الدراسات البحثيةالمتخصصة

لــمــحة عــن القيادة الأمريكية العسكرية لأفريقيا

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

يحسن إلقاء الضوء علي بدايات الإهتمام الأمريكي عقب الحرب العالمية الثانية بما هو خارج نطاق الولايات المُتحدة فهي الفترة التي تم فيها التوجه لإنشاء أولي القيادات العسكرية الست من جهة كما انه وبعد أن وضعت هذه الحرب أوزارها بدأت السياسة الخارجية الأمريكية التوجه  للخروج إلي العالم غير مُتشحة بغلالة الحياد التي لازمتها زمناً لمواجهة المد الشيوعي إنطلاقاً من المكانة التي إكتسبتها من خلال قيادة جيوش الحلفاء , وبدأت السياسة الأمريكية في التوجه نحو العالم بهذه الروح  ويمكن تتبع ذلك من خلال عدد كبير من التحركات والتصريحات الرسمية الأمريكية , وهناك عدد من الأمثلة منها الدعم الأمريكي لإقتصاد أوروبا من خلال مشروع مارشال والدعم الغربي والأمريكي لإيران عام 1946  للتخلص من قوات الإحتلال السوفيتي للولايات الشمالية بإيران وتقديم العون والدعم الأمريكي الإقتصادي والعسكري لكل من تركيا واليونان ثم الحرب الكورية عام 1952 ودعم المخطط البريطاني لتعزيز المقدرة الدفاعية لدول الشرق الأوسط من خلال إنشاء قيادة لهذا النظام الذي إستهدف ” معاونة دول هذه المنطقة في إعداد العدة لمقاومة العدوان السوفيتي ” * ( سياسة أمريكا الخارجية في عام 1952 . مكتب الشئون العامة في واشنطن .مارس 1952 . صفحة 40) , كما جاء برنامج ” النقطة الرابعة الذي أشار الرئيس /  H.Truman له في حديثه للشعب الأمريكي في يناير 1952 والذي عرفه بأنه ” ” لنمكن غيرنا من مشاركتنا في المعرفة التي أوتيناها والخبرة الفنية التي إكتسبناها وتطبيقها بروح التعاون وهو برنامج طويل الأمد وأنه عامل كبير الشأن في توفير أسباب السلامة والأمن للولايات المتحدة وبقية اجزاء العالم الحر ” * ( المرجع السابق . صفحة 46)  ومن أجل تحقيق إستراتيجية الأمن الجماعي التي بُني عليها مبدأ Trumanإرتبطت الولايات المتحدة بإتفاقيات دفاعية مع 42 دولة ولذلك فقد تضمن تطبيق مبدأ Truman برنامج للأمن المُتبادل بين الولايات المتحدة وعدد من الدول تضمن برنامجين للمساعدة العسكرية والإقتصادية معاً  , كما تقدمت الولايات المتحدة بمشروع Eisenhower الذي أعلنه الرئيس الأمريكي أمام الكونجرس في 5 يناير 1957 وأشار إلي ما نصه ” أن معظم دول الشرق الأوسط كانت في الماضي في حالة تبعية لبريطانيا وفرنسا , وأن الولايات المتحدة الأمريكية تري أن أمن منطقة الشرق الأوسط كان مكفولاً في الماضي بوجود هذه التبعية , ولكن الحركات الإستقلالية التي تجتاح اليوم منطقة الشرق الأوسط والتي تقضي علي هذه التبعية تستدعي من وجهة النظر الأمريكية إعادة النظر في أمن المنطقة علي ضوء التطورات الجديدة ” , وكان كل ذلك وغيره أولي الإختبارات الميدانية لإستراتيجية المواجهة التي تبنتها العسكرية والسياسة الخارجية الأمريكية معاً لوقف وردع المد الشيوعي .

لم تكن أفريقيا مُستثناة أو خارجة عن نطاق إهتمامات الولايات المتحدة لكنها كانت تشغل أولوية غير متقدمة من الوجهة الإستراتيجية لكنها من جهة أخري لم تكن مُهملة بالقطع , وكانت أول بعثة رسمية أمريكية توجهت لأفريقيا هي بعثة رئاسها / فرانسيز بولتون قامت بزيارات لدول في جنوب وجنوب شرقي الصحراء وإستغرقت هذه الزيارات الفترة من سبتمبر حتي ديسمبر 1955 , ورفعت تقريرها للجنة الشئون الخارجية في الكونجرس الأمريكي في أواخر يوليو 1956 وتضمن هذا التقرير شرحاً لإهتمام الولايات المتحدة المُتزايد بأفريقيا من الناحية الإقتصادية وأشار التقرير إلي أن للولايات المتحدة أهداف عامة في أفريقيا أهمها :

  • – الرغبة في تطوير أفريقيا علي نحو غير مُعاد للطابع الديموقراطي لنظم الحكم الأمريكية .
  • – إستبعاد كل المؤثرات غير الودية لطريقتنا في الحياة  .
  • – الأمل في الإستحواذ علي المواد الخام بهذه القارة لتأمين حاجاتنا الإستراتيجية .
  • – ممارسة الولايات المتحدة لقيادة أدبية ومعنوية في أفريقيا .

مضي تقرير بولتون يشرح أوجه النشاط الأمريكي في أفريقيا ومنها ما يتعلق بالإستثمار رؤوس الأموال الأمريكية فيها والتي بلغت حتي نهاية 1954 حوالي 644 مليون دولار والقواعد الأمريكية الإستراتيجية والمواد الخام الإستراتيجية .

كانت بعثة نائب الرئيس الأمريكي R. Nixon هي البعثة الرسمية الثانية لأفريقيا وكانت في مارس من عام 1957  وزار فيها كل من المغرب وغانا وليبيريا وأوغندا وإثيوبيا والسودان وليبيا وتونس , وقد أشارت جريدة New York Times في عددها بتاريخ 28 فبراير 1957 أن هذه الزيارة تشير إلي إهتمام الولايات المتحدة الشديد بالقارة الأفريقية , وأن من مظاهر هذه الإهتمام إتجاه الإدارة الأمريكية إلي إنشاء إدارة مُنفصلة خاصة بالشئون الأفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية بعد أن كانت هذه الشئون من إختصاص إدارة الشرق الأدني وجنوب آسيا وأفريقيا , نقلت New York Times في عددها بأول مارس 1957 نصريحات لنائب الرئيس/ R. Nixon أشار فيها إلي ” أن مستقبل أفريقيا السياسي سيكون عنصراً حاسماً في صراع العالم الغربي مع الشيوعية ” وأشار / R. Nixon إلي أنه جري الإتفاق حول القواعد العسكرية الأمريكية في هذه البلدان ولاسيما في المغرب وإثيوبيا وليبيا , وبالرغم من التشجيع الذي لقيه / Nixon في ليبيا فيما يتعلق بمشروع Eisenhower إلا أن عقبيتين كبيرتين كانتا تقفان أمام التقارب في وجهات النظر بين الولايات المتحدة ودول الشمال الأفريقي وهما مشكلتا الجزائر وفلسطين , ومع ذلك إستطاع نائب الرئيس / Nixon التفاهم مع الملك / محمد الخامس بشأن القواعد الأمريكية الموجودة بالمغرب والتي كانت نتيجة للإتفاقيات الفرنسية / الأمريكية عام 1951 حين كانت المغرب محمية فرنسية ,  أما في إثيوبيا فقد تناولت مباحثات Nixon مع الإمبراطور / هيلاسيلاسي موضوع إنشاء مركز المواصلات الجوية التي كانت الولايات المتحدة تزمع إقامتها هناك , أما بالنسبة لموضوع مشروع Eisenhower فبالرغم من الترحيب الإثيوبي به إلا أن الإمبراطور أكد لنائب الرئيس / Nixonأنه كان دائماً راغباً في التعاون مع الولايات المتحدة ولكن علي أساس من المساواة , أما في السودان فلم تؤت زيارة  Nixon ثمارها بسبب الموقف المتحفظ من مشروع Eisenhower بالرغم من أن الحكومة السودانية لم تكن علاقاتها بمصر إيجابية .

إستمرت الإتصالات الأمريكية مع أفريقيا علي هذا النحو تؤثر فيها أجواء الحرب الباردة والروح التنافسية بين القوتين الأعظم , وفي هذا الإطار و خلال عام 1981 إستقبل الرئيس الأمريكي / R . Regan في واشنطن 15 رئيس دولة أفريقية أثار خلال مباحثاته معهم مسائل متعلقة بالعلاقات الثنائية وبعض القضايا الدولية , وفي يناير 1982 قام وزيرا التجارة / Malcolm Baldrge  ووزير الزراعة / John Block الأمريكيين في إطار بعثة تجارية شملت أربع دول أفريقية هي ساحل العاج ونيجيريا والكاميرون والمغرب , ثك وبعد ستة أشهر قامت المندوبة الأمريكية الأمريكية لدي الأمم المتحدة / Jeane Kirkpatrick بجولة إستغرقت ستة أيام توجهت خلالها إلي السنغال وبوروندي وتوجو وزائير (الكونجو الديموقراطية حالياً) ورواندا , وتصاعد إهتمام إدارة الرئيس / Regan حتي أنه أوفد نائبه / George Bush  الأب في نوفمبر 1982 لزيارة سبع دول أفريقية هي الرأس الأخضر والسنغال ونيجيريا وزيمبابوي وزامبيا وكينيا وزائير ( الكونجو الديموقراطية حالياً) تشكل إهتماماً خاصاً في حينه للإستراتيجية الأمريكية إزاء أفريقيا , وكانت الولايات المتحدة في عهد الرئيس / Regan تحاول الولوج إلي أفريقيا وتحقيق إختراق للرتابة التي شابع العلاقات الأفريقية / الامريكية حتي أن وزير الخارجية / George Shultz أعلن عن تنفيذ ” مبادرة السياسة الإقتصادية ”  وهو عبارة عن برنامج حكومي أمريكي للتغلب علي الجوع الذي تعاني منه شعوب عدة دول أفريقية بسبب الجفاف لتعويض إنخفاض الإنتاج الغذائي بهذه الدول بنسبة 20% في الأعوام العشرين الماضية * (L,Afrique et les Etats Unis – Un Dialogue Permanent . Agence Americaine D,Information et de Relationss Culturelles .April 1984 ) , وبالإضافة إلي العلاقات الأمريكية مع رؤساء الدول الأفريقية فقد حرصت الولايات المتحدة علي بناء علاقات مع منظمة الوحدة الأفريقية وبعد تطورها لتصبح الإتحاد الأفريقي وكذلك مع المنظمات الأفريقية المختلفة مثلECWAS  وSADC وCOMESA و غيرها , وقد ظلت وتيرة العلاقات الأمريكية الأفريقية تتطور داخل إطار لا علاقة له بالطابع العسكري إلي أن بدأ عهد الرئيس الامريكي / B. Clinton الذي إتجه إلي إحداث تطبيقات إستراتيجية أمريكية وإسقاطها علي أفريقيا ولعل أهمها التغيير في تقسيمات الكتل الجغرافية الأفريقية بوضع تصور لتشكيل ما عُرف بالقرن الأفريقي الكبير Great Horn of Africa والذي كان فصل جنوب السودان عن السودان جزءاً منها وهو تغيير أقرب ما يكون إلي الفكر العسكري .

هناك بداية مبكرة للمقاربة العسكرية الأمريكية لأفريقيا يمكن تتبعها من واقع مؤتمر نيروبي سنة 1951 ثم في مؤتمر داكار سنة 1954 فقد هدفت الدول الغربية الداعية للمؤتمرين إلي تنسيق السياسات الدفاعية للدول الأفريقية والدول الغربية لمواجهة الخطر الذي مصدره الشمال , ثم وفي تطور نوعي دعا الدكتور / D. F. Malan رئيس إتحاد جنوب أفريقيا بمشروع تضمن تكوين منظمة دفاعية تتعاون مع الدول الغربية لمواجهة الخطر الشيوعي , ثم وفي مؤتمر الكومنولث البريطاني عام 1954 إقترح وزير دفاع إتحاد جنوب أفريقيا عقد حلف بين بلاده والدول الأوروبية ذات المصالح في أفريقيا بهدف الدفاع عن ممتلكاتها الأفريقية ومقاومة التسلل الشيوعي إلي القارة , ثم كرر إتحاد جنوب أفريقيا دعوته تلك في مؤتمر الكومنولث في عام 1955 , لكن المؤتمر فشل في إتخاذ قرار حاسم بصدد المشروع , وأوعزت حكومة جنوب أفريقيا إلي الصحف بها للترويج لفكرة غنشاء مجلس للدفاع عن أفريقيا وكان من المنتظر دراسة هذا المشروع في مؤتمر يُعقد في أغسطس 1956 إلا ان أزمة تأميم قناة السويس صرفت الأنظار عنه , لكن فكرة الحلف الدفاعي ظلت ذات جاذبية  للغرب وللولايات المتحدة  حتي أن / R. Nixon نائب الرئيس الأمريكي أشار في تقريره عن جولته الأفريقية في مارس 1957 إلي ما نصه ” إن الشعوب الأفريقية التي تتحرر من الإستعمار لتدخل مرحلة الحكم الذاتي يمكنها أن تبرهن علي انها عامل هام في النزاع بين الشيوعية العالمية وقوي الحرية , إن أفريقيا تنجب زعماء عظام مثل رئيس وزراء غانا وإمبراطور إثيوبيا ورئيس جمهورية ليبيريا و… و…  , ومن الحيوي أن يقوم العالم الحر بمساعدتها ” , غير أن الدعوة لقيام حلف دفاعي أفريقي واجهت صعاب متعددة منها مثلاً أن أفريقيا كانت منقسمة علي نفسها وهي مقبلة علي مرحلة التحرر الوطني من ربقة قوي الأإستعمار التقليدي الذي لم يكن من المُستساغ أن تدخل معه الدول الأفريقية الناشئة في حلف هذه هي طبيعته وإلا كان قد أنتفي مبرر مرحلة الكفاح الوطني ضد الإستعمار الذي سام هذه الشعوب سوء العذاب وأمتص إقتصادها وتركه ممزقاً بلا أساس , ثم أن كثير من الدول الأفريقية إنتهج سياسة عدم الإنحياز وهي وإن كانت سياسة غير عملية بل ولم تكن متطابقة مع الواقع والخيارات السياسية الفعلية لكثير من الدول الأفريقية التي إنحازت للإتحاد السوفيتي الذي أغدق بالمساعدات الإقتصادية وأحياناً المالية علي قادة هذه الدول  إلا أن كثير من الدول الأفريقية وقادتها لم يكن لديهم حيزاً حراً للحركة خارج شعارات التحرر الوطني فيما هم في أحضان السوفييت ليل نهار , والنتيجة أن أفريقيا ظلت بمنأي عن الأحلاف السياسية فيما بينها أو بين دولها وقوي كبري غربية , وكان أن إخترقتها الولايات المتحدة من أبواب رئيسية هي العلاقات العسكرية الثنائية المباشرة تحت عنوان “العلاقات الخاصة” ومن باب القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM وأخيراً من باب المشاركة في تمويل القيادات العسكرية الأفريقية التي كونها الإتحاد الأفريقي , وذلك علي النحو الذي سيرد في موضعه لا حقاً  .

من الوجهة التاريخية فإن أفريقيا من منظور عسكري لم تكن ولوقت طويل خارج الإهتمامات العسكرية الأمريكية     فالقارة لم تكن تكن جزءاً من أي قيادة العسكرية للولايات المتحدة حتي عام 1952 ففي هذا العام اُضيفت عدة دول بالشمال الأفريقي لمسئوليات القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا علي أساس من علاقات هذه الدول تاريخياً مع أوروبا أما باقي البلاد الأفريقي فلم تكن مشمولة في هذه القيادة حتي عام 1960 عندما وضعت الولايات المتحدة نصب عينيها تمدد النفوذ الشيوعي السوفيتي نحو أفريقيا في فترة الستينات من القرن الماضي التي أُعلن خلالها إستقلال معظم الدول الأفريقية  ووُضعت دول أفريقيا جنوب الصحراء ضمن مسئوليا القيادة الأطلسية ثم وفي عام 1962 إنتقلت مسئولية دول أفريقيا جنوب الصحراء إلي ما سُمي بالقيادة الضاربة Strike Command حتي تغير مسمي هذه القيادة عام ليكون القيادة المُستعدة Readiness Command ثم وكنتيجة لما إستنبطته إدارة الرئيس Regan من واقع مقتضيات الحرب الباردة كانت هناك ضرورة لإعادة ترتيب الأولويات فقسمت هذه الإدارة مسئوليات أفريقيا عام 1983 بين ثلاث قيادات عسكرية جغرافية أمريكية قائمة هي القيادة الأوروبية والمركزية والباسيفيكية ,  وظل الإهتمام العسكري الأمريكي بأفريقيا محدوداً وإنتقائياً حتي عام 1998 عندما تم تدمير سفارتين للولايات المتحدة واحدة في نيروبي والأخري في دار السلام من قبل مناوئين للولايات المتحدة وسياستها الخارجية في الغالب , حينها بدأ التفكير والبحث في الجدوي الإستراتيجية لإقامة قيادة عسكرية أمريكية تعني بالقارة الأفريقية , وقد بدأ تداول فكرة إقامة هذه القيادة السادسة للولايات المتحدة في أروقة البنتاجون والعمل عليها منذعام 2000 وتأكد هذا الإتجاه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 مما ألزم البنتاجون والإدارة الأمريكية إلي مراجعة مستوي ونطاق إهتمام الولايات المتحدة بالقارة الأفريقية وما يمكن ان تساهم به هذه المراجعة في كفاءة خوض الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة علي الإرهاب من مصادره المختلفة وفقاً للرؤية الأمريكية , ولهذا فقد أشارت وثيقة ” إستراتيجية الأمن القومي” للولايات المتحدة عام 2002 إلي مفهوم الدول الضعيفة ودورها في عدم الإستقرار العالمي , وما أن إكتملت دراسة إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا عام 2006 والتي عكف عليها فريق عمل مُكلف , ووفق عليها ثم أُعلن عنها في فبراير 2007 وتم تفعيلها عملياً في الأول من أكتوبرعام 2008  , ولذلك نجد أن وثيقة  ” إستراتيجية الأمن القومي” لعام 2006 مهدت لذلك حينما أشارت إلي الأهمية الجديدة لدور أفريقيا حيث نوهت هذه الوثيقة إلي أن لأفريقيا دور جيوإستراتيجي متنام وأن لها أولوية عالية ” بالنسبة لهذه الإدارة ” , ولهذا ووفقاً للمتبع إتخاذه من إجراءات نظامية فقد بادر رئيس هيئة الأركان المُشتركة برفع توصية لوزير الدفاع الأمريكي  بشأن إنشاء قيادة عسكرية أمريكية لأفريقيا والذي بعد مراجعتها رفع بدوره الأمر في صيغة إقتراح للرئيس الأمريكي لإقراره في حالة أصوبيته , وعليه فقد قام الرئيس الأمريكي  في سبتمبر 2006 بإجراء تغيرات في الوثيقة التنفيذية المُتعلقة بخطة القيادة المُوحدة Unified Command Plan التي يجري مراجعتها لأهميتها القصوي لأمن الولايات المتحدة القومي كل عامين , بعد ذلك قُدمت الوثيقة للكونجرس للنظر في التصديق عليها توطئة للإعلان الرسمي عن إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا التي تعتبر حتي الآن التحديث الأخير لخطة القيادة المُوحدة للولايات المتحدة والتي تغطي حالياً ربوع العالم بإعتباره إقليم عسكري تتولي العسكرية الأمريكية من خلال قياداتها العسكرية الست تأمينه من أجل تحقيق أقصي ما يمكن من المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة وهو الهدف الإستراتيجي الحيوي والأولي لها .

تنبغي الإشارة إلي أن الأسس الحقيقية التي بنت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً الـ Pentagon عقيدة الواجب والإنتشار العسكري علي نطاق عالمي أسس – نظراً لطبيعتها الأمنية – فهي غير قابلة للإعلان عنها رسمياً , لكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من الإعلان رسمياً عن أهداف إستراتيجية مثل هدف تحقيق وتأمين المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة والذي أوردته وزارة الدفاع الأمريكية في منطوق إعلانها الرسمي عن إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM في 6 فبراير 2007 , فهناك بالطبع ثمة فروق بين الأهداف والدوافع الإستراتيجية , وعلي كل حال فإن الولايات المتحدة بإنشاءها للقيادة العسكرية لأفريقيا تكون قد غطت العالم عسكرياً فهذه القيادة هي السادسة وتمثل آخر مرحلة في منظومة القيادات العسكرية الأمريكية التي تغطي العالم  – هذا إن كانت التغطية العسكرية الأمريكية للعالم قد أُسست علي مبدأ المرحلية والتدرج وليس علي أساس الإحتياج الفعلي – , وفيما يتعلق بالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا فسأحاول تحليل البيانات المُتاحة عنها بأقصي عمق ممكن , والتي نتيجة حساسية المجال الذي تتعلق به فهي قليلة ومتكررة والأهم أنها في الغالب بعيدة عن قبضة الحقيقة , ولما كان الموضوع مُتعلق بصفة أساسية بعسكرة أفريقيا فسأركز بطبيعة الحال علي القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا ومن خلال تتبع ما نُشر بوسائل الإعلام أو بُث علي شبكة الإنترنت من أخبار عن تحركات وتصريحات مسئولي هذه القيادة ومن خلال ما رصدته من خلال عملي بأفريقيا لما يزيد عن 20 عاماً وخاصة في أنجولا وساو تومي وبرنسيب والنيجر ومالي  .

وفقاً لمنطوق الإعلان من قبل البنتاجون والرئيس الأمريكي والخارجية الأمريكية فإن الأهداف المعلنة لهذه القيادة هي :-

  • 1-  تنسيق بين كل الاهتمامات العسكرية والأمنية للولايات المتحدة في أفريقيا  .
  • 2-  تعزيز التعاون مع أفريقيا   .
  • 3-  إتاحة الفرص للدفع بقدرات شركاءنا في أفريقيا  .
  • 4-  تقوية جهود الولايات المتحدة لجلب السلام والأمن لشعوب أفريقيا والـترويج لأهدافنا المشتركة في التنمية والصحة والتعليم والديموقراطية والنمو الإقتصادي  .

وفقاً لمنطوق الإعلان أيضاً فإنه ” من الآن وحتي العمل الفعلي لهذه القيادة فإن الولايات المتحدة ســـ :-

تتشاور مع القادة الأفارقة لإستشراف والوقوف علي أفكارهم بشأن كيفية إستجابة هذه القيادة للتـحديات الأمنية  .

تعمل الولايات المتحدة عن كثب مع الشركاء الأفارقة لتحديد الموقع الملائم لتمركز هذه القيادة   .

تبدأ في مناقشة تمركز المقار الإقليمية الممكنة الدائمة لهذه القيادة وتحديد أي نوع من القوات التي قد تتمركز بصفة دائمة  للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا  ” .

أصدر الرئيس George Bush  أمراً توجيهياً بإقامة هذه القيادة في سبتمبر 2008 أي قبل نهاية ولايته الثانية بثلاث أشهر , وأشار نص هذا الأمر علي أن علي هذه القيادة أن تعمل هذه القيادة بالتنسيق مع القيادات العسكرية القائمة بالفعل للولايات المتحدة والتي تغطي المعمورة  , وتم تعيين الجنرال / William E.”Kip” Ward كأول قائد لهذه القيادة , وعلي أنه فيما يتعلق بنطاق عملها فإنه سيُغطي عموم القارة الأفريقية فيما عدا مصر التي تستمر في نطاق عمل القيادة المركزية الأمريكية (فيما بعد حدث تعديل في مسألة إلحاق مصر داخل ولاية AFRICOM بحيث تم إلحاقها لكن في نطاق مُحدد بإعتبار أن مصر تقع في نقطة جوية وسيطة و ضرورية لهذه القيادة كونها تخدم في تموين طائرات القيادة بالوقود لتتمكن من الحركة ما بين القاعدة الأمريكية في جيبوتي بمعسكر , Camp Lemonnier ومسرح العمليات بشمال أفريقيا ) , وأنه بالإضافة إلي غينيا الإستوائية فقد تم تضمين الجزر الآتية في نطاق عمل هذه القيادة وهي :-

– ساوتومي وبرنسيب  .

– مدغشقر .

– سيشل  .

– القمر .

– الرأس الأخضر .

– موريشيوس .

كان الشأن العسكري والأمني لأفريقيا قبل إنشاء أفريكوم مُقسماً ما بين القيادات العسكرية الأمريكية لأوروبا والمركزية و الباسيفيكية والــ Task Force بجـــيبوتي في Camp Lemonier , إلي أن بدأت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا عملها رسمياً في الأول من أكتوبر 2007 وظلت قيادة فرعية للقيادة العسكرية الأوروبية الأمريكية حتي أكتوبر 2008 ثم وفي الأول من أكتوبر 2008 تم الإعلان عن أن هذه القيادة ستمارس مهامها كاملة في عموم القارة الأفريقية , وظل أمر مقار هذه القيادة في القارة الأفريقية مُعلقاً نظراً للحساسية الأفريقية من الطبيعة العسكرية / الأمنية لهذه القيادة , ولذلك مازال مقر هذه القيادة حتي يومنا هذا في ألمانيا  .

يدخل في تكوين القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا المكونات الآتية  :-

1- الجيش الأمريكي لأفريقيا USARAF ومقره في Vicenza بإيطاليا وهو الذراع المباشر للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا وهو – وفقاً للرؤية الأمريكية – ويعمل بالتناسق مع الشركاء الوطنيين والدوليين لإدارة الإرتباط الأمني بصفة مستمرة مع القوات البرية بأفريقيا من أجل السلام والإستقرار في أفريقيا , وإن دعت الحاجة فإن القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا ( ويُشار لها فيما بعد بلفظ أفريكوم ) يمكنها ان تتمركز بشكل مؤقت في مقار أو مراكز إستجابة لأزمة معينة طارئة والتي يعمل بها عناصر فريق عمل لجنوبي أوروبا .

2- القوة البحرية لأفريقيا NAVAF وهي جزء من القوة البحرية للولايات المتحدة لأوروبا ومهمتها إدارة مجموعة كاملة من العمليات البحرية والتعاون بالمسرح الأمني بالتناغم مع تحالف من من الوكالات المُشتركة ذات الصلة وشركاء آخرين من أجل تقدم عملية نشر الأمن في أوروبا وأفريقيا , وتغطي مسئولياتهم مناطق تعادل مساحتها نصف المحيط الأطلنطي .

3-  القوة الجوية لأفريقيا AFAFRICA أو القوة الجوية السابعة عشر ومهمتها الإدارة المستمرة للإرتباط الأمني والعمليات توفيراً للأمن والأمان الجوي والتنمية في أفريقيا وتتموضع القوة الجوية لأفريقيا في قاعدة Ramstein  الجوية بألمانيا .

4- قوة مشاة البحرية MARFORAF وتتموضع هذه القوة في STUTTGART بألمانيا , وهي تمثل المكون البحريللأفريكوم وتقوم بإدارة عمليات وتدريبات وتنهض بالتعاون الأمني عبر أفريقيا .

5- فريق العمل المُشترك بالقرن الأفريقي  CJTF-HOA  وتعتبر فريق العمل المُتقدم للأفريكوم ويتموضع هذا الفريقي في معسكر Camp Lemonnier في جيبوتي , وهو أي المعسكر أحد 23 منظمة مُستأجرة بجيبوتي , ويعمل بهذا الفريق بالإضافة إلي العاملين الأساسيين نحو الفي شخص بالتناوب , وأغلب من يعينون للعمل في خدمة فريق عمل معسكر Camp Lemonnier  هم في الواقع يعملون لدي دول شريكة ( مُتحالفة ) تنهض بتنفيذ مجموعة من الأنشطة منها بناء قدرات أمنية وتنفيذ البنية الأساسية من خلال تعاون إقليمي وبرامج عسكرية بين الجيشين الأمريكي وجيوش هذه الدول   ومشروعات عسكرية / مدنية وبرامج للتعليم العسكري  , كل ذلك من خلال مدخل غير مباشر عبر تحالف ومكونات دفاعية أخري للولايات المتحدة تتضمن تقديم الدعم للمنظمات الإقليمية للمساعدة علي ورعاية التعاون وتعزيز عمليات حفظ السلام الجماعية , وتحسين العون الإنساني ودعم العمليات المدنية / العسكرية .

6-  قيادة العمليات الخاصة بأفريقيا SOCAFRICA وتم تأسيس هذه القيادة قبل الإنطلاق الرسمي لعمل أفريكوم في الأول من أكتوبر 2008 كمسرح عمل لقيادة العمليات الخاصة للأفريكوم  وبدأت العمل الفعلي في أكتوبر 2009 ,  وتساهم الـ SOCAFRICA  في مهمة الأفريكوم من خلال تطبيق منظومة كاملة من قدرات عمليات القوات الخاصة بما فيها الشئون المدنية وعمليات (الحصول علي) المعلومات والتعاون علي المسرح الأمني والإستجابة للأزمات وحملة التخطيط , وتتمركز هذه القيادة في Stuttgart  بألمانيا قريبة من موقع مقر الأفريكوم وتعتبر SOCAFRICA بمثابة الغطاء .

 الإعلان عن إقامة القيادة العسكرية لأفريقيا في سياق تاريخي مقارن :

يميز  Alfred Vagts مؤلف كتاب History of Militarism بين العسكرة  Militarism والنهج العسكري Military Way فعلي حين ” تعني الأخيرة الإستخدام المشروع للرجال والمواد أو العتاد للإعداد للقتال في حرب مُقررة بواسطة السلطات المدنية للدولة , فإن الأولي لا تعني بالضرورة السعي للحرب وهي لذلك ليست المعني المُضاد للسلمية ”  , وإعتقد أن الدبلوماسية العسكرية الأمريكية تتبني مزيج مُقدر من هذين المعنيين في تحركاتها من أجل ترسيخ وتفعيل مهام قياداتها العسكرية ومنها AFRICOM , ولإن الولايات المتحدة قوة عظمي فلا أقل من القول بأن العسكرة أو الـ Militarism أحد الأجنحة القوية للتمدد الإستراتيجي للولايات المتحدة وبالتالي سيأتي يوم تفرض الدبلوماسية العسكرية الأمريكية نفسها بحيث لن تقل أهمية عن الدبلوماسية بمعناها المُتداول أو الدبلوماسية السياسية , وهذا اليوم أعتقد أنه أتي بإنشاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا فبإنشاءها إكتمل تمدد العسكرية الأمريكية في ربوع العالم , وهو عين ما تنبأ به الجنرال Dennis Hart Mahan وهو والد ضابط البحرية والمؤرخ Alfred Thayer Mahan عندما دعا في بواكير 1840 إلي إنشاء جيش نظامي وأكثر كفاءة ليحمل النفوذ الأمريكي للعالم , ذلك أن Mahan كان يؤمن بأن الولايات المتحدة قد تكون الأقل عسكرية بين الأمم المُتحضرة , وعليه فقد ذهبت رؤية الجنرال Mahan عن المجد العسكري للولايات المتحدة فيما وراء الدفاع عن الأمة إلي تمدد قوتها إلي ما خارج القارة الأمريكية , وقبل مقدم القرن العشرين بقليل خاطب وزير الحرب الأمريكي Elihu Root  الحضور في شيكاجو قائلاً  ” نحن أناس سلميون ولسنا عسكريون , لكننا صُنعنا من نسيج القتال , وعندما يكون القتال من دواعي الضرورة القصوي , فإن عملنا والحالة هذه هو السعي لنكون أولاد الأجناس العظيمة المحبة للحرب ” * ( إقترح Elihu Root في إطار إحداث تغييرات علي العسكرية الأمريكية إنشاء كلية أمريكية للحرب وهيئة عليا للأركان وبالرغم مما واجهه من معارضة إلا أن ما أقترحه أُجيز )  , وهو أمر أكده قبلة رؤساء أمريكيين سابقين هم  McKinley و Roosevlt و   Wilson فقد وضعوا أهدافاً لسياسة الولايات المتحدة الخارجية بحيث تمتد لتغطي كل العالم ( المرجع السابق صفحة 545) , ومع ذلك فهذه النظرة للعسكرة لا يتفق بشأنها آخرين وممن يمثل هؤلاء أفضل تمثيل  James William Fulbright الرئيس الأسبق للجنة العلاقات الخارجية لمجلس النواب الأمريكي الذي كان يري أن هناك إتجاه نحو العسكرة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ عام 1945 وأنه من مظاهرها التركيز علي مواجهة الشيوعية وإيلاء أولوية لمسائل الدفاع الأمر الذي أدي إلي إنفاق عسكري باهظ وتورط عسكري أمريكي في الخارج وزيادة وزن السلطة التنفيذية . *( المرجع السابق صفحة 545) , لكن بنفس القدر الذي دفع الولايات المتحدة لكسر حيادها وعزلتها للدخول في حرب إعتبرتها إستباقية لمواجهة الخطر النازي ونجاحها مع الحلفاء في تحقيق النصر وزوال هذا الخطر بسقوط برلين ونهاية الحرب العالمية في سبتمبر 1945 , بنفس القدر الذي إقتضت نتائج الحرب العالمية الثانية إستمرار الولايات المتحدة في الإتجاه نحو إسباغ الطابع العسكري لتحقيق أهداف إستراتيجية ( إقتصادية / سياسية وعسكرية) تتعلق بالأمن القومي الأمريكي ذلك أنه من بين أخطر نتائج المشاركة السوفيتية مع الحلفاء في تحقيق النصر علي النازي أنه اتاح لهم تمدداً في أوروربا التي كان للإتجاهات الشيوعية بها حيزاً مُقدراً في العمل السياسي بدول أوروبية كون منها الإتحاد السوفيتي منظومته الإشتراكية التي تجمعتعام 1955 في حلف عسكري يواجه حلف شمال الأطلنطي هو حلف وارسو وضم بالإضافة للإتحاد السوفيتي7 دول بأوروبا الشرقية والوسطي ( تم حله رسمياً في يوليو 1991) , وبالتالي فقد ظل هناك داع لعسكرة جزء مهم من السياسة الخارجية للولايات المتحدة في مواجهة الإتحاد السوفيتي وحلفاءه في ظل الحرب الباردة , ومع أن الأإتحاد السوفيتي والمنظومة الإشتراكية إنهارت وتفككت إلا أن الإتجاه نحو عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية إستمر وبقوة ربما تزيد عما كانت عليه إبان الحرب الباردة فقد تم إستبدال الحرب علي الشيوعية بالحرب علي الإرهاب وهي حرب تتميز عن الحرب ضد النازي وضد الشيوعية فالمفاهيم بشأنها غير مُحددة والعدو غير مُعين بدقة والأخطر أنها مُوجهة في النهاية لدين هو الإسلام وليست لعقيدة إيولوجية وضعية كالنازية والشيوعية , ولذلك فالحرب علي الإرهاب يُشارك فيها ساسة ودبلوماسيين وعسكريين أمريكيين يستلهمون أفكارهم من موارد مختلفة فهي تجمع الصليبيين أو كما يحلو للصحافة العربية تسميتهم بـ ” المحافظين الجدد ” وتجمع الليبرالي والعنصري والنافذين في لوبي البترول وكبار مسئولي الشركات متعددة الجنسيات ومؤسسات الإعلام التي تستفيد من تمويلات من يشنون هذه الحرب ويروجون لإستمرارها وغيرهم , فالحرب علي الإرهاب ناد مفتوح للأعضاء المؤسسين والهواة .

في ضوء ما تقدم لا يمكن لأي مراقب للإستراتيجية العسكرية الأمريكية وعلاقتها بالأمن القومي الأمريكي إلا أن يربط ما بين إنشاء الولايات المتحدة لستة قيادات عسكرية تغطي القارات العالم وما يحيطها من محيطات وبحار وبين السلوك الإمبريالي , فالإمبريالية في الغالب مرادف سيئ مُشتق من كلمة إمبراطور Imperator وغالباً ما يتصل إستعماله عند التعبير عن الأفكار التي تدور حول الديكتاتورية أو الحكومات شديدة المركزية أو النهج الإستبدادي للإدارة وعلي وجه العموم فالمعني ينصرف في التاريخ علي القيصرية والبونابرتية , بل إن أحد الكتاب نسب منشأ الإمبريالية إلي العهد الفرعوني والأشوري وآخر وصلها بالأغريق والرومان لكنها أخذت سمتها وقواعدها خلال عهود التنافس ما بين قوي الإستعمار التقليدي وهي بريطانيا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال وإيطاليا وألمانيا وروسيا ويعبر عن الإمبريالية بأصدق وأوضح العبارات  Neville Chamberlain رئيس وزراء بريطانيا عندما قال في 11 نوفمبر 1895 ” إنني أؤمن بأنت الجنس البريطاني أو أعظم الأجناس الحاكمة والتي لم يُر مثلها أبداً ” فالإنجليز كانوا يرون أنهم نبلاء الجنس البشري وأن عليهم النهوض بحمل أعباء الرجل الأبيض تجاه البشرية و ففي كتابهNineteenth Century  يقولj.Lawson Walton  متسائلاً ” لماذا نحن إمبرياليون ؟ فيجيب ” نحن إمبرياليون إستجابة للتأثير المفروض علينا من مصيرنا , فنحن ورثة الأزمنة والعصور بكل الصلاحيات والإلتزامات الرسمية المُرتبطة بهذه الميزة الرفيعة , نحن وسنكون إمبرياليون لأنه لا يسعنا إلا أن نكون كذلك ” , وقد أشار الأستاذ / william l. langer إلي ذلك في كتابه عن دبلوماسية الإمبريالية فقال ” إن المعني الأكبر لقصة الإمبريالية أكبر من أن يكون مُتعلقاً بقصة الخصومة ما بين القوي الإمبريالية الأوروبية فهي قصة العدوان الأوروبي والتقدم (العسكري) في الأراضي غير الأوروبية بالعالم ” * (  william l. langer . the diplomacy of imperialism . bureau of international research Harvard university and radclife college October 1953 .page 67and 93and 96) لكنها في السياق الأمريكي الحالي الذي يقوم علي نشر ست قيادات عسكرية وثلاث قيادات وظيفية داعمة يعني السيطرة الأمريكية الذاتية علي العالم لتحقيق المصالح الإقتصادية والسياسية الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر , لكن هناك ثمة إختلاف بين إمبريالية الولايات المتحدة وإمبريالية قوي الإستعمار التقليدي فعلي حين لجأت هذه القوي للتفاوض والإتفاق أو الإختلاف والصراع علي السيادة والهيمنة علي الأراضي التي تقع فيما وراء البحار وكانت الوسائل الرئيسية لتحقيق قدر ما من  الإنسجام أو Entente بين إراداتها وأطماعها وصولاً لحالة من الإسترخاء Détente في علاقاتها كان عقد المؤتمرات الدولية كمؤتمري لندن وبرلين والتحالفات Alliance والتقارب Rapprochement , أما في حالة الولايات المتحدة في عصر ما بعد سقوط الإتحاد السوفيتي فمختلفة إلي حد ما , فصحيح أنها لم تتخل عن هذه الوسائل التي من بينها – عسكرياً – منظمة حلف شمال الأطلنطي ومفاوضات SALT الأولي والثانية وتدشين سياسة الإسترخاء الدولي بينها وبين الإتحاد السوفيتي , إلا أنها أضافت إليها وسيلة فريدة في بابها وهي إقامة القيادات العسكرية الجغرافية الست وآخرها القيادة العسكرية لأفريقيا عام 2007 إضافة إلي ثلاث قيادات وظيفية أخري وهو ما أتاح للولايات المتحدة ممارسة ما يمكن وصفه بالدبلوماسية العسكرية الصرفة Pure Military Diplomacy  , مع ملاحظة أن هذه الدبلوماسية العسكرية الصرفة من المؤكد أن بينها وبين الدبلوماسية التقليدية صلات , كما أنها تُمارس بصيغ مختلفة في كل قيادة من القيادات العسكرية الجغرافية الست فلا يمكن تصور تطابق بين الدبلوماسية العسكرية التي يقوم بها قادة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM وبين الدبلوماسية العسكرية للقيادة الأمريكية المركزية والباسيفيكية وأمريكا الجنوبية والشمالية علي الأقل بسبب وجود قضايا وأزمات مختلفة بل حتي في القضايا التي يمكن القول بأنها مشتركة كقضية الإرهاب فإن الدبلوماسية العسكرية للقيادة الأفريقية سيكون متبايناً في المحتوي والتكتيك عن ممارسة القيادة العسكرية لشمال أمريكا له مثلاً   .

لا يمكن نعت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا بأنها أداة إمبريالية بناء علي منطوق إعلانها , فالمنطوق يتحدث عن الشراكة والتعاون مع أفريقيا وجلب السلام والأمن ” لشركاؤنا ” لكن وكما سيتبين بعد , فإن هناك قرائن وشواهد وعلاقات سبب ونتيجة تشير بما لا يدع إلا قليلاً من الشك في أن هذه القيادة شأنها شأن القيادات العسكرية الخمس الأخري أدوات لتحقيق أهداف لا يمكن إلا وصفها بالإمبريالية , ومن المعروف أن الإمبريالية لا تخرج عن ثلاثة أنماط رئيسية هي الإمبريالية العسكرية وهي أكثرها وضوحاً وهي في التعريفات التقليدية مرتبطة بالغزو والفتح العسكري وأوضح نماذج لهذا النمط في العصر الحديث العسكرية الألمانية النازية واليابانية والنمط الثاني الإمبريالية الإقتصادية كحالة دول أمريكا الوسطي مثلاً فهي تُظهر حيازتها أدوات  Paraphernalia السيادة فيما هي في حالة إعتمادية إقتصادية شبه كاملة علي  تصدير مواردها للولايات المتحدة التي إستطاعت شأنها شأن القوي الدولية الكبري وعبر الشركات متعددة الجنسيات وشركات البترول الكبري أن تحقق تأثيراً إمبريالياً إقتصاديا أعلي من القوي الدولية الأخري المنافسة , أما النمط الثالث فهو الإمبريالية الثقافية وهي أخطر أنواع الإمبريالية في عصرنا الحاضر* ( Politics among Nations . HANS J. MORGENTHAU . THITD EDITION . ALFRED A.KNOPF in New York 1960.Page58 ) ومن بين أهم الدول التي أدركت مبكراً الأهمية الإستراتيجية لهذا النمط  فرنسا التي أسست إمبراطوريتها فيما وراء البحار إعتماداً علي الغزو الثقافي بنشر اللغة الفرنسية ونظام التعليم الفرنسي وكذلك محاولة نشر الكاثوليكية في مستعمراتها وهي المحاولة التي نجحت في دول ولم تنجح في أخري لكنها جمعت كل مستعمراتها في منظمات مختلفة آخرها منظمة الفرانكفونية الدولية , وهو ما أتبعته البرتغال وأسبانيا حيال مستعمراتها وبالرغم من إنسحاب القوة العسكرية لهذه الدول من مستعمراتها التي حصلت علي الإستقلال إلا أنه ليس إستقلالاً مطلقاً فالأثر الإمبريالي للثقافة مازال باقياً وقويا ولا فكاك منه , وهو امر إستطاع الإعلام الأمريكي تحقيقه , وعلاوة علي ذلك نجد أن الولايات المتحدة وهي تدرك المعني السيئ للإمبريالية حرصت أن تُخرج إقامة قياداتها وآخرهم الأفريقية إخراجاً أقرب ما يكون للغة العلاقات العامة بحيث بدت القيادة العسكرية الأفريقية كما لو كانت كما لو كانت مجرد دبلوماسية عسكرية سقف أهدافها التعاون المجرد مع الدول الأفريقية .

بإعتبار أن قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا مُكلف بإجراء إتصالات علي أعلي مستوي بالدول الأفريقية من خلال زياراته لها فإن هناك بالتأكيد عدداً من الأسئلة عادة ما ستُطرح عندما يكون الأمر المُثار أمر إستخدام العسكرية في العلاقات الدولية  , وأحد أهم الأسئلة البدهية والمباشرة هو : هل لهذه القيادة علاقة بالإستعمار الجديد ؟ , في الحقيقة ليس هناك ثمة إجابة مُتفق عليها , لسبب بسيط هو أن الولايات المتحدة من الوجهة المبدئية تنكر هذه العلاقة من الأساس وذلك بتأكيدها أنه من بين الأهداف التي تسعي الولايات المتحدة لتحقيقها من خلال إنشاء هذه القيادة ” تعزيز التعاون مع أفريقيا  وإتاحة الفرص للدفع بقدرات شركاءنا في أفريقيا و تقوية جهود الولايات المتحدة لجلب السلام والأمن لشعوب أفريقيا والـترويج لأهدافنا المشتركة في التنمية والصحة والتعليم والديموقراطية والنمو الإقتصادي ” , وعليه فالعلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا وفقاً لمنطوق إعلان إنشاء هذه القيادة علاقة تعاون وشراكة , لكنها إذا كانت كذلك فلماذا ترفض الدول الأفريقية للآن – علي الأقل – إستضافة مقر هذه القيادة علي أراضيها ؟ ثم ألم يكن من الممكن تحقيق ذلك من خلال المكاتب العسكرية الملحقة بالسفارات الأمريكية في معظم الدول الأفريقية ؟ والسؤال الأدق ألم يكن من الممكن تحقيق معظم الأهداف المعلنة للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا من خلال وسائل العلاقات الثنائية التقليدية المُتعارف عليها ومن أهمها الزيارات الرئاسية / الوزارية / المستوي الفني والسفارات  ؟ .

لذلك ولأسباب أخري لا يجب المرور علي  منطوق الإعلان عن قيام القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا دون ربطه بالتاريخ الإستعماري , فهذه القيادة لا يمكن النظر إليها إلا علي أنها وسيلة هيمنة وسيطرة حتي وإنإعترفنا أنه من المنطقي أن تضع الإدارتين العسكرية والسياسية بالولايات المتحدة هذا المنطوق بمنتهي الحرص والعمومية الذي يعد إعلانه إشهاراً للإطار العملي لهذه القيادة التي ستعمل في وسط بيئة لديها الحد الأقصي من الحساسية السياسية عند التعامل مع مثل هذه القيادة أو غيرها , فالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا ستتعامل للمرة الأولي في أكثر المجالات حساسية لدي دول القارة الأفريقية وهو المجال العسكري ذا الصلة المُتداخلة مع المجال الأمني , ومن ثم فقد صيغ منطوق إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا بأسلوب يؤدي إلي تلقي متخذي القرار السياسي (والعسكري) الأفارقة إياه بشكل  إيجابي قدر المتوقع من أجل  تمكينهم من إعادة إرساله عند مخاطبتهم للجماهير و للنخب السياسية الموالية ببلادهم عبر الجزء الكبير من الإعلام المُدجن , ولذا كان لابد بالنسبة للأمريكيين صياغة إعلانهم عن إقامة الـ  AFRICOM بشكل عمومي إلي حد ما وعلي النحو الوارد  بالمنطوق المشار إليه , وذلك لسببين رئيسيين أولهما أن هناك أسئلة كثيرة مازالت إجاباتها مُعلقة حتي بعد الإعلان عن إقامة أفريكوم وكثير من هذه الأسئلة سيجيب عنها التعامل الفعلي علي الأرض وفي خضم السياسة الأفريقية وبالتالي ستحدد من خلال الإجابة عنها مسائل مهمة مثل نطاق الولاية والحيز المُتداخل بين ما هو سياسي وعسكري بالنسبة لعمل هذه القيادة في أفريقيا , والسبب الثاني هو أنه من المتوقع أن تكون هناك ثمة علاقة بين سيادات هذه الدول وعمل هذه القيادة علي الأرض ومن ثم  فلا طائل من تحليل الأهداف الُمعلنة سالف الإشارة إليها إلا بقدر قليل قد يسمح بالنفاذ منها من خلال مضاهاتها بالواقع العملي وبالأسلوب الذي إنتهجته الإدارة الأمريكية لدرء مُهددات أو التنافسية العالية من قوي دولية أخري يمكن أن تؤثر علي كفاءة تحقيق المصالح الأمريكية في أفريقيا وبالتالي التأثير علي الأمن القومي للولايات المتحدة وبالتالي فإن الهدف الإستراتيجي للأفريكوم من المنطقي أن يُخفض من الآثار السلبية التي مصدرها المُهددات و / أو التنافسية صيانة  لمصالحها الأوسع مدي في أفريقيا والتي قد يكون مجالها منطقة أو مناطق ما بهذه القارة التي أصبحت بعد إنشاء أفريكوم في قبضة الولايات المتحدة التي تتحرك من خلال هذه القيادة بالتضافر مع تمثيلها الدبلوماسي الذي يغطي أفريقيا بشكل يكاد أن يكون كاملاً ومع وسائل دبلوماسية مساعدة كتعيين ممثلين خاصين للرئيس الأمريكي لتناول أزمة أو قضية أفريقية ما وإيفاد الوفود أو أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي في بعثة دقيقة أو للتمهيد لتناول أمريكي لمسألة ما وإستكشاف سبل أو قنوات التناول من خلال أفريكوم أو المبعوث الأمريكي الخاص قبل تعيينه  .

مع الأخذ في الإعتبار أن بيان نابليون موجه لشعب واحد هو الشعب المصري وأن بيان إنشاء  AFRICOMمُوجه لنحو 53 دولة أفريقية فإن ذلك لن يمنع من عقد مقاربة أو مقارنة تاريخية بين مضمون الإعلان عن AFRICOM في فبراير 2007 وبين المنشور أو البيان الذي وزعته الحملة الفرنسية بقيادة نابليون علي الشعب المصري في يوليو 1898 بعد أن أخمد مقاومة المصريين له في الأسكندرية بالرصاص والسناكي والقتل والحرق , فالمنشور النابليوني يبدأ بالبسملة والإقرار بالتوحيد لله عز وجل للإيحاء بأن الحملة تأتي خارج سياق الحملات الصليبية ثم يبدأ المنشور بالقول ” من طرف الفرنساوية المبني علي أساس الحرية والتسوية ” ثم يعمد إلي إستغلال العلاقة السئة بين المماليك والشعب المصري ليسوغ حملته الإستعمارية فيقول ” السر عسكر الكبير أمير الجيوش بونابرته يعرف أهالي  مصر جميعهم أن من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والإحتقار في حق الملة الفرنساوية ويظلمون تجارها بأنواع الإيذاء والتعدي فحضر الآن ساعة عقابهم ” بل ويضع نفسه في معسكر الشعب المصري ضد المماليك بإعتبارهم أعداءه وأعداء الشعب المصري فيقول ”  … وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالي وأحترم نبيه والقرآن العظيم … أيها المشايخ والقضاة والأئمة والجريجية وأعيان البلد قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في رومية الكبري وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحث النصاري علي محاربة الإسلام ” وبعد المقدمة تضمن المنشور فقرات تهديدية وأخري ترغيبية ” للنخبة والشعب المصري , لكن المنشور علي أي الأحوال كان تصرفاً إعلامياً لا أكثر ولا أقل فنابليون نفسه إعتبره ” قطعة من الدجل ” بل إنه كتب إلي حكومة الإدارةى في باريس وقال ” هذه الأمة – أي المصريون- تختلف كل الإختلاف عن الفكرة التي أخذناها عنها من رحالتنا إنها هادئة باسلة معتزة بنفسها ” لكن وكما ذهب المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي فقد أشار في تحليلبه  إن منشور نابليون مع ما فيه من الوعود والعبارات الجميلة قد حوي مبدأ التهديد والوعيد وإنذار المصريين بإستهدافهم لأشد أنواع الأذي إذا هم لم يذعنوا للحكم الفرنسي ….. ”  ثم أردف ” ولم نر في منشورات نابليون للإيطاليين أثناء حروب إيطاليا تهديداً من هذا النوع … ولنا أن نفهم من هذا أن نابليون كان ينظر إلي الأمة المصرية بغير العين التي ينظر بها للأمم الأوروبية  ” . ( محمد جلال كشك . ودخلت الخيل الأزهر . الطبعة الثالثة 1990 . الزهراء للإعلام العربي . صفحة 144 و 145 و150و149 و151 )

هناك بالطبع بعض الإختلاف بين منشور نابليون المُعلن والمُوجه للشعب المصري عام 1898 ومنطوق إعلان قيام القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا والمُوجه للأفارقة بتاريخ 6 فبراير 2007 وبينهما 109 عام فخلافاً لمنشور نابليون كان بيان إنشاء AFRICOM خالياً تماماً من أي تهديد أو تلويح بالتهديد كما أنه كان مُحدداً عندما أشار إلي أن أهداف الولايات المتحدة من إنشاءها هو ” التنسيق بين كل الاهتمامات العسكرية والأمنية للولايات المتحدة في أفريقيا وتعزيز التعاون أفريقيا وإتاحة الفرص للدفع بقدرات شركاءنا في أفريقيا وتقوية جهود الولايات المتحدة لجلب السلام والأمن لشعوب أفريقيا والـترويج لأهدافنا المشتركة في التنمية والصحة والتعليم والديموقراطية والنمو الإقتصادي ” , وخلال الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1945 وحتي سبعينات القرن الماضي إنتهت حقبة الإستعمار التقليدي وتخللتها حرب باردة كان لها عدة نتائج أهمها أنها أدت إلي إستقطاب عالمي وإحتواء للدول الواقعة في البرزخ ما بين العالمين الشيوعي والرأسمالي مما أدي في النهاية إلي نهج جديد لإستعمار جديد كانت أمضي أسلحته الشركات متعددة الجنسيات والإعلام والمعونات والعقوبات والعسكرية بعد إعادة تدوير مفهومها الذي أصبح يستتر تحت مسميات مختلفة منها محاربة الإرهاب وحفظ السلام وصنع السلام و التعاون العسكري في أطر ونطاقات تتسع أو تضيق وفقاً للحالة فهو تعاون ثنائي أو إقليمي أو قاري والأخير تنتمي إليه القيادة العسكرية الامريكية لأفريقيا .

لكن هناك وجه شبه رئيسي بين الإعلانين فنابليون والإدارة الأمريكية حاولا من خلال بيناهما التماهي مع الحالة التي يستهدفونها فعلي حين إنتحل نابليون صفات وإيمان المسلمين وشعورهم العدائي تجاه المماليك وأسبغ علي منشوره الصفة التحريرية وبناء المؤسسات وتنمية البلد , تشير الإدارة الأمريكية إلي الترويج للأهداف ” المُشتركة ” في التنمية والصحة والتعليم والديموقراطية والنمو الإقتصادي , والواقع أن وصف أهداف تتعلق بصميم أعمال السيادة بأنها مُشتركة يعني أحد أمرين فإما أن تكون هذه الدولة الأفريقية أو تلك فشلت في الوفاء بإحتياجات مواطنيها في التنمية والصحة والتعليم والديموقراطية , أو أنها أضعف من أن تنهض بواجباتها منفردة ومستقلة وبالتالي فإنها تكون قد خرجت أو تكاد من حالة الإستقلالية التي أعلنتها رسمياً إلي الحالة الإعتمادية , ولم يبعد كثير ممن أخضعوا إنشاء الولايات المتحدة لقيادتها العسكرية لأفريقيا عن الحقيقة عندما وصفوه بأوصاف مختلفة منها إعادة الإستعمار لأفريقيا أو عسكرة أفريقيا أو الإمبريالية الأمريكية U.S. Imperialism and Africa , والملفت للنظر أن الولايات المتحدة التي عمد واضعي منطوق إعلان إنشاء AFRICOM إلي جعل الترويج للديموقراطية هدف من أهدافها هي نفسها التي دعمت وتدعم نظم أفريقية غير ديموقراطية بأي مقياس قبضت علي السلطة لعشرات السنين كحالة تشاد والجابون والكونجو الديموقراطية (زائير سابقاً) كثير منها ثمرة مرة لإنقلاب عسكري علي سلطة منتخبة والحالات كثيرة منها حالة الإنقلاب العسكري الأخير في النيجر في 18 فبراير 2010 وإنقلالب مالي في 22 مارس 2012 وغيرهما , وبطبيعة الحال فإنه لا إعتراف رسمي من الولايات المتحدة بهذه الإنقلابات وغيرها بل بالعكس تقوم الإدارة الأمريكية ببعض التصرفات التي تؤكد عدم الإعتراف مثل وقف برنامج المعونة أو تحذير من السفر أو إجراء السفير الأمريكي لمقابلة مع قائد الإنقلاب والتصريح في أعقابها بأن الولايات المتحدة حثت قادة الإنقلاب بضرورة إستعادة الديموقراطية ولا مانع بعد ذلك من زيارة يقوم بها رئيس المعهد الديموقراطي لمقابلة أخري معهم أو غير ذلك , لكن الحقيقة أنها تدع الإنقلاب يعيش وينمو لمدة عام أو أكثر بعد أن يكون الإنقلابيين قد شكلوا هيئة بعنوان براق كالذي إنتحله إنقلابيو النيجر في آخر إنقلاب لهم وهو المجلس الأعلي لإستعادة الديموقراطية أو C.S.R.D أو المجلس الأعلي للإصلاح الوطني C.S.R.N الذي رفعه إنقلابيو غينيا عام 1985 , وتقوم هذه الهيئة أو تلك بالإعداد و   إخراج المشهد الأخير وهو إجراءإنتخابات تتم علي وقع رجع صدي دوي رصاص الإنقلابيين ودخان قنابلهم في ليلة الإنقلاب أو نهاره تاـي هذه الإنقلابات إما بقائد الإنقلاب أو بشخصية معارضة ذات إرتباطات قوية ومباشرة بالولايات المتحدة أو بأحد حلفاءها المقربين الفاعلين ميدانياً بحلف شمال الأطلنطي , وسيأتي لاحقاً توضيح لذلك في حالة إنقلاب النيجر الأخير .

لا يمكن إستبعاد إحتمال ان الولايات المتحدة وهي تخطط لإقامة أفريكوم تضع في إعتبارها مدخلات علاقاتها المتنوعة والمـُركبة ميدانياً مع خصوم أو حلفاء لها من القوي الدولية أو الإقليمية ممن يولون أفريقيا أهمية متقدمة لمصالحهم الإستراتيجية , ولذلك فهناك إعتبارات يجب علي الولايات المتحدة أن تتوقع تأثيرها علي عمل الأفريكوم , وهذه الإعتبارات مصدرها أحد حلفاء الولايات المتحدة ( كحالة فرنسا في شمال وغرب أفريقيا) أو ما قد يكون آت من خصم أو عدو ( كحالة الإتحاد الروسي والصين الشعبية وكوريا الشمالية) أو ما قد يكون مطلوباً من حليف يمثل أحد أسس الإستراتيجية الأمريكية الكونية ( كحالة إسرائيل التي تريد الولايات المتحدة تحقيق أمنها بمفهومه العريض كأن توفر لها التفوق بالشرق الأوسط والحركة الحرة في أفريقيا ) وهناك مهددات أخري موضوعية تتعلق بمفاهيم تريد الولايات المتحدة تحديد مدي وعمق تطبيقها أو حتي دفعها بعيداً عن أفريقيا بأدوات مختلفة مثل الـ AGOA والـ USAID ومبادرة الألفية و الـ  AFRICOM ومن بين هذه المفاهيم الديموقراطية والشفافية الإقتصادية والحوكمة , فليس صحيحاً أن الغرب الذي دفع ودعم رتل من الحكام الفاسدين ضعيفي الشخصية والضمير بالعالم العربي وأفريقيا هو نفسه من سيدعم الديموقراطية والشفافية بالجودة والإمتياز المُتعارف عليه , بل إنه قد يـُحيل ربيع العرب إلي خريف إن أمكنه ذلك , لذلك فمهمة AFRICOM  مع الوسائل الأمريكية المُشار إليها خاصة بعد ثورات العالم العربي أصبحت أثقل نسبياً عن ذي قبل   .

من جهة أخري فإن الأسباب التي يسوقها المسئوليين الأمريكيين سواء أكان خطابهم مُوجهاً للكونجرس الأمريكي بغرفتيه أو للإعلام أو عند إلتقاء مسئولي هذه القيادة بمسئولي لدول الأفريقية لتبرير إنشاء القيادة العسكرية لأفريقيا تختلف     وفيما يلي أمثلة علي ذلك  :

–  أشار قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة لمجلس النواب في 19 سبتمبر 2006 أن ” المعني الإستراتيجي المتزايد لأفريقيا يمثل تحدياً كبيراً للإستقرار الأمني في نطاق عمل القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا , كما ان المساحة الكبيرة من الأراضي غير الخاضعة لحكومة ما بأفريقيا ووباء نقصان المناعة والفساد و ضعف الحوكمة والفقر المُتفشي في ربوع القارة الأفريقية وهي تحديات أخري تمثل عوامل حاكمة فيما يتعلق بقضايا الإستقرار الأمني الذي يؤثر في كل بلد بأفريقيا ”   .

– وفقاً لوثيقة ” إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة ” الصادرة لعام 2002 فإن أمريكا حالياً مُهددة من قبل دول تم غزوها بدرجة أقل من الدول الفاشلة , كما أن وزارة الدفاع الأمريكية وصفت عدم الإستقرار بالدول الأجنبية علي أنه تهديد مُوجه لمصالح الولايات المتحدة ولذلك أصدرت هذه الوزارة توجيهاً برقم 3000,05 عام 2005 تُعرف من خلاله ” عمليات الإستقرار بإعتبارها ركناً أساسياً في مهام الجيش الأمريكي سيتوجب إيلاءها أولوية بالمقارنة بالعمليات القتالية  .

– هناك ملاحظات رئيسية بعضها من واقع ما أشارت إليه مراكز عصف ذهني بالولايات المتحدة وبعضها الآخر يمكن إستنتاجها مباشرة من قراءة منطوق أمر إنشاء هذه القيادة الذي أشار بنصه إلي :  ” تعمل هذه القيادة بالتنسيق مع القيادات العسكرية القائمة بالفعل للولايات المتحدة وتغطي المعمورة , و نطاق عمل هذه القيادة يُغطي عموم القارة الأفريقية فيما عدا مصر التي تستمر في نطاق عمل القيادة المركزية الأمريكية ,  بالإضافة إلي غينيا الإستوائية فقد تم تضمين الجزر الآتية في نطاق عمل هذه القيادة :  ساوتومي وبرنسيب , مدغشقر , سيشل , جزر القمر, موريشيوس والرأس الأخضر ” ومن بين الملاحظات الرئيسية :

1- أن مصر علي الرغم من دورها الأفريقي التاريخي وعلاقاتها وإنتشارها الدبلوماسي في القارة الأفريقية فإنها وفقاً لمنطوق الإعلان في 6 فبراير 2007 عن إقامة هذه القيادة مُستثناة من أن تكون داخل ولاية هذه القيادة ( وسيأتي تفصيل لهذه النقطة لاحقاً ) , ومن المؤكد وفقاً لذلك أن الأمريكيين يرون أنه من المناسب إستبعاد مصر من ولاية قيادتهم العسكرية الأفريقية وإعتبار أن موقعها تأسيساً علي مجمل فكرهم العسكري/ السياسي الإستراتيجي ليس في أفريقيا بل في الشرق الأوسط  مع إدراكهم لتأثيرها الذي أصبح مُتناقصاً في إقليمها وما يجاوزه بفعل السياسات الأمريكية في هذه المنطقة ومع مصر ذاتها , وبالتالي فإن هناك ضرورة إستراتيجية من وجهة النظر الأمريكية في الإبقاء علي مصر داخل ولاية القيادة العسكرية المركزية الأمريكية , وهو أمر في تقديري مُؤسس علي مبررين :

أولهما-  أن الإدارة الأمريكية رأت إستبعاد مصر من قيادتها الأفريقية بغض النظر عن الحقائق الإستراتيجية والتاريخية الرئيسية المُتعلقة بمصر والتي منها مثلاً موقع مصر الجيوبوليتيكي الهام في أفريقيا وإرتباطها من خلال النيل والبحر الأحمر بهذه القارة من الوجهتين الأمنية / العسكرية والسياسية , لكن ربما رأت العسكرية الأمريكية من بين أسباب أخري أنه بإعتبار أن ميدان العمل أو الواجب القتالي الرئيسي للجيش المصري هو في مواجهة إسرائيل التي تعتبر أحد الإهتمامات الإستراتيجية العسكرية الأمريكية وهو ما تؤكده العبارات المُتكررة التي ليدلي بها كبار المسئولين في الإدارات الأمريكية المنُتعاقبة من أن أمن إسرائيل مسئولية وواجب أمريكي إذن إسرائيل بهذا المعني ذات صلة وثيقة بالأمن القومي الأمريكي , لكن بينما ركزت العسكرية الأمريكية نظرها علي الإتجاه الشرقي للعسكرية المصرية بإعتباره الأخطر إلا أن التاريخ العسكري للجيش المصري الذي يعتبر أقدم الجيوش الأفريقية ذلك أنه تكون ومصر دولة شبه مستقلة عن الدولة العثمانية في عهد محمد علي باشا (1805-1849) الذي عمل منذ عام 1815 علي بناء جيش نظامي لكنه ووجه بموقف سلبي من العسكريين الألبان والجراكسة لإدراكهم بأن ذلك سيؤدي إلي فقدانهم إمتيازاتهم فما كان منه إلا أن بعثرهم خارج القاهرة حتي يستطيع بناء هذا الجيش *( P.J Vatikiotis – The Egyptian Army in Politics .PATTERN FOR NEW NATIONS? .INDIANA  UNIVERSITY PRESS .1961 .Page 7) , هذا التاريخ يشير إلي أن واجباته القتالية مُوزعة علي إتجاهات رئيسية ثلاث هي الإتجاه الإستراتيجي الشرقي ( الإتجاه الديني / الصراعي) والإتجاه الإستراتيجي الجنوبي (الإتجاه المائي) حيث منابع ومسار النيل الذي تحرك صوبه الجيش المصري لتأمينه ففتح السودان عام 1821 والولاية الإستوائية وشمال أوغندا مُسجلاً إنتصارات ذات أثر إستراتيجي كونت في النهاية ما يمكن وصفه “بالمكانة ” لمصر , ثم الإتجاه الإستراتيجي الغربي ( الإتجاه الصحراوي) حيث ليبيا والصحراء الكبري , ( أري أن يُضاف إليها الإتجاه الإستراتيجي الشمالي حيث قبرص والبحر المتوسط الذي تحركت منه الجيوش المعادية في حربي 1956 و1967 ) , ولعل ما يثبت أن أهمية أفريقيا أو الإتجاه الإستراتيجي الجنوبي لمصر لا تقل خطورة عن الإتجاه الشرقي أن الجيش المصري في عهد إسماعيل باشا في سبيل إحكام تأمين الإتجاه الجنوبي وصل وسيطر علي معظم شواطيء الصومال وأبوك في جيبوتي وأرتريا وشمال أوغندا وحقق بالمقاييس المعيارية وقتذاك أقصي درجة من درجات الأمن القومي لمصر وأكتسب من خوض معارك خارج حدوده قدرات لم تتح لأي جيش أفريقي منها القدرة علي خوض قتال في بيئة مختلفة عن بيئة وجغرافية الوطن الأم  مما أدي إلي إكتساب خبرات متنوعة عملت علي رفع كفاءته القتالية وإستعدادته أكثر وأكثر , كما تكونت لديه تقاليد عبر هذا التاريخ الطويل , هذا بالإضافة إلي ما إكتسبه في العصر الحديث من خبرات في القتال الصحراوي من الحروب ضد إسرائيل – وبغض النظر عن بعض النتائج السلبية التي تسببت فيها القيادة السياسية للدولة وأدت للهزيمة في ثلاث من هذه الحروب – إلا أن المحصلة النهائية هي أن الجيش المصري لديه خبرات قتالية وتنظيمية وتخطيطية  نوعية متراكمة , ومع ذلك إستبعدت العسكرية الأمريكية البعد التاريخي الأفريقي للجيش المصري فهي تري عكس ما يري المسئولين المصريين الذين ما فتئوا يوضحون البعد الأفريقي لمصر فيما السياسة المصرية والعسكرية المصرية لا تولي أفريقيا أهميتها المُستحقة والأمثلة الميدانية كثيرة , فالولايات المتحدة شأن أي قوي كبري لا ترغب ولا تريد لمصر أن تكون قوة إقليمية يُعتد بها وللمقاربة أنظر مثلاً عندما بزغ نجم الدولة العلوية بقيادة محمد علي باشا وتمدد جنوباً بفتح السودان عام 1821 وإتجاهه نحو الشام ونجاحه في إخضاع نجد والحجاز لصالح الدولة العثمانية وبدء تكون مكانة مصر كقوة إقليمية دمرت بحرية فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا الأسطول المصري بقيادة إبراهيم باشا في موقعة نفارين في 20 أكتوبر1827 , ورغم ذلك إستطاعت مصر الحفاظ علي مكانتها المُكتسبة ومع تطو قوتها فرضت الدولة العثمانية – بتأليب وتشجيع من القوي الدولية – في إطار معاهدة لندن في 15 يوليو من عام 1840 شروطاً قاسية علي محمد علي بهدف تقليص قوته منها دفع جزية للخزانة العثمانية وخفض عدد الجيش المصري إلي 18 ألف جندي وعدم بناء سفن حربية حديثة إلا بتصريح من السلطان وأن تسري المعاهدات والقوانين التي تسري في تركيا في مصر , ووضعت إعتباراً وحيداً للبعد الشرقي / الإسرائيلي في علاقاتها بالعسكرية المصرية ففضلت إبقاء مصر في نطاق ولاية القيادة العسكرية المركزية بإعتبارها دولة شرق أوسطية  تنتمي عسكريتها لنهج وفكر وبيئة عسكرية مختلفة عن باقي العسكريات الأفريقية مما يجعل من الصعب – بالإضافة لعوامل أخري سياسية – تحقيق تجانس عملياتي وفي المنهجية التخطيطية  Methodology وغيرها مع الدول الأفريقية الداخلة في نطاق القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا .

ثانيهما : أن إهتمام الولايات المتحدة بإدخال مصر داخل إستراتيجيتها العسكرية بالشرق الأوسط يرجع إلي تاريخ طويل سابق بوقت طويل الإعلان عن تأسيس قيادتها العسكرية لأفريقيا , فقد بدأ الإهتمام الأمريكي / البريطاني بالأهمية العسكرية لمصر إبان الحرب العالمية الثانية حين قررت مصر الإعلان في فبراير 1945 وقبل نهاية هذه الحرب بوقت قصيرعن إنضمامها للحلفاء في قتالهم ضد دول المحور ثم تلي ذلك وبعد أن وضعت هذه الحرب أوزارها  تحرك أمريكي / بريطاني مُنسق لإشراك مصر في التنظيمات العسكرية التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية التي من بين أبرز نتائجها بداية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وحلفاءها بحلف شمال الأطلنطي والإتحاد السوفيتي وحلفاءها بالكتلة الشرقية ( كتلة حلف وارسو فيما بعد) وكان أول هذه التنظيمات مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط أو قيادة الشرق الأوسط الذي عمل الأمريكيين مع البريطانيين علي إقناع الحكومة الملكية ثم  نظام يوليو 1952 علي الإنضمام أو المشاركة في هذا المشروع وهو ما قُوبل بالرفض منهما ثم وفي مرحلة تالية أقترح الأمريكيين علي نظام 23 يوليو1952 الإنضمام للأحلاف العسكرية وهو ما رفضه أيضاً لإنتهاج مصر سياسة عدم الأإنحياز وأسباب أخري ثم جاءت مرحلة ما بعد توقيع مصر مع إسرائيل معاهدة السلام في 26 مارس 1979 التي أتاحت لأول مرة في تاريخ العلاقات العسكرية الأمريكية مع مصر توسيع التعاون أو الإرتباط العسكري إلي أبعد مدي بحيث إتسع لأمور مختلفة منها التدريبات العسكرية المُشتركة وتخصيص برنامج للمساعدات الأمريكية العسكرية والإقتصادية وهو برنامج لا سابقة أمريكية له مع دولة أفريقية ,فقد وضعت الولايات المتحدة هذا البرنامج بناء علي توقيع مصر مع إسرائيل لمعاهدة السلام في 26 مارس 1979 كما أنه برنامج لا يُقارن بأي برنامج مساعدات أو تعاون عسكري مع أي من الدول الأفريقية الـ53 الأخري الواقعة داخل نطاق ولاية القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا , ومن المؤكد بإعتبار أن مصر من بين أكبر القوي العسكرية في منطقة الشرق الأوسط التي بالرغم من توقيعها علي معاهدة السلام مع إسرائيل تظل عدواً مُحتملاً لإسرائيل وبالتالي فهذا التعاون العسكري وهذه المساعدات العسكرية الأمريكية الضخمة والسنوية لم تخصصها الولايات المتحدة لها والحالة هذه بوصفها دولة أفريقية بل بوصفها أكبر عدو مُحتمل لإسرائيل التي يعتبر ضمان أمنها أحد الأهداف الأمريكية , وعليه فإن موقع مصر الجغرافي في الركن الشمالي الشرقي لأفريقيا بالنسبة للمخطط العسكري / السياسي الأمريكي لم يكن سبباً كافياً لأن تكون مصر داخلة في نطاق ولاية القيادة العسكرية الأفريقية للولايات المتحدة , و من ثم فإن تجاوز الولايات المتحدة لهذين المبررين قد يؤكد أن من بين الأهداف الأمريكية الدائمة (لأنها إستراتيجية) حصر مصر وحصارها داخل النطاق الشرق أوسطي لأسباب معينة , وغلق السبل لأي تصور للعسكرية المصرية للنفاذ لأفريقيا وبالتحديد حوض النيل والصحراء الكبري , ولهذا نجد أن الأمريكيين عمدوا إلي إرضاء الميل الطبيعي لدي مصر بأن تُصنف كدولة أفريقية كبيرة بالرغم من إنسحاب مصر من العمل الأفريقي لفترة تزيد عن 30 عاماً مُتصلة فلا يكفي الإنتشار المصري في أفريقيا من خلال ما لا يقل عن 35 سفارة وحضور مؤتمرات قمة الإتحاد الأفريقي بوفد يرأسه وزير الخارجية المصري فرئيس مصر قرر بعد محاولة إغتياله في أديس أبابا في يونيو 1995 عدم حضور القمم الأفريقية , فوفقاً لدراسة وضعها في 3 يناير 2013 السيد /  Feikert Andrew الباحث بمركز Congressional Research Service أشار فيها إلي  أن القيادة العسكرية المركزية الأمريكية ستُبقي علي علاقاتها التقليدية مع مصر بالرغم من أن القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا تقوم بالتنسيق مع مصر بشأن قضايا مُتعلقة بالأمن الأفريقي . *(9)

2- أنه منذ الإعلان عن إقامة أفريكوم في 6 فبراير 2007 وحتي يومنا هذا لم تصل الولايات المتحدة لإتفاق مع أي من الدول الأفريقية علي إستضافة مقر دائم لقيادتها العسكرية لأفريقيا , وظل هذا الموضوع مُعلقاً , إلا أنه يُلاحظ أن الولايات المتحدة وهي تعلم مسبقاً حساسية القادة والبرلمانات الأفريقية لهذا الموضوع خاصة في الفترة السابقة علي الإعلان عنها والتي قامت فيها الولايات المتحدة بإتصالات مع بعض الدول الأفريقية الرئيسية تناولت إخطارها بإقامة هذه القيادة والحاجة إلي توفير مقر دائم لها , إلا أنها أي الولايات المتحدة تعمدت بالرغم من علمها المُسبق تضمين مسألة مقر القيادة في منطوق الإعلان عنها بالإشارة إلي أن ” الولايات المتحدة تعمل عن كثب مع الشركاء الأفارقة لتحديد الموقع الملائم لتمركز هذه القيادة ” , وسيمكن إستنتاج أن هذه الأمر أصبحت أولويته أقل أهمية من خلال الإستعراض اللاحق لتحركات وعمل القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا مع القادة السياسيين والعسكريين الأفارقة , وعلي كل حال فمازال مقر هذه القيادة    بألمانيا للآن   .

3- أشار مركز Congressional Research Service في دراسة وضعها /    Lauren Ploch المُحلل المُتخصص في الشأن الأفريقي في 22 يوليو عام 2011  بعنوان ” القيادة الأفريقية : المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة ودور العسكرية الأمريكية في أفريقيا ” , إلي أن المسئوليين الرسميين بوزارة الدفاع الأمريكية أشاروا إلي القيادة الأفريقية تلك علي أنها ” قيادة قتالية وأكثر ” ( Combatant Command “plus”) بمعني أنها في مسئولياتها ستكون ككل القيادات القتالية الجغرافية الأخري بما في ذلك إمكانية تيسير أو قيادة عمليات عسكرية مباشرة  , لكنها خلافاً للقيادات الخمس الأخري ستستخدم علي نحو واسع المدي القوة الناعمة من أجل إقامة بيئة إستقرار أمني بحيث سيعمل بها علي نحو أكبر من مثيلاتها عدد أكبر من مكون الموارد البشرية المدنية من الوكالات الحكومية الأمريكية للتعامل مع التحديات الأفريقية المُشار إليها آنفاً . (10)

علي كل حال فسيمكن إلي حد كبير من خلال التعرض في الجزء الخاص بذلك والمُتعلق بعمل وتحركات وإتصالات مسئولي القيادة العسكرية لأفريقيا بالدول الأفريقية تكوين صورة شبه كاملة عن مرامي الولايات المتحدة الإستراتيجية والتكتيكية بناء علي إنشاء هذه القيادة , وقبل ذلك أجد من الضروري تناول وبصفة موجزة قدر الإمكان للإستراتيجية الوطنية العسكرية للولايات المتحدة عن عام 2015 وإستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة في فبراير 2015 فكلاهما معاً يشكلان القاعدة التي تتحرك بناء عليهما القيادات العسكرية التسع للولايات المتحدة بل والسياسة الخارجية للولايات المتحدة أيضاً   .

فيما يلي رصد يقع في الفترة من مارس 2012 حتي ديسمبر 2015 لتحركات وتصريحات المسئولين العسكريين للقيادة العسكرية الأفريقية للولايات المتحدة في أنحاء القارة من أجل إقامة علاقات مباشرة للقيادة مع الدول الأفريقية وما يتصل بذلك من موضوعات ذات صلة مباشرة مثل مسألة مقر القيادة وعلاقة القيادة بالعمل الإنساني في القارة ومغزي ذلك من وجهة النظر الأمريكية وخصومها , علماً بأن العمل الإنساني أُشير إليه في منطوق إنشاءهذه القيادة بإعتباره أحد أهدافها ,  وإلقاء الضوء علي الجانب الإعلامي الدعائي في عمل هذه القيادة , وبالطبع هناك ضرورة من أجل بيان المسار الذي تتقدم فيه القيادة العسكرية الأمريكية التعرض إلي الإستراتيجيات والتحركات الفرنسية و الصينية والروسية في القارة الأفريقية , بالإضافة لمسائل أخري   .

والرصد الذي أشير إليه بطبيعة الحال لا يتضمن الزيارات غير المُعلن عنها ذلك أنه وعلي سبيل المثال ووفقاً لما اورده موقع   defenceWebالمختص بشئون الدفاع في أفريقيا , فإن الجنرال Carter F Ham قائد أفريكوم الذي إنتهت فترة توليه منصبه في أبريل 2013 التي دامت لعامين , قام بزيارات لنحو 42 بلد أفريقي ونحو 101 رحلة بالقارة معظمها إنطلقت من مقر AFRICOM في Stuttgart بألمانيا , كما أنه من الصعب تصور تطابق بعض المواقف الأفريقية الرافضة لتمركز AFRICOM  بها أو بأفريقيا علي وجه العموم مع تحركات AFRICOM من خلال شمول برنامج التمويل العسكري الخارجي للولايات المتحدة أو Foreign Military Financing الذي أشار موقع defenceWeb في 18 أبريل 2013  أنه نما بحيث بلغ ماعونه 45 مليون دولار في العام المالي 2011 بعد أن كان16 مليون دولارفي العام المالي 2008 , وتستفيد 18 دولة افريقية منه بتلقيها منحه وكانت أكبر بلد مستفيد منه في العام المالي 2011 كانت تونس التي خُصص لها 17 مليون دولار تليها المغرب التي خُصص لها 9 مليون دولار فليبيريا 7 مليون دولار , ومعلوم أن الدول الأفريقية الواقعة في نطاق مسئولية AFRICOM وتستفيد بدرجة أو أخري من هذا البرنامج هي : بوتسوانا وتشاد والكونجو الديموقراطية والكونجو وجيبوتي وإثيوبيا وغانا والجابون وغينيا وكينيا وليبيريا وليبيا ومالي والمغرب ونيجيريا ورواندا والسنغال وجنوب افريقيا وتنزانيا وتونس وأوغندا   .

مسألة مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا :

هناك ثمة علاقة منطقية وعملية بين موضوع مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا المُتواجدة حتي الآن فيKelley Barracks .Stuttgart. Germany والعلاقات والإتصالات الجارية بين هذه القيادة والدول الأفريقية وكوادرها العسكرية العليا , وبالرغم من أن التصريحات الرسمية لمسئولي البنتاجون والقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا تحاول أن تعطي إنطباعاً بأنه لا تفكير حالياً في إتخاذ مقر أو مقرات لهذه القيادة في بلد أو بلدان أفريقية أو أن الموضوع مطروح ولكنه ليس مُلحاً , إلا أنه في الواقع موضوع في غاية الأهمية  بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والأهداف الإستراتيجية التي تتوخاها من إنشاء قيادتها العسكرية لأفريقيا , فتموضع مقر هذه القيادة في ألمانيا للآن لا يؤدي من وجهة النظر الأمريكية إلي الإقتناع بإكتمال نجاح الإختراق الأمريكي بشكل كامل للقارة الأفريقية , فعدم قبول أي من البلاد الأفريقية لفكرة إستضافة مقر الأفريكوم للآن يعني أن الحساسية إزاء هذه الموضوع مازالت تنتابها خاصة وأنه وبغض النظر عن المميزات التي سيغدقها الأمريكيون علي البلد المُستضيف إلا أن العامل الأمني وإحتمال تآكل السيادة الوطنية بالإضافة عوامل تاريخية أخري ستعمل في الإتجاه المضاد مما سيجبر متخذ القرار في أي بلد أفريقي علي الإمتناع عن الموافقة علي إستضافة مقر هذه القيادة , ويمكن التعرف علي ذلك من الرؤية المبكرة لبعض ما كُتب في صحافة بعض الدول الأفريقية وكذلك رؤية بعض الساسة والمهتمين الأفارقة بهذا الموضوع ومن بين الأمثلة علي ذلك وهي كثيرة ما يلي :

– أشار الصحفي / Michele Ruiters بصحيفة Business Day الجنوب أفريقية والصادرة في جوهانسبرج ” أن أفريكوم سيؤدي إنشاءها إلي عدم الإستقرار الذي هو مازال بعد هشاً في القارة والمنطقة التي ستجد نفسها مُجبرة علي الإلتزام بالمصالح الأمريكي بالمعني العسكري للكلمة ”  .

– أشارت إفتتاحية صحيفة Daily Nation الكينية في 8 فبراير 2007 أي بعد يومين من الإعلان الأمريكي رسمياً عن إقامة القيادة العسكرية لأفريقيا ” تم الإعلان عن أفريكوم بالضبط وقت أن كان الرئيس الصيني / Hu Jintao يقوم بجولة في ثماني دول أفريقية للتفاوض علي صفقات تمكن الصين من تأمين تدفق البترول من أفريقيا ” .

– أشارت إفتتاحية صحيفة The Post الزامبية في 12 أبريل 2007  أن ” أفريكوم تهدف إلي ممارسة النفوذ وتهديد وإقصاء المنافسين بإستخدام القوة ” .

– أشارت صحيفة Reporter الجزائرية ´إن البلدان الأفريقية يجب عليها أن تستيقظ بعدما رأت آثار ما جري للغير أي في أفغانستان والعراق ” .

– صرح رئيس نيجيريا / Yar’Adua في أول زيارة له لواشنطن في ديسمبر 2007 بدعوة من الرئيس الأمريكي ” أنه لم يوافق علي أن الأفريكوم يجب أن تكون لها قاعدة بأفريقيا ” , وأوضح قوله ” إن ما ناقشته مع الرئيس الأمريكي Bush هو أنه إذا ما كان علينا أن نفعل شيئاً لأفريقيا فيما يتعلق بالسلام والأمن , فهو أن يساهموا , وقلت له أننا كدول أفريقية لدينا خطتنا الخاصة بنا لإقامة قيادة عسكرية مُشتركة في كل منطقة من مناطق أفريقيا ( الخمس) , وعلق المتحدث باسم الرئيس النيجيري السيد / Segun Adeniy علي تصريح الرئيس / Yar’Adua بقوله ” إن تعليقات الرئيس لم ترض الأمريكان ” , وقد تزامن مع هذا التصريح الرئاسي تصريح أدلي به Debo Bashorun (هو ضابط عمل بقوات نيجيريا المسلحة كما عمل سكرتيراً صحفياً الرئيس نيجيريا / Ibrahim Babangida في نهاية عقد الثمانينات ومعروف عنه إنتقادالجيش النيجيري ) لمراسل CNN بنيجيريا في 13 مايو 2014 تعليقاً علي دور أفريكوم في أزمة إستعادة البنات المُختطفين بقوله ” إنه أنسب وقت للأمريكيين ليفعلوا ما يريدون فعله .

لكن وبالرغم من هذا ففي تقديري أن الولايات المتحدة مصممة بشكل صارم علي النفاذ عسكرياً في أفريقيا وممارسة نفوذها السياسي علي الأفارقة أو بمعني أدق علي حكامهم في ظل تواجد عسكري يتسم للآن بالحركة الناعمة والمموهة مع إستخدام نفس الأساليب الأمريكية العتيقة التي بدأت ببرنامج النقطة الرابعة الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي / هاري ترومان عنه في رسالته للشعب الأمريكي في يناير 1952 وقال ” ليس في سائر نواحي سياستنا الخارجية ناحية أخطر ولا أهم من هذه النقطة , إذ لا شيئ أكثر منها إيضاحاً لما نعمل وشرحاً لما نريد تحقيقه ” ( سياسة أمريكا الخارجية في عام 1952 . مكتب الشئون العامة في واشنطن . مارس 1952 . صفحة 46 ) وهي أساليب تتراوح بين إستخدام الجزرة أو المساعدات والتعاون والذي يتطور مفهومه ليشمل النشاط العسكري والذي خُول للعسكرية الأمريكية أن تستنسخه في عملية إختراقها للعسكريات الأفريقية التي تتم عن طريق القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا , وبين إستخدام الزواجر أو الأساليب العقابية وهي متنوعة وتشمل الحصار الإقتصادي والمقاطعة بل وتنفيذ الإنقلابات العسكرية التي يُلاحظ بعدها تغير في عدد من القضايا المُتعلقة بالعلاقات ما بين النظم الإنقلابية والولايات المتحدة بوضوح ومن بين هذه القضايا العلاقات العسكرية مع الأمريكيين والتماهي مع نظرتهم لقضية الإرهاب التي أصبحت عماد السياسات الخارجية لعدد من الدول الأفريقية وغير قابلة للتغيير كعلم الدولة إلا قليلاً , بالرغم من الإرهاب إن كان للمرء أن يعتقد أنه قضية سياسة خارجية فالأولي أن يوصم طرفيها أي من يُتهم بممارسة الإرهاب ومن يتهمه بهذا الإتهام معاً  فهي قضية طرفين مُتداخلين ووصل التداخل والإشتباك إلي درجة أن أصبح من السهل لبعض القادة الأفارقة قذف خصومهم ومعارضيهم في هوة تهمة الإرهاب السحيقة والتي بلا قرار  .

يُلاحظ أن العلاقات القائمة والنشطة بين الدول الأفريقية والقيادة العسكرية الامريكية لأفريقيا لا يحبذ المسئولين الأفارقة الحديث عنها , أما من جانب المسئوليين العسكريين للأفريكوم فلا يتحدثون عن إتصالاتهم بشأن العلاقات العسكرية الأمريكية من خلال هذه القيادة مع الدول الأفريقية إلا بحساب ولذلك أري أن تضمين منطوق إنشاء AFRICOM لأهداف إنسانية وصحية وتنموية , لم يأت إعتباطاً فقد جاء لتحقيق مزيج من المبررات التي يمكن أن تطفو فوقها الإتصالات العسكرية والأمنية الأمريكية مع الدول الأفريقية بإخفاءها أو خفض المرئي منها بحجاب من الأهداف الإنسانية والتنموية المُعلن عن أن هذه القيادة مسئولة عن تحقيقها من خلال التعاون مع الدول الأفريقية ,  وعليه فإن الإتصالات الأمريكية / الأفريقية تجري بأدني قدر ممكن من العلانية أو الظهور Very Low Profile حفاظاً علي حرية الحركة الأمريكية في قضية حساسة كقضية التعاون العسكري بين قوي كبري ودول تتلقي المساعدات وتقبلها كمبدأ راسخ في سياستها الخارجية في نفس الوقت الذي تتذرع فيه بالخشية علي المس بسيادتها عند الحديث في موضوعات مختلفة في علاقاتها بالقوي الكبري وعلي رأسها الولايات المتحدة كموضوع إستضافة مقر قيادتها العسكرية لأفريقيا لدي هذه الدولة أو تلك , ولذلك تظل معارضة بعض الدول الأفريقية للتعاون مع أفريكوم أو علي الأقل عدم تعاونها بشكل كاف مكتومة في صدور مسئوليها خشية من تداعيات سلبية علي مجمل العلاقات الأمريكية مع هذه الدول , كما أن الصحافة الأفريقية من جهتها تقتصد في الإهتمام ومتابعة تطور علاقة الدولة الأفريقية التي تصدر فيها بالولايات المتحدة عندما يكون الموضوع متعلق بعلاقة هذه الدولة بالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا , ومن الأمثلة القليلة علي عدم ترحيب دولة أفريقية بهذه القيادة ما صرح به وزير الدولة الجزائري للشئون الخارجية / محمد بيدجاوي عندما سُئل عن : لماذا لا يوجد مقترح من أجل التعاون في مواجهة الإرهاب مع الجزائر التي خاضت تجربة بسبب المستوي المرتفع للعنف الإرهابي في عقد التسعينات بها ؟ فقال ” كيف يمكن للولايات المتحدة أن تقسم العالم علي قياداتها العسكرية ؟ ألم يكن هذا أمر منوط بالأمم المتحدة أن تفعله ؟ وما الذي يمكن أن يحدث لو أن الصين هي الأخري قررت أن تقيم قيادة ( عسكرية) لأفريقيا ؟ ألا يؤدي ذلك إلي الصراع في القارة ؟  , ومثال آخر من الأمثلة القليلة جداً التي صدرت مبكراً لتعارض القيادة العسكرية الامريكية لأفريقيا ذلك التصريح الذي أدلي به سفير ليبيا في جنوب أفريقيا / عبد الله الزبيد وقال فيه ” إن تزايد الوجود العسكري الأمريكي في أفريقيا يؤدي ببساطة إلي حماية أنظمة غير شعبية والتي تعتبر أنظمة صديقة تخدم المصالح الأمريكية كما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة وكل ذلك وأفريقيا تغرق في الفقر ” .

لم تمنع التصريحات المباشرة والقليلة التي صدرت عن مسئوليين أفارقة التوجه الأمريكي نحو غرس القيادة العسكرية لأفريقيا في الفضاءين السياسي والعسكري الأفريقي , وأستطاعت  السياسة العسكرية الأمريكية أن تميز في وقت مبكر بين الرفض الأفريقي لإستضافة مقر AFRICOM وبين إرساء قواعد وبناء جسور للإتصالات والتعاون العسكري بين AFRICOM والمؤسسات العسكرية الأفريقية أو معظمها علي الأقل , ذلك أن وزارة الدفاع الأمريكية ومراكز العصف الذهني وجلسات الإستماع في الكونجرس لابد أنها أشارت في خلاصات تقاريرها إلي أنه من المرجح جداً أن تلقي مسألة إستضافة أي من الدول الافريقية للمقر رفضاً وربما إنتقاداً من بعض هذه الدول , ولهذا فقد  أتاحت البراجماتية او المرونة التي يتسم بها الفكرين السياسي والعسكري الأمريكي للولايات المتحدة طرح مسألة إستضافة مقر  AFRICOM جانباً مبكراً لإستغلال الوقت في بدء هذه الإتصالات وبناء الجسور بين الدول الأفريقية و AFRICOM وبالفعل فقد مضت هذه الإتصالات قدما مع الكثير من الدول الأفريقية كما سيرد لاحقاً بلا حرج أو تحفظ إلا من قبل القليل من دول أخري  .

إن قضية المقر لا تتأسس عليها وحدها إستراتيجية إقامة AFRICOM فمقر القيادة العسكرية المركزية الأمريكية    USCENTCOM  للآن بالولايات المتحدة في MacDill Air Force Base .FL كما أن القيادة الأمريكية العسكرية الجنوبية USSOUTHCOM مقرها في Miami بالولايات المتحدة أيضاً , وبالتالي فلا يعتبر تمركز القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في Stuttgart أمر لا سابقة له , وإن كانت قيادة AFRICOM والبنتاجون يفضلان أن يكون مقرها داخل أفريقيا لأسباب مختلفة أهمها الأسباب العملياتية والمالية , لكن طالما شكلت حساسية الدول الأفريقية هاجساً دائماً لديها علي إعتبار الخشية من تأثير تمركز هذه القيادة بأفريقياعلي سياداتها وعلي أمنها الوطني كذلك , وعليه فسيظل مقر هذه القيادة خارج القارة الأفريقية , ولكن كل ذلك يدفع إلي التساؤل عن  مخاوف الأفارقة من إستضافة مقر  AFRICOM؟ ومن بين من أجابوا علي هذا السؤال الضروري مبكراً الدكتور  Wafula Okumu رئيس برنامج تحليل الأمن الأفريقي بمعهد دراسات الأمن ببريتوريا بجنوب أفريقيا وذلك في شهادته التي أدلي بها أمام  اللجنة الفرعية عن أفريقيا والصحة العالمية التابعة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي في الثاني من أغسطس 2007 وكانت شهادته تلك تحت عنوان : ” القيادة الأفريقية : فرصة لتقوية الإرتباط أم لعسكرة العلاقات الأمريكية مع أفريقيا ؟  وقد حصر الدكتورOkumu تحفظات أو مخاوف الأفارقة  حيال مهام وأهداف AFRICOM وإستضافة مقرها في تسع نقاط هي :

*  أن أي بلد ستستضيف مقر هذه القيادة سوف تتعرض لإنتقادات بسبب خرق الموقف الأفريقي المُشترك المُتعلق بالأمن والدفاع الأفريقي والذي من أن يحبط إستضافة قوات أجنبية علي أراضي القارة , خاصة لو هذه القوات يمكن إستخدامها لتقوض معاهدة عدم الإعتداء التي وقعتها جميع الدول الأفريقية في إطار منظمتهم القارية .

* يتذكر الأفارقة بشدة أن الإستعمار سبقه بعثات تنصيرية وخيرية مدعين أن الله أرسلهم لتخليصهم من براثن البربرية , وكما قال جومو كينياتا مُحرر كينيا من الإستعمار البريطاني فإن المستعمرين أتوا لنا وفي يدهم الإنجيل وطلبوا منا أن نقفل أعيننا لنصلي وعندما فتحناها بعد صلاتنا وجدنا أن في يده الاخري مدفع وراحت أراضينا نهباً له , والآن وبعد إنتهاء الحقبة الإستعمارية وعي الأفارقة دروس التاريخ الإستعماري معهم ولذا فهم يحرسون إستقلالهم ولديهم شك كبير في الأجانب حتي هؤلاء الذين يأتون بحسن النوايا  .

* عندما يتأمل الأفارقة ملياً علاقات القارة بالولايات المتحدة فإنهم يرون فيها الغموض والأهمال والإرتباطات الإنتقائية , وعلي سبيل المثال في فترة تصفية الإستعمار لم تدعم الولايات المتحدة صراحة مبادارات تصفية الإستعمار التي نهضت بها الأمم المتحدة , خاصة وأن ذلك الأمر لم يكن متفقاً مع أوضاع ومواقف الحرب الباردة   , وغالباً ما كانت الولايات المتحدة مترددة في تأييد حركات التحرير المُضادة للإستعمار والفصل العنصري بالجنوب الأفريقي  .

* إن الأفارقة لا يستريحون في التعامل مع العسكرية في الموضوعات المُتعلقة بالتنمية والسيادة , فالأفارقة يدركون أن AFRICOM فيها من الضرر أكثر مما فيها من النفع , وهم مرتاحون للتعامل مع الدبلوماسية الأمريكية ووكالة التنمية الأمريكية USAID وفرق السلام الأمريكية أكثر مما هي الحال مع البحرية والعسكرية الأمريكية  .

