الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

البالون الصيني؛ قراءة في دلالاته وتداعياته في سياق التنافس الصيني_الأمريكي

إعداد : محمود ابوحوش ، باحث علاقات دولية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

في سياق الحديث عن التنافس الصيني الأمريكي هناك سجل حافل من التجسس والتجسس المضاد، ولا يقتصر التنافس الصيني الامريكي على التجسس فقط فلتنافس الصيني الأمريكي مستويات وأبعاد أخرى اعمق من منطلق الهدف الإستراتيجي لكلاً منهما، فالولايات المتحدة من جهتها تكرس كل مساعيها من الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى عالمية مهمنة على النظام الدولي، في حين الصين التي لا يمكن تجاهل صعودها تسعى ان تزاحم الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المكانة وان تدخل نادي القوة العظمى في الوقت ذاته.[1]

حيث يأتي حادث المنطاد في وقت متوتر للعلاقات الصينية الأمريكية من أزمة تطبيق ” تيك توك ”  الصيني إلى أزمة تايوان  وصولاً للوثيقة الصادرة عن لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي في عام 2022 عن تقييم التهديدات السنوية ضد الولايات المتحدة، حيث أشارت إلى أن كلاً من ايران وروسيا وكوريا الشمالية، و التغيرات المناخية ، والتنظيمات الإرهابية، والأوبئة العالمية ، أحد أبرز التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة عالمياً، لكن تظل الصين المهدد الرئيس الأكبر طويل الأمد للأمن القومي الأمريكي حيث أضحى منافسا يتحدى الولايات المتحدة في مجالات متعددة ولديها قدرات تكنولوجية و سيبرانية عالية الدقة قل تتسبب في اضرار عميقة في البنية التحتية الحيوية داخل الولايات المتحدة.

لكن حادث المنطاد يأتي متسقاً مع تقرير قد أرسل إلى الكونجرس في شهر يناير 2023،[2] والذي قد حذر من أن التكنولوجيا المتقدمة يمكن أن يستخدمها أعداء الولايات المتحدة للتجسس على البلاد وفي سياق ذلك نتطرق لأبرز الدلالات والتداعيات مع حالة التنافس الصيني الأمريكي .

  • الدلالات

ان ظهور البالون ” المنطاد ” الصيني في المجال الجوي الأمريكي  لاربما له دلالة سياسية في كون ان الصين تريد من ذلك الأمر إختبار الموقف الأمريكي في التعامل مع البالون ، وما طبيعة الرد في حال إسقاطه ، أو ان هناك رغبة صينية في معرفة شكل الرد عليه ومدى سرعة منظومة الدفاع الأمريكية في الإستجابة لظهور تهديد مفاجئ في سماء الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الرغم من التصريحات الدبلوماسية المتبادلة بين الطرفين ، إلا أن التلميحات الأمريكية تلوح بسجل عدم المصداقية من الجانب الصيني حيث تزايدت وتيرة الشك الأمريكي في مصداقية الرواية الصينية حول وظيفة البالون في انه كان لأغراض تتعلق بالطقس ثم فقدت السيطرة عليه ، وقد أكدت بكين انها ترفض مزاعم نظرية المؤامرة التي تنتهجها واشنطن حيال الأمر.

ان تداول وسائل الإعلام الأمريكية والقنوات ووكالات الأنباء للأمر بالإضافة إلى الاستعانة بخبراء الطقس للتقصي من صحة الرواية الصينية في ذلك ، بلا شك قد شكل حملة اعلامية هجومية على الصين والتي أعادت فتح ملف التجسس الصيني على الولايات المتحدة بالدرجة التي جعلت الصين تصريح حول ضرورة تعامل الولايات المتحدة مع الموضوع بمسؤلية شديدة .[3]

وعلى واقع قرار الولايات المتحدة بإسقاط البالون على الاراضي الأمريكية فقد لفت الإنتباه حجم التكلفة في إستخدام واشنطن لمقاتلة متطورة ومزودة بصاروخ لضرب المنطاد الصيني و هو غير مأهول وغير مزود بمحرك بتجاه الريح ، وهذا ما يعتقد انه رسالة واضحة من واشنطن لبكين حول الرد المتوقع من أي نشاط محتمل للثانية في حال القرب من المجال الحيوي للأولى في إطار المنافسة المحتدمة بينهما على مختلف المجالات، لربما يشكل استخدام القوة من الولايات المتحدة بهذه الطريقة ضد المنطاد الصيني سابقة خطيرة في مسار العلاقات الصينية_الأمريكية والتي ستتجلى إنعكاساتها في الأيام القادمة، وهذا مع صحة افتراض الرواية الأمريكية في ان وجود المنطاد كان بهدف التجسس ولايمكن إستبعاد هذه الرواية عن التحركات الأمريكية الاستخباراتية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي و الشرقي تحت ستار الطيران المدني، وأن هذا المنطاد يأتي ك ردا صينيا على هذه التحركات.[4]

  • التداعيات

ربما دفعت أزمة البالون إلى توتر دبلوماسي صيني أمريكي وهذا على خلفية تأجيل وزارة الخارجية الأمريكية لزيارة وزير الخارجية انتوني بلينكن لبكين، حيث لم تكن ترغب بكين ان يؤدي هذا الحادث إلى التخريب على زيارة وزير الخارجية الأمريكي والتي تعد الأولى من نوعها منذ 5 سنوات فبنظر إلى اتساع الذي بلغته الهوة بين الطرفين فإن حقيقة ان الزيارة كانت تسير وفق المقرر في المقام الأول كان مدعاة للاحتفال لكن ما ان وقع هذا الحدث إلا وساد إحساس بضياع فرصة كبيرة كانت[5] تقتنصها الصين، حيث كانت بلينكن في تجنب انحراف المنافسة وتحولها لصراع ، وكما اشار في خطابه سابقاً في ان احدى الطرق لتحقيق ذلك تكمن في التاكد من وجود خطوط اتصال جيدة داعيا إلى وضع بعض حواجز الحماية في العلاقة الثنائية. [6]

فواقعة المنطاد ربما تسمح بوضع أقوى لواشطن فملاحظ بها ان لا أحد يشعر بالذعر، فإكتشاف المنطاد الصيني من شأنه على سبيل المثال أن يمنح الدبلوماسيين الأميركيين مزيد من النفوذ على بكين حيث لم يكن هناك أمل كبير في زيارة بلينكن لكن الآن هناك فرصة في الحصول على تنازلات بشأن القضايا الرئيسة لاسيما في دعم بكين لهجوم روسيا على أوكرانيا، وتهديداتها لتايوان، وانتهاكاتها لحقوق الانسان ، فرغم تعليق الزيارة إلا ان واشنطن الآن اضحت في وضع اقوى عن ما قبل هذا الحادث .

فقد جاء الاعتراف والتعبير النادر من وزارة الخارجية الصينية عن الأسف على الحادث إشار على ان الصين في وضع تسعى فيه السيطرة على الضرر الذي تسببه المنطاد في علاقتها مع واشنطن، فيبدا أن الكشف عن المنطاد دفع الصين للخلف قليلاً مما يمنح زيارة بلينكن النجاح في تحقيق النتائج المرجوه لواشنطن إذا ما السفر في النهاية لبكين.

ولاربما تزيد حلقة التوتر الصيني الأمريكي أكثر من خلال الزيارة المتوقعة لرئيس مجلس النواب الأميركي ” كيفن مكارثي ”  تايوان قرب عيد الفصح، حيث يتوقع ان تخيم الأوضاع ضبابية أكثر من زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي العام الماضي لتايوان .[7]

وبالتزامن مع قرار الرئيس الأمريكي اسقاط المنطاد الصيني  فقد  جاء تصريح لوزير النقل الأمريكي ” بيت بوتيجج ”  في أن واشنطن قد تفرض عقوبات على بكين بسبب المنطاد الصيني، [8]معتبرا أن بلاده أوضحت أن ما جرى هو انتهاك غير مقبول للسيادة الأمريكية ، حيث يتضح إن هناك عواقب للجهود الاستخباراتية الصينية في جميع أنحاء العالم ، وخاصة تلك التي تؤثر على المصالح الأمريكية تفوق العمليات الاستخباراتية للدول الأخرى، وهذا من منطلق تحذيرات دوائر صنع القرار الأمريكية من المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات الحرة من جراء تجسس الحزب الشيوعي الصيني حيث  تشكل هذه العمليات أكبر تهديد طويل الأمد للاقتصاد والأمن القومي الأمريكي، وعليه؛ فالسعي لفرض عقوبات على بكين إجراء رد بسيطة بالمقارنة بما فعله البالون من اختراق للسيادة الأمريكية لتحقيق هدف التجسس وفق الرواية الأمريكية .[9]

فالتداعيات السياسية لإنتهاك المنطاد الصيني للمجال الجوي الأميركي على ما يبدوا انها كانت متوقعة، كون ان الإدارة الأمريكية كانت غير راضية ، و ربما لأن بكين أصرت على الإختباء وراء رواية لا يقبلها العقل الأمريكي وهي أن المنطاد كان لبحوث الطقس وخرج عن مساره ، فبلا شك أدى هذا الحادث إلى توتر الأجواء وتصلب المواقف، وليس هناك ما يضمن أن يتمكن الجانبان من إحياء زخم القمة الأميركية الصينية في إندونيسيا بنجاح.[10]

في الحقيقة حادث المنطاد الصيني يدخل في إطار المنطقة الرمادية  في التنافس الصيني الأمريكي وهي الأنشطة التي يصفها محللو  الأمن الاستراتيجي الأمريكي بأنها استفزازية ومزعجة، ولكنها تعد أقل درجة من النشاط العسكري المباشر بهدف معرفة رد واشنطن ، بالتزامن هناك جهود واسعة في إدارة بايدن لإعاقة التقدم التكنولوجي الصيني عالميا، من خلال العمل مع الحلفاء في أنحاء آسيا، وذلك  لتعزيز القوات العسكرية في[11] حال نشوب نزاع مسلح مع الصين، وقد تأتي زيارة وزير الدفاع لويد أوستن  لكلاً من كوريا الجنوبية و الفلبين والتي قد قد أشار خلالها ان الجيش الأميركي سيبدأ في استخدام تسع قواعد عسكرية في جميع أنحاء الفيليبين في خطوة تهدف إلى ردع الصين عن محاولة [12]غزو تايوان أو حتى إتخاذ مزيد من الإجراءات الإستفزازية العسكرية في بحر الصين الجنوبي والشرقي.

اخيراً؛

ان صحة الرواية الأمريكية في ان المنطاد كان لأغراض التجسس فربما قد يكون الهدف الصيني من الحملات المشابة لذلك هو دفع السياسات الأمريكية لكي تصب في صالح بكين ، ومحاولة تقليل الانتقادات الموجهة ضد السياسات الصينية، فيما يتعلق بإشكالية تايوان، و ملف حقوق الإنسان ، ومحاولة وضع حد للتحركات الأمريكية العسكرية في بحر الصين الجنوبي والشرقي.

فعلى الرغم من ان الجهود التي تبذلها الحكومة الصينية يمكن أن تهدد عملية صنع السياسات العامة الأمريكية ، ويمكنها أيضاً التاثير على الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية ، غير ان الولايات المتحدة تريد أن توافق الصين على إنشاء نوع من حواجز الحماية التي يمكن لها أن تسمح للعلاقات بين بكين وواشنطن بأن تظل قاسية ، ولكن من دون أن تصبح شديدة السخونة، وهي مساعي قد يكون  من الصعب التوصل لها او تحقيق التوافق بينها .

[1] طارق الشامي ، ” منطاد صيني” يصعد التوتر بين واشنطن وبكين ” ، وكالة اندبندنت بالعربية  ، بتاريخ 4 فبرايل 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://www.independen86

[2] تقرير الاستخبارات الأمريكية عن المنطاد الصيني في عهد ترامب ، وكالة cnn  بالعربية ، بتاريخ 7 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://arabic.cnnument-chineser-trump

[3] احمد عليبه ، البالون الصيني محور توتر جديد بين بكين وواشنطن ” ، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، بتاريخ 4 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://aspx

[4] تقرير أمريكي سري يسلط الضوء على التجسس باستخدام التكنولوجيا المتقدمة ، وكالة الرئيس نيوز ، بتاريخ 5 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://nabd.com/%D8%A9

[5] محمد النحاس ، ”  إسقاط المنطاد.. تداعيات وأبعاد حوادث التجسس الصيني في الولايات المتحدة ” ، وكالة رؤية الاخبارية ، بتاريخ 6 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://roayahnews. % 4/

[6] مروة محمد عبدالحليم ، ”  منطاد ودولتان.. حدود التهديدات الاستخباراتية بين واشنطن وبكين على أمن العالم ” ، المرصد المصري ، بتاريخ 6 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://marsad.ecss.com.eg/

[7] تداعيات تواجد المنطاد الصيني في الأجواء الأمريكية ، تغطية خاصة على وكالة الحرة الاخبارية ، بتاريخ  5 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://www.youtube.com/watch?v=7RvB2Lc_bZo

[8] وزير النقل الأميركي: واشنطن قد تفرض عقوبات على بكين بسبب المنطاد الصيني ، وكالة ار تي بالعربي ، بتاريخ 5 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي :-   https://arab%86/

[9] محمود العيسوي ، ”  ظواهر جوية مجهولة… كلمة السر في أزمة سقوط المنطاد الصيني ” ، وكالة الوطن نيوز ، بتاريخ 7 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://www.elwatannews.com/news/details/6428858

[10] المنطاد يتسبب في سابقة “سيئة للغاية” للعلاقات الأمريكية الصينية ، وكالة صدى السعودية ، بتاريخ 5 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- http://nabd.cc/t/114929863

[11] واشنطن تعزز تواجدها العسكري في الفلبين.. والصين: يضر بالاستقرار ، وكالة الشرق ، بتاريخ 2 فبراير 2023  ، متاح على الرابط التالي  :- https://asharq.com/ar/48A%D9%86/

[12] وزير الدفاع الأمريكي: ملتزمون بالدفاع عن كوريا الجنوبية بجميع الوسائل المتاحة ، وكالة rt  بالعربي ، بتاريخ 31 يناير 2023 ، متاح على الرابط التالي:- https://arabic.rt.com/world/143D8%A9/#

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى