السوق السوداء وتأثيراتها على الدولة
اعداد:
- محمد خالد باجري – كلية الحقوق والعلوم السياسية/ جامعة الملك سعود/المملكة العربية السعودية
- المقرر: البحث العلمي (ماجستير) : د. طلال ضاحي
الملخص:
تهدف هذه الدراسة الى معرفة أهم الجوانب المتعلقة بالسوق السوداء وكيف تؤثر على الدولة، ستتناول الدراسة تاريخ بدء النقود والتعامل بها، وظهور نظام بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية، أيضا تعريف لنظام الصرف العائم، وماهي السوق السوداء وكيفيه الظهور وأهم الخصائص، وطرق قياسها، والاستعانة بتجارب بعض الدول لمكافحتها، وتركز الدراسة أيضا على السوق السوداء للعملات بمصر من فترة 2011 الى 2020م، حيث تهتم الدراسة بكل الجوانب المتعلقة بسوق العملات السوداء وكفيفه ظهورها ومصادرها، وتوصلت الدراسة أن السوق السوداء تتواجد بالمجتمعات العربية بشكل كبير، وأثرت بشكل سلبي عليها، فتسببت بضعف الاقتصادي فيها وانهيار عملتها، أيضا تسببت بتأثيرات اجتماعية من حيث ضعف قابلية التعليم وعزوف الكثير من الجماهير العربية الى العمل بالسوق السوداء لجني الربح السريع، أيضا بعض التأثيرات السياسية السلبية من حيث الفساد الموجود بالبيروقراطية.
Abstract
This study aims to identify the most important aspects related to the black market and how it affects the country, The study will address the history of the beginning of dealing with money, the emergence of the Bretton Woods system after World War II, as well as the definition of the floating exchange system, what the black market is and how it appears and its importance. Its characteristics and methods of measuring and benefiting from it with the experiences of some countries to combat it. The study also focuses on the black market for currencies in Egypt from 2011 to 2020, where the study is concerned with all aspects related to the black market for currencies in Egypt. In terms of its appearance and sources, its impact on the economy and the collapse of the currency, as well as the social effects in terms of educational weakness, the withdrawal of many Arab peoples from schools, and going to work in the black market, to make a quick profit, as well as political repercussions in terms of corruption in the bureaucracy.
المقدمة:
كثرة في الآونة الأخيرة الازمات الاقتصادية في الدول العربية، وانهيار بعض العملات الوطنية، وعدم الاستطاعة لمواجهة ذلك الانهيار وإصلاح ميزان المدفوعات، بما يسبب ذلك الى ظهور السوق السوداء، وتفاقمها بشكل يصبح من المستحيل مواجهتها، بل أن بعض الدول أصبحت معترفة بالسوق السوداء رسميا وتعمل معها!!
وتشهد الكثير من الدول العربية انهيار وسقوط عملتها مقابل الدولار الامريكي، ثم يتوجه الكثير من هم بحاجة الى دولارات الى السوق السوداء للعملة، وتكاثرت تلك الظاهرة في العالم العربي بما تسبب من اضرار جسيمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ونذكر بالدراسة أهم جوانب تلك الظاهرة، فنذكر أولا تاريخ التعامل بالنقود كيف ظهرت وكيف تطورت، ثم تنقل الى نظام بريتون وودز، ذلك النظام الذي ظهر به الدولار الأمريكي كمهيمن دولي وكبديل عن قاعدة الذهب، ثم نتعرف على اهم نظم الصرف المعمول بها بالدول الان، وسندرس السوق السوداء بكل جوانبها، من حيث تعريفها، كيفيه ظهورها، أسبابها، ومتطلباتها، وطرق مكافحة تلك الظاهرة، ثم نركز على السوق السوداء للعملة في الدول العربية، وكيف تساهم في التأثير على اقتصاديات الدول العربي، وكيف هي الية ظهورها؟ ثم نأخذ مصر كحالة تعاني من السوق السوداء للعملات، ونقوم بدراسة كيف عانت مصر ثم نقدم بعض المقترحات والتوصيات لمكافحة تلك الظاهرة.
مشكلة الدراسة:
ستمحور الدراسة على إجابة السؤال الرئيسي لهذي الدراسة والسؤال الرئيسي سيكون كيف تؤثر السوق السوداء على الدولة؟
ينتج عن ذلك السؤال عدة تساؤلات:
- 1-ما هو تاريخ وقصة ظهور العملة النقدية؟
- 2-ما هي السوق السوداء وما ارتباطها بالعملة؟
- 3-ما الأسباب التي أدت الى ظهور السوق السوداء؟
- 4-ماهي الطرق مواجهة السوق السوداء؟
-اهداف الدراسة:
ستتعرف الدراسة عن مشكلة انهيار العملة وارتباطها بالسوق السوداء وكيف تظهر السوق ثم سنقوم بتوصل الى حلول لمواجهة السوق السوداء.
سيتم الاستعانة بالمصادر المكتبية لدراستي والادبيات العلمية.
-أهمية البحث:
تبرز أهمية البحث ما يواجه العالم اليوم من أزمات اقتصادية تؤثر على الاستقرار السياسي، فسيحاول البحث لأزاحه تلك المشاكل الاقتصادية والمرتبطة بالسوق السوداء.
-المنهج الدراسة:
سيتم الاستعانة لدراسة حالة الدول العربية من حيث ظهور السوق السوداء فيها، أيضا سنقوم باستخدام المنهج التحليلي الوصفي لدراسة كل جوانب السوق السوداء من حيث تعريفها، وطرق ظهورها، وخصائصها، وطرق مكافحتها، أيضا سيتم استخدام المنهج المؤسسي لتحديد المخرجات والحلول التي ستطبق لمكافحة السوق السوداء، أيضا سيطبق المنهج المقارن لمقارنة بين العمليات بعض الدول العربية وكيف حاربت السوق السوداء بها.
-الحدود الزمانية والمكانية للبحث
حدود مكانية: سنركز على المتغيرات الاقتصادية التي حدثت بمصر وأسباب انهيار عملتها، حيث عانت مصر الكثير من السوق السوداء، وخصوصا السوق السوداء للعملات ولهذا سنركز أكثر على الحالة المصرية.
حدود زمانية: سنركز على المتغيرات التي حدثت في بعد الحرب العالمية الثانية، واعتراف منظمة العمل الدولية حول السوق السوداء وتعريفها لها الى عام 2020.
-تصميم البحث:
يتكون البحث من مقدمة تشرح فيه أهمية البحث واهداف البحث، ثم يتكون من اربعة مباحث، المبحث الأول عن تاريخ العملة والتغير في أسعار الصرف، ثم المبحث الثاني عن تعريف السوق السوداء وكيف تأثر في أسعار الصرف، ثم المبحث الثالث سيكون دراسة حالة مصر والسوق السوداء فيها، ثم الخاتمة وهلي ملخص الدراسة الي سنقوم بها.
1-المبحث الأول: 1-1 تاريخ التعامل بالنقود، ونظام بريتون وودز:
بالبداية كان يتعامل الناس بالمقايضة، أي تبادل المباشر بين الطرفين للسلع المرغوبة والتي يريدونها، وجاء المال في الوقت اللاحق مع تطور شكله من الأشياء الطبيعية الى النقود المعدنية الى العملات الورقية الى الأموال الرقمية، وقد استخدم البشر العملة كوسيلة لتبادل، وطريقة للدفع ومعيار للقيمة ومخزن للثراء، وهو يجمع المجتمعات المختلفة وهو وسيلة لأحكام سلطة الدولة وربطها بالمجتمع.
اتجه الفكر الى وسيط سهل الحمل عظيم القيمة له من المميزات ما يحفظه من عوامل التلف والتأجج بين الزيادة والنقصان فاتخذوا الوسيط للتبادل من المعادن النفيسة (كالذهب)على شكل سبائك وقطع غير مسكوكة، غير ان اختلال أنواعها وعدم وجود سكة لها أدى التلاعب في وزنها، والصعوبة في تقديرها فتدخل الحكام ورأوا احتكار اصدار الوسيط، وأن يكون قطعا متنوعة من المعادن معلومة الوزن مختوما ما يدل على مسؤولية الحاكم عنها.
يعود نجاح العملات النقدية الى حد كبير الى قابليتها، وقوة تحملها وقابلية نقلها، والقيمة الكامنة فيها بالإضافة الى سيطرة القادة السياسيين على انتاج القطع النقدية من التعدين والصهر وضمانهم لها، وتعد العملة الوطنية مبدأ جامع في المجتمعات مثل اللغة المشتركة او الدين المشترك.
لعلماء الاقتصاد ثلاث نظريات في سر قابلية النقد للتبادل العام، قد تكون كل منها صحيحة في فترة ما (أبحاث هيئة كبار العلماء).
الأولى: النظرية المعدنية: إن النقد مادة لها قيمة في نفسها قبل اتخاذها وسيطا للتبادل فلذلك حصلت الثقة بها، وكانت ذات قابلية -عامة للوساطة في التبادل، وهذه النظرية صحيحة حينما كان النقد معدنيا، أما اليوم فإن النقد كل ما لقي من الناس قبولا عاما، وثقة في اعتباره وسيطا للتبادل، فيدخل في ذلك النقد الورقي سواء أكان له غطاء حسي أم كان من اعتبار الحاكم له وسيطا وضمانه له.
الثانية: النظرية السلطانية: وهذه النظرية تقول بأن أمر السلطان هو الذي أكسب النقد قبولا عاما، وثقة به، ولا شك أن مجرد أمر السلطان لا يكفي في ذلك دون أن يستند إلى مبرر يضمن اطمئنان الأمة إلى هذا الوسيط؛ لتقف إلى جانب السلطان وتنفذ أمره طائعة مختارة.
الثالثة: النظرية النفسانية: بأن النقد هو الذي تطمئن النفس إلى اعتباره ذات قيمة في جوهرة، وأن يحقق المبتغى منه والشعور لذلك.
(أهمية مادية+ أهمية سلطانية(حماءيه)+أهمية نفسية)
في ثلاث النظريات لعلماء الاقتصاد نرى ان النظرية الأبرز هي النظرية السلطانية أي بمعنى صدور او احتكار السلطان للنقد وضمانه له، وكلما ازداد الضمان كلما اتسع اطمئنان الناس لهذا النقد او لتلك العملة، عندها تبرز قيمة العملة باعتبارها ذات وسيط للحصول على ما نريد!!
1-2 قاعدة بريتون وودز:
قبل قيام حرب العالمية الأولى، كان العالم يسير على قاعدة الذهب وتقتضي هذه القاعدة ان تحدد كل دولة قيمة عملتها بوزن معين من الذهب، وهو يعني ثبات أسعار الصرف بين العملات على أساس اوزان الذهب في كل منها، ويحدث خضوع التوازن الداخلي في كل دولة لمقتضيات التوازن الخارجي، فعند حدوث اختلال في موازين المدفوعات بين الدول تسعى تلك الدول الى إعادة التوازن في العلاقات الدولية، وخروج ودخول الذهب يعني التغيير في مستويات الأسعار الدخول بين الدول، وقاعدة الذهب تفقد الدول القدرة على اتخاذ سياسات اقتصادية داخلية مستقلة، وتخضع هذه السياسات لظروف التوازن الخارجي.
وخلال فترة ما بين الحربين مر العالم بتجربة قاسية بعد ترك قاعدة الذهب وثبات الأسعار الصرف، بدأت بالأخذ بتقلبات أسعار الصرف، والدخول في حروب تنافسية لتخفيض أسعار العملات، واكتساب الأسواق الجديدة وانتهت بفرض القيود على التجارة الدولية.
بعد ان خرج العالم محطما من الحرب العالمية الثانية، لم يكن هناك من اقتصاد سليم سوى الاقتصاد الأمريكي، فالاقتصاد الأمريكي لم يخرج من الحرب سليما فقط دون أي إصابات بل ان الحرب لم تضعف الإنتاج المدني بقدر ما اضافت اقتصادا عسكريا الى جانب الاقتصاد المدني، فالطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة الامريكية زادت مع الحرب ولم تنقص، وعلى العكس من ذلك كان حال دول العالم التي خرجت محطمة تماما.
دعت الحكومة الامريكية 44 دولة للاجتماع في يوليو/تموز بمدينة بريتون وودز في ولاية نيو هاميشير للاتفاق على نظام نقدي دولي جديد، بغية تأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي.
والهدف من اتفاقية بريتون وودز هو إيجاد نوع من الثبات في السياسات النقدية وأسعار الصرف بين دول العالم عبر وضع الية لنقل رؤوس الاموال بين الدول لتسهيل التجارة العالمية وربطها.
من المهم ان نلاحظ هنا ان نظام بريتون وودز قد اخذ بنظام ثبات أسعار الصرف، وبذلك يتفق في وجه مع القاعدة الذهب التي كانت سائدة قبل الحرب العالمية الأولى، فان هناك اختلافات جوهرية أخرى.
في ظل نظام بريتون وودز فان الدول لم تتخلى عن سياستها الداخلية المستقلة ولم تخضعها لاعتبارات قاعدة الذهب فكل دولة كانت تقوم بتحديد سياستها الداخلية من حيث مستوى الأسعار الدخول بصرف النظر عن اعتبارات التوزان الخارجي، ولذلك فقد واجه نظام بريتون وودز منذ البداية عقبات لم تعرفها قاعدة الذهب.
لم يتضمن نظام بريتون وودز عند انشائه سوى وسيلة واحدة للمدفوعات الدولية هي الذهب، واتفق على ان يقوم صندوق النقد الدولي بمنح الدول، والتي تعاني من عجز قروضها تمكنها من مواجهة العجز في حالات معينة.
برز هينة الدولار الأمريكي في المؤتمر إذا يقوم المؤتمر على أساس جديد هو قاعدة الصرف بالدولار الذهبي على أساس مقياس التبادل الذهبي وبذلك تحول الدولار الأمريكي من عملة محلية الى عملة احتياطية دولية.
ويتمتع المحتكر الدولي الاقتصادي بإصدار النقود وطنية كانت او دولية بالاستلاء على أرباح ومكاسب نتيجة قيامه بإصدار هذه النقود، والدول لا تحصل على الدولارات الا مقابل تنازلها عن أصول مختلفة في حين ان الولايات المتحدة لا تتكلف شيئا لإصدار الدولارات.
الولايات المتحدة الأمريكية كانت تقدم دولاراتها للدول المختلفة لكي تحتفظ بها هذه الدول كاحتياطي، وتحصل أمريكا مقابل ذلك على ملكية واستثمارات كبيرة في تلك الدول، وقد كان هذا هو السبب الأساسي الذي اثار بعض الدول الى محاولة العودة الى نظام الذهب.
مع استمرار زيادة الحاجة الى السيولة الدولية ومن ثم الى الدولار، وعدم نمو الذهب بالمعدل نفسه، وجدت الولايات المتحدة الامريكية نفسها وقد تراكمت عليها الديون القصيرة الاجل في الوقت نفسه الذي لم تتم فيه احتياطاتها من الذهب ومن احتمالات المضاربة على الذهب من ناحية.
ساعدت حرب فيتنام على زيادة الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة، مما اضطرها الى اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي زعزعت مركز الدولار الدولي، وقد بدأت هذه الإجراءات بمنع جزئي لتحويل الدولار في مارس 1968.
استمر العمل بهذا النظام الى عام 1971 عندما أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون وقف قابلية تبديل الدولار الى الذهب، تحول بعد ذلك نظام النقد الدولي الى نظام الدولار الورقي، وبدأ العالم في التفكير في إعادة النظر في النظام القائم، فشكلت في صيف 1972 في جنيف اللجنة الوزارية للإصلاح نظام النقد الدولي.
بدأت الدول في تعويم عملاتها، وأصبح التعويم وتقلبات أسعار الصرف هي الظاهرة الغالبة على رغم ما كانت تقضي به اتفاقية صندوق النقد الدولي من ضرورة تثبيت أسعار الصرف، واستمرت المحاولات للبحث عن حل شامل يعتمد على ثبات أسعار الصرف حتى وقعت ازمة البترول ورفعت أسعاره.
في نهاية 1976 كان للدول حق اختيار نظام الصرف، وهو حل يوفق بين رغبة الولايات المتحدة الامريكية في الاخذ بنظام التعويم.
أصبح النظام النقدي الدولي هجينا غير معروف الهوية، فهو نظام يقوم على الدولار، وهو نظام يعتمد أساسا على تعويم العملات، وهو نظام لا يضع أي ضوابط على الدولار الورقي بعد تحرره من القابلية للتحويل الى ذهب، وظهر أنظمة الصرف بأشكالها المتعددة.
1-3 تعريف أسعار الصرف:
هو معدل تبادل العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية، أي هو سعر العملة المحلية بالنسبة للعملة او العملات الأجنبية، وهو سعر نسبي ترتبط به العملات المختلفة، كما يعبر سعر الصرف عن العلاقة العكسية لأسعار السلع او الخدمات بين الدولة المعنية والدول الأخرى، وهو يجسد أداة الربط بين الاقتصاد المحلي وباقي الاقتصاديات.
تعريف اخر سعر الصرف هو السعر النسبي لعملة نقدية مقارنة بعملة أخرى، فهو عدد الوحدات من عملة نقدية أجنبية التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة من العملة الوطنية، ويعبر عن هذا المصطلح بطريقة عكسية، ويفيد حينها عدد الوحدات من العملة الوطنية اللازمة للحصول على وحدة من العملة الأجنبية، ويوجد نظامان معروف في أسعار الصرف للعملات اليوم:
أ-أنظمة سعر الصرف الثابتة:
في ظل هذه الأنظمة يتم تثبيت سعر العملة اما في شكل عملة واحدة تتميز بمواصفات معينة كالقوة والاستقرار(كالدولار)، وفي هذا الإطار تعمل الاقتصاديات على تثبيت عملاتها الى تلك العملة دون احداث تغيير، او يأخذ شكل سلة عملات يتم اختيار انطلاقا من عملات الشركاء التجاريين الأساسيين.
فأنصار أسعار الصرف الثابتة يقولون إن ثبات أسعار الصرف يخلق حالة من الاستقرار في الأسواق المالية وفي الاقتصاد بشكل عام، ويتيح رؤية أكثر وضوحا للمستقبل بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين والشركاء الماليين والتجاريين الأجانب، كما أنه يتيح التحكم في معدلات التضخم، ويحول دون استيراد التضخم الناتج عن تدهور قيمة العملة الوطنية في حال وجود طلب متزايد على العملات الأجنبية.
من جهة أخرى يؤخذ هذا النوع من سعر الصرف ان احتفاظ الدولة بسعر صرف ثابت لفترة طويلة مع زيادة معدلات التضخم قد يؤدي ذلك الى أن يكون سعر عملتها اعلى من السعر الفعلي، وعليه فان الاحتفاظ بسعر أعلى للعملة من السعر الفعلي يؤدي الى تزايد الاختلال في التوازن الخارجي، وظهور وزيادة السوق السوداء للعملات، ولمعالجة هذا الاختلال تلجأ الدولة الى سياسة تخفيض سعر الصرف كما تلجأ لاستخدام احتياطاتها من العملات الأجنبية او الاقتراض من الخارج لسد الفجوة بين الصادرات والواردات.
وتشير التجربة ان الدول التي تتبع نظام سعر الصرف الثابت بطريقة مطلقة او نسبيا مقارنة مع باقي الدول تكون عرضة لهزات اقتصادية وسياسية بما يتكون من انهيار عملتها الوطنية.
ب-نظام سعر الصرف المرن
يوجد شكلان لهذا النظام أولها التعويم في إطار نطاق محدد:
في هذا النظام يسمح لسعر الصرف بالتقلب او التحرك في حدود نطاق محدد ومعين، وتقوم السلطات بتعديل أسعار صرفها على أساس الاحتياطي لديها من العملات الأجنبية، حيث يكون التعويم حر بشكل منطقي حسب عملية العرض والطلب لكن ضمن نطاق محدد، وتدخل الدولة لتعديل أسعار الصرف اذا تم تجاز ذلك النطاق.
الشكل الثاني التعويم الحر وبموجبة يمكن لقيمة العملة ان تتغير صعود وهبوطا حسب قوى السوق(العرض والطلب) بشكل مطلق دون تدخل الدولة، ويلاحظ هنا انه لا توجد دولة تتبع نظام التعويم الحر بصورة مطلقة.
يرى أنصار نظام التعويم (ذات نطاق محدد)، أن الدولة لا تحتاج الى تطبيق سياسة تخفيض سعر الصرف او انشاء صندوق موازنة لدعم سعر الصرف، ويتميز هذا النظام بمرونته وقابليته للتعديل.
من المهم ان نلاحظ بشكل كبير أن ظهور السوق السوداء للعملات او السوق الموازي كان في أنظمة أسعار الصرف الثابتة، إذا ان وضع سعر صرف غير معمول فيه بالواقع ادى ذلك الى ظهور سوق سوداء للعملات، وبعدها الى انهيار قيمة العملة الفعلي، ومن هذا كانت اغلب الدول تتجه بشكل ضروري الى خفض قيمة عملتها وهو خفض غير اختياري بل اجباري، ونركز هنا على قيمة الدولار تجاه العلمة الوطنية.
وتتجه اغلب الدول بعد انهيار عملتها الى تحويل نظامها الى نظام سعر الصرف العملات الى التعويم ذات نطاق محدد.
2-المبحث الثاني: 2-1 السوق السوداء
انتشرت السوق السوداء في الحرب العالمية الأولى والثانية عندما اضطُرت الدول إلى تقنين المواد الأولية الضرورية للمجهود الحربي، واضطُر المواطنون إلى تأمينها من السوق السوداء، بسبب التقنين الصارم ومراقبة الأسعار، وتزدهر السوق السوداء لتصبح هي السوق الرئيسة حين تندلع الحروب الأهلية، كما كانت الحال في لبنان وسوريا واليمن والعراق، حيث تسقط أي سلطة للدولة، وكذلك في البلدان التي تخضع لعقوبات اقتصادية، كما الحال في ايران، وتعيش السوق السوداء طويلاً بسبب الأرباح الطائلة التي تحققّها للمتداولين فيها، وفي زمن “ثورة الاتصالات” الحالي، استفادت من مناخات أشاعها انفتاح وسهولة التعامل التجاري عبر المنافذ التكنولوجية.
عبارة السوق السوداء مصطلح شاع استخدامه للإشارة إلى أي نشاط تجاري خارج السوق الرسمية وخلافاً للقانون وبعيداً من رقابة السلطات المحلية والدولية، ويمكن أن تكون السلع والمنتجات المعنية بهذا النشاط على مستويين من الأسعار قياساً على السعر الطبيعي، فقد تكون أعلى منه نظراً إلى أهميتها الحيوية وصعوبة الحصول عليها لندرتها أو بسبب تقنينها، أو أقل لأنها مسروقة أو مهربة وغير خاضعة للضريبة.
ونشير الى ان التعامل بسلع محرمة الاستخدام مثل ببيع الأسلحة والمخدرات يسمى ذلك التعامل بالاقتصاد الأسود أو اقتصاد الجريمة، اما إذا كان التعامل به ممنوعا واستخدام السلع مسموحا مثل سوق العملات، او بيع منتجات الغذائية الغير خاضعة للضريبة يسمى ذلك السوق السوداء لبعض السلع وهذا الذي نقصده.
’’ تشير تقديرات تقريبية استقتها مراكز بحوث عالمية من الأمم المتحدة ومراجع متنوعة، إلى أن حجم السوق السوداء بكل أنواعها قُدِّر عام 2005م بنحو 987.059 بليون دولار أمريكي موزعة على 5 فئات من العمليات كالآتي: تقليد السلع وقرصنتها 518 بليون دولار، تجارة المخدرات 321.6 بليون، منتجات للبيئة 55.7 بليون، السلع الاستهلاكية 37.5 بليون، الأسلحة الخفيفة 10 بلايين دولار لعام 2005م. وتقدر هذه الإحصاءات حجم البضائع المهربة بـ 763.89 بليون دولار من المجموع العام، ويعتقد أن المصادر الأساسية للسوق السوداء عموماً هي في حدود 587 موقعاً في العالم، أما السلع المهربة الأساسية فحُصرت بنحو 51 نوعاً مصدرها 62 بلداً’ (الرميلي، 2022)’
هذا الاقتصاد قديم الا انه تم الاعتراف عمليا به من قبل منظمة العمل الدولية عام 1972، وقد لفت النظر من خلال نسبته العالية في افريقيا، وتعرفه المنظمة سنة، انه مجمل النشاطات الصغيرة المستقلة بواسطة عمال اجراء وغير اجراء، والتي تمارس خاصة بمستوى تنظيمي وتكنولوجي ضعيف، ويمكن هدفها في توفير مناصب شغل ومداخيل لأولئك الذين يعملون بها وتمارس بدون الموافقة الرسمية للسلطات، ولا تخضع لمراقبة الاليات الإدارية المكلفة بفرض احترام التشريعات في مجال الضرائب، والأجور الدنيا والأدوات المتشابهة الأخرى المتعلقة بالقضايا الجبائية.
“تقدر حجم ظاهرة السوق السوداء بمصر بنسبة 40%، وفي المغرب حوالي 30%، و20% في الأردن وفي سورية 40%، وفي السعودية 19.95 والعراق 80% وفي الجزائر 30% “ (بن سعود، 2013)
والاقتصاد السوق السوداء يتميز بالخصائص التالية:
- – يعمل وفق مبدأ السرية (عدم خضوعه للرقابة الحكومية)، مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، مبدأ كسب أكبر ربح ممكن واقل خسارة ممكنه.
- – صاحب العمل دائما هو المدير المباشر ولا يوجد التزام تجاه الدولة ويعتمد على النمط العائلي دائما، ومبدأ الثقة المتبادلة.
- – اغلبها مشاريع السوق السوداء مشاريع صغيرة، واغلب من منشئاته لا تخضع للضمان، والحماية القانونية.
- – ذو نزعة اقتصادية بحته.
- – يشمل كل اشكال التبادل من المقايضة الى التجارة الالكترونية.
- – يشمل كل السلع البسيطة والمعقدة.
- – يشمل كل شرائح المجتمع من حيث العمر ومستوى التعليم والوضع الاجتماعي.
كيف تظهر السوق السوداء؟
1-عجز الموازنة العامة للدولة، ونعني هنا زيادة نفقات الدولة على إيراداتها فقد تلجأ الدولة الى فرض ضرائب جديدة، او رفع معدلات ضرائب قائمة لحل مشكلة العجز الامر الذي يؤدي بالمواطنين الى الالتفاف عليها مما قد يسبب الى ظهور وتزايد التعامل مع السوق السوداء.
2-ندرة السلع، أن النظام الخاص بالأسعار في الدول النامية لا يعكس مستوى الندرة فالسلع الأساسية تباع بأسعار مدعمة، ويؤدي ذلك الامر الى ازدهار أنشطة السوق السوداء من خلال إعادة بيع هذه السلع بصورة غير قانونية.
3-الأنظمة الإدارية والقيود الحكومية، مثل الحد الأدنى للأجور، وأيضا نظام الرقابة على الصرف الأجنبي الذي يترتب عليه زيادة الطلب من الصرف الأجنبي على المعروض منه، من ثم ظهور السوق السوداء للعملات، أيضا القيود الحكومية التي تفرض على انتاج سلعة معينة الغرض منها هدف اجتماعي مثل حماية المستهلك.
4-البطالة، الفجوة الكبيرة بين عرض العمل من ناحية والطلب عليه من ناحية أخرى، تؤدي بالأفراد الى البحث عن فرص العمل غير الرسمية، وبالتي المساهمة في السوق السوداء، أيضا الهجرة من الريف الى المدن وعدم وجود فرص عمل ساهم في ازدهار ظاهرة تلك الظاهرة.
5-ارتفاع مستوى الضرائب، تسبب ارتفاع مستوى الضرائب الى البحث لسوق السوداء لشراء السلع غير خاضعة للضريبة، وأغلب تلك السلع تكون مهربة وغير مضمونة.
6-انخفاض مستوى الدخل، ارتفاع مستوى الاعالة بسبب البطالة وزيادة النمو السكاني وارتفاع معدلات التضخم التي تؤدي الى انخفاض قيمة الدخل الحقيقي والتهرب من الوظائف الرسمية الى وظائف مخفية يؤدي ذلك الى ظهور السوق السوداء.
7-دور المشروعات الصغيرة، تميل المشروعات الصغير الى اجراء معاملاتها باستخدام النقود السائلة مما يسهل من الأنشطة الخفية المشروعات الصغيرة تعمل أصلا في ظل افتراض عدم وجود ضرائب ولهذا السبب نجد ان أي محاولة لتطبيق النظم الضريبية يترتب عليها افلاس عدد كبير من المشروعات الصغيرة.
8-البيروقراطية والفساد الإداري، أن زيادة التعقيدات الإدارية التي تضعها الحكومة، والتي يكون من الصعب معها الحصول على التراخيص، والتصريحات يؤدي ذلك الى ظهور الموظفين العمومين من المستفيدين لأخذ عمولة او رشوة في المقابل، والتغاضي عن السوق السوداء.
مطالب الاقتصاد السوق السوداء
متطلبات السوق السوداء بسيطة فهو لا يحتاج الى عمالة مكثفة، تكلفة منخفضة، ولا يحتاج الى مؤهلات او رأس مال قوي، موقع العمل العشوائي فقد يكون في المنزل او في الشارع او داخل مؤسسة، اما البنايات في المدن او القرى.
طرق قياس السوق السوداء
يجب ان نشير أنه من الصعب قياس السوق السوداء الى ان هناك بعض الطرق التي تستخدمها الدول لمحاولة قياس حجم السوق السوداء مع الاخذ بالاعتبار بعدم دقة تلك الطرق.
1-طريقة مباشرة: أي اعتماد أسلوب تقدير النشاطات التي يعمل لها، وتقدير دخول العاملين فيه في كل المجالات، ثم يحسب الدخل التقريبي لهذه القطاعات، ويجمع بعد ذلك جمعا جبريا وتراكميا، فنصل الى تقدير حجمه ومن عيوب الطريقة عدم الدقة، وهذا الأسلوب متبع في أمريكا.
2-طريقة الاحصائيات السكانية وقوة العمل، وذلك من خلال استخدام باحثين متخصصين بحساب الإنتاجية فيتم حساب الفارق بين قوة العمل وعدد العاملين وبالتالي يتم حساب الإنتاج الإجمالي الفعلي عن طريق عدد العمال ضرب إنتاجية العامل الواحد ويكون الإنتاج في السوق السوداء يعادل (الفارق بين قوة العمل وعدد العاملين) ضرب إنتاجية العامل، هذي الطريقة بحاجة الى معرفة بتقدير إنتاجية العمل في كل قطاع، لكنها تعطي صورة تقريبية عن حجم هذا القطاع، وتوجد هذي الطريقة في إيطاليا وبعض الدول الأوروبية.
3-الاعتماد على الدراسات القطاعية واسئلة الاستقصاء، وذلك من خلال توزيع استبيانات تتضمن أسئلة وتتناول البائعين والشارين، ثم المقارنة بين الأجوبة كل منها، ونركز على جانب الانفاق، مثلا لفئة معينة من الناس ونقارنها مع مصادر الدخل الرسمي وهكذا مع الفئات الأخرى، والفارق بين المداخيل الرسمية والانفاق الفعلية يعبر عن حجم السوق السوداء، وتحتاج الطريقة على جهد كبير وصياغة علمية للأسئلة، وتطبق في الدول الاسكندنافية (السويد، النرويج).
4-طريقة الناتج الإجمالي: وتطبق هذه الطرقة في مصلحة الضرائب في الولايات المتحدة الامريكية باعتماد مبدأ الانتقال من الجزئي الى الكلي، وهو اعتماد عدد من الاسر بشكل عشوائي، ودراسة أوجه الانفاق ومصادر الدخل مع التركيز على أوجه الانفاق الترفي مثل (الكماليات والتحف والسيارات…).
وتؤخذ مجموعة من الاسر الأخرى في مستويات اجتماعية مختلفة وبنفس الطريقة بحسب دخلها ومصروفها وبعدها تحسب على المستوى الاقتصاد الكلي، ونقارن مع الدخل الإجمالي الرسمي مع الدخل المحسوب فالفارق بينهما هو الاقتصاد السوق السوداء.
5-الاعتماد على المؤشرات جزئية، مثل معرفة الاستهلاك الحقيقي من الكهرباء، او الماء، واعتماد مؤشر التشغيل النظامي، فمثلا إذا حجم الكهرباء اللازم لإنتاج دخل قدره 20 مليار دولار يحتاج الى 20 مليون كيلوفولت، فاذا كان الاستخدام من الكهرباء هو 30 مليون كيلوفولت، فعندها نستطيع ان نقدر حجم الاقتصاد السوق السوداء، بعد استبعاد الهدر من الكهرباء (وهذه يمكن حصرها) ونصل عندها الى حساب قيمة هذا الاقتصاد.
كيف تؤثر السوق السوداء على أسعار الصرف وانهيار العملة؟
الأموال السوداء، تسهم في تغيير سعر الصرف، وهي الأموال المهرّبة التي لا تخضع للضريبة، وهي من النشاطات الخفية (على الرغم من علم معظم سلطات الدول النامية بوجودها)، وتشكّل نسبة متزايدة في الناتج المحلي الإجمالي سواء في اقتصاديات الدول المتقدمة أو في اقتصاديات الدول النامية، وأتاح التطوّر الهائل في تبادل المعلومات ووسائل نقلها عبر الشبكات، والأقمار الصناعية، ومجالات التجارة الإلكترونية، إمكانيات أكبر للقائمين بأعمال السوق السوداء، في إجراء الحسابات السرية في المصارف والأرقام السرية للملفات وإمكانية عرض المواد والسلع السوداء عبر التجارة الإلكترونية، هذه التعاملات السرية عبر الأموال السوداء تسحب جزءًا من السيولة النقدية وتزاحم النشاطات الرسمية في الحصول على السيولة بالنقد المحلي والنقد الأجنبي، فتؤثر في أسعار وتقلبات الصرف، ثم عدم استطاعة الدولة لمواجهة تلك التقلبات بما ينتج الى انهيار علمتها.
وما زالت هناك مطالبات قائمة (انتفاضات، ثورات، محاكمات …) في هذه الدول بالكشف عن الأموال المهرّبة إلى الخارج وعن الاحتكارات للمواد الأساسية التي أضحت بديلاً من السوق الرسمية.
أثار السوق السوداء:
يوجد اثار إيجابية للسوق السوداء فهي تساعد على التخفيف من مشكلة البطالة، أيضا تساعد الافراد على زيادة الدخل ومواجهة التضخم.
وبالمقابل أن الاثار السلبية للسوق السوداء تغلب عن تلك الإيجابيات لها ويمكن نعددها الى:
1-ان العاملين في هذا القطاع يستفيدوا من كل الخدمات المقدمة للقطاع الرسمي من مياه كهرباء-تعليم-صحة الخ) ولا يساهموا نهائيا في الضرائب، وهذا يؤدي زيادة العبء الضريبي على العاملين في القطاع الرسمي، وبالتالي قد تؤدي مجددا الى زيادة التهرب الضريبي، وفقدان الحكومة إيرادات كبيرة قد يترتب عليها عجز في الموازنة العامة للدولة، وعلى مستوى الانفاق العام، ثم على مستوى التنمية الاقتصادية بشكل العام، وقد يؤدي ذلك بالحكومات الى زيادة مستويات الضرائب على الأنشطة التي تتم في الاقتصاد الرسمي.
2-عدم دقة المعلومات:
كلما ازداد معدل اقتصاد السوق السوداء على حساب الاقتصاد الرسمي كلما اعطى معلومات واحصائيات مضللة وغير دقيقة، وقد تكون المؤشرات الاقتصادية غير مناسبة لعملية صنع السياسة الاقتصادية، وبناء على ذلك تتخذ الحكومة سياسات اقتصادية خاطئة.
3-الأثر على سياسات الاستقرار الاقتصادي:
هناك علاقة عكسية ما بين النمو السريع لاقتصاد السوق السوداء وسياسات الاستقرار الاقتصادي، حيث يؤدي اقتصادي الظل الى تشويه المؤشرات الخاصة بسياسة الاستقرار الاقتصادي، ومن احتمالية وقوع صانع السياسة في خطر وصف طرق علاج غير صحيحة، بسبب تشخيص الغير سلم للمشكلة.
4-الأثر على توزيع الموارد:
الاقتصاد السوق السوداء يؤثر على الكفاءة الاقتصادية في توزيع الموارد الاقتصادية في المجتمع بسبب أن الدخول في الاقتصاد الرسمي، تخضع للضرائب، والرسوم بينما هي ليست كذلك في اقتصاد السوق السوداء، والطلب على الخدمات العامة سوف يزداد وبينما الضرائب تحصل من الاقتصاد الرسمي فقط، فإنها سوف تزداد على العاملين والشركات في هذا الاقتصاد، وفي ظل هذا الوضع تصبح المنافسة غير عادلة بين الاقتصاد السوق السوداء والاقتصاد الرسمي بالشكل الذي يمكن اقتصاد السوق السوداء من اجتذاب قدر أكبر من الموارد.
5-زيادة معدلات التضخم:
اقتصاد السوق السوداء يؤدي الى تشوه في الأسعار حيث تميل فيه الأسعار الى التزايد بمعدلات اقل من تلك، السائدة في الاقتصاد الرسمي خاصة عندما يكون اقتصاد السوق السوداء منافسا للاقتصاد الرسمي في تقديم نفس أنواع السلع والخدمات.
بعض الاثار الاجتماعية لقطاع السوق السوداء
-يؤدي الى زيادة التفاوت الاجتماعي واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء مما يترتب عليه اضطرابات سياسية، بطالة، ارتفاع معدل الجريمة وخوض خلل في القيم الاجتماعية السائدة.
-عادة يكون العاملين في اقتصاد السوق السوداء غير متعلمين، ويكون بحكم الواقع المالي لهم بسبب انهم ترقوا على الصعيد الاجتماعي مما يترتب عليه مفاهيم خاطئة اجتماعيا وسياسيا.
-غياب الحماية الاجتماعية للعاملين في هذا القطاع، وما يترتب عليها من انتشار الامراض والسرقات.
-قد يؤدي قطاع السوق السوداء الى استغلال النساء، والأطفال في بيئة عمل تنعدم فيها ابسط الحقوق الإنسانية وحقوق وقوانين العمل.
مكافحة السوق السوداء
هنا نذكر أبرز تجارب لبعض الدول للقضاء على السوق السوداء
تجارب السنغال والمكسيك وتونس للقضاء على السوق السوداء (قارة، 2009):
- – عملت هذه الدول على تشجيع الاستثمار الأجنبي وقدمت له مختلف التسهيلات.
- – تشجيع قطاع السياحة وتخصيص جزء مهم من ميزانيات هذه الدول له.
- – تنوع الموارد المالية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ووضع إجراءات، وتساهيل لتلك المشاريع.
- – محاربة الرشوة والفساد عن طريق الإجراءات والعقوبات الصارمة.
- – تطوير الجمارك بما يسمح بالرقابة الشديدة على الواردات، ومنع دخول السلع الفاسدة، والمزيفة، والممنوعة.
- – تنمية قطاعات اقتصادية مختلفة مثل القطاع الزراعي والصيد البحري وعن طريق خلق صناديق لدعمها.
- – اجراء تعديلات على السياسات المالية والجمركية والضريبية، ومنح الامتيازات الضريبية، وما نتج عنها من تشجيع الاستثمارات.
- – ركزت هذه الدول في سياستها على احياء صناعة الحرف التقليدية.
- – من خلال تركيز هذه الدول على النهوض بقطاعات اقتصادية مختلفة نوعت مصادر إيراداتها.
- – دعمت هذه الدول المشروعات الصغيرة، وقدمت لهم دورات تكوينية مجانية ساهمت في تطوير مشاريعهم وفي المقابل تحصلت هذه الدول على رسوم.
- وفيه دراسة أخرى للعراق تم صنع سياسات لمساهمة في استقرار الأسعار، فالتضخم في العراق من أهم أسباب السوق السوداء (آر، 2013):
- -تطوير سياسات تراعى الطفولة، ومشاكل عمالة الأطفال من خلال دعم الاسرة ماديا لتفادي اجبار الاطفال على العمل في اقتصاد السوق السوداء.
- -اعتماد سياسيات لاستقرار الاقتصادي الكلي وتطبيق نظام الضرائب.
- -تعزيز سيادة القانون من خلال وضع قانوني لإدارة الاعمال، واستقامة القضاء، والخدمة المدنية.
يمكن ان نضع بعض الحلول التي تساعد على مكافحة السوق السوداء منها:
- – زيادة الغرامات على كلا من الذين يعملون في صورة خفية والذين يقومون بتوظيفهم.
- – زيادة اعداد مفتشي العمل وإظهار درجة أكبر من التحكم، والسيطرة على هذه الاشكال من العمالة الخفية.
- – الاعلام ودورة في توعية المجتمع بأهمية الظاهرة واثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع.
- – ادخال قوانين وإجراءات جديدة للتعامل مع هذه الظاهرة واثارها مثل تخفيض مستوى الضرائب.
– تأسيس جمعيات تعاونية تكون بمثابة هيئات استشارية للعاملين في هذا القطاع وبالتالي دمجهم ضمن القطاع الرسمي، أيضا تسهيل الإجراءات الإدارية امام انتقال هذا القطاع الى الجانب الرسمي، ولا سيما الشركات العائلية، والمنشئات المتواجدة في مناطق المخالفات والسكن العشوائي وتقليل الروتين.
فوائد دمج اقتصاد السوق السوداء في الرسمي:
- أنه وسيلة الى زيادة الموارد المالية للدولة.
- اتاحة مزيد من فرص استفادة المنشآت من المميزات الاقتصاد الرسمي مثل حماية حقوق الملكية الفكرية، والحصول على خدمات البنية الأساسية الى توفرها الدولة للمنشئات الرسمية، والحصول على الائتمان، والقدرة على التوسع في السوق وغير ذلك من المميزات الأخرى.
- زيادة معدلات النمو الاقتصادي وخفض معدلات الفقر، حيث اثبت عدد من الدراسات وجود علاقة موجبة بين تطبيق القوانين والنمو الاقتصادي، وكذا بين النمو الاقتصادي وخفض معدلات الفقر.
- مزيد من الحماية للفئات المهمشة من العمال، وأصحاب الاعمال، تجنت التكاليف التي تتحملها هذه المشروعات للبقاء في قطاع السوق السوداء.
– السعي نحو تنظيم السكن العشوائي الذي يخلوا من الامن والسلامة.
– تدريب وتأهيل العاملين وتشجيع على التعليم والبحث العلمي.
– التوجه نحو زيادة معدلات النمو بحيث تساعد على توليد إمكانية توسيع القطاع المنظم وبالتالي يحل تدريجيا محل قطاع السوق السوداء، وهذا يمكن خلق وإيجاد مراكز تدريب في مناطق تواجد الاقتصاد تقوم بتدريب او تقديم المساعدات التي تناسب مع العمل الممارس في هذه المنطقة.
– تحسين الرواتب والأجور في القطاع الرسمي بما يضمن تحسين مستوى الدخل.
3-المبحث الثالث: السوق السوداء للعملات
انتشرت سوق العملة السوداء في معظم الدول العربية التي تبنّت نظام أسعار الصرف الثابتة، وحدّت من حرّية التعامل بالعملات الصعبة.
يمثّل سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الوجه الأشهر للسوق السوداء للعملات، لأنه في هذه الآونة من الأزمات المختلفة التي تضرب هذه الدول، لا يعرف سعر الصرف ثباتاً، وهو يرتفع أو ينخفض بحسب العرض والطلب (التسمية الرسمية) أي بحسب ما تقرّره السوق السوداء في الواقع.
عمليّاً، تنشأ السوق السوداء للنقد الأجنبي عندما تتدخّل الحكومة في سوق سعر الصرف، وتقيّم عملتها بسعر يفوق السعر السوقي الواقعي بعبارة أخرى، حين تحدّد سقفاً لسعر الدولار مقابل العملة المحلية، هذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب على العرض الذي توفّره الحكومة للدولار الأميركي، ما يعمل على نشأة سوق سوداء لتلك العملة، يكون فيها تقييم الدولار الأميركي أعلى من تقييم الحكومة له.
أما فيما يتعلّق بمصادر الطلب على النقد الأجنبي في السوق السوداء، فيأتي من تمويل عمليات استيراد السلع من الخارج، مثل عمليات التهريب.
وتشهد معظم الدول العربية في فترات مختلفة، لكن متقاربة، نشاطاً كبيراً للسوق السوداء، تحديداً لسوق الأموال السوداء والنقد الأجنبي، ويؤدي ازدهار هذه السوق غير الشرعية إلى التأثير في اقتصادات الدول العربية سلباً بنسب متفاوتة، فإما تؤدي إلى عدم القدرة على ضبط الاحتكار وسعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار، مثلما يحصل اليوم في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وإما تؤدي إلى محاولة السلطات وقف فوضى السوق عبر تعويم العملة، وفرض قوانين اقتصادية ومالية كثيرة ومختلفة كزيادة الضرائب أو مراقبة المعابر غير الشرعية، والتهريب، والاحتكار، ووضع قوانين وعقوبات جديدة تتعلّق بتبادل سلع معينة، مثلما يحصل في مصر والعراق والأردن، أما في دول المغرب العربي، فتكاد السوق السوداء أن تصبح شرعية لشدّة التعامل بها وتغاضي السلطات عنها، وتجد فيها بعض الإيجابيات (مثل تأمين عمل غير قانوني للعاطلين من العمل وتأمين النقد الأجنبي في السوق الموازية).
هنا يظهر سوق الصرف السوق السوداء خارج إرادة الدولة اذ يمثل رد فعل على القيود الكمية التي تفرضها السلطات النقدية على تلبية الطلب على العملات الصعبة بالسعر الرسمي، ويتم تحديد سعر الصرف فيه بشكل حر عبر تلاقي العرض والطلب على العملات الصعبة خارج الأطر الرسمية.
في الشكل التالي يتم تحديد كيف يتم انشاء السوق السوداء للعملات:
قيود كمية على العمليات بالعملة الصعبة:
– قيود كلية: احتياطات محدودة للصرف (مصادر غير متنوعة للعملات الصعبة / قدرة ضعيفة على الاستدانة الخارجية). – قيود كمية جزئية: · كميات محدودة من العملة الصعبة بالنسبة لمختلف العمليات الجارية المرخصة (قابلية محدودة لتحويل العملة الوطنية). · رقابة على خروج العملات الصعبة لتمويل العمليات الرأسمالية لمختلف الاعوان الاقتصاديين (استثمارات اجنبيه مباشرة للمؤسسات، استمارات المحفظة المالية للمؤسسات والافراد، استثمارات عقارية في الخارج) – تمييز بين مختلف الاعوان الاقتصاديين حسب الأهمية السياسية، الطبيعية القانونية (عام/خاص): توزيع العملات الصعبة على أساس صف الانتظار. |
قيود سعرية على العمليات بالعلمة الصعب:
– ثبات سعر الصرف الرسمي محدد بشكل اداري أقل من المستوى الذي يحدده سعر للصرف الحر للصرف (السوق السوداء) بالنسبة لبيع وشراء العملات العصبة (رفع مصطنع لقيمة العملة الوطني). |
وجود مصادر للسوق السوداء لعرض العملات الصعبة:
– العملات الصعبة الناتجة عن تهريب البضائع المحلية. – تحويلات المهاجرين ونفقات السواح الأجانب. – العملات الصعبة المهربة من السوق الرسمي للصرف عبر التصريح المبالغ فيه بقيمة الواردات. – التصريح المخفض بقيمة الصادرات (مع عدم توظيف حصيلته في الخارج). |
عدم تلبية كل الطلب على العملة الصعبة بالسعر الرسمي
(الطلب>العرض المحدود رسميا). |
لا يمكن ضمان التوازن بين الطلب والعرض عبر تعديل سعر الصرف الرسمي، ولا يمكن ان يتم توزيع أكثر من الميزانية المحددة للعملات الصعبة عبر السوق الرسمي، وبالتالي يتوجه الطلب الفائض عن العرض الرسمي الى عرض السوق السوداء. |
اَلية تشكل السوق السوداء للعملات-شكل(1) (نجيب، 2020)
3-2: مصر والسوق السوداء للعملات
كانت السوق السوداء للعملة مزدهرة في مصر في الكثير من الأحيان كان تنشط السوق السوداء للعملات بشكل متكرر وبعدة مرات، وبعد انتفاضة عام 2011 التي تسببت في هروب كثير من السياح والمستثمرين الأجانب، تسببت الازمة في انخفاض مدخلات السياحة للعملة الصعبة، وتذبذب إيرادات قناة السويس، إضافة إلى فاتورة مواجهة الإرهاب التي تتكلف مبالغ ضخمة لشراء الأسلحة وغيرها، وكل ذلك يعد استهلاكًا استثنائيًّا للدولار.
توفر البنوك التي تعمل تحت راية البنك المركزي المصري، الدولار إلى الأعمال لاستيراد السلع الأساسية (القمح، والذرة، والدقيق)، والطاقة، والأدوية لذا، تقبل البنوك العطاءات على الدولار من الأطراف التي تحتاج لاستيراد هذه السلع وذلك لكي يتساوى عرض الدولار مع طلبهم له، وبالتالي يمكن الإبقاء على سعره عند 7.83 جنيه في المزايدة.
يؤدي هذا إلى حدوث مشكلة للأعمال التي تحتاج لاستيراد السلع غير الضرورية (استهلاكية)، على سبيل المثال، إذا رغبت تلك الأعمال في استيراد شامبو فاخر للشعر بسعر 15 دولار للعبوة الواحدة، سيلزم عليهم تحويل 150,000 دولار لاستيراده، مما يعني أن هؤلاء المستوردين سيحتاجون 1,440,000 جنيه عند سعر الصرف 9.60 جنيه (بسيوني و سليم، 2020)، وفضلاً عن تحويل العملات، يحتاج المستوردون أيضاً لإيداع المال في حساباتهم بالدولار، ونتيجة لقيام محافظ البنك المركزي المصري برفع السقف أو الحد الأقصى الشهري للودائع بالدولار إلى 250,000 دولار بدون حد أقصى لليوم الواحد، سيتمكن المستوردون من القيام بالإيداع والتحويل على الفور، ولهذا السبب على وجه الخصوص، فقد شهدت السوق السوداء انتعاشاً، حيث يتمكن المستوردين من تبادل وتحويل العملة الأجنبية بدون القيود الصارمة التي تفرضها البنوك.
والطلب على سوق السوداء مرتبط بالطلب على السيولة، إذا أراد أي شخص الحصول على عملات دولاريه، فلن تكون البنوك هي الاختيار الأمثل لحدوث ذلك، سيحتاج كل من المصريين والأجانب إلى اللجوء إلى السوق السوداء للحصول على مثل هذه العملة الصعبة، حيث يتنافس الجميع الآن للحصول على الدولارات المتاحة، والتي يوفرها الأشخاص الذين يقومون بتحويل التحويلات المالية من الخارج أو المصدرين الصغار الذين يمتلكون دولارات، ويمكنهم تحويلها بأسعار أعلى من السعر الذي يقدمه النظام المصرفي.
من الصعب للغاية ضبط وتنظيم السوق السوداء، إلا أن نشاطها كان محدوداً، حين فرض البنك المركزي المصري حد أقصى على الودائع ولكن بعد ذلك قام البنك برفع الحد الأقصى الشهري للودائع، ليتيح الفرصة أمام الناس للحصول على دولارات من السوق السوداء، والتي يودعونها في حساباتهم الدولارية، وذلك كي يعيدونها إلى النظام المصرفي الرسمي مرة أخرى، ويعتبر هذا أحد الأسباب المؤدية لازدياد نشاط السوق السوداء.
كيف تحدد السوق السوداء متى يتم رفع قيمة الدولار؟
يتم تحديد قيمة الدولار مقابل الجنيه في السوق السوداء من خلال العرض والطلب غير المقنن، وذلك بخلاف السعر الرسمي الذي يتم ضبطه من قبل البنك المركزي المصري، وبالتالي حينما يزداد الطلب على الدولار، يزداد سعره نتيجة لتنافس الجميع على الكمية المحدودة من المعروض منه، وبناءً عليه قد ترغب الأعمال التي تحتاج إلى سيولة لاستيراد منتجاتها في دفع سعر مرتفع للغاية من أجل الحصول على الكمية المتاحة من الدولار في السوق السوداء.
تساهم إيرادات قانة السويس والسياحة المصرية في انتعاش الاقتصاد المصري بشكل كبير، وإعادة ضبط الموازنة بين العملات، وجلب المزيد من الدولارات، بما قد يساعد الى تحسين قيمة العلمة المصرية، لكن لابد من وضع برامج اقتصادية شمولية، وتشجيع الإعلامي على السياحة المصرية، وتسهيل التنقل، وانشاء مراكز سياحية تهتم بشأن السائحين وتقوم بتوفير كل متطلباتهم.
ولا يمكن البحث في مشكلة الصرف الأجنبي بدون إمعان النظر في الاقتصاد ككل، فإن انخفاض قيمة الجنيه من أعراض المشكلة، وليس المشكلة ذاتها، إن المشكلة تكمن في الإنتاجية النسبية لمصر كدولة مقارنة بالدول الأخرى، وبالأخص الدول الناشئة التي تنافسنا في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والمشروعات الأجنبية، أو المتعددة الجنسيات، والمنتجات التكنولوجية، تحتاج الحكومة المصرية إلى خطة اقتصادية شمولية ومنظمة لزيادة الإنتاجية والصادرات، وإعادة السياحة، وإدرار الدخل بالدولار، مما يساهم في تحقيق توازن في الطلب على الدولار.
يمكن ان نعدد في اضرار انخفاض قيمة الجنية المصري أمام الدولار الأمريكي وهي:
- الارتفاع المستمر للأسعار والزيادة في معدلات التضخم.
- هروب المستثمرين وخاصة الأجانب من العمل في السوق المصرية، وذلك لعدم استقرار سعر صرف الجنية المصري.
- عدم قدرة بعض الصناعات المصرية على التنافس، واغراق السوق المصرية بالمنتجات الأجنبية.
- احتكار القلة للعملات الأجنبية، والسيطرة على السوق والمضاربة عليه.
- قيام الافراد بالادخار بالعملة الأجنبية، والتنازل عن الجنية المصري.
كل هذي المشاكل أدت للبنك المركزي بتفعيل وتدعيم تحرير سوق الصرف الأجنبي بما يكفل استيعاب كافة المعاملات في السوق من خلال القنوات الشرعية وهو الجهاز المصرفي.
نقدم بعض التوصيات والمقترحات لتحسين قيمة العملة في مصر:
- أولا في التحكم في جانب الطلب من خلال تخفيض قيمة المدفوعات الدولارية من جانب الدولة كتقليل الاستيراد والاعتماد على البدائل المحلية، وقد اتخذت دولة مصر أول خطوة في هذا الاتجاه برفع قيمة الجمارك على بعض المنتجات المستوردة، إضافة إلى تقليل الإنفاق الخارجي، والمتمثل في زيادة مصروفات البدلات على البعثات الخارجية.
- تشجيع الصادرات المصرية للخارج هو الحل الأمثل، إضافة إلى تجارة الخدمات الدولية، واستغلال المجرى الملاحي الدولي “قناة السويس” والموانئ المصرية في هذه العملية باعتبارها موردًا مهمًّا لإدخال العملة الصعبة.
- فرض أسعار صرف تمييزية لتحويلات المصريين في الخارج مع رقابة محكمة حتى لا تخلق نوعًا جديدًا من الأسواق السوداء في مصر، وينقلب الحل إلى مشكلة.
- وضع وتشديد العقوبات في مواجهة كل ما يتعامل في السوق السوداء للعملة، وأقرت مصر بعض القوانين العقابية مثل: “تغليظ العقوبة على نشاط العملات الأجنبية خارج القنوات الشرعية”، بحيث يعاقب “بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات (…) كل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك (RT, 2016)“.
- تفعيل وتعزيز نظام الانتربنك لتبادل العملات بين البنوك والمصارف في مصر “وهو عبارة عن نظام تشترك فيه البنوك المحلية والأجنبية بغرض الإقراض بين البنوك بعضها البعض، هذا النظام يكون مفيدا جدا بالنسبة الى البنوك الصغيرة داخل مصر العربية، حيث ان البنك المركزي يحدد نسبة احتياطي قانوني على البنوك العاملة في مصر كأجراء رقابي 10% من الودائع بالعملة المحلية، وتكون فترة المحاسبة كل أسبوعين وتودع لدى البنك المركزي بدون فائدة، وبالنسبة الودائع بالعملات الأجنبية يحدد البنك المركزي نسبة احتياطي قانوني 10%”.
الخاتمة:
ان ظهور المال كوسيط للمجتمعات للحصول على ما يردون بدأ بالمقايضة أولا، ثم اتنقل الى اختيار المعادن النفيسة واتجه بعد ذلك على قاعدة الذهب حتى جاء الدولار الأمريكي كمهيمن احتياطي دولي، وتقاس أي دولة ثراءها بما تحمله من احتياطات الدولار، وهو مقياس على قيمة العملة الوطنية، وثباتها واستقرارها، وظهر ان لدينا نوعين لأنظمة الصرف ألوها هو نظام الصرف الثابت، وثانيها نظام الصرف العائم ذات نطاق محدودة، ورأينا عندما تقل كمية الاحتياطي العملة الدولية (الدولار) في الدولة تضطر الدول الى النظام العائم وتخفض عملتها، وهو خفض ليس اختياري بس اجباري بمعنى انهيار تلك العملة.
وتعاني الكثير من الدول من ظاهرة السوق السوداء، وهي السوق البعيدة عن رقابة الدولة وغير مسجلة إداريا، وتكون خاضعة لمبدأ السرية والكسب السريع بأقل تكلفة ممكنه، والنمط العائلي الصغير، واختيار مكان عشوائي غير خاضع للضوابط السلامة، وتشمل كل جوانب المجتمع من حيث التعليم أو العمر، وتظهر تلك السوق لعدة أسباب من ضمنها عجز الموازنة العامة للدول وفرض ضرائب جديدة، أيضا تزايد البطالة، او ضعف دخل الفرد، وندرة السلعة، أيضا وجود قواعد وإجراءات بيروقراطية معقدة للدولة والفساد الإداري، كل تلك عوامل تساهم في تعزيز السوق السوداء، ومطالب السوق السوداء البسيطة فلا تحتاج الى الكثير من المال، أو الكثير من الأشخاص، فقط مكان عشواء وتكلفة بسيطة، اما من حيث طرق قياس السوق السوداء فيوجد عدة طرق من ضمنها التدقيق على مصاد دخل الافراد، أو حساب التكلفة الفعلية للمؤسسات ومقارنتها بالتكلفة الظاهرة، أيضا دراسة مصادر دخل بعض الاسر وكيف تنفق، أيضا من التدقيق على المعيار الاستهلاكي للكهرباء او المياه، وكل تلك طرق ليست دقيقة لقياس السوق السوداء.
من أثار الإيجابية للسوق السوداء هي زيادة دخل الافراد العاملين فيها، أيضا توفير وظائف للعاطلين عن العمل، وبقاء المال داخل الدولة ولو كان ذلك بطريقة بعيدة عن ادرة الدولة ورقابتها.
اما الاثار السلبية فهي اهدار المال العام، وعدم المساهمة في الضرائب بما يؤثر على نوعية الخدمات العامة المقدمة من الدولة وتسبب ضغط كبير عليها، أيضا غياب دقة المعلومات مثل معدل البطالة، والميزانية العامة وتشويش المعلومات بما قد تتخذ الدولة قرارات خاطئة مبينة على معلومات مشوشه، أيضا قد يحدث بعض الاثار السلبية الاجتماعية مثل زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أيضا إعطاء بعض المفاهيم الاجتماعية خاطئة حيث يكون اغلب العاملين في السوق السوداء غير متعلمين وبحكم المكانة المالية لهم ترتفع قيمتهم الاجتماعية.
وطرق محاربة السوق السوداء ذلك يكون على تعزيز الرقابة على الجمارك، أيضا المساهمة في إنجاح المؤسسات الصغيرة ودعمها وتقديم التسهيلات لها، ودعم ودمج العاملين في السوق السوداء كي يتحولوا الى السوق الرسمي، ومساندتهم وتقديم الاستشارات لهم، ايضا تكثيف الرقابة المالية ومعرفة مصادر الدخل، والانفاق، أيضا وضع العقوبات على من يتعامل بالسوق السوداء، والتكثيف الحملات الاعلامية حول مخاطر السوق السوداء وأثرها الكبير على ضرر المجتمع.
ومن أكثر أنواع السوق السوداء انتشارا بالدول العربية هي السوق السوداء للعملات وهي تحدث عندما تكون الدول تعاني أزمة احتياط من الدولارات بما يجبر المستثمرين والتجار الى الذهاب الى السوق السوداء للعملات لأخذ سيولة منها، وقد عانت مصر كثيرة من ذلك فمع توسع السوق السوداء للعملات وهي التي تحدد السوق الفعلي للعملة الجنية المصري كان ذلك يجبر مصر على خفض قيمة العملة، وهناك علاقة عكسية بين السوق السوداء للعملات ومع قيمة العملة الوطنية، ويجب على مصر تعزيز صادراتها، وتقوية سياحتها الداخلية، وانشاء العقوبات على من يتعامل بالسوق السوداء.
كما رأينا تعاني الدول العربية الكثير من السوق السوداء، ولا تجد حل لها وقد تعمل معها أحيانا، ومع كل زيادة من التعامل مع السوق السوداء (السوق السوداء للعملات خصوصا) ينهار الاقتصاد في الدولة، ويصبح من الصعب استقرار الصرف فيها، بما يتراكم عليها الديون وتصبح الدولة تابعة للخارج، وتسمح ببعض التدخلات الخارجية على أمل من تصحيح وضعها الاقتصادي.
ولا يزال احتياط الدولار الأمريكي هو الأساس على معرفة قيمة عملة ما، فمع القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة الامريكية، والقوة الاقتصادية تضعها المهيمنة والمتحكمة بشأن التجارة الدولية، ولكن هل ستنقلب الوضع، وهل ستأتي عملة احتياطية أخرى تتغلب على الدولار؟، ولكن ماذا سيحدث للعالم اذا حدث ذلك، هل سنشهد حرب عالمية ثالثة؟، كل تلك التساؤلات، سيجيب عليها الزمن.
المراجع والمصادر:
1-RT. (2016). مصر تقر عقوبة على بيع العملات في السوق السوداء. تم الاسترداد من RT: https://arabic.rt.com/news/826872
2-أبحاث هيئة كبار العلماء. (بلا تاريخ). سر القابلية العامة لاعتبار النقد واسطة التعامل. المكتبة الشاملة الحديثة.
ابو ضيف، سلوى، و سمير علي. (2012). محددات سعر الصرف في مصر وانعكاستها على التنمية الاقتصداية دراسة قياسيس خلال فترة (1971-2018). مجلة العلوم الاقتصادية والادرية والقانونية الملجد 5 العدد 12، الصفحات 1-24.
3-الببلاوي، حازم. (1978). النظام الاقتصادي الدولي المعاصر. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون.
4-السواح، نادر. (يونيو, 2016). دراسة تحليلية لتقييم اداء الية الانتربنك الدولاري والسياسات النقدية المصاحبة لها واثرها على اللامة المالية للشركات قطاع التأمين. مجلة الدراسات التجارية المعاصرة.
5-بن سعود، رحاب محمد. (2013). اقتصاد الظل: واقع ملموس وحلول مقترحة. مجلة جامعة بنغازي العلمية، الصفحات 5-21.
6-بهاء الرميلي. (2022). السوق السوداء خلف شارع الاقتصاد العالمي. القافلة.
7-حسين، حيدر عباس؛ واخرون. (ديسمر, 2005). بنك السودان المركزي خلال الفترة (1982-2004). الخرطوم: الادارة العامة للبحوث والاحصاء الاصدار رقم 7.
8-رحاب محمد بن سعود. (2013). اقتصاد الظل: واقع ملموس وحلول مقترحة. مجلة جامعة بنغازي العلمية، صفحة 6.
9-سلمان، حيان. (بدون سنة نشر). اقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي. جمعية العلوم الاقتصادية السورية.
10-سندس أو آر. (2013). إقتصـاد الظـل: الكارثـة وايجابياتها. تم الاسترداد من IRAQ THE CASE: http://iraqthecase.blogspot.com/
11-علياء بسيوني، و طارق سليم. (2020). الدولار الامريكي مقابل الجنية المصري: ارتفاع سعر الصرف والسوق السوداء. تم الاسترداد من الجامعة الامريكية بالقاهرة: https://www.aucegypt.edu/ar/node/2616
12-قماش، نجيب. (2020). اشكالية سوق الصرف الموازي في الجزائر. كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير.
13-مرزة، اميرة. (2020). جريمة غسيل الاموال وتأثيرها على اقتصاد الدولة.
14-مشمس، نجاة؛ واخرون. (2017). الاقتصاد الموازي واثارة على الاستقرار الاقتصادي. مجلة العلوم الانسانية، جامعة محمد خيصر سكرة، الصفحات 359-368.
15-ملاك قارة. (2009). التعامل مع االقتصاد غير الرسمي: تحليل ومقارنة بعض التجارب. مجلة العلوم الانسانية(عدد 32)، الصفحات 191-210.