* تزامن الإعلان عن والترويج لـ  AFRICOM مع المناقشات التي أدت إلي تحول منظمة الوحدة الأفريقية إلي مرحلة الإتحاد الأفريقي وإقامة حكومة إتحادية أفريقية , وكان هناك ثمة مشاعر بدت في إجتماع تشاوري للإتحاد الأفريقي في Lusaka بزامبيا مفادها أن AFRICOM ما هي إلا محاولة أمريكية للإيحاء بأن الإتحاد الأفريقي يجري فحصه وإختباره في ظل تواجد عسكري أمريكي كثيف بالقارة وهذا الموقف الأفريقي حيال هذه القيادة مؤسس علي مسلسل من التدخلات العسكرية الأمريكية في أفريقيا , وبل ويتساءل البعض من الأفارقة : لماذا لم نر القوات الأمريكية وهي تتدخل لتمنع من قاموا بالتطهير العرقي في رواندا ؟ ولماذا ظلت القوات الأمريكية راسية علي ساحل ليبيريا آمنة في الوقت الذي كانت فيه هذه الدولة التي كانت مستعمرة أنشأتها الولايات المتحدة إنشاء في أفريقيا تتحلل بقسوة عام 2003 ؟ , ولماذا لم تؤيدالولايات المتحدة بعثة  AMISOM التابعة للإتحاد الأفريقي في الصومال علي حين دعمت وأيدت التدخل الإثيوبي بواسطة القوة الجوية من الـ  CJTF-HOA (Operation Enduring Freedom – Horn of Africa (OEF-HOA)) المُتمركزة في جيبوتي ؟ وهو ما يجعل المرء يلقي السؤال التالي : هل الولايات المتحدة معنية حقيقةً بإصلاح شأنها والشعور بالإحتياجات الأمنية للأفارقة  ؟ أم أن وجودها العسكري المُقترح من خلال AFRICOM يُنذر بنوع من الدمار نراه حالياً بالصومال ؟ ولماذا واشنطن ليس بقادرة لعمل شيئ ما للإستجابة لإحتياج الأفارقة لتعديل سياستها التجارية معهم ؟ وإذا ما كانت الولايات المتحدة تريد فعلاً المشاركة في عملية التنمية بالقارة فلماذا لا تؤيد إطار ” الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا ” NEPAD ؟ .

* لم يُستشر الأفارقة أبداً عند وضع الولايات المتحدة للمنظور والمفهوم الفكري للقيادة العسكرية لأفريقيا , بل قدم الأمريكيون للأفارقة AFRICOM كأمر واقع Fait Accompli في الوقت الذي أدرك فيه الأفارقة مرحلة الشعور العالي بالأهمية والثقة في قيادة مصيرهم  .

* هناك ثمة قلق أفريقي من أن تزحف AFRICOM ببطء لتنتقل وتتحول من مرحلة العناية بالشئون الإنسانية – التي تضمنها منطوق إنشاءها – لمرحلة التدخل العسكري كما أكدت ذلك عملية ” إستعادة الأمل ” في الصومال عام 1992 , كما ان عملية التحول تلك يمكن أن تحدث من خلال الإرتباط القائم بين  قضايا الطاقة والفقر والإرهاب والمصالح الأمريكية بشكل أو بآخر .

* يدرك الأفارقة تماماً سجل الولايات المتحدة في العراق ولذلك فهم قلقون من أن البنتاجون هو من يتولي ويقود دور الترويج للمصالح الأمريكية في قارتهم , وعليه فإن AFRICOM يمكن أن تُري كما أراد الرئيس الأمريكي Bush لها أن تكون مدخلاً لإستخدام القوة العسكرية لتحقيق ومتابعة المصالح الإستراتيجية الأمريكية , وعليه فإن AFRICOM لن تعمل فقط علي عسكرة العلاقات الأمريكية الأفريقية بل وعسكرة تلك البلاد الأفريقية التي ستتمركز فيها هذه القيادة العسكرية, ومما سيؤدي إلي نشوء معارضة مسلحة داخل هذه البلاد للتواجد العسكري الأمريكي  .

* تلقي الأفارقة رسائل مختلطة من الولايات المتحدة أدت إلي فوضي وزيادة في الشكوك الأفريقية قبل الولايات المتحدة , ففي عام 1995 أشارت وزارة الدفاع الأمريكية في سياق ” إستراتيجية أمن الولايات المتحدة في أفريقيا جنوب الصحراء ” إلي أن الولايات المتحدة ” لديها القليل من المصالح الإستراتيجية في أفريقيا ” لكننا نجد السيدة / Theresa Whelan مساعدة وزير الدفاع الأمريكي تقول مؤخراً بأن أفريقيا تقدم عشرات الآلاف من الوظائف لمواطني الولايات المتحدة , وتمتلك 8% من بترول العالم وهي مصدر رئيسي للمعادن بالغة الأهمية والسلع الغذائية , كما أن السيد Ryan Henry نائب مساعد الدفاع الأمريكي المعني بالسياسات ورجل البنتاجون المتخصص في موضوع القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا قال أن هذه القيادة ليست بغرض شن الحرب , ولكنها للعمل بالتوافق مع شركاء الولايات المتحدة الأفارقة من أجل بيئة أكثر إستقراراً والتي يمكن أن يكون فيها حيز للنمو والتنمية الإقتصادية , فيما قال الجنرال Wald قائد القيادة ” إنني أتمني أن تكون قواعد متقدمة في أفريقيا , فالعالم قد تغير ونحن ماضون لصناعة أمننا , فالأيام الذهبية قد ولت ” , كما أن الجنرال Bantz Craddock قائد القيادة العسكرية الامريكية لأوروبا EUCOM قال للصحافة في واشنطن في يونيو 2007 أن حماية أصولنا في الطاقة خاصة في غرب أفريقيا وخليج غينيا ستقودنا إلي التركيز علي AFRICOM التي ستعين الدول ( في غرب أفريقيا ) علي تحسين أمنها في أي نوع من الإنتاج بترول أو غاز طبيعي أو معادن ” .

علق الدكتور/ Wafula Okumu علي الأمر برمته فقال أن معظم الدول الأفريقية يساورها القلق من إستضافة AFRICOM وكان بعضها واضحاً في إعلان معارضته بينما أبدي البعض الآخر خشيته حتي من إستضافة بلد مجاور له لمقر  AFRICOM وهذه الدول في معظمها علي وعي بأن السخاء البادي في إرسال الولايات المتحدة لمستشاريها العسكريين إليها يمكن وبسهولة أن يتحول إلي إرسال تقليدية وعسكرية صرفة لأغراض التدخل   .

بيد أني أري أن السؤال الأكثر أهمية هو : إن كانت AFRICOM في جزء هام من مهامها وسيلة للتنمية والعمل الإنساني فلم لا تنهض بهذه المهام مباشرة مؤسسات أو وكالات امريكية معنية ومتخصصة مثل USAID أو منظمات غير حكومية قادرة لديها سجل في التعامل مع الأوبئة والأمراض وهي كثيرة متنوعة بالولايات المتحدة وتعمل بالفعل في أفريقيا ؟ ولماذا لا تنهض الدول الأفريقية بنفسها بواجباتها الأصلية حيال مواطنيها في الشئون الصحية والإنسانية وما هي مبررات وجود وزارات الصحة والشئون الإجتماعية في الدول الأفريقية في الوقت الذي تعلن فيه القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا عن أنه من بين أهدافها الهدف الرابع الوارد في منطوق إنشاءها رسمياً وهو ” تقوية جهود الولايات المتحدة لجلب السلام والأمن لشعوب أفريقيا والـترويج لأهدافنا المشتركة في التنمية والصحة والتعليم والديموقراطية والنمو الإقتصادي ”  وتدخل هذه القيادة العسكرية القتالية في هذه الأنشطة لا ينصرف معناه في تقديري علي إساءة التقدير للوزارات المسئولة في دولها أمام برلماناتها عن كفاءة الأداء فحسب بل وأيضاً ففي نهوض AFRICOM بمهام تتعلق بالديمواطية مثلاً ما يتناقض مع طبيعتها العسكرية الصرفة كما أنه تحييد لمهمة مؤسسة المعهد الوطني الديموقراطي National Democratic Institute  , وبالإضافة إلي ذلك فلم يُلاحظ أن القيادات العسكرية الأمريكية الخمس الأخري معنية بالشئون الإنسانية بهذا القدر كما هي الحال مع AFRICOM , وكيف تعمل AFRICOM علي تحقيق تواجدها في الشأن العسكري الأفريقي في الوقت الذي يسعي فيه الأفارقة مع تبايناتهم السياسية علي البحث عن نظام دفاعي / عسكري / أمني جماعي في إطار الإتحاد الأفريقي ؟ وهو سؤال سيتضح لاحقاً عند الحديث عن الموضوع الدفاعي أو العسكري في إطار القيادات العسكرية التي تعمل في إطار الإتحاد الأفريقي وتلك التي تعمل في إطار منظمات إقليمية مثل SADC  أوECWAS وغيرهما , ولهذا يمكن القول بشكل عام أن AFRICOM ليس إلا أداة أمريكية مُكملة لمنظومات القيادات العسكرية الأمريكية التي وزعتها الإستراتيجية الدفاعية الأمريكية علي العالم جغرافياً حماية للمصالح الأمريكية الحالية والمرتقبة .

تبذل الولايات المتحدة جهوداً دبلوماسية وإعلامية (ستأتي لاحقاً إشارة للجانب الإعلامي لأفريكوم لأهميتها) من خلال القيادة العسكرية الأفريقية للولايات المتحدة وإتصالاتها بمتخذي القرار السياسي وبصناع السياسة الأفريقية و بالإعلامين الأفارقة بالعديد من الدول الأفريقية لتكوين قطاع عريض نسبياً من الأفارقة موال للمدخل العسكري الأمريكي المُضاف للعلاقات الأمريكية / الأفريقية منذ عام 2007 , بحيث يكون هذا القطاع الموالي مُروجاً لفكرة أن لا بأس من التعاون مع AFRICOM , ,ولعل أبرز الحالات أو الأمثلة الدالة علي ذلك حالة غانا التي تعتبر من نقاط الإرتكاز المهمة للأفريكوم في غرب أفريقيا وفيها نجد السيدAbednego Orstin Rawlings  القيادي بحزب المؤتمر الديموقراطي الحاكم NDC في غانا يقول في مقابلة صحفية لصحيفة غانية بعد عودته من الولايات حيث دُعي للمشاركة في في مؤتمر عن القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا ” إن الوقت قد حان للأفارقة لإحتضان القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا , وأنظروا لفرنسا وما فعلته في ساحل العاج وما يجري في ليبيا من قبل الـ  NATO ” بل لقد ذهب السيد / Rawlings إلي أبعد من ذلك عندما قال ” إنني أناشد الرئيس الأمريكي / Barrack Obama ألا يتردد في إستخدام زيارته لغانا في الدفع بأجندة إنشاء الأفريكوم في القارة بمقراتها في Accra بغانا لأن الرئيس السابق / George Walker Bush ووزير الدفاع الأسبق/ Robert Gates  أعلنا عن إقامة أفريكوم في فبراير 2007 منبهين بالأهمية الإستراتيجية لأفريقيا ” بل وصل الأمر بالسيد / Rawlings بأن قال ” إن أفريكوم كانت رؤية للزعيم الغاني /  Nkrumahومن يقفون موقفاً مُضاداً للأفريكوم فهم ضد Nkruma ” ( شبكة Ghana News في 27 أكتوبر 2013 ) وهو بالطبع كلام بلغ من الشذوذ مبلغه ذلك أن الرئيس الغاني الأسبق / كوامي نكروما كان علي سبيل المثال يستنكر نموذج الجماعات الإتحادية غير الطبيعية Unnatural Communities التي تربط أفريقيا بقارات أخري , ولا ننسي أن الرئيس الأسبق / نكروما كان ممن تمسكوا بوجوب الإتحاد الأفريقي الفوري والشامل قبل أن تمر فترة بعد الإستقلال يزيد فيها تمسك كل بلد بسيادته وتقدم بخطته للمؤتمر الأول لقمة الدول الأفريقية المستقلة بأديس أبابا في 28 مايو1963 والذي إنتهي بالتوقيع علي ميثاق أديس أبابا وكانت خطة نكروما للإتحاد الأفريقي مفصلة وتضمنت وجوب أن يكون للإتحاد الأفريقي عاصمة ودستور وعملة وبنك مركزي وسياسة خارجية مشتركة ودبلوماسية مُوحدة إلي غير ذلك , كما كان الرئيس الغاني الأسبق / Nkruma أول لمن إستخدم تعبير ” الإستعمار الجديد ” وذلك في كتابه ” إني أتحدث عن الحرية ” وهو تعبير ردده أمام مؤتمر القمة الأفريقي الأول في أديس أبابا 13 مرة ( نزيه نصيف  ميخائيل . النظم السياسية في أفريقيا  تطورها وإتجاهها نحو الوحدة . دار الكاتب العربي للطباعة والنشر 1967 . صفحة 161 و 175)    .

– وقد يمكن الإستدلال علي وجهة النظر الأمريكية في مسألة تموضع مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في بلد أفريقي ما من خلال تتبع التصريحات الأمريكية وبعض التطورات المُتعلقة بهذا الشأن خلال السنوات الثلاث الماضية  وذلك علي الوجه الآتي :

* أشار موقعNairaland Forum  بتاريخ 20 نوفمبر 2007 إلي أن  حكومة نيجيريا الفيدرالية أعلنت يوم الأثنين الماضي أنها سوف لا تستضيف القيادة العسكرية الأمريكية الجديدة لأفريقيا , وأشار الموقع أن ذلك الإعلان الرسمي لموقف الحكومة إزاء هذا الموضوع أتي عندما إلتقي رئيس نيجيريا / Umaru Yar’Adua محافظي الولايات والمشرعين , وأشار الموقع إلي أن نيجيريا أيضاً ضد إتخاذ القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا قاعدة لها في أي مكان آخر بغرب أفريقيا وفقاً لما قاله محافظ ولاية Kwara السيد / Bukola Saraki والذي أعلن بعد مقابلتهم للرئيس عن موقف حكومة نيجيريا الرسمي في هذا الشأن , وأشار الموقع إلي أن جنوب أفريقيا وليبيا عبرا عن تحفظاتهما حيالأي تحرك يبدو علي أنه توسع في نفوذ الولايات المتحدة بالقارة الأفريقية ويمكن أن يركز بصفة أولية علي حماية المصالح البترولية .

* نشر موقع القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في الأول من مارس 2012 مُلخصاً للشهادة التي أدلي بها بواشنطن في 29 فبراير 2012 الجنرال / Carter F. Ham أمام لجنة الخدمات المُسلحة رد فيها علي الأسئلة التي وجهها إليه أعضاء اللجنة ومن بينها سؤال عن إعادة تمركز هذه القيادة حيث أوضح ” أن بقاء مقر هذه القيادة بأوروبا هو الخيار الأكثر تكلفة وفاعلية وأن الولايات المتحدة تستفيد من قاعدة مستمرة بأفريقيا هي قاعدة معسكر Camp Lemonnier بجيبوتي وتتخذها قاعدة لعملياتها ولقