قضية الصحراء قاب قوسين أو أدني من التسوية
اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء في نوفمبر 2021قال جلالته :”إنه رغم استعداده لطي الصفحة مع مدريد وشركاء غربيين آخرين للشروع في عهد جديد من الصداقة المخلصة والمتينة ، فإن المغرب لن يوقع أي اتفاقيات استراتيجية مع الدول التي لديها مواقف غامضة أو متناقضة بشأن قضية الصحراء” , وربما كنتيجة لذلك وكنيجة أيضاً لتوقيع الرئيس دونالد ترامب اتفاقًا مع المغرب في ديسمبر 2020 لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني مقابل أعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء أعلنت إسبانيا عن تحول موقفها السياسي بشأن الصحراء الغربية في 18 مارس 2022عندما قدم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز دعمه للخطة المغربية لعام 2007 لمنح وضع الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية ورحبت المملكة المغربية بهذا الإعلان وأستأنفت العلاقات الدبلوماسية مع إسبانيا في عام 2021.
بعد نصف قرن حافظت خلاله اسبانيا علي موقف حيادي إزاء قضية الصحراء أستجابت أسبانيا لهذه العبارة الواضحة التي وردت في خطاب الملك محمد السادس فكان أن أقرر رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي بيدرو سانشيز في مارس 2022 بشرعية اقتراح المغرب لعام 2007 بضم الصحراء الغربية كمنطقة حكم ذاتي ، وأشار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في رسالة بعث بها إلى الملك محمد السادس إلي “أهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب” ونقل القصر الملكي عن سانشيز أن “إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 هي الأساس والأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع” , وكان هذا الموقف الأسباني الجديد بمثابة خروج كبير عن موقف إسبانيا السابق الذي اعتبر أن قبضة المغرب على الصحراء الغربية احتلال , وقد جاء هذا التحول بعد شهور من العلاقات الدبلوماسية الفاترة وأدى إلى الإعلان عن موجة زيارات قام بها مسؤولون إسبان لجارتها الجنوبية , كما أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل الباريس (دبلوماسي سابق موال للمغرب وسفير أسباني سابق في باريس) الإعلان المغربي وقال للصحفيين في مارس 2022 : “اليوم نبدأ مرحلة جديدة في علاقاتنا مع المغرب ونغلق أخيرا أزمة مع شريك استراتيجي”. وأضاف أن الفصل الجديد “يقوم على أساس الاحترام المتبادل والامتثال للاتفاقيات وغياب الإجراءات الأحادية والشفافية والتواصل الدائم” وقد أدي تغير الوقف الأسباني من قضية الصحراء إلي تفجر خلافات داخل الائتلاف الحاكم من اليسار إلى الوسط في إسبانيا , وقد أعادت إسبانيا تأكيد اعترافها بالخطة المغربية لضم الصحراء الغربية كإقليم مستقل باعتبارها “الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل هذا النزاع بين المغرب والصحراء الغربية وذلك في إعلان مشترك بعد زيارة رسمية في أبريل 2022 وركز البيان الصادر في نهاية الزيارةعلى الهجرة والقضايا الاقتصادية ولم يذكر الشعب الصحراوي أو جبهة البوليساريو مرة واحدة , وهكذا تغير الموقف الأسباني من قضية الصحراء بالمرة وفضلت إسبانيا ضم الإقليم للمغرب بدلاً من السعي إلى استفتاء تقرير المصير الذي طال انتظاره , وفي المقابل يسعى المغرب إلى تجنب التوسع الإقليمي في الجيوب الإسبانية في إفريقيا : سبتة ومليلية ومياهها الإقليمية حسب الإعلان هذه الزيارة , وفي الواقع فإن موقف إسبانيا معقد لأنه في حين أنها تشترك في الحدود والعلاقات الاقتصادية القوية مع المغرب فإنها تعتمد أيضًا جزئيًا على الجزائر للغاز الطبيعي وقد أصبح هذا الاعتماد أكثر حدة مع ارتفاع أسعار الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا ولكن أيضًا لأن الجزائر في أكتوبر من عام 2021 أوقفت ضخ الغاز إلى إسبانيا عبر خط أنابيب يمر عبر المغرب المقطوعة علاقاتها مع الجزائر وشهدت الجزائر والمغرب شهورا من التوترات منذ أن أعاد المغرب العلاقات مع إسرائيل في ديسمبر 2020مقابل اعتراف واشنطن أيضا بسيادة الرباط على الصحراء الغربية , وقد جاء ذلك بعد أسابيع فقط من إعلان البوليساريو أن وقف إطلاق النار عام 1991 باطل ولاغ ، مما أدى إلى تصعيد الهجمات على القوات المغربية , ويُعد الميل الأسباني نحو المغرب مُقوضاً لفترة نصف قرن من الحياد الإسباني الرسمي في الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو وبشكل حاسم يمكن القول أن الموقف الأسباني الجديد يجعل مدريد أقرب إلى موقع الرباط من موقف برلين أو باريس فقد اعترفت كل من ألمانيا وفرنسا بخطة الحكم الذاتي ومن المؤكد أن دعم إسبانيا الواضح لخطة الحكم الذاتي المغربية سيزيد الضغط على فرنسا صحيح أنه منذ أن قدم المغرب خطته للحكم الذاتي إلى مجلس الأمن عام 2007كانت فرنسا في طليعة الدول التي دعمتها , ومع ذلك فإن هذا الدعم لم يتجاوز أبدًا التكرار الميكانيكي تقريبًا للغة المستخدمة في قرارات مجلس الأمن الدولي – الإشادة بخطة المغرب ووصفها بأنها أساس “جاد وموثوق” لحل نزاع الصحراء , لكن الموقفين الألماني والفرنسي يُنظر إليهما علي أنهما مجرد “مساهمة” لكنهما امتنعتا عن صيغ التفضيل وعلي أي الأحوال فبعد 10 أشهر أضاءت الأضواء مرة أخرى في مقر إقامة السفراء المغربي في مدريد والأسباني في الرباط .
كان القرار الأسباني بشرعية ضم المغرب للصحراء إيجابياً للغاية بالنسبة للوضعية الدبلوماسية لهذه القضية , و التي بالإضافة إلى فرنسا وألمانيا(رحب الاتحاد الأوروبي ودعم ميل ألمانيا نحو المغرب حول قضية الصحراء أيضًا أصبحت هناك دول أفريقية مستقرة اقتصاديًا مثل السنغال تؤيد الاقتراح المُقدم للإتحاد الأفريقي الداعي إلى تعليق عضوية البوليساريو في الاتحاد الأفريقي كما فعلت ذلك أيضاً غانا وزامبيا وفتح ثلاثتهم قنصليات في الصحراء , وبالتوازي مع هذا التطورطبعت المغرب علاقاتها مع الإتحاد الأفريقي , ومن ثم إستطاعت أن تصحح خطأ ارتكبته بالإنسحاب من الإتحاد الأفريقي فعادت إليه في يوليو 2016(بالمصادفة في نفس الوقت الذي تم فيه تعيين إبراهيم غالي زعيماً للبوليساريو) لتمارس دورها الأفريقي خاصة وأن من مزايا إلحاق الصحراء بالمغرب أن الصحراء جغرافياً أقرب إلي أفريقيا جنوب الصحراء , هذا إلي جانب أن الصحراء نفسها قضية أفريقية بإمتياز, لكن يُشار إلي أن كل الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا مازالوا يدعمون البوليساريو حتي اليوم . ويُذكر إتصالاً بذلك أنه خلافًا للاقتراحات الشائعة في وسائل الإعلام الإسبانية فإن موقف مدريد ليس منعطفًا بل تطورًا منطقيًا لموقفها في الاتجاه الذي يطلبه المغرب ويتوقعه من حليف استراتيجي فمع تحمل إسبانيا مسؤولية تاريخية كبيرة في الصراع يمكن أيضًا تفسير القرار الجديد للبلاد على أنه نوع من حساب التاريخ , وقدأعرب رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو الذي استضاف نظيره المغربي عباس الفاسي في ديسمبر 2008عن دعمه المعتدل لخطة الحكم الذاتي المغربية وأشاد بجهود الرباط “الجادة والمصداقية” لحل أزمة الصحراء بل إن رئيس الوزراء الإسباني آنذاك أضاف أن المبادرة المغربية “تشكل مساهمة إيجابية” في حل المشكلة , إذن فالموقف الأسباني لا يعد تحولاً بالمرة بل هو في الحالة الأفضل لتقييم الدور الأسباني لهذه القضية يُعد تدرجاً منطقياً .
هناك من يبرر تحول إسبانيا لموقفها من قضية الصحراء بسبب أن الرباط تستخدم ضغط الهجرة تجاه إسبانيا – والتي في معظم الحالات يجب أن تمر عبر المغرب ، نظرًا لقربها الواضح من إسبانيا – كسلاح فعال للابتزاز للتأثير على العلاقات الثنائية وقد يكون ذلك صحيحا إلي حد ما لكن ليس سبباً لتبرير ذلك التحول علي إطلاقه , فهناك أسباب أخري في مقدمتها تغير الموقف الأمريكي بإعتراف الولايات المتحدة بضم المغرب للصحراء مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني (يبلغ عدد اليهود المغاربة تقديراً ما بين 100,000 إلي 70,000) , كذلك فالمغرب شريك رئيسي في الحرب ضد الإرهاب وهناك تعاون مرن في هذا المجال , كما أنه شريك تجاري رئيسي والحقيقة التي لم يتم الحديث عنها كثيرًا هي أهمية التجارة الحدودية بين سبتة ومليلية وجزر الكناري مع المغرب , ولهذا كان قرار حكومة المغرب بإغلاق الحدود مع سبتة ومليلة في مارس 2020 قاسياً علي إسبانيا التي تخضع هاتين المدينتين لها ففي عام 2020 خسرت سبتة ومليلية 18 مليون و 50 مليون يورو على التوالي في ما يعادل ضريبة القيمة المضافة نتيجة إغلاق الحدود وكان لابد من إعادة فتح الحدود مع هاتين المدينتين لمعالجة اقتصادهما الهش , وأخيرأً فمن بين أسباب تحول أسبانيا عن موقها الحيادي من قضية الصحراء الحرب في أوكرانيا فعواقبها الاقتصادية علي إسبانيا واضحة ومن مظاهرها ارتفاع أسعار المواد الخام والوقود فضلاً عن الإضرابات والاحتجاجات في قطاعات رئيسية مثل الزراعة والنقل في مارس / إبريل 2022 ولاشك أن كل ذلك أفضي إلي توفر عامل مزعزع جديد للإقتصاد الأسباني لذلك كله قرر رئيس الوزراء تغيير موقفه من الصحراء الغربية وإضفاء الشرعية على اقتراح الحكم الذاتي المغربي باعتباره “الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل هذا النزاع” , وهكذا غيرت إسبانيا الإجماع الذي حافظت عليه حتى الآن في هذا النزاع – الذي كان من المقرر أن ترعى استفتاء لتقرير المصير تحت رعاية الأمم المتحدة – للاعتراف بتطلعات المغرب بشأن الصحراء الغربية , وللوهلة الأولى ، كان رد الفعل على هذا التغيير في الموقف في المجالين السياسي والاجتماعي هو إدانة هذا التحول باعتباره خيانة للقضية الصحراوية وتمتلئ وسائل الإعلام الأسبانية بمقالات رأي وبيانات كلها تتهم الحكومة بخيانة الشعب الصحراوي لدرجة أن حدثت احتجاجات ضد حكومة سانشيز ورُفض الدور الإسباني من قبل جميع الطيف السياسي باستثناء الاشتراكيين ويبدو أن هناك خلافًا بين الحكومة والمجتمع حول هذه القضية والذي ربما لو إستمرقوياً يؤثر على الحكومة للعودة إلى قرارها قبل 18 مارس تاريخ الإعلان عن تغيير الموقف الأسباني من قضية الصحراء .
جدير بالإشارة وللوقوف علي تعقد هذه القضية وأهميتها للأطراف المباشرة وهم ثلاث : المغرب والجزائر والصحراويين المنضوين تحت لواء البوايزاريو , يُفضل أن نعرف أنه كان من المقرر إجراء استفتاء في الصحراء الغربية وهي مستعمرة إسبانية سابقة لكن عندما إختار الإسبان المغادرة في عام 1975كان على شعب الصحراء الغربية الاختيار بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب وبسبب التفاعل المعقد بين العوامل لم يتم إجراء الاستفتاء وكانت المنطقة تحت سيطرة المغرب وموريتانيا عام 1979 , لكن موريتانيا إنسحبت مبكراً من هذا الصراع ربما بضغوط من الجزائر و/ أو لأسباب تارخية تعود بعضها إلي كون المغرب لم تعترف بموريتانيا كدولة إلا بعد إستقلالها بسنوات المهم أن موريتانيا وقعت اتفاق سلام مع جبهة البوليساريو (حركة استقلال يقودها الصحراويون الأصليون والتي تأسست عام 1973) وتخلت عن سيطرتها على الصحراء الغربية والمحصلة أن المغرب حالياً يسيطر على أكثر من 80 % من الإقليم ويعلن أن ولايته القضائية على المنطقة تسبق الحكم الإسباني ظلت إسبانيا محايدة بشأن نزاع الصحراء الغربية طوال هذه السنوات ودفعت باتجاه حل سياسي مقبول للطرفين .
علي الجانب الجزائري(الداعم الرئيسي للبوليزاريو) قالت الجزائر في 7 يونيو 2022 إنها ستعلق معاهدة تعاون منذ عقود مع إسبانيا بعد أن أيدت مدريد موقف المغرب خصمها اللدود في شمال إفريقيا بشأن الصحراء الغربية المتنازع عليها وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان “قررت الجزائر التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” , وقالت الجزائرفي يونيو 2022 “إن تحرك إسبانيا “ينتهك التزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية” تجاه الإقليم المستعمرة الإسبانية السابقة , وصرح مصدر دبلوماسي اسباني لوكالة فرانس برس في 8 يونيو2022أن حكومة بيدرو سانشيز “تأسف للقرار الجزائري” وبشكل منفصل أصدرت جمعية البنوك الجزائرية بيانًا أبلغت فيه البنوك بتوقف واردات السلع والخدمات من إسبانيا بسبب تعليق المعاهدة , وقد جاء تحرك الجزائر ردا على اعتراف إسبانيا علنا في مارس 2022بخطة المغرب للحكم الذاتي للمنطقة المتنازع عليها مما أعن علي إنهاء خلاف دبلوماسي استمر لمدة عام بين المملكتين , لكن يبدو أن الجانب الإيجابي الوحيد في أحدث أزمة مغاربية في إسبانيا هو أن صنبور الغاز لن يُغلق (مصادر أسبانيا تقدر أن ما يقرب من نصف احتياجاتها من الغاز مصدره الجزائر) فيبو أن الجزائر تريد بناء صورة مورد موثوق وهو تقدير ردده جونزالو إسكريبانو مدير برنامج الطاقة والمناخ في معهد إلكانو الملكي الإسباني ويشير إسكريبانو إلى أن الجزائر لا تستطيع الاستغناء عن عائدات الصادرات إلى إسبانيا لا يزال سيف ديموكليس معلقًا فوق مدريد فقد هددت الجزائر بوقف صادرات الغاز إذا زودت إسبانيا المغرب بالنفط الجزائري وتعهدت مدريد منذ ذلك الحين بأن تضخ فقط الغاز غير الجزائري عبر خط الأنابيب الذي يربط إسبانيا بالمغرب .
علي الجانب الصحراوي (البوليزاريو) تراجعت العلاقات بين إسبانيا والمغرب إلى مستوى تاريخي منخفض عام2021 بعد أن استضافت إسبانيا سرا زعيم جبهة البوليساريو للعلاج الطبي مما أدى إلى تطلع العديد من الصحراويين مُجدداً إلى الاستقلال وعندما كشفت وسائل إعلام تابعة للحكومة المغربية عن وجود إبراهيم غالي في إسبانيا سمحت الرباط لعشرة آلاف شخص بعبور الحدود إلى سبتة وهي مدينة إسبانية سلبتها من المغرب إبان العهد الإستعماري(كانت الصحراء الغربية هي المقاطعة 53 لإسبانيا ويعامل مواطنوها على أنهم إسبان) وتقع على ساحل شمال إفريقيا مما أدي إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة كما استدعى المغرب سفيره في مدريد ولم يعيده , وقال عبد الله عربي ممثل جبهة البوليساريو في إسبانيا ، إن سانشيز “يخضع لضغوط وابتزاز” المغرب من خلال دفع “رسوم” لإصلاح العلاقات السياسية والدبلوماسية المتضررة وقال إن امتلاك الصحراء الغربية للحكم الذاتي في ظل المغرب ما هو إلا أحد الخيارات العديدة التي يجب التصويت عليها في استفتاء وأن “الحل يجب أن يقوم على أساس الخيار الذي صوت عليه الشعب الصحراوي” , هذا وما يزال النزاع علي الصحراء يُدار بواسطة الجزائر وما يُسمي بجبهة البوليزاريو وحكومة المنفي أو ما يُسمي بالجُمهورية العَربية الصَحراوية الدِيمقرَاطية في المحافل الولية فيما يعيش نحو 176 ألف صحراوي في خمسة مخيمات للاجئين على التراب الجزائري شرقي الصحراء الغربية في صحراء شديدة الحرارة يعتبرها كثيرون أرضا محرمة ويعتمدون في معاشهم على المساعدات الإنسانية والبضائع من وكالات الإغاثة الدولية , ويُشار إتصالاً بذلك إلي أنه وفي أواخر عام 2020 أدى إحباط جبهة البوليزاريو على مدى ثلاثة عقود في طي النسيان إلى إنهاء وقف إطلاق النار مع المغرب ومواصلة الأعمال العدائية مُجدداً بين قوات البوليساريو والجيش المغربي .
وفقا للأمم المتحدة فإن الصحراء الغربية تُعد واحدة من 17 إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي في العالم , وكانت إسبانيا القوة المُستعمرة لهذا الإقليم قد تخلت عن سلطتها على هذه المستعمرة في عام 1976 وتنازلت عنها للمغرب وموريتانيا ثم دخلت هاتان الدولتان في حرب على الأرض في الوقت نفسه أعلنت جبهة البوليساريو الصحراوية قيام ما يُسمي بالجمهورية الصحراوية الديمقراطية وانخرطت أيضًا في القتال بمساعدة الجزائر , ولاحقاً انسحبت موريتانيا من الصراع في عام 1979 ثم وافقت جبهة البوليساريو والمغرب على وقف إطلاق النار في عام 1991 ثم تم إنتهاك وقف إطلاق النار في عام 2020وكان الهدف النهائي لوقف إطلاق النار هو إجراء استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة (مينورسو) وهو الموقف الذي أيدته إسبانيا ذات مرة ورفضه المغرب , ومع ذلك فإن الوعد بإجراء مثل هذا الاستفتاء لم يُوف به أبدًا , ويعمل المغرب كقوة مسيطرة على منطقة الصحراء الغربية التي تدعي البوليزاريو والجزائر أنها “محتلة” , فيما أقامت المغرب جدارًا بطول 1600 ميل وتمارس حقوق سيادتها وتقوم بإستغلال مياه الصيد الغنية ومناجم الفوسفات في اٌليم الصحراء “المغربية” , وتدعي بعض المصادر أن معظم الصحراويين عديمي الجنسية ولا يمنحون الجنسية الإسبانية أو المغربية ويعيش ما بين 90.000 و 165.000 منهم في مخيمات اللاجئين في الجزائر حيث كانوا منذ عقود وبالقرار الذي إتخذه رئيس وزراء اسبانيا بيدرو سانشيز فقد أصبح نضالهم من أجل تقرير المصير ومستقبل مختلف أكثر تعقيدًا .
قضية الصحراء المغربية (الغربية) قضية تُعد وبحق قضية وجودية للمغرب فالصحراء المغربية نفسهاإقليم مساحته لا102و703 ميل مربع يُعد مهما للغاية للتكامل الترابي والسيادة المغربية التي تأكدت إلي حد كبير في 16 أكتوبرعام 1975 عندما أصدرت محكمة العدل الدولية بلاهاي رأيها الإستشاري بصدد المكانة القانونية للصحراء الغربية قبل زمن الإستعمار الإسباني لهذه المنطقة في عام 1884 , وفي مساء يوم صدور هذا الحكم أو الرأي من قبل هذه المحكمة خاطب ملك المغرب شعبه علي موجات الأثير والتليفزيون لحاثاً إياه علي تقديم 350,000 متطوع لإحتلال الإقليم لصالح مطلب المغرب فرض سيادته علي هذا الإقليم الذي يوفر للمغرب إقتراباً جغرافياً من منطقة غرب أفريقيا بدءاً من السنغال , كذلك تُعد قضية الصحراء ذات علاقة مهمة بالاقتصاد المغربي حيث بها إرسابات ضخمة من المعادن خاصة الفوسفات الصخري الذي تُقدر إرساباته بالمنطقة ما يربو علي 1,7 بليون طن من رتبة مرتفعة من شأنها تعزيز مركز الأولوية القصوي للمغرب في السوق العالمي , وهناك أيضا الثروة السمكية نتيجة إطلالة الإقليم بإمتداد يزيد عن700 ميل علي المحيط الأطلنطي , ومع ذلك تعد قضية الصحراء قضية مركزية للسياسة الخارجية والداخلية للمغرب فقد قال المغفور له الملك الحسن الثاني في كتابه “التحدي” : ” إن المغاربة ليس لديهم عقلية مُستحدثة عليهم فلو كان لي الخيار بين أن أُعيد تلك المناطق للأرض الأم والفوسفات , فإنني بكل الترحيب سوف أنزل عن الفوسفات ” .
مثل الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية مساراً تأسست عليه كل الخطوات السياسية والإقتصادية التي قامت ويقوم بها المغرب حتي اليوم في إقليم الصحراء المغربية , وبمفهوم المخالفة وتأكيداً لحكم المحكمة عن توفر علاقة روحية ودينية بين هذا الإقليم وحكومة المغرب (المخزن)نسال السؤال التالي : لو لم يكن الفوسفات هو السبب الكامن وراء تحرك المغرب لبسط سيادته علي هذا الإقليم بعد تحرره من ربقة الإستعمار الأسباني الذي ألحقة بأسبانيا تحت مُسمي Provincia Ultramarina del Sáhara , أي إقليم الصحراء الإسبانية ماوراء البحار بحلول الستينيات ، وقد تعرضت إسبانيا – الحاكم الاستعماري للصحراء الغربية في القرن التاسع عشر – لضغوط دولية متزايدة للتخلي عن السيطرة على الإقليم وبدأت جبهة البوليساريو وهي حركة تحرير وطنية صحراوية شن حرب عصابات ضد الإسبان قبل وقت قصير من تخلي مدريد رسميًا عن دورها كمستعمر “الصحراء الإسبانية” ووافقت على قرار الأمم المتحدة بإعادة تسمية إقليم الصحراء الغربية , فما هو السبب الحقيقي لتحرك المغرب لإلحاق هذا الإقليم بالسيادة المغربية ؟
إن الأسس الدينية الروحية والتاريخية هي التي شكلت العمود الفقري لمطالبة المغرب بضم إقليم الصحراء الغربية لسيادتها فهذه الأسس مُتجذرة في التربة المُختلطة للحياة الدينية و السياسية , ويتتبع المغاربة روابطهم بالمنطقة إلي الوراء منذالقرن الحادي عشر بقيام الخلافة المرابطية ويُشير المغاربة إلي الأصول الموريتانية للمرابطين لبيان مدي إمتداد الإتصالات السياسية المغربية في المنطقة , وهي الإتصالات التي إستمرت في فترة حكم أسرة السعدي (1511 – 1666) عندما أخترقت عدة تجريدات عسكرية الصحراء وكان ضمنها تجريدة عام 1551 تمخضت عن فتح إمبراطورية صنهاجة وتمبكتو , وظلت تلك المناطق مرتبطة مباشرة للسعديين في مراكش حتي 1612 وإستمر سكان تلك المناطق تحت السلطة الدينية للسعديين حتي عام 1660 عن طريق إلقاء خطبة الجمعة التي كانت ممهورة باسم الله تعالي وتحت إمرة السلطان , والمغاربة يشددون علي وجود روابط قوية منذ حكم مولاي إسماعيل (1671- 1772) ومولاي الحسن الأول (1873 – 1894) ويشيرون إلي الموظفين المغاربة المبعوثين ليماسوا بسط السيادة والنفوذ المغربي في هذه الأصقاع بالصحراء الغربية (المغربية)تحت حكم هذين الحاكمين , كذلك يشير المغاربة إلي العلاقة بين حكومة المخزن المغربية والشيخ ماء العيون وهو شخصية سياسية دينية بالصحراء الغربيىة ولعبت دوراً هاماً في تاريخ مقاومة الصحراويين المغاربة للمستعمرين الفرنسيين والإسبان في بواكير القرن العشرين , يُضاف إلي ذلك خضوع بعض قبائل هذه المنطقة لسلطان المغرب , كل ذلك يأتي في داخل المفهوم الإسلامي ؤلقضية الحكم فهذا المفهوم تعبرعنه البيعة التي كانت لسلطان المغرب في إقليم الصحراء الغربية .
تؤكد السياسة الخارجية للرباط علي أن سيطرتها الكاملة على الإقليم ضرورية لضمان وحدة أراضي المغرب بالإضافة إلى ذلك فكما أشرت فإن الصحراء الغربية غنية بالفوسفات الصخري وهو معدن مهم للغاية لسلسلة الإمدادات الغذائية في العالم إذ يعتبره المغرب في الواقع ثالث أكبر مُنتج تصديري حيث بلغت قيمته حوالي 850 مليون دولار أمريكي في عام 2021 لذا فهو يمثل الموقع الاستراتيجي للصحراء الغربية بجانب المحيط الأطلسي أيضًا رصيدًا هائلاً للمغرب وصناعة صيد الأسماك فيه ففي عام 2018وحده جاء أكثر من 75 % من صيد المغرب من الصحراء الغربية .
مواقف الحكومات الأجنبية خاصة الغربية علي نحو خاص غير نمطية من النزاع القائم بين الجزائر والبوليزاريو من جانب والمغرب من جانب آخر بفضل حركية الدبلوماسية المغربية خاصة مع عدم جدوى جهود الأمم المتحدة حتي الآن لحله ، وتلعب الرباط الآن أوراقها للضغط على المزيد من الدول لإضفاء الشرعية على بسط سيطرتها علي الصحراء الغربية , ويمثل موقف إسبانيا من هذا النزاع موقف رمزي مفعم بالدلالات فبصفتها المستعمر السابق للصحراء الغربية حافظت إسبانيا منذ فترة طويلة على الحياد تجاه هذا الصراع المجمد لكنها غيرت موقفها مؤخرًا تلبية لمطالب الرباط وفي هذا السياق طوّت إسبانيا والمغرب صفحة جديدة في قمة الرباط في فبراير 2023 متجاوزين المشاكل الثنائية الأخيرة فقد وقعت الحكومتان عدداً من الصفقات التجارية والاستثمارية والهجرة والأمنية في هذه القمة , وبهذه المناسبة قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إن البلدين ملتزمان بـ “الاحترام المتبادل” , ورغم أن إسبانيا لم تذهب إلى الحد الذي حدا بالولايات المتحدة إلي الاعتراف رسميًا بضم المغرب (غير القانوني) للصحراء الغربية ، فإنها دعمت اقتراح المغرب للحكم الذاتي الذي يستبعد خيار الاستقلال ، وهو موقف متقدم قياساً علي موقف أسبانيا السابق وعلي مواقف بعض الدول الغربية الأخري منها هولندا التي بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على هذه الأرض خارج حدودها المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ، إنضمت لإسبانيا في دعم “خطة الحكم الذاتي”. في غضون ذلك ، فتحت مجموعة من الدول الإفريقية والعربية مؤخرًا بعثات دبلوماسية في الأرض لدعم موقف الرباط وعاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وخفت إلي حد ما التأثيرات السلبية لحركة الدبلوماسية الجزائرية النشطة فيما يتعلق بقضية النزاع علي الصحراء “المغربية” خاصة في أفريقيا , وقال الدكتور ستيفن زونس أستاذ السياسة والدراسات الدولية في جامعة سان فرانسيسكو بأنه فيما يتعلق بموقف إسبانيا الجديد إزاء هذا النزاع :”مع تزايد اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الجزائري – وهو أمر مهم بشكل خاص نظرًا لقطع الوصول إلى المصادر الروسية – فمن المحتمل أن يكون لقرار إسبانيا تأثير سلبي على أمن الطاقة في البلاد” , ولكن الدكتور جيف بورتر رئيس شركة شمال إفريقيا ريسك كونسلتينج صرح لمجلة فورين بوليسي في فوكس وقال : “لم يكن هناك أي تغيير جوهري على الأرض حتى الآن نتيجة لتحول إسبانيا في دعم موقف المغرب في المنطقة المتنازع عليها”, ومع ذلك لا ضمانة لثبات موقف أسبانيا فقد اشتد الخلاف بين الرباط ومدريد بعد أن رفضت إسبانيا اعتراف واشنطن بالصحراء الغربية كأرض مغربية في 2020 ولذلك استضافت في وقت لاحق زعيم البوليساريو إبراهيم غالي لعلاج كوفيد -19 ورد المغرب باستدعاء سفير إسبانيا بالرباط واستدعاء سفيرها وتفاقمت التوترات الثنائية عندما وصل تدفق جماعي للمهاجرين إلى سبتة وهي منطقة إسبانية مُستعمرة في شمال المغرب تشرف علي البحر المتوسط في مايو 2021 حيث حاول حوالي 6000 منهم عبور الحدود , وكان لتخفيف المغرب ضوابطه الحدودية مع سبتة ما جعل مغادرة هؤلاء المهاجرين ممكنا وقد فسر سانشيز هذه الخطوة على أنها محاولة من الرباط للتلاعب بمدريد لتقديم تنازلات في مواجهة الصحراء الغربية , عموماً فقد أثبتت استراتيجية المغرب فعاليتها في غضون أقل من عام إذغيرت إسبانيا موقفها من الصحراء الغربية ودعمت الآن “خطة الحكم الذاتي” للرباط التي من شأنها أن تسمح للمغرب بمواصلة ممارسة سيادته على المنطقة بينما سيسمح للشعب الصحراوي بحكومته ومع ذلك يجادل منتقدو الاقتراح أن هذا “الحكم الذاتي” لا يرقى إلى مستوى التعريف بموجب القانون الدولي ومع ذلك نظم كل من المغرب وإسبانيا مؤتمرات ومنتديات استثمارية في الداخلة والعيون لاستكشاف الفرص للمستثمرين الإسبان وأُعلن عن العديد من الخطط بما في ذلك في السياحة والرعاية الصحية ولكن لم يتم إطلاق أي شيء حتى الآن , وكان أول رد فعل جزائري علي التغير الذي طرأ علي سياسة أسبانيا حيال قضية الصحراء أن أوقفت الجزائر التعاملات المصرفية بين المؤسسات المالية الجزائرية والإسبانية مما أدى إلى وقف الواردات الإسبانية إلى الجزائر , كما أرغمت الجزائر شركة ناتورجي الإسبانية على دفع أسعار السوق لواردات الغاز الجزائرية بدلاً من الأسعار المواتية الممنوحة للبلدان التي أبرمت الجزائر معها معاهدات صداقة .
بصفة عامة يمكن القول بأن التحول الأمريكي في قضية الصحراء المغربية والمواقف الأوروبية التي أقرت وجهة نظر المغرب لابد أن وراءها مبررات قوية أهمها ما يُسمي بجماعات الضغط الصهيونية ذات المراكز المُتعددة فليس من ىقبيل المصادفة أن يتزامن تحول الموقف الأمريكي وبعده الموقفين الإسباني والهولندي بعد الاتفاق المغربي الإسرائيلي وهو اتفاق تطبيع جرى بين المملكة المغربية وإسرائيل في 10 ديسمبر 2020 بوساطة أمريكية لتصبح المغرب سادس دولة عربية تطبع مع إسرائيل بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان وفي غضون ذلك احتفي في المغرب بالحصول على اعتراف من الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية , وفي الواقع فتاريخ تقارب العلاقات بين المغرب وإسرائيل يعود إلى سنوات متعددة لا سيما في المجالين الاقتصادي والتجاري ولا يرتبط بالتالي بقرار المغرب بمسألة الاعتراف بالدولة بل هو استئناف للعلاقات السابقة لكن يجب أن تكون الإشارة مباشرة إلي أن اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء كان مقابله تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل مُرفقاً بالمزايا الاقتصادية لكلاهما أيضاً .
لكن إذا تناولنا النزاع علي إقليم الصحراء (المغربية) مع النزاع القائم حتي يومنا هذا بين جبهة تحرير جيب كابينداFLEC وحكومة أنجولا منذ نوفمبر 1975 حتي الآن لوجدنا نوع فج من الإزدواجية من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي تدخلت في نزاع الصحراء المغربية وأُستبعدت من نزاع Cabinda لمجرد أن لا دولة أحالته علي لجنة تصفية الإستعمار في زمن الإحتلال البرتغالي لأنجولا الذي زال في نوفمبر 1975بل إن إنتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها العسكرية والأمن الأنجولي في Cabinda لا تلقي إهتماماً من قبل الأمم المتحدة ولا الإتحاد الأفريقي الذي أُبلغ بها , الخلاصة أن نزاع Cabinda لم يرق ليكون نزاعاً دولياً تتناوله الأمم المتحدة والإتحجاد الأفريقي ولا غيرهما , فيما النزاع علي الصحراء الغربية أصبح دولياً بفضل الجزائر و Polisario وشهد فترات مزدهرة من المد ولكنه حالياً يشهد موجة جزر عاتية يمكن أن تؤدي إلي تسوية دائمة وخمود لصراع مصطنع لا طائل تحته , وأما كابيندا فأقليم يقع بين الكونجوليتين خارج حدود أنجولا لكنه تحت سيادتها وتطالب جبهة تحرير جيب كابيندا بإستقلاله عن أنجولا وفق أسباب قانونية وعرقية وشكلت منذ ما بعد 1975 حكومة منفي في باريس ومع ذلك لم تفلح جهود أنجولا في وأد المطالبة بالإستقلال رغم توقيع إتفاقية مع منشقين عن جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC تماما كحالة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم البوليساريو Polisario)) ويمكن بعرض موجز للنزاع في كابيندا / أنجولا تبين ذلك :
منذ ما قبل 11 نوفمبر 1975 تاريخ إعلان إستقلال أنجولا حتي يومنا هذا يجري صراع تخوضه جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC ضد حكومة لواندا لنيل حق تقرير المصير , لكن القوي الدولية الرئيسية في عالمنا لم تتناوله بمثل ما تناولت به صراعات أخري إنتهت بنيل قوي التمرد الأخري حق تقرير المصير فالإستقلال عن الوطن الأم , وبالطبع هناك من الأسباب لدي أي من هذه القوي الدولية تحكم حركتها بإتجاه الصراع في كابيندا الذي بينه وبين الصراعات الأخري التي تطالب قوي التمرد فيها بحق تقرير المصير الكثير من القواسم المُشتركة لدرجة أن عقد مقارنة بين الصراع في كابيندا وصراع كالذي كان بين الحكومة السودانية ومتمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLAتحت قيادة جون جارانج والذي بدأ عام 1955 أمر لا يتسم بأي درجة من الصعوبة , ومن المعروف أن الصراع في جنوب السودان إنتهي بتوقيع التمرد وحكومة السودان إتفاقية السلام الشامل في كينيا في يناير 2005 والتي تضمنت مادة بموجبها أمكن للجنوبيين ممارسة حق تقرير المصير في 9 يناير 2011 ومن ثم إعلان إستقلال جنوب السودان وإقامة دولته في 9 يوليو 2011, فيما ما يزال الصراع في كابيندا مُستمر بوتيرة اللاحرب واللاسلم , والخلاف بين حالة الصراع بين البوليزاريو ومن أمامها الجزائر وبين المغرب يتسم بدرجة عالية للغاية من الإصرارالمغربي فالمغرب لم يفعل كما فعلت حكومة عمر البشير في الخرطوم وتنازل بموجب إتفاقية السلام الشامل 2005 في كينيا عن حوالي نصف مساحة السودان أي عن جنوب السودان ورضخ لضغوط الولايات المتحدة الداعم الأساسي لمتمردي جنوب السودان الين ظفروا بدولة من صنع الولايات المتحدة التي صنعت بالمثل دولة للكيان الصهيوني .
