الدراسات البحثيةالمتخصصة

مسالة الحدود المصرية – الليبية

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر 

 

وقع الرئيس المصري في 11 ديسمبر2022مرسوماً تحدد بموجبه مصر من جانب واحد حدودها البحرية مع ليبيا والمنطقة الإقتصادية الخالصة EEZ لها بالبحر الأبيض المتوسط بحد غربي عند خط الطول 25 – أي إلى الغرب أكثر من حد اتفاق الترسيم الجزئي بين اليونان ومصر في أغسطس 2020, وأوضح المرسوم أن “حدود مصر البحرية تبدأ من النقطة رقم 1 من الحدود البرية بين مصر وليبيا لمسافة 12 ميلا بحريا حتى النقطة رقم 8 وبالتالي فإن خط الحدود البحرية يمتد من النقطة رقم 8 باتجاه الشمال”  نص المرسوم على إخطار الأمم المتحدة بالتعديلات .

يعارض التحديد المصري للحدود البحرية لمصر مع ليبيا ما ورد بالمذكرة التركية / الليبية الخاصة بترسيم وتحديد الحدود البحرية بين البلدين في البحر الأبيض المتوسط , والذي يُثير التساؤل ليس إصدار المرسوم ولا موضوعه بل توقيت إصداره إذ أنه  وُقع و نُشر في جريدة الوقائع المصرية في 11 ديسمبر2022 أي بعد سنوات من الإتفاق التركي / الليبي لترسيم حدودهما البحرية حيث وُقع هذا الإتفاق في 27 نوفمبر 2019 , وبعد نحو شهرين من توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين  الكيان الصهيوني ولبنان في 27أكتوبر 2022بوساطة أميركية , وتعد هذه هي الخطوة الثالثة من جانب مصرضد المصالح التركية في المنطقة بعد ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين اليونان ومصر وتوقيع مصر واليونان مؤخرًاعلى اتفاقية لعمليات البحث والإنقاذ المشتركة في المنطقة ,وفي هذا الشأن أشارت وسائل إعلام مصرية أن مصر واليونان أدانتا في أكتوبر صفقة المحروقات بين تركيا وحكومة طرابلس   .

بلا أدني شك فإن هذا المرسوم المصري سوف لا يتعدي حد التعارض فحسب مع الإتفاقات الليبية / التركية ذات الصلة فهي لن تُلغي أو تبطل بسببه والمرسوم نفسه سيظل إعلاناً رسميا عن وجهة النظر الرسمية المصري بشأن الحدود البحرية مع ليبيا ويظل ما يروج له الإعلام في بعض دول شرق المتوسط وجهات نظر غير موضوعية كما ان تركيا وليبيا حرتان تظل مصر حرة أيضاً في طرح وجهة نظرها التي تميل نحو الثلاثي المتوسطي (إضافة لإيطاليا التي توجه إليها وزير الخارجية المصري في 26 /12/2022كي يبحث مع وزير خارجيتها أنطونيو تاجاني تطورات الأزمة الليبية): الصهاينة ولبنان وتابعها جمهورية قبرص اليونانية الذي قد يكون المرسوم المصري كان موضوعاً للتنسيق المُسبق معه قبل إصداره علي النحو المتوافق مع مصالح رباعي شرق الوسط مصر واليونان وقبرص والكيان الصهيوني وهو ماعبر عنها وزير الشؤون الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس تعليقاً علي هذا المرسوم المصري عندما قال : “إن هذا الاتفاق يعطي دفعة كبيرة للجهود المشتركة لزيادة تعميق العلاقات الثنائية والتعاون الثنائي مع مصر مع التركيز على الالتزام بالقانون الدولي (تركيا غير مُوقعة لأسباب عدة علي إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المُوقعة في مونتيجوبي بجامايكا عام 1982) بما في ذلك قانون البحار ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة بهدف احترام الشرعية الدولية وتعزيز السلام والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، ولكن أيضا على نطاق أوسع فهذه الإتفاقية تحدد حدود الاختصاص ومجالات المسؤولية عن البحث والإنقاذ بين اليونان ومصر والمحددة بمناطق معلومات الطيران لأثينا والقاهرة على التوالي ، مع التطبيق الكامل والاحترام المطلق للقانون الدولي” , وأضاف قوله :”على النقيض من ذلك فإن ما يسمى بـ” مذكرات التفاهم “بين تركيا وحكومة طرابلس تشكل سلوكًا غير قانوني وتعديًا وباطلاً ومزعزعاً للاستقرار  وأن اليونان ومصر لديهما رؤية مشتركة لتهيئة بيئة تفضي وتدعم تنمية ورفاهية شعوبهما ، فضلاً عن الأمن والاستقرار في شرق البحر المتوسط , وأن اليونان ندين كل شكل من اشكال التحريفات والاجراءات الانفرادية التي تنتهك السيادة والحقوق السيادية وسلامة الاراضي” وبالطبع فإن موقف اليونان مناوئ علي طول الخط وبلا مُواربة مع أي موقف أو مصالح تركية لأسباب تاريخية , ففيما يتعلق بموقف اليونان إزاء الإتفاق التركي / الليبي فقد قدمت اليونان رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش توضح خلفية المذكرة التركية الليبية غير القانونية وأكدت المندوبة الدائمة لليونان لدى الأمم المتحدة ماريا ثيوفيلي في الرسالة أن “اليونان تحتفظ بجميع حقوقها بموجب القانون الدولي وتدعو ليبيا وتركيا إلى احترام الحقوق السيادية لليونان والامتناع عن أي تحرك قد ينتهك هذه الحقوق ويزعزع استقرار السلام والأمن في المنطقة ” وأشارت الرسالة التي تم تسليمها إلى جوتيريش في 17 نوفمبر2022 إلى أن اليونان ترفض المذكرة التركية الليبية الجديدة في مجال الهيدروكربونات والتي وصفت بأنها “انتهاك للحقوق السيادية لليونان وأنها انتهاك للقانون الدولي وتصعيد متعمد يقوض الاستقرار في المنطقة “, وأشارت الرسالة كذلك إلي ما زعمت أنه حقوق واضحة لليونان(بحكم الأمر الواقع والمبدئي) في المنطقة كونها تستند من بين أمور أخرى  إلى اتفاقية ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZ) مع مصر , كما أكدت تلك الرسالة علي أن حكومة طرابلس ليس لها الحق في المضي قدما في الاتفاقات فالمذكرة التركية الليبية الجديدة تتعارض  بشكل كامل مع خارطة الطريق لعام 2020 لحل الصراع الليبي والتي تنص على ضرورة “تسيير السياسة الخارجية للدولة الليبية بما يحافظ على العلاقات الودية والسلمية مع الدول الإقليمية والدولية والشركاء الدوليين ووفقًا لقواعد حسن الجوار والمصالح المشتركة ” , وبناءً على هذا البند المحدد وكذلك المذكرة التركية الليبية السابقة يذكر الممثلة الدائمة لليونان في رسالنها أن “اتفاق التعاون في مجال الهيدروكربونات يندرج بوضوح في إطار الاتفاقيات التي يتم استبعاد سلطتها التنفيذية من الاتفاقية” وكانت نركيا وليبيا قد أرسلا رسالة مشتركة من وزيري خارجيتهما إلى الأمم المتحدة ضد حقوق اليونان قبالة جزيرة كريت  .

أجرت رئيسة الوزراء الإيطالية محادثات في ليبيا يوم 28 يناير 2023مع مسؤولين من حكومة طرابلس التي تتخذ من طرابلس مقرا لها , وتناولت مباحثتهاهناك  موضوعي الطاقة والهجرة وهما أهم القضايا بالنسبة لإيطاليا والاتحاد الأوروبي , هذا وقد وقعت شركتا النفط في البلدين أثناء الزيارة صفقة غاز بقيمة 8 مليارات دولار(7.36 مليار يورو) ، وهو أكبر استثمار منفرد في قطاع الطاقة الليبي منذ أكثر من عقدين , ومن المعروف أن ليبيا هي ثاني دولة في شمال إفريقيا تزورها هذا الأسبوع رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني  والتي تولت منصبها هذا منذ ثلاثة أشهر , وكانت قد زارت في السابق الجزائر التي أصبحت المورد الأول للطاقة لإيطاليا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا  .

تسعى  إيطاليا لتأمين إمدادات جديدة من الغاز الطبيعي لتحل محل الطاقة الروسية التي تأثرت ب حرب موسكو على أوكرانيا , وقال مكتب ميلوني أنها هبطت في مطار معيتيقة  ( المطار الوحيد العامل في العاصمة الليبية طرابلس) وسط إجراءات أمنية مشددة  برفقة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني ووزير الداخلية ماتيو بينتيدوسي والتقت بعبد الحميد دبيبة الذي يترأس إحدى الإدارات الليبية المتنافسة وأجرت محادثات مع محمد يونس المنفي الذي يترأس المجلس الرئاسي الشرفي في ليبيا  .

هذا وخلافاً لموقفها من المذكرة الليبية / التركية لم تعلق القاهرة علي الإتفاق الإيطالي / الليبي .

في رد فعل مباشر وسريع علي المرسوم المصري المُحدد للحدود البحرية لمصر في البحر المتوسط قالت وزارة الخارجية الليبية في بيان على حسابها على فيسبوك  في 16 ديسمبر2022 إن حكومة الوحدة الوطنية رفضت ما ورد بالمرسوم الرئاسي المصري في 11 ديسمبر2022 الذي يقضي بترسيم الحدود البحرية مع ليبيا من جانب واحد يرسم من جانب واحد الحدود البحرية الغربية لمصر وأشار البيان  إلي أن “ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين الجارتين يجب أن يتم من خلال اتفاق عبر مفاوضات تضمن مصالح الطرفين، وتحترم مبدأ المساواة، استنادا على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي وأنه من الممكن إحالة هذا النزاع إلى الوسائل السلمية للتسوية بموجب المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك محكمة العدل الدولية، التي سيتم الاتفاق عليها بين الطرفين أثناء المفاوضات” , ولفت إلي بيان الخارجية الليبية إلى أن ” ليبيا تملك باعا طويلا بهذا الخصوص في احترام التزاماتها وقضية الجرف القاري بين ليبيا والجارة تونس، وكذلك مع مالطا في الفترة القريبة الماضية مثال عن ذلك” , وختم بيان وزارة الخارجية والتعاون الدولي الليبية بالقول إن “ليبيا ترفض القرار الرئاسي المذكور الصادر بتاريخ 11 ديسمبر 2022 بالكامل وتحث الحكومة المصرية على النظر في إطلاق المحادثات حول الحدود البحرية مع حكومة الوحدة الوطنية بدولة ليبيا”(وفقاً لتقرير أفريقي: الطاقة الإنتاجية القصوى في ليبيا لن تتجاوز 1.8برميل/يوم) .

قال وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية محمد عون في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر في 8 يناير 2023  “إن هناك احتمالات حقيقية لإيجاد حلول ودية مع دول مثل اليونان ومصر وقبرص فيما يتعلق بترسيم الحدود الحدود البحرية , وقال إن العالم وصل إلى مرحلة متقدمة من التقنين لتحديد الحدود البحرية سواء من خلال الحلول الودية أو من خلال محكمة العدل الدولية ، وأضاف أن بعض الدول لجأت إلى الحلول الأحادية الجانب بدلا من الحوار والتوافق مُوضحاً أن القوانين البحرية حددت المياه الإقليمية بـ 12 ميلا بحريا من أول نقطة برية في الدولة المعنية وأن هناك آليات محددة لقياس وفصل المسافة بين أي دولتين متجاورتين بحريتين وأشار عون إلى وجود اكتشافات نفطية ضخمة في البحر المتوسط لمصلحة ليبيا التي لديها الكثير من الاحتياطيات النفطية التي لم يتم اكتشافها على اليابسة والبحر و أن الدراسات الجيولوجية تثبت وجود هذه الاحتياطيات في المياه الاقتصادية الليبية بشرق وغرب البحر المتوسط وأن المؤسسة الوطنية للنفط (NOC) تُخطط لزيادة الإنتاج إلى مليوني برميل سنويًا خلال 3 سنوات مع توقع زيادة تدريجية في الإنتاج بين (1.3 و 1.5 مليون برميل) في عام 2023  وأن هذه الزيادة تعتمد على آلية النشاط المنقول وعلي انجاز انشطة التطوير لآبار النفط , وأردف فقال أن الحكومة تحاول تشجيع الشركات الأمريكية على العودة للعمل في ليبيا حيث يعتمد قطاع النفط والغاز على التكنولوجيا الأمريكية و أن ردود فعل المسؤولين الأمريكيين كانت إيجابية بعد أن اطلعوا على رؤية الوزارة لقيادة قطاع النفط الليبي بشفافية وكفاءة عالية لاستكمال المشاريع المستقبلية بحيث يتم زيادة إنتاج الدولة الليبية من النفط والغاز .

وفي تطور ذا صلة قال مصدر قضائي إن محكمة ليبية علقت في 9 يناير 2023 اتفاقًا للتنقيب عن الطاقة وقعته حكومة طرابلس العام الماضي مع تركيا مما أوقف اتفاقًا أغضب قوى متوسطية أخرى وأثار أزمة ليبيا الداخلية , وتتضمن هذه الاتفاقية نطاقًا لاستغلال النفط والغاز في المياه التي أعلنت أنقرة وطرابلس أنها ملك لهما ولكن تطالب بها مصر واليونان جزئيًا , وقد أثارت هذه الصفقة التنافس في شرق البحر المتوسط وأدت إلى مواجهة سياسية في ليبيا بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس غربي ليبيا وبرلمان شرقي الذي يرفض شرعيتها , وقال المصدر إن محكمة الاستئناف في طرابلس التي أصدرت حكم يوم 9 يناير تركت مجالا لحكومة الوحدة الوطنية للطعن في الحكم دون إعطاء مزيد من التفاصيل حول أساس قرار المحكمة , جدير بالذكر أنه في وقت لاحق من عام 2019أبرمت أنقرة وطرابلس اتفاقًا لإنشاء حدود بحرية في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط المتنازع عليها أيضًا بين مصر واليونان الخصم التاريخي لتركيا مما دفع كلا البلدين إلى رفض الاتفاقية  , لكن قال وزير الخارجية التركي قال يوم 12 يناير 2023 “أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية طلبت من تركيا ألا تأخذ على محمل الجد حكما قضائيا بتعليق صفقة التنقيب عن الطاقة التي وقعتها حكومة طرابلس مع أنقرة العام الماضي ” , وقد أضاف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ،  قوله في بث تلفزيوني مباشر ” إن أنقرة كانت على اتصال برئيس حكومة طرابلس عبد الحميد دبيبة الذي أوضح أن حكم المحكمة هذا ليس الحكم النهائي ” وقال جاويش أوغلو “إن الحكومة ما زالت تدعم الصفقة وأخبرونا أنهم ماضون في العمل اللازم ويجب ألا نأخذ حكم المحكمة هذا على محمل الجد لإن هذا حكم أولي ويمكن للحكومة أن تتخذ إجراءات الشكوى في القضية.”  وقال محمد حمودة المتحدث باسم حكومة دبيبة لرويترز يناير 2023   “قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ، إن حكومة الوحدة الوطنية الليبية أبلغت أنقرة بالتزامها بمذكرة تفاهم النفط والغاز بينهما ، وفق ما نقلته وكالة أنباء الأناضول التي قالت إن تصريحات جاويش أوغلو جاءت في بيان أدلى به في العاصمة الرواندية كيجالي  يوم 12 يناير 2023 عندما تطرق إلى قرار محكمة استئناف طرابلس بوقف تنفيذ مذكرة التفاهم في مجال المحروقات (النفط والطبيعي الغاز) الموقعة بين البلدين في أكتوبر الماضي , وأشار وزير الخارجية أوجلو إلى أن أنقرة اتصلت على الفور برئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة عقب القرار الذي أصدرته محكمة استئناف طرابلس في 9 يناير 2022 , وبحسب وكالة أنباء الأناضول ، قال جاويش أوغلو أيضًا إن الجانبين وقعا المذكرة خلال زيارته لطرابلس في 3 أكتوبر 2022 موضحًا : “أنه مثل باقي مذكرات التفاهم التي وقعتها ليبيا مع دول أخرى فإنها لا تحتاج إلى يتم تمريرها من قبل البرلمان , وقد قررت المحكمة تعليقه ، لكن هذا قرار وليس حكماً نهائياً أبلغتنا الحكومة (الليبية) بالتزامها بالمذكرة وقالت إنها تتابعها عن كثب. ونتيجة لذلك ، فإن اتفاقية التعاون هذه مهمة للغاية. لليبيا ايضا “. وعموماً فإن القضية لم تنته حتى يصدر حكم نهائي في الموضوع   .

في يناير 2023الماضي أشار الأستاذ المتقاعد عيران ليرمان وهو المدير التنفيذي في معهد القدس للاستراتيجية والأمنJISS إلي الدور المهم الذي تلعبه اليونان وقبرص وهما عضوان أيضًا في تحالف استراتيجي في المنطقة وحث الكيان الصهيوني على التنصل من أحدث التطورات التركية الليبية وهي المذكرة الموقعة بينهما , وأشارإلى أن الادعاءات التركية غير المؤيدة بالسيادة على جزر بحر إيجه وخاصة تهديدات أنقرة “يجب أن تقلق جميع الشركاء في الاصطفاف الإقليمي” في شرق البحر الأبيض المتوسط كما أكد أن المذكرات التركية الليبية لا تتماشى مع قانون البحار وتنتهك حقوق الجزر اليونانية المهمة , وقال أن اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين اليونان ومصر لعام 2020 ليست صالحة فقط من الناحية القانونية والجغرافية ولكنها أيضًا بمثابة مؤشر على مرونة اليونان على طاولة المفاوضات !!!!! .

لم يُرصد حتي الآن رد فعل صهيوني حتي الآن فيما يتعلق بالقرار الأحادي المصري لتعليم الحدود البحرية مع ليبيا , لكن هذا القرار المتأخر رآه محللون علي أنه يزج أنقرة تلقائياً في معركة ترسيم الحدود الليبية المصرية ذلك أنه يحافظ علي وتيرة مُتصاعدة  للخلاف بين مصر وتركيا وشرق المتوسط  , كما أن محللون آخرون يعتبرون الخطوة المصرية الأحادية تُشير إلي عدم رغبة القاهرة في الاعتراف بحكومة الدبيبة بعد فشلها في إجراء انتخابات في نهاية فترة ولايتها تماشيا مع الاتفاق السياسي الموقع في جنيف عام 2020 وبوجه عام فلم يثر هذا القرار المصري تركيا فقط لكنه أيضاً أثار بدرجة أكبرغضب حكومة عبد الحميد دبيبة المنتهية ولايتها في طرابلس , مع أن تركيا تظاهرت بحث مصر وليبيا على بدء “حوار” ومفاوضات بأسرع ما يمكن من أجل تحديد الحدود البحرية بين البلدين وفقا للقانون الدولي , هذا وقد فاجأ تحرك أنقرة  بعضهم حيث تواجه أنقرة نفسها انتقادات من اليونان وقبرص ومصر لتوقيعها اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية مع حكومة فايز السراج الليبية التي انتهت ولايتها في عام 2019 ، وسط فتن وانقسامات ففي ذلك الوقت قال منتقدون إن الاتفاق فرض على طرابلس التي كانت بحاجة إلى مساعدة عسكرية تركية مقابل اتفاق ترسيم الحدود , ويرجع محللون الخطوة المصرية الأحادية إلى عدة أسباب منها عدم رغبة القاهرة في الاعتراف بحكومة الدبيبة بعد فشلها في إجراء انتخابات في نهاية فترة ولايتها تماشيا مع الاتفاق السياسي الموقع في جنيف عام 2020 , فمصادر مصرية تشير إلي أن تحرك القاهرة يبعث برسالة إلى أنقرة مفادها أن أي تقارب مع حكومة القائمة بالقاهرة لا يغير الكثير في نزاع شرق البحر المتوسط الذي يضع مصر (بإستمرار) في مواجهة تركيا التي قد تتقارب يوماً مع الكيان الصهيوني وتعمل علي إحداث أو فرض معادلة جديدة فيما يتعلق بشرق المتوسط وقد تتقارب قليلاً مع اليونان تتبعها جمهورية قبرص اليونانية , فهناك عوامل أخر ليس من بينها علاقات القاهرة مع هذا الثلاثي , ويُحسن أن تتحسب القاهرة لهذا الإحتمال البعيد نسبياً ولكنه مُتصور , فايونان دأبت علي إعاقة المصالح التركية , فقد وقعت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس في 3 أكتوبر2022 مذكرة تفاهم مع تركيا تسمح للأخيرة بالبدء في التنقيب والحفر في منطقة الحدود البحرية بين البلدين والتي تم وضعها بناءً على الاتفاقية المثيرة للجدل المبرمة بين البلدين في نهاية عام 2019 , وأعتبر عقيلة صالح  رئيس مجلس النواب الليبي هذه المذكرةغير قانونية وغير ملزمة لأن ولاية حكومة الدبيبة “منتهية قانونا”.

