الانسحاب الفرنسي ومستقبل تشاد والساحل الإفريقي
اعداد : انتصار صابر محمد – باحثة ماجستير بمعهد الدراسات العربية بجامعة الدول العربية – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
أعلنت السلطات التشادية مقتل رئيسها “إدريس ديبي”، في 20 أبريل 2021، على أيدي الجماعات المسلحة، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان فوزه بولاية سادسة، وقد ظلَّ “ديبي” يحكم البلاد لمدة تربو على الثلاثين عامًا، الأمر الذي كان إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية يديرها المجلس العسكري الانتقالي برئاسة نجله “محمد إدريس ديبي”. بعد أن شهدت تزايد حالة الصراع والعنف الداخلي داخل تشاد التي تقع في وسط القارة الإفريقية بمنطقة الساحل الإفريقي، وانتهت بوفاة الرئيس “إدريس ديبي”، متأثرًا بجروح أصيب بها خلال معركته مع المتمردين[1]، بعد يومين من إعلان فوزه في الانتخابات، وحصوله على 79% من اجمالي الأصوات[2]، وكان “ديبي” قد استولى على مقاليد الحكم في عام 1990 بانقلاب عسكري، والذي أصبح الشريك القوي لواشنطن وأوروبا في مكافحة الإرهاب، والجماعات المتطرفة بمنطقة الساحل الإفريقي. [3]
سقوط نظام إدريس ديبي
كان الرئيس التشادي “ديبي الأب” قد شارك بنفسه في الخطوط الأمامية لمواجهة المتمردين بخط الجبهة التي تبعد عدة كيلو مترات عن شمال العاصمة، وتعتبر هذه المرة ليس الأولى للرئيس التشادي أن يشارك بنفسه في الحرب ضد المتمردين. [4]
وينتمي المتمردين لجبهة التغير والوفاق، والتي تأسست في عام 2016، على يد ضباط من الجيش التشادي السابقين، حيث سبق وأن اتهمت جماعة الوفاق الرئيس التشادي بالقمع، واستغلت الجبهة حالة الاضطراب التي شهدتها العاصمة نجامينا في فترة الانتخابات الرئاسية، وقامت بشن هجومًا مسلحًا، وتقدمت تدريجيًا نحو الجنوب بالعاصمة التشادية. [5]
ونتيجة للفراغ في السلطة، أعلن الجيش التشادي عن تعيين “محمد إدريس ديبي” نجل الرئيس الراحل رئيسًا للمجلس العسكري المؤقت ولمدة 18 شهرًا، وكان “ديبي الأبن” قد عطل العمل بالدستور وحل البرلمان[6]، واعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال من السادسة مساءًا، حتى الخامسة صباحًا. [7]
ونتيجة لهذه الأحداث وتصاعد العنف المسلح بين الجيش التشادي والمتمردين، خرجت التظاهرات داخل تشاد للتنديد بتولي المجلس العسكري بقيادة “ديبي الأبن” مقاليد الحكم بعد مقتل أبيه [8]، وقامت الشرطة التشادية بإطلاق الأعيرة النارية على المتظاهرين [9]، ونتيجة لذلك، فقد سقط أكثر من ستة ضحايا في اشتباكات مع الشرطة [10]، وإلقاء القبض على عدد من المتظاهرين، وحسب تقديرات الأمم المتحدة إن أكثر من 700 شخص اعتقلوا داخل تشاد في أعقاب مظاهرات ضد المجلس الانتقالي العسكري. [11]
وكان المجلس الانتقالي العسكري قد أعلن عن تشكيل حكومة انتقالية برئاسة “ألبرت باهيمي باداك” رئيسًا للوزراء[12]، كما عُرض على بعض المعارضين تولي بعض الوزارات لمن ذلك قوبل بالرفض، باعتبار أن ذلك يمنح لنظام “ديبي الأب” قديم بالاستمرارية، الذي سعوا في القضاء عليه. [13]
وكانت المعارضة التشادية قد نددت بقيام “ديبي الأبن” بالاستيلاء على السلطة ورفض الحكومة، كما وصفت السلطة بالانقلابية، وطالبت المعارضة أن تترك المؤسسة العسكرية السلطة، واجراء انتخابات وتشكيل حكومة مدنية. [14]
فيما رحب المعارض التشادي وزعيم حزب الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد “صالح كبزابو”، بالحكومة والاعتراف بالمجلس العسكري، رغم كونه أبرز المعارضين للرئيس “ديبي الأب”، وكان المجلس الانتقالي قد عيّن اثنين من حزبه في الحكومة الانتقالية، والتي حظتي بوزارتي الثروة الحيوانية، ونائب الأمين العام لمجلس الوزراء[15]، فيما ذهبت وزارة العدل لمحمد صالح الحبّو رئيس حزب الحرية والتنمية[16]، رغم ذلك، إلا أن الحزب الحاكم مازال يحتفظ بالوزارات السيادية بالحكومة.
وكانت فرنسا قد أعلنت عن ترحيبها بتشكيل حكومة انتقالية جديدة في تشاد[17]، لكن عدم ثبات موقفها تجاه تشاد، حيث تغير موقفها بشكل مفاجئ خلال الأيام القليلة الماضية من دعمه للمجلس الانتقالي العسكري، إلى دعوته لتشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة[18]، وربما تشهد الفترة القادمة تغيرات مفاجئة للموقف الفرنسي، بعد الزيارة التي عقدها الرئيس الفرنسي “ماكرون لحضور جنازة “ديبي الأب”[19]، وكانت فرنسا قد اتخذت من نجامينا، مركزًا للعمليات وذلك بهدف مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل الإفريقي. [20]
وكان الرئيس الفرنسي “ماكرون” هو الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازة الرئيس ديبي، كما شاركه أيضًا نحو 12 رئيس دولة، أبرزهم زعماء دول منطقة الساحل الإفريقي، ورئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق “عبد الفتاح البرهان”. [21]
أطراف الصراع في تشاد
كما أن هناك عدة جهات قد تشكل مستقبل تشاد على المدى القريب، بخلاف المجلس الانتقالي بقيادة “ديبي الأبن”، أهمها جماعة “الزغاوة”، وهي الجماعة التي ينتمي إليها “ديبي”، والتي يهيمن أغلبها على الأجهزة السيادية داخل تشاد، وقد يمثل صعود “ديبي الأبن” للسلطة قلق بالنسبة للزغاوة، والتي كانت دائمًا مصدرًا للمعارضة، نتيجة محاباة “ديبي” لأقاربه من الدرجة الأولى، ومنحهم مناصب عليا، وهو ما أثار غضب باقي أفراد “الزغاوة. [22]
وتشكل جماعة “فاكت” المسلحة (Fact) أحد أبرز الفاعلين في تشكيل مستقبل تشاد بعد مقتل “ديبي”؛ وتتمركز هذه الجماعة على بُعد 150 كم من العاصمة نجامينا، ويتوقف مستقبل البلاد على مدى استعداها لاستكمال القتال للسيطرة على السلطة من أيدي “ديبي الابن”، في ظل الدعم التركي والقطري للمتمردين بتشاد، وخاصًة جماعة “فاكت”. [23]
كما أنه في حاله استمرار تصاعد وتيرة الصراعات في تشاد، يمكن للجماعات الاسلامية المتطرفة باغتنام فرصة زعزعة الاستقرار داخل تشاد، في ظل التوترات التي تشهدها منطقة الساحل وبالتحديد دولة تشاد، التي كانت مركزًا لمواجهة الحركات والتنظيمات المسلحة، كما في ظل الأوضاع الحالية، قد لا تملك تشاد القدرة على مواجهة مثل هذه التنظيمات بسبب انشغالها بمواجهة الجماعات المتطرفة بالبلاد. [24]
وكان الاتحاد الافريقي قد أرسل بعثة إلى أنجامينا لإجراء مناقشات مع مختلف الجهات الفاعلة، وتقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة، وقد أجرت البعثة عدة مناقشات وتشاورات اتسمت بالتعقيد، وكانت قد غادرت البعثة في 5 مايو 2021. [25]
وكانت المنظمة الدولية للفرانكفونية قد أعلنت عن تعيين الدبلوماسي الموريتاني السابق “أحمدو ولد عبد الله”، مبعوثًا للمنظمة بتشاد وذلك لمراقبة الأوضاع الأخيرة داخل تشاد[26]، وكانت وزارة الخارجية الموريتانية قد أشادت بتعيين الدبلوماسي الموريتاني البارز للمنظمة[27]، ومن المنتظر أن يغادر وفد رسمي من المنظمة لإجراء مباحثات متعددة الأطراف بنجامينا مع السلطة الانتقالية والمعارضة، وبعض منظمات المجتمع المدني لتقريب وجهات النظر فيما يتعلق بالخلاف القائم، كما ستشهد مشاركة الاتحاد الإفريقي، ومجموعة الإيكواس، لتحقيق الانتفال السلمي وانهاء التوتر بينهم. [28]
الموقف الفرنسي من تطورات الأوضاع بتشاد
كانت فرنسا في مقدمة الدول التي علَّقت على مقتل الرئيس التشادي “إدريس ديبي”، وقدَّمت التعازي للشعب التشادي، واصفةً إياه بأنه كان “صديقًا شجاعًا” لكنها في الوقت ذاته، شدَّدت على أهمية الانتقال السلمي للسلطة، وإتمام المرحلة الانتقالية في ظروف سلمية فضلًا عن تأكيدها أهمية عقد حوار مع كافة الأطراف السياسية، والمجتمع المدني، وتشكيل حكومة تشمل الجميع وتعتمد على مؤسسات مدنية.
ومن الجدير بالذكر أن فرنسا تُعتبر القوة الأجنبية الأولى في إقليم الساحل، وهي التي تضطلع بالدور الأهم فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وطالما نظرت إلى “ديبي الأب” باعتباره حليفًا لها؛ إذ درجت تشاد على المشاركة بفاعلية بقواتها في إطار القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الخمس G5، وذلك لمكافحة التنظيمات الإرهابية في إقليم الساحل (يضم كلًا من تشاد، والنيجر، ومالي، وبوركينافاسو، وموريتانيا)، والذي يُعد واحدًا من أكثر الأقاليم الإفريقية في معدلات العنف والإرهاب باستثناء موريتانيا التي تُعتبر من بين أكثر دول العالم استقرارًا.
ومن المرجَّح استمرار الدعم الفرنسي لـ “ديبي الابن” على غرار دعمها لوالده بما يتفق ومصالحها الأمنية في الإقليم، وذلك مقابل استئناف انخراط تشاد في جهود مكافحة الإرهاب عقب ضمان إحكام “ديبي الابن” سيطرته على أقاليم الدولة، وانتصاره في معركته ضد المتمردين.
ليس من مصلحة فرنسا أن تبدي معارضتها للمجلس العسكري الانتقالي في الوقت الراهن كون المجلس برئاسة “ديبي الابن” يحارب على أكثر من جبهة؛ فهو أولًا يحارب التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود فضلًا عن جبهة التغيير والوفاق وأذرعها المسلحة، وكذا إثنية “الزغاوة” التي كان ينتمي لها الرئيس التشادي الراحل، وظلت تهيمن طوال فترة حكمه على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ورغم موالاة “الزغاوة” لنظام “ديبي” لكنها دائمًا ما كانت مصدرًا للمعارضة نتيجة محاباة “ديبي” لأقاربه من الدرجة الأولى، ومنحهم مناصب عليا، وهو ما أثار غضب باقي أفراد إثنيته.[29]
تداعيات الانسحاب الفرنسي من الساحل الإفريقي
اتخذت الحكومة الفرنسية الخطوة بالإعلان عن إعادة تنظيم التواجد العسكري لها في منطقة الساحل الإفريقي في 10 يونيو 2021، ويأتي ذلك في إطار تخوفها من تفاقم الأوضاع في الساحل بما يؤثر على مصالحها بشكل كبير، وعليه فقد أصدرت وزارة الجيوش الفرنسية قرارًا يقضي بالاتجاه نحو تقليل عدد الجنود الفرنسيين في منطقة الساحل الإفريقي بحيث يصل إلى عدد (2000 إلى 3000 جندي بحلول عام 2023)، مع التأكيد على أن هذا الاجراء لا يعني الانسحاب الفرنسي بشكل كامل من الساحل الإفريقي، وتشتمل الخطة على ثلاث مراحل أساسية أولها، إغلاق بعض القواعد الفرنسية، المرحلة الثانية بحلول صيف 2022 سيتم خفض القوات الفرنسية بنسبة 30%، أما المرحلة الأخيرة والتي تبدا مع بداية 2023، والت ستشهد انخفاضًا إلى النصف من 5000 إلى 2500-3000 جندي في عملية “برخان”، ونقل مزيد من الأصول الفرنسية إلى قاعدة “نيامي” بالنيجر.
هذه الخطوات قد تقود إلى اختفاء الوجود العسكري الفرنسي فعليًا بانتهاء العملية “برخان”، ومن الممكن القول بأن فرنسا ليست مستعدة للانسحاب الكامل من إفريقيا (المستعمرة التقليدية)، ولعل الدليل على ذلك هو محاولة إعادة صياغة التواجد العسكري في إفريقيا من خلال مظلة أوروبية تتمثل في تحالف “تاكويا” الذي تأسس في يوليو 2020 وتتكون قوته الأساسية من 600 جندي يبلغ عدد المشاركين من فرنسا 300 جندي، أي نصف قوة “تاكويا”، وهي قوات مشاكرة بالتعاون بين (فرنسا- إستونيا- التشيك- إيطاليا- السويد)، والي تسعى من خلال هذا التحالف إلى دعم خطط الدول في القضاء على الإرهاب، دعم الجيوش الوطنية للدول في ظل محدودية الإمكانيات وارتفاع التهديد والخطر.
كما أن الانسحاب الفرنسي من الساحل الإفريقي قد يقود إلى:
تزايد النفوذ الصيني بالمنطقة
حيث تنوعت بكين من أدواتها داخل المنطقة الإفريقية، وفقًا لتنوع آليات التواجد الصيني وعدم الارتكاز على الجانب العسكري والتنموي، وهو ما منحها نفوذ قوى داخل المنطقة الإفريقية، لا سيما في ظل اتجاه التواجد الفرنسي نحو التقلص وانسحابها من عدة مناطق بمالي، مع تغيير الإدارة الأمريكية سياساتها تجاه إفريقيا التي لم تعد على رأس أولوياتها في الوقت الحالي، فمن المتوقع أن تساهم تلك التطورات في بناء استراتيجية صينية داخل القارة، في ظل عدم وجود ما يعيق النمو الصيني بالمنطقة.[30]
تشابك العلاقات الصينية الروسية في افريقيا
بالتركيز على السياسة الصينية تجاه إفريقيا، والتي نوعت من أدواتها لتعزيز نفوذها الداخلي في القارة، مع وجود مساعي روسية لتعميق العلاقات مع دول إفريقية، لا سيما دول الساحل الإفريقي، وطموحها أن تحل محل فرنسا بعد انسحابها من عدة مناطق في مالي، ورغم أن الصين في عام 2019 احتلت المرتبة الثالثة في مبيعات الأسلحة لإفريقيا، بعد واشنطن “الثانية” وموسكو “الأولي”[31]، إلا أن التواجد الروسي الصيني في إفريقيا قد يُشكل تعميق للعلاقات بينهم، لا سيما بعد فرض الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات على عدد من عناصر “فاجنر”[32]، مع التصاعد المتزايد لدور شركات الأمن الروسية الخاصة، فمن المرجع أن تشهد المنطقة الإفريقي تكامل المصالح الصينية الروسية في مواجهة النفوذ الأمريكي – الأوروبي، كما حدث في أفغانستان وكانت الصين وروسيا أولى الدول التي اعترفت بحكومة حركة “طالبان” في أفغانستان، كما لا تزال سفارة دولتي الصين وموسكو بأفغانستان ضمن 5 سفارات تعمل بعد سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان.[33]
تداعيات مقتل “إدريس ديبي” على أمن الساحل ومصر
من المتوقَّع أن يؤدي الصراع بين “ديبي الابن” وفصائل المعارضة المسلحة، ومحاولات المجلس العسكري الانتقالي إحكام قبضته على أقاليم الدولة إلى تشتيت جهود تشاد في مجال مكافحة الإرهاب ريثما تستتب الأوضاع في الداخل التشادي.
ولعل مقتل “إدريس ديبي” في هذا التوقيت يُفاقم من متاعب إقليم الساحل، الذي يحظى بمعدلات إرهاب وعنف متزايدة خصوصًا أن تشاد تُعد من أكثر الدول فاعلية في جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها فرنسا.
وفي هذا السياق، تجدُر الإشارة إلى وضع الإقليم وفقًا لأحدث تقرير لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر في نوفمبر 2020 على النحو التالي:[34]
- مالي: احتلت المرتبة الأولى على مستوى إقليم الساحل، والـ 11 عالميًا بدرجة 7.04 واعتبرها المؤشر في فئة الدول “عالية” التأثُّر بالإرهاب.
- بوركينافاسو: احتلت المرتبة الثانية على مستوى الساحل، والـ 12عالميًا بدرجة 6.8، واعتبرها المؤشر في فئة الدول “عالية” التأثُّر بالإرهاب.
- النيجر: احتلت المرتبة الثالثة على مستوى الساحل، والـ 24 عالميًا بدرجة 5.6، واعتبرها المؤشر في فئة الدول “متوسطة” التأثُّر بالإرهاب.
- تشاد: احتلت المرتبة الرابعة على مستوى الساحل، والـ 34 عالميًا بدرجة 4.8، واعتبرها المؤشر في فئة الدول “متوسطة” التأثُّر بالإرهاب.
- موريتانيا: أكثر دول الساحل الأفريقي استقرارًا، احتلت المرتبة الـ 135 عالميًا بدرجة (صفر)، واعتبرها المؤشر في فئة الدول الخالية من الإرهاب (التي لا تعاني تأثيرات الإرهاب).
وبالنسبة للأمن القومي المصري، فإنه عقب مقتل “إدريس ديبي”، ثارت المخاوف المصرية بشأن التحديات الأمنية والسياسية التي قد تواجهها القاهرة رغم عدم وجود حدود مباشرة تربط البلديْن معًا لكن تشاد ملاصقة لدولتي الجوار المباشر لمصر وهما السودان وليبيا. [35]
في الجنوب الليبي تنشط المرتزقة من تشاد، وذلك بالنظر إلى ظاهرة “الاعتماد المتبادل” (Interdependence)؛ فالتنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود كالاتجار بالبشر والسلاح والمخدرات وغيرها تنشأ بينها علاقات تعاون واعتماد يُسهم في تأزُّم المشهد الأمني الليبي، وكذا في السودان لا سيما في ظل تفاقُم معدلات العنف القبلي بالسودان ومحاربة السودان على الجبهة الشرقية (مثلث الفشقة) ضد إثيوبيا.
بالإضافة لذلك، تشير بعض التقارير إلى تلقِّي فصيل “فاكت” المسلح دعمًا من كلٍ من تركيا وقطر؛ وذلك لكون أنقرة تريد متاخمة النفوذ الفرنسي في إقليم الساحل الإفريقي [36]. وفي هذا السياق، يمكن طرح قضية تشاد والموقف التركي الداعم لحالة عدم الاستقرار هناك وتمويل “فاكت” على رأس الملفات التي يتباحثها الجانبان المصري والتركي في الأيام المقبلة تمهيدًا للمصالحة.
العلاقات الدولية المتشابكة لتشاد
اقامت تشاد بإقامة شراكة قوية مع الإمارات، كما طورت علاقتها المتوترة تاريخياً مع إسرائيل، وخلال الفترة من 2015 حتى 2019، توسعت الروابط التجارية الثنائية بين تشاد والإمارات من 177 مليون دولار إلى 412 مليون دولار، وهو ما يضاءل حجم التجارة التركية البالغة نحو 72.4 مليون دولار، في عام 2019، ألقى وزير الاقتصاد الإماراتي “سلطان بن سعيد المنصوري”، في سبتمبر 2017، كلمة أمام منتدى الأعمال الإماراتي – التشادي، في أبو ظبي، وحدد تشاد كبلد مستهدف للاستثمارات الإماراتية في أفريقيا.[37]
كما شاركت تشاد في الحصار الذي قادته السعودية ضد قطر، في يونيو 2017، كما اتهمت الدوحة بدعم المتمردين بتشاد، واحتضان زعيم تجمع القوى الديمقراطية “تيمان إرديمي”، رد وزير الخارجية القطري الشيخ “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” على الادعاء التشادي، بأن منتدى الأعمال الإماراتي التشادي كان بمثابة مكافأة لدعم تشاد للحصار، وأعادت تشاد العلاقات الدبلوماسية مع قطر، في فبراير 2018، ومع ذلك لوحظ تضامن إدريس ديبي مع ما يسمى رباعية مكافحة الإرهاب (ATQ) بشكل إيجابي في أبو ظبي.[38]
وعزز الدعم العسكري التشادي لزعيم الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر شراكتها مع الإمارات، في ديسمبر 2019، وجندت الإمارات 200 مقاتل مرتبطين بحركة التناوب والمصالحة التشادية، وفي يونيو 2020، كما أفادت التقارير أن تشاد سمحت بنشر 1500 جندي إضافي للقتال في صفوف الجيش الوطني الليبي، وتنحدر القوات التشادية في ليبيا من مجموعة متنوعة من الخلفيات الأيديولوجية، حيث أن حركة المتمردين “FACT” لديها أيضًا اتفاق بعدم اعتداء مع حفتر، وقد يؤدي تصعيد العنف السياسي في تشاد إلى عودة هذه القوات إلى ديارها أو خلق انقسام بين صفوف المرتزقة التشاديين في ليبيا، مما قد يضعف هذا أسس نفوذ الإمارات في شرق ليبيا.[39]
على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين تشاد وإسرائيل منذ عام 1972، وحتى عام 2019، إلا أن العلاقات بين البلدين تحسنت خلال العامين الماضيين لحكم “إدريس ديبي”، وانعكس ذلك من خلال التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، والتي وصف فيها قيادة “ديبي” بالجريئة، وخلال زيارته إلى نجامينا، في يناير 2019، وصف نتنياهو تشاد بأنها شريك، وأبرم سلسلة من الصفقات التجارية مع “ديبي”، في أغسطس 2019، سافر وفد من المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين إلى تشاد للحديث عن التعاون الزراعي والتعديني، كما ناقشت تشاد وإسرائيل التبادل الدبلوماسي، ومن المرجح أن يستمر “ديبي الأبن” في انخراط والده مع إسرائيل، على الرغم من تبنى المجتمع المدني التشادي المشاعر المعادية لإسرائيل. ولذلك، ستسعى إسرائيل إلى الحفاظ على الوضع السياسي الراهن في تشاد، ومن المحتمل أن ترى إسرائيل أن التحول الديمقراطي الذي تسعه إليه مجموعة المتمردين “فاكت” أمرًا مرغوبًا فيه.[40]
ورغُم التوسع التركي بإفريقيا خاصًة بعد الجولة التي قام بها “رجب طيب أردوغان” بالقارة الإفريقية، في عام 2005، إلا أن الشراكة التركية – التشادية تشكلت خلال فترة الحرب البادرة، كما ساعدت الكراهية المشتركة للبلدين للشيوعية في تعزيز الروابط، ورغم المساعدات الليبية لتركيا خلال غزو قبرص، في عام 1974، بتزويد الرئيس الليبي “معمر القذافي” الجيش التركي بقطع غيار خلال غزو قبرص، إلا أن الجانب التركي أوضح موقفه من عدم الانحياز خلال الحرب التشادية الليبية 1978 : 1987، واعتمدت تشاد على مساعدات من دول عربية، مثل مصر والعراق، ومع ذلك، أقامت تركيا علاقات مع نظام “إدريس ديبي” من خلال توفير المساعدات الإنسانية لتشاد خلال الجفاف في أوائل التسعينيات.[41]
بعد نحو بعد ربع قرن من الهدوء النسبي في العلاقات، عززت زيارة أردوغان التاريخية إلى أنجامينا، في ديسمبر ،2017 العلاقات التركية – التشادية وفتحت آفاق جديدة، كما شجع “أردوغان” الشركات التركية على الاستثمار في الاقتصاد التشادى، كما أكد على أن تركيا تسعى إلى تعاون مثمر مع تشاد، كما اعتبرت أن أنقرة الاحتياطي التشادي من الذهب والأسواق الزراعية تعتبر وجهة استثمارية جذابة، إلا ان موقعها “الحبيس” وسوء البنية التحتية قد يشكل صعوبات للاستثمارات التركية المحتملة، وسلطت أنقرة الضوء على أن تركيا تعتبر تشاد شريكًا اقتصاديًا طويل الأجل بمنطقة غرب إفريقيا، كما أعلنت عن التزامها تجاه أنجامينا بإرسال شحنتين من المساعدة الطبية لفيروس كورونا، في 22 مايو، و18 يونيو العام الماضي.[42]
الآفاق والمخاطر التي تعاني من تشاد مؤخرًا.
في الوقت الذي تستمر حالة عدم اليقين الذي تعاني منها تشاد نتيجة عدم الاستقرار، وتسعى لتجنب أعمال العنف، لا يزال الوضع الداخل غير مستقر نتيجة تأخير اجراء عملية الانتقال السلمي للسلطة الذي تطالب به المعارضة التشادية وكذلك المجتمع الدولي والإقليمي، تلوح في الأفق العديد من المخاطر والتحديات، حيث يخشى العديد من التشاديين أن المجلس العسكري لن يفي بتعهداته بتحديد فترة الانتقال السلمي إلى ثمانية عشر شهرًا واستبعاد أعضائه من الترشح للانتخابات الرئاسية، كما لا تزال جماعة “فاكت” المتمردة في ليبيا نشطة رغم مساعي المجلس العسكري الانتقالي في انجامينا إلى تطويق المعارضة المسلحة، ومنع دخولهم إلى البلاد وشن هجمات مسلحة، كما تعاني تشاد من الانقسامات العرقية مع تنافس السياسيين على السلطة[43]، وكذلك الانقسامات داخل القبائل نفسها، لا سيما الانقسامات داخل قبيلة “الغزاوة” التي يتنمي إليها الرئيس التشادي إدريس ديبي.[44]
ولعل أبرز التحديات التي تعاني من تشاد هي المشاكل الحدودية مع جمهورية أفريقيا الوسطى، التي هاجمت مجموعة من قواتها بمساندة قوات الأمن الخاصة الروسية “فاجنر” موقعًا للجيش التشادي، بحجة مطاردة متمردي أفريقيا الوسطى الذين عبروا الحدود التشادية، وأدى الحادث ل تصعيد التوترات بين البلدين في أغسطس الماضي، وقتل تنظيم “بوكو حرام” ما يزيد عن 26 جندي تشادي في بحيرة تشاد، وهو أعلى عدد من القتلى منذ هجوم مارس 2020 في نفس المنطقة الذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 100 جندي، وأطلق حملة واسعة النطاق لمكافحة الجماعات المسلحة، ونتيجة لهذه الأحداث المؤسفة على بحيرة تشاد، سحب قائد المجلس الانتقالي العسكري التشادي “محمد ديبي” بسحب نصف القوة التشادية من قوات الساحل G5 من منطقة الحدود الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كجزء من إعادة انتشار استراتيجية القوات التشادية.[45]
وختامًا يمثل غياب الرئيس التشادي “إدريس ديبي” تحديًا كبيرًا لمنطقة الساحل الإفريقي، لما تمثله تشاد من أهمية في المنطقة؛ حيث تعتبر تشاد من أكبر الدول التي تتصدى للحركات الإرهابية والمتطرقة بالمنطقة الإفريقية، ومن أكبر الدول مساهمًة في بعثة الأمم المتحدة بمالي، وفي مارس 2020، فقدت تشاد نحو 100 جندي في هجوم إرهابي في نيجيريا مما دفع “ديبي” للتهديد بسحب قواته المشاركة في مكافحة الإرهاب. كما تشهد الساحل الإفريقي مؤخرًا تزايد غير مسبوق من العنف والإرهاب، والتنافس الدولي والإقليمي كما أنها من الممكن ان تواجه تحديات أمنية كبيرة نتيجة الانسحاب الفرنسي، مع دخول أطراف أخرى للعب دور في الصراع، إن جهود دول الساحل الإفريقي لاحتواء الوضع داخليًا لن تتم فقط بالاعتماد على الجهود الداخلية وتوحيد الصف، بل تعتمد أيضًا على الدعم الإقليمي والدولي من المجتمعات المجاورة من أجل تخفيض مستوى العنف والخطر، لذا فلابد أن يتم تنشيط التعاون والتكتلات بين دول الساحل والدول المجاورة من أجل كسب ثقة المجتمع الدولي ودعمه.
[1] https://www.csis.org/analysis/d%C3%A9bys-dead-whats-next-chad-and-sahel
[2] https://www.reuters.com/article/chad-president-ar4-idARAKBN2C71BN
[3] https://www.bbc.com/arabic/world-56801202
[4] https://www.reuters.com/article/chad-president-ar4-idARAKBN2C71BN
[5] https://www.bbc.com/arabic/world-56801202
[6] https://www.csis.org/analysis/d%C3%A9bys-dead-whats-next-chad-and-sahel
[7] https://www.reuters.com/article/chad-president-ar4-idARAKBN2C71BN
[8] https://apnews.com/article/united-nations-africa-chad-europe-arrests-d6c7cd9c826ffc08733175045e4851dd
[9] https://apnews.com/article/united-nations-africa-chad-europe-arrests-d6c7cd9c826ffc08733175045e4851dd
[10] https://www.africanews.com/2021/04/30/chad-families-mourn-crackdown-victims/
[11] https://news.un.org/en/story/2021/04/1091082
[12] https://www.reuters.com/world/africa/chads-military-names-new-government-opposition-still-unimpressed-2021-05-02/
[13] ibed
[14] https://www.usnews.com/news/world/articles/2021-05-03/france-says-chad-transitional-government-must-be-temporary
[15] https://www.africanews.com/2021/05/03/chad-s-ruling-junta-appoints-transitional-government/
[16] Ibid
[17] https://www.reuters.com/world/africa/france-says-chad-transitional-govt-must-be-temporary-2021-05-03/
[18] https://www.dw.com/en/france-changes-stance-on-chad-calls-for-civilian-government/a-57352559
[19] https://www.theguardian.com/commentisfree/2021/apr/25/chad-dictators-death-spells-chaos-in-islamist-terrors-new-ground-zero
[20] https://www.reuters.com/article/chad-president-ar4-idARAKBN2C71BN
[22] https://www.csis.org/analysis/d%C3%A9bys-dead-whats-next-chad-and-sahel
[23] https://www.mei.edu/publications/what-does-transition-chad-mean-middle-eastern-regional-powers
[24] https://reliefweb.int/report/chad/death-chad-s-president-could-worsen-security-situation-west-africa
[25] https://www.africanews.com/2021/05/04/au-official-says-it-s-up-to-the-chadian-people-to-get-country-out-of-crisis/
[26] http://en.ami.mr/Depeche-1017.html
[27] Ibid
[28] http://apanews.net/ar/news/-74
[29] https://www.csis.org/analysis/d%C3%A9bys-dead-whats-next-chad-and-sahel
[31] https://atalayar.com/en/content/russia-and-china-two-increasingly-influential-giants-africa
[32] https://www.consilium.europa.eu/en/press/press-releases/2021/12/13/eu-imposes-restrictive-measures-against-the-wagner-group/
[34] https://visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2020/11/GTI-2020-web-1.pdf
[35] https://www.al-monitor.com/originals/2021/04/what-killing-chadian-president-means-egypt
[36] Idem.
[37] https://www.mei.edu/publications/what-does-transition-chad-mean-middle-eastern-regional-powers
[38] https://www.mei.edu/publications/what-does-transition-chad-mean-middle-eastern-regional-powers
[39] Ibid
[40] https://www.mei.edu/publications/what-does-transition-chad-mean-middle-eastern-regional-powers
[41] Ibid
[42] Ibid
[43] https://www.crisisgroup.org/africa/central-africa/chad/getting-chads-transition-track
[45] https://www.crisisgroup.org/africa/central-africa/chad/getting-chads-transition-track