بدأ الصراع في كابيندا في التبلور بعد أن تمكنت قوات الحركة الشعبية لتحرير أنجولا MPLA من السيطرة علي الإقليم بدخولها إياه من نقطة إرتكازها بمدينة Pointe-Noire بالكونجو برازافيل خلال يومي 2 و3 نوفمبر 1974 وأستطاعت إحتلاله عسكرياً بدعم عسكري من الكوبيين والسوفييت قبل الإعلان عن إستقلال أنجولا في 11 نوفمبر 1975عن البرتغال بموجب إتفاقية Alvor التي وقعتها الأخيرة في 15 يناير 1975 مع حركات التحرير الأنجولية الثلاث وهي الحركة الوطنية لتحرير أنجولاFNLA والحركة الشعبية لتحرير أنجولا MPLA والإتحاد الوطني للتحرير التام لأنجولا UNITA , وبمقتضي هذه الإتفاقية تم إلحاق إقليم كابيندا بأنجولا وكان أن بدأ الصراع في إقليم كابيندا الذي تقع مطالبات قوي المقاومة فيه ضد ما تصفه بالإحتلال الأنجولي ما بين الحصول علي الإستقلال عن أنجولا وبين ممارسة حق تقرير والحكم الذاتي علي غرار سوابق أفريقية كان آخرها ممارسة شعب جنوب السودان حق تقرير مصيره وفقاً لإتفاقية السلام الشامل المُوقعة بين الجيش الشعبي لتحرير السودانSudan People’s Liberation Army بقيادة جون جارانج وحكومة السودان في كينيا في يناير 2005 , وتُؤسس حركات المقاومة الكابيندية وأهمها جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC موقفها الرافض للوضع الراهن بتبعيتها لأنجولا علي أساسين هما :
(1) الأساس القانوني والتاريخي :
بعد أن وضعت البرتغال أقدامها بكابيندا وقعت ثلاث معاهدات متتابعة مع ملوك وأمراء الإقليم أولها معاهدة Chimfuma عام 1883 فمعاهدة Chicamba عام 1884 ثم أهمهم والتي تتأسس عليها وجهة نظر المقاومة الكابيندية الرافضة للسيادة الأنجولية علي هذا الإقليم معاهدة Simulambuco المُوقعة بين التاج البرتغالي وأمراء هذا الإقليم في فبراير 1885 والتي بموجبها وكنتيجة لمؤتمر برلين الذي تقاسمت فيه قوي الإستعمار التقليدي غنائم سطوتها الإستعمارية في أفريقيا , أعلنت البرتغال لأول مرة عام 1885 عن سيادتها علي كابيندا بإعتبارها ” محمية ” وهو وضع مشابه للوضع الذي فرضته فرنسا علي تونس والمغرب لكنه كان وضعاً مختلفاً عن الذي كانت عليه أنجولا فقد إعتبرها البرتغاليين ” مُستعمرة ” منذ عام 1842 , وتأكد هذا الإختلاف في وضعية كل منهما بعد الإنقلاب العسكري الذي أطاح في عام 1910 بالعرش البرتغالي للملك Manuel II وإعلان الجمهورية Estado Novo ووضع دستور جديد للبلاد عام 1933 في عهد António de Oliveira Salazar الذي أبقي علي تلك الوضعية المختلفة لكابيندا أي وضعية المحمية مقابل وضعية المُستعمرة لأنجولا وذلك في الفصل الأول عن الأمة البرتغالية Nacao Portuguesa مادة أولي إلا أنه وإزاء تصاعد الإتجاه الإستقلالي عن البرتغال في هذا الإقليم والذي بدأ عام 1946قامت السلطات الإستعمارية بطرد كثير ممن تبنوا هذا الإتجاه ونفيهم إلي منطقة Baia dos Tigres بجنوب أنجولا , إلا أنه وإزاء رغبة البرتغال في توحيد إدارتها لأنجولا وكابيندا فقد قامت بدمجهما تحت إدارة عسكرية مُوحدة عام 1956, ومع ذلك ففي أعقاب إنتهاء نظام الديكتاتور Salazarista بدا أن الحكومة البرتغالية الجديدة علي إستعداد للتعامل مع المسألة الكابيندية ففي 30 يونيو 1974 سُمح لجبهة تحرير جيب كابيندا FLEC أن تُؤسس مقراً لها في Tchiowaبكابيندا , وفي الأول من أغسطس من عام 1974 طرح وزير خارجية حكومة Spinoza بالبرتغال مسألة تصفية المستعمرات البرتغالية بالأمم المتحدة وأعلن بمقرها عن أن حكومته تنوي تنظيم إستفتاء لتقرير مصير كابيندا , لكن هذه العملية عُلقت لاحقاً عندما سقطت حكومة Spinoza في 30 سبتمبر 1974 وكان قادة الحكومة البرتغالية الجديدة متعاطفين مع الحركة الشعبية لتحرير أنجولا MPLA التي دخلت الإقليم وأحتلت عاصمته كابيندا وموانئه ونادت بسيادتها التامة عليه , ثم ترسخت هذه الوضعية عندما أُلحقت كابيندا بالإقليم الأنجولي لاحقاً فوفقاً لإتفاق Alvor الموقع بين البرتغال والأحزاب الأنجولية الثلاثMPLA وUNITA و FNLA في 15 يناير 1975أستبعدت جبهة تحرير جيب كابيندا من المفاوضات التي أدت لتوقيع هذا الإتفاق الذي نص علي منح البرتغال الإستقلال لأنجولا في 11 نوفمبر 1975 و أشير إلي كابيندا في هذا الإتفاق علي أنها جزء لا يتجزأ من أنجولا , وقد تميزت فترة ما بعد الإلحاق الفعلي لكابيندا بأنجولا بالظلم والفساد والرشوة والمحسوبية وإنتهاك الحقوق السياسية والإنسانية للسكان في كابيندا ودخل الإقليم فترة طويلة من عدم الإستقرار خاصة وأن حكومة MPLA القائمة في لواندا حظيت بدعم مُؤثر من الإتحاد السوفيتي خاصة بعد توقيعها معه معاهدة صداقة في أكتوبر 1976 وكذلك دُعمت من كوبا وألمانيا الديموقراطية (الشرقية) وبدأت رحلة إستنزاف لموارد كابيندا الطبيعية من الأخشاب والبترول واللذين مول بهما حزب MPLA إحتياجاته من السلاح في مواجهة حزب الإتحاد الوطني للتحرير التام لأنجولا UNITA فيما يُعرف بالحرب الأهلية الأنجولية 1975 – أبريل 2002 وهي الحرب الأهلية التي شهدت بسبب الصراع بين القوتين الأعظم بالعالم علي أراضي أنجولا إستقطاباً إقليميا كانت كابيندا أحد مظاهره , ففي سبتمبر 1997 أرسلت حكومة حزب MPLA تعزيزات عسكرية توجهت إلي بلدتيMassabi و Micongo المتاخمتين لحدود كابيندا مع الكونجو برازافيل لعبور الحدود صوب Ncuto بالكونجو برازافيل , ثم وفي 14 أكتوبر 1997 عبرت القوات الأنجولية حدود كابيندا بإتجاه الكونجو برازافيل الداعمة لمتمردي جبهة تحرير جيب كابيندا لإحتلال مدينة Pointe – noire وبالفعل إستطاعت هذه القوات إحتلال مقر الجبهة بها ودمرته .
رأي الكابينديون هذا الإلحاق إلحاقاً باطلاً بإعتبار أن مؤتمر برلين 1884- 1885 إعتبر كابيندا جزءاً من حوض نهر الكونجو التقليدي Conventional basin (كانت كابيندا تُسمي آنئذ ” الكونجو البرتغالية “) ومع ذلك فهم لم يخضعوا أبداً للحكم البرتغالي والأنجولي من بعده , وبناء علي ذلك تعتبر المقاومة الكابيندية أن بلادهم منفصلة جغرافياً وطبقاً للقانون الدولي عن أنجولا , وقد أُثيرت المسألة الكابيندية عند إنعقاد قمة منظمة الوحدة الأفريقية بالقاهرة عام 1964 وكانت كابيندا وأنجولا آنئذ مدرجتان علي قائمة برنامج تصفية الإستعمار وكان ترتيب كابيندا فيه هو الدولة 39 فيما كانت أنجولا الدولة 35 فالمقاومة الكابيندية رفعت السلاح في وجه البرتغاليين بعد تأسيس جبهة مُوحدة لتحرير جيب كابيندا في مدينة Pointe-Noire بالكونجو برازافيل في المؤتمر الذي عُقد هناك في الفترة من 2 إلي 4 أغسطس 1963 والذي تقرر فيه إتحاد ثلاث كيانات مُقاومة هي حركة تحرير جيب كابيندا MLEC و لجنة العمل من أجل الإتحاد الوطني لكابيندا CAUNC وتحالف مايومبي Alliama لمقاومة الإستعمار البرتغالي , وعلي كل الأحوال فالموضوع برمته مازال خلافياً , فالحكومة الأنجولية وآخرون يرون أن كابيندا في هذا الوقت لم يكن لها إعتراف دولي وبالتالي فإن اي سيادة أخري غير التي لأنجولا معدومة , ويُرد علي ذلك بالقول بأن أنجولا نفسها في هذا الزمن لم تكن إلا مُستعمرة فكيف لها أن تدعي بأي مستوي من السيادة علي كابيندا والحالة هذه ؟ , كما أن المقاومة الكابيندية تؤسس دعواها الإستقلالية علي وضع كابيندا المُتميز من وجهة نظر التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي عن أنجولا , إذ أن ممالك كابيندا الثلاث عقدت مع البرتغال ثلاث معاهدات في الفترة من 1883 حتي 1885 آخرهم معاهدة Simulambuco , بينما لم ترتبط البرتغال بأي معاهدة من هذا النوع مع أنجولا التي كانت مُستعمرة بلا سيادة مما يؤكد خصوصية أو تميز وضعية هذا الإقليم عن أنجولا .
بناء علي ما تقدم فقد إعترفت منظمة الأمم والشعوب غير المُمثلة UNPO- وهي منظمة غير حكومية تأسست في فبراير 1991مقرها Bruxelles معنية بدعم الشعوب الأصلية Indigenous peoples والأقليات والكيانات المحتلة أوغير المُعترف – بكابيندا كأمة غير مُمثلة في أبريل من عام 1997 , ومنظمة UNPO يمكن للبعض أن يضعها في سياق الداعم للديموقراطية كما يمكن للبعض الآخر وضعها في السياق التحريضي فقد كان من بين من أعضاءها أقاليم حصلت فيما بعد علي الإستقلال عن الوطن الأم منها تيمور الشرقية وإستونيا ولاتفيا وجيورجيا و Palau الواقعة شرق الفلبين وأرمينيا والشيشان وغيرهم , وقامت كوادر هذه المنظمة بتدريب مجموعات ناشطة من هذه الأقاليم وغيرها علي الدعوة الفعالة لقضية الإستقلال عن الوطن الأم وبالفعل وكما هو معروف حصل عدد من هذه الكيانات / الأقاليم علي الإستقلال بالإنفصال عن الدولة الأم وأنضمت كعضو كامل العضوية بالأمم المتحدة .
(2) الأساس الثقافي والإثني :
ينتمي سكان كابيندا إلي إثنية Kikongo وهي جماعة إثنية لغوية معاً مختلفة عن تلك الجماعات الأثنية بأنجولا , وإن كان سكان محافظتي Zaire و Uije الأنجوليتين ينتمون إلي إثنية Kikongo أيضاً , لكن ذلك لم يمنع – من وجهة نظر كابيندية – من إحتفاظ سكان كابيندا بوحدتهم الثقافية واللغوية وتطويرهم لثقافة متباينة عن تلك السائدة بأنجولا , وعموماً فإن جبهة FLEC ومن وراءها معظم الكابينديين يضعون أنفسهم موضع المختلفين المُغايرين لسكان أنجولا , وهو ما يعارضه الأنجوليين بتأكيدهم علي أن هناك بالفعل إختلافات ثقافية في مقاطعات أنجولا الثماني عشر , فسكرتير عام حزب MPLA الحاكم وكثير من السياسيين والنخبة الأنجولية يرون أن الإختلاف الثقافي واللغوي لا يقيم وحده منطقاً لممارسة تقرير المصير فهو في رأيهم سبب غير كاف لهكذا مطالبة لأن بعض إن لم يكن كل مقاطعات أنجولا الثماني عشر لها هويات ثقافية مميزة (لم يُؤخذ بهذا الرأي في حالة جنوب السودان وكانت أنجولا داعمة للتمرد الجنوبي) .
وفقاً لهذه الأسس تتمسك جبهة تحرير جيب كابيندا ومن وراءها كنيستها ومنظمات المجتمع المدني وأهمها Mpalabanda بطرح خيارات الإستقلال وتقرير المصير منذ ما قبل حصول أنجولا علي الإستقلال في 11 نوفمبر 1975 وحتي يومنا هذا , ولهذا فقد بادرت جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC بالتحرك سريعاً نحو البرتغال بإعتبارها القوة الإستعمارية المُسيطرة علي أنجولا وكابيندا معاً لبحث مستقبل كابيندا وأجرت محادثات في لشبونة في 10 يوليو 1974 في هذا الشأن , * ( وفقاً لما ورد بوثيقة صادرة عن اللجنة الدائمة لحزب MPLA مكتب دار السلام في 12 فبراير 1974) وبالرغم من أن جهود جبهة FLEC لنيل الإستقلال من البرتغال ثم بعد ذلك من أنجولا لم تحرز نتيجة إيجابية , إلا أن الجبهة لم تستسلم للأمر الواقع De facto كما لم يخضع أو يسلم معظم الشعب الكابيندي للإرادة السياسية الأنجولية بالتبعية للإقليم الأنجولي سواء في فترة الحماية البرتغالية من 1885 حتي 1975 أو بعد قرار السلطة الإستعمارية البرتغالية في لواندا عام 1956 بتبعية كابيندا للقيادة العسكرية الإستعمارية في لواندا , ولهذا وإستجابة للنداء الذي وجهته جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC فقد قاطع الشعب الكابيندي الإنتخابات العامة متعددة الأحزاب والوحيدة التي أُجريت في عموم أنجولا في سبتمبر 1992 والتي فاز فيها حزب MPLA بالأغلبية البرلمانية , أما علي مستوي الإنتخابات الرئاسية التي جرت في نفس العام فلم يفز أياً من المرشحين حيث لم يحز أيهما علي الأغلبية المطلوبة فحزب MPLA لم يحز رئيسه Dos Santos إلا علي نسبة 49,6% فيما حصل منافسه Savimbi رئيس حزب UNITAعلي 40% .
تطورالتناول الأمريكي لقضية كابيندا :
إتسم النظام السياسي الأنجولي مُمثلاً في حزب الحركة الشعبية لتحرير أنجولا MPLA منذ ما قبل الإستقلال عن البرتغال في 11 نوفمبر 1975بغلبة الميول الماركسية اللينينية علي عقيدته السياسية وكان من المنطقي أن تُصنف الولايات المتحدة هذا النظام الذي قبض علي السلطة في أنجولا وخاض غمار الحرب الأهلية1975 – 2002 ضد حزب UNITA خصمه المدعوم من الولايات المتحدة وحلفاءها الأفارقة خاصة زائير (الكونجو الديموقراطية والنظام العنصري في جنوب أفريقيا آنئذ) علي أنه نظام شيوعي , لكن ذلك لم يحدث لسبب بسيط وهو أن شركة Chevron كانت تستغل بترول كابيندا الذي يمثل اكثر من 75% من مجمل الإنتاج البترولي لأنجولا ( الذي بلغ عام 2006 نحو مليون برميل/ يوم) , وكان هذا الإقليم في قبضة قوات MPLA مدعومة بفيلق الكوبي ومستشارين عسكريين سوفييت , وكانت حكومة حزب MPLA تمول إحتياجاتها العسكرية من السوفييت بالإضافة إلي مُجمل تكاليف الفيلق الكوبي من عوائد البترول الأنجولي ومعظمة كما أشرت يُستخرج من أراضي وساحل كابيندا حيث تقوم شركةCabinda Gulf Oil الأمريكية بإستخراجه وإستغلاله وضخه من حقوله .
تعتبر جلسة الإستماع للجنة الفرعية لأفريقيا المنبثقة عن لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي للكونجرس التاسع والتسعون في دورته الأولي والتي إستغرق إنعقادها الفترة من 31 أكتوبر حتي 12 نوفمبر 1985, تعتبر ترجمة دقيقة للموقف الأمريكي من الحرب الأهلية الأنجولية ومن القضية الكابيندية أيضاً فقد كان عنوان محضر جلسة الإستماع تلك ” أنجولا : تدخل أم تفاوض ؟ ” , وربما كان في إيراد بعض العبارات المنسوبة لقائليها في هذه الجلسة مؤشراً دالاً بوضوح علي الموقف الأمريكي وذلك علي النحو الآتي :
1- ” …. إنه لمن الواضح أن الكوبيين دُعوا لأنجولا كما دُعي السوفييت إلي أفغانستان , والحقيقة أننا نحن في الولايات المتحدة وبوزارة الخارجية نؤيد أهداف السياسة السوفييتية الخارجية في أنجولا , . إن السوفييت يُدفع لهم 2 بليون دولار بالعملة الصعبة مقابل مساعدتهم العسكرية (لأنجولا) وللعناية وتغذية 45,000من القوات الكوبية والمستشارين , ومعظم هذا المبلغ النقدي يمكننا أن نشكر كرم شركة Chevron بشأنه ” .
” … الحقيقة أن الولايات المتحدة تساعد السوفييت علي البقاء في أنجولا بالسماح لـ Eximbank بإمداد هذا البلد (أنجولا) ولصناعة البترول به بالقروض , والحقيقة أن الخارجية الأمريكية سمحت بأن يحدث هذا ورفضت تصنيف أنجولا علي أنها بلداً شيوعيأ أو حتي بلداً مُسيطراً عليه بقبضة كاسترو ” .
( من بيان Howard E.Wolfe رئيس اللجنة الفرعية لأفريقيا )
2- “…. ولكي نكون مُنصفين , فإن الولايات المتحدة يجب أن تمد UNITA بالعون لفطم Savimbi عن علاقاته مع جنوب أفريقيا وعلي نحو أو آخر وإن بدرجة قليلة لموازنة مبلغ البليون دولار الذي يتلقاه حزب MPLA من فرع Chevron وعندما نجد الطريقين مع MPLA و UNITA اصابا النجاح , فإننا سوف نكون في مركز يتيح لنا تشجيع الفاشيين علي الجانبين علي المصالحة ومستعدين لمناقشة مسألة حكومة إئتلافية بجدية ” .
(من بيان Richard E.Bisseli رئيس التحرير التنفيذي لـ The Washington Quarterly والمدرس المساعد بجامعة Georgetown الحكومية)
3- ” …. لقد لفت السيناتور Proxmire مؤخراً إنتباهنا لحقيقة أن شركة Gulf Oil لديها إستثماراً ضخماً في أنجولا بإعتبارها أحد ملاك شركة .Cabinda Oil Co التي تعمل خارج أنجولا (أي في كابيندا) , ولاحظ السيناتور Proxmire أن أرباح شركة Cabinda Gulf Oil تمد الزعماء الشيوعيين بأنجولا بعوائد ضريبية تبلغ مئات الملايين من الدولارات , وهذه العوائد تذهب لدعم القوات الكوبية في أنجولا والمستشارين من القادمين من الإتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية ” .
“… إن السلوك الإقتصادي للحكومة الماركسية بلواندا تجاه الأمريكيين والمؤسسات الأجنبية يؤكد خطورة محاولة الحكم علي الأنظمة والأحزاب وفقاً لمضمامينها الإيدولوجية لأنها مضامين غالباً ما تكون مُضللة ” .
(من بيان Jose S. Sorzano رئيس الموسسة الوطنية الكوبية / الأمريكية)
4- ” …علي العكس من تنبؤات عام 1975 إبان عهد الرئيس Ford ووزير الخارجية Kissinger التي أشارت إلي أن نصراً يحرزه حزب MPLA في الحرب الأهلية الأنجولية سيُؤدي إلي قطع السبيل أمام الولايات المتحدة نحو موارد أنجولا , فها هي الولايات المتحدة قد أصبحت الشريك الأكبر تجارياً (لأنجولا) إذ بلغ مجمل تجارة البلدين في السنوات الأخيرة ما يربو عن بليون دولار سنوياً ” .
( من بيان Gerald J. Benderمن جامعة العلاقات الدولية بكاليفورنيا الجنوبية )
5- ” …. في الحقيقة أن مجمل تاريخ الحركة ( السياسية في أنجولا) يشير إلي أن الإيدولوجية لم تكن أساس النزاع بين Savimbi وNito و Roberto , لكن هذا النزاع وبالفعل مرجعه صراعات القيادة وإلي حد ما صعوبات أساسها عرقي بين الفرقاء الثلاث ” .
( من بيان Mathew F. McHugh نائب ولاية نيويورك بالكونجرس)
6- “…. من المعروف بصفة عامة أن نصراً يحرزه حزب UNITA ليس مُجدياً وسيعمل علي إستمرار عدم الإستقرار الإقليمي , وأشارت الورقة أيضاً إلي أن الوجود الكوبي لا يستند علي دخل البترول بحال من الأحوال , بالرغم من أن دوائر شركةCabinda Gulf Oil بأنجولا تؤكد علي أنه بدون إيرادات البترول فإن النظام الحالي بأنجولا سينهار ” .
(من بيان Ted Weiss نائب عن ولاية نيويورك بالكونجرس)
يتضح مما تقدم إقتطافه من نصوص جلسات إستماع الكونجرس المُشار إليها ثلاث حقائق رئيسية هي :
(1) أن كابيندا كانت منصة ثابتة في العلاقات الأمريكية مع حكومة MPLA ولذلك لم تشأ الإدارة ولا الخارجية الأمريكية تصنيف حكومة لوانداعلي أنها حكومة شيوعية بالرغم من إرتباطاتها بالإتحاد السوفيتي وأقوي حلفاءه خارج حلف وارسو أي كوبا , وذلك بالرغم من أن حكومة لواندا كانت تعلن عن نهجها الموافق للنهج السوفييتي رسمياً ويعبر عنه بوضوح برنامج حزب MPLA الأنجولي الحاكم وعندما بدأت عملي سفيراً بأنجولا في عام 2003 كانت الشعارات الشيوعية مازالت واضحة علي جدران وحوائط بعض المباني في العاصمة لواندا .
(2) أن الإدارة الأمريكية إعتبرت الوجود الكوبي عبارة عن فرقة حراسة لمنشآت شركة بترول Cabinda Gulf Oil والتي هي فرع لشركة Chevron الأمريكية وأن الإتحاد السوفيتي وكوبا معاً إلي حد ما معنيتان بالحفاظ علي المصالح الأمريكية هناك لأنه من خلال عوائد هذا البترول تمول حكومة MPLA بقاء القوات الكوبية والكل مُستفيد في الحسابات الختامية .
(3) لم تتضمن مداخلات أي من المشاركين في جلسات الإستماع أي تناول لكابيندا بإعتبارها قضية أو نزاع أو مشكلة , وهو ما يسوقنا إلي القول إلي أن علاقة حزب MPLA بالولايات المتحدة كانت قائمة علي مصالح مُشتركة حرص الجانبين علي إستمرارها وتثبيتها وتقويتها وكان الموقف الأمريكي الذي رصدته من عام 2003 أي عقب إنتهاء الحرب الأهلية بأنجولا عام 2002 حتي عام 2007 بشأن هذه القضية بصفة عامة إيجابياً بالنسبة لحكومة حزب MPLA الحاكم التي يقودها الرئيس José Eduardo dos Santos للآن منذ وفاة Agostinho Neto أول رئيس لأنجولا في موسكو في 10 سبتمبر 1979 , والتني إستطاعت أن تدير الصراع في كابيندا بمنأي عن شبكة علاقاتها الخارجية خاصة مع الولايات المتحدة والقوي الأوروبية الأخري .
في هذه الظروف بدأت الإتصالات الأمريكية الرسمية مع عناصر جبهة FLEC ورئيسها N’ZITA TIAGO مبكراً ذلك أن الولايات المتحدة ممثلة في شركة GULF OIL CORPORATION كانت لديها إستثمارات مهمة بالإقليم وتعمل علي إستغلال البترول في بداية سبعينات القرن الماضي في حوالي 30 بئر بترول بحري , ولذلك كان هناك إهتمام أمريكي جدي ومتابعة دقيقة للأوضاع في كابيندا , فوفقاً لما ورد ببرقيتين سربتهما WikiLeaks أولاهما مؤرخة في 11 سبتمبر 1974 أشارت إلي لقاء السفير الأمريكي في كينشاسا بـ Luis Ranque Franque و ANTONIO SOZINHO سكرتيره للشئون الخارجية وعرضا للقضية الكابيندية ولدعم الرئيس الزائيري موبوتو وأوضح Franqu أن مجموعته ليست مناهضة للمصالح الأمريكية والبرتغالية في كابيندا لكنها ليست مستعدة لأن تشاركها أنجولا في ثروات كابيندا وطلب أن تحث الإدارة الأمريكية حكومة أنجولا (المُرتقبة) لبدء محادثات معه , أما ثانيهما فمؤرخة في 26 سبمبر 1974 صادرة عن الخارجية الأمريكية أشارت إلي ان القنصل الأمريكي إلتقي زعيم جبهة FLEC وبعض عناصرها مثل ALEXANDRE TATY و PINHEIRO DA SILVA و Ranque Franque و Auguto Tchioufou , وكان التقدير الأمريكي في هذا الوقت المبكر جداً أن جبهة FLEC ذات شعبية بين سكان الإقليم (وهو وضع مازال قائماً) وإن كانت أمانتهم الفكرية مشكوك فيهاDUBIOUS وأن الإتحاد الديموقراطي من أجل الشعب الكابيندي والحزب الديموقراطي الكابيندي كلاهما عمره قصير وأن قوات حزب MPLA التي تقوم بعمليات في الإقليم لا تحظي بتأييد يُذكر من الكابينديين , إلا أن قادة الأحزاب الأنجولية التي تقاوم الإستعمار البرتغالي وهما AUGUSTINHO NETO رئيس MPLA و HOLDEN ROBERT رئيس FNLA كانا يعارضان إستقلال كابيندا (أشار إعلان مبادئMOMBASA الذي كان أحد ثلاث إتفاقات بين القوي الأنجولية الثلاث وهي الجبهة الوطنية لتحرير أنجولا FNLA والحركة الشعبية لتحرير أنجولا MPLLA والإتحاد الوطني للإستقلال التام لأنجولا UNITA والذي صدر في 5 يناير1975, في مادته الأولي إلي إقرار وتمسك هذه القوي بمبدأ صيانة التكامل الترابي لأنجولا وإعتبار كابيندا جزءاً مُتكاملاً مع الأراضي الأنجولية) , كما كان الأمريكيون يرون أن الكابينديين لا يؤسسون رغبتهم الإستقلالية علي عوامل تاريخية وعرقية فحسب بل أيضاً علي شكهم في أن عوائد البترول سوف تعود عليهم وألا تغلق عليها أقفال خزائن لواندا , وكانت لدي الامريكيين معلومات من جبهة تحرير جيب كابينداFLEC تشير إلي أنه لو حصل الأنجوليين علي الإستقلال ووصل AUGUSTINHO NETO إلي سدة الرئاسة الأنجولية فسيؤمم شركةGULF OIL CORPORATION , وتأكد ذلك وفقاً لوثيقة صادرة عن اللجنة الدائمة لحزب MPLA مكتب دار السلام في 12 فبراير 1974 أشارت إلي أن حزب MPLA أعلن في فبراير 1974 أنه عندما يتحقق الإستقلال فإن كل الشركات العاملة بالنطاق البحري لأنجولا وبالإقليم البري لها ستُطرد وتُصادر ممتلكاتها وحمل الحزب هذه الشركات مسئولية التعرض لأخطار الحرب بل وقام بالإتصال بالدول والمنظمات الصديقة كي تقوم بتدريب الكوادر الأنجولية في مجال صناعة البترول , كما أنه ووفقاً لوثيقة أخري كانت في حوزة أحدي الجامعات البرتغالية فإن هذا الإعلان لم يكن مُوجهاً فحسب للشركات التي كانت تعمل بالفعل بأنجولا بل أيضاً لتلك التي لديها نية العمل بها مُستقبلاً والتي رخصت لها السلطة الإستعمارية البرتغالية بذلك , وكانت الشركات العاملة وقت إصدار MPLA إعلانها ذاك :
- شركة Gulf Oil Corp والتي كانت حائزة علي إحتكار إستخراج وإستغلال البترول بساحل كابيندا بواسطة فرعها شركة Cabinda Gulf Oil Corp .
- شركة ARGO Petroleum Corp. ومقرها بـ Los Angelos التي حازت في نهاية 1973 كل إمتياز الخليج البري لكابيندا .
- شركة Socieeda Portuguesa de Exploracao de Petroles Angolوهي فرع لـ Sacor .
- شركة ANSA وتمثل هذه الشركة مصالح جنوب أفريقيا .
- شركة CFP Comp. Franc .de Petroles – Total CAP .
- شركة PETROANGOL Comp . de Petrole d,Angola ) .
- شركة PET ( PETROFINA , Belgique 60% ” gouvernement Angolais ” 33%,Autres 6,2%)
- شركة Texaco .
وكانت الشركات التالية هي التي تقدمت بطلبات للحصول علي إمتيازات :
14 إمتياز لشركة Ashlandو22 إمتياز لشركةBritish Petroleum Development LTD و24 إمتياز لشركةCompangnie Francaise des Petroles – Total \ Angol و35 إمتياز لشركة Diversa و24 إمتياز لشركةDiversa International de Exploracao de Petroleos \ Angol و15 إمتياز لشركة Etosha Petroleum Company و17 إمتياز لشركة Ferjoma Importacao Exploracao Ltd و17 إمتياز لشركةGibraltar Angola Minerals Co. و28 إمتياز لشركة Mobile Oil Portuguesa و30 إمتياز لشركة Occidental و26 إمتياز لشركة Oceanic Exploration Co. و 9 إمتيازات لشركة Place Gas Oil Co. و13 إمتياز لشركةRimalpi و18 إمتياز لشركة Societa Planet Angola Oil Corp. و27 إمتياز لشركةSocieta Portuguesa de Exploracao de Petroles \ Angol و20 إمتياز لشركة Shell Portuguesa S.A.R.L و11 إمتياز لشركةStandard Oil Corp. و23 إمتياز لشركة Tenneco Angola Inc. و10 إمتيازات لشركة Ultramar Co . Ltd . و21 إمتياز لشركة Victor Manuel R. Vilhena Rebelo .
وهذه القائمة من شركات البترول العاملة بكابيندا وتلك التي حصلت علي ترخيص من سلطات الإستعمار البرتغالي توضح إلي أي مدي كانت كابيندا موطناً لإستثمارات غربية كثيفة , وتثبت التطورات اللاحقة فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية مع الحكومة الأنجولية التي تولاها بصفة منفردة حزب MPLA أن الإستثمارات الأمريكية والغربية كانت مُصانة في كابيندا بل وزادت .
لم تكن شركات البترول الأمريكية تمثل الحضور الأمريكي المبكر الوحيد في كابيندا , قبالإضافة إليه هناك وجود آخر لكنه ديني الطابع تمثل في المجلس البريسبتالي بكابيندا Conseil presbytéral de Cabinda وله إرتباطات وثيقة بأهم الكنائس الأمريكية وهي الكنيسة الـ Presbytéral, وقد قام هذا المجلس بتوجيه رسالة للرئيس الأنجولي Dos Santos في فبراير 1993 تضمنت إدانته والمجموعة المُوقعة علي الرسالة العنف الذي تمارسة القوات الأنجولية ضد السكان .
بطبيعة الحال فلم يكن غائباً عن الأمريكيين وهم يتابعون الصراع في كابيندا عن كثب إمكانية تعرض إستثماراتهم البترولية في أنجولا وكابيندا لخطر ما * ( صدر بيان عن حزب UNITA الذي تدعمه الولايات المتحدة بعد سيطرته عام 1993علي مدينةSoyo المتاخمة للحدود مع الكونجو كينشاسا تزامناً مع خطف 17 من العاملين الأجانب بالبترول تضمن الإشارة إلي أن قواته ستتجه من Soyo إلي كابيندا وستقوم بتخريب منشآت البترول هناك وهو ما حذرت الولايات المتحدة من مغبة فعله) علي الأقل لأنهم يعلمون أن حزب MPLA يتبني الفكر الماركسي اللينيني والإقليم مُعرض والحالة هذه لمواجهات بين عناصر المقاومة الكابيندية والقوات المسلحة الأنجولية , ولذلك وفي وقت مبكر إتصل الأمريكيين بحزب MPLA لتسوية هذا الأمر , والشاهد علي ذلك أن مصالح الولايات المتحدة في كابيندا بقيت ثابتة بل وفي ظل ما يمكن وصفه بحراسة الفيلق الكوبي الذي إجتاح الإقليم في مواجهة تهديدات زائير التي لم تطمح في البترول الكابيندي بقدر ما كانت تريد توسيع إطلالتها الضيقة علي المحيط الأطلنطي ولذلك ووفقاً لبرقية الخارجية الأمريكية المُشار إليها فقد كان أمام زائير ثلاث خيارات :
الأول إبتلاع كابيندا والثاني أن تكون حامي لكابيندا المُستقلة (علي غرار النموذج الجزائري مع البوليزاريو) والثالث حث البرتغال و/ أو أنجولا لمنح كابيندا وضعية خاصة , وكانت الولايات المتحدة وهي تؤسس لسياسة حيال كابيندا في هذا الوقت المبكر تضع في إعتبارها قدر الدعم والتأييد الذي سيحظي به الإنفصاليين الكابينديين وأنه بناء علي ذلك ستحدد الولايات المتحدة مسافتها الفاصلة عن القضية الكابيندية نفسها وبالتبعية المسافة التي بينها وبين طرفيها .
شاب العلاقات الأنجولية / الأمريكية بعض الغموض والإلتباس نتيجة إستمرار الحرب الأهلية الأنجولية 1975 – 2002 فقد تداخلت أدوارأطرافها وهي الأحزاب الرئيسيىة الثلاث المدعومة من القوي الدولية إبان الحرب الباردة 1945 – 1990 ومن ثم فقد كانت هناك إمكانية لأن تهدد الأعمال العسكرية المتبادلة فيما بينها الإستثمارات الأمريكية البترولية في داخل إقليم كابيندا , لكن وبنهاية الحرب الباردة تقدمت العلاقات الأمريكية / الأنجولية للأمام مما دفع وزيرة الخارجية الأمريكية Madeleine Albrightلزيارة كابيندا في إطار زيارتها لأنجولا في ديسمبر 1997, ومن هناك صرحت من أحد مواقع البترول التابعة لشركة Chevron بأن بترول كابيندا يعادل 7% من مجمل واردات الولايات المتحدة من البترول وهو أيضاً يعادل 3 مرات ما تستورده من الكويت في مستهل التسعينات , فإذا ما تصورنا أن الولايات المتحدة دخلت الحرب عام 1990 من أجل بترول الكويت فما هو موقفها في أنجولا – كابيندا ؟ .
بإنتهاء الحرب الأهلية في أنجولا بعد توقيع مذكرة تفاهم Luena Memorandum في 4 أبريل 2002 بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الامريكية / الانجولية لم يكن البترول الأنجولي فقط والذي أفاد George Person مدير أفريقيا والشرق الاوسط بوزارة الطاقة الأمريكية بشأنه اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية بمجلس النواب في جلسة إستماع في 20 أكتوبر 2005بأن إمدادات أنجولا منه للولايات المتحدة ستتضاعف في السنوات الخمس القادمة وأنه يمثل 4% من مجمل الواردات البترولية الأمريكية , لم يكن هو المكون الوحيد في العلاقات الأمريكية / الأنجولية , فهناك برامج العون الأمريكي لأنجولا من خلال USAID والتي بلغت في الفترة من 2002 حتي نهاية 2005 نحو 400 مليون دولار , يُضاف إلي ذلك الدور العسكري والأمني الذي يمكن أن تلعبه أنجولا – في إطار الإستراتيجية الأمريكية لأفريقيا – بما لديها من قدرة تمويلية ليس في الجنوب الأفريقي فحسب بل في منطقتي الوسط الأفريقي وخليج غينيا * ( إنتهز رئيس جمهورية غينيا الإستوائية Teodor Obiang Nguema فرصة زيارته لأنجولا بمناسبة مرور 30 عام علي إستقلال أنجولا في نوفمبر 2005 , ليطلب من القيادة الأنجولية دعماً عسكرياً لبلاده في مواجهة التهديدات الدائمة داخل بلاده وتحديداً إمكانية حدوث إنقلاب عسكري أو نشوب حرب أهلية , وعلمت وقتذاك من مصدر أنجولي أن هناك إحتمالاً قوياً بقبول أنجولا إرسال قوة في نهاية 2005 أو مستهل 2006 إلي مالابو تحت غطاء مد يد العون للرئيس Obiang للحفاظ علي الأمن في بلاده , وهكذا فعلت أنجولا لاحقاً في حالة زيمبابوي حيث تواترت معلومات في مارس 2007 عن دعمها للرئيس موجابي بقوة شبه عسكرية ونفت لواندا ذلك , كما أن حكومة أنجولا إعترفت علناً بدعم نظام الرئيس جباجبو في ساحل العاج وأعترف السفير الأنجولي في أبيدجان بذلك في تصريحات صحفية , وكان دور أنجولا في نطاق خليج غينيا مُتطابق مع الهدف الأمريكي المُتجه إلي حماية مصالحها البترولية مع دول خليج غينيا البترولية الثماني خاصة بعد أن إنضمت أنجولا عام للجنة خليج غينيا التي تضم هذه الدول ثم أصبحت مقراً لهذه اللجنة بموجب قرار أتخذه مؤتمر قمة رؤساء دول لجنة خليج غينيا في ليبرفيل في 25 أغسطس 2006 .
تابعت السفارة الأمريكية بلواندا عن كثب التحركات الأنجولية مع رئيس منتدي الحوار الكابيندي Bento Bembe ( رئيس منتدي الحوار الكابيندي FCD الذي إنشق عن جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC ووقع في أول أغسطس 2006 مذكرة تفاهم بشأن المصالحة والسلام في كابيندا مع الحكومة الأنجولية لا تخرج عن كونها حكماً ذاتياً ضيقاً للإقليم) بعد خروجه بطريقة ما من هولندا بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن مطالبة السلطات الهولندية بتنفيذ ما تضمنته مذكرة توقيف أمريكية صدرت في شأن تسليمه للولايات المتحدة له بإعتباره مطلوباً لدي السلطات الأمريكية لإقترافه عملاً إرهابياً بحق مواطن أمريكي كان يعمل بكابيندا , ففبل نحو إسبوعين من توقيع أنجولا لمذكرة التفاهم مع Bento Bembe أي في أول أغسطس 2006 , كانت لدي السفارة الأمريكية في لواندا فكرة مُسبقة عن هذه المذكرة فقد أشارت البرقية الصادرة عن السفارة الأمريكية في لواندا والمُؤرخة في 17 يوليو 2006 والمُسربة بواسطة WikiLeaks إلي النص النهائي لإتفاق سلام كابيندا Peace Accord بعد أن وُوفق عليه وُوقع في برازافيل من قبل الموالين للسيد Bembe وممثل الحكومة الأنجولية بإعتباره مذكرة تفاهم بشأن قضية كابيندا وأشارت هذه المذكرة إلي 6 مكونات للقضية أهمها ما يتعلق بالوضعية الإقتصادية والسياسية الخاصة لكابيندا , ونقاط أخري كمنح العفو عن العناصر العسكرية لجبهة تحرير جيب كابيندا ووقف العداءات ونزع سلاح الجبهة وخفض تواجد القوات الأنجولية في الإقليم ( وهي تزداد بالفعل بدون حاجة لإتفاق مع أي طرف) وإعادة دمج مسلحي الجبهة في مواقع مختلفة بالحكومة الأنجولية , وأوردت السفيرة الأمريكية في برقيتها المُشار إليها ما قاله وزير الإدارة المحلية Virgilio Fontes Pereira(والذي وقع علي المذكرة لاحقاً) بأنهم وصلوا في جهودهم بصدد الإتفاق إلي نقطة اللاعودة عن السلام , ثم أشارت السفيرة في برقيتها إلي أن التوقيع النهائي علي المذكرة سيجري في محافظة Namibe وسيعلن عن ذلك في وقته وهو ما حدث بالفعل , لكن يُلاحظ أن كل من وزير الإدارة المحلية Helder Vieira Dias ورئيس منتدي الحوار الكابيندي Antonio Bento Bembe وقعا بالفعل علي مذكرة التفاهم في برازافيل في 15 يوليو 2006 في ضيافة رئيس منظمة الإتحاد الأفريقي رئيس الكونجو Denis Sassou Nguesso بمعني أن ما جري في Namibe كان حفلاً للتوقيع تم مُسبقاً قبل التوقيع النهائي الذي حضرته بصحبة السفراء المعتمدين في لواندا في محافظة Namib بجنوب أنجولا في أول أغسطس 2006, لكن السفيرة الأمريكية سجلت ملاحظات مهمة علي ما تقدم فأشارت إلي أنه وبالرغم من أن مسألة الوضعية الإقتصادية والسياسية الخاصة لكابيندا كانت أحد مكونات ست بمذكرة التفاهم , إلا أن التفاصيل المتعلقة بهذه الوضعية ما زالت بعد غير مُحددة , ونقلت عن الوزير Pereira قوله بأن ” أن الوضعية لا تشير إلي نهاية للمحادثات , ” لكنها أداة تؤكد التنمية بالإقليم ” , ونقلت السفيرة عن الصحيفة الحكوميةJornal de Angola إشارتها إلي أن رئيس منتدي الحوار تقدم ببعض الطلبات بشأن مسألة الوضعية الخاصة لكن الحكومة الأنجولية رأتها غير ممكنة دستورياً , وبالطبع ففي تقديري أن ما قاله الوزير Pereira يؤكد أن الوضعية الخاصة ستظل غامضة لأنها غير مُحددة , ومن المثير للتأمل أن Jornal de Angola أشار إلي أن الحكومة ومنتدي الحوار الكابيندي سيوقعان في 17 يوليو 2006 إتفاقاً لوقف إطلاق النار بكابيندا , ووجه الإثارة أن منتدي الحوار الكابيندي لا نشاطاً عسكرياً ملموساً له بكابيندا وناله الضعف بإعتباره ذراعاً سياسياً لجبهة تحرير جيب كابيندا – القوات المُسلحة لكابيندا FLEC-FAC نتيجة إنقسامه عن هذه الجبهة .
كان الإهتمام الأمريكي والمتابعة الحثيثة من قبل السفارة الأمريكية بلواندا لهذه التطورات واضحاً فقد أشارت شبكة IBINDA التابعة لجبهة FLEC في 20 يونيو 2006 إلي أن منتدي الحوار الكابيندي بقيادة المُنشق Antonio Bento Bembe يحييCynthia Efierd السفيرة الأمريكية بلوندا لإعلانها الموقف العلني الرسمي للولايات المتحدة بالثناء علي الإنخراط في عملية البحث عن السلام في كابيندا .
أصدرت الخارجية الأمريكية في اليوم التالي لتوقيع مذكرة السلام والمصالحة في كابيندا بياناً تضمن توجيه التحية لتوقيعها واصفاً التوقيع بأنه أمر ذا مغزي في إطار الترويج للسلام والمصالحة في أنجولا وأن الولايات المتحدة تأمل في أن تُحاط علماً بتفاصيل المذكرة , وفي الواقع وطبقاً لما كان لدي من معلومات من مصادر مختلفة من كافة الأطراف الأنجولية والأجنبية فإن السفارة الأمريكية كانت علي علم دقيق ومنتظم بتطورات المحادثات مع Bento Bembe كما أن سفارتها في باريس كانت علي علم بموقف جبهة FLEC ” أو جمهورية كابيندا في المنفي ” في باريس ورأي رئيسها Nzita Henriques Tiago وما يتعلق بالوضعية الخاصة لكابيندا وبتنفيذ بعض مكوناتها , من جهة أخري أشار مدير شئون الجنوب الأفريقي بالخارجية الأمريكيةDan Mozena في جلسة إستماع بالكونجرس في الأسبوع الثالث من أغسطس 2006 إلي أن إتفاق سلام في كابيندا من شأنه أن يعزز السلام في أنجولا والمنطقة , بل إن شركة Chevron أيضاً كانت علي علم مسبق بالإتصالات التمهيدية بين حكومة أنجولا و Antonio Bento Bembe رئيس منتدي الحوار الكابيندي المُنشق , ولذلك لم يكن ما أعلنه مديرها في 26 مارس 2006 من أن شركته رصدت مليار دولار للتنمية في كابيندا أمر غير مُتوقع أو تم بمعزل عن هذا الإتفاق خاصة وأن تصريح مدير Chevron يعد من التصريحات النادرة لهذه الشركة فيما يتعلق بقضية كابيندا بل وسياسات الحكومة الأنجولية لأسباب معظمها مفهوم , لكن تزامن تصريح مدير Chevron مع الإتصالات التمهيدية علي التوقيع علي مذكرة التفاهم والتي كانت تجريها حكومة انجولا مع Antonio Bento Bembe في هولندا بعد أن تسلمته من السلطات الشرطية الهولندية بتعاون أمريكي ثم في برازافيل والتي أدت في النهاية إلي توقيع مذكرة تفاهم المصالحة في كابيندا في الأول من أغسطس 2006 بمدينةNamib أقصي جنوب أنجولا يعني أن شركة Chevron معنية بهذه الخطوة السياسية مباشرة , وعلي كل حال فقد كان الموقف الأمريكي واضحاً إلي حد كبير في التصريحات التي أدلت بها سفيرة الولايات المتحدة لدي أنجولا السيدة CYNTHIA EFIRD في شأن القضية الكابيندية ومن أهم تصريحاتها :
* التصريح الذي أدلت به في مارس2006 الذي أشارت فيه إلي أن الصراع في كابيندا يمكن أن يُحل لو قُطع العون الخارجي ( عن جبهة تحرير جيب كابيندا) وجري التفاوض مع منظمات شرعية .
* التصريح الذي أدلت به في 12 يونيو 2006 أثناء حضورها حفل تنصيب أسقف كابيندا الجديد (الذي ترفضه كنيسة كابيندا وجبهة FLEC) بأن الإدارة الأمريكية منخرطة في البحث عن السلام في كابيندا مُشددة علي ضرورة رفض العنف خاصة من قبل منظمات المجتمع المدني (تقصد منظمة Mpalabanda المدعومة من كنيسة كابيندا) ورفضت السفيرة لدي سؤالها الإتهامات المُوجهة لبلادها ومفادها أن الإهتمام الأمريكي بكابيندا مؤسس علي إنتاجها لنحو 75% من الإنتاج البترولي لأنجولا , ذلك أنها أوضحت أنه ومن أجل إنتاج مستقر من البترول فمن الضروري حيازة السلام والمصالحة والديموقراطية معاً وأردفت قولها ” أنه لا تنمية بدون سلام ” .
من جهة أخري أوصت السفارة الأمريكية بلواندا ببرقيتها المؤرخة في 30 يونيو 2006 والتي سُربت عن طريق WikiLeaks بالتأكيد علي السياسة الأمريكية الثابتة حيال القضية وهي دعم الحل السياسي الذي يحفظ التكامل الإقليمي لأنجولا ويشجع العمليات الديموقراطية ويحترم حقوق الإنسان وأن أي حل يجب أن ينتج عن عملية تفاوضية لا عن العنف .
إذن من الواضح طبقاً لما تقدم أن موقف حكومة الولايات المتحدة من الصراع في كابيندا يتجه إلي تبني وجهة نظر الحكومة الأنجولية ومن ثم فالصراع في كابيندا لا يحتاج والحالة هذه لتدخل أمريكي أو دوليمباشر أو غير مباشر , بل إن الولايات المتحدة التي أصدرت خارجيتها تقريراً عن مركز حقوق الإنسان في أنجولا دافعت سفيرتها هناك عنه في تصريح لها نشرته الصحافة المحلية بلواندا في 21 مارس 2006 أشارت فيه إلي أنها تحدثت مع حاكم كابيندا (حيث معظم إنتهاكات حقوق الإنسان) عن قضايا حقوق الإنسان وأنه أفادها بأنهم في حاجة لتكوين كوادر في مجال التحقيق الجنائي (؟) وأنه وفي هذا الإطار سيتوجه شرطيون أنجوليون لبتسوانا للتأهيل في هذا الشأن (؟) , وأضافت في موضع آخر أن هناك تحسناً في مركز حقوق الإنسان في أنجولا وأشارت إلي إجازة الحكومة الأنجولية لمعاهدتين ضد الفساد كدليل علي ذلك التحسن , ولهذا فالموقف الامريكي في حالة أنجولا / كابيندا يختلف عن الموقف الأمريكي من بعض القضايا الدولية الأخري , أما فيما يتعلق بمذكرة التفاهم التي وقعتها حكومة أنجولا بشأن السلام في كابيندا فإن التحفظ الأمريكي الوحيد في شأنها يتعلق بمدي شمول مضمون هذه المذكرة لأطراف عملية السلام الأنجولية في كابيندا , فالولايات المتحدة تري أنه ولتحقيق سلام مستقر في الإقليم فإن هناك ضرورة لأن تشمل عملية السلام به القوة الفاعلة بالإقليم وهي تحديداً جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC وكنيسة كابيندا ومنظمة Mpalabanda , وإتساقاً مع هذه الرؤية الأمريكية للصراع فلم تدرج الخارجية الأمريكية جبهة تحرير جيب أنجولا – القوات المسلحة لكابيندا FLEC/FAC حتي 30 سبتمبر 2015علي قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية , ولهذه النقطة دلالة مهمة علي الموقف الأمريكي في عمقه الحقيقي , فالموقف الأمريكي من الصراع في كابيندا لا يقتصر علي عملية السلام التي تضطلع بها الحكومة الأنجولية إذ أن المصالح الأمريكية في الإقليم لكثافتها تتطلب من الولايات المتحدة تناول عملية السلام من منظور المصالح العليا للولايات المتحدة بغض النظر عن الإتفاق أو عدم الإتفاق مع المدخل الأنجولي , وسأسوق مثالين عن الموقف الأمريكي من تنمية إقليم كابيندا قد يُستدل من خلالهما علي وجود قدر من الإختلاف بين النظرة الأمريكية والنظرة الأنجولية فيما يتعلق بتنمية بكابيندا .
إن توافق الرأي بين أنجولا والولايات المتحدة في شأن تنمية كابيندا كسبيل لمواجهة قوي التمرد الكابيندي مُمثلة في جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC كان في نفس الوقت تطويراً وترجمة حقيقية لمستوي غير مسبوق لمجمل العلاقات الثنائية الأنجولية الأمريكية , فبقدر ما كانت الولايات المتحدة غير مُتحمسة لعقد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار أنجولا , بقدر ما كانت واعية بحجم مصالحها البترولية في كابيندا والتي كانت ومازالت في نفس الوقت مصلحة مُشتركة مع أنجولا , ولذلك نجد سفيرة الولايات المتحدة لدي أنجولا تصرح لصحيفة Jornal de Angola الحكومية في مقابلة معها نُشرت في 15 يناير 2006 تشير إلي ” أن بلادها ستتعاون مع أنجولا خلال 2006في حل المشاكل الأفريقية وتمتين السلام في أنجولا ووسط أفريقيا وأن التعاون الأمريكي الأنجولي يسير في إتجاهين مختلفين إزاء ما يتعلق بالعملية الديموقراطية في أفريقيا وأنجولا , وأن الولايات المتحدة تأمل في نجاح المفاوضات بين أنجولا وصندوق النقد الدولي عام 2006(عُلقت هذه المفاوضات بقرارأنجولي فيما بعد لتشدد الصندوق) وأن الأكثر أهمية من عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار أنجولا عقد مؤتمر للمستثمرين الأنجوليين والأجانب ” , ومما يشير إلي عدم الإقتناع الأمريكي بمبررات أنجولا لعقد هذا المؤتمر ما صرحت به السفيرة الأمريكية لدي أنجولا لإذاعة صوت أمريكا في يناير 2006 عندما أشارت إلي إستعداد الولايات المتحدة لتقديم عون مالي للتحضير للعملية الإنتخابية في أنجولا فيما لو طلبت السلطات الأنجولية ذلك وأوضحت أن هذا الدعم سيُوضع في متناول الأمم المتحدة أو أي منظمة دولية أخري لمواجهة متطلبات العملية الإنتخابية الأنجولية (المُختلف آنئذعلي تاريخ عقدها) , وبطبيعة الحال كان تقديري وقتذاك أن تصريح السفيرة الأمريكية ما هو إلا لإرواء ظمأ أحزاب المعارضة الأنجولية خاصة حزبي UNITA وFNLA لتداول حقيقي للسلطة في أنجولا التي يحتكرها حزب MPLA منذ 1975 للآن ولو بدفع أمريكي , كما أن هذا التصريح يخدم في الترويج لإدعاء أمريكي متكرر ومطلي بألوان جذابة عن أن واشنطن مع إنتقال وتداول حقيقي للسلطة في أنجولا بل وأي بلد أفريقي آخر , والدليل علي القدر الكبير من الزيف في الإدعاء الأمريكي أن الولايات المتحدة نفسها رفضت طلباً متزامناً أسر به رئيس جمهورية بنين للسفير الأمريكي في كوتونو برغبته في دعم مالي من الولايات المتحدة لتنظيم إنتخابات الرئاسة البينينية , وبررت الولايات المتحدة رفضها لذلك الطلب البينيني بإعتبارها إياه شأناً داخلياً , علي حين بادرت هي أي الولايات المتحدة بعرض دعمها المالي للعملية الإنتخابية الأنجولية في هذه الآونة , وفي الواقع فإنه ولكي نتجنب تفاصيل سلسلة طويلة من التناقضات الأمريكية فيما يتعلق بالموقف الأمريكي الحقيقي والإنتقائي فيما يتعلق بالديموقراطية كمبدأ , علينا أن نطمئن لحقيقة أمريكية تعتبر مؤشراً لإتجاه الإدارات الأمريكية المُتعاقبة في هذا الشأن وهي أنه بإستنزال المصالح الأمريكية علي أرض الواقع فإنه سيكون من اليسير وصف الموقف الأمريكي من الإنتخابات الأنجولية والبنينية وغيرهما بالمصلحية والبراجماتية فالبترول الأنجولي له صلة بتركيبة الموقف الأمريكي في الحالتين , ووثائق الأمن القومي الأمريكي لا تخفي ذلك بالمرة فهي تُعلي من قيمة المصالح الإستراتيجية الأمريكية وأن دونها كل شيئ .
الموقف الأمريكي من تسوية قضية كابيندا بالرغم من أنه بوجه عام موات لإستراتيجية الحكومة الأنجولية إلا أنه يعبر عن إرادة أمريكية غير مُكتملة عمداً لإبقاءه عند مستوي ما من التسخين , فالولايات المتحدة أميل إلي تسكين الصراع بكابيندا مع تحييد وليس إلغاء خطر جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC والتي لها إتصالات محدودة مع الجهات المعنية بالإدرة الأمريكية , لذلك فالصراع الكابيندي / الأنجولي مازال من وجهة النظر الأمريكية مفتوحاً حتي وإن إعتبرنا أن الولايات المتحدة تتفق مع وجهة النظر الأنجولية في تسويته علي غرار النموذج البرتغالي في إدارة جزيرتي des Açores وMadère البرتغاليتين علي أساس من تمتعهما بوضعية خاصة , فالسفيرة الأمريكية بلواندا صرحت – كما سبقت الإشارة – علناً تعليقاً علي توقيع الحكومة الأنجولية وفصيل Bento Bembe المُنشق عن جبهة تحرير جيب كابيندا بأنه من الملائم شمول الإتفاق لجبهة FLEC وهو منطق معقول في كل الأحوال لكن الإدارة الأمريكية تعلم أن الحد الأدني للمطالب الكابيندية التي تجمع عليها القوي الثلاث الفاعلة في الإقليم وهي جبهة FLEC وكنيسة كابيندا ومنظمة Mpalabanda تتراوح ما بين الحكم الذاتي المُوسع وهو خيار شبه مُستبعد حالياً أو ممارسة تقرير المصير أو الإستقلال وهو ما ترفضه منذ ما قبل نوفمبر 1975 القوي السياسية الرئيسية في أنجولا علي رأسها حزب MPLA الحاكم , ويكفي تأمل الموقف السلبي لشركتي Chevron الأمريكية و Total الفرنسية من مشروع الجسر الرابط لكابيندا بأنجولا لإستنباط الرؤية الأمريكية والفرنسية الحقيقية للصراع في كابيندا , ومعلوم القوة المُؤثرة دائماً والمُوجهة أحياناً لجماعتيLobby الضغط البترولية في الولايات المتحدة وفرنسا إلي الحد الذي يمكنهما من المشاركة في رسم أغلب السياسات الإستراتيجية بل والمشاركة في صنع بعض القرارات الكبري (ويعبر عن ذلك كما لم يُعبر من قبل حالتي الغزو الأمريكي للعراق 2003وحالة الغزو الأمريكي / الفرنسي (للناتو )– بشكل رئيسي – لليبيا في19 مارس 2011 .
نــــتــــيــــجـــة :
تطورالموقف الأسباني مدعوما بالتحول الواضح في الموقف الأمريكي ومعه مواقف دول أوروربية رئيسية مثل فرنسا وألمانيا وهولندا بالإضافة إلي ترحيب المفوضية الأوروبية (EC) بالتحول في سياسة إسبانيا قائلة إنه حل “جاد وموثوق وواقعي” لقضية استمرت لعقود حتى الآن يعني أن التأييد الدبلوماسي وهو مهم لوجهة نظر المغرب بشأن النزاع علي الصحراء أصبح له ثقل مهم بالمواقف الأمريكية والأسبانية والألمانية والفرنسية , وقد دعمت المفوضية الأوروبية هذه الخطوة لأنها تحسن الشراكة الأوروبية إلي تغير موقف دولة كأسبانيا ذات علاقة تكاد تكون حيوية لهذه القضية , وهناك إشارة واضحة لتحول أفرقي في الموقف إزاء قضية الصحراء فدولة رائدة في غرب أفريقيا كالسنغال يرافقها غانا وزامبيا مع عودة الدبلوماسية للإتحاد الأفريقي كل ذلك يدل علي أن خطة الحكم الذاتي هي الخيار “الأكثر جدية ومصداقية وواقعية” في نظر هذه الدول أو علي الأقل الخيار الذي سيتم إعتماده دولياً لتسوية مثل هذا النزاع الذي يصب في تحقيق محدود لفكرة وحدة الأراضي والأوطان العربية والإسلامية وهي فكرة لاتقارن في جدواها زمعناها المثالي والرمزي فكرة التشرذم والتفتت التي تميز علاقات العالمين العربي والإسلامي .
حققت المغرب علي حساب القضية الفلسطينية نجاحاً في القضية المركزية لديها : الصحراء , وهناك من يجادل بأن تطبيع علاقات المغرب مع الكيان الصهيوني الذي يبدو وأنه كان الشرط الوحيد لإعلان الولايات المتحدة إعترافها بمغربية الصحراء كان سيحدث لأسباب أخري أقل أهمية من قضية الصحراء , لكن في الواقع فإن التزامن بين الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وإنتقال الموقف الإسباني من خانة الحياد إلي خانة الإعتراف بشكل غير مُكتمل بمغربية الصحراء يعد إنتصاراً مهماً للمغرب من المتوقع أن يُبني عليه موقف جزائري واقعي أو مختلف ذلك أن قضية الصحراء مُكلفة إقتصادياً ودبلوماسياً علي الجانبين الجزائري والمغربي وآن أوان حذف هذه التكلفة غير المُبررة علي الجانب الجزائري الذي لن يجني فائدة مثمرة من هذا النزاع غير إقامة دولة هشة ضعيفة تعتمد أيضاً في حال إقامتها علي الخزانة الجزائرية وهو تصور أصبح إفتراضياً إلي حد بعيد الآن .
من المتصورأن الموقف الأمريكي كان له رافدان هما (1) الكيان الصهيوني نفسه الذي لم تجف بعد مسالكه منذ أن كانت المغرب محطة للإتصالات السرية المُمهدة لإتفاق السلام المصري / الصهيوني التي إضطلع بها الراحل حسن التهامي نائب لرئيس الوزراء برئاسة الجمهورية قبل عام 1979 (2) نخبة الجالية اليهودية المغربية ذات القدرات العالية والتي تتمتع بنفاذ وقدرة علي الوصول وبكفاءة لمراكز إتخاذ القرار في الولايات المتحدة وأسبانيا وغيرهما , وهذه النخبة كانت عونا ووُظفت في خدمة الدبلوماسية المغربية قيل نشؤء النزاع علي الصحراء وبعده وفي خدمة قضية الصحراء وغيرها , ومن اليسير علي المملكة المغربية توظيفها في الأغراض المغربية طالما كانت متاحة وفي المتناول وإلا لما كان للجالية اليهودية في المغرب أي مبرر للوجود علي أرض المملكة الشريفية المغربية . كما سبق أن أشرت فإن صراعاً كالذي في أنجولا(حالة جيب Cabinda )يظهر إلي أي مدي نجحت أنجولا علي فرض عدم تدخل أطراف خارجية فيه دبلوماسياً منذ تنفجره في نوفمبر 1975وفي مقدمة هذه الأطراف الولايات المتحدة ويليها فرنسا التي تستضيف حكومة Cabinda في المنفي , ويُضاف إلي هذين الرافدين رافد ثالث هو رافد رجال الأعمال الأمريكيين وهو رافد ضاغط ومُؤثر علي مُتخذ القرار في البيت الأبيض خصوصاً لو كان جمهورياً كما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فالصحراء الغربية مفعمة بالفرص الإقتصادية في مجالات الفوسفات والبوتاس والبترول والصيد البحري والسياحة الصحراوية وهي فرص قيمة لكبار رجال الأعمال الأمريكيين يُمكن أن تُنتهز نتيجة تسوية نزاع كنزاع الصحراء ووجود فرص إقتصادية كهذه في كنف دولة مؤسسية قوية كالمملكة المغربية أفضل من لو كانت نفس هذه الفرص في جعبة دولة ضعيفة وهشة وإعتمادية علي غيرها كالجمهورية العربية الصحراوية , كما عرضت هي نفس الفرص تقريبا المُتوافرة في Cabinda والتي وفرت حكومة أنجولا معظمها للمستثمرين الغربيين .
إن تسوية النزاع في الصراع الآن متاحة كما لم تُتح من قبل والأفضل لأهل الصحراء عدم الإلتفات للصرخات الجهوية العرقية والإندماج في أحضان دولة مؤسسية قديمة تعي أهمية التنمية والتطوير للمجتمع الصحراوي الذي له صلات روحية وثقافية قديمة مع المغرب منذ عهد المرابطين حتي أيامنا هذه بدلاً من أن تكون شبه دولة تتنكب خطي دولة أخري تعتمد عليها وتخترقها ولن تترك لها حيز ما لإستقلال مزعوم , وأخيراً فنحن أمة عربية وإسلامية نتوق للوحدة كما كنا في الأزمنة المزدهرة وتسوية نظزاع الصحراء سانحة لنري ونعيش مجدداً ونستعيد نعم الوحدة والإندماج المجتمعي فكلنا عرب ومسلمون ., وقد حان الوقت لكي تنمج الدبلوماسيتين الجزائرية والمغربية للدفاع وتناول قضايا تخدم الشعوب والناس لا أن تستخدمهم ككعب أخيل .
الـــــــســــــفــــيــــر : بـــــــلال الــــمــــصـــري –
حصريا المركز الديمقراطي العربي –الــقــاهــــرة تـحريـــراً في 29 مارس 2023