المجلس القومي التأسيسي التونسي : الدستور الذي أراده الحبيب بورقيبة 1955- 1959
Tunisia's National Constituent Assembly: The Constitution Wanted by Habib Bourguiba -1955-1959)
تأليف : د. عبد الرحمان بنكرارة
نسخة “pdf”-
المجلس القومي التأسيسي التونسي – الدستور الذي أراده الحبيب بورقيبة 1955- 1959
الطبعة الأولى “2022″ –من كتاب: –
المجلس القومي التأسيسي التونسي: الدستور الذي أراده الحبيب بورقيبة 1955- 1959
جميع حقوق الطبع محفوظة #المركز_الديمقراطي_العربي ولا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو اي جزء منه أو تخزينه في نطاق إستعادة المعلومات أو نقله بأي شكل من الأشكال، دون إذن مسبق خطي من الناشر .
تقديم :
تعتبر التجربة التونسية رائدة العالم العربي والمغاربي في إرثها الدستوري، فقد عرفت صدور أول دستور لها سنة 1861، إذ يعتبر من الناحية السياسية امتدادا لقانون “عهد الأمان” الذي وضعه المشير محـمد باي الثانيبتاريخ 10 شتنبر 1857[1]. وشكل هذا القانون من ناحية أخرى، امتدادا أيضا للإصلاحات التي قام بها أحمد باشا باي في المجالات الاجتماعية والعسكرية والتعليمية، فقد كانت خلفيات وضع هذا القانون هو استمرار سلسلة هذه الاصلاحات عبر مقتضيات قانونية، تضمن المساواة بين سائر سكان البلاد على اختلاف مذاهبهم في الحقوق والواجبات، سواء تعلق الأمر بالحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية، كما نص على إحداث مجالس قضائية للنظر في أحوال الجنايات من نوع الإنسان والمتاجرالتي بها ثروة[2].
تميزت مقتضيات دستور 1861 بخصائص وقواعد الدساتير المقارنة آنذاك[3]، وعلى الرغم من النقائص التي شابت هذا الدستور، كاعتماده مبدأ التعيين في عضوية المجلس الأكبر الذي يمارس رقابة على الباي،مما يجعل هذا المجلس يدخل ضمن النفوذ المطلق لهذا الأخير.
لم يكتب لهذا الدستور التعمير كثيرا، فقد عملت الأطراف المنتفعة من الحكم المطلق للباي على إبطال العمل به، فكانت المعارضة تأتي من كل الاتجاهات السياسية، من مسؤولين كبار بالدولة وعلى رأسهم الصادق باي نفسه، كما عارض هذا الدستور قناصل من بعض الدول الأجنبية، خاصة قنصل فرنسا آنذاك، بل حتى العامة من الناس.
في هذا الإطار، ينقل لنا الشيخ بن أبي الضياف بكل مرارة الأجواء التي أحاطت بدستور 1861: “… تملق وتزلف وافترى على الله، ولفرط بن عربان لمحبتهم في أميرهم، كبر جورهم، وخير لهم من غير عدل، ولسان حالهم يكذبه … ومن العجب أن بعض السفهاء أتى الباي بهم وقال لهم في معرض التزلف (إن الناس لما رأوا ضرب العصا، صار بعضهم يهنـئ بعضا بقولهم الحمد لله على هذه الساعة)، وإن كان ذلك يميل إليه بعض النفوس الخبيثة من الرعاع الأرذال…”[4].
هذا، وفي سياق فرض نظام الحماية الفرنسية على الدولة التونسية سنة 1881، أي بعد 17 سنة من تجميد العمل بهذا الدستور، لم تتمسك الحركة الوطنية التونسية بهذه الوثيقة الدستورية الأولى على عربيا ومغاربيا،إذ طالبوا بدستور جديد مستوحى من الإصلاحات السياسية التي أقرتها إيطاليا في ليبيا.
فمنذ فجر القرن العشرين سترتبط الحركة الوطنية التونسية في مقاومتها للاستعمار الفرنسـي ارتباطا وثيقا بمطلب الدستور، وقد انعكس ذلك في اتخاذ الحزب الذي قادها اسم “الحزب الحر الدستوري”، ليستمر هذا البعد والتأثير الدستوري حاضرا في تسمية الحزب الذي تولى حكم البلاد بعد مرحلة الاستقلال، فمن “الحزب الحر الدستوري” سواء القديم ثم الجديد إلى “الحزب الاشتراكي الدستوري”، ثم إلى “التجمع الدستوري الديمقراطي”[5].
تعتبر سنة 1956 مرحلة مهمة في تاريخ تونس السياسي،
وهكذا، ستكون سنة 1956مرحلة سياسية مهمة وكبوّابة لتجسيم مطالب مختلف أجيال الحركة الوطنية والإصلاحية التونسية ، ففي هذه المرحلة وُضعت قيادة الحركة الوطنية والمتمثلة أساسا في الحزب “الدستوري الجديد”، أمام مسؤوليات تاريخية، لقيادة مشروع بناء الدولة الوطنية المستقلة وفق قواعد دستورية نابعة عن تعاقدات اجتماعية ومواثيق سياسية، تستجيب لكل المطالب الاجتماعية والسياسية التي رفعتها المقاومة الشعبية وكذا حركات التحرر الوطني.
وعلى الرغم من الحضور العسكري في عدّة مناطق من البلاد، أهمها على الإطلاق مدينة بنزرت، التي تتميز بموقعها الاستراتيجي بجنوب مضيق مسّينا الفاصل بين حوضي المتوسط، إلا أن ذلك لم يمنع الفاعلين في هذه المرحلة الانتقالية من انتخاب مجلس قومي تأسيسي، يتولى وضع أول دستور لتونس المستقلة.
فإذا كانت معظم الدراسات التي تنهل من مبادئ القانون الدستوري، تتفق حول كون أن الجمعية التأسيسية الأصلية المنتخبة هي أكثر الأساليب ديمقراطية في وضع الدساتير إلى جانب آلية الاستفتاء الدستوري، فإن هذه الدراسة باعتمادها مقاربة تمزج بين مناهج والأطر النظرية للقانون الدستوري، ومن جهة أخرى، وما يتيحه المنهج التاريخي كمعمل للتجارب في العلوم الاجتماعية، سنبين كيف تم التحكم والهيمنة على هذا المجلس القومي التأسيسي التونسي ليقوم بأدوار ومهام تؤسس لنظام حكم الفرد، وذلك من خلال:
- – اعتماد نظام انتخابي للتحكم في نتائج الانتخابات التأسيسية؛
- – التحكم في سير وأشغال المجلس القومي التأسيسي؛
- – الدفع بالمجلس التأسيسي لممارسة مهام وصلاحيات غير تأسيسية.
عموما، لا يمكن للباحث في التاريخ السياسي التونسي، أن يبخس من الجهود والتضحيات التي قدمها الشعب التونسي بمكوناته السياسية والاجتماعية، في سبيل بناء الدولة الوطنية المستقلة، في سياق الولادة غير المكتملة للاستقلال، وذلكبالنظر للحضور غير المباشر للمستعمر الفرنسي.
كما ستعرف تونس أيضا تحديا سياسيا بسبب الصراع حول السلطة، بسبب الحرب الأهلية التي كادت أن تعصف برصيد الحركة الوطنية الذي حققته على امتداد خمس وأربعين سنة من التضحيات والإنجازات والانتكاسات، وهو ما يجعل من المجلس القومي التأسيسي التونسي، مرغما تحت قيادة الحبيب بورقيبة على تجاوز وظيفته التأسيسية التي أنتخب على أساسها.
- الناشر: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية