 5 ل6 لصالح المسيحيين حيث يحصل المسيحيين علي 32 مقعدًا، والمسلمين علي 22 مقعدًا، ورفض المسلمين ذلك وتم تسوية الأمر برفع عدد مقاعد المسلمين ل25 مقعد مقابل 30 مقعد للمسيحين ولم يخسر الموارنة أي مقعد من التابعين لهم لأن التسوية جاءت علي حساب تمثيل الأقليات المسيحية ولكن ذلك لم يرضي الطرفين وظلت الطائفة المارونية محتفظة بامتيازاتها.
لبنان في الأساس نظام برلماني ديمقراطي ولكن في الحقيقة أن الطائفية هي أساس النظام بعيدًا عن معيار الكفاءة السياسية للحاكم وبالتالي اختيار الشعب لممثلية يكون محكومًا بحكم طائفتة لأن نظام المحاصصة الطائفية أقر لكل طائفة مناصب معينة، قائد الجيش ماروني وقائد قوي الأمن شيعيًا ورئيس أركان الجيش درزيًا والرئيس الأول لمحكمة التمييز والمدعي العام التمييزي مارونيين وهذه المراكز ثابته، وبالتالي السلطة السياسية لا تستطيع اتخاذ أي قرار سياسي قبل أن تتأكد من أن هذا القرار لا يؤثر علي الطوائف، وبالتالي الطائفية أصبحت متجذرة في المجتمع اللبناني سواء في البنية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية والتعليم حتي أن الدستور سمح للطوائف ببناء مدراس خاصة بهم وبالتالي أصبح التعليم تحت إشراف الطوائف وتنشر كل طائفة فيه أفكارها بحرية[27]
المطلب السادس انهيار الميثاق الوطني:
إذا كان الميثاق الوطني منبثق عن اللبنانيون ومطالبهم وقت الاستقلال إذا لماذا إنهار؟ هل انهار بفعل عوامل داخلية أم خارجية؟، من أهم العوامل الداخلية التي أدت لانهيار الميثاق هو فقدان الميثاق للمصداقية حيث أن الرئيس حاصل علي أعلي الامتيازات ويتحكم بشكل أساسي بسياسة البلاد، وسماحة بالتدخلات الخارجية الأمر الذي انعكس علي علاقات لبنان بالخارج للإنحياز لدولة معينة دون الآخري، والسبب الأساسي هو طبيعة النظام الطائفي الذي حمل في طياته بذور فناءه لأن المواطن يُعامل ويصنف حسب انتماءه الطائفي لا بحسب انتماءه الوطني، وتسعي كل طائفة للتأكيد علي هويتها المتميزة والتأكيد علي مصالحها، وبالتالي ظهو تعددية ثقافية ومذهبية وفناء فكرة الوطن الواحد والهوية الواحدة والمصير الواحد، ويري بعض المفكرين اأن سبب فناء الميثاق هو التمييز الاجتماعي والاقتصادي بين الفئات والمناطق وبالتالي ضعف السلطة المركزية وقدرتها علي السيطرة علي كافة المناطق[28].
المبحث الثاني: الحرب الأهلية اللبنانية واتفاق الطائف:
إن العلاقة بين الطائفية والدولة اللبنانية هي علاقة متجذرة وإشكالية بشكل كبير حتي أن الطائفية أصبحت السمة المميزة للنظام والمجتمع اللبناني، وساعدت الحرب الأهلية ساعدت علي زيادة حدة الانتماء الطائفي والمذهبي حتي أن الفرد أصبح ولاءه الأول لطائفتة دون دولته، وبالتالي حكم علي الأفراد أن يعيشوا ويموتوا في إطار الطائفية وأن يكون طائفيًا من المهد حتي اللحد حتي إذا لم يرغب الفرد في ذلك لأن الطائفة تكتب في بطاقة الهوية وتحدد طبيعة عملك وزواجك والقوانيين التي ستتبعها، ويجب علي المجتمع اللبناني أن يتخطي العامل الديني المؤثر بشدة في الحياة السياسية.
المطلب الأول الحرب الأهلية اللبنانية:
إن الحرب الأهلية اللبنانية من أهم النزاعات الأهلية في العصر الحديث والتي مازالت تداعياتها والتخوف من إعادة حدوثها مستمرة حتي الآن، واندلعت حرب شرسة بين الطوائف في لبنان بسبب عدد من العوامل الداخلية والخارجية، وتردي الأوضاع الداخلية في لبنان وتجذر الطائفية السياسية وإعتراض الأفراد علي النظام السياسي اللبناني، وافتقار المجتمع اللبناني إلي حوار صريح مع الطوائف بالإضافة لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وضعف المؤسسات السياسية سواء الحكومة، الأحزاب والدستور وعدم قدرة الحكومة علي فرض السيادة علي المجتمع، والأحزاب السياسية التي تقوم علي الشخصانية والتوريث وتبني مصالح طائفية، بالإضافة لضعف المؤسسة العسكرية والفراغ السياسي، وسعت إسرائيل لإنتهاز الفرصة وإشعال الحرب الأهلية لإبعاد العرب واللبنانيون عن قضية احتلال فلسطين.
فمنذ انتهاء حرب 1967م تطورت المقاومة المسلحة الفلسطينية وأصبحوا أكثر قيامًا بالعمليات العسكرية ضد الوجود الإسرائيلي في الأردن ولبنان، وقام الكيان الصهيوني بعمليات عسكرية ضد المصالح اللبنانية وذلك لتشجيع الحكومة اللبنانية علي أخذ إجراءات صارمة ضد المقاومة الفلسطينية الموجودة علي أراضيها، ومن أهم هذه العمليات هي تدمير ثلاثة عشر طائرة مدنية في مطار بيروت في ديسمبر 1968م، وأدت هذه العملية إلي زيادة التوتر بين الجيش اللبناني وقوات المقاومة الفلسطينية الموجودة في لبنان ووقع أول صدام عسكري بين الجيش اللبناني والقوات الفلسطينية في ربيع 1969م[29]، وانتهي الصدام العسكري بتدخل الرئيس جمال عبدالناصر وعقد اتفاق القاهرة 1969م الذي نص علي تنظيم العمليات العسكرية ضد إسرائيل بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية.
اندلعت نزاعات مسلحة بين الطرفين بسبب الرغبة في تقييد وجود العسكري الفلسطيني في جنوب لبنان وسحب سلاح المقاومة الفلسطينية، وأخذ الشارع في التظاهر وانقسم إلي قسمين جزء مؤيد للمقاومة الفلسطينية ودعمها وجزء آخر ضدها ويريد خروجها من البلاد لأنها السبب في هجوم إسرائيل علي لبنان، واستقال رئيس الوزراء ورفضت القيادات السياسية تشكيل الوزارة مما جعل رئاسة الوزراء خالية لمدة 215 يوم[30].
ونشأ نزاع مسلح عام 1973م واستمر النزاع المسلح في الجنوب وعلي طول الحدود مع سوريا وشمل المخيمات في الجنوب واللبنانيين في الجنوب، وكان الهدف الأساسي هو تطويق العمل الفدائي اللبناني، وانتشرت التظاهرت في صيدا وطرابلس وبيروت بالإضافة للغارات الإسرائيلية علي لبنان، وبدأت الحرب الأهلية في لبنان بين ميليشات مسيحية من اتجاه والحركة الوطنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية من جهة آخري، بالإضافة إلي تشدد المارونية السياسية وتنامي قوة المقاومة الفلسطينية وتضامن الحركة الوطنية اللبنانية مع الفصائل الفلسطينية أدي لخلل بين القوتين وبالتالي استوجب الأمر الإحتكام إلي السلاح وهو ماحدث في 13 ابريل 1975م انطلاق شرارة الحرب الأهلية[31].
المطلب الثاني تطورات الحرب الأهلية:
مرت الحرب بمرحلتين مرحلة حرب المدن وحرب الجبال بدأت الحرب في بيروت عام 1975م بسبب محاولة اغتيال بيار جميل رئيس حزب الكتائب المسيحي بيد مجهولين وقُتل أحد مرافقيه، وقام المقاتلون بإطلاق النار علي حالفة تنقل فلسطنيين في منطقة عين الرمانة في ضواحي بيروت الشرقية مما أدي لمقتل ركابها السبعة والعشرون لأنهم رأوا أن الفلسطنيين وراء محاولة الاغتيال، وبدأت المعارك وسقوط القتلي والفوضي تعصف بالبلاد وبدأت الحرب بين المقاومة الفلسطينية وحزب الكتائب المسيحي ثم بدأت الأحزاب الأخري تنضم للحرب.
وانضم للمقاومة الفلسطينية الحزب التقدمي الاشتراكي، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وأحزاب البعث، والحزب الشيوعي اللبناني، والناصريين وأطلق عليهم الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط وأغلبها مسلمين، وانضم إلي حزب الكتائب المسيحي حزب الوطنيين الأحرار، تيار المرده، حزب حراس الأرز وأطلق عليهم الجبهة اللبنانية بقيادة كميل شمعون ولها ذراع عسكري يتمثل في القوات اللبنانية، وبالتالي لم يكن للشيعة دور في بداية الحرب الأهلية اللبنانية.
وفي ديسمبر 1974م وجد أربعة جثث لأعضاء حزب الكتائب المسيحي مما أثار عضبهم وقاموا بإنشاء نقطة تفتيش في بيروت وقتلوا جميع المسلمين الذين قابلوهم وأطلق عليه السبت الأسود، وانتشرت الفوضي والقتل والتهجير في لبنان وانقسمت بيروت لقسمين بيروت الشرقية أغلبها مسيحيين والغربية أغلبها مسلميين.
في يناير 1976م هجمت قوات حزب الكتائب علي منطقة الكرنتينا ذات الغالبية المسلمة، وردت عليها القوات الفلسطينية بالهجوم علي مدينة دامور المسيحية واستمرت الفوضي والقتل وأضحت قوات الحركة الوطية علي وشك الانتصار، ولكن طلب الرئيس سليمان فرنجية من حافظ الأسد، التدخل وتدخلت القوات السورية وسيطرت علي سهل البقاع وطرابلس ودخلت القوات المسيحية تل الزغتر وقتلوا العديد من الفلسطنيين بمساعدة القوات السورية، مما أدي لهجوم الدول العربية علي سوريا وموقفها وتم عقد اجتماع لجامعة الدول العربية في الرياض وتم تشكيل قوات الردع العربية وانسحبت بعد فترة وبقيت القوات السورية في لبنان، وظل الاشتباكات في الجنوب بين المقاومة والقوات المسيحية.
وفي يناير 1977م تم اغتيال الزعيم الدرزي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط الذي كان معارضًا للوجود السوري في لبنان وتم اتهام سوريا والقوات المسيحية بعملية الاغتيال، في 1978م قصفت القوات السورية الأحياء المسيحية بعدما أبدلت تحالفها وتقربت إلي القوات التقدمية والفلسطينية في مواجهة الميشليات المسيحية بسبب تفتيش السوريون لبشير الجميل مما اعترض عليه القوات المسيحية التي عززت علاقتها مع إسرائيل من أجل الانتصار في الحرب، وفي 1978م اجتاح الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان واستمر في التقدم بزعم طرد القوات المقاومة الفلسطينية من الحدود بينها وبين لبنان ولكن انسحبت بعد تدخل مجلس الأمن وقراره بالانسحاب وتركت الميلشيات المسيحية وراءها.
وفي هذه الفترة حدثت نزاعات داخل القوات المسيحية وقام حزب الكتائب بقتل طوني فرنجيه قائد قوات المرده وعقد تحالف بين القوات المسيحية وبشير الجميل، وتدخلت ليبيا في الحرب الأهلية وقدمت الدعم للمسلمين.
في يونيو 1982م اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان ووصلت لصور وصيدا وحاصرت بيروت لطرد القوات الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات حتي خرجت القوات الفلسطينية من بيروت إلي تونس وسيطرة حركة أمل الشيعية علي جنوب لبنان وتفككت الحركة الوطنية اللبنانية، وتغيرت تحالفات الحرب بشكل واضح وتدخلت حركة أمل الشيعية بجانب الحزب التقدمي الاشتراكي وفي أغسطس 1982م تم انتخاب بشير الجميل رئيسًا للبنان.
ولكن تم اغتياله في بيروت الشرقية قبل تسلمه السلطة بشكل رسمي، ودخلت القوات الإسرائيلية بيروت الغربية، وتدخلت الدول الغربية وأرسلت قوات متعددة الجنسيات ولكنها انسحبت في عام 1984م، واستمر النزاع كما هو وخسرت الميليشات المسيحية العديد من أعضاءها، وتم انتخاب أمين الجميل رئيسًا للجمهورية، في 1985م بدأت حركة أمل الموالية لسوريا حرب المخيمات في بيروت وسيطرت علي بيروت الغربية وشنت حرب علي المرابطين والفلسطنيين بدعم من سوريا وبدأ حزب الله في التكوين والمقاومة جنوبًا والهجوم علي المصالح الأمريكية في لبنان وانتقدت الدول الغربية سوريا واتهمتها بدعم حزب الله، وبدأت سوريا في الهجوم علي حزب الله عن طريق حركة أمل وحدثت حرب الأخوة داخل الطائفة الشيعية وانتهت بتقسيم المناطق الشيعية بين حركة أمل وحزب الله، وانتهت ولاية أمين الجميل وانقسمت الحكومة إلي شقين ورئيس علي كل حكومة، في بيروت الغربية حكومة مسلمة بدعم من سوريا، وبيروت الشرقية حكومة مسيحية يدعمها صدام حسين وأعلن ميشيل عون حرب التحرير عام 1989م ضد القوات السورية بهدف طرد القوات السورية وحدث انقسام داخل القوات المسيحية بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع.
وتم عقد مؤتمر في الدار البيضاء بالمغرب عام 1989م لحل أزمة لبنان وتم عقد اجتماع في مدينة الطائف بالسعودية حتي تم عقد اتفاق الطائف بحضور نواب عن جميع الأطراف المتنازعة داخل لبنان وتم الاتفاق علي إنهاء الحرب وانتخاب رينيه معوض رئيس للبنان ورفض عون ذلك وقتل بعدها رينيه معوض ورفض عون الاعتراف بأي رئيس وحدثت حرب الإلغاء 1990م بين عون وقواته والقوات السورية واللبنانية الموالية لالياس الهراوي وتم الاتفاق بين القوات اللبنانية والسورية بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية علي إنهاء الأزمة والتخلص من عون وانتهت الحرب رسميًا في 13 أكتوبر 1990م بعد سقوط ميشال عون وفراره إلي فرنسا[32].
المطلب الثالث وضع اتفاق الطائف عام 1989م:
اتفاق الطائف من أهم الاتفاقيات التي وضعت أسس الحياة السياسية في لبنان بعد الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عامًا، والانهيار السياسي التي عانت منه لبنان أدي إلي فراغ دستوري وتعذر علي مجلس النواب انتخاب رئيس جديد للبلد خلفًا للرئيس أمين الجميل، بالإضافة للفشل في انتخاب رئيس مجلس نواب جديد، وارتبط بالانهيار السياسي انهيار أمني وإعلان الجنرال ميشيل عون حرب الإلغاء وانهيار الاتفاق الثلاثي بين حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية ذلك الاتفاق كان بمثابة مشروع إصلاحي للجمع بين أطراف متناقضة طائفيًا وسياسيًا، وبالتالي أدي كل ذلك إلي ضرورة وضع اتفاق الطائف لإنهاء حالة الانهيار التي تعاني منه لبنان[33].
عاد الاهتمام الأمريكي بالشأن السياسي اللبناني بعد سقوط الاتفاق الثلاثي وتحركت الدول العربية وعلي رأسها السعودية، وطرح وثيقة التحرير، وثيقة 13 يونيو 1987م، ومشروع 11 نوفمبر 1987، وكانوا بمثابة انطلاق لمؤتمر الطائف، وقد سعي رفيق الحريري بشكل كبير لحل الأزمة اللبنانية فقد شمل مشروع 13 يونيو ثمانية مبادئ أساسية وحددت صلاحيات رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان والجيش والتربية والتعليم، وشملت علي مبادئ أساسية لإنهاء الحرب والعودة لحالة السلام وقد فشل هذا المشروع كما فشل مشروع الميثاق الوطني وظلت محاولات التوصل إلي اتفاق بين الجانب السوري واللبناني والسعودي لإقرار حالة الاستقرار في لبنان، وتوصلوا لمشروع 11/11، ومشروع كورال بيتش ومثل اتفاق الطائف تجميعه ااساسية بين هذه المشاريع الثلاثة.
المطلب الرابع التعديلات التي أنشاءها اتفاق الطائف:
أكد اتفاق الطائف بشكل أساسي علي المشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات واحترام الحريات العامة، ووضعوا قانون لتقسيم مقاعد مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وزيادة عدد المقاعد ل108 مقعد، وأقر اتفاقية المحاصصة الطائفية حيث أنه أكد علي أن رئاسة الجمهورية للموارنة ورئيس مجلس الوزراء سني مسلم، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، وأوصي بإلغاء الطائفية السياسية وإجراء إصلاحيات انتخابية وقضائية وإعلامية وتعليمية، وقد زاد عدد مقاعد مجلس النواب إلي 128 مقعد مناصفة 64 مسلم و64 مسيحي، ونيابة رئاسة الوزراء امتياز للروم الارثوذكس والمقاعد الوزراية توزع بحصص محسوبة للدروز والكاثوليك والأرمن، وانشأ الاتفاق نظام سياسي أكثر انصافًا وأعطي للمسلمين مساحة أكبر للعمل السياسي وحول الطوائف الدينية إلي مؤسسات سياسية.
وأهم إجراء قام به اتفاق الطائف هو تحويل رئيس الجمهورية من رئيس السلطة التنفيذية والإجرائية والمسيطر علي الدولة إلي رئيس الدولة فقط، حيث أنه قلص صلاحيات رئيس الجمهورية وقضي علي اتخاذه القرار بتعيين رئيس الحكومة منفردًا بل ألزمة بالتشاور، وانتقلوا من سلطة الفرد إلي سلطة المؤسسات بصرف النظر أن هذه المؤسسات تحولت لأداة في يد الطوائف والمحسوبية والفساد بعد ذلك.
وسع اتفاق الطائف من صلاحيات رئيس الوزراء ولكنه لم يُعدل صلاحيات رئيس مجلس النواب سوي أنه غير مدة انتخاب المجلس بدلاً من عام ليكون كل أربعة أعوام، والحد من صلاحيات مجلس الوزراء في حل مجلس النواب[34]، وتعديل المادة 18 أعطي لمجلس النواب قوة وصلاحيات وحقه في إقرار القوانيين وتوزيع المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين ونسبيًا بين الطوائف والمناطق وتقسيم الوظائف العليا وبالتالي كان اتفاق الطائف بمثابة بداية جديدة بالغة التعقيد والحساسية وظهور حرب ونزاع شبه يومي بين الرئاسات الثلاثة حول صلاحيات كلاً منهم فبرز مشكلات عديدة منها:
أ- التناقض بين الرئاستين: بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورفض رئيس الجمهورية التعديلات الدستورية وتقليص صلاحياته، ورئيس الورزاء الحاصل علي صلاحيات جديدة، ورئيس مجلس النواب المطمئن لعدم حل مجلسه.
ب– الخلافات مع رئيس مجلس الوزراء: نشأت الخلافات بسبب الحق في الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء هل يكون بدعوة من رئيس الجمهورية أم رئيس الوزراء يحق له دعوة مجلسة للانعقاد.
ج– المؤسسة العسكرية: ظهرت المشكلة بسبب المادة 49 من الدستور التي تنص “أن الرئيس هو القائد الأعلي للقوات المسلحة” وظهرت المشكلة عند تجاوز الرئيس صلاحيات قائد الجيش، وحدث خلاف أيضًا بسبب البنود المتعلقة بسوريا
في ختام الفصل يمكن القول أن النظام السياسي اللبناني ارتبط بشكل كبير بالتنافس الطائفي، وإن الطائفية في لبنان ليست جديدة بل إنها متجذرة في لبنان منذ تكوينه، ومر لبنان بأحداث كثيرة وأزمات أدت للميثاق الوطني وقت الاستقلال وثم الحرب الأهلية التي مزقت لبنان وانهكت الأفراد حتي انتهت بعقد اتفاق الطائف الذي أقر الديمقراطية التوافقية التي سيتم الحديث عنها في الفصل التالي، ويتميز النظام السياسي اللبناني بخصوصية كبيرة فهو متميز عن جميع الأنظمة العربية، ويتضح فيه مدي التدخلات الإقليمية في لبنان سواء من فرنسا أو سوريا والسعودية أو الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التي تسعي أن يكون لها اليد العليا في لبنان حتي يرتبط الصراع الداخلي دائمًا بالقوي الإقليمية والدولية التي حرصت علي أن يكون لها دور فعال ومؤثر من خلال دعم وتأييد إحدي الطوائف.
الفصل الثاني: طبيعة النظام السياسي في لبنان:
يتميز المجتمع السياسي اللبناني بالتعددية الشديدة وشهد التاريخ اللبناني عددًا من الأزمات والنزاعات الداخلية التي أدت إلي هشهشة الدولة اللبنانية والنظام السياسي اللبناني، نظرًا لأن المؤسسات السياسية في لبنان قائمة علي تقاسم السلطة بين الطوائف الدينية المختلفة ويثار الحديث عن حجم الطواف ويتم توظيفها للحفاظ علي النظام الطائفي، ومن أهم النماذج الغربية التي استطاعت تقليل النزاعات حول السلطة هو نموذج الديمقراطية التوافقية ومن أشهر تطبيقتها في هولندا ذات المجتمع الصغير المتعدد، وبالتالي يبحث الفصل التالي في مؤسسات النظام السياسي اللبناني والأحزاب السياسية اللبنانية ويعرض نموذج الديقمراطية التوافقية الذي تم تطبيقه في لبنان.
المبحث الأول: مؤسسات النظام السياسي اللبناني:
لقد مر النظام السياسي اللبناني بتطورات عديدة بداية من الدولة العثمانية ونظام الملل العثماني ونظام القائمتين ونظام متصرفية جبل لبنان ثم مرحلة الانتداب الفرنسي والذي استمر حتي تحقيق الاستقلال عام 1943م، وتنقسم المؤسسات السياسية في لبنان إلي مؤسسات رسمية ومؤسسات غير رسمية وتشمل المؤسسات الرسمية السلطة التنفيذية، التشريعية، القضائية ومؤسساتهم.
المطلب الأول المؤسسات السياسية الرسمية:
أولاً السلطة التنفيذية:
أ- رئيس الجمهورية: هو رئيس الدولة ويقوم علي حماية الدستور والمحافظة علي استقرار لبنان وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة وبنتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولي ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورة الاقتراع التالية، وتستمر الفترة الرئاسية ست سنوات ولا يتم انتخاب الرئيس إلا بعد مرور 6 سنوات من انتهاء ولايته.
ب- رئيس الوزراء: رئيس الحكومة ويكون مسئول عن تنفيذ السياسات العامة التي يضعها مجلس الوزراء ويتمتع بالعديد من الصلاحيات في عقد المجلس واختيار الوزراء، خاصة بعد توسيع صلاحياته في اتفاق الطائف أصبح بمثابة الرئيس الفعلي للبلاد.
ج- مجلس الوزراء: وفقا للمادة 65 من الدستور عام 1990 المعدل في 2004 يقوم مجلس الوزراء بوضع السياسة العامة للدولة وتنفيذ القوانيبن والإشراف علي أجهزة وإدارات الدولة[35].
ثانيًا السلطة التشريعية:
تتمثل في مجلس النواب المسئول عن وضع القوانيين ويتكون المجلس من 128 عضوًا ينتخب لمدة أربع سنوات،
ويتكون من مجلس من غرفة واحدة يختلف عدد الأعضاء من عام لآخر وفقًا لاعتبارات طائفية، ويتم توزيع المقاعد كالتالي، 20 مقعد للسنة، 30 مقعد للموارنة، 19 للشيعة، 11 للروم الارثوذكس، 16 للدروز، 6 للروم الكاثوليك، 4 للأرمن الارثوذكس، مقعد للأرمن الكاثوليك ومقعد واحد للبروتستانت ومقعد واحد للأقليات[36]، فالنظام التشريعي في لبنان لم يولد مشلول بسبب الطائفية ولكنه دائمًا ضحية العلاقات الطائفية والمصالح والتوازنات بين السلطة المركزية والأطراف الطائفية.
ثالثًا السلطة القضائية:
يتم انتخاب عدد من أعضاء مجلس القضاء الأعلي من قبل الهيكل القضائي، تتكون السلطة القضائية من مجلس أعلي يقوم بمحاكمة الرؤساء والوزراء ويضع القوانيين الخاصة بأصول المحاكمات، ومجلس دستوري لتفسير ومراقبة مدي دستورية القوانيين والبت في النزاعات الناشئة عن الانتخابات الرئاسية.
بالإضافة إلي أنه هناك مجموعة من اللجان لها الحق في مراجعة المجلس الدستوري فيما يتعلق بتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانيين وهي كالتالي:
أ- رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء، نسبة معينة من أعضاء مجلس النواب.
ب- يحق لرؤساء الطوائف اللبنانية مراجعة المجلس الدستوري في القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية، حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، حق التعليم الديني للطوائف.
المطلب الثاني الأحزاب السياسية في لبنان:
تتميز الحياة الحزبية في لبنان بالتعددية حتي أنه هناك مايقرب من 80 حزبًا بدون قانون لتنظيم الأحزاب السياسية وبالتالي هناك عددًا كبيرًا من الأحزاب الغير مصرح لها بممارسة النشاط السياسي، وأدي انشغال الطوائف بالنزاعات والصراعات الطائفية بعدم إصدار قانون تنظيم الأحزاب السياسية مثل حالة العراق، وتشير الإحصائيات إلي وجود نحو ثلاثة وستين حزبًا في لبنان موزعه بين كل الطوائف، ولا يوجد ممثلون لمعظم هذه الأحزاب داخل المجلس النيابي، وهناك سمة مميزة للأحزاب أنها تقوم علي أساس ديني طائفي حيث أن الأحزاب المسيحية لا تقبل مسلمين والأحزاب المسلمة لا تقبل مسيحيين وذلك متبادل بين مختلف الأحزاب اللبنانية[37]، وبالتالي بعد مقتل رفيق الحريري عام 2005م وثورة الأرز، انقسمت القوي السياسية إلي تحالفين أساسيين تحالف 14 آذار وتحالف المعارضة 8 آذار.
أولاً: تحالف 14 آذار:
تجمع هذا التحالف علي أساس المطالبة بالاستقلال والتحرر من الوجود السوري بعد خروجهم في بيروت يوم 14 مارس/ آذار عام 2005م للتنديد بعملية اغتيال رفيق الحريري ويتكون من:
1- تيار المستقبل: تجمع سياسي أسسة رفيق الحريري ويهدف لجمع اللبنانيون علي أساس واحد ويسيطر عليه رفيق الحريري منذ تأسيسه وبعد وفاته تولي ابنه سعد الحريري وكسب تعاطفًا شديدًا، وبعد ذلك اكتسح في الانتخابات النيابية وشكل الأغلبية في المجلس النيابي وبالتالي تم تشكيل الحكومة برئاسة فؤاد السنيوة، وليس للتيار هيكل تنظيمي مؤسسي حزبي بل هو عبارة عن تجمع مناصري نهج الحريري، ويتركز في المناطق السنية وبيروت والبقاع الغربي والجنوبي والشمال، ويتملك تلفزيون المستقبل وجريدة المستقبل ويقود تيار 14 آذار الاتجاه الذي يناهض الوجود السوري في لبنان واتهامه أنه السبب وراء اغتيال الحريري[38].
2- الحزب التقدمي الاشتراكي: هو حزب علماني لبناني يتزعمه الدرزي وليد جنبلاط، لم ينشأ ليمثل طائفة بعينها ولكنه يمثل الموحدين الدروز وتأسس في 1949م وكان منضم للحركة الوطنية اللبنانية التي كانت تضم أحزاب آخري في مواجهة الجبهة اللبنانية المسيحية أثناء الحرب الأهلية، وكان كمال جنبلاط والد وليد دور عسكري قوي أثناء الحرب الأهلية وتولي ابنه بعد مقتله في 1977م، ويمثل الحزب نقطة أساسية في حكومة السنيورة وقوي 14 آذار[39].
ج- حزب الكتائب: تأسس عام 1936م علي يد بيار الجميل كحركة قومية شبابية وكان من أبرز المشاركين في القوات اللبنانية أثناء الحرب الأهلية، وتراجع الحزب وشهد انقسامات بعد وفاة مؤسسة[40].
د- القوات اللبنانية: حزب سياسي وميليشيا مسلحة أسسها بشير الجميل عام 1976م كذراع عسكري للجبهة اللبنانية وخاض حروبًا عديدة ضد المنظمات الفسلطينية وبدأ يستقل عن الجبهة اللبنانية عام 1982م ودخل في نزاعات مع ميلشيات الجنرال ميشيل عون وبعد اتفاق الطائف سلموا أسلحتهم وتحولوا إلي حزب سياسي كامل وتم حظرها ولكن مع خروح القوات السورية من لبنان 2005م تم رفع الحظر عنها ويرأسها سمير جعجع ولها خمسة مقاعد في البرلمان.
ثانيا: 8 آذار قوي المعارضة:
تمثل القوي التي احتشدت للامتنان لسوريا وانضم لها التيار الوطني الحر في 2006م بعد إبرامه وثيقة تفاهم مع حزب الله وتغيير موقفه من معارض لسوريا لمؤيد لها، ويتكون من:
أ- حزب الله: حزب شيعي الممثل الأول عن الشيعة تكون كقوة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي عام 1982م ثم شارك في انتخابات مايو 1982م وأصبح حزبًا سياسيًا في 2005م وشارك في الانتخابات البرلمانية ويتحالف دائمًا مع حركة أمل، وهو القوة اللبنانية التي مازالت تحتفظ بسلاحها بشكل علني بدعوي استمرارة في ردع الاحتلال الإسرائيلي، والحزب له دور اجتماعي كبير يتمثل في بناء المستشفيات والمدارس ودور الرعاية، ودور إعلامي قوي فهو يمتلك محطة المنار وإذاعة وصحف، ويرأسه حسن نصرالله، ويرتبط بشكل كبير بالثورة الإيرانية عام 1979م ويتلقي دعمًا عسكريًا وماديًا من إيران واستطاع صد العدوان الإسرائيلي علي لبنان في 2006م حيث أنه كان يستهدف تصفية سلاح حزب الله ويقود تحالف 8 آذار في مواجهة تحالف 14 آ ذار.
ب- حركة أمل: حركة شيعية الممثل الثاني عن الشيعة أسسها موسي الصدر عام 1975م وكانت ذراع عسكري لحركة المحرومين التي تسعي للدفاع عن مصالح الشيعة في لبنان، وعرف عنهم التحالف مع سوريا والتحالف مع حزب الله كممثلين أساسيين عن الشيعة[41].
ج- التيار الوطني الحر: تكون عام 1990م بعد نفي ميشيل عون لباريس وأصبح حزب رسمي في 2005م بعد عودة عون من منفاه، وكان يعرف عنهم مناهضة الوجود السوري في لبنان ولكنه بعد عودة عون تحالف مع تيار المرده الموالي لسوريا وتحالف مع حزب الله، وفي انتخابات 2005م حصل علي أكثر أصوات المسيحيين مما جعله بمثابة الممثل الأساسي عن المسيحيين وخاصة المارونيين، ويعرف بالتيار الماروني الحر.
د- تيار المرده: حزب سياسي ينحصر وجودة في زغرتا وماحولها وتأسس عام 1976م علي يد سليمان فرنجيه ويمثل الدفاع عن مصالح المسيحيين في هذه المنطقة.
المبحث الثاني: نموذج الديمقراطية التوافقية في لبنان:
مرت لبنان عبر تاريخها بالعديد من الأزمات التي أثرت علي استقرار نظامها السياسي وهذا مادفع النظام اللبناني إلي البحث عن كيفية تحقيق الاستقرار السياسي بين الطوائف المختلفة منذ دستور 1926م والميثاق الوطني وحتي اتفاق الطائف، وتوصلوا في النهاية إلي ضرورة تقاسم السلطة بين الطوائف الثلاثة المهمة في الدولة وهي المارونية والسنة والشيعة واختيار نموذج الديمقراطية التوافقية الذي طرحه ليبهارت حتي يتحقق الاستقرار.
المطلب الأول العوامل المساعدة علي قيام نموذج الديمقراطية التوافقية في لبنان:
طرح ليبهارت عددًا من العوامل التي يجب أن تتوافر في المجتمع موضع تطبيق نموذج الديمقراطية التوافقية ومن أهمها:
أولًا صغر حجم الدولة:
يعتبر الباحثين أن من أهم عوامل نجاح النموذج التوافقي هو صغر حجم الدولة لتعزيز روح التعاون والإتصال مثل دراسة ليبهارت لهولندا وايرلندا، وحجم لبنان صغير يقدر ب 10.452كم2 أي أنها أصغر من مساحة هولندا التي تقدر ب41.543كم2[42]، وبالتالي ينطبق عليها أول عامل من عوامل نجاح النموذج.
ثانيًا تعدد القوي وتوازنها في المجتمع اللبناني:
يتسم المجتمع اللبناني بالتنوع الشديد سواء اجتماعيًا أو سياسيًا أو ثقافيًا وينقسم اقتصاديًا إلي طبقة عليا ومتوسطة وطبقة دنيا، ومن حيث التنوع الطائفي فهو يضم طائفة مسلمة تتكون من الشيعة والسنة والدروز والعلويين والاسماعيليون والشركس والأكراد، والطائفة المسيحية التي تضم الموارنة والروم الارثوذكس والروم الكاثوليك والبروتستانت والأرمن الارثوذكس والأرمن الكاثوليك واستوريون وكلدان وسريان، وبالتالي من أجل تحقيق الاندماج والتعايش يجب خلق نوع من التوافق بين جميع الفئات حتي لا تنتصر فئة علي آخري بل يكون هناك توازن وتساوي وبالتالي توليد حالة من السلام أو الهدنة بين الطوائف المتنازعة.
ثالثا دور النخبة السياسية اللبنانية:
عزز ليبهارت من دور النخبة السياسية في تأسيس النموذج الديمقراطي التوافقي ووضع بعض الشروط التي يجب أن تتوافر في النخبة وهي وجود ثقافة ديمقراطية صلبة متبادلة بين نخب لبنان التي وضعت الميثاق الوطني من أجل الاستقلال وتتطلب الديمقراطية وعيًا عاليًا من أجل تغليب مصالح الوطن علي المصالح الفئوية الطائفية.
رابعًا وجود التحدي الخارجي:
يتميز لبنان منذ نشأته بوجود العديد من التحديات الخارجية وتدخل الدول الغربية والإقليمية في شؤونه، بسبب ولاء كل طائفة لدولة خارجية مما يجعل التوازن الداخلي مرتبط بالتوازن بين القوي السياسيو الإقليمية والدولية.
المطلب الثاني مرحلة تراجع النموذج التوافقي اللبناني:
مر النموذج التوافقي اللبناني بأصعب فتراته بسبب الأزمات السياسية والصراع بين االقوي السياسية ومن أهمها التالي:
أ- معركة الحكومة: بعد فوز تيار 14 آذار بواقع 72 نائب من اصل 128 نائب سيطر التيار علي الحكومة، وبعد العدوان الإسرائيلي في 2006م شهدت لبنان اتهامات للأطراف الداخلية بالتعاون مع أطراف خارجية وطالبت المعارضة بالحصول علي الثلث المعطل وزيادة عدد وزراتها واستقال وزراء المعارضة في 2006م لينشأ جدال دستوري حول مدي شرعية الحكومة التي لا تمثل الطائفة الشيعة.
ب- العدوان الإسرائيلي 2006: انتهت الحرب الإسرائيلية علي لبنان دون مقدرتها علي نزع سلاح حزب الله، وحملت قوي 14 آذار حزب الله الأزمة بأكملها لأنه هو من افتعل الأزمة بأسرها[43]، عندما قتل جنود إسرائيلين ورفض تسليم رفاتهم لإسرائيل وبالتالي اجتاحت إسرائيل لبنان من أجل نزع سلاح المقاومة.
ج- المحكمة الدولية للتحقيق في اغتيال الحريري: أقر مجلس الأمن محكمة دولية في 2006م للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وهو مارفضه حزب الله بسبب تورط سوريا وأعضاء من حزب الله في الاغتيال.
د- عمليات التفجير والاغتيال: شهدت الساحة اللبنانية سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات والفوضي عقب اغتيال رفيق الحريري مما أنذر بحرب أهلية جديدة وألقت قوي 14 آذار الاتهامات علي سوريا بأنها تريد بث الفوضي في لبنان بعد إجبارها علي الخروج بعد قضاءها حوالي عثدين من الزمن في لبنان.
ه- نزع سلاح حزب الله: تعززت المطالب الخاصة بنزع سلاح حزب الله اللبناني ولكنه رفض ذلك، بإدعاء أن مزارع شبعا مازلت محتلة حتي الآن والخطر الإسرائيلي قريب، ولكن تحالف 14 آذار أقر أن مزارع شبعا ليست أرضي لبنانية وإنما أراضي سورية، ولم يتمكنوا من الاتفاق حول سلاح حزب الله حتي الآن بالرغم من إقرار اتفاق الطائف علي نزعه.
و- رئاسة الجمهورية: منذ تعديل الدستور والتمديد للرئيس اميل لحود والنزاع لم يتوقف لأن 14 آذار رأت أن تعيين الرئيس منذ البداية وتعديل الدستور عام 2004م جاء بسبب ضغط القوات السورية واستمراره في الحكم تعبيرًا عن استمرار الإرادة السورية في لبنان.
حدث حوار وطني أواخر عام 2007م برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري ولكن لم يتم التوصل إلي نتائج بسبب إصرار كل طرف علي موقفه وتمسك كل طرف بموقفه.
المطلب الثالث تقييم نموذج الديمقراطية التوافقية:
تتمثل ملامح الاستقرار السياسي في لبنان في نموذج الديمقراطية التوافقية، ففكرة توزيع المناصب الكبري علي الطوائف الثلاثة تقوم علي أساس الائتلاف الكبير حيث أن كل رئيس يمثل طائفته ويتفاوض مع الآخرين[44].
وبالتالي تسعي دائماً الأطراف السياسية في لبنان إلي اختيار حلول توافقية مثلًا في اختيار ميشيل عون بعد أزمة الفراغ الرئاسي، ودائمًا ما يلجئون إلي أفراد من المنظمة العسكرية لعدم وجود قادة مارونيين قادرين علي الجمع بين الرضاء الشعبي ورضاء الطوائف.
وبالنسبة للتعليم تتمتع كل طائفة بحرية كبيرة في مجال التعليم وهذا مايدعمه الدستور اللبناني من خلال المادة 10 في حق كل طائفة بإنشاء المدارس ووضع المناهج التعليمية الخاصة بها حتي لا يكون هناك نزاع حول المناهج الدراسية ودور الدين في خلق أفكار معينة، ويستغل حزب الله ذلك حيث أنه يبني أفكار معينة لدي الأطفال قائمة علي فكرة الجهاد والتكفير وغيرها من الأفكار التي يبثها في نفوس الأفراد.
وفي الفترة محل الدراسة يُعد النموذج التوافقي علي حافة الهاوية لأن لبنان تخرج من أزمة لتدخل في الثانية وبالتالي بدأ يتشقق النموذج التوافقي اللبناني حتي أن اللبنانيين أصبحوا لا يعرفون شيئاً ويعيشون ظروف اقتصادية صعبة، وظهور عدد من المشكلات بدايًة من التكتلات السياسية مثل تكتل 14 آذار وتكتل 8 آذار أكد علي استمرار الانقسام الطائفي في لبنان، ووجود مشكلات منذ مقتل رفيق الحريري مثل مشكلة نقاش سلاح حزب الله الذي لم يتم التوصل لحل فيه، ومشكلة محكمة لبنان ومشكلة قانون الانتخابات والدستور والفراغ الرئاسي التي تعاني منه لبنان كل مدة، أدت كل هذه المشكلات إلي العصف بالنموذج التوافقي والحاجة لوجود نموذج آخر أكثر ملائمة للوضع في لبنان أو إلغاء الطائفية من الأساس، ولكن في لبنان يصعب إلغاء الطائفية لأن المجتمع طائفي من جذوره وفي التعليم والاقتصاد والجغرافيا وكل شئ وبالتالي سيكون من الصعب علي الأفراد التكيف مع التغيرات الجديدة وسيكون بمثابة إنذار لتفكك المجتمع اللبناني بأكمله.
ومشكلة التسلح من أهم المشكلات التي عصفت بالسيادة اللبنانية سواء بالسماح للمليشيات اللبنانية بإمتلاك السلاح واستخدامه حتي ضد المؤسسة العسكرية، أو سلاح المخيمات الفلسطينية الذي انتقص من سيادة لبنان علي أراضيها وأصبحت غير قادرة علي السيطرة علي المخيمات ومنظمة التحرير الفلسطينية وقوات المقاومة التي بدأت حربأ أهلية في لبنان تحملت لبنان نتائجها بمفردها.
وهناك مشكلة التدخل الخارجي مثل التدخل الإيراني والسوري والأمريكي والسعودي أثروا بشكل كبير علي السيادة اللبنانية وعلي النموذج التوافقي فأصبحت لبنان في انتظار من يختار ويعين لها رئيس جمهوريتها لأنها اعتادت علي ذلك فجاء اميل لحود برغبة سوريا وبالتالي هناك أزمة نظام تعصف بالمجتمع اللبناني.
إن نموذج الديمقراطية التوافقية الذي انتهجته لبنان في إطارها القانوني يُعد أساس لنظام سياسي تعددي يسهم في استقرار الدولة ولكن افتقاد عنصر الثقة علي مستوي القادة السياسيين ومستوي الطوائف جعل النموذج التوافقي غير مجسد في معظم عناصره وأزمة التعليم وقوانيين الأحوال الشخصية وغيرها من العوامل التي عملت علي إعاقة النموذج التوافقي[45].
إن النظام التوافقي ظل متواجداً في لبنان لأكثر من ثلاثين عامًا، ولكن تطبيقها الغير مرن لمبادئها أصبح أحد نقاط ضعها والتعيينات الطائفية في المناصب العليا وتفضيل المارونيين أدي لأنهيار داخلي وعدم تكيف.
المطلب الرابع تحديات الاستقرار السياسي في لبنان:
هناك العديد من تحديات الاستقرار السياسي في لبنان فمنذ فجر التاريخ عاني لبنان من أزمات عديدة، وخاصًة التحديات الخارجية التي تؤثر علي توازنات القوي وبالتالي عاني لبنان من الوجود السوري والتدخل السوري من الحرب الأهلية، وبعد الحرب السورية عاني لبنان من النزوح السوري واللجوء وهذا مايرفضه الدستور اللبناني ولكن يقبله الشيعة في لبنان ممثله في حزب الله لأنه المؤيد الأول لسوريا والمعاون لها في حربها ضد السنة.
من التحديات التي تهدد المنطقة بأكملها الوجود الإسرائيلي وإصرار إسرائيل علي الهحوم علي لبنان، متخذه سلاح حزب الله ذريعه لها، واستكمال المؤسسات اللبنانية بعد الفراغ الرئاسي في عام 2008 و2014 وتعطيل الانتخابات البرلمانية من أهم التحديات الداخلية التي تواجه لبنان، لأن تعطيل عمل المؤسسات السياسية يؤدي إلي انهيار الأوضاع الداخلية في لبنان، تزامنًا مع وجود نخبة سياسية تسعي لمصالحها مما يؤدي إلي تفكك أوصال الدولة ومؤسسساتها.
من أهم التحديات التي تهدد الاستقرار السياسي عدم الاستقرار الاقتصادي حيث أن الاستقرار الاقتصادي مرتبط بشكل كبير بالاستقرار السياسي والمنظومة الاقتصادية اللبنانية تعاني من خلل كبير أدي لانتشار الفقر والبطالة، والفساد المالي والمؤسسي اللبناني الذي أدي لانتشار السخط بين أبناء الشعب، وبالتالي الحل يكمن في قوي التغيير اللبنانية التي تنشأ حكومة إصلاحية في ظل نظام المحاصصة الطائفية وتطبيق اصلاحات سياسية واقتصادية والعمل علي تحقيق التغيير والاصلاح ووضع قانون انتخابات ديمقراطي يضمن التمثيل الشعبي لكافة الطوائف خاصة مع تراجع قوي 14 آذار ونمو قوة حزب الله وسيطرته علي كافة مفاصل الدولة اللبنانية[46].
في ختام الفصل تشهد لبنان تنوعًا كبيرًا اجتماعيًا وسياسيًا وطائفيًا، وذلك التنوع دفع الطوائف إلي تشكيل أحزاب تعبر عنهم داخل الهيئات الرسمية الحكومية وتتطالب بحقوق الطائفة علي مستوي الدولة، وبالتالي من أجل حفظ التوازنات طُرح نموذج الديمقراطية التوافقية الخاص بليبهارت حتي يطبق في لبنان هذا المجتمع الصغير التعددي، وأدي النموذج التوافقي إلي استقرار في النظام اللبناني ودام الاستقرار لمدة كبيرة مايقرب من 30 عاماً ولكنها بدأت في الانهيار في الأونة الأخيرة بسبب التحديات والتعثرات التي يعاني من النظام السياسي وبالتالي أصبح النموذج التوافقي مهشم في لبنان بسبب التحالفات والاتفاقيات الطائفية التي تدفع كل طائفة للاهتمام بمصالحها بعيدًا عن مصلحة الدولة.
الفصل الثالث: دراسة في الطائفة الشيعية وتأثيرها علي النظام السياسي اللبناني.
لم يكن شيعة لبنان ذات أهمية وموضع اهتمام سياسي أو بحثي قبل عقود ولكن التحولات الاجتماعية والسياسية التي شاهدوها في بداية السبعينيات دفعت بعض الباحثين إلي البحث في الطائفة الشيعية ودور الإمام الصدر، كما أن مساهمات الطلاب الشيعة في أُطروحات ورسائل تعبر عن طائفتهم سواء في لبنان أو خارجها أدي لبروز الاهتمام بدراسة الشيعة.
كما سبق الذكر ينقسم المجتمع اللبناني إلي العديد من الطوائف الدينية التي عملت علي توظيف الطائفية سياسيًا، و تنقسم الطوائف الدينية في داخلها إلي طوائف آخري حيث ينقسم المسيحيون إلي موارنة وروم كاثوليك وروم ارثوذكس وغيرهم من الطوائف المسيحية التي تمثل فاعلًا أساسيًا ومساهمًا في تكوين الطائفية في لبنان، وينقسم المسلمين إلي سنة وشيعة ودروز وعلويين كما سبق الذكر، ويدور صراع طائفي حول السلطة بشكل عنيف بين السنة والشيعة خاصًة مع انتشار الصراع السني الشيعي في المنطقة في العراق وإيران ودعم سوريا وإيران لمحور 8 آذار ودعم الولايات المتحدة وفرنسا لمحور 14 آذار، ويهتم الفصل التالي بعرض حالة الدراسة وهي الطائفة الشيعية وخلافاتها مع السنة والنزاعات السياسية التي مثلت الشيعة فيها طرفًا أساسيًا، ودور حزب الله الممثل الأول عن الشيعة والعامل الأساسي في زيادة قوة الطائفة، بالإضافة إلي الإشارة إلي التدخلات الخارجية.
المبحث الأول: دراسة في الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة.
مرت الطائفة الشيعية في لبنان بتحولات عديدة منذ نشاتها، وعدم اشتراكها في النظام السياسي واقتصار الاتفاق الوطني علي المسيحيين والسنة حتي حدوث الانقسام بين السنة والشيعة أثناء الحرب الأهلية وتمثيل حركة أمل للطائفة الشيعية وبداية المطالبة بدور سياسي قوي ومقاعد أكثر في الحكومة أو في البرلمان اعتمادًا علي كتلهم الديمغرافية ثم زيادة انتشار الطائفة الشيعية ومطالبها مع نشأة حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، ففي بداية استقلال لبنان كان الشيعة يمثلون طوائف الأطراف المهمشه، والموارنة ويليهم السنة يمثلون طوائف المركز حيث يعتمد القرار السياسي والاقتصادي علي رغبتهم.
ويتضح خلافات السنة والشيعة بشكل واضح بعد انهاك الحرب الأهلية للمسيحيين وبالتالي تغير ميزان القوي السياسية في لبنان لصالح المسلمين مع ظهور الشيعة المحرومين في جنوب لبنان ومدينة صور وبدأوا يتشكلون وظهرت حركة امل علي يد الإمام موسي الصدر وتكوينه لحركة المحرومين، ثم الانقسام بين صفوف الطائفة الشيعية ذاتها وتكوين حزب الله من المنقشقين عن حركة أمل وبدأ كل طرف في المطالبة بحقوقه.
وتظهر أهم خلافات السنة والشيعة في خلال عدد من المواقف مثل محكمة لبنان الدولية التي أيدها السنة ورفضها الشيعة، نقاش سحب سلاح حزب الله الذي أيده السنة وعارضه الشيعة، وقضية تعيين رئيس الجمهورية في 2008م وتعيين الحكومة وتعيين الرئيس في 2014م والانتخابات البرلمانية في 2016م، ومشكلة السنة الأساسية أنهم يقاومون بعداء وسخط أطماع الشيعة، وبالتالي يتجهوا إلي التطرف والانضمام إلي جماعات إرهابية، أما الشيعة يتحركوا بدافع الخوف من أن يعودوا إلي كونهم أقلية فيتجازون حدودهم ويسعوا لضمان سلطة أكبر من حجمهم الحقيقي.
ينقسم ممثلين الشيعة إلي ممثلين أساسين أولاً حركة أمل التي أسسها موسي الصدر بداية من حركة المحرومين وأنشأ لها سلاح عسكري للدفاع عن جنوب لبنان ولجمع اللبنانيين الشيعة حتي لا يتفرقوا في خضم الحرب الأهلية، والثانية هي حزب الله ويمثل فكرًا مغايرًا عن تفكير حركة أمل حيث أنه يتخذ من الثورة الإيرانية نموذجًا له ويتبع ولاية الفقية في إيران التابع للإمام الخميني.
المطلب الأول أهم أسباب الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة:
الصراع السني الشيعي له جذور ممتدة في المنطقة وهو الذي جعل لبنان دائمًا تعاني من حالة انهيار وأزمات متجددة،
لا نهاية لها، وهذا الصراع دفع بسوريا للحرب الأهلية كما أنه أدي لتدمير العراق واليمن وسيؤدي في المستقبل إلي تغيير خارطة الشرق الأوسط بأكملها تتعد أسباب التوتر السني الشيعي ومن أهم أسباب الانقسام بين السنة والشيعة التالي:
1– ولاء حزب الله لسوريا وإيران بشكل مطلق، في بداية تأسيس حزب الله الشيعي كانت حركة أمل الشيعية تمثل نفوذ سوريا في لبنان، وكان حزب الله يمثل نفوذ طهران وولاية الفقية وجري حرب الأخوة داخل الطائفة الشيعية في لبنان ثم انضمت سوريا إلي صف إيران وانضمت حركة أمل لحزب الله، وتم توجيه العداء إلي السنة، وبالتالي حزب الله لا يستطيع الفصل بين الأمة والوطن وولاءه الأساسي للخميني في إيران.
2– يعارض السنة طبيعة حزب الله الشيعي، وبالتالي يعارض طبيعة الطائفة الشيعية بأكملها لأنه ذو طبيعية مزدوجة إيرانية ولبنانية معًا، وبالتالي ليس له أهداف معينة سوي جمع الشيعة معًا تحت راية إيران وسوريا ضد السنة الذي تسعي السعودية إلي جمعهم وتقويتهم ضد الشيعة، ومثلت الحرب السورية فرصة للحرب بالوكالة بين السعودية وإيران داخل سوريا، لمنع حزب الله من الاستقلال بجزء من لبنان بالمناطق الشيعية واتباعه والانضمام لسوريا وتكوين دولة جديدة.
3- يعترض السنة بشكل أساسي علي تمويل وسلاح الطائفة الشيعية وخاصًة حزب الله لأنه من إيران، في حين أن تمويل الطائفة السنية من السعودية وفرنسا ودعمت الولايات المتحدة معسكر 14 آذار بشكل أساسي.
4– يعارض السنة الشيعة بشكل أساسي بسبب رفض حزب الله تسليم سلاحه، ولأن الاحتلال الإسرائيلي انتهي وبالتالي ليس هناك داعي لاستخدام السلاح ولكن حزب الله لا يريد تسليم سلاحه لأنه عامل أساسي من عوامل سيطرته علي لبنان، ويستند السنة إلي اتفاق الطائف الذي أقر نزع السلام من الفصائل المتصارعة في الحرب الأهلية وبالفعل تم نزع سلاح الميلشيات المسحلة وتحويلها إلي أحزاب سياسية ماعدا حزب الله الذي رفض تسليم سلاحه.
5– قضية الثلث المعطل في الحكومة، وتمسك حزب الله بالثلث المعطل حتي يُعطل أي قرارات سياسية للسنة بالرغم من ان مجلس الوزراء من حق الأغبية السنية لأن الشيعة يسيطرون علي مجلس النواب، وأدي انسحاب الوزراء الشيعين من وزارة فؤاد السنيورة إلي نمو نزاع بين السنة والشيعة حول الشرعية السياسية ومازال مستمر حتي الآن[47].
المطلب الثاني تشكيل حزب الله:
نشأ حزب الله أثناء الحرب الأهلية وبرز كقوة عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي تزامنًا مع تراجع مظمة التحرير الفسلطينية بعد الخروج من لبنان عام 1982م إلي تونس، وهو تنظيم سياسي عسكري متواجد علي الساحة اللبنانية منذ اجتياح إسرائيل لبيروت وتوج نفسه كزعيم للمقاومة بسبب قدرته علي إجبار إسرائيل علي الجلاء عن لبنان عام 2000م، وقدرته علي التصدي لإسرائيل مرة آخري عام 2006م، ولكنه يصنف في عدد من الدول علي أنه منظمة ارهابية لأنه مازال يحتفظ بسلاحه حتي اليوم.
ويتكون الحزب بشكل أساسي من الشيعة ويترأسه حسن نصر الله، وساهم الحزب في زيادة دور الشيعة السياسي والمناصب التي يشغلونها وعمل حزب الله علي تدعيم دور ونصيب الشيعة السياسي وربط القرارات السياسية والنظام السياسي بها، حيث أنه يمتلك شبكه كبيرة من العلاقات ويمتلك شبكة أسلحة كبيرة وشبكة اتصالات واسعة ومحطات تلفزيون وجرائد وغيرها من الوسائل التي تساعده علي نشر رؤيته بين الشيعة، وفي البداية كان يضم السنة والشيعة وكل المسلمين وبعد ذلك أصبح حصرًا للشيعة.
مما شجع انتشاره منذ البداية العمل في منطقة جرافية حرة متاخمة لحدود فلسطين مع غياب مؤسسات الدولة وانشغال الطوائف في حرب أهلية دامية وزادت قوته كذراع أساسي لإيران خاصًة بعد الاتفاق الإيراني السوري علي دعم الحزب بعد حرب الأخوة، وأيدولوجيًا يتبع حزب الله ولاية الفقية الإيرانية ويقوم علي مبدأ تصدير الثورة إلي الشيعة الموجودين في الدول المجاورة من طهران إلي القدس وبغداد ودمشق وبيروت ومكة والمدينة واليمن والبحرين حيث أن ولاية الفقية ليست حصرًا علي إيران وحدها، ولكن إيران تريد تكون الهلال الشيعي ودولة شيعية تضم جميع الشيعة تحت راية إسلامية إيرانية، وإيران بالغة الحساسية تجاه أي ظهور سني ضد مشروعها الشيعي.
حزب الله علم برؤية تقسيم سوريا والعراق ومنطقة الشام علي أساس طائفي وبالتالي بدأ يطرح قضية الشيعة ويطرح قضية حجم الطائفية في النظام السياسي اللبناني ويري أن مناصب الشيعة لا تتناسب مع حجم وعدد الطائفة وبالتالي يرغب في زيادة حصتها حتي يكون لها سيطرة كبيرة ومكان جغرافي كبير عند تقسيم المنطقة، واستلم حزب الله راية الشيعة خاصًة لأنه أكثر انضباطًا وتنظيمًا الأمر الذي شيشكل عامل توازن وقوة للسلطة في مواجهة 14 آذار وإظارها في مظهر ضعف وأنها لا تعبر عن مطالب الشارع، صلابة حزب الله ورغبته في تنفيذ طلابته عزز شعبيته داخل الطائفة الشيعي، ولكن أخطاء حزب الله تحول المقاومة إلي مجموعة خارجة عن القانون ومؤسسات الدولة وهو مايضر بالنموذج التوافقي اللبناني.
يتلقي الحزب مايقرب من 2000 مليون دولار سنويًا من إيران كما أنه يعتمد عليها في التدريب والتمويل وبينهم علاقة عضوية، لأنه يدين بالولاء لإيران وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ودخل الحزب الحرب مع سوريا من أجل تحقيق
مطالب لإيران[48]، حزب الله يسعي في لبنان لحرب إلغاء ولكنه لم يستطيع إلغاء فصيل كامل موجود فعليًا.
المطلب الثالث تطور حزب الله:
قام الحزب بتفجيرات بين الأعوام (1982-1985م) بأسم حركة الجهاد الإسلامية ونفذ تفجيرات ضخمة استهدفت مقري المارينز الأمريكيين والفرنسيين في بيروت 1983م من أجل إخراج القوات الدولية من لبنان دعمًا لأوامر إيران أثناء حربها مع العراق.
أثناء الأعوام (1985- 1990م) برز الاختلاف بين حركة أمل وحزب الله بعد الانسحاب الإسرائيلي المشروط وكان حزب الله يخوض حربًا دامية ضد المخيمات الفلسطينية بالنيابة عن إيران من أجل السيطرة علي القرار الفلسطيني ونشأ صراع بين سوريا وإيران لإمتلاك التحكم في السياسة اللبنانية.
بعد عام 1990م بدأ انخراط حزب الله في النظام السياسي اللبناني وبدأ يخوض الانتخابات البرلمانية وكون كتلة الوفاء للمقاومة أغلبها شيعة، وعام 2000م عند الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان بدأ خلاف حزب الله مع رفيق الحريري، حين تم اغتيال رفيق الحريري عام 2005م واتهام سوريا وحزب الله انسحبت القوات السورية من لبنان 2005م بدأ الحزب مسار سياسي جديد وأصبح يتدخل في كل جوانب الحياة السياسية اللبنانية وأصبح له تحالفات خارجية كبيرة منعكسة علي دوره الداخلي وتراجع شعبيته لدي السنة في لبنان ونمو صراع بين السنة والشيعة حول المناصب السياسية والقرارات السياسية.
بدأ الحزب يضع أساسة ومؤسساته في ضاحية بيروت الجنوبية خلال الحرب الأهلية اللبنانية وكان هناك تنافس بينه وبين حركة أمل الممثل الثاني عن الشيعة وهناك اختلاف واضح بينهم لأن حركة أمل كانت تتفاوض مع السلطة من أجل إعادة توزيع الموارد، في حين أن حزب الله يعتمد علي موارده الخاصة ويعيد توزيعها بمعرفته عبر مؤسساته وبالتالي تصبح له سيطرة اجتماعية واقتصادية وسياسية لدي الأفراد[49]، فوفر الحزب لهم الخدمات الاجتماعية والمشاركة السياسية والأمن والشعور بالقرة فبعد تحقيق نصره علي إسرائيل عمل علي تحريك الشارع المؤيد له من أجل تتويج انتصراته العسكرية بإنتصارات سياسية والمشاركة في الحكومة.
ودوره الكبير ضد إسرائيل ساعده علي إحكام قبضته علي السياسة الداخلية في لبنان ومما زاد قوته امتلاكه شبكة اتصالت خاصة به ومدراس وجامعات وضمانه الاجتماعي الخاص وسيطرته علي مطار ومرفأ بيروت ويسيطر علي العديد من مراكز القوي السياسية في لبنان بصفته الحزب الممثل عن الطائفة الشيعية، وبالتالي أصبح حزب الله دولة داخل الدولة وخاصة بعد ازدياد قوته وتكوين تحالف 8 آذار.
مؤخرًا بدأت الجماعات الشيعية تتساءل حول جدوي انخراط حزب الله الشيعي في الحرب السورية وخاصة بعد مواجهته مع السنة وبالتالي من المتوقع حدوث انشقاقات كبيرة في صفوف الشيعة وخاصة حزب الله الممثل الأول عن الشيعة، وبدأ الشباب الشيعي يتساءل حول جدوي هذه السياسية وعدم المقاومة ضد إسرائيل.
من المتوقع انقسام تحالف حزب الله وعون ولكن حركة أمل تكمل مسيرتها مع حزب الله، وتدخل الحزب في سوريا يؤدي إلي عدد كبير من التساؤلات والاحتمالات خاصًة مع احتمالية هجوم السنة علي مناطق حزب الله في لبنان ودخول الحزب في الحرب يؤكد علي الرابطة الاستيراتيجية القوية بين سوريا والشيعة في لبنان، ويمثل الصراع السوري أهم تحدي ضد حزب الله لأنه سيخسر حليف قوي له ساعده في السيطرة علي السياسة اللبنانية فإذا سقط نظام الأسد فإن الحزب سيفقد إمدادات الأسلحة وأماكن تحزين الأسلحة، ولكن إذا سيطر المقاتلين السنة علي سوريا سيواجه الحزب خصم جديد لأنهم سيعملوا علي جمع السنة في المنطقة وملاحقة شيعة لبنان وخاصة حزب الله جزاءًا لهم علي مساعدة بشار.
والجدير بالذكر أن حزب الله وحركة أمل لا يمثلان كل الشيعة في لبنان وهذا الأمر أكدته جولة انتخابات البلدية في ابريل ومايو 2016م، وأكدت أنه هناك فجوة بين تطلعات المجتمع الشيعي والممثلين الشيعة عنهم، حيث أن العائلات في جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية شكلوا لوائح انتخابات تنافس لوائح الحزبيين الشيعيين الرئيسيين[50].
المطلب الرابع بداية الدور السياسي للطائفة الشيعية.
نشأة الطائفة الشيعية جاء في الستينيات بعد عودة بعض العلماء من النجف وهم موسي الصدر والشيخ محمد المهدي والسيد محمد حسين ولكلاً منهم دوره في تكوين الطائفة الشيعية[51]، الإمام موسي الصدر يعود له الأساس الأول لتكوين مؤسسات الطائفة الشيعية الدينية والعسكرية والسياسية، حيث أنه أسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلي عام 1967م، وأضاف الجناح العسكري وهو أفواج المقاومة اللبنانية الذي يطلق عليه الآن حركة أمل عام 1975م، ويعود تدريبه لحركة فتح، وبعد نشأة حزب الله تصدر السيد محمد حسين المشهد واعتبر المرشد الروحي للحزب ولكنه رفض العمل الحزبي التنظيمي.
وكانت تسعي الحركة الشيعية إلي تحسين وضع الطائفة داخل مؤسسات النظام السياسي اللبناني وركزوا علي المظالم التي تعرضت لها الطائفة الشيعية قبل الحرب الأهلية والهجرة الداخلية وسوء أحول المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود ممثلين عنهم، ومع اختفاء موسي الصدر وقيام الثورة الإيرانية نشأ حزب الله، وتكون من منشقين عن حركة أمل والطلاب من حركة فتح وانخرط حزب الدعوة في حزب الله وبات هو المكون الرئيسي للقيادات في الحزب[52].
وتم اعتبار حزب الله ذراع عسكري وسياسي لإيران ونتاج للثورة الإيرانية وتم تدريب عناصره علي يد قوات الحرس الثوري الإيراني التي أنشات لها قاعدة في البقاع بلبنان عام 1982م.
المبحث الثاني: المشكلات التي تمثل طائفة الشيعة طرفاً فيها خاصة بعد مقتل الحريري.
يعتبر العديد من الساسة اللبنانيين أن الطائفة الشيعية هي أساس انهيار النموذج التوافقي اللبناني لأنها حولت التوافق إلي مصالح بين الطوائف وبالتالي شهدت الساحة اللبنانية منذ مقتل رفيق الحريري حتي 2016م العديد من المواقف الغريبة للشيعة التي يتعمدون فيها إيقاف الحياة السياسية في لبنان.
بعد خروخ سوريا من لبنان بعد بقاءها مايقرب من عقدين في لبنان ومقتل رفيق الحريري أصبحت الساحة اللبنانية عرضه لتفاوضات جديدة وخاصة مع الانقسام والصراع بين السنة والشيعة لزيادة مكاسبهم بعد الخروج السوري فنشأ تيار 14 و8 آذار كما سبق الذكر وكلًا منهم بتحالف ودعم خارجي فيمثل محور 14 آذار المحور المعتدل وضد الوجود السوري ويسعي لإنهاء ثنائية الدولة والمقاومة[53]، ومدعوم بشكل صريح من الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم شرعية الحكومة ضد المقاومة المسلحة وهي حزب الله الممثل الأساسي لإيران.
وتيار 8 آذار الذي يمثل التحالف بين حزب الله وحركة أمل الممثلين الأساسيين عن الشيعة ومدعومين من سوريا إايران، ويؤكدون علي حماية المقاومة وأهميتها في حماية كيان لبنان من العدو الصهيوني ويؤكدون علي جواز ثنائية الدولة والمقاومة وأن إسرائيل مازالت تحتل مزارع شبعا.
بعد مقتل رفيق الحرير عام 2005م ولم تهدأ لبنان منذ ذلك الوقت، فقد انقسم اللبنانيين إلي تحالفين أساسيين 8آذار و14 آذار كما سبق الذكر، وتم اتهام القوات السورية وحزب الله بجريمة الاغتيال لأن الحريري كان من أشد المعارضين لهم، وصدر القرار الدولي 1559 عن مجلس الأمن الذي يدعو لخروج القوات السورية من لبنان وانتخاب إميل لحود رئيسًا للبلاد
ونزع سلاح الميليشات كافًة بما فيها حزب الله والمنظمات الفلسطينية ومورست ضغوط عديدة من أجل إجراء انتخابات 2005
ورفض حزب الله قرار المحكمة بتسليم السلاح بدعوي أنه جزء من المقاومة[54].
ومن أهم التحالفات الي عقدتها الشيعة وزادت من ثقلهم السياسي تحالف حزب الله الشيعي وميشيل عون وهو تحالف سعي للسلطة لتنفيذ مشروع سياسي معين وهو السيطرة علي كافة مفاصل الدولة اللبنانية وتحقيق أكثرية ضد السنة، وإظهار عون نفسه علي أنه قادرًا علي إعادة بناء العلاقات السورية اللبنانية مرة آخري، وتعاملوا مع مؤتمر الحوار الوطني علي أنه خطوة من أجل تحقيق أهدافهم ويسعون إلي تعطيل اتفاق الطائف بشكل أساسي وتقسيم المناصب مثالثة.
المطلب الأول أزمة الفراغ الرئاسي في 2007:
أولاً: تطورات الوضع اللبناني بعد اغتيال رفيق الحريري:
بعد اغتيال رفيق الحريري عام فبراير 2005م انسحبت القوات السورية في ابريل 2005م وتغيرت خريطة القوي السياسية اللبنانية وتشكل تحالف 14 و8 آذار السابق ذكرهم، وبدأ التدهور الأمني بعد اغتيال الحريري وسلسلة من الاغتيالات لشخصيات سياسية معروفة معارضة لسوريا، وعانت لبنان من انفلات أمني وسياسي وحرب تراشق بالاتهامات وظهور نزاعات كبيرة بين تحالف 14 و8 آذار وصل ذروته عندما أرادت قوي 14 آذار إقالة الرئيس اميل لحود بسبب تمديد ولايته بطريقة غير دستورية، ونشأ نزاع حول نزع سلاح حزب الله ورفض تحالف 8 آذار ذلك، وخرجت مظاهرات في فبراير 2006م للمطالبة بهذه المطالب.
وعلي الجانب الآخر بدأت اسرائيل حربًا علي لبنان بسبب مقتل جنديين إسرائيليين وفشلت من تحقيق أهدافها بسبب مقاومة حزب الله واللبنانيين لها ولكن عاد الصراع الداخلي إلي الساحة مرة آخري بعد تهديد حزب الله الشيعي قوي 14 آذار بإقامة حكومة وحدة وطنية أو سوف يدعون لمظاهرات عارمة لإسقاط حكومة السنيورة، وبدأت حرب اعلامية وشجع حسن نصر الله الشيعي أعوانه للتظاهر وبدأت بوادر حرب أهلية جديدة تلوح في الأفق بقيادة شيعية.
في هذه المرحلة تم عقد حوار بين حزب الله وباقي القوي السياسية ولكنه أصر علي الثلث المعطل داخل الحكومة الذي يشمل عدم تمرير أي قرار إلا بموافقة المعارضة هو ماترفضه قوي 14 آذار وانتهي الحوار بلا أي نتائج بسبب تعنت كل طرف وتمسكه بموقفه، ومما زاد الصراع استقالة خمسة وزراء شيعة ثلاثة منهم يمثلون حزب الله واثنان ممثلان لحركة أمل بعد رفض طلبهم بتوسيع مشاركتهم في الحكومة واستقال وزير البيئة تضامنًا معهم وذلك لإسقاط حكومة السنيورة لأنها تصبح غير ممثلة لأن فئات الشعب، وأصدرت الحكومة قرار بالموافقة علي إنشاء محكمة دولية للبحث في قضية اغتيال الحريري رغم معارضة الرئيس اميل لحود وحزب الله لذلك وأعلن الرئيس عدم شرعية الحكومة وبطلان أي قرارات تصدر عنها وبالتالي تفاقمت الأزمات الداخلية بسبب موقف شيعة حزب الله.
التكوين الحكومي الائتلافي الذي يضم جميع الطوائف في السنيورة 2005م ممثل للأكثرية وتتألف هذه الحكومة من ممثلين للطائف ليسوا من شخصيات ذات حضور وطني ولا من الشخصيات ذات الثقل السياسي في طوائفهم، فالوزراء الموارنة لا يمثلون الطائفة التي يحكمون بأسمها، كما تم اختراق قانون الانتخابات 1992 ورفع عدد النواب من 108 الي 128 وتم توزيع المقاعد الإضافية بطريقة غير متساوية.
في ديسمبر 2006م بدأت المعارضة اعتصامًا للمطالبة بتشكيل حكومة جديدة وفي يناير 2007م دعت المعارضة لإضراب عام، واندلعت اشتباكات عديدة أثناء تلك الفترة، ودخلت لبنان أزمة فراغ منصب رئيس الجمهورية بعد انتهاء مدة الرئيس اميل لحود في نوفمبر 2007م بعد التجديد له بموجب قرار مجلس الأمن 1559 عام 2004[55]، سعي من خلالها حزب الله الشيعي إلي الحصول علي مكاسب خاصة بالإضافة إلي التيار الماروني الحر الذي يسعي لتحقيق مكاسبه.
في مايو 2006م وافق مجلس الأمن بضغط أمريكي علي إنشاء محكمة دولية للبحث في قضية اغتيال الحريري والاغتيالات التي تلتها ولكنه قرار غير مُلزم خاصة في ظل تدهور الوضع الداخلي اللبناني، وغضب حزب الله من ذلك وأعلن أن القرار يتجاوز الدولة اللبنانية وسيادتها وأن ذلك سيفتح الباب أمام تدخلات خارجية في الشأن اللبناني، في حين وافق سعد الحريري عل ذلك لكشف القتله وإن البرلمان ورئيسه نبية بري أحد أعضاء المعارضة رفض الإقرار علي عقد المحكمة في البرلمان.
اغتيال الحريري ساهم في الجمهود السياسي في لبنان ودخول مرحلة طويلة من النزاعات والصراعات التي أدت إلي شلل الحياة السياسية وتعطيل مسيرة النموذج التوافقي اللبناني وعلي الرغم من مرور عددة سنوات علي اغتيال الحريري ولكنه مازال مؤثرعلي لبنان حتي الآن، ولم ينتهي الجمود السياسي وأزمة رئيس الجمهورية إلا بإنتخاب العماد ميشيل سليمان نتيجة الحوار الوطني اللبناني الذي أقيم في الدوحة عاصمة قطر والذي أقر عنه اتفاق الدوحة 2008م، برعاية لجنة جامعة الدول العربية وأنهي الإقتتال بين اللبنانيين.
وسعت الشيعة في اتفاق الدوحة لإقتسام مقاعد الحكومة الجديدة ===== ووضع قانون انتخابات جديد غير قانون عام 2000م الذي كان برعاية سوريا وبالتالي نجح حزب الله في هدفه بإسقاط حكومة السنيورة والتفاوض علي مقاعده في الحكومة، ووافقت القوي السياسية اللبنانية علي انتخاب ميشيل سليمان رئيسًا للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتالي استعادة الحياة السياسية في لبنان مرة آخري واختلف اتفاق الدوحة بشكل واضح عن اتفاق الطائف ولكنه سيصيبه ما أصاب اتفاق الطائف مستقبلًا من جمود سياسي وعدم قدرته علي حل النزاعات السياسية ومراحل الفراغ السياسي لأن لبنان تعاني من خلل دستوري هيكلي واضح وبالتالي هي بحاجة لتعديل الدستور ومواده وليس اتفاقيات جديدة.
كان اتفاق الدوحة بمثابة مُسكن للأوضاع في لبنان، وعاد الإحتقان السياسي مرة آخري وعاد العنف للشارع والنزاع المسلح وتدخل الجيش اللبناني وانتشر مسلحي حزب الله بأسلحتهم الثقيلة في الشوارع ومورست عمليات قتل واغتيال عديدة وطوقوا منازل أعضاء الحزب التقدمي الاشتراكي لإعتقالهم ومورست عمليات قتل وقنص عديدة في الشوارع وحاصروا منازل السنة من أجل التخلص منهم وإبراز مدي قوة الطائفة الشيعية وأسلحتها في مقابل ضعف السنة وقواتهم الغير مُدربة وأسلحتها الضعيفة، وبالتالي استخدم حزب الله سلاحه داخليًا حتي يضغط علي عملية صنع القرار اللبناني لكي تكون في صالحه وفي يده[56].
ثانيًا أحداث الأزمة:
وظل الوضع كما هو عليه فراغ رئاسي لبناني بعد رحيل إميل لحود، لأن قوي 8 آذار ترغب في الثلث المعطل في الحكومة، وقوي 14 آذار ترغب في إلتزام لبنان بالقرارات الدولية، بالإضافة أن تعيين ميشيل سليمان يتطلب تعديل دستوري حتي لا يتم انتظار عامين بعد رحيله من المؤسسة العسكرية حتي يتم تعيينه كرئيس وهي الفتره التي وضعها الدستور، وقوي 8 آذار رفضت تمرير هذا التعديل في البرلمان الذي يخضع لسيطرة الشيعة وأصرت قوي 14 آذار علي تمريره، ونشبت مظاهرات في 2008م احتجاجًا علي الأوضاع الاقتصادي المتردية وانقطاع الكهرباء المتكرر وتردي الخدمات العامة وتم التعامل معاها بالرصاص الحي لأن أغلبيتهم من الشيعة، مما أدي لإثارة غصب الطائفة الشيعية وخاصة حزب الله، وخالف ضباط الجيش الأوامر بسبب انتماءهم الطائفي المخالف لإنتماء المتظاهرين، ويظهر وصول تأثير الطافية حتي للمؤسسة العسكرية، وقام سليمان بمحاكمة الضباط والعساكر المتسببة في ذلك، وعمل علي حيادية الجيش وعدم انخراطه في الخلافات الطائفية، وبالتالي تم اعتبار سليمان مرشح توافقي لا ينتمي لأي تيار ويسعي للحيادية.
في 2008م أعلنت حكومة السنيورة أن شبكة اتصالات حزب الله غير شرعية ووجودها بمثابة إعتداء علي سيادة الدولة ومؤسسات الدولة، وقامت الحكومة بإقالة رئيس أمن المطار التابع لحزب الله، وكان ذلك ردًا علي انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة، وبررت الحكومة أن هذه القرارات لاستعادة سيادة الدولة وإن وجود الشبكة تعدي إيراني علي لبنان لأنه تم إنشاءها بواسطة شركة إيرانية بالأساس، ورفض عون هذه القرارات وقال أن هذه القرارت بسبب تحريض خارجي بعد انتصار حزب الله في 2006م علي إسرائيل، ووفقًا لتسربيات ويكيليكس تبين أن وزير الاتصالات مروان حماد خاطب الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية قبل إقرار هذه القرارات، وبالتالي عملت حكومة السنيورة وتيار 14 آذار علي استفزاز حزب الله وحرمانه من صلاحياته ومميزاته للضغط عليه من أجل قبول تعديل الدستور والتنازل عن الحكومة الوطنية.
واعتبر جزء الله أن الشبكة جزء لا يتجرأ من سلاحه، وفي مايو 2008م قرر حزب الله وحركة أمل الإشتراك في الاضراب العمالي ردًا علي هذه القرارات وشجعوا أعضاءهم علي قطع الطرق ونشر الفوضي ولكن الاتحاد العمالي المؤسس للإضراب أدرك أن الإضراب يتم توظيفه سياسيًا، وقرر إلغاء تحركة.
وقام مناصرين حزب الله وحركة الأمل ” الطائفة الشيعية” بقطع طريق المطار وانتشروا في بيروت خاصًة في مناطق السنة، وسيطروا علي بيروت وانتشرت اشتباكات بين السنة والشيعة، وسيطر الشيعة علي مراكز تيار المستقبل السني في بعض مناطق بيروت وبالتالي استخدم حزب الله سلاحه داخليًا من أجل الحصول علي مكاسب سياسية وتعظيم مكاسبه، وقرر حسن نصر الله إغلاق بيروت حتي تتراجع الحكومة عن قراراتها بشأن شبكة الاتصالات وأمن المطار، وأصبح هناك تأييد لفكرة تسليح السنة مقابل الشيعة حتي لا يتجرأ حزب الله علي استخدام سلاحة، فأصبحت بوادر الحرب الأهلية متجليه بوضوح في هذه الفترة، وبالتالي تتحول الساحة اللبنانية إلي حرب شوارع بين الطوائف.
ولجأ الحريري لطلب المساعدة من أمريكا والسعودية من أجل تسليح السنة وبالتالي تورط الحريري في دعم جماعات مسلحة لحمايته هو والسنة، وأنشأ شركات أمنية من شباب السنة الفقراء وقام بتسليحهم حتي يواجهوا حزب الله، ولكن مهاراتهم متدنية بشكل كبير ضد جماعات الشيعة المنظمة والتي لديها خبرة في الحرب بشكل كبير بسبب المقاومة ضد إسرائيل واعتبروا حزب الله ميليشا مسلحة يستخدم سلاحه داخليًا ضد أبناء وطنه وليس ضد اسرائيل فقط.
ثالثًا تدخلات القوي الإقليمية لحل الأزمة:
في ظل الأزمة الراهنة واحتياج حزب الله لمناطق عديدة في لبنان حظي السنيورة علي تأييد السعودية ومصر والولايات المتحدة وفرنسا وأسبانيا، وكان الدعم مقتصر علي وفود عربية ودعم اتصالي ولكن حكومة السنيورة كانت تريد قوات عربية وإسلامية لحماية الحكومة الشرعية في لبنان في مواجهة انقلاب حزب الله المسلح، وشعرت أن الدعم الدولي أقل مما توقعت واقتصر علي لجنة من وزراء عرب لحل الأزمة، وليس مثل الدعم المالي والإعلامي والأسلحة الذي توفره إيران لحزب الله، وبسبب عدم وجود دعم كافي للسنة قررت الحكومة التراجع عن قرارتها لعدم زعزعة الأمن الداخلي وفي دليل واضح علي انتصار حزب الله وحركة أمل وانتصار الطائفة الشيعية أخيًرا وسيطرتها علي كافة مفاصل الحياة السياسية في لبنان، وتم إثبات مدي قوة الطائفة الشيعية داخليًا ومدي قدرتها علي السيطرة علي لبنان والضغط علي مراكز صنع القرار.
وتم عقد مفاوضه لإنتخاب سليمان رئيسًا، وقوي 14 آذار أصرت علي مناقشة سحب سلاح المعارضة خاصًة بعد استخدام السلاح داخليًا، وأكملوا محادثهم في الدوحة في قطر وتزعمت قطر المحادثات واللجنة العربية لعقد اتفاق الدوحة وكانت السعودية علي تردد وتطالب إيران بالحياد من كل الأطراف اللبنانية ووافقت في النهاية علي اتفاق الدوحة، كما وافقت سوريا، وأبدت الولايات المتحدة تحفظها عن سياسة 14 آذار مع حزب الله وأن سياستهم التعسفية والتي تقوم علي التصلب لا تجلب نتائجها السليمة، ودعمت فرنسا الاتفاق وأعلنت إيران دعمها للاتفاق وأنها تريد استقرار لبنان.
أصيبت قوي 14 آذار بخيبة أمل كبيرة تجاه حلفائها الخارجيين، وتراجع فرنسا وانشغال الولايات المتحدة في العراق وإقتصارهم علي الدعم اللفظي فقط.
رابعًا اتفاق الدوحة:
اتفقوا علي إقامة حكومة وحدة وطنية مكونة من 16 وزيرًا للأكثرية و11 وزيرًا للمعارضة و3 يعينهم الرئيس بشرط عدم دعم أي طائفة وزراءها للاستقاله حتي لا تقسط الحكومة مثل حكومة السنيورة، وتم الاتفاق أيضًا علي انتخاب ميشيل سليمان رئيسًا للجمهورية وتعهد الأطراف علي عدم استخدام السلاح في الشأن الداخلي ووقف حملات التخوين والتحريض بين الفريقين، وبالتال أعاد اتفاق الدوحة الروح السياسية للمؤسسات وأعاد الديمقراطية التوافقية إلي مسارها، ولكنه أنشأ وضع غير دستوري فانتخاب سليمان خالف الدستور وولد استقرار هش وتوافق مؤقت، واكتفي بتعديل قانون الانتخابات ولم يتجه لإلغاء الطائفية بل عززها وقسم بيروت علي أساس دوائر طائفية، وظل منصب رئيس الجمهورية تحت سيطرت توازنات إقليمية ودولية نظرًا لعجز النظام السياسي عن اختيار قادة يحظون بثقة الشعب وحذر البعض من اتجاه لبنان للحكم العسكري مثل حال العديد من الدول العربية، ودعت المعرضة لتقسيم مقاعد الحكومة مثالثة ثلث للتحالف الحاكم وثلث للمعارضة والرئيس يعين ثلث لكن 14 آذار رفض ذلك.
أقر اتفاق الدوحة علي انتخابات برلمانية في عام 2009م، وانتهت أزمة تجميد المؤسسات في لبنان بقسم سليمان أمام الحكومة في أثر اتفاق الدوحة في دليل علي استمرار النموذج التوافقي طالما أن سليمان علي درجة من التوافق والحياد من كلا الفريقين، وتم تسميه الحريري رئيس للحكومة ولكنه رفض لأنه يريد الحكومة بعد الانتخابات وليس قبلها، وبالتالي سمت قوي 14 آذار السنيورة لرئاسة الحكومة مرة آخري، واعتبر عون ذلك امتداد للماضي وليس دليل علي تحقيق تغيير أو تعديل جديد ، وحدث نزاع حول المقاومة وضرورة حصرها في الجيش دون حزب الله الذي استخدم سلاحه داخليًا.
وبدأت مرحلة جديدة من العلاقات السورية اللبنانية تحت رعاية ساركوزي رئيس فرنسا وأمير قطر وذلك في اطار توجه سوريا للخروج من العزله الدولية المفروضة عليها بعد اتهامات اغتيال الحريري وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة بمجئ إدارة أوباما، وزار سليمان سوريا وزار بشار لبنان في دليل علي عودة العلاقات، وبدأت رحلة جديدة من العلاقات بين الحريري وحزب الله قبل انتخابات 2009م، وكان هناك عمليات تصالح بين الفرقاء المتخاصمين جنبلاط وحزب الله ولكن المسيحيين رفضوا بسبب موقف عون ورغبته لرئاسة المسيحيين وتمثيلهم بصرف النظر عن جعجع وفرنجيه والجميل.
ومما يؤكد استمرار التدخل الأمريكي أن بايدن نائب الرئيس الأمريكي أكد علي أن أمريكا سوف تنظر في المساعدات الاقتصادية والعسكرية بعد الانتخابات اعتمادًا علي النتيجة وبالتالي شجع الأفراد للتصويت ل14 آذار، وردت إيران بأنها سوف تقدم نفس المساعدات الأمريكية في حال نجاح فريق 8 آذار وحزب الله التابع لها وبالتالي لبنان تتحول لساحة تنافس وحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران، الخارج يتدخل لمصلحته الذاتيه وخلف مشكلات تمكنه من الاستمرار في التدخل[57].
خامسًا الانتخابات البرلمانية عام 2009م:
بدأت معركة الانتخابات والتانفس بين الفريقين والنتيجة محسومة في المناطق السنية لصالح 14 آذار، والمناطق الشيعية لصالح 8 آذار ولكن التنافس المسيحي المسيحي سوف يحسم نتيجة الانتخابات وتم حصرها بفوز تيار 14 آذار بغالبية أصوات المسيحيين، وأسفرت الانتخابات عن فوز 71 نائب ممثل لقوي 14 آذار و57 نائب ممثل لقوي 8 آذار، وبالتالي خسر حزب الله الانتخابات ولكنه حصل علي الثلث المعطل، وتم تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة وحاول تشكيلها من تيار 14 آذار ولكنه لم يستطيع ذلك واعتذر عن التشكيل، وتم تكليفه مرة آخري لتشكيلها مما ينم عن الفقر السياسي في تيار السنة، وقام بتشكيلها هذه المرة وهي حكومة وحدة وطنية 15 للأكثرية و10 للمعارضة و5 يعينهم الرئيس وظلت الحكومة حتي تم إسقاطها عام 2011م بسببب التنافس الشديد بين التيارات السياسية عقب كشف حقائق خاصة بإغتيال الحريري وانحسب وزراء 8 آذار -وزراء الشيع ال 10 ووزير إضافي- وأسقطوا الحكومة، وسقط الحريري بسبب انكشاف الغطاء السعودي عنه وتسريب تسجيل خاص به يسب أحد أمراء السعودية وبالتالي تخلت عنه السعودية، وفي ظل قيام الثورات العربية تشكلت حكومة من لون واحد قريب من حزب الله برئاسة نجيب ميقاتي وهو سني موالي لسوريا وقريب من حزب الله ومنافس للحريري وحصل علي 68 صوت.
سقطت حكومة ميقاتي قي يناير 2011 وتكونت حكومة جديدة في يونيو2011 بعد تفاوضات عديدة، وتعهد ميقاتي بسحب السلاح الغير شرعي ولم يشير لسلاح حزب الله ولكنه تعهد بمساعدة الأمم المتحدة في المحكمة الخاصة بلبنان بما لا يضر الشأن الداخلي اللبناني، ووعد بدفع تكاليف المحكمة، وتكونت حكومته من 18 وزير يمثلون تيار 8 آذار و12 وزير ينتمون لرئيس الوزراء وميشال سليمان وزعيم الدروز وليد جنبلاط، كما حصل السنة علي 7 مقاعد والشيعة علي 6 مقعد وذلك للإسراع في تكوين الحكومة وحصل حزب الله وحركة أمل الممثلين عن الشيعة علي أربعه مقاعد وسيطر حزب الله علي وزرات مهمه مثل وزارة الداخلية والدفاع والخارجية، وحصل ميشيل عون علي 6 وزرات وحصل الرئيس علي مقعدين فقط.
ورفض الحريري المشاركة في هذه الحكومة، وحاولت الحكومة حل القضايا الخلافية بدون الإضرار بمصالح أيًا من التحالفين، وكان هناك قضايا خلافية مثل سلاح حزب الله والمحكمة الدولية وتمويلها ونفقات حكومة فؤاد السنيورة عند توليه من 2005 حتي 2009م.
قدم ميقاتي استقالته في مارس 2013م بسبب عدة نزاعات ومن أهمها الاختلاف حول قانون الانتخابات البرلمانية بسبب خوف حزب الله من تكرار نتائج انتخابات 2009م والأزمة السورية وتأثيرها علي لبنان، وتم الاتفاق علي تولي تمام سلام تشكيل الحكومة ولكنه فشل في ذلك، وبالتالي تستمر حكومة ميقاتي بالعمل لتصريف الأمور الإدارية حتي يتم تعيين حكومة، وقام البرلمان بالتمديد لنفسه 17 شهر حتي يتم الاتفاق علي قانون للانتخابات البرلمانية وذلك يخل بدستورية البرلمان ووجوده، كما أن ميشيل سليمان سنتهتي مدته في مايو 2014م وبالتالي سيكون من الصعب اختيار الرئيس إذا لم يكن هناك برلمان من الأساس.
وبالتالي دخلت لبنان مرحلة آخري من مرحل الشلل المؤسسي بالإضافة لزيادة الاحتقان والتنافس بين السنة والشيعة فعادت الاغتيالات والتفجيرات تهز لبنان مرة آخري بعد أحداث في 2004 و2008، وزيادة الأزمة السورية وتدخل حزب الله في الحرب لجانب سوريا أدي لزيادة الاحتقان بين السنة والشيعة في لبنان، مما حطم رصيده المعنوي واستنزاف قواه العسكرية وخصم رصيده السياسي.
المطلب الثاني: مشكلة انتخاب رئيس جمهورية عام 2014م.
في 24 مايو 2014 انتهت ولاية الرئيس الثاني عشر للبنان وغادر ميشيل سليمان القصر الرئاسي بدون خليفه بعده وبالتالي دخل لبنان في مرحلة جديدة من الجمود والفراغ السياسي وفشل البرلمان في انتخاب رئيس للدولة، وهذه ليست الظاهرة الأولي من نوعها بل مر لبنان بثلاثة فراغات رئاسية، الأول من 18 إلي 22 سبتمبر 1952م بعد عزل الرئيس بشارة الخوري وتم تشكيل حكومة عسكرية برئاسة فؤاد شهاب وتم انتخاب كميل شمعون بعدها، والثانية من 23 سبتمبر 1982 حتي 23 سبتمبر 1988م مع انتهاء ولاية أمين الجميل وانقسام لبنان إلي حكومتين الأولي برئاسة ميشل عون والثانية برئاسة سليم الحص وتنازعوا السلطة وصلاحيات رئيس الجمهورية، والثالثة من 23 أكتوبر 2007 إلي 25 مايو 2008م مع انتهاء ولاية اميل لحود حتي تم انتخاب ميشيل سليمان[58].
يعاني لبنان من مشكلة نظام، والصراع علي السلطة في لبنان يمثل جزءًا من صراع أوسع بين الطوائف اللبنانية وقيادتها، وبالتالي يتم انتقال السلطة عن طريق التوافق الوطني واختيار مرشح يتوافق عليه جميع الطوائف مع تقديم الطوائف بعض التنازلات، وعادت لبنان مرة آخري لمرحلة الفراغ الرئاسي، وفشل المجلس في انتخاب رئيس خمس مرات خلال شهرين بسبب عدم اكتمال نصاب الجلسات أو عدم تحقيق أغلبية الثلثين[59]، ويتطلب انتخاب الرئيس
حضور ثلي الأعضاء أي 86 عضو من أصل 128 عضوًا[60].
واستمر وجود المجلس حتي انتخاب رئيس جمهورية وأداء الرئيس أمام المجلس القسم طبقًا لأحكام الدستور، وبالتالي تعاني لبنان من فراغ سياسي، بالتوازي مع انهيار اقتصادي كبير وتراجع في النمو، وتولي تمام سلام الحكومة ومهام الرئيس حتي يتم انتخاب رئيس، اجتمع البرلمان 46 محاولة، حتي يتم اختيار رئيس جمهورية ولكنه يفشل في كل مرة حيث أن تحالف 14 آذار يرشح سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، وتحالف 8 آذار يرشح ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر، حتي حزب الله بوعده لعون بتوليه الرئاسية، ويرشح وليد جنبلاط هنري حلو، ورشح الحريري فرنجيه.
عطل حزب الله وحلفاءه البلاد لمدة عامين حتي يفي بوعدة لميشيل عون بانتخابه رئيسًا للبلاد بسبب تهديد مشيل عون بالخروج من تحالف 8 آذار والتحالف مع 14 آذار لإنتخابه رئيسًا للجهورية بدلًا من ترشيهم سمير جعجع.
جاء الانفراج السياسي عام 2016م، وقام المجلس بإنتخاب ميشيل عون، واتفقوا علي تعيين حكومة جديدة حصلت علي ثقة مجلس النواب بأغلبية 87 صوت من أصل 92 صوت برأسة الحريري[61]، وأصبح التحدي هو إجراء الانتخابات النيابية عام 2017 بسبب عدم الاتفاق علي قانون الاتخابات.
ولكن ماذا حدث حتي يتم اختيار رئيس جمهورية بعد عامين من الفراغ الرئاسي؟، وماهي أسباب اختيار ميشيل عون؟ وماهي الاتفاقات السياسية التي حدثت من أجل حل الأزمة وفك الجمود السياسي؟
تم اختيار ميشيل عون بسبب تصالحه مع سمير جعجع بعد أعوام من النزاعات السياسية وإصدار ورقة “إعلان نيات” بينهم وانسحاب سمير جعجع، وسحب جنبلاط هنري حلو، وتخلي الحريري عن فرنجيه حتي يتولي الوزارة، وبالتالي تحالف المسيحيين معًا وعادوا للساحة السياسية بقوة بعد فراغ الرئاسي لمدة عامين وخمسة أشهر وتم انتخاب العماد ميشيل عون رئيسًا للبلاد في الجلسة السادسة والأربعين لإنتخاب رئيس جمهورية بعد عقده اتفاق مع تيار المستقبل السني والقوات اللبنانية المسيحية، أعلن الحريري موافقته علي ترشح عون لضرورة الوصول إلي تسوية سياسية لاستمرار النموذج التوافقي اللبناني وعقدوا اتفاق بينهم للحفاظ علي استقلال البلاد وإلتزام الحياد اتجاه الصراع السوري، ورفض نبية بري رئيس حركة أمل التصويت لعون، وانضم له أعضاء بارزين من تيار المستقبل معارضين للحريري والسنيورة وغيرهم في انذار علي تهشم التحالفات الرئيسية في لبنان واقتراب تفككها وتغير الخريطة السياسية في لبنان قريبًا، وجاء رفضهم لعون علي أساس اتهامه بالعمالة لإيران ولأنه كان أحد المتهمين الرئيسيين بالحرب الأهلية وبالتالي هو مجرم حرب وفر علي فرنسا ولم يعاصر الأحداث السياسية في البلاد، ولأنه مؤيد لسوريا وبالتالي سيقف بجوارها في حربها ضد السنة، وهو منفذ لرغبة حزب الله بشكل أساسي فعندما يتولي عون الرئاسة يكون حزب الله هو المتولي الحقيقي لها.
تولي سعد الحريري الوزارة كما سبق الذكر، حتي قدم استقالته يناير 2019م بدافع قانوني بسبب إجراء الانتخابات النيابية وتم تكلفية مرة آخري بتكوين الحكومة واستمرت حتي 2019م وقدم استقالته بسبب التظاهرات واندلاع العديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية وتولي حسان دياب الحكومة في ديسمبر 2019م، بعد فراغ حكومي لمدة 13 شهر، واستقالة حكومة دياب بسبب تداعيات انفجار مرفأ بيروت عام2020م، ويتولي حاليًا نجيب ميقاتي منذ 2021م وتنتهي ولايتة في مايو 2022م بإجراء انتخابات نيابية.
في ختام الفصل يمكن التأكد علي أن الأزمات التي مر بها لبنان عجز النظام السياسي والمؤسسات السياسية التعامل معها حتي أصيبت بالشلل والجمود، وتأجيل انتخابات 2013 بعدم الاتفاق وفراغ منصب رئيس الجمهورية بسبب حسابات طائفية دليلًا علي ذلك الجمود، ودليل علي ضعف لبنان المؤسسي بعد انشغال سوريا في حربها لأن سوريا كانت فاعل أساسي في لبنان وفي اختيار الرئيس اللبناني بالإضافة إلي أن الحرب في سوريا زادت الاحتقان الطائفي اللبناني بشكل كبير ووضعت لبنان علي شفا حرب أهلية عند اجتياح حزب الله لبيروت لإثبات مدي قوته، وهناك عدم قدرة علي التوصل لإتفاق يرضي كافة الأطراف.
هذه التوازنات الدقيقة التي تم عرضها توضح مدي هشهشه الوضع السياسي اللبناني وبقاءه دائمًا تحت رحمة الانتقالات من فريق إلي آخر أو دعم طرف معين دون الآخر.
الخاتمة:
تهتم هذه الدراسة بإطار النظم السياسية وبدراسة النظام السياسي اللبناني وأثر الطائفية عليه وأهم الأحداث التي مر بها لبنان، وتطرقت الدراسة إلي النموذج التوافقي اللبناني وأهم التحديات التي عصفت بالنموذج خاصة في ظل فترة الاحتقان السياسي والجمود المؤسسي، وتوصلت الدراسة أن النموذج التوافقي اللبناني غير قادر علي إنهاء حالة الاحتقان السياسي والجمود السياسي طالما أن النظام السياسي رهن اتفاقيات ومصالح طائفية، وبالتالي هناك صعوبة كبيرة في سير النموذج التوافقي اللبناني.
وتوصلت الدراسة أن حزب الله يتحكم بشكل كبير بالطائفة الشيعية وهو متحدث عنها ويتحكم بالقرارات السياسية المتعلقة بها، ولكن ذلك بدأ يتراجع خاصة مع انخراطه في الحرب مع سوريا وتراجع شعبيته والفصل بينه وبين الطائفة الشيعية ويعتبر ذلك تطورًا كبيرًا لأن إعادة التوازن في المجتمع اللبناني تتطلب الفصل بين الشيعة وحزب الله وعدم معاملتهم علي أنهم قضية واحدة، فقد كان أهم اهتمام لدي الطائفة الشيعية هو فشل النظام السياسي في توفير تمثيل مناسب لهم لأنهم من أكبر الطوائف وبالتالي تمثيلهم لا يناسب مع حجمهم الديمغرافي، وإحساسهم بالظلم والقهر والاضطاد في ظل النموذج التوافقي، كما أن حكم لبنان بكفاءة سياسية يتطلب أن يكون لدي الطوائف الثلاثة ( الشيعة والسنة والموارنة) نفس التمثيل داخل الحكومة حتي يتسني لهم حكم البلاد بصورة توافقية ترضي الجميع وبالتالي يجب أن يخصص لكل طائفة وزرنًا سياسيًا معينًا لتمثل دور مصيري داخل الحياة السياسية.
وكان اتفاق الطائف نقطة تحول مهمة ومحاولة إصلاح للميثاق الوطني ولكنها تركت مشكلات الشيعة بدون التعامل معها واهتمت بأدوار الموارنة والسنة بشكل أساسي، وبالتلي لاحظت الطائفة الشيعية أن حقوق الشيعة لا يحميها ولا يتضمنها اتفاق الطائف وأدرك الشيعة أن البلاد خرجت لتوها من حرب أهلية وبالتالي لا يمكن تحقيق مصالحهم وقتها ولكن يمكن العمل علي تحقيقها في المستقبل، وعندما قدم الوزراء الشيعة استقالتهم من حكومة السنيورة كان هدفهم الرئيسي اثبات أن الحكم في لبنان لا يمكن أن يسير من دون دعمهم، ولن يرضي الشيعة إلا بعد اتفاق الدوحة وتحقيق حكومة وحدة وطنية يحصلون فيها علي تمثيل كافي لحماية مصالحهم ولكن اتفاق الدوحة كان بمثابة حل مؤقت للأزمة في لبنان.
وطرحت الدراسة دور حزب الله ومدي قوته، وتوصلت الدراسة إلي ضرورة التعامل معه فرغم وضوح التشابك بينه وبين الطائفة الشيعية يطرح حزب الله مجموعه من التحديات والرغبات التي تتجاوز اهتمام الشيعة اللبنانيين بشكل كبير، ويرتبط الشيعة بحزب الله لأنهم يرون أن أمنهم وقوتهم تعتمد عليه فليس لديهم خيار سوي الانضمام لحزب الله.
وتتوقع الباحثة فشل اتفاق الدوحة في تحقيق الاستقرار السياسي في لبنان وذلك ماحدث فعلًا في أزمة الفراغ الرئاسي في 2014م والتمديد لمجلس النواب والعودة لحالة الجمود السياسي مرة آخري، بلإضافة لحمل حزب الله السلاح في وجه المواطنيين اللبنانيين وخاصة السنة كما حدث في طرابس أواخر عام 2008م بين السنة والعلويين التابعين للشيعة، واجتياح حزب الله لبيروت في دلالة واضحة علي مدي ضعف مؤسسات النظام اللبناني ومدي قوة حزب الله، وبالتالي توصلت الباحثة أن لبنان تعاني من حالة ضعف هيكلي ومؤسسي كبير يؤدي لتفاقم المشكلات ووجود طوائف وتيارات تريد أن تحكم كلًا منهم بمفردها وتريد أن تشرع أفكارها ومصالحها دون الطوائف الآخري وهناك ثلاثة عناصر تعبر عن الضغف المؤسسي اللبناني وهي كالتالي:
1– ضعف المؤسسات الأمنية، بسبب التدخل السوري والأجنبي في لبنان عانت المؤسست الأمنية من التهميش والضعف وبالتالي أصبحت لا تقوم بدورها المنوط به في حفظ الأمن والاستقرار، وبعض هذه المؤسسات أصبح عبئًا علي البلاد وصار علي الجيش اللبناني أن يتولي ملفات عددية من بينها وقف الاقتتال بين الطوائف المحسوبة علي القوي السياسية الرئيسية، وبالتالي يتعرض الجيش لتهديدات طائفية وفقاً لإنتماء الأفراد فيه للطوائفهم.
2– عدم فاعلية المؤسسات الدستورية من أجل إدارة الحياة السياسية في لبنان، لأن لبنان تقع في كل مرة في حالة جمود سياسي سواء في الرئاسة أو الحكومة أو التمديد للبرلمان بدون أدني حل دستوري وتستمر كل مؤسسة في التعنت واعتبار نفسها ممثلة عن الشرعية، بالإضافة إلي قانون الانتخابات الذي يتم تغييره قبل كل انتخابات وفقاً لرغبة الطائفة المسيطرة وبالتالي يجب تعديل الدستور كي يتلاءم مع عمل المؤسسات وجعلها مؤسسات متكاملة وليست متصارعة.
3– سيادة الطائفية في لبنان حتي وإن أنكرها الأفراد وتعاني لبنان من ارتفاع المذهبية والطائفية حتي بين أبناء الطائفة الواحدة وبالتالي لا يوجد اتفاق حول مطالب معينة.
وتري الباحثة أن حالة لبنان تمثل حالة نموذجية فريدة من نوعها لأن الطوائف فيها تدخل في صراعات ونزاعات عديدة حول السلطة وبعد نزاعات عديدة وحروب أهلية يتقبلوا الأمر الواقع في نهاية الأمر ويقدموا تنازلات من أجل العيش سويًا بعد إرهاق جميع الأطراف مما يؤدي بهم في النهاية للنموذج التوافقي، وبالرغم من كل المحاولات ينفجر لبنان في لحظة معينة ولم يمنع الميثاق الوطني أو نظام المحاصصة الطائفية الحرب الأهلية، ولم يمنع اتفاق الطائف أزمات 2007 و2008م ولم يمنع اتفاق الدوحة أزمة 2014م، وكل الاتفاقات التي مرت عليها لبنان كانت بمثابة مسكن مؤقت للأزمة وليس حل جذري لها.
الخلاصة أن الدراسة طرحت تساؤلات فرعية تهتم بالإجابة علي تساؤل البحث الرئيسي وتطرقت لعدد من الأحداث والأزمات ونشأة لبنان واهتمت بدارسة الطائفة الشيعية والأزمات التي تعنتت فيها عن طريق ممثلها حزب الله، كما اهتمت الدراسة بالنموذج التوافقي اللبناني وبيان ماحدث له وماهو معرض له وأن النموذج التوافقي في المجتمعات التعددية ليس معيار حاسم لجلب الهدوء خاصًة إذا كان المجتمع يعاني من مشكلات احتقان وجمود وعنف سياسي، ومن المبالغة النظر للنموذج التوافقي لحل كل المشكلات التي يتعرض لها لبنان وأنه ليس عصا سحرية تقوم بحل الأزمات ولكن يجب توافر عوامل العدالة والإنصاف وإعلاء مصلحة الدولة علي مصلحة جماعة معينة، وخرجت الدراسة بعدد من النتائج والاستنتاجات ومن أهمها التالي:
1– أن مشكلة لبنان مشكلة اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة يتمحور حلها حول حول وطني كبير يضمن جميع الأطراف وممثلين الطوائف من أجل إقرار قانون انتخابات معين وتعديل الدستور.
2– من أهم المشكلات التي تواجه النظام اللبناني وتدفعه لحافة الانهيار هي المشكلات الاقتصادية التي لا تلتفت لها الطوائف ولكنها تركز علي تحقيق مكاسب سياسية وفرض سلطتها علي كافة الطوائف الآخري وبالتالي من المفترض تحقيق التنمية للمناطق والفئات المهمشة حتي لا تنضم لتنظيمات معينة وتدين لها بالولاء أكثر من الدولة.
3– هناك انقسام في صفوف السياسيين بشكل كبير وبالتالي يجب إعادة النظر نظام المحاصصة الطائفية في لبنان وفقا لتعداد سكاني جديد يوضح التركيب الديمغرافية للبنان.
4- توصل البحث أن لبنان يعاني من جمود سياسي ومؤسسي كبير ويقع لبنان في أزمات فراغ المناصب السياسية في فترات متتالية بدون حل جذري للأزمة ويقف النموذج التوافقي عاجزًا أمام إيجاد حل لهذه الأزمات.
5- تعاقب الحكومات في لبنان يؤثر بشكل كبير علي الاستقرار السياسي لأن كل حكومة تأتي ممثله عن جبهة معينة وتسعي لتحقيق مطالب معينة غير التي سبقتها.
6- تخضع لبنان لتوازنات وتدخلات خارجية وإقليمية كبيرة وخاصًة من قبل إيران وسوريا اللذان يدعمان الشيعة وخاصة حزب الله، في مواجهة السعودية التي تعمل علي دعم السنة، وحتي الآن لبنان ليس لها تمثيل دبلوماسي صريح مع سوريا في دليل علي تداخل الدولتين معًا.
7- نموذج الديمقراطية التوافقية اللبناني لا يوفر حلولًا سياسية للخروج من الأزمات بل أنه يوفر قرارات توافقية مؤقتة بين ممثلين الطوائف بعد نفاذ كل الحلول السياسية الممكنة.
8- نظام المحاصصة الطائفية أصبح مشوهًا لدرجة كبيرة ووضع لبنان تحت وطئة التوازنات الطائفية وجعله عرضه للإبتزاز الداخلي والخارجي.
وبالتالي يجب علي لبنان إيجاد نظام يضمن حقوق الفئات المكونة للمجتمع، وعدم الاعتماد علي النموذج التوافقي اللبناني الذي مثل حل مؤقت للأزمات والتخلي عن الولاءات المذهبية والطائفية فمن خلال الدراسة تبين أن مشكلة لبنان الأساسية والعائق أمام تحقيق استقرار السياسي يكمن في الطائفية وانفتاح كل طائفة علي حليف إقليمي أو دولي.
قائمة المراجع:
أولاً: الوثائق القانونية:
- الدستور اللبناني الصادر في 23 مايو 1926، المادة 18، ص5.
- دستور لبنان الصادر عام 1926 المؤرخ في 1926 وتعديلات عام 1990 وعام 2004، مجلس النواب اللبناني، ص8-9.
ثانياً: المراجع باللغة العربية:
أولاً الكتب:
- أنطوان نصري مسرة، “الأحزاب السياسية في لبنان: تجدد والتزام”، الطبعة الثانية، بيروت: المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، 2007.
- آني لوران وأنطوان بصبوص، “الحروب السرية في لبنان”، بيروت: دار مختارات، 1988، راجع أيضاً: علي حسين الشامي: ندوة عودة الكفاءات اللبنانية المهاجرة، منشورات وزارة المغتربين، ط1، 1996.
- باسم الجسر، “ميثاق 1943 لماذا كان ؟ وهل سقط ؟“، بيروت: دار النهار للنشر، 1987.
- حسان بن نوي، “تأثير الاقليات علي استقرار النظم السياسية في الشرق الأوسط“، الإسكندرية: مكتبة الوفاء القانونية، 2015.
- حسان حلاق، “مذكرات سليم علي سلام (1868-1938)”، بيروت: الدار الجامعية للطباعة والنشر، 1982.
- شوكت أنشتي، “الأحزاب اللبنانية: قراءة في التجربة“، بيروت: مؤسسة الانتشار العربي،2004.
- عارف العبد، “لبنان والطائف“، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001.
- عاطف عطية، “الدولة المؤجلة (دراسة في معقوقات نشوء الدول والمجتمع المدني في لبنان)”، ط1، بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 2000.
- عصام فارس، “التوافقية وإدارة التعددية في لبنان”، ط1، لبنان: دار سائر للنشر والتوزيع، 2013.
- فؤاد شاهين، “الرأسمالية اللبنانية فدرالية الطوائف“، ط1، بيروت: مركز البحوث الاشتراكية، 1973.
- مجموعة من الباحثين، “الشيعة في لبنان من التهميش الي المشاركة الفاعلة“، الطبعة 1، بيروت: دار المعارف الحكمية، 2012.
- مسعود ضاهر، “تاريخ لبنان الاجتماعي (1926-1914)، ط2، بيروت: دار المطبوعات الشرقية، 1984.
- من حصاد الأيان، العمل: حزب الكتائب اللبنانية، ط1، بيروت: دار النهار للنشر، 1975.
- نعيم قاسم، “حزب الله المنهج التجرية المستقبل”، لبنان ومقاومته في الواجهة“، ط7 ، بيروت: دار المحجة البيضاء، 2010م.
ثانياً الرسائل العلمية:
- أحمد محمد منصور، “إدارة الصراعات الداخلية في المجتمعات التعددية: دراسة مقارنة بين حالتي لبنان واليمن”، (رسالة مقدمة للحصول علي درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، 2014).
- أسامة زيدي، “الطائفية الدينية وأثرها علي الاستقرار السياسي في الدولة (دراسة حالة لبنان)”، (مذكرة الماستر، جامعة العربي بن المهيدي: كلية الحقوق، 201602017).
- أسامه محمد صالح، “اقتسام السلطة التوافقي والعنف السياسي الإثني في أيرلندا الشمالية”، (رسالة مقدمة للحصول علي درجة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2006).
- بيرج نعلبنديان، “النظام السياسي اللبناني ( الواقع والآفاق)”، ( دراسة أعدت لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية اختصاص دراسات سياسية، جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية، 2011).
- شادي أحمد، “إدارة الصراعات الداخلية في المجتمعات التعددية: دراسة مقارنة بين حالتي لبنان واليمن”، (رسالة للحصول علي درجة الماجستير في العلوم السياسي، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2014).
- محمد الأمين، راهم علي، ” النظام السياسي اللبناني دراسة في المؤسسات والفواعل“، ( مذكرة مكملة لنيل شهادة الليسانس في العلوم السياسية تخصص علاقات دولية، جامعة 20 أوت 1995 سكيكدة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2015/2016).
- مزابية خالد، “الطائفية السياسية وأثرها علي الاستقرار السياسي (دراسة حالة لبنان)”، (مذكرة مقدمة لاستكمال شهادة ماستر أكاديمي في العلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح-ورقلة، 2013).
ثالثاً الدوريات العلمية:
- أبرات حوراني، “الطائفية والطوائف في لبنان“، منظمة التحرير الفسلطينية- مركز الأبحاث، أكتوبر/نوفمبر 1976، العدد60.
- أحمد علي سالم، “الطائفية السياسية في لبنان”، مؤسسة الأهرام، ابريل 2013، المجلد13، العدد50.
- جوزيف حداد، “تأملات في الهوية والانتماء والطائفية“، المركز العربي الاقليمي للدرسات الاعلامية للسكان، ديسمبر 2001، العدد 104-105.
- حيدر سعيد، “دراسات الطائفية مابعد كتاب: الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة: الآفاق الممكنة“، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019، المجلد 7، العدد 27.
- ذيب اسليم القراله، ” الخريطة الطائفية في لبنان وأثارها السياسية“، جامعة عين شمس- كلية التربية- الجمعية المصرية للقراءة والمعرفة، سبتمبر 2015، العدد 167.
- ذيب أسليم، “الخريطة الطائفية في لبنان وأثارها السياسية”، جامعة عين شمس- كلية التربية- الجمعية المصرية للقراءة والمعرفة، سبتمبر 2015.
- سليم الحص، “الخريطة السياسية العربية من منظور لبناني”، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ابريل 2007، مجلد 29، العدد 338.
- سليمان تقي الدين، “الطائفية والمذهبية وآثارهما السياسية“، مركز دراسات الوحدة العربية، اكتوبر 2013.
- عادل غنيم،”الوجود الفلسطيني في لبنان والأزمة اللبنانية“، المنظمة العربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، 1981.
- عبدالرؤف سنو، “الحرب الاسرائيلية اللبنانية 2006- الخلفيات والمواقف والأبعاد“، حوار العرب، سبتمبر 2006، العدد22.
- عصام نعمان، “طائفية النظام اللبناني: الخلفية الأزمة والمخرج“، المستقبل العربي- مركز دراسات الوحدة العربية، 1984، المجلد7، العدد63.
- محمد سليمان، ” مستقبل حزب الله“، البيان، المنتدي الإسلامي، يناير 2015، العدد 311.
- محمد طي ،”المسألة الطائفية في لبنان”، دراسات عربية ، السنة العاشرة، 1973، العدد الأول.
- محمد علوش وآخرين، ” قراءة في تقرير: عصابات حزب لله تدمر لبنان”، البيان، المنتدي الاسلامي، ابريل 2017، العدد 359.
- محمود حمدي، “التهديدات المتصاعدة: المأزق السياسي للمسيحيين في لبنان“، المركز العربي للبحوث والدراسات، أغسطس 2015.
- محمود حيدر، “لبنان مفهوم الأمن الاسرائيلي”، مجلة شؤون الشرق الأوسط، يوليه 1994، العدد 31.
- مريم سلطان، “العصبية عند ابن خلدون والطائفية في لبنان“، شؤون اجتماعية، جمعية الاجتماعيين في الشارقة، 1986، المجلد 3، العدد 10.
- مصطفي عبدالعزيز، “أزمة لبنان والمآزق المتعددة إلي أين”، شؤون عربية، جامعة الدول العربية- الأمانة العامة، 2021، العدد 185.
- مصطفي عبدالعزيز، “الحدث اللبناني وتقويم تداعيات التباينات المذهبية السنية الشيعية“، شئون عربية، جامعة الدول العربية- الأمانة العامة، 2006، العدد 128.
- مني جلال عواد، “اشكالية تعاقب السلطة في لبنان”، مجلة العلوم السياسية، 2019، العدد 57.
- نيكولا بويغ، “حزب الله في بيروت 1995-2005 من الضاحية إلي المدينة“، المجلة العربية لعلم الاجتماع، 2011، العدد 14.
- هند الخرجي، ” مستقبل الديمقراطية التوافقية في العراق”، مجلة رسالة الحقوق السنة الخامسة، 2013، العدد 03
رابعاً المراجع الإلكترونية:
- بدون كاتب، “المطار للشيعة والأمن للسنة والكازينة للمورنة.. غرائب النظام اللبناني الذي أوصل الطائفية للجيش وحتي الإعدام”، عربي بوست، 1/9/2020، تاريخ الدخول: 15/4/2022.
- بي بي سي، “هل ينهي انتخاب ميشال عون رئيسا الأزمة السياسية في لبنان؟”، 28 اكتوبر 2016، تاريخ الدخول: 11/5/2022.
- محمد حسن، “2016 في لبنان .. عام الحل السياسي“، العين الاخبارية، 28/12/2016 ، تاريخ الدخول: 11/5/20220.
- عبد الروؤف سنو، “التعايش المأزوم لبنان من الميثاق الوطني إلى اتفاق الدوحة وتداعياته 1943 – 2011”، تاريخ الدخول 1/5/2022.
- بدون كاتب، “نظرة علي الحرب الاهلية في لبنان”، موقع DW، 2005، تاريخ الدخول: 20/4/2022.
- د. طارق فهمي، “لبنان.. تحديات صعبة وإشكالية مستمرة“، العين الإخبارية، 21/10/2021، تاريخ الدخول: 30-4-2021.
- بيان غريب، “مساحة لبان وعدد سكانها”، 2018، تاريخ الدخول: 28/4/2022.
- فرانس 24 ، “لبنان بلا رئيس إلي أجل غير مسمي”، 25/5/2014، تاريخ الدخول: 11/5/2022.
- بدون كاتب، ” نظريات التحليل الطبقي/ الجماعة/ النخبة”، 2/4/2020 ، تاريخ الدخول: 25/3/2022.
خامساً آخري:
- هاني نعيم، “الحتميات عند الأحزاب اللبنانية حزب الكتائب نموذجاً”، صحيفة الأخبار اللبنانية الصادرة في 19/9/2008.
- محمد أبي سمرا، “محطات في مسيرة الحركة الشيعية السياسية المسلحة”، جريدة النهار، العدد الصادر في 8/2/2006.
- محمد أحمد النابلسي، “الآثار المستقبلية للعدوان الاسرائيلي علي لبنان”، صحيفة تحولات لبنانية”، اغسطس 2006.
- إيمان مرداس، ” إشكالية النظام السياسي اللبناني من الدستور إلي الوفاق الوطني“، مقالة في التاريخ الحديث والمعاصر، 2020.
- المركز اللبناني للمعلومات، الواقع الديمغرافي في لبنان، 14 يناير 2013.
ثالثاً المراجع باللغة الانجليزية:
- A. Carl LeVan, “Power Sharing and Inclusive Politics in Africa’s Uncertain Democracies”, Governance: An International Journal of Policy, Administration, and Institutions (Oxford: Wiley Periodicals, Inc., Vol. 24, No. 1, January 2011).
[1] “المطار للشيعة والأمن للسنة والكازينة للمورنة.. غرائب النظام اللبناني الذي أوصل الطائفية للجيش وحتي الإعدام”، عربي بوست، 1/9/2020، متاح علي: https://cutt.us/q8hY1 ، تاريخ الدخول: 15/4/2022.
[2] بدون كاتب، ” نظريات التحليل الطبقي/ الجماعة/ النخبة”، 2/4/2020، متاح علي الرابط التالي: https://cutt.us/EahXh ، تاريخ الدخول: 25/3/2022.
[3] جوزيف حداد، “تأملات في الهوية والانتماء والطائفية“، المركز العربي الاقليمي للدرسات الاعلامية للسكان، ديسمبر 2001، ع 104-105، ص 219-223.
[4] حيدر سعيد، “دراسات الطائفية مابعد كتاب: الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة: الآفاق الممكنة“، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019، مجلد 7، العدد 27، ص 177-189.
[5] بيرج نعلبنديان، “النظام السياسي اللبناني ( الواقع والآفاق)”، ( دراسة أعدت لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية اختصاص دراسات سياسية، جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية، 2011)، ص 1- 158.
[6] إيمان مرداس، ” إشكالية النظام السياسي اللبناني من الدستور إلي الوفاق الوطني“، مقالة في التاريخ الحديث والمعاصر، 2020، ص1- 19.
[7] محمد الأمين، راهم علي، ” النظام السياسي اللبناني دراسة في المؤسسات والفواعل“، ( مذكرة مكملة لنيل شهادة الليسانس في العلوم السياسية تخصص علاقات دولية، جامعة 20 أوت 1995 سكيكدة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2015/2016)، ص 50-70.
[8] ذيب اسليم القراله، ” الخريطة الطائفية في لبنان وأثارها السياسية“، جامعة عين شمس- كلية التربية- الجمعية المصرية للقراءة والمعرفة، سبتمبر 2015، ع 167، ص269- 282.
[9] أبرات حوراني، “الطائفية والطوائف في لبنان“، منظمة التحرير الفسلطينية- مركز الأبحاث، أكتوب/نوفمبر 1976، ع60، ص 98، 108.
[10] أحمد علي سالم، “الطائفية السياسية في لبنان”، مؤسسة الأهرام، 2013أبريل ، المجلد13، العدد50، ص 91-85.
[11] سليمان تقي الدين، “الطائفية والمذهبية وآثارهما السياسية”، مركز دراسات الوحدة العربية، اكتوبر 2013، ص59071.
[12] A. Carl LeVan, “Power Sharing and Inclusive Politics in Africa’s Uncertain Democracies”, Governance: An International Journal of Policy, Administration, and Institutions (Oxford: Wiley Periodicals, Inc., Vol. 24, No. 1, January 2011), P. 33.
[13] أسامه محمد صالح، “اقتسام السلطة التوافقي والعنف السياسي الإثني في أيرلندا الشمالية”، (رسالة مقدمة للحصول علي درجة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية)، 2006، ص30-45.
[14] هند الخرجي، ” مستقبل الديمقراطية التوافقية في العراق”، مجلة رسالة الحقوق السنة الخامسة، العدد 03، 2013، ص 1.
[15] أحمد محمد منصور، “إدارة الصراعات الداخلية في المجتمعات التعددية: دراسة مقارنة بين حالتي لبنان واليمن”، )رسالة مقدمة للحصول علي درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، 2014)، ص 75-89.
[16] د. ذيب أسليم، “الخريطة الطائفية في لبنان وأثارها السياسية”، جامعة عين شمس- كلية التربية- الجمعية المصرية للقراءة والمعرفة، سبتمبر 2015، ص269-282.
[17] عصام نعمان، “طائفية النظام اللبناني: الخلفية الازمة والمخرج“، المستقبل العربي- مركز دراسات الوحدة العربية، المجلد7، العدد63، 1984، ص54-57.
[18] أسامة زيدي، “الطائفية الدينية وأثرها علي الاستقرار السياسي في الدولة (دراسة حالة لبنان)”، (مذكرة الماستر، جامعة العربي بن المهيدي: كلية الحقوق، 201602017)، ص67.
[19] المركز اللبناني للمعلومات، الواقع الديمغرافي في لبنان، 14 يناير 2013، ص 11-12.
[20] مسعود ضاهر، “تاريخ لبنان الاجتماعي (1926-1914)، دار المطبوعات الشرقية، بيروت، ط2، 1984، ص-55-58-59.
[21] محمد طي ،”المسألة الطائفية في لبنان”، دراسات عربية، العدد الأول، السنة العاشرة، 1973، ص74-75.
[22] فؤاد شاهين، “الرأسمالية اللبنانية فدرالية الطوائف“، بيروت: مركز البحوث الاشتراكية، 1973.
[23] آني لوران وأنطوان بصبوص، “الحروب السرية في لبنان”، دار مختارات، بيروت، 1988، ص192-194، راجع أيضاً: علي حسين الشامي: ندوة عودة الكفاءات اللبنانية المهاجرة، منشورات وزارة المغتربين،ط1، 1996، ص175.
[24] حسان حلاق، “مذكرات سليم علي سلام (1868-1938)”، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1982، ص84.
[25] عاطف عطية، “الدولة المؤجلة (دراسة في معقوقات نشوء الدول والمجتمع المدني في لبنان)”،بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، بيروت، ط1، 2000، ص136.
[26] باسم الجسر، “ميثاق 1943 لماذا كان ؟ وهل سقط ؟“، دار النهار للنشر، بيروت 1987، ص 324 – .3
[27] مريم سلطان، “العصبية عند ابن خلدون والطائفية في لبنان“، شؤون اجتماعية، جمعية الاجتماعيين في الشارقة، 1986، المجلد 3، العدد 10، ص38-40.
[28] عبد الروؤف سنو، “التعايش المأزوم لبنان من الميثاق الوطني إلى اتفاق الدوحة وتداعياته 1943 – 2011″، محاضرة موجودة على الرابط التالي : http://claudeabouchacra.wordpress.comK ، تاريخ الدخول 1/5/2022.
[29] محمود حيدر، “لبنان مفهوم الأمن الاسرائيلي”، شؤون الشرق الأوسط، العدد31، يوليه 1994، ص33.
[30]عادل غنيم،”الوجود الفلسطيني في لبنان والأزمة اللبنانية“،المنظمة العربية والثقافة والعلوم،معھد البحوث والدراسات العربية، 1981 ،ص 29.
[31] من حصاد الأيان، العمل: حزب الكتائب اللبنانية، بيروت: دار النهار للنشر، 1975، ص1.
[32] “نظرة علي الحرب الاهلية في لبنان”، موقع DW، 2005، متاح علي الرابط: https://cutt.us/hcBrL ، تاريخ الدخول: 20/4/2022.
[33] عارف العبد، “لبنان والطائف“، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2001، ص163.
[34] الدستور اللبناني الصادر في 23 مايو 1926، المادة 18، ص5.
[35] دستور لبنان الصادر عام 1926 المؤرخ في 1926 وتعيلات عام 1990 وعام 2004، مجلس النواب اللبناني، ص8-9.
[36] دستور لبنان، مرجع سبق ذكره، ص10.
[37] حسان بن نوي، “تأثير الاقليات علي استقرار النظم السياسية في الشرق الأوسط“، الإسكندرية: مكتية الوفاء القانونية، 2015،ص 156.
[38] شوكت أنشتي، “الأحزاب اللبنانية: قراءة في التجربة“،بيروت: مؤسسة الانتشار العربي،2004،ص 104-113.
[39] أنطوان نصري مسرة، “الأحزاب السياسية في لبنان: تجدد والتزام”، الطبعة الثانية، بيروت: المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، 2007، ص54-62.
[40] هاني نعيم، “الحتميات عند الأحزاب اللبنانية حزب الكتائب نموذجاً”، صحيفة الأخبار اللبنانية الصادرة في 19/9/2008.
[41] محمد أبي سمرا، “محطات في مسيرة الحركة الشيعية السياسية المسلحة”، جريدة النهار، العدد الصادر في 8/2/2006.
[42] بيان غريب، “مساحة لبان وعدد سكانها”، 2018، متاح علي الرابط التالي: https://mawdoo3.com ، تاريخ الدخول: 28/4/2022.
[43] محمد أحمد النابلسي، “الآثار المستقبلية للعدوان الاسرائيلي علي لبنان”، صحيفة تحولات لبنانية”، اغسطس 2006.
[44] عصام فارس، “التوافقية وإدارة التعددية في لبنان”، ط1، دار سائر للنشر والتوزيع، لبنان، 2013، ص134.
[45] مزابية خالد، “الطائفية السياسية وأثرها علي الاستقرار السياسي (دراسة حالة لبنان)”، مذكرة مقدمة لاستكمال شهادة ماستر أكاديمي في العلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح-ورقلة، 2013، ص60.
[46] د. طارق فهمي، “لبنان.. تحديات صعبة وإشكالية مستمرة“، العين الإخبارية، 21/10/2021، متاح علي الرابط التالي: https://al-ain.com/article/lebanon-difficult-challenges-persistent-problems ، تاريخ الدخول: 30-4-2021.
[47] عبدالرؤف سنو، “الحرب الاسرائيلية اللبنانية 2006- الخلفيات والمواقف والأبعاد“، حوار العرب، العدد 22، سبتمبر 2006، ص35.
[48] محمد سليمان، ” مستقبل حزب الله“، البيان، المنتدي الإسلامي، العدد 311، يناير 2015، ص 78-79.
[49] نيكولا بويغ، “حزب الله في بيروت 1995-2005 من الضاحية إلي المدينة“، المجلة العربية لعلم الاجتماع، 2011، العدد 14، ص 195.
[50] محمد علوش وآخرين، ” قراءة في تقرير: عصابات حزب لله تدمر لبنان”، البيان، المنتدي الاسلامي، العدد 359، ابريل 2017، ص70.
[51] نعيم قاسم، “حزب الله المنهج التجرية المستقبل”، لبان ومقاومته في الواجهة“، بيروت، دار المحجة البيضاء، ط7 ، 2010م، ص29-30.
[52] مصدر سبق ذكره انظر المرجع 52، ص 602.
[53] مصطفي عبدالعزيز، “الحدث اللبناني وتقويم تداعيات التباينات المذهبية السنية الشيعية“، شئون عربية، جامعة الدول العربية- اللأمانة العامة، العدد 128، 2006، ص15.
[54] مجموعة من الباحثين، “الشيعة في لبنان من التهميش الي المشاركة الفاعلة“، دار المعارف الحكمية، الطبعة 1، 2012، ص312-316.
[55] سليم الحص، “الخريطة السياسية العربية من منظور لبناني”، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، مجلد 29، العدد 338، ابريل 2007، ص9.
[56] شادي أحمد، “إدارة الصراعات الداخلية في المجتمعات التعددية: دراسة مقارنة بين حالتي لبنان واليمن”، رسالة للحصول علي درجة الماجستير في العلوم السياسي، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2014، ص193-200.
[57] مصطفي عبدالعزيز، “أزمة لبنان والمآزق المتعددة إلي أين”، شؤون عربية، جامعة الدول العربية- الأمانة العامة، العدد 185، 2021، ص52.
[58] مني جلال عواد، “اشكالية تعاقب السلطة في لبنان”، مجلة العلوم السياسية ن العدد 57، 2019، ص 190-192.
[59] فرانس 24 ، “لبنان بلا رئيس إلي أجل غير مسمي”، 25/5/2014، متاح علي الرابط التالي: https://www.france24.com/ar/20140525-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%BA-%D8%B3%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3 ، تاريخ الدخول: 11/5/2022.
[60] بي بي سي، “هل ينهي انتخاب ميشال عون رئيسا الأزمة السياسية في لبنان؟”، 28 اكتوبر 2016، متاح علي الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/interactivity-37782831 ، تاريخ الدخول: 11/5/2022.
[61] محمد حسن، “2016 في لبنان .. عام الحل السياسي“، العين الاخبارية، 28/12/2016، متاح علي الرابط التالي: https://al-ain.com/article/lebanon-political-solution ، تاريخ الدخول: 11/5/20220.