يأتي المرسوم المصري بترسيم الحدود البحرية بصفة أحادية في المسار الليبي ولذلك يُعد المرسوم المصري حتي وإن لم تقصد مصر مُحققاً لاستراتيجية اليونان الإقليمية الأوسع مدي لكبح جماح أنقرة وتأثيرها على ليبيا , ولذلك ومنذ أوائل نوفمبر أجرت شركة إكسون موبيل مسوحات زلزالية في مبنيين قبالة جزيرة كريت على أمل اكتشاف موارد الطاقة , كما أن القرار المصري بالانخراط في الجدل الليبي التركي بشأن ترسيم الحدود قد يوفر لدبيبة تحويلاً مرحبًا به بعيدًا عن عاصفة الانتقادات التي واجهها في الأيام الأخيرة في ليبيا. كان هذا بسبب تسليمه إلى الولايات المتحدة عميل المخابرات السابق أبو عجيلة محمد مسعود خير المريمي ، المطلوب من قبل الولايات المتحدة بزعم صنع القنبلة التي أسقطت رحلة بان آم 103 المتوجهة إلى نيويورك فوق لوكربي ، اسكتلندا ، فقط. قبل أيام من عيد الميلاد عام 1988 ، تسببت في مقتل 259 من الركاب وطاقم الطائرة و 11 شخصًا على الأرض .

يأتي المرسوم المصري بشأن تحديد حدود مصر البحرية المُتاخمة لليبيا ليثير مُجددا العاصفة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​فمنذ الإعلان عن اكتشاف غاز في شرق البحر المتوسط ​​نشب النزاع الإقتصادي بين دول المنطقة بعد أن كان نزاع سياسي / عسكري , وبدأت الخلافات الحادة تظهر بسماتها التاريخية  بشأن الحدود البحرية لكل منها فكانت هناك ضرورة حاسمة لبيان وترسيم الحدود البحرية وكان مرسوم تحديد مصر لحدودها البحرية تطور سبقته تطورات بين دول شرق المتوسط ولذلك أثار هذا المرسوم كما هو متوقع الخلاف الإقليمي والتساؤلات المنطقية حول أصوله وكيفية تأثيره على المصالح الجيوستراتيجية لمصر في منطقة شرق البحر المتوسط ​​الغنية بالغاز ، وكذلك مشاكلها السياسية – خاصة القضايا المتعلقة بليبيا وانعكاساتها على عملية المصالحة المصرية التركية , يتزامن قرار مصر بعد شهرين من توقيع تركيا وليبيا اتفاقًا للتنقيب عن النفط والغاز , وقد رفضت مصر واليونان الاتفاقات التركية / الليبية وسط معارضة للأنشطة التركية في المياه المتنازع عليها بشرق البحر المتوسط ​​.

  • لكن من بين الأستلة الرئيسية الآتي : ما هو دافع مصر؟ لماذا أعلنت الترسيم من جانب واحد؟

الدافع الرئيسي هو أولاً عدم ترك الحيز الليبي حراً لتركيا فالمرسوم الذي صدر بشأن الحدود البحرية يعني بغض النظر عن موقف مصر من المنازعات السياسية الداخلية في ليبيا أن مصر ربما تدخل في تفاوض لتحديد ثنائي للحدود البحرية وضعاأ في الإعتبار أنها دعوة أيضاً لتركيا لتدخل في مرحلة ما وفي وقت ما في مفاوضات مماثلة فالحلف اليوناني / القبرصي / الصهيوني واضح أن حيز مصر فيه لا يناسبها ثانياً تذكير ليبيا بأن جوار مصر الجغرافي ومكانتها في التاريخ الليبي يؤهلها لفرض أسبقيتها علي تركيا بمعني أن الجغرافيا تعمل لصالح مصر ولهذا أتخذت قرارها بإصدار هذا المرسوم الذي قد يوفر لها مُبرر مزيد من التخل السياسي والعسكري في مرحلة لاحقة دعماً لحق مصر في التنقيب داخل حدودها الإقليمية وفقًا للقانون الدولي فمن المرجح أن تمتلك المنطقة احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي على مستوى عالمي فقد تم استخراج 10% منها فقط وهناك دلائل على أنه قد تكون هناك آبار في المنطقة يمكن أن تلبي بعض طموحات مصر ثالثاً التوقيت الصحيح لإستصدار مصر مرسوم ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا كان أولي أن يكون في عهد وجود حكومة قوية إبان عهد القذافي ( سبتمبر 1969 حتي أكتوبر 2011) حتي يكون ثنائي الصلاحية أما الآن وهناك حكومتان ضعيفتان تتنازعا النفوذ علي ليبيا أو علي جزء منها فمعناه أن مصر تعلم مُسبقاً أن صلاحية هذا المرسوم محدودة  إذ لا يلزم أي من الحكومتين المتنازعتين الضعيفتين داخل ليبيا ومن ثم فالمرسوم سيظل قاصراً علي تغطية إدعاءات مصر ومنازعة ليبيا لا أكثر , لكنه قد يجر مصر أكثر لمنازعة ليبيا فمصر لديها استراتيجية طويلة الأمد قد تمتد حتى عام 2040 لتحقيق معظم أهدافها الاقتصادية المتعلقة بالطاقة – كما يقولون – والتي تتمثل مرحلتها الأولى في الانطلاق من التخلي عن واردات الطاقة تحقيق الاكتفاء الذاتي وإستخدام ما تبقى من الطاقة المصدرة إلى أوروبا مما قد يؤدي في النهاية إلى ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للطاقة , ولن يتحقق لمصر ذلك أو بعضه إلا بإتفاق مع ليبيا وهو إتفاق مهم لأنه قد تتمكن مصر به من الحصول علي العدالة والإنمصاف الذي لم يتأت لها فمصر تقع بين محورين واضحين: الأول يتمثل في قبرص واليونان وكيان الصهاينة وكان ذلك محوراً له هدف واضح يتمثل في فرض ترسيم بحري خاطئ على حساب مصر وليبيا وحق تركيا والثاني هو المحور الذي تمثله تركيا وليبيا وقد خطط هذا الخط لإعادة ما يقرب من 15000 كيلومتر مربع من المساحة البحرية إلى مصروكان يجب على مصر أن تتخلى عن هذه المنطقة البحرية لليونان بطريقة لا تتماشى مع مصالح البلاد العليا , ولهذا فالمرسوم خطوة ستكون ذكية لو أن من بين أهدافه الرئيسية جذب ليبيا للتفاوض بشأن الحدود البحرية  .

لكن وعلي وجه العموم فالصراعات السياسية بين دول شرق المتوسط يشيع مناخ متوتر في المنطقة كما أنه يرفع من درجة مخاطر الإستثمار لدي الشركات الكبري المعروفة أي أن هناك خشية وحذر وترقب لدي هذه الشركات جميعاً , وليس من المصلحة حتي وإن كانت إتفاقات تحتية بين بعض شركات التنقيب والبحث عن البترول والغاز أن يظل هذا المناخ المتوتر طويلاً فالفائز المحتمل هو هذه الشركات .

بعد هذه الخطوة قال وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره اليوناني إن بلديهما رفضتا مذكرة تفاهم ترسيم الحدود الليبية التركية ، بحجة أن ولاية حكومة الوحدة الوطنية “قد انتهت وبالتالي لا يحق لها إبرام عقود واتفاقيات مع جهة دولية” , ويُذكر أن البرلمان الأوروبي قد حث السلطات الليبية على إلغاء مذكرة التفاهم مع تركيا واتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين , وقالت مصادر دبلوماسية تركية لوكالة أنباء الأناضول التركية في يناير2023 إن أنقرة تريد من ليبيا ومصر بدء “الحوار والمفاوضات بأسرع ما يمكن” من أجل “حل الخلافات بين البلدين حول ترسيم الحدود البحرية” ، معتبرة أن لم يتم الاتفاق على خط الحدود من خلال المفاوضات الثنائية بين ليبيا ومصر ” وقالت هذه المصادر إن تركيا “تفضل الحوار والمفاوضات بين مصر وليبيا في أقرب وقت ممكن” لترسيم الحدود بينهما وأن قرار مصر لا يتداخل مع الجرف القاري لتركيا بشرق البحر المتوسط , كما شدد الأتراك علي قولهم بأن”خط الحدود البحرية من جانب مصر والمعلن في مرسوم 11/12/2023  يبدو أنه ينتهك حقوق الجرف القاري لليبيا حيث تم رسمه غرب الخط الفاصل بين سواحل البر الرئيسي لهذين البلدين”.

رغم ما تقدمت الإشارة إليه وخاصة عدم تعارض المرسوم المصري مع خط الجرف القاري التركي إلا أنه يمكن القول أن محاولات التقارب المصري التركي قد منيت بإنتكاسة فإعلان مصر من جانب واحد عن حدودها البحرية الغربية مع ليبيا في مرسوم وقعه الرئيس  الرئيس المصري بالإضافة إلى كونه إشارة قوية ضد  للمذكرة التركية الليبية مؤشر خطير للغاية على هذه الإنتكاسة في الجهود الدبلوماسية للرئيس التركي ، هذا بالإضافة إلي إن الشوكة الرئيسية في التقارب التركي المصري تتمثل في عدم القدرة على الاتفاق على موعد إجراء الانتخابات في ليبيا وبالنسبة لمصر التي تخوض صراعًا في مواجهة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء يُنظر إلى فتح جبهة ثانية في الغرب (ليبيا) على أنه تهديد إن لم يكن عملاً عدائيًا بشكل علني .

في الواقع أن المرسوم الرئاسي المصري المُتعلق بتحديد الحدود البحرية مع ليبيا يُعتبر من الوجهة العملية تجاهلاً مصرياً لكل ما تضمنه الإتفاق التركي / الليبي بشأن الحدود البحرية بينهما , فوفقاً للمرسوم الرئاسي المصري تحددت حدود مصر البحرية مع ليبيا لتبدأ من النقطة رقم 1من الحدود البرية بين مصر وليبيا لمسافة 12 ميلا بحريا حتى النقطة رقم 8 , وبالتالي فإن خط الحدود البحرية يمتد من النقطة رقم 8 باتجاه الشمال” كما ينص هذا المرسوم الذي يعتبر متوافقاً مع ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ) بين أثينا والقاهرة  , ويعد هذا المرسوم المصري في ترسيم حدود مصر وليبيا الحرية مُتسقاً مع وجهة النظر اليونانية فالتطورات الأخيرة حول جزيرة كريت  تُعد بمثابة درع لحماية حقوق اليونان حيث أعقب التنقيب عن المحروقات إلى جنوب غرب الجزيرة بناءً على طلب شركة النفط الأمريكية العملاقة إكسون موبيل هذا المرسوم  الرئاسي المصري الذي نقل مطالبات مصر ضد ليبيا إلى الغرب ، مما وجه ضربة أخري للمذكرة التركية الليبية , لكن على الرغم من أن المرسوم لا يصل إلى الخط الوسطي (كما تراه اليونان) إلا أنه يترك مجالًا لاتفاقية ثلاثية مستقبلية بين اليونان ومصر وليبيا ، إلا أنه يغطي عمليًا المزيد من جزيرة كريت ضد احتمال مطالبة طرابلس بإجراء التنقيب عن طريق شركة البترول التركية. شركة (TPAO) في نقطة بالقرب من شرق الجزيرة , ومع إتفاق التعاون في قطاعي البحث والإنقاذ الجوي والبحري والتي إتفقت بموجبها مصر واليونان على القيام بعمليات البحث والإنقاذ المشتركة في المنطقة المتنازع عليها , حيث “تحدد الاتفاقية حدود الاختصاص ومجالات المسؤولية عن البحث والإنقاذ بين اليونان ومصر والمحددة بمناطق معلومات الطيران لأثينا والقاهرة على التوالي ، مع التطبيق الكامل والاحترام المطلق للقانون الدولي  .

من المفترض بعد إصدار مصر هذا المرسوم  أن تكون رغبة طرابلس في الاستكشاف جنوب الجزء الشرقي من جزيرة كريت أكثر صعوبة في تلبيتها ، فعلى الرغم من أن المرسوم لا يصل إلى الخط الوسطي (كما تراه اليونان) مما يترك مجالًا لاتفاقية ثلاثية مستقبلية بين اليونان ومصر وليبيا ، إلا أنه يغطي عمليًا المزيد من جزيرة كريت ضد احتمال مطالبة طرابلس بإجراء التنقيب عن طريق شركة البترول التركية شركة (TPAO) في نقطة بالقرب من شرق الجزيرة , وكان هذا ثاني تحدٍ خطير تطرحه مصر على بنود المذكرة التركية الليبية. كان الأمر الأكثر إلحاحًا بالنسبة لأنقرة هو أنها لم تأت بعد اتفاق مع اليونان ، ولكن بناءً على مبادرة أحادية الجانب من الرئيس المصري , من خلال اقتران إعلانات الرئيس المصري باستكشاف إكسون موبيل إلى الجنوب الغربي من جزيرة كريت ، يصبح من الواضح بحكم الأمر الواقع لإدارة طرابلس أنها لا تستطيع العمل فقط لخدمة المصالح التركية بطريقة تنتهك حقوق ومخاوف الدول الأخرى في المنطقة  جاءت رسالة الرئيس المصري (المرسوم) مباشرة بعد الرسالة المشتركة من وزيري خارجية تركيا وطرابلس إلى الأمم المتحدة ضد حقوق اليونان قبالة جزيرة كريت , وبالتالي يمكن إستنتاج حقيقة مفادها أنه أصبح الآن لدينا سيناريو مُحتمل للمواجهة بين مصر وتركيا وليبيا وهذه المواجهة سياسية في المقام الأول وربما عسكرية (وهي مُستبعدة جداً) لولم يحافظ أي من أطرافها الثلاث القنوات التفاوضية المفتوحة فعلاً حتي إصدار مصر لهذا المرسوم فقد يؤدي إصدار مصر لهذا المرسوم لتنازلات تركية إضافية تقدمها لمصر في ملف آخر قد يكون في ملف يتعلق بالإحتمالات البترولية والغازية في البحر المتوسط , فعلي سبيل المثال لا الحصر كانت حكومتي شمال قبرص التركية والحكومةالتركية رفضتا معاً وبقوة عمل كونسورتيوم بترولي يضم ENI  و Total فاز بإمتياز القطاع رقم 6 , لكن شركة ENI وحدها مُنحت إمتياز القطاع 8 , فيما ظفر كونسورتيوم آخر يضم  Exxon Mobil و Qatar Petroleum بالقطاع رقم 10والذي وقع هذا الكونسورتيوم عقد إلإستكشاف والإستغلال للهيدروكربون بهذا القطاع مع حكومة نيقوسيا في 5 أبريل 2017 , وقد إعترضت تركيا علي كل ذلك وصدر بيان رسمي تركي في 7 أبريل 2017أوجز وجهة النظر التركية حيث أشار إلي ” أنهم – أي الحكومة التركية – تجد في ذلك المسلك ما يدعو إلي القلق كونه من غير المقبول أن يصر الجانب القبرصي اليوناني علي التصرف بإعتباره المالك الوحيد للجزيرة ويستمر في أنشطته أحادية الجانب خاصة في فترة كان عليه أن يُبدي إرادة سياسية قوية فيما يتعلق بإقامة شراكة جديدة مع شعب قبرص التركية , ولقد لفتنا الانتباه مرارا إلى الطبيعة الإشكالية للأنشطة التي تقوم بها الشركات الهيدروكربونية في المناطق البحرية التي للقبارصة الأتراك حقوق فيها , وعلاوة على ذلك ، فإن جزءًا كبيرًا من أحد المجالات ذات الصلة بهذه الأنشطة بالقطاع رقم 6 والذي يقع داخل الجرف القاري التركي ولا يجوز أبدًا لأي شركة أجنبية تحت أي ظرف من الظروف القيام بأنشطة استكشاف واستغلال غير مصرح بها للهيدروكربونات في مناطقنا القانونية البحرية ” , وأشار بيان الحكومة التركية كذلك إلي إتفاقها مع النقاط الواردة في البيان المُنفصل الصادر عن وزارة خارجية حكومة شمال قبرص التركية بشأن الأطقم الفنية لشركة  ENIالإيطالية  في موقع الإستكشاف البحري , كما صرح وزير الخارجية التركي في 14 أبريل 2017 بأن الجانب القبرصي اليوناني لم يتخذ الخطوة الصحيحة بشأن إحتياطيات الغز الطبيعي والبترول وأن بلاده ستتخذ بعض الخطوات إزاء ذلك وأنهم سوف لا يسمحون بأي خطوات أحادية بالتعاون مع شركات وكونسورتيوم دولي في هذا الشأن , ويُشار إلي أن  شركة ExxonMobil الأمريكية للبترول دخلت علي نفس الخط مع شركة ENI الإيطالية  إذ أنها هي الأخري ستشرع في بدء الإستكشاف بالمنطقة البحرية أيضاً , وبالتالي فسيُسهم البترول كما العهد به في تشكيل العلاقات الدولية والنزاعات الطارئة عليها , سيُسهم في إضافة بعد جديد لكنه أكثر خطورة من الأبعاد السياسية والأمنية الأخري التي تُشكل بنيان القضية القبرصية التي نشأت إثر التدخل العسكري التركي في قبرص الذي بدأ في 20يوليو1974 وأستمر حتي أغسطس 1974 .

إن المرسوم الذي أصدرته مصر في شأن ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا يعتبر بإمتياز ترسيماً أحادي الجانب بموجب قانون البحار , وقد أشاربيتروس لياكوراس أستاذ القانون الدولي ومدير برنامج الدراسات الدولية والأوروبية في جامعة بيرايوس لصحيفة كاثيميريني اليونانية : “إن مصر تريد إثبات مطالباتها بالمناطق التي تم استبعادها من الترسيم اليوناني المصري غرب خط الطول 26” , وشدد على أن مرسوم الرئيس المصري “يكبح الجانب الليبي من الترسيم الليبي التركي” وأضاف “الآن يمتد هذا الخط هذا يساعدنا لأنه يقطع بشكل أكبر إسقاط الساحل التركي تجاه ليبيا ” ,

رأي الجانب الإيطالي نُذر أزمة قد تؤثر علي جهود التقارب الذي ترجوه مصر بين طرابلس وبني غازي أي بين حكومة الدبيبة وبين خصومها في شرق ليبيا  , لذلك كشف مصدر دبلوماسي غربي في القاهرة في أول يناير 2023 أن إيطاليا أجرت اتصالات مؤخراً مع مصر بهدف الوساطة مع ليبيا لحل أزمة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وأوضح  هذا المصدر الذي تحدث إلى صحيفة العربي الجديد بشرط عدم الكشف عن هويته أن الوساطة الإيطالية تأتي في إطار جهود روما للحفاظ على حد أدنى من الأمن والاستقرار في ليبيا في ظل موجات الهجرة غير الشرعية التي تستقبلها إيطاليا والقادمة إلى الساحل الليبي ذلك أن عدد المهاجرين غير الشرعيينلإيطاليا  قد ازداد في الشهرين الماضيين , ويبدو أن المرسوم الرئاسي المصري قد رؤي من أطراف ليبية علي أنه أزمة وتستحق الوساطة , فقد أُعلن في 4 يناير 2023 أن كل من دخل المجلس الرئاسي الليبي برئاسة محمد المنفي مع حكومة الوحدة المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة أعلنا عن أنهما على خط أزمة ترسيم مصر للحدود البحرية  فقد قال عبد الله اللافي عضو المجلس خلال لقائه يوم 4 يناير 2023 مع رئيس لجنة الحدود البرية والبحرية محمد الهاري : ” أن موضوع ترسيم الحدود بين الدول ليس موضوع عمل أحادي حيث ينظم بقواعد ثابتة” في القانون الدولي وتحكمه آليات معترف بها تحافظ على حقوق جميع البلدان ” وأشار اللافي في بيان وزعه المجلس إلى : “التزام الدولة الليبية مثلها مثل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي  بقرار منظمة الوحدة الأفريقية(سابقا) باحترام الحدود الموروثة من الاستعمار”  , ففي 11 ديسمبر   2023 صدر مرسوم مصري بتحديد الحدود البحرية مع ليبيا  في البحر المتوسط رفضته حكومة الدبيبة  وعرضت “إجراء محادثات رسمية بين البلدين” , كما رفضه مجلس النواب الليبي لأنه من جانب واحد  ولم تُستشر ليبيا فيه دون   واعتبر ذلك بحسب لجنتي الخارجية والدفاع في مجلس النواب الليبي “انتهاكًا للسيادة الليبية” في مياه البحر المتوسط , وقد أعربت اللجنتان في بيان مشترك عن “استغرابهما لإعلان مصر هذه الخطوة” ، ودعتا الدولة المصرية إلى “التراجع عنها على الفور” , واعتبر محمد المنفي عضو الجلس الرئاسي أن “ما حدث يعد تعدياً على روح الأخوة وانتهاكاً للسيادة لا يمكن قبوله فهو ترسيم غير عادل بموجب القانون الدولي وتعد صريح على حدود ليبيا البحرية وأن الترسيم يضر بالآخرين ويضر بالعلاقات التاريخية بين البلدين وتوقع أن تأخذ القاهرة في الاعتبار الظروف السياسية “. الوضع الصعب الذي تمر به ليبيا  .

ومن الضروري لرؤية أكثر شمولاً أن نستعرض حدود مصر البرية والتي تعد أساس تحديد نقاط البدء في حدودها البحرية حتي يمكن إستنتاج وإسخلاص أصوبية الموقف المصر الآن ومستقبلاً , وأشير تالياً لحدود مصر الشرقية مع فلسطين والغربية مع ليبيا والجنوبية مع السودان ثم الشمالية مع قبرص في سياق عرضي لأزمة ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا ومصر لأدلل فقط علي أن حدود مصر كلها وكل الدول التي خضعت لقوي الإستعمار التقليدي وُضعت بعقلية إستعمارية ولخدمة المصالح الإستعمارية  .

 (1)  حدود مصر مع فلسطين :

حدود مصر مع فلسطين كانت مصر وفلسطين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تابعتين للإمبراطورية العثمانية , لكن بموجب الفرمان الصادر عن السلطان العثماني عام 1841 مُنح محمد علي باشا وبالوراثة لأبناءه  باشوية مصر التي كانت بذلك ذات وضعية خاصة داخل هذه الإمبراطورية وخُولت مصر بإدارة سيناء وخلال حكم خديويي مصر التاليين لمحمد علي باشا الأب لم تُحدد الحدود المصرية في سيناء بدقة , كما لم تحدد أبداً بوضوح الحدود الغربية لولاية الحجاز المجاورة , وثارت مسألة الحدود أول مرة عندما أعرب المندوب السامي البريطاني في مصر السير إيفيلين بيرنج  (كرومر) عن قلقه للإختلاف ما بين نص فرمان السلطان العثماني الصادر في 27 مارس 1891 بتولية الخديو عباس حلمي  مع نص الفرمان الصادر لسلفه حيث أغفل الفرمان الجديد الإشارة لأراضي سيناء التي كان يديرها من حكموا قبل تولية الخديو عباس بل أشار هذا الفرمان إلي أن الأراضي التي تقع تحت إدارة خديوية مصر هي الواقعة وراء الخط من رفح إلي السويس , وبعث الصدر الأعظم برقية للخديوي في 8 أبريل 1892 يؤكد فيها أن بعض مواقع الحاميات المصرية الموجودة خارج سيناء بما في ذلك العقبة  يجب إعادتها لولاية الحجاز علي ان يظل الوضع الراهن علي ماهو عليه بالنسبة لسيطرة الخديو الإدارية علي الأجزاء من سيناء الواقعة شرق خط رفح – السويس , ثم كتب لورد كرومر بتاريخ 13 أبريل 1892 إلي تيجران ناظر الخارجية المصرية مُبلغاً إياه بموافقة بريطانيا العظمي علي تأكيد إدارة مصر لسيناء مُشيراً إلي أنه ” يفهم أن شبه جزيرة سيناء تتكون من الأراضي التي يحدها شرقاً خط يسير في الإتجاه الجنوبي الشرقي بين نقطة تبعد مسافة قصيرة شرق العريش إلي رأس خليج العقبة ( بحيث تكون العقبة ذاتها تابعة لولاية الحجاز ) , ولم تكن حدود مصر مع المناطق التي يسيطر عليها الأتراك في سيناء مُحددة , ولكن وفي الأول من أكتوبر 1906 وُقع إتفاق بين مصر وتركيا تم بموجبه وضع الحدود إلي الشرق من سيناء وكانت عبارة عن خط مُستقيم تقريباً بين البحر الأبيض المتوسط بالقرب من رفح وحتي رأس خليج العقبة , وكانت الخرائط التي طُبعت قبل هذا الإتفاق تُظهر الحدود مُمتدة لجهة الجنوب الشرقي قريباً من العريش حتي رأس خليج العقبة , وعلي الرغم من التبعية الإسمية للإمبراطورية العثمانية حتي عام 1906 إلا أن مصر كانت في الواقع مملكة تحت الحماية البريطانية المُحتلة للأراضي المصرية منذ 1882 وحتي 1914 , ولكن وفي 8 مايو من عام 1892 صدر فرمان من السلطان العثماني منح بموجبه الخديوي عباس الحق في إدارة سيناء وهو الحق الذ تأكد بموجب تبادل المذكرات بين المملكة المصرية وتركيا عام 1906 , كذلك فقد أصدرت بريطانيا عام 1892 إعلاناً من جنب واحد لم تسرد عليه تركيا كان يتضمن وضع الحدود كخط مستقيم يبدأ مباشرة من شرق العريش حتي رأس خليج العقبة , وكانت السياسة البريطانية فيما يتعلق بمصر آنئذ ذات شقين فهي تريد إبقاء سيناء الإدارة المصرية بإعتبارها أرضا قفر ومنطقة عازلة لحماية قناة السويس أما الشق الثاني فهو أن بريطانيا كانت تريد تأمين خليج العقبة من مغبة إستخدام دول غير صديقة يمكنها بذلك تهديد الطريق البحري إلي الهند , ولذلك وقبل توقيع إتفاق 1906 المُشار إليه إقترحت تركيا رسم خط  مُستقيم للحدود يقع علي مسافة قصيرة إلي الغرب من العريش وحتي السويس ومن ثم منه إلي رأس خليج العقبة , كما أقترحت تركيا أيضاً وكبديل للمقترح السابق رسم خط مستقيم أيضاً للحدود من نقطة تقع علي مسافة قصيرة غرب العريش مُمتد حتي رأس محمد علي طرف شبه جزيرة سيناء , لكن وجهة النظر البريطانية في هذا الموضوع هي التي تغلبت وبالتالي رُسم خط الحدود مُشابهاً للإعلان الذي أصدرته بريطانيا من جانبها عام 1892 , وبالرغم من أن الحدود بأكملها تغيرت قليلاً إلي جهة الشرق , وكان السبب الذي ساقه البريطانيين لهذا التغيير هو السوابق التاريخية لأن علامات الحدود الحدود أرسيت في رفح منذ العصور الوسطي , وإلي أن وضعت الحرب العالمية الأولي أوزارها وافقت عصبة الأمم في يوليو 1922 وواجب النفاذ في 29 سبتمبر 1923 علي أن تدير بريطانيا الجزء من الأراضي الفلسطينية المُتاخم لسيناء والذي كانت تسيطر عليه تركيا وأن تضعه تحت إنتدابها وتم أعتبار خط الحدود بين سيناء المصرية وفلسطين تحت الإنتداب البريطاني خط حدود دولية , علماً بأنه ووفقا لإتفاقية 1906 فإن الجزء من فلسطين المُتاخم لسيناء والذي كانت تسيطر عليه تركيا كان داخلاً في في نطاق ولاية الحجاز ومحافظة القدس وفقاً للتقسيم الإداري التركي , ثم وبعد الحرب العالمية الثانية جري التصويت في الأمم المُتحدة في 29 نوفمبر 1947 علي تقسيم فلسطين لدولتين واحدة لليهود وأخري للعرب  وأُعلن عن ذلك في الأول من أكتوبر  1948 ووفقاً لقرار التقسيم وُضع الجزء الخاص بالفلسطينيين علي طول طول الجزء الشمالي من حدود مصر وفلسطين فيما الجزء الجنوبي لهذه الحدود بين مصر والدولة اليهودية الجديدة  ثم وفي 15 مايو 1948 أُعلن عن قيام دولة الكيان الصهيوني وأنتهي إنتداب بريطانيا بذلك وبدأ العداء والحرب تستعر بين العرب واليهود , وأنتهت الحرب الأولي بإتفاق عام للهدنة وقعته مصر مع الكيان الصهيوني تحت رعاية الأمم المُتحدة في رودس في 24 فبراير 1949 إحتفظت مصر بموجبه بإدارة قطاع غزة (التي كان عدد سكانها عام 1946نحو 27,000نسمة) وحُددت أيضاً بموجبه منطقة منزوعة السلاح قريبة من العوجة في 22 فبراير 1950  .

جري مسح وتعليم الحدود المصرية مع فلسطين بأعمدة في الفترة ما بين 1912 – 1914 , وكان تعيينها قائماً علي أساس من إتفاق 1906 بين تركيا و مصر كنص المادة الأولي وأشارت إلي :” يبدأ الخط الإداري الفاصل , والمُبين بالخريطة المُرفقة بهذا الإتفاق من نقطة راس طابا علي الشاطئ الغربي لخليج العقبة وتسير علي طول المسافة حتي تصل للجهة الشرقية للتلال المُطلة علي وادي طابا إلي قمة جبل فورت ومن ثم يمتد الخط الفاصل علي إستقامته ……….” . ( دراسة موضوعة بمعرفة وزارة الدفاع الأمريكية بعنوان الحدود الدولية للحدود بين الكيان الصهيوني والجمهورية العربية المُتحدة . برقم 46 في الأول من أبريل 1965 ) , وكان إتفاق الهدنة العام المُوقع عام 1948 بمثابة تسوية مؤقتة Modus Vivendi وكان خط الهدنة بين مصر والجمهورية العربية المتحدة  ( مصر ) يمر عبر أراضي بور قاحلة أو شبه قاحلة فيها منحدرات حادة قريبة من خليج العقبة وكان الخط بصفة عامة مُستقيماً , ثم بعد ذلك وفي 22 فبراير 1950 أُجريت تسوية مؤقتة  Modus Vivendiلهذا الإتفاق العام عُدل بموجبها الجزء الشمالي من حدود قطاع غزة والجزء المُقابل له في خانيونس , وفي أعقاب حرب 1956 رُسم تعديل لخط الهدنة بين  الكيان الصهيوني وغزة , وعموماً فإن خطوط حدود الهدنة بطبيعها لم تعتبر بأي حال حدوداً سياسية أو حدوداً لأقليم فهي رُسمت للتعبيرعن الخطوط القريبة من خطوط توقف القتال وبالتالي فهي لا تعبر عن الحقوق والمطالب ومواقف أي من الطرفين المُوقعين علي إتفاق الهدنة , لكن وبتطور الصراع العربي الصهيوني أدت أزمة تحويل الصهاينة لنهر الأردن إلي تجدد المواجهة بين الكيان الصهيوني والدول العربية وللأسف منيت الجيوش العربية بهزيمة في حرب يونيو 1967 أحد نتائجها الكارثية أنها أدت إلي تجاوز الكيان الصهيوني لهذه الخطوط بل إلي نتائج مختلفة علي الصراع برمته ومن ثم علي الحدود وهو أمر مازلت الأمة العربية تعاني منه برغم إنتصار تكتيكي هائل أحرزه الجيش المصري والسوري كل بقدر علي الجبهتين , لكن تبقي الحدود العربية  الصهيونية مع سوريا ولبنان غير محسومة فيما هي محسومة تماما مع مصر خاصة بعد تسوية النزاع مع  الكيان الصهيوني بشأن بعض علامات الحدود في طابا بموجب حكم محكمة التحكيم بين الدولتين في 29 سبتمبر 1988  .

(2) حدود مصر مع السودان :

عُينت هذه الحدود علي خلفية معاهدة لندن في 15 يوليو 1840 التي تضمنت قواعد تسوية المسألة المصرية علي أساس من إعطاء الحكم الوراثي في مصر لأسرة محمد علي , أقرت الدول الكبري هذا المبدأ نهائياً في مذكرة مُشتركة للباب العالي مُؤرخة في 30 يناير 1841 , وعليه أصدر الباب العالي في 13 فبراير 1841 فرمانين مُنفصلين إحداهما بمنح محمد علي الحكم الوراثي في مصر والآخر بإعطائه حكم السودان في حياته ونصها بهذا الفرمان : “…. وقد قلدتكم فضلاً علي ولاية مصر ولاية مقاطعات النوبة ودارفور وكردفان وسنار وجميع توابعها وملحقاتها الخارجة عن حدود مصر ولكن بغير حق التوارث ….” , وفيما بعد إستطاع الخديو إسماعيل عام 1865 إستصدار فرمان عثماني آخر قضي بأيلولة سواكن ومصوع اللتان كانتا تابعتان لولاية جدة العثمانية لتدخلا ضمن ولاية مصر وبالتالي أصبحت هناك سيادة مصرية علي السودان الأوسط والشرقي الذي تمكنت مصر وقتها أن تنشر لواء سيادتها علي طول ساحله علي البحر الأحمر إلي ما وراء باب المندب والساحل الصومالي حتي رأس حافون , ثم وبموجب وفاق 1899 مع الخديو  حُددت حدود مصر مع إقليم السودان عند خط عرض 22 شمالاً والذي  أنشأه البريطانيون كحد إصطناعي ليس له ما يبرره من الناحيتين الجغرافية والطبوغرافية ” ( الكتاب الأخضر . مجلس الوزراء المصري. المطبعة الأميرية بالقاهرة 1953 صفحتي 191 و192) وقد أشار رئيس الوزراء المصري في خطاب آخر أمام مجلس الأمن الدولي بتاريخ 11 أغسطس 1947 موجهاً كلامه لمجلس الأمن قائلاً ” إن مجلس الأمن ليعلم حق العلم أن لإتفاقيتي 1899 طابعاً غير رسمي ” .

يُلاحظ أن مناطق الحدود المصرية مع السودان في حلايب ومع فلسطين في سيناء (بإستثناء قطاع غزة ) ومع ليبيا بينهم قاسم مُشترك وهو أنها مناطق غير آهلة بالسكان وبأن سكان هذه المناطق من البدو الرحل المنتمين لقبائل وأنها مناطق واقعة في نطاق صحراوي قفر , وربما أدي ذلك إلي أن يكون الإتجاه العام لخطوط الحدود المصرية في الإتجاهات الثلاث ليبيا والسودان وفلسطين يكاد يكون مستقيماً في أكثر من 90% من أطوالها وقد ساهم العاملين الجغرافي و الديموجرافي في غلبة هذه السمة علي خطوط هذه الحدود بالإضافة إلي أن كل من ليبيا والسودان وفلسطين في عام 1922 لم تكن لهم إرادة سياسية مُستقلة كي يبدوا رأياً وهو أمر كانت مصر تتمتع به نسبياً وفي نطاق ضيق حيث نالت إستقلالاً اسميا في 28 فبراير 1922 , كما أنه يُلاحظ أن حدود مصر مع فلسطين (تحت الإنتداب البريطاني) مُستقيمة بالرغم من توفر العامل القبلي الذي إستند إليه البريطانيون عندما علموا منطقة حلايب بحدود إدارية بذريعة تيسير إدارتها من قبل حكومة السودان القائمة بموجب توقيع الإتفاق الودي عام 1899 .

النزاع الحدودي مع السودان علي مثلث حلايب :

– يتأسس الموقف المصري وبدرجة أقل الموقف السوداني مستندياً علي وفاق 19 يناير 1899 , بإعتباره حدد الحدود بين الإقليمين المصري والسوداني وإن بشكل غير مباشر بإشارته إلي أن لفظ ” السودان ” يعني الإقليم الواقع جنوب خط عرض 22 درجة شمالاً علي النحو الوارد بنص الوفاق كما يلي :-

وفـــــاق

بين حكومة جلالة ملكة الإنكليز وحكومة الجناب العالي خديو مصر بشأن إدارة السودان في المستقبل حيث أن أقاليم السودان التي خرجت عن طاعة الحضرة الفخيمة الخديوية قد صار إفتتاحها بالوسائل الحربية والمالية التي بذلتها بالأغتحاد حكومتا جلالة ملكة الإنكليز والجناب العالي الخديو , وحيث قد أصبح من الضروري وضع نظام مخصوص لأجل إدارة ألأقاليم المفتتحة المذكورة وسن القوانين اللازمة لها بمراعاة ما هو عليه الجانب العظيم من تلك الأقاليم من التأخر وعدم الأإستقرار علي حال إلي الآن وما تستلزمه حالة كل جهة من الإحتياجات المتنوعة , وحيث أنه من المُقتضي التصريح بمطالب حكومة جلالة الملكة المُترتبة علي ما لها من حق الفتح وذلك بأن تشترك في وضع النظام الإداري والقانوني الآنف ذكره وفي إجراء تنفيذ مفعوله وتوسيع نطاقه في المستقبل , وحيث أنه تراءي من جملة وجوه أصوبية إلحاق وادي حلفا وسواكن إدارياً بالأقاليم المُفتتحة المُجاورة لهما , فلذلك قد صار الإتفاق فيما بين المُوقعين علي هذا بما لهما من التفويض اللازم بهذا الشأن علي ما يأتي وهو :

 ( المادة الأولي  )

تُطلق لفظة السودان في هذا الوفاق علي جميع الأراضي الكائنة إلي جنوبي الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض وهي :

  • أولاً – الأراضي التي لم تخلها الجنود المصرية منذ سنة 1882  .
  • أو ,
  • ثانياً – الأراضي التي كانت تحت إدارة الحكومة المصرية قبل ثورة السودان الأخيرة وفُقدت منها وقتياً ثم إفتتحتها الآن حكومة جلالة الملكة والحكومة المصرية بالإتحاد    .
  • أو ,
  • ثالثاً – الأراضي التي قد تفتتحها بالإتحاد الحكومتان المذكورتان من الآن فصاعداً   .

 ( المادة الثانية  )

يُستعمل العلم البريطاني والعلم المصري معاً في البر والبحر بجميع أنحاء السودان ما عدا مدينة سواكن فلا يُستعمل فيها إلا العلم المصري فقط .

………الإمضاءات

(   كرومر )          ( بطرس غالي)

– علي الجانب الآخر يتأسس الموقف السوداني بشأن الحدود مع مصر والتي في غالبيتها تسير مع خط العرض 22 درجة شمالاً مستندياً بصفة رئيسية علي القرارات التي أصدرها ناظر الداخلية المصري في 26 مارس 1899 و31 مايو 1902 و4 نوفمبر 1902 لتعديل الحدود في ثلاث مناطق علي الحدود بين مصر والسودان التي يمثلها خط عرض 22 درجة شمالاً وفقاً لوفاق 19 يناير 1899 والقرارات الثلاث هي :-

  • قرار وزير الداخلية الصادر في 26 مارس 1899بتحديد إختصاص محافظة النوبة وخطاب الداخلية رقم 9 إدارة مؤرخ في 26 /3/1899لمحافظة النوبة مأخوذ من العدد (35) من الوقائع المصرية الصادر في 27 /3/1899
  • وقرار ناظر الداخلية بشأن الوضع الجديد الذي نشأ علي الحدود بتاريخ 31 مايو 1902
  • قرار نــاظــر الداخـــلـــيــة بتاريخ 4 نوفمبر 1902بشأن مناطق وعربان مصر والسودان المُتضمن ضم قبائل البشارية والمليكاب قبلي إلي السودان وقبائل العبابدة إلي مصر وهو مثار النزاع الجاري بين مصر والسودان منذ 1958 وحتي اليوم وهو نزاع لم يُسحسم بعد .

– بالطبع فإن النزاع علي حلايب مُرتبط إرتباطاً تلقائياً ووثيقاً بالنزاع علي الحدود البحرية في البحر الأحمر لمصر والسودان معاً وهو لم يحل أيضاً ترتيباً علي الحدود البرية بينهما في مثلث حلايب .

(3) نزاع مصر المُفترض بشأن حدودها البحرية مع قبرص والكيان الصهيوني :-

لا أقصد بلفظ ” المُفترض ” أنه نزاع غير موجود أو مُتخيل بل أقصد أن النزاع أسبابه قائمة ولم تنته بالإتفاق الذي وُقع مع قبرص  .

