ما بعد الاستفتاء .. أبعاد ودلالات ضم روسيا لمناطق أوكرانية
بقلم : عصام عبدالمنعم البدري – باحث في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية
- المركز الديمقراطي العربي
فيما لاتزال المعارك مستمرة ومع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها الثامن، انتهت عمليات الاستفتاء التي كانت قد أعلنتها السلطات التي عينتها موسكو في أربع مناطق أوكرانية في 20 سبتمبر بشأن الانضمام لروسيا والتي تبدأ من 23 سبتمبر وتنتهي 27 سبتمبر.
نُظمت الاستفتاءات في منطقتي لوغانسك ودونيتسك و خيرسون وزابوريجيا، وجاءت نتائج الاستفتاء لصالح الانضمام لروسيا حيث أعلنت المفوضية الانتخابية في منطقة زابوريجيا أن 93,11% من الناخبين صوتوا لصالح الارتباط بروسيا بشكل أولي بعد فرز 100% من الأصوات. فيما قالت إدارة منطقة خيرسون أن 87,05% من الناخبين صوتوا لصالح الانضمام لروسيا، أما بشأن بمنطقتي لوغانسك ودونيتسك فكانت نتيجتهما مُعلنة بنسبة 98% لصالح الانضمام لروسيا منذ بدء العملية العسكرية.
استمرار التصعيد
هكذا انتهت عملية الاستفتاء لصالح الانضمام لروسيا وسط موجه عارمه من التنديدات والإدانات الغربية لقرار إجراء الاستفتاء وإن كانت النتيجة محسومة مسبقًا، حيث رفضت الأمم المتحدة والدول الأوروبية أية محاولة لتغيير الوضع القانوني لتلك المناطق. وكان وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية “أنتوني بلينكن” قد صرح بأن: الغرب لن يعترف مطلقًا بالاستفتاءات التي نظمتها روسيا في أوكرانيا. فيما ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” بالاستفتاءات واصفًا إيها بأنها غير قانونية وتم التلاعب بنتائجها، أما الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” فلم يُعير عملية الاستفتاء أي أهمية مُثمنًا على إدانة الغرب لها.
عكس إعلان موسكو التعبئة العسكرية الجزئية لما يقرب من 300 ألف جندي تطورًا خطيرًا للأزمة أصبحت بموجبه البلاد بعد موافقة الكرملين على القرار في حالة الحرب بشكل رسمي ويُستدل من إعلان بوتين لقرار التعبئة حاجة روسيا لتحقيق نصر عسكري سريع حفظًا لماء الوجه ولتعويض ما خسرته الشهر الماضي من جراء الهجوم العسكري المضاد الذي شنته القوات الأوكرانية والذي أفقد روسيا قرابة 8 آلاف كيلومتر من الأراضي التي كانت قد أعلنت السيطرة عليها سابقًا فضلًا عن خسارة ما يقرب من 20 ألف جندي منذ إندلاع الحرب، ناهيك عن حاجة روسيا لمزيد من القوات لسد العجز في صفوف قواتها لتأمين عمليات الاستفتاء ولمحاولة وقف الدعم الغربي لأوكرانيا. وعلى صعيد آخر قُوبل تصعيد موسكو بتصعيد مماثل تجلى في إعلان كييف رفضها لنتائج عمليات الاستفتاء ودفع قواتها لمواصلة العمليات العسكرية و حث الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على ضرورة زيادة الدعم العسكري المُقدم لأوكرانيا لتحرير الأراضي المحتلة، وكذلك تشديد العقوبات المفروضة على روسيا.
عقب إعلان نتائج الاستفتاء الأربعاء 28 سبتمبر والتي جاءت لصالح الانضمام لروسيا أعلن البنتاغون عن تقديم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 1.1 مليار دولار لتبلغ قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا 16.2 مليار دولار منذ بدء الهجوم الروسي في 24 فبراير الماضي، وتهدف هذه الحزمة من المساعدات إلي تعزيز دفاعات أوكرانيا إذا ما طورت القوات الروسية هجومها غربًا، فيما أكدت “كارين جان بيار” المتحدثه باسم البيت الأبيض في بيان أدلت به “التزام الولايات المتحدة بمواصلة دعم أوكرانيا على الأمد الطويل”
تعقيدات المشهد
تعكس الأوضاع الحالية ما وصلت إليه الأزمة من تطورات ألقت بظلالها على الوضع الإقليمي والعالمي متمثلة في الأزمة الاقتصادية التي تزداد حدتها يومًا بعد يوم واستمرار نزوح ملايين اللاجئين فضلًا عن أزمات الطاقة ونقص الغذاء وحالة التضخم التي تسود العالم وغيرها من المؤشرات التي تُنذر بوضع كارثي، فبينما يأمل العالم انتهاء الأزمة تشير المعطيات إلي أن الأزمة دخلت مرحلة جديدة أكثر خطورة وسط تعنت طرفي الحرب واستمرار الأطراف غير المباشرة في دعم حربها بالوكالة وتقديم الدعم لطرفي القتال في ظل جمود المفاوضات إذ أعلن الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكيط: أنه لا يمكن لبلاده أن تتفاوض مع موسكو بعد الاستفتاءات التي نُظمت في 4 مناطق أوكرانية مشيرًا إلي محاولة روسيا تكرار سيناريو القرم 2014 ، بينما علق نائب رئيس مجلس الأمن الروسي “دميتري ميدفيدف” على نتائج الاستفتاء بالقول: الاستفتاءات قد انتهت. النتائج واضحة. مرحبًا بكم في منزلكم روسيا.
وصلت المفاوضات الروسية الأوكرانية مرحلة اللاعودة وفقًا لأخر تطورات المشهد إذ يرفض طرفي الأزمة الجلوس على طاولة المفاوضات إلا بشروط تكاد تكون تعجيزية فبينما تطالب موسكو أوكرانيا بالقبول بالوضع الراهن وتطلب من الناتو تقديم الضمانات الأمنية الكافية على حد قولها، تطالب أوكرانيا روسيا بالانسحاب من كافة أراضيها بما فيها شبه جزيرة القرم، ووسط تعنت كافة الأطراف وتمسك كل طرف بمبادئه وصلت المفاوضات لحائط مسدود.
وبرفض كافة الأطراف الجلوس على طاولة المفاوضات وصلت مجريات الحرب في أوكرانيا إلي حافة كارثية تُنذر بنتائج لا يُحمد عقباها إن لم يُقدم الغرب بقيادة أمريكية أساسًا على رفع مستوى تهديدهم لروسيا في ظل التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية في محاولة منهم لخلق حالة من التوازن أو الردع المتبادل توثني روسيا عن تهديداتها الأخيرة بامكانية استخدام الأسلحة النووية.
انعكاسات متعددة
وتأسيسًا على ما تم ذكره من معطيات لها دلالاتها وعليه فإن الحرب الروسية الأوكرنية من المرجح أن تتجه لمزيد من التصعيد تتجلى أسمى آياته في مجئ نتائج الاستفتاء لصالح الانضمام لروسيا كما كان متوقع إذا ما رجعنا لسيناريو القرم 2014 ، لذلك فإنه من المرجح أن يعقد مجلس الدوما الفترة المقبلة جلسة للتصويت على نتائج الاستفتاء بضم هذه الأقاليم للاتحاد الروسي وهو ما يستتبعه إعلان بوتين في خطاب رسمي أن هذه الأقاليم أصبحت جزء من الاتحاد الروسي ويقع على عاتق الجيش الروسي وفقًا للقوانين والعقيدة النووية الروسية حماية هذه الأقاليم وهو ما يتيح لبوتين أستخدام كافة الأوراق للدفاع عن وحدة الأراضي الروسية بما فيها استخدام الأسلحة النووية إذا تطلب الأمر.
وعلاوة على ذلك فإنه من المرجح أن تميل الكفه لصالح روسيا وفقًا للمكاسب الميدانية الحالية وبالأخص مع إقتراب فصل الشتاء وانشغال الدول الأوروبية بأزمات الطاقة وارتفاع مستوى التضخم فضلًا عن انشغال بعض الدول بتطور أوضاعها الداخلية وصعود اليمين المتطرف في بعض الأنظمة وهو ما يشكل خطورة على موقف الاتحاد الأوروبي الموحد تجاه روسيا. وخلاصة القول إن لم تنتهي الأزمة قبل دخول فصل الشتاء فإن التقديرات والمؤشرات الحالية تنم عن مرحلة قد لا يستطيع أيًا من أطرافها تحمل تبعاتها.