وقعت جمهورية مصر العربية وجمهورية قبرص بالقاهرة إتفاقاً بتاريخ 17 فبراير 2003 لتخطيط حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة مُكوناً من خمس مواد وملحق يبين إحداثيات تعيين المنطقة الإقتصادية الخالصة لمصر وقد أشار الإتفاق في ديباجته إلي معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار المؤرخة في 10 ديسمبر 1982 , وقد أشارت الإتفاقية في البند ” E ” إلي ما نصه ” وضعاً في الإعتبارالمادة 74 من معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار المُشار إليها فإن الإحداثيات الجغرافية للنقاط 1 و 8 يمكن مراجعتها و / أو مدها عند الضرورة في ضوء التخطيط المستقبلي للمنطقة الإقتصادية الخالصة مع دول الجوار المعنية الأخري وفقاً لإتفاق يتم الوصول إليه في هذا الشأن مع دول الجوار المعنية ” , كما نصت المادة الثانية من الاتفاقية القبرصية / المصرية في هذا الشأن إلي أنه ” في حالة وجود موارد طبيعية ممتدة من المنطقة الإقتصادية الخالصة لطرف من الطرفين إلي المنطقة الإقتصادية الخالصة للطرف الآخر , فإن الطرفين سيتعاونا من أجل التوصل لإتفاق علي شروط إستغلال مثل هذه الموارد ” فيما أشارت المادة الثالثة إلي أنه ” لو أن أي من الطرفين إنخرطا في مفاوضات تستهدف تخطيط منطقتها الإقتصادية الخالصة مع دولة أخري , فإنه وقبل التوصل لإتفاق مع الدولة الأخري عليها إخطار والتشاور مع الطرف الآخر , لو أن هذا التخطيط مُتصلاً بالإحداثيات من 1 أو 8 ”  ,  وفي هذا الشأن تشير المادة 74 من معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار إلي : –

1- يتم تعيين حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة بين الدول ذات السواحل المُتقابلة أو المُتلاصقة عن طريق الإتفاق علي أساس القانون الدولي , كما أشير إليه في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية , من أجل التوصل إلي حل مُنصف .

2- إذا تعذر التوصل إلي إتفاق في غضون فترة معقولة من الزمن , لجأت الدول المعنية إلي الإجراءات المنصوص عليها في الجزء الخامس عشر .

3- في إنتظار التوصل إلي إتفاق وفقاً لما هو منصوص عليه في الفقرة 1 , تبذل الدول المعنية , بروح من التفاهم والتعاون , قصاري جهودها للدخول في ترتيبات مؤقتة ذات طابع عملي , وتعمل خلال الفترة الإنتقالية علي عدم تعريض التوصل إلي الإتفاق النهائي للخطر أو إعاقته , ولا تنطوي هذه الترتيبات علي أي مساس بأمر تعيين الحدود النهائي .

4- عند وجود إتفاق نافذ بين الدول المعنية , يفصل في المسائل المُتصلة بتعيين حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة وفقاً لأحكام ذلك الإتفاق .

من جهة أخري وقع الكيان الصهيونيوقبرص إتفاقاً لتعيين حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة في نيقوسيا في 17 ديسمبر 2010 تضمن خمس مواد وأُشير أيضاً في ديباجته إلي معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار المؤرخة في 10 ديسمبر 1982 .

لكن هناك بعض الإختلافات بين الإتفاقيتين الصهيونية والمصرية مع قبرص  منها أن تاريخ توقيعهما  بعيد زمنياً فتارخ توقيعهما يفصل بينهما من مصر 7 أعوام , كما أن الإتفاقية الصهيونية بالإضافة أشارت إلي معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار وإلي قواعد ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بالبحار وهو ما لم تشر إليه الإتفاقية المصرية , كما أن عدد نقاط الإحداثيات في الإتفاقية الصهيونية من 1 إلي 12 نقطة فيما تضمنت الإتفاقية القبرصية مع مصر 8 نقاط .

إن توقيع قبرص لإتفاقيتين بشأن حدود المنطقتين الإقتصاديتين الخالصتين مع الصهاينة ومصر المفترض بناء عليهما ألا تكون هناك مشاكل عالقة عقب توقيعها سواء بين قبرص والكيان الصهيوني أو بين مصر وقبرص , لكن ما حدث أنه وبسبب الإكتشافات الغازية التي قام بها الكيان الصهيوني إسرائيل عامي 2009 و 2010 تحولت منطقة شرق المتوسط إلي منطقة منتجة للغاز الطبيعي ومصدر مرتقب للطاقة للأسواق الأوروبية والآسيوية , لكن هذه المنطقة ليست مُستقرة حتي يُتوقع منها مساهمة منتظمة في سوق الطاقة وقد أشارت إلي هذا المعني ورقة تحليل مُعمق صادرة عن المديرية العامة للسياسات الخارجية – الإدارة السياسية بالبرلمان الأوروبي في أبريل 2014 بعنوان ” آفاق إنتاج الغاز في شرق المتوسط : أهي مود بديل للطاقة للإتحاد الأوروبي ؟  أشارت إلي ” أن الموقف  السياسي المضطرب في مصر والحرب الأهلية في سوريا والتوترات بين إسرائيل وغزة والخلاف طويل الأمد والدائم بين تركيا وقبرص والنزاعات بشأن الحدود البحرية ألقت بظلالها علي هذه الفرصة الإقتصادية , وأكثر من ذلك فإن صناعة الغاز في دول شرق المتوسط مازالت بعد في مهدها وهذه الدول يبدو أنها غير قادرة علي تنسيق خططها بشأن الصادارت مستقبلاً , كما ان اللاعبون الدوليون مستعدون لإستغلال التداعيات الإستراتيجية بشرق المتوسط فروسيا من جانبها تستهدف تأمين إحتكارها للغاز والولايات المتحدة هي الأخري تدعم مصالحها وأوروبا تريد زيادة أمانها الطاقوي وخفض إعتماديتها علي الغاز الروسي في ضوء أزمتي شبه جزيرة القرم وأوكرانيا , وعليه فإن علي الإتحاد الأوروبي أن يعود للمثلث الإستراتيجي المكون من قبرص وإسرائيل وتركيا كخطوة أولي بإتجاه بناء رواق للطاقة بشرق المتوسط ” .

(EXPO-AFET_SP(2014)522339_EN )

لكن وبالرغم من توقيع الإتفاق المُشار إليه مع قبرص إلا ان خبراء مصريون كان لهم رأي آخر في هذا الإتفاق حيث طالبوا بتعديله أو إلغاءة كلية وبرروا مطلبهم هذا بأن قبرص وقعت إتفاقها مع إسرئيل عام 2010 دون الرجوع لمصر مما يخالف نص الإتفاقية وأنتقدوا دفاع الحكومة المصرية عنها رغم ما رأوا أنه تعد إسرائيلي / قبرصي علي حقوق مصر في حدودها البحرية  , أشار الخبير النفطي / رمضان أبو العلا في تصريح صحفي نُشر في 14 نوفمبر 2012 إلي أن الإتفاقية التي بين مصر وقبرص وُقعت في 17 فبراير 2003 ودخلت حيز التنفيذ في 7 مارس 2004 وتم تسجيلها في 14 يناير عام 2008 أي أنها إستغرقت في هذه الخطوات الثلاث 5 سنوات , فيما أن الإتفاقية القبرصية المماثلة مع إسرائيل وُقعت في 17 ديسمبر 2010 ودخلت حيز التنفيذ في 25 فبراير 2011 وتم تسجيلها في 9 مارس 2011 أي أن الخطوات الثلاث تمت في أقل من 3 اشهر وأن ذلك يُستنتج منه أن الهدف هذه السرعة عدم إعطاء الفرصة لمصر حق الإعتراض أو التشاور حول الإتفاقية كما تنص الإتفاقية(  http://akhbarsuper.com/News-278945.html) , كما أوضح/ نايل الشافعي المحاضر في معهد Massachusetts ومؤسس موسوعة المعرفة وخبير الإتصالات المُقيم بالولايات المتحدة لصحيفة ” الشروق بتاريخ 8 ديسمبر 2014 في مقال للصحفي بلال فضل بعنوان ” أسئلة عن حدودنا البحرية  وجهة نظره في الإتفاقية المصرية / القبرصية لتعيين حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة مع قبرص فقال ” نريد من اللجنة القومية لأعالي البحار( المسئولة عن تعيين هذه الحدود) أن توضح كيف يمكن ترسيم حدود بين بلدين أو حتي حيازتين زراعيتين بدون تحديد نقطة البداية الثلاثية مع جار من اليمين ونقطة النهاية الثلاثية مع جار من اليسار , هذا التهاون المعيب حدث في ترسيم حدودنا مع قبرص عام 2003 فكان بمثابة تفريط في عشرات الكيلومترات من الشرق مع إسرائيل ومئات الكيلومترات من الغرب مع اليونان بحجة أن البلدين ( مصر وقبرص) لا يعرفان البداية والنهاية , وكانت النتيجة أن ما لم نحدده في الشرق إبتلعته إسرائيل وما لم نحدده من الغرب تريد اليونان إبتلاعه الآن)

أوضح وزير البترول المصري  موقف الحكومة الرسمي من هذه الآراء في تصريح له نُشر في جريدة المصري اليوم بتاريخ 7 نوفمبر 2012 بأن قال ” إن كل ما أُثير حول إنتهاك قبرص وإسرائيل للحدود البحرية المصرية من خلال القيام بعمليات تنقيب وإستخراج للغاز الطبيعي غير صحيح , مؤكداً أن جميع الجهات الرسمية في مصر لن تسمح لأحد   بإنتهاك حدودها ” و أضاف الوزير قوله ” أن حقول أفروديت المُكتشف في قبرص  وليفاثان وشمشون المُكتشفين في إسرائيل لا تقع ضمن الحدود البحرية الإقتصادية لمصر مُوضحاً أن جميع الخرائط المُستمدة من محركات البحث علي شبكة المعلومات الدولية غير دقيقة وتُعطي أبعاداً غير حقيقية يسهل خداع الكثيرين من خلالها وأن حقل ليفاثان الإسرائيلي يقع طبقاً للمعلومات الرسمية وخرائط الحدود علي مسافة 136 كيلومتر من إسرائيل مقابل204 كيلومتر من دمياط , وبالتالي فهو أقرب لهم منا , فيما يقع حقل أفروديت القبرصي علي بعد 154 كيلومتر من ميناء ليماسول القبرصي و187 كيلو متر من دمياط  , برر وزير البترول المصري عدم توقيع مصر وإسرائيل إتفاقاً للحدود البحري كالذي وقعاه مع قبرص بأنه يكفي تحديد نقطة إلتقاءالحدود بين مصر وقبرص ليعرف الطرف الثالث مواقع حدوده ” . ( نفس المرجع السابق )

جدير بالذكر أن تركيا أيضاً إعترضت علي حقلي أفروديت القبرصي وليفاثان الأسرائيلي عندما اطلقت بارجة حربية تركية في 21 ديسمبر 2011 صاروخا بين البئرين للتهديد وإعلام البلدين بالإعتراض التركي عملياً , عموما فإن هناك من يعتقد إعتقاداً جازماً مثل دكتور / خالد عودة في حديثه لصحيفة الشعب , بأن الإتفاقية القرصية / الإسرائيلية أهدرت حقوقاً مصرية وأن هناك بدائل لتناول هذا النزاع – الذي لا تعترف به وزارة البترول ولا الجهات المعنية رسميا بمصر – ومن بينها أن ترفع مصر النزاع لمحكمة البحار المُنشأة طبقاً لمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار أو إلي محكمة العدل الدولية . (http://elshaab.org/thread.php?ID=39685 )

وبالرغم من ثبات الموقف الرسمي المصري بشأن أصوبية الجانب الفني المُتعلق بإحداثيات المنطقة الإقتصادية الخالصة لمصر , إلا أن هناك أمر مُلفت للنظر يحدث في منطقة شرق المتوسط فكل من اليونان وقبرص وإسرائيل  أيضاً يبدو أنه سيصل ثلاثتهم لنقطة إختلاف كالتي تمر بها مصر بالرغم من توقيعهم إتفاقيات مشابهة مع قبرص بعد إخفاقهم في التوصل إلي توقيع مذكرة تفاهم – سبق الموافقة عليها –  للتعاون الثلاثي في مجالات الطاقة خاصة اللوجستيكية منها بالإضافة إلي أن هناك ثمة خلاف قبرصي بسبب تداخل أو تمدد بسيط لقطاعها رقم 12  في المنطقة البحرية الإقتصادية الخالصة وربما تجري مفاوضات بينهما حلاً لهذا الخلاف ( ورقة بحثية صادرة عن جامعة Oxford بتاريخ ديسمبر 2012 وضعها كل من حكيم داربوش ولورا الكتيري وبسام فتوح ) الذي يحدث بالرغم من توقيعهما إتفاقية عام 2010 , وهذا مما يُضفي بعض المنطق لآراء الخبراء المصريين المعارضين لإتفاقنا مع قبرص الموقع عام 2003 بشأن تعيين منطقتنا الإقتصادية الخالصة .

(http://www.oxfordenergy.org/wpcms/wp-content/uploads/2012/12/NG-71.pdf )

(4 ) الحدود البحرية بين مصر والسعودية :

وقعت مصر والسعودية إتفاق تحديد الحدود البحرية في في 8 أبريل 2016  وتشير مادته الأولى إلي :

– يبدأ خط الحدود البحرية بين مصر والسعودية من نقطة الالتقاء المشتركة للحدود البحرية المصرية السعودية الأردنية في خليج العقبة، والتي سيتم الاتفاق عليها لاحقاً بين الدول الثلاثة.

– يمتد خط الحدود البحرية بين البلدين من نقطة الالتقاء المشتركة للحدود البحرية المذكورة في الفقرة (1) من هذه المادة إلى نقطة خط الحدود البحرية رقم (61) وفقا للإحداثيات الجغرافية لنقاط خط الحدود بين البلدين التالية.

– إن النظام الجيوديسي العالمي 84 (84-wgs) هو مرجع الاحداثيات الجغرافية لنقاط خط الحدود البحرية المذكورة في هذه المادة

حدود البلدين البحرية موقعها في خليج العقبة حيث تقع علي مدخله الحدود البحرية بين مصر والسعودية , ومما يزيد من أهمية النظرة الإستراتيجية والعسكرية الدفاعية و / أو الهجومية للبحر الأحمر ككل ومدخل خليج العقبة حيث تربض جزيرتي تيران وصنافير اللتان من المُفترض أن الحدود البحرية السعودية – المصرية تمر عليهما , وافق البرلمان المصري في يونيو 2017 بصفة نهائية علي اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية , وفي 17 أغسطس 2017 صدر قرار رئيس جمهورية مصر بالموافقة علي إتفاق تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية وما تتضمنه من نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير  .

الحدود المصرية مع ليبيا شأنها شأن الحدود المصرية مع فلسطين والسودان من حيث أنهما تم تعليمهما بيد وذهنية القوة المُستعمرة لمصر أي بريطانيا التي قامت بتعليم حدود مصر مع كل من فلسطين بموجب إتفاق 1906 مع تركيا و مع السودان عام 1899  .

كيف جري تعليم وتحديد الحدود البرية المصرية / الليبية ؟ :

ترسيم الحدود البحرية بين مصر وليبيا أساسه نقطة بداية علي الحدود البرية ولهذا فمن الأهمية بمكان الوقوف علي تاريخ تعليم هذه الحدود التي كان الإستعمار البريطاني في مصر هو القوة الدافعة والمُثرة علي الجانب المصري وكانت إيطاليا هي القوة الوحيدة التي حلت محل الليبيين في التفاوض مع بريطانيا ثم مع مصر بعد إستقلالها عام 1922  ولما كانت الحدود البحري اساسها ونقطة بدايتها هي آخر نقطة في الحدود البرية , لذا من الضروري جداً النظر ثم إستخلاص الإستنتاجات – إن كان هناك ثمة إستنتاجات – خاصة وأن هناك وقائع أخري حدثت في مصر , كما لليبيا أزمة سابقة مع  تونس في شأن قضية الجرف القارّي بينها وبين جمهورية تونس  .

كما كانت كيفية تعليم الحدود المصرية مع السودان وفلسطين كان تعليم حدود مصر مع ليبيا , فقد كان تعليم هذه الحدود بيد المُستعمر البريطاني والإيطالي في مصر وليبيا علي التوالي , فقد راعت بريطانيا مصالح إيطاليا القوة الإستعمارية المُسيطرة علي واقع ومصير ليبيا وبالمقابل راعت إيطاليا مصالح بريطانيا في مناطق أخري تتحكم فيها وتستعمرها بريطانيا ,ففي مقدمة كتابه المعنون بــ :سرقة واحة مصرية يقول الصحفي المُحترم محسن محمد : “هذه حكاية حقيقية  … إنها جزء من تاريخ مصر لم يعرفه الشعب أبداً …. ويُذاع لأول مرة من الوثائق البريطانية العامة في منطقة بضواحي لندن إسمها (حدائق كيو) ومن الوثائق الأمريكية المحفوظة بالأرشيف الوطني في قلب مدينة واشنطن , وهذه القصة تكشف مؤامرة تمت خلال 6 أسابيع فقط أما نتيجتها فهي إنتزاع 40 ألف ميل من أرض مصر , وكان أيامها ملك وحكومة ولكن بلا برلمان , ولذلك وفي غيبة ممثلي الشعب المصري  إستطاع المندوب السامي البريطاني أن يقوم بدور مخرج العرائس فيحرك علي هواه الملك والحكومة … أما الشعب فيتفرج ….. يثور ويحتج ولكنه لا يعرف كيف تتم اللعبة أو الصفقة أو الرواية وللقصة مقدمات طويلة …. وستبفي لها ذيول وآثار بعيدة .

في 25 مايو 1916أوفد المعتمد البريطاني في مصر الكولونيل تالبوت إلي ليبيا للتفاوض مع السونيسيين فمر بروما ثم وصل إلي ليبيا مع سيكرتيره أحمد حسنين الذي أصبح فيما بعد رئيساً للديوان الملكي المصري , وقد إستمرت المفاوضات طويلة تبدأ ثم تنقطع حتي 14 أبريل 1917عندما عقد إتفاق تالبوت م السنوسي مع السيد إدريس السنوسي, وتنص المادة الرابعة منه علي أن يتولي السيد إدريس السنوسي إدارة واحة جغبوب الداخلة في الأراضي المصريةبطريق الوكالة ووضع الإتفاق شروطاً لهذه الواحة أهمها :

  • ألا يسمح السيد إدريس السنوسي للسنوسيين المسلمين أن يقيموا في سيوة أو جغبوب .
  • لايُسمح بإجتماع السنوسيين قرب الحدود المصرية .
  • – يُستثني 50 سنوسياًفي جغبوب بقصد المُحافظة علي الأمن والنظام . كان ذلك يعني إعتراف السيد / السنوسي في إتفاق الزويتينة في أبريل 1917 بأن جغبوب جزء من مصر .

إنتهت الحرب العالمية الأولي بإعلان الهدنة في 11 نوفمبر 1918 وأعلن الليبيون قيام جمهورية لهم في نفس الشهر فإعترفت بها إيطاليا وهي تدبرأمراً , لكن ظل أمر الحدود بين مصر وليبيا مسألة مُعلقة تريد إيطاليا حسمها ,  وكان في إصدار بريطانيا لتصريح 28 فبراير 1922الذي تضمن إعلان إستقلال مصر تعطيلاً لتحقيق أمل إيطاليا في تحديد الحدود إذ كان عليها أن تفعل ذلك مع مصر مباشرة حتي وإن كان الحسم سيكون مع بريطانيا  , لذلك كان علي إيطاليا أن تتعامل مع ملك وحكومة وبرلمان مصر عندما يُشكل , وأصبح من الضروري أن تتفاهم إيطاليا بشأن الحدود الليبية وواحة جغبوب مع مصر لذا أضحت الإتفاقات التي عقدت بين بريطانيا حبراً علي ورق , فأتجهت إيطاليا نحو مصر لحسم مسلة الحدود , وإجتمع مجلس الوزراء المصري يوم 6 يوليو 1925 لتشكيل وفد مصر في المفاوضات مع إيطاليا برئاسة اسماعيل صدقي باشا وزير الداخلية وعضوية اللواء حسن بدر باشا مديرعام مصلحة خفر السواحل وعبد الحميد بدوي باشا المستشار الملكي (قاضي لاحقاً بمحكمة العدل الدولية) وتأخر تعيين الوفد المصري حتي تعترف إيطاليا بأسس المفاوضات ولم تعترف بأي أسس وأكتفت بتعيين وفدها وأضطرت مصر إلي إتخاذ إجراء مماثل وفي إنتظار وصول الوفد الإيطالي للقاهرة تعهد مصر إلي ضابط بريطاني بزيارة الحدود وتقديم تقرير عن جغبوب , ويكون التقرير في غير مصلحة إيطاليا أو بريطانيا التي كانت تريد مجاملة إيطاليا علي حساب مصر , هذا التقرير كتبه الأميرلاي بيلي بك مدير مديرية الصحراء الغربية وللأسف لم تنتبه الإدارة المصرية لهذا التقرير الخطير ولكن هذا التقرير رُفع إلي اللورد اللنبي وورد فيه : “جغبوب في نظري هي مفتاح الدفاع عن مصر عن طريق سيوة فهي آخر مركز للتزود بالمياه الصالحة للشرب قبل الوصول إلي سيوة, ومن العبث أن نقول كما كان يُقال في عام 1919 أنه إذا صمدت السلوم فلن تجرؤ أي قوة علي غزو مصر عنطريق السلوم أو جغبوب , إن مصر لن تستطيع أبداً الإحتفاظ بالسلوم وحدها لأنه لا يمكن لقارب حربي واحد أن يمزق دفاعات السلوم أرباً من الخلف في عشر دقائق وقد ضمنت أنجلترا للسيد محمد إدريس طبقاً للإتفاقية (تالبةت) عدم تسليم جغبوب لإيطاليا وإبقاءها تحت السيطرة المصرية , وإذا تم تسليم جغبوب لإيطاليا فإن العرب سيلقون اللوم علي إنجلترا وليس علي مصر …..إني أتحدث عني بإعتباري الممثل الوحيد لإنجلترا هنا الذي يدرك المشاعر العربية… وأشعر شعوراً قوياً بأنه يجب علي مصر التي تدفع مرتبي بأن أعلن بأنه سيكون يوماً بالغ السوء لمصر إذا سلمت جغبوب وأن التأثير سيكون بالغ السوء بالنسبة للإسلام طالما أن الأمر يتعلق بإحترام كلمة لإنجلترا ” , ويلاحظ هنا أن هذا الإنجليزي كان مُحترماً وشريفاً وله ولاء لمصر التي تدفع له مرتبه فيما كان هناك مصريون خونة وتنازلوا عن جغبوب بلا رادع وبلا شرف .

مصداقاً لما تقدم ألقي الكابتن ديكسون جونسون خطابتاً في جمعية الشرق الأدني ببريطانيا أيد فيه بالكامل مطالب مصر وحقها في جغبوب ورأيه في تمسك مصر بهذه الواحة وقال: في إتفاقية 1899 بين بريطانيا ومصر من جهة وفرنسا من جهة أخري تم الإعتراف بملكية مصر لجغبوب ولمصر حق رفع علمها عليها فلو قامت إيطاليااليوم تنازع مصر في هذا الحق فسيكون معني ذلك أنها لا تعترف بإتفاق 1899وفي حالة الحرب بين مصر وإيطاليا فإن الجنود الإيطاليين يستطيعون أن يتقدموا من جغبوب للهجوم علي سيوة وواحة الكفرة وتستطيع الطائرات الإيطالية الإنطلاق من جغبوب فتلقي قنابلها علي الإسكندرية ويكون وادي النيل كله مُستهدفاً لنيران القوة الجوية الإيطالية ” .

أرسل هندرسن القائم باأعمال البريطاني لوزير خارجيته برقية برقم 658أشار فيها إلي : ” أجتمع الوزير الإيطالي منذ بضعة أيام مع الملك فؤاد لكي يقدم لجلالته سكرتيراً وصل حديثاً و أثناء المقابلة فاجأ الملك الكونت كاشيا بالآراء المُتشددة التي أعرب عنها بخصوص موضوع حدود برقة  , ووفقاً لما قاله صاحب الجلالة فإنه ما من برلمان مصري يصدق علي إتفاقية تتخلي عن جغبوب لإيطاليا , ورفض الملك أن يعترف بمواعم الإيطاليين والكثر من ذلك أن جلالته أضاف بأن موقف الإيطاليين الإستفزازي المتمثل في حشدهم للقوات في البردية أدي به للموافقة علي إعادة تعيين الكابتن جرين في مصلحة الحدود المصرية .

قال أريك فيليبيس السفير البريطاني في باريس في برقية في 15 سبتمبر 1925 لوزارة الخارجية يصف زيارة أسماعيل صدقي  للسفارة : ” فيما يتعلق بتردد صدقي باشا في الموافقة علي الإستمرار في مفاوضات الحدود في برقة فقد فسر المموضوع بأن أولي الأمر في مصر قبلوا إستقالته بتسرع غير لائق وأنهم يريدون أن يسجلوا رصيداًلإنفسهم من وراء ذلك, علي أساس أن صدقي سيكون المسئول عن التفاوض الذي من شأنه أن تضيع من مصر واحة جغبوب العصيبة التي تضم مقبرة لأحد الفرعنة العظام ” , وإجتمع مجلس الوزراء المصري يوم 12 أكتوبر1925 في مقرع الصيفي في بوكلي بالإسكندرية وخلال المناقشات أبلغ المجلس بطبيعة مهمته وحدودها ومداها لأن صدقي مثل كل المسئوليين لايريد إحتمال مسئؤلية التفاؤل عن الواحة وتقرر أن يسافر صدقي والوفد الإيطالي إلي الحدود لمعاينة المواقع علي الطبيعة وكان مع الوفد المصري عشرار من الخرائط تؤكد حق مصر ومن هذه الخرائط والوثائق :

  • خريطة فرنسية وُضعت عام 1827 تبين أن حدود مصر الغربية تقع غرب السلوم وتدخل في ارض مصر واحتا الفرافرة ةالداخلة .
  • خريطة فرنسية أخري عام 1834
  • خريطة ألمانية عام 1845
  • أطلس جوشن عام 1866 محفوظ بدار الكتب المصرية
  • مذكرة رسمية وضعها السير بورتال البريطاني بتاريخ 27 يوليو 1855 قال فيها بأن حدود مصر تضم واحة جغبوب .
  • الرحالة والترفون وواضعو الخرائط الكبار أمثال باشو دويفيير أكدوا أن واحة جغبوب جزء من مصر . بيان أركان الحرب الإيطاليةعن الأملاك والمُستعمرات الأفريقية التابعة لأوروبا وهذا البيان يُدخل جغبوب ضمن الحدود المصرية  .
  • في مذكرة رسمية للورد كتشنر المعتمد البريطاني في القاهرة ووزير الحرب البريطاني قال أن جغبوب جزء من مصر علي نحو ما هو معروف منذ عام 1820 علي الأقل .

عرض البرلمان مشروع الإتفاق المصري / الإيطالي الخاص بالحدود المصرية الليبيةعلي مجلسي النواب ثم الشيوخ وقد عارض الإتفاق عند تصويت مجلس الشيوخ عليه في جلسة الأربعاء 29 يونيوعام 1932 تسع وخمسين عضوا ومعارضة حسن صبري بك  ومحمد غيته بك فقط(البرلمان المصري يتكون آنئذ من غرفتين ةاحدة للنواب وأخري للشيوخ)عليه تقرير لجنة الخارجية بالبرلمان المصري ما يلي عن  مشروع قانون الموافقة علي الإتفاق الإيطالي / المصري الخاص بحدود مصر الغربية المُؤرخ في 6 ديسمبر 1925 *( نقلاً عن الوقائع المصرية عدد 57 المُؤرخ في 4 يوليو 1932)

عرض الحكومة لتقرير لجنة الخارجية علي مجلس النواب :

القاهرة في 8 يونيو 1932

فيما يلي أهم ما عرضه مقرر لجنة الشؤون الخارجية النائب وهيب دوس بك :

…. ” وحتي يتبين حضرات الأعضاء المُحترمين ماهية هذا الإتفاق والخلاف الذي شجر بشأنه بين الحكومتين المصرية والإيطالية تقدم إليكم اللجنة بياناًمُوجزاً عن الأطوار التي جازها هذا الخلاف بشأن الحدود بعد إنتهاء الحرب العالمية إلي أن وقع الإتفاق بين الحكومتين بتاريخ 6 ديسمبر سنة 1925 . ….. فلما قامت الحرب بين الدولتين العثمانية والإيطالية في طرابلس أصبح لحدود مصر الغربية شأن كبير لأن وجود دولة مثل إيطاليا مُتاخمة لمصر حدا بالحكومة المصرية إلي الإهتمام بتخطيط الحد الفاصل علي صورة واضحة , فكان أول عمل وصلت إليه مصر أن إحتلت السلوم لأول مرة في سنة 1911 بإعتبارها أبعد نقطة يمكن الإدعاء بملكية مصر لها عند عدم وجود خريطة الحدود التي رافقت  فرمان تولية محمد علي باشا , فلما إنتهت الحرب الطرابلسية وأعقبتها الحرب العالمية التي ظلت فيها الدولة الإيطالية علي الحياد إلي أواخر سنة 1916 وكان من النتائج الطبيعية أن تهتم الحكومة الأنجليزية بشأن هذا الجار المُحايد بعد أن وُضعت البلاد المصرية تحت الحماية المؤقتة وبعد أن أصبحت مصر مُعرضة لأن تكون ميداناً للحرب إذا دخلت الحكومة الإيطالية في صف دول الوسط الأمر الذي كان مجهولاً مصيره مادام حيادها قائماً , فلما دخلت إيطاليا الحرب العالمية في صف الحلفاء وأعقب ذلك الصلح العام جاء أمر تسوية هذه الحدود في ضمن المُلحقات الصغيرة لذلك الصلح التي تهتم بها الحكومة الإنجليزية والحكومة الإيطالية بإعتبار أن مصر كانت تحت الحماية إذ ذاك , عندما حصلت مفاوضات بين الحكومتين البريطانية والإيطالية أنتجت إتفاقاً علي قواعد بغير تفصيل وهذا الإتفق هو المعروف ” بإتفاق ملنر – شالويا ” مندوبي الحكومتين للمفاوضة فيه غير أنه بمجرد إعلان تصريح 28 فبراير 1922 الذي إستردت به مصر إستقلالها وحق التحدث عن نفسها في شؤونها وقفت مفاوضات ” ملنر – شالويا ” عن إتمام البحث في التفصيلات , وأُحيلت الحكومة الإيطالية علي الحكومة المصرية لإتمام الإتفاق بينهما مُباشرة  وعندئذ بدأ دور المفاوضات المصرية الإيطالية التي إنتهت بالإتفاق المعروض علي حضراتكم والذي أصبح فيه الحد الغربي للبلاد المصرية كما هو واضح في الخريطة المُرافقة لهذا التقرير – الخط الملون باللون الأخضر من غرب مصر الأقصي  , مبتدئاً عند البحر بخليج السلوم شرق  الخط 25 من خطوط الطول  , سائراً إلي الجنوب بتعرجات  , تدخل بها ضمن الحدود المصرية آبار القوافل علي الدرب العام الذي يسير جنوباً إلي أن يلتقي هذا الخط بنفس الخط 25 من خطوط الطول , فيسير معه تماماً إلي حدود الجنوبية . , وقد كان هذا الإتفاق مثاراً للخلاف بين الأحزاب المصرية , وموضع إهتمام الرأي العام من حيث مصلحة مصر فيه , وبيان ما إذا كانت مصر أضاعت به حقاً من حقوقها , أو أنها علي خلاف ذلك قد كسبت للدولة من الأراضي الخارجة عن حدودها مالم يكن لها من قبل .

وقد تبينت اللجنة عند فحص هذا الخلاف ومقارنته بالإتفاق , أن الخط الذي كان يحد البلاد المصرية من جهة الغرب بحسب الخريطة التي رافقت فرمان محمد علي باشا ( والتي لم يُعثر عليها في مصر , وإنما بتكليف الحكومة لوزيرنا المفوض أمام الحكومة التركية عُثر عليها في مستندات الباب العالي) كان يبدأ من الشمال علي البحر برأس الكنائس عند خليج الكنائس ويذهب جنوباً في تعرج بين الخطين 29 و27 من خطوط الطول , إلي أن يلتقي بالخط 29 فيما يقابل أسوان , ثم يتجه شرقاً إلي أن يقاطع النيل عند الخط 24 من خطوط العرض , فيمر بمعبد أنس الوجود , وإذا عُمل بهذه الخريطة تكون المسافة بين رأس الكنائس , وبين خليج السلوم ( وهي تبلغ في عرضها مقدار 288كيلو متراً) محلاً لإدعاء الحكومة الإيطالية بإعتبار إنتقال حقوق الحكومة التركية علي أراضي طرابلس إليها بإنتهاء الحرب بين الدولتين , وهذه المسافة تزيد في المسافة كثيراً علي الصحراء الغربية التي كانت تدخل في الحدود المصرية بحسب الخريطة المُرافقة لفرمان التولية , فكأننا بادئ ذي بدئ كسبنا بهذا التحديد ضعف مساحة الصحراء الغربية , التي تُعد مملوكة لمصر , وكسبنا فوقها من الساحل ما يمتد غرباً إلي خليج السلوم بما يتخلله من موان , وبلاد معروفة لحضراتكم بأسمائها , مثل مرسي مطروح وسيدي براني والسلوم , وسواها .

ولعل حضراتكم تذكرون أن الإعتراض الوحيد الذي أثير ضد هذا الإتفاق كان ( كما وصفه المُعترضون) قائماً علي أن الحكومة قد تخلت عن جزء من أملاك الدولة , بلإدخال واحة جغبوب في ضمن الأملاك الإيطالية , فكان هذا الإدعاء محل إهتمام اللجنة وتحقيقها , فظهر من ذلك التحقيق أنه لم يسبق للحكومة المصرية أن وضعت يدها يوماً من الأيام علي تلك الواحة طوال حكم أسرة محمد علي باشا لهذه البلاد ,  فلم يكن فيها حاكم مدني أو عسكري , ولا مندوب للقضاء أو الفتوي , ولا مُحصل للضرائب , ولا أي شخص يمثل سلطة حكومية أيا كان نوعها . بخلاف الواحات الأخري التي تقع غرب خط الحدود الوارد في الخريطة المُرافقة لتولية محمد علي باشا وأهمها واحة سيوة التي تبعد عن ذلك الخط مقدار 270 كيلو مترا , فقد كان لسلطان الحكومة فيها تمثيل ظاهر من وجود حكومة مدنية , وجباة ضرائب , وإتصال تام بالمحاكم القضائية في مصر من زمن بعيد , كما ثبت أن واحة جغبوب ما كان يمكن أن تتصل بمصر لأن أهميتها تجئ فقط من إحتوائها علي ضريح جد السنوسيين الذين (يحجون) إليه ويقصدونه للزيارة , وينذرون له النذوز , هذا من جهة القول بأن واحة جغبوب كانت جزءاً من أملاك الدولة المصرية حصل التنازل عنه بموجب هذا الإتفاق , علي أن اللجنة لم تقف عند هذا الحد بل تحرت قيمة هذه الواحة من الوجهتين السياسية والحربية , كما تحرت اللجنة مبلغ ما تكسبه الحكومة الإيطالية من هاتين الوجهتين بإمتلاك تلك الواحة   .

ثم عرض للحالتين الإجتماعية والإقتصادية وأم ما قاله فيهما أن جغبوب تقع جنوب الخط 30 من خطوط العرض وتبعدعن خط الحدود الفاصلة المُبينبالخريطة المُرافقة لفرمان التولية بمقدار 300 كيلو متراً وأشار إلي أن سكان جغبوب لا يزيدون علي المائتين وخمسين منهم حوالي المائة يتصلون بضريح السنوسي والباقون يزرعون هذا القدر الصغير من الأرض المزروعة ويعتمد الجميع في حياتهم علي النذور التي ترد إليهم من نواحي الصحراء .

أما مركزها الحربي كقاعدة للدفاع عن الحدود الغربية المصرية , قال أنه ” قد ثبت من أقوال رجال الفن العسكريين المصريين أنها غير صالحة لذلك لقلة المياه فيها ولإنكشاف موقعها لكل مُهاجم أو مُغير , وأن مكان الدفاع الحقيقي عن أول منطقة مصرية تصيبها الإغارة الأجنبية هي(مضيق وليم) الواقع علي خط الحدود تماماً وإلي الشرق من جغبوب بمسافة 60 كيلو متراً وهو يصلح بطبيعة جباله وموقعه من واحة سيوة لصد كل إغارة بأقل عدد من الجنود بخلاف من عداه من مواقع الصحراء الكائنة في الغرب منه ,وواصل وهيب بك دوس قائلاً … لم يبق بعد ذلك إلا أن إمتلاك جغبوب له وجهة سياسية , فهو مركز للدعاية لمن يكون في يده , إذ يستطيع أن يجمع حوله السنوسيين لأن فيه مقام جدهم الأكبر ’ وليس لنا حظ في هذه الدعاية إذا ما كانت واحة جغبوب تحت يدنا ( ذهب وهيب بك بعيداً فلم يقل أحد بذلك ولا بعكسه وربما يريد صرف النظر عن موضوع التنازل عن جغبوب للإيطاليين) إذ أن أهمية ذلك لمصر لا تكاد تُذكر , لا من الوجهة السياسية ولا من الوجهة القومية …… عند هذا ينتهي البحث بشأن واحة جغبوب التي أُدخلت بالإتفاق المعروض علي حضراتكم ضمن الأملاك الإيطالية , علي أنه لا يمكن القول أننا خسرنا هذه الواحة للأنها لم تعتبر قط ملكا لنا . ولكننا وصلنا بلباقة المفاوض المصري ودهاءه إلي الإستزادة من ربحنا شمالاً في منطقة السلوم بمناسبة تمسك مفاوضينا بهذه الواحة ( كيف وهو يدعي أنها ليس لنا؟) فقد أمناها من غارة مفاجئة , وضمنا للدولة المصرية مرفأ في خليج السلوم  هوبطبيعته أصلح المرافي علي هذا الشاطئ للمركب التجارية أو الحربية , فقد إشتمل الإتفاق علي تعديل الحدود في منطقة السلوم . بحيث إن الخط الذي كان من مدينة السلوم نحرك شمالاً بغرب علي دائرة نصف قطرها 10كيلو متر أُدخلت في أملاك الدولة المصرية كحرم السلوم , فدخلت بها من الحدود المصرية الهضبة العالية التي تشرف من الجهة الغربية علي السلوم وخليج السلوم بما هو قائم عليها من قلعة تركية قديمة تُسمي قلعة أم مساعد كان الإيطاليون مستولون عليها يهددون بها السلوم دائماً فصارت بالإتفاق قلعة دفاع عنها , وبذلك أصبحت السلوم ومنطقتها بعيدة عن الخطر الفاجئ خصوصاً إذا حصنت تلك القلعة تحصيتاً كافياً لاصمد عند الإارة الوقت الكافي لإمدا المنطقة بالقوات اللازمة إذا إحتاج الأمر إلي ذلك , لاسيما أنها تقع علي إرتفاع 183 متر عن سطح البحر , بينما ينخفض ما يجاورها من الأملاك الإيطالية غرباً وشمالاً عن هذا الإرتفاع إنخفاضاً كبيراً  , كذلك كسبنا لمصر بئر الرملة الواقعة شمال خليج السلوم (في قاع وادي الرملة) والتي كانت خارجة عن دائرة حرم السلوم فأعطي لمصر بالإتفاق المعروض علي حضراتكم ممر عرضه 800 متر يتصل بالحرم ويوصل إلي هذه البئر  بحيث أن السقيا للعرب المصريين ولدوابهم من هذه الئر أصبحت لا تحتاج إلي الخروج عن حدود مصر ولا أملاكها , كما يظهر من الإطلاع علي الخرائط التي وُضعت عن هذا الموقع …..”.

أثناء مناقشة الإتفاق أثار بعض الأعضاء ما يلي :

النائب د . عبد الحميد سعيد (مؤسس جمعية الشبان المسلمين في مصر في 1927وقد انضم للجمعية حسن البنا في عامها الأول وبعد 8 شهور انفصل عنها وأسس جمعية الإخوان المسلمين وكان أيضا اليد الفعالة لسعد زغلول باشا في ثورة 1919 وكان رئيس للجنة الوفد المركزية بالقاهرة حيث تم اعتقاله بقصر، عابدين أثناء الثورة مع علي شعراوي باشا وكان كذلك الصديق الشخصي لمحمد فريد الزعيم الوطني في نضاله ضد الاستعمار وكان أيضا من مؤسسين جامعة القاهرة هو وقاسم أمين) :” إن الموضوع الذي يُعرض علينا الليلة ليس من الموضوعات التي تختلف فيها وجهات النظر وتتباين من أجلها الآرتء , فإنه يتعلق بكيان الدولة وكرامة الأمة وعزتها القومية كما يتعلق بدستورها . وإن الأمة المصرية بل وجيراننا جميعا يرقبون قرار مجلسكم الموقر في هذا الموضوع الخطير , أُبرمت هذه الإتفاقية في وقت لم يكن فيه البرلمان قائماً , وما كان يصح للحكومة آذ ذاك أن تتعرض لمثل هذا الموضوع , ولكنها تعرضت له ولم تقف عند حد إبرام المعاهدة بل تعدت ذلك إلي تنفيذها , وفي هذا مخالفة صريحة للدستور , إن واحة جغبوب يا حضرات الزملاء مصرية ومُتممة لخدود مصر وقد قرر ذلك جمهرة من كبار الجغرافيين فإن حد مصر من جهة طرابلس – ذلك الحد الذي يبتئ من رأس الملح شمالاً ( لا من خليج السلوم ولا من ميناءه)إلي غرب جغبوب جنوباً – يدل بوضعه وتركيبه الجغرافي  علي أنه طبيعي وفاصل بين مصر وطرابلس , وقد قرر أولئك الجغرافيون أن جغبوب داخلة ضمن المجموعة الجغرافية التي تجمعها بسيوة , أعني أن المساحة من سيوة إلي جغبوب تكون مجموعة جغرافية واحدة , ويدل علي ذلك الآثار والآبار التي تمتد من سيوة إلي جغبوب , وكذلك الصحاريالمقفرة المُترامية الأكراف الكائنة غرب جغبوبوالتي تفصلها عن الواحات الطرابلسية جالو والكفرة , وقد أثبتوا أيضاً أن مجموعة سيوة وجغبوب مُنفصلة عن مجموعة جالو والكفرة , هذا من الوجهة الجغرافية , أما من الوجهة الجنسية فقد ثبت أن القبائل النازلة علي هذه الحدود من رأس الملح إلي غرب جغبوب هي قبائل مصرية لا نزاع في مصريتها مطلقاً وأهمها قبيلة أولاد علي . وهذه القبائل تحتلف إختلافاً كلياً في أصلها ونسبها عن قبائل برقة , لأما من الوجهة التاريخية فإن جغبوب لم تنفصل عن مصر منذ العهد الأول من أيام المغفور له محمد علي باشا ولم تخضع يوماً لسلطة تركيا , أما هذه ” الخريطة الكاريكاتورية ” التي أمام أنظاركم تلك الخريكة التي رمونا بها , فإنها لا تُبرر هذا الإعتداء ولا تُكسب الطليان أي حق مُطلقاً , ولست أدري السبب الذي حمل الحكومة علي أن تبحث عن هذه الخريطة وتستحضرها من الآستانة!! إن هذه الخريطة قد تعتبر حجة ضدنا لا لنا ولم يكن من مصلحة مصر أن تبحث عن خريطة لا قيمة لها لتكون سلاحاً في يد خصومنا , إن هذه الخريطة تجعل حد مصر من الجنوب مدينة أسوان ولم نسمع لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ الحديث أت مدينة أسوان كانت يوماً حداً بين مديرية أسوان وبين إقليم السودان .

” لقد كانت حدودنا تمتد إلي خور موسي وهو علاي بعد ستة أميال من جنوب حلفا وهذا حد طبيعي لأن المنطقة من خور موسي إلي دنقلة سواء أكان ذلك في مجري النهر أم علي شاطئيه وعرة لما يتخللها من الشلاللات والصخور حتي إن السير والملاحة بها يتعذران في معظم فصول السنة ولذلك سُميت تلك المنطقة ببطن الحجر لكثرة ما فيهل منالأحجار والصخور , فهذا الحد قديم من أيام المغفور له محمد علي باشا ولم ينفصل السودان يوماً من الأيام في عهد ذلك الوالي عن مصر ويثبت ذلك فرمان سنة 1841الذي يقرر ضم السودان إلي مصر , أما حدودنا من الجهة الشرقية فإن هذه الخريطة تجعل حدنا من رفح إلي السويس فقط والحقيقة أن حد مصر من الجهة الشرقية هو من رفح إلي العقبة بل إلي الوجه أيضاً , أما من الجهة الغربية فإن هذه الخريطة التي رمونا بها أخيراً تخرج من أرض مصر ما يقرب من 368,800 ميلو متراً أي 89 مليوناً من الأفدنة تقريباً  , نعم تخرج الخريطة هذه المساحة من حدود مصر بما في ذلك واحات سيوة والفرافرة والبحرية كما تخرج الشاطئ بما فيه من موان , إذن فالحدود الواردة بهذه الخريطة كلها وهمية لا نصيب لها من الحقيقة بتاتاً لان الواقع يكذبها تكذيباً تاماً ولو كان من الممكن الإحتجاج بها لما تأخرت تركيا عن تقديمها كمستند لها عندما قام الخلاف بيننا وبينها علي الحدود الشرقية والغربية خصوصاً في موضوع العقبة …..حضرات النواب : لإن جغبوب مصرية منذ الأزل , وفي عهد الخديو إسماعيل باشا إزدادت عناية مصر بجغبوب والسنوسيين , فأرسل لهم الخديو مهندسين لحفر الآبار وبناء ضريح للسيد محمد إدريس السنوسي أُقيم علي مثال ضريح الإمام الشافعي رضي الله تعالي عنه, وبنيت له أيضاً طاحونتان هوائيتان وأرسل المغفور اه الخديو إسماعيل باشا لجغبوب أيضاً بعثة لمساعدة السنوسيين في نشر مبادئهم وتعاليمهم وكان من أعضاء هذه البعثة المرحوم عبد الله باشا فكري الذي كان وزيراً للمعارف فيما مضي , وقد أُعجب المرحوم إسماعيل باشا بنشاط السيد محمد المهدي الإدريسي في نشر تعاليمه وتهذيب أخلاق السكان في تلك المنطقة فعهد إليه بإدارة واحة جغبوب وهناك وثائق رسمية بالدفترخانة المصرية تؤيد هذا ( تدخل رئيس مجلس الوزراء صدقي باشا فقال هناك وثائق تؤيد بعض هذه الوثائق أما تكليف أحد السنوسيين بإدارة سياسة لجغبوب فلم يقع نظري علي وثيقة تتعلق به )ورد د عبد الحميد سغيد فقال : يمكنني أن أحضر لدولتكم ما يثبت ذلك , وأضاف النائب عبد اللطيف حلمي غنام بك فقال : عندي خطابات من بعض الموظفين المصريين يرجع تاريخها إلي أرعين سنة وهي تؤيد هذا القول ولو كنت أعلم بما يثيره حضرة النائب المحترم د .عبد الحميد سعيد لأحضرتها معي وتدخل الأخير فقال : قلنا أن جغبوب لم تكن تك يوماً من الأيام تابعة للسلطة التركية . فلم تكن جغبوب تحت إدارة الوالي في طرابلس , أعني أن أمرها كان معهوداً لمصر أي أنها كانت ضمن الحدود المصرية , ولا يمكن لإيطاليا بحال من الأحوال أن تستخلص من معاهدة “أوشي” أن جغبوب كانت تابعة لطرابلس لأن هذه المعاهدة لم يرد فيها ذكر جغبوب مُطلقاً ولم يكن هناك ما يدعو لذكرها ولم تنافسنا تركيا فيها يوماً من الأيام , وقد إعترفت إيطاليا نفسها أعترافاً رسمياً وصريحاً بأن جغبوب مصرية وذلك في إتفاقية “تالبوت” التي كانت حداً فاصلاً للحروب علي حدود مصر وقد أُبوت هذه الإتفاقية في 14 أبريل سنة 1917علي ما أذكر , وكانت نتيجة مفاوضة الطليان حضرها مندوبون من الطليان وقد أقرتها بعد ذلك الحكومة الإيطالية , وتنص المادة الثالثة منها علي ما يأتي :” وإذا ما بقيت جغبوب كما كانت داخلة ضمن الأراضي المصرية فإن إدارتها تعهد إلي السيد إدريس السنوسي (علي غرار مسالة حلايب فقد عهدت الإدارة للخرطوم فيما السيادة والملكية لمصر . إنه الإستعمار البريطاني ) مع مُلاحظة ما نص عليه في البند الرابع في الإتفاقية مع السيد الإدريسي فيما يتعلق بحاملي السلاح من السوسيين ” , هذا نص صريح لا لبس فيه مُطلقاً , وهذه المعاهدة في وزارة الخارجية المصرية وقد ذكرت جريدة Times البريطانية أن السيد تيتوني صرح بإن إتفاق “ملنر – شالويا ” منح إيطاليا منطقة من الأراضي تقع غرب صحراء ليبيا وتشمل واحة جغبوب وأن دخول جغبوب في هذه المنطقة يسهل علي إيطاليا مواصلة سياستها بنجاح كبير مع السنوسي الكبير, وهذا بل شك إقرار آخر من إيطاليا بإن واحة جغبوب مصرية وليس تابعة لطرابلس . وقد أرادت أنجلترا أن تجعل لدعوي إيطاليا أصلاً في معاهدة دوليةو لا دخل لمصر فيها ةهي معاهدةلندرة التي أُبرمت – كما أذكر- في 26 أبريل سنة 1915قبل دخول إيطاليا في الحرب الكبري , وقد ورد في المادة الثالثة عشر من هذه المعاهدة أنه عند إنتهاء الحرب وإستيلاء أنجلترا وفرنسا علي مُستعمرات ألمانيا يكون لإيطاليا الحق في طلب تعويضات عادلة وعلي الأخصعند حل المسائل المُتعلقة بالحدود بين المُمتلكات الإيطالية في أرتريا والصومال وطرابلس وبين مُستعمرات فرنسا وإنجلترا المُجاورة . ولم يخطر ببال فرنسا إذ ذاك ولا ببال إيطاليا أنه سيتعرض للحدود الغربية المصرية بتاتاً , ولاشك أن الإتفاق علي تعديل الحدود المصرية  في هذه المعاهدة هو إتفاق باطل , إذ ليس لإنجلترا الحق في أن تتنازل عن أرض من الأراضي الدولة المصرية  , أرادت أنجلترا أن تنفذ ما وعدت به لا علي حسابها ولمن علي حساب مصر فوقعت الإتفاقية المعروفة بإتفاقية ملنر – شالويا  , ومما لاشك فيه يا حضرات النواب أن هذه الإتفاقية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم  حجة ضدنا , إذ لم يكن لإنجلترا الحق مُطلقاً في أن تتعاقد باسم مصر ولم يكن لديها أي تفويض رسمي من الحكومة المصرية الإ إذا تذرعت بدعوي الحماية  …… حدث بعد هذا أن أنجلترا أبلغت مصر رسمياً في 2 يونيو 1922بإنها تنحت عن مسألة الحدود وتركتها لمصر تتصرف  فيها كيف شاءت كما أبلغ اللورد كرزن وزير خارجية إنجلترا حكومة إيطاليا بإن مصر أصبحت مُستعقلة ويجب عليها أن تتفاوض معها مُباشرة , إن واحة جغبوب يا حضرات النواب تبعد عن شاطئ البحر بنحو 140 كيلو متر وتبعد عن واحة جالو التابعة لطرابلس بنحو 250 كيلومتر ولا يغرب عن البال أن واحة جغبوب هي مفتاح الحدود المصرية ومركز حربي وسياسي لا يعدله مركز آخر في حدودنا الغربية . تصل واحة جغبوب بسيوة التي هي قلب مصر سلسلة آبار , فالجيش المُغير علي مصر من الحدود الغربية لا يمكنه بحال من الأحول أن يصل إليها إلا بطريق جغبوب لما فيه من الآبار التي لو حُفرت ورُكبت عليها الآت رافعة لأمدت جيشاً بكل ما يلزمه من المياه , ولا يفوتني أن أذكر لحضراتكم أن الممر أو المضيق الذي يصل جغبوب بمصر ويسمي “المناسيب” تحده من الشمال صحراء سبخة ذات رمال متنقلة تسوخ فيها أقدام الجمال وتحده من الجنوب هضبات رملية صعبة المرتقي  , فإذا تُركت جغبوب لدولة أجنبية فُتحت أبواب مصر أمام المُغير لأنه إذا ما إجتاز جغبوب وصل بسرعة إلي واحة سيوة وأنحدر منها إلي الواحات الأخري المصرية وأنشأ هناك مطاراته وإتخذ نقط أرتكاز أو نقطاً لسوق الجيش وأمكنه بذلك أن يُهدد الوجه القبلي والوجه البحري أيضاً , ومن السهل علي الجيش الذي يُنزل قواته علي الشاطئ أن يسير مُطمئناً لأنه لا توجد أمامه قوة تُهدد جناحه الأيمن ولا مؤخرته فمن هذا كله يتضح لحضراتكم أن جغبوب مركز حربي إذا سلمنافيه وجب أن نستعيض عنه بإنشاء سلسلة قلاع وحصون علي طول حدودنا الغربي . يا حضرات النواب : إن تنازلنا عن واحة جغبوب سيكون له أسوأ أثر فيب نفوس جيراننا الطرابلسيين وجيراننا الآخرين بل في العالم الإسلامي أجمع لأنهم يعتبرون مصر قلب الإسلام كما يعتبرون الجالس علي عرش مصر أول المُحافظين علي كرامة الإسلام والمسلمين . ولا ريب أن تنازلنا عنها سيحرج شعورهم ويُؤلم عواطفهم (يرد رئيس مجلس الوزراء صدقي باشا فيقول: لقد سُلمت جغبوب فعلاً للدولة الإيطالية) فيرد النائب د . عبد الحميد سعيد فيقول : وهذا ما نلوم الحكومة المصرية عليه وقد سمعنا يا حضرات النواب أن الحكام ( يعني الطليان) في طرابلس قد أستخفوا بشعور المسلمين في جغبوب – ولا أريد أن أسهب في الكلام في هذا الموضوع-فقد إعتدوا علي زواياهم ونكلوا بهم شر تنكيل , فإذا كان هذا هو الحال والمعاهدة لم يقرها البرلمان بعد , فماذا تكون الحال يا تري لو أن المعاهدة تم إقرارها .ماذا قدمت لنا إيطاليا في مقابل تنازلنا عن واحة جغبوب ؟ قدمت لنا بئراً مالحة وجعلت ماءها قسمة بيننا وبينهم  , إن هذه الئر يا حضرات النواب تبعد عن الحدود المصرية بعشرة كيلومترات بإتساع 800 متر وهي تحت رحمة مدافعهم البحرية البرية ويقوم بحراستها الطليان أنفسهم  . وقد سمعنا ونسمع في كل يوم أن الطليان ينكلون بالعربان والرعاة الذين يقصدون هذه البئر طلباً للماء وإنتجاعاً للمرعي , وقد أعطونا أيضاً منطقة تبلغ مساحتها عشرة كيلو مترات تمتد إلي الشمال وأدعوا أنه من أملاكهم مع أن حدودنا تتصل برأس الملحة وتقطن بهذه المنطقة قبيلة مصرية لا نزاع في مصريتها وهي قبيلة أولاد علي , وفي الواقع أن أنجلترا هي التي تنتفعكل الإنتفاع من وراء تنازلنا عن جغبوب فإنها تصيب عصفورين بحجر واحد , فهي تسوي حسابها مع إيطاليا وتنفذ مشروعاتها الحربية والسياسية علي حساب مصر , إذ أنها تنوي إنشاء مطار ومحطة للتغراف واللاسلكي في السلوم وجعل خليج السلوم مأوي لأسطولها البحري كما أن لديها مشروعاً قديماً وهو مد سكة حديديدية من خليج السلوم إلي السودان مُخترقة الصحراء , وبذلك يتم لها تطويقنا براً وبحراً ولله الأمر من قبل ومن بعد. ولا يسعني بعد هذا البيان الذي بسطته لحضراتكم إلا أن أرجوكم أن تتروا في هذا الموضوع وأن لا تصدروا قراركم فيه إلا بعد تفكير طويل ” .

النائب إبراهيم زكي : …….: “ولما نشبت الحرب الطرابلسية / الإيطالية في سنة 1911 كانت الدولة المُحتلة (إيطاليا) رقيبة علي حدود مصر فاستولت علي السلوم , وقد بين لحضراتكم حضرة الزميل المُحترم د . عبد الحميد سعيد ما بين واحة جغبوب وسيوة من الروابط القوية وإإنهما في الواقع واحة واحدة لا تتجزأ  …… حتي إنتهت الحرب العالمية الكبري وجاء وقت توزيع الغنائم والأسلاب ووقف كل ينشد نصيبه فيها وشاء الجشع الإستعماري البريطاني أن يمنح بعض أملاك مصر لإيطاليا . فتفاوضت معها علي أن تتخلي عن جغبوب ولكن تصريح 28 فبراير 1922 أوقف هذه المفاوضة , ثم شُكلت لجنة برئاسة حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا ولم تقدم هذه اللجنة علي إقرار ما أسفرت عنه المفاوضة بين إنجلترا وإيطاليا بشأن حدود مصر الغربية . وعقب مقتل السردار في سنة 1925 , وهي السنة المشئومة التي أُصيبت فيها مصر بشتي المصائب , تحرك الجشع الإستعماري وفغر فاه وإبتلع السودان لقمة سائغة ثم تحرك بدوره النمر الإيطالي وطلب حصة من الغنيمة فألقمته إنجلترا واحة جغبوب , كثير منكم يا حضرات النواب لايعرف تقاليد العربان ولا عاداتهم وما ينطوون عليه من إجلال لتعاليمهم الدينية تلك التعاليم العظيمة التي كانت تبعث فيهم روح الشجاعة والإقدام والتضحية حتي إستطاعوا لأن يقفوا في وجه إيطاليا مدة أحد عشر عاماً وأن يقاوموها لا بقوة السيف ولكن بإيمانهم وقوة عقيدتهم , إن واحة جغبوب مكان مُقدس له حرمته وله خطورته , فإذا صدر منه أمر بالقتال خفوا إليه سراعاً ولما أحجموا عن تنفيذ ما يُؤمرون به ولو كان بإلقاء أنفسهم في اليم  . تعلم إيطاليا حق العلم هذا الشعور الديني المُقدس الذي يُبعث من جغبوب ولا سبيل لإنكار ما لمثل هذا الشعور الديني من تأثير في شعوب العالم فخبروني بربكم ما قيمة الركن المُقدس وهو في وادي غيرذي زرع !!! لاشك أنه لا قيمة لهذه الأماكن في حد ذاتها لولا ما يحوطها من جلال وإحترام , ذكرت اللجنة في تقريرها أنجغبوب لم تكن من مُمتلكات مصر , وهذا يدعو إلي أشد العجب , لانه إذا صح فلست أدري ولا المُنجم يدري علام نفاوض إيطاليا ؟ وهل يصح أن نفاوضها علي شيئ ليس في يدنا ؟ أشترطت إيطاليا في الإتفاقية شرطاً ينص علي ألا تعتمد تلك الإتفاقية إلا بعد التصديق عليها من برلمان كل من الدولتين . وقد اُبرمت هذه إتفاقية كما قدمت لحضراتكم في وقت توزيع الغنائم سنة 1925 , فلماذا لم تُعرض في سنة 1926 أو 1927 أو 1928أو 1930 علي البرلمان مع أنه كان قائماً في تلك السنوات ؟

الــمُــــقــرر : عُرضت علي المجلس فعلاً ولكنه تهرب من البت فيها .

النائب إبراهيم زكي : إني أهيب بكم ألا تقروا هذه الإتفاقية كم لا يُقال لأحفادكم في المستقبل أن أجدادكم سلموا واحة جغبوب لإيطاليا .

النائب عبد العزيز الصوفاني : ” …… وإني إن أستندت إلي تقرير دولة رئيس الحكومة فذلك لأطالبه اليوم – وهو يملك الأمر – أن يتمسك برأيه الذي أبداه في سنة 1925 , وقد أطلعت علي آراء بعض كبار الضباط البارزين , وقد أثبت هؤلاء أن لجغبوب أهمية خاصة وأنها تتبع مصر . ومتي ثبت لنا أن هذه الواحة كانت تابعة لمصر فهل يجوز لنا في سبيل إبرام الإتفاقية المعروضة علينا أن ننزل عنها لإيطاليا ؟ أعتقد أنه متي ثبت ذلك لحكومتنا فلا يحق لها – ولا لنا – أن نتنازل عن جزء من أملاك هذه الدولة , وإني أذكر حضراتكم أن حكومة سنة 1925 لم تكن الأولي التي رأت هذا الراي بل إن وزارة1924 – وكانت أول وزارة دستورية – رأت أن جغبوب من الأملاك المصرية وأنه لا يجوز التصرف فيها بحال . عندما عُرضت الإتفاقية علي حكومة سنة 1924 بحث مجلس الوزراء فيما إذا كانت جغبوب داخلة ضمن الحدود المصرية أم لا ؟ وعندما تبين أن هذه واحة تابعة لمصر وأنها من الأملاك المصرية أصدر المجلس قراراً صريحاً في ذلك بجلسة عقدها للنظر في هذا الأمر . من هذا ترون أن الحكومات السابقة حين أهملت النظر في هذا الإتفاق ولم تعرضه علي البرلمان القائم , لم تفعل ذلك تهرباً منه بل تفادياً من التناول عن جزء من أملاك الدولة لدولة أخري .

الــــمُقـــــرر: لو قام الدليل علي أنها تابعة لنا لتمسكنا بها .

النائب عبد العزيز الصوفاني : الدليل أمامي وهو قرار مجلس الوزراء الصادر في 1924 في هذا الشأن – أتلوه علي حضراتكم .

” عرض وزير المالية علي المجلس بعض الخرائط القديمة المحفوظة بمصلحة المساحة فاتضح من خريطة فرنسية تاريخها سنة 1886 أن واحة جغبوب داخلة في حدود مصر , ومن تلك الخرائط خريطة إنجليزية مُعينة فيها الحدود وهي مأخوذة من أطلس “جوشن” المُؤرخ سنة 1866والمحفوظة بدار الكتب المصرية ومنها يتضح أن جغبوب داخلة في الحدود المصرية .” . نعم نُفذ القراربعدم التصديق علي الإتفاقية وليس يُعاب علي حكومة من الحكومات المصرية – وانتم تعرفون حق المعرفة مركزها الخاص وما يُحيطبها من الصعوبات – لا يُعاب عليها إذا تحاشت الأمر بعدم التصديق علي الإتفاقية . ولو نسجت الحكومة الحالية علي هذا المنوال وأوقفت التنفيذ ………

صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء : ولكن الإتفاقيةمُنفذة منذ عهد الوزارة الإئتلافية .

النائب عبد العزيز الصوفاني : أقصد التصديق عليها لاأن التنفيذ شيئ والتصديق شيئ آخر ( ضحك وتصفيق)

لم يعدل مجلس الوزراء عن قراره , وإنما رأي أن جغبوب داخلة ضمن حدود مصر فلذلك لم يعرض الإتفاقية علي البرلمان . إذا رجعتم يا حضرات الزملاء إلي صلب الإتفاق المعروض علينا وجدتموه مجرد رؤوس مسائل يُحال تفسيرها جميعاً علي لجان مُختلطة . وهذا التفسير هو بيت القصيد , لأنه إذا لم يكن لأحد المُتفاوضين دقة وحرص وقوة تتناسب مع ما للمفاوض الآخر منها كان تفسير المواد مصدر الخطر الشديد . وقد رجعت إلي مجموعة من الوثائق الخاصة بالإتفاق الإيطالي / المصري المُؤرخ في 9 نوفمبر سنة 1926 فوجدت أن لجنة مُختلطة إجتمعت في يوم الثلاثاء 9 نوفمبر سنة 1926, لأن الإتفاقية وُضعت موضع التنفيذ وكان يُراد تفسير بعض نصوصها . وقد جاء بالبند 4 من قرارات هذه اللجنة ما يأتي : ” ولإيطاليا أيضاً حق المرور حول الجزء الواقع داخل الحدود المصرية من بحيرة العرايشية بشرط ألا تبتعد عن شاطئ البحيرة بأكثر من كيلو متر واحد سواء كان ذلك للأغراض المدنية أو العسكرية . , يا حضرات النواب المحترمين تبرر اللجنة موقفها من عدم التمسك بجغبوب وفي الموافقةعلي تركها بأنها لا زرع بها ولا ضرع وليس لها شأن من الوجهة المدنية أو السياسية أو العسكرية . وكل ما أثبتته اللجنة لها من الأهمية هو أن بها ضريح السيد السنوسي  . ولكني أوجه نظر حضراتكم إلي أننا – حتي مع التسليم بهذا الرأي من جانب اللجنة – لا ينبغي أن ننظر في مثل هذا الإتفاق دون أن نحرص دائماً علي تأمين حدودنا , ولن نصل إلي هذا التأمين إلا إذا كانت تلك البلاد في داخل حدودنا وكان يقيم علي هذه الحدود سكان يدينون بديننا ويعطفون علينا كما نعطف عليهم ويبغون الخير لنا كما نبغيه لهم , وبذلك نكسب قوة كبيرة وتمتلئ نفوسنا طمأنينة . إنكم تعاملون اليوم جارة قوية ذات مطامع إستعمارية لا حد لها , وتطمح إلي تجديد عهدها الماضي , عهد الإمبراطورية الرومانية , فتذكروا هذا الخطر قبل أن تبرموا بيننا وبينها أي إتفاق , وتذكروا يا حضرات النواب أن إيطاليا لن تقف عند حد في سبيل تحقيق مطامعها……فإذا لانت لنا إيطاليا اليوم فلن ترحمنا إذا ما لها صالح في قابل الإيام . (بالفعل وفي المستقبل عندما بدأت عملية إحتلال ليبيا وكذا إبان الحرب العالمية الثانية كانت ايطاليا قد لجأت في هذه المرحلة من الحرب إلي أعمال الابادة والحرق وإتلاف الغلال وقتل المواشي ومصادرتها ، إذا استخدمت في ذلك الطائرات لضرب الأهالي من الجو ، فنجحت باحتلال العديد من المدن الصغيرة والمتفرقة سواء في الجبل الأخضر أو طبرق وتمكنها من الجغبوب سنة  التي تعتبر من أهم المناطق التي اعتمد عليها المجاهدون في كفاحهم ، خاصة بعملية التزود بالسلاح , كانت إيطاليا قد شرعت في بناء جسرها الحربي الإستراتيجي في ليبيا من أجل الهجوم على مصر ,  فبداية من سنة  1934 م وحتى سنة  1937 تم شق طريق استراتيجي للسيارات من الحدود التونسية إلى حدود مصر الغربية بطول 1222كلم وأقيم في الوقت نفسه عدة فروع له إلى الجنوب ، وأقيمت المطارات ومهابط الطائرات، وبصفة خاصة بالقرب من الحدود الليبية – المصرية فقد ربط بمطاري بنينة والعدم طريقان معبدان هما بنغازي بنينة 11كلم , طبرق- العدم 27كلم , كما ظهرت المطارات في مرسي سوسة ودرنة وأعدت مهابط للطائرات في “األبيار وأجدابيا وأوجلة والمرج وجالوا والجغبوب والكفرة ومرسي البريقة وسلطنة وسلوق وطلميثة” وعدد من المراكز الأخرى في برقة) .

الحلفاء لم يحتفظوا بعد هذه نكبة التقهقر أمام رومل سوى على ميناء طبرق وواحة الجغبوب يضاف إلى ذلك واحة الكفرة البعيدة بحكم موقعها البعيد عن ميدان القتال فإنها بقيت في أيدي القوات الفرنسية والسنوسية التي استخلصها من العدو (إيطاليا ــ ألمانيا ) , كانت القوات الليبية قد اشتركت في جيش ويفل الذي بدأ زحفه في 2 ديسمبر 1940  ودخل بنغازي في 7 يناير1941 كما اشتركوا مع قوات فرنسا الحرة الزاحفة من السودان الغربي والتي دخلت الكفرة في 12 فبراير والجغبوب في 21 مارس  1941 . *(ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945/ جامعة العربي بن مهيدي – أم البواقي – كلية العلوم االجتماعية والانسانية – قسم العلوم الإنسانية)

واصل النائب عبد العزيز الصوفاني فقال , والذي أعتقده ويهديني إليه فكري , يا حضرات النواب , هو أن أنجلترا – وهي الدولة البحرية القوية التي تعمل دائماً علي الإحتفاظ بكل ما يمكنها من الرقابة الفعلية علي البحار – تعلم أن إيطاليا تجوز كل العجز علي أن تحكم جغبوب , بل طرابلس بأجمعها , بقوتها البرية دون أن تكون القوة البحرية عضدها الحقيقية – , فهي تنأي عن جغبوب وتحتفظ بالسلوم لترضي إيطاليا أولاً , ثم لتجعل لنا جاراً قوياً نهابه إذا ما غضب ونخشاه إذا ما هدد , فللا يسعنا في هذه الحالة المُروعة إلا أن نتوسل إلي إنجلترا لتصد غارة الجارة , وإلا أن نرمي أنفسنا دائماً في أحضانها لتحمينا من شر هذا العدوان  ……. وأُبرمت معاهدة لندرة سنة 1841 التي أرادت بها الدول الكطبري أن تقف في وجه إبراهيم الفاتح وأن تصده عن إقتحام تركيا وإلتهامها . فتحددت حينذاك حدود مصر – وكان واجباً أن تُحدد تحديداً صريحاً, لأن مصر بمقتضي معاهدة 1841 أصبحت لها شخصية مُستقلة عن شخصية الولايات العثمانية الأخري , إذ كسب محمد علي باشا لنفسه ولمصر بمقتضاها حق الولاية بالتوارث تحت سيادة الدولة العثمانية – بينما الولايات الأخري كان يُعين عليها الولاة تعييناً من الباب العالي مباشرة . فكان حتماً عندئذ أن يُعين الحد الفاصل بين أملاك الدولة العثمانية وشمال أفريقيا وفي الجهة الشرقية من أراضي مصر , حتي تتبين سلطة الباب العالي فيما وراء حدود مصر , وسلطته المحدودة في داخل هذه الحدود  ., وُضعت لذلك الغرض هذه الخريطة الملعونة – كما نُعتت بهذا الوصف أمامكم –كأنما اُعدت لتأييد الإتفاق الذي نحن بصدده . علي حين أنكم إذا رجعتم إلي الأوراق التي وُزعت علي حضراتكم تبينتم  أن مناسبة طلب هذه الخريطة كانت المفاوضات التي قام بها حيناً حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء الحالي وحيناً آخر سعادة عبد الرحمن رضا باشا وكان رائد المفاوض المصري ألا يألو جهداً في التحقق من ملكية مصر لواحة جغبوب حتي إذا ما أيأسه العثور علي تلك الخريطة طلب إلي وزيرنا المفوض في تركيا أن يسعي للعثور علي أصل تلك الخريطة ….. وقدبذل سفيرنا الجهد الجهيد في الحصول علي ما ظنه مُؤيدا لدعوي المفاوض المصري من أن حدود مصر الغربية تذهب بعد السلوم وواحة جغبوب حتي تصل إلي نصف طرابلس , ولا يتصور عقلاً أن الحكومة المصرية , ممثلة في أي وزارة كانت تسعي في هذه المفاوضة إلي إستحضار تلك الخريطة لتخذل نفسها وتُضعف موقفها وإنما الذي يُعقل هو أنها تسعي إلي ما يُؤيد موقفها في مفاوضاتها بأن تكون الخريطة مشتملة علي أبعد  من هذا الحد الذي وصلنا إليه . كان من حظ مصر أن طال أمد البحث عن هذه الخريطة , فلم يضل خطاب وزيرنا المفوض المُنبئ بالعثور عليها إلا في 14 ديسمبر سنة1925 وكانت إيطاليا لظروف خاصة , تتعجل الوصول إلي تعيين هذه الحدود , فأُمضي الإتفاق في 6 ديسمبر سنة 1925 , أي قبل أن يصل خطاب السفير المصري إلي حكومته بالعثور علي الخريطة بأسبوع واحد . ….. ولو أن هذه الخريطة ظهرت قبل توقيع الإتفاق لكان من المُحتمل كثيراً أن تكون الشقة الكبيرة بين الخط الأحمر , والحد المُبين في المشروع المعروض علي حضراتكم , محلاً للنزاع من جانب الحكومة الإيطالية .

المــُقــرر: إن تخلينا عن السلوم بعد أن وصلنا إليها هو بذاته الدليل المادي إذا لو يتقدم دليل سواه .

حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء : هناك دليل مادي قاطع وهو أن الثكنة التي يقطنها الجيش المصري الآن في السلوم إنتظاراً للثكنة الجديدة التي تُبني له , هي ثكنة تركية أُقيمت منذ ثمانيت سنة . ( تصفيق)

المُـــقــرر : لقد ذكرت اللجنة ذلك حيث جاء في تقريرها أن المُعاهدة – أي الإتفاق المعروض علي حضراتكم – أدخلت ضمن الحدود المصرية الهضبة العالية التي تُشرف من الجهة الغربية علي السلوم وعلي رأسها تلك القلعة التركية القديمة التي كانت تحت يد إيطاليا وهي التي يسكنها رجال الجيش المصري الآن ويُبني لهم بجوارها ثكنة تتفق وحالة الدفاع الحديث   …..تعلمون حضراتكم انه بعد أن تحددت سلطة محمد علي باشا بمُعاهدة لندرة لم يمنعه ذلك , كما قال حضرة الزميل د . عبد الحميد سعيد , من أن يتوغل في فتوحاته إلي أقاصي السودان وقد وصلت فتوحات مصر في عصر إسماعيل إلي خط الإستواء ……. ولم يقنع محمد علي باشا وخلفاؤه بما وصلوا إليه , بل طمعوا في أن يمدوا ملكهم إلي الجهات الغربية والجنوبية والشرقية بحيث لا يتعرضون لأملاك الدولة العثمانية . وكانت الدولة العثمانية تهتم من أمر ولاياتها في شمال أفريقيا بالجزء المُتاخم للشاطئ , وكان أثر الحكم فيها أن يتولي الوالي في المدينة قصبة الولاية علي شاطئ البحر  .وما كان لها سلطان حقيقي علي الصحاري الجنوبية ولا تخطيط في ممتلكاتها ولا نواب ينوبون عنها , ولم يكن للحكومة  العثمانية علم عن الواحات ولا إتصال بها , فلم تعتبر حكومة تركيا أن فتح محمد علي باشا لواحة سيوة إعتداء عليها , مع أنه تخطي فيها الحدود لأن الصحاري لم مُخططة لديها , ولأنها تعتبر أن أملاكها هي المُتاخمة للشواطئ . وقد أُرغمت مصر علي أن تتخلي عما إستولت عليه من أملاك الدولة العثمانية بسلطة المُعاهدات التي أُجبرت علي قبولها , بينما كانت الجيوش المصرية تحت أسوار القسطنطينية قلتم لنا أن مركز الواحة الحربي وضروري للمحافظة علي حدود البلاد الغربية . أفترض أن هذا صحيح وأنا من غير واحة جغبوب نكون عُرضة لجميع الطوارئ , فما العمل إذا لم تكن في داخل حدودي لأني لم أرثها ولم أفتحها ولم أتول عليها حقاً ؟ ما العمل غذا لم يكن لي قبل بإمتلاكها ؟ ز أرجع إلي ما جاء في تقرير اللجنة عن هذه الواحة فأقول أنها لا تختلف في كثير أو قليل عما يحيط بها من الصحاري المُترامية الأطراف . فهي في مُنبسط من الأرض لا تشرف علي شئ ويصح أن تنشأ واحة مثلها علي كل بئر من الآبار المُوجودة علي طول الطريق وكلها مُجودة في حدود بلادنا فهناك بئر الشفرزن وبئر سيدي عمر وكلها علي خط الخطوط  , ويمكن أن ننشئ في هذه الأمكنة سلسلة قلاع للدفاع عن حدود مصر الغربية ولكني أتساءل ماهي قيمة جغبوب الحربية إذا كانت ملكاً لنا إذا كنا نريد أن ننشئ قوة حربية دائمة علي طول الخط الغربي للحدود المصرية الذي يبلغ 1300 كيلو متر , ……. لقد أثبت التحري الدقيق الذي أجرته في سنة 1925 اللجنة المصرية التي كان علي رأسها إذ ذاك حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء ودلت المباحث التي رافقت أعمال تلك اللجنة – التي كان يُهيمن عليها رجل من أكفأ رجال مصر , فضلاً عن أن حضرة صاحب السعادة عبد الحميد بدوي باشا كان يُقدم لها إليها المعلومات الدقيقة – علي أنه لم يكن لمصر أي سلطان علي جغبوب ولم يكن فيها محل لأي سلطة سواء أكانت هذه السلطة مدنية أم دينية أم عسكرية , أو أي مظهر من مظاهر الملكية لا في عصر محمد علي باشا ولا في أي عصر حديث أو قديم منذ عهد الفراعنة . ولما حان وقت تعيين الحدود بمناسبة هذا الجوار أُستغلت هذه الإتفاقية أيما إستغلال فكانت مُتاجرة أمام الرأي العام يضرب بها حزب حزباً آخر فكانت محل المطاعن علي وزارة حضرة صاحب الدولة أحمد زيور باشا الذي تركت له أزمة الحكم في ظروف قال فيها قوله المشهور – وعذره قائم – أنه لم يبق له إل أن يُنقذ ما يمكن إنقاذه . كان الغرض من مخلفات حكومة خلفت هذه التركة . وإنني لأتساءل عما إستفادته البلاد من أعمالهم  . ذكرلكم حضرة المحترم د . عبد الحميد سعيد طرفاً من التاريخ قد يكون طريفاً , فقد روي أن المغفور له عباس باشا الأول والي مصر لما ذهب إلي الأقطار الحجازية لتأدية فريضة الحج وأرد أن يُغدق نعماءه , دعا إليه زعيم الإدريسيين السنوسيين , وأظهر له رغبته في أن يُسكنه هو ومن معه من أهله مكاناً في أرض مصر وطلب إليه أن يختار المكان , وكان الرجل لا يرغب في سكني المدن , فبحث في الفيافي والصحاري عن وادي غير ذي زرع فأختار جغبوب (من الجائر أن انتقال السنوسي في سنة 1855 إلى جغبوب وهي واحة صغيرة في الشمال الغربي من واحة سيوة على خط عرض 30 كان لرغبته في تجنب الاحتكاك بالأتراك). وكان من أمر الولاة بعد ذلك أن أسبغوا عليه النعم , ولما أراد إقامة ضريح أرسلوا إليه من بناه وبني التكية , فهل يمكن أن يكون الإختيار من جانب الزعيم السنوسي والمنح من جانب الوالي دليل الملكية ؟ وهل بناء التكاياوالمُستنشفيات في أرض الحجاز , ونحن نقوم بمصاريفها من خزانة الدولة , ينهض دليلاً أو أساساً لملكيتنا لهذه البلاد . ( منطق غريب من وهيب دوس بك مقرر لجنة الشؤن الخاردية فمصرق أنفقت خزانتها علي السودان إبان فترة الحكم الثنئي وعلي جزيرة طاشوز من أملاكها في البحر المتوسط قريبة من اليونان ” الحكم المصري في جزيرة طاشوز في عهد محمد علي باشا، ١٨١٣-١٨٤٨ م” وأنفقت علي أملاكها في الصومال وجيبوتي ثم أن مقرر اللجنة نفسه قال أن الزعيم السنوسي أبدي رغبته في أن يسكن هو ومن معه في أرض مصر فأختار جغبوب)

حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء :

حضرات النواب المحترمين . لا يُنتظر مني , وقد كنت رئيساً للجنة التي تولت المفاوضة في تحديد الحدود الفاصلة بين بلادنا وبين طرابلس الغرب , أن أقرر بأن جغبوب لم تكن ملكاًلمصر , فلقد ناديت بهذه الملكية , وطلبت من المندوبين الإيطاليين أن تكون هذه الواحة لنا , نعم, طالبنا بملكية جغبوب وأدلينا بما لدينا من أدلة وأدلي ال]طاليون بما عندهم من الأسانيد . وبعد كثير من المناقشة تقدمت إلي حضرة صاحب الدولة زيور باشا رئيس الحكومة المصرية إذ ذاك ببيان عما تك بين المفاوضين المصريين والإيطاليين  . ذكرت في هذا البيان ما نستند عليه من الأدلة وطالبت بجغبوب , وذكرت أنه إذا كانت هنالك ظروف أو مُلابسات ترجح كفة تأييد المُعاهدة المُقترحة فإن علي الحكومة المصرية أن تُطال بأقصي ما يمكنها المُطالبة به حفظاً للمصالح المصرية , وهذا البيان هو كل ما تنطن به تلك الجماعة التي تعرفونها كما طنطنوا من قبل بكندي وبوثائق كندي . (تصفيق) , قلنا إن جغبوب لنا بدليل وجود خرائط ترجع إلي عهود سابقة رُسمت بها جغبوب داخل الحدود المصرية , وقلنا أنها لنا لأن مصر إهتمت بأمر جغبوب من عهد والي مصر عباس الأول إلي وقت قريب , فبنت بها ضريحاً وزاوية ومدرسة , وأجرت عليها الأرزاق . لم نهمل شيئاً مما أدلت به المعارضة الليلة . ولكن الإطاليين أدلوا هم أيضاً بكثير من الأدلة ومن الأسف أن أكثر أدلتهم نقلوها عنا , فقد بحثوا بحثاً مُستفيضاً , وقالوا إن الكتب الدراسة الجغرافية التي تطبعها أو توزعها وزارة المعارف العمومية لاتذكر جغبوب علي الإطلاق بإعتبارها مصرية , وأنه لا أثر لجغبوب داخل الحدود المصرية في الخرائط التي تطبعها مصلحة المساحة المصرية , وقد عرضوا صورة تقرير للمرحوم مصطفي ماهر باشا كان قدمه لوزارة الداخلية , عندما كان وكيلاً لمديرية البحيرة عقب عودته من مهمة أوفدته بها الحكومة إلي سيوة لإطفاء فتنة تشبت بها , وقد ذكر في هذا المقال المطول , بعد أن تبسط في وصف أحوال سيوة , أنه توجد علي بعد ثلاثة أيام من سيوة جهة تدعي جغبوب ولكنها خارج الحدود المصرية ( هناك شيئ من الجهل يغشي بعض المسؤليين المصريين ففي حالة حلايب نجد أن كتب المدارس وبعض الخرائط الرسمية تلحقها بالسودان فيما أن هناك وثيقة بريطانية لدي وخريطة أمريكية صادرة عن البنتاجون تلحقانها بمصر) , وقالوا رداً علينا , بخصوص علاقة عباس الأول والي مصر بجغبوب , وأنه أقطعها للسيد السنوسي الأكبر , وأجري عليه الأرزاق . أن التاريخ يخالف هذه الرواية لأنه يذكر أن الشيخ عليش , وهو والد الشيخ عليش المشهور في الثورة العرابية – قد أفتي بشعوذة السنوسي , وبضرورة إبعاده عن البلاد , فعندما طلب إليه الرحيل عن الديار المصرية إختار السكني في واحة جغبوب . وقالوا كيف يقيم طريد من الديار المصرية بجغبوب وتكون مصرية ( لكنه لم يبرر لنا بناء الضريح والزاوية والمدرسة) , وقد ذهب السيد السنوسي بعد أن غضب عليه والي مصر عباس الأول إلي الاستانة وقدم لمتبوعه السطان عبد المجيد واجب الولاء والعبودية فكافأه السلطان بإصدار فرمانين يقضي أحدهما بإعفاء أهل جغبوب من الضريبة , وقال المفاوضون الإيطاليون بهذه المناسبة كيف تكون جغبوب مصرية , ويعفيها سلطان تركيا من الضرائب , وتابعوا أدلتهم بأن ذكروا أن السلطان عبد المجيد لم يكتف بذلك بل أصدر فرماناً بتولية السنوسي أمر جغبوب …… أدلي المفاوضون أيضاً بأدلة تاريخية ةأخري جنسية , ولا تظنوا لأنهم نسوا أن يُشيروا إلي رأس الكنائس ( يتكلم عن أدلة الإيطاليين كأنها حقائق وكأنهم قوة غير إستعمارية وغير محتلة لا يمكن أن تكون مفوضة ) بل كانوا علي علم بأن تركيا كانت تملك من عهد محمد علي باشا كل الجزء المُمتد شرقاً لغاية رأس الكنائس ولكنها أهملته كما كانت تهمل كثيراً من أملاكها , عرضنا كل ذلك علي رئيس الحكومة إذ ذاك , وقلنا أنه تجب المطالبة بكل ما يمكن الحصول عليه لمصر وكان قد سبق لنا أن تمسكنا قبل الإيطاليين بشقة طويلة علي الساحل بدلأ بالسلوم وتنتهي في رأس الملح – التي تكلم عنها حضرة النائب د. عبد الحميد سعيد –  وبينا لهم أن سكان هذه الجهة جميعهم من قبيلة أولاد علي الذين لهم في مصر أنسباء وأولاد عمومة فنحن إذن أولي بها من إيطاليا , ولكن المفاوضين الإيطاليين تمسكوا برأس الملح , وقالوا أن النزول عنها معناه النزول عن مدينة برديا , وهم الذين عمروها وجعلوا فيها قيادتهم العليا وثكناتهم وكل معداتهم الحربية , والحق أننا لم نكن نأمل في الفوز بأكثر من عشرة الكيلو مترات التي تنتهي ببئر الرملة . وأقل ما يُقال في هذا الصدد أنه ربما كانت ملكية جغبوب مشكوكاً فيها بينما لاشك مطلقاً في أن منطقة السلوم كانت من أملاك الدولة العلية التي آلت إلي الحكومة الإيطالية * (يشير المؤر خ الشهير أحمد شفيق في كتابه : مذكراتي في نصف قرن صفحة 58 إلي ما نصه : ” ….. وبعد ذلك أرسلني الخديو إلي بطرس باشا (رئيس مجلس النظار وقتها) لأخبره أنه بينما كان سموه في سيدي عبد الرحمن القريبة من مرسي مطروح , حضر عنده المأمور وأخبره أن الأتراك بنوا في السلوم التابعة لمصر مخزنين للمؤن بحجة أنه يصعب عليهم أن يصعدوا بها علي الجبل المُشرف علي الميناء حيث تقع النقطة التركية , وأن مأمور العشور التركي ؤنزل في الأراضي المصرية  علي بعد يوم ونصف من هذا الجبيل الذي يعتبر فاصلاً بين مصر وطرابلس وجبي العشور من العربان مع إنهم في أرض مصرية . وأمرني سموه أن أعطي مذكرة بذلك لبطرس ليخابر اللورد كرومر فيها وأن رأي سموه أن تُرسل مراكب تابعة لخفر السواحل لإحتلال ميناء السلوم , وأن يُنبه علي سفن خفر السواحل بزيادة المرور علي الميناء المذكورة , وأن تُقام نقطة مصرية علي مسافة يومين من مرسي مطروح تتأف من ملازم ثان وستة عساكر قبل أن يضع الأتراك يدهم علي هذه الأراضي , لأنهم يعتبرون أن الحدود هي في أم الرخم التي لا تبعد عن مرسي مطروح بأكثر من ثلاث ساعات لالهجين , فمن اللازم الإسراع بعمل الإحتياطيات لحفظ حقوق مصر , ولو أخذت الدولة السلوم لخسرت مصر ( يقصد الأتراك) ميناء حربية هامة فضلاً عن أنها أقرب طريق إلي واحة سيوة . وأقترح سموه أرسال هنتر باشا مدير عموم خفر السواحل والقائمقام دومريكر لعمل مشروع للحدود  , يرسل لكرومر بعد الإتفاق عليه. وقد تقابلبطرس باشا مع اللورد وحدثه في ذلك فشكر الجناب الخديو ووافق علي ذلك ثم أبلغني بطرس باشا أن الحكومة المصرية إحتجت لدي تركيا علي هذا الإعتداء , وأن كرومر أوعز إلي سفير إنجلترا في الإستانة بالإحتجاج لأن الضابط العثماني قال للمندوبين المصريين إنه عمل ذلك بناء علي أوامر الدولة غير أن مصر إحتلت أرضها ” , فكأننا بذلك سنبدل بشقة مشكوك في أمر ملكيتها شقة مقطوعاً بعدم ملكيتنا لها في الماضي …… علي أننا لو سلمنا بأن لجغبوب هذه الأهمية العسكرية لما أنسانا ذلك قيمة ساحل السلوم الحربية , فقد ربحت مصر من هذه المعاهدة عشرة كيلو متراتمن الساحل غرب السلوم – وأقول أنها ربحت تلك الشقة , لأنه من المُسلم بهأنها لم تكن ملكاً لمصر- فلما وضعت الحكومة المصرية يدها سنة 1911 علي السلوم كانت كما هي في منحدر من الأرض يعلوها جبل شاهق علي قمته ثكنة إيطالية , وكان إمتلاك السلوم في هذه الحالة غير مجد ولا مُفيد لمصر من الوجهة الحربية مادام الإيطاليون في المرتفع الذي يتحكم في السلوم , ولا يخفي علي حضراتكم أن السلوم واقعة في منتصف الخليج المعروف باسمه والذي يمتد عشرين كيلومترا والذي يقول عنه الخبيرون إنه يسع أكبر أساطيل العالم , فقد تجد فيه ملجئاً أميناً . ولا يغيبن عن الأذهان أن الأولي بالحماية ليست صحاري سيوة بل طريق البحر الأبيض المتوسط , المزدهر بالمزارع والآهل بالسكان بين السلوم والأسكندرية .

وفي نهاية مناقشة مجلس النواب المصري تلي مُقرر لجنة الشؤن الخارجية مشروع القانون المتعلق بالإتفاق المصري / الإيطالي الخاص بحدود مصر الغربية من عشرة مواد منهم المادة الأولي والرابعة والخامسة التي تقرأ علي النحو التالي :

مادة (1) – يبتدئ خط الحدود بين أراضي برقة الإيطالية والأراضي المصرية من نقطة علي الشاطئ شمالي السلوم تبعد عشرة كيلومترات عن بيكون بوينت(عزلة القطارة). ومنها يتجه بشكل قوس دائرة مركزها بيكون بوينت (عزلة القطارة 9 ونصف قطرها عشرة كيلومترات من النقطة المذكورة حتي يلتقي بمسرب الشفرزن . ومنه رأساً يتبع الخط من الغرب مسرب الشفرزن ماراً بسيدي عمر وبيرشفرزن وبير الشقة . وهنا يترك الخط مسرب الشفرزن ويسير رأساً غربي طريق القوافل القديم الذي يتجه نحو الجهة المعروفة بملاذ سيدي إبراهيم . ثم يتبع غرباً مسرب الأخوان حتي ملتقي مسرب القرن في الجهة المعروفة بالقرن والقرنين . ومنها رأساً غربي مسرب القرن حتي يلتقي هذا المسرب بمسرب العجروم . ومن نقطة ملتقي مسرب القرن بمسرب العجروم يسير الخط رأساً غربي مسرب العجروم حتي حد واحة ملفا . ويسير الخط بعد ذلك إبتداء من نقطة إتصال مسرب الأجرام شمالي واحة ملفا وغجابلغاية الدرجة 25 من خطوط جرينتش , بحيث لا يمر بعد تقاطعه بمسرب جالو بأية نقطة تقل عن عشرة كيلومترات غربي مضيقي المناسيب ووليم ثم يستمر الخط متبعاً الدرجة 25 من خطوط الزوال شرقي جرينتش حتي يلتقي خط الزوال المذكور بالدرجة 22 من خطوط العرض شمالي خط الإستواء .

مادة (4) – تتعهد الحكومتان المصرية والإيطالية بضمان حرية مرور القوافل الإيطالية والمصرية المتوجهة إلي السلوم ضماناً تاماً علي طرق القوافل . ولا يُدفع أي رسم أو ضريبة لمرور هذه القوافل التي يجوز لها تماماً أن تستمر في إستعمال مياه الصهاريج لحاجتها العادية وكذلك المآوي الموجودة بالقرب من الطرق الكمُشار إليها .

مادة (5)- رغبة في توفير مياه الشرب لسكان السلوم تتنازل إيطاليا لمصر عن ملكية بئر الرملة التي تستغلها الآن الحكومة الإيطالية وعن منطقة تحيط بالبئر المذكورة وممر من الأرض يكون إتجاهه علي محور وادي الرملة يكفي لإيصال هذه البئر بالحدود المصرية .

أسفرت نتيجة أخذ الرأي علي مشروع القانون عن الموافقة عليه بأغلبية 90 صوتاً مقابل 4 أصوات ضده وأمتنع عضو واحد وـأبدي أسباب إمتناعه .

بعد ذلك  أُحيل مشروع الإتفاقية علي مجلس الشيوخ المصري لمناقشته وإقراره بعد أخذ آراء أعضاء مجلس الشيوخ التي كانت 59 صوت مع وصوتان ضد مشروع قانون الإتفاق من مجمل 61 صوت وبالفعل صدر القانون رقم 34 لسنة 1932 بالموافقة علي الإتفاق المصري الإيطالي الخاص بحدود مصر الغربية ووقعه الملك فؤاد الأول ملك مصر في 7 يوليو 1932 .

أقرت إتفاقية الحدود الليبية / المصرية بأغلبية ظاهرة رغم المعارضة الشعبية فالمعارضة كانت ضعيفة أمام أغلبية برلمانية أباحت للإنجليز والإيطاليين أن ينجحون في عمل تسويا ومقايضات علي حساب مصر أما الجغبوب فلم تكن إلا إثباتاً لضراوة المستعمرين إنجليز أم إيطاليين فمصر وليبيا علي مستوي الشعوب يعلمون أن أرضهم واحدة .

سياسة مصر شبه الدائمة هي الإعتراف بالنظم الشرعية أيا كانت :

هذه هي الحدود البرية لمصر وليبيا وفق معاهدة 1925 ومن اليسير جداً التوصل لإتفاقية ثنائية لتحديد الحدود البحرية لليبيا ومصر , في حال إعتراف مصر الكامل العملي بالحكومة القائمة في طرابلس فمصالح مصر تقتضي ذلك خاصة أن لمصر سوابق في الإعتراف و/ أو التعامل مع الحكومات القائمة حتي وإن وُوجهت بمعارضة ما أو تمرد ما عليها فالنهج العام الذي تنتهجه حكومات مصر المُتعاقبة منذ يوليو 1952هو الإعتراف بـ والتعامل مع الحكومات القائمة في عواصم الدول وليس مع حركات التمرد مع إستثناءات قد تكون ولكنها نادرة الحدوث , وكأمثلة علي ذلك :

الـــســــودان:

منذ ما يُسمي ثورة الإنقاذ الوطني في السودان في 30 يونيو 1989 وبعد مضي ثلاث أو أربع من هذه الثورة أو الإنقلاب علي رئيس الوزراء المدني المنخب ديموقراطياً بدأت مرحلة يتقاسمها المواجهة والتوتر بين النظامين المصري ةالسوداني وهما نظامان عسكريان ومع ذلك كل كان له نهجه المختلف ففي الخرطوم نظام يدعي أنه إسلامي وفي القاهرة نظام آخر يدعي أنه ليبرالي وكلاهما كان الفساد هو أساسه وطريقه للبقاء حياً , ومع هذه المواجهة كان للنظام المصري سفارته في القاهرة وكذلك كان لنظام البشير سفارة- كانت لفترة كلاهما علي مستوي قائم بالأعمال – ومع أن إعلام مبارك أحال محاولة إغتياله الفاشلة في أديس أبابا في 26 يوليو 1995 إلي السودان إلا أن مصر لم تفضل أن تتوجه بشكوي لمجلس الأمن الدولي وأحالت تداعيات هذه المحاولة علي مزيد من التوتر والمواجهة السياسية ثنائياً وتم خفض من مستوي السفارة لدرجة قائم بالأعمال وأستمرت المواجهة وفضل كلا النظامين تحريض قوي المعارضة علي النظام الآخر بدون قطع العلاقات ,واصلت مصر إعترافها بنظام البشير حتي سقط وجاء تلاميذه البرهان وحميدتي وواصلت مصر الإعتراف بهم  .

الإستعمار البرتغالي وحركة المقاومة في أنــــجـــولا :

الحرب الأهلية الأنجولية  كانت في بداية عام 1975 وحتى أبريل 2002 بدأت مباشرة بعد إستقلال أنجولا عن البرتغال في نوفمبر 1975قبل هذا كانت عملية هناك مواجهة من الأنجوليين للمستعمر البرتغالي  بغية نيل الإستقلال(1961-1974) , وبعد الإستقل نشبت الحرب الأهلية و كانت أساساً صراعا على السلطة بين اثنتين من حركات التحرر السابقة: الحركة الشعبية لتحرير أنجولا والاتحاد الوطني للاستقلال الكامل لأنجولا (يونيتا) وفي الوقت نفسه اعتبرت بمثابة حرب بالوكالة لأن كل فرق دعكمه القطبين العظميين في رذروة حربهما الباردة فقد دعم الأمريكيون وحلفاءهم فريق UNITA  ودعم السوفييت وحلفاءهم فريق MPLA ومنهم مصر التي كان لفريق MPLA مكتب في القاهرة إبان فترة التحرر من نير الإستعمار الرتغالي تحول لسفارة لحكومة أنجولا التي يمثلها الحزب الوحيد بأنجولا وهو حزب MPLA ويمثل الحكومة المُعترف بها دولياً .

الإستعمار البرتغالي وحركة المقاومة في موزمبيق :

بدأت حروب البرتغال ضد مقاتلي العصابات المسلحة عام 1961 في أنجولا حيث كانت هذه العصابات تدعو إلى استقلال الأراضي الأ نجولية التي تسيطر عليها البرتغال منذ 400 عام و أسست ما يُعرف باسم الإمبراطورية البرتغالية هناك وكان الموقف المصري كالموقف الأفريقي مُساند ومُؤيد لحكومة حزب(الحركة الشعبية لتحرير أنجولا) الشرعية القائمة في لواندا العاصمة الأنجولية كما أيدها الإتحاد السوفيتي والصين وذلك ضد حزب UNITA الإتحاد الوطني لتحريرعموم أنجولا بقيادة جوناس سافيمبي الذي دعمته الولايات المتحدة وحلفاءها وجنوب أفريقيا وزاتير (الكونجو الديموقراطية حالياً)

إندلع في موزمبيق الصراع الأهلي في سبتمبر 1964 نتيجة للاضطرابات والإحباط بين كثير من السكان الأصليين في موزمبيق الذين رأوا في الحكم الأجنبي البرتغالي شكلا من أشكال الاستغلال وسوء المعاملة التي لم تخدم سوى المصالح الاقتصادية البرتغالية في المنطقة ، بالإضافة إلى ذلك استياء العديد من أبناء موزمبيق تجاه السياسات البرتغالية في التعامل مع السكان الأصليين والتي أدت إلى التفرقة في المعاملة وصعوبة ممارسة نمط الحياة التقليدية على كثير من الأفارقة , وساعد نفي العديد من المفكرين السياسين الموزمبيقين إلى البلدان المجاورة في وجود ملاذ آمن يمكن التخطيط فيه لإثارة الاضطرابات السياسية في وطنهم وقد أدى تشكيل تنظيم جبهة تحرير موزمبيق ودعم كلًا من الاتحاد السوفيتي والصين وكوبا ويوغوسلافيا وبلغاريا وتنزانيا وزامبيا ومصر والجزائر من خلال الأسلحة والمستشارين إلى اندلاع أعمال العنف التي استمرت قرابة عقد من الزمن .

 تـــشـــاد :

دعمت مصر بقوة الرئيس التشادي السابق حسين هبري (تولى رئاسة تشاد لثمانية أعوام من 1982 إلى 1990) في في الصراع الذي إشتد بىه و بين خصمه جوكوني عويضي في تشاد في ثمانينات القرن الماضي ولهذا الصراع صلة بالأمن القومي بمعناه العريض والعميق لمصر , فتشاد تُعد خلفيةً لحوض وادي النيل وللصحراء المصرية و الليبية , وهوصراع نشأ في هذه المنطقة الممتدة من تشاد إلى نهاية الغرب الإفريقي وتحتوي على احتياطي بترولي كبير جدًّا مرشحة لتنافس دولي كالذي في منطقة الشرق الأوسط ولذلك يتصارع عليها الأمريكيون والفرنسيون , وقد دعمت مصر الحكومة الشرعية القائمة برئاسة هبري كما دعمعتها منظمة الوحدة الأفريقية ودول افريقية عدة .

ســــاحـــل الـــعـــاج :

شاركت قوات مصرية في مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في ساحل العاج بسبب الصراع الأهلي الذي تسبب في إنقسام ساحل العاج بين شمال وجنوب , وكانت مصرتعترف بالحكومة القائمة  خلال الحرب الأهلية التي بدأت في 19 سبتمبر 2002 دعمتها فرنسا برئاسة لوران كودو جباجبو ضد خصمه الحسن واترا الذي تولي الرئاسة هناك بعد الإطاحة بجباجبو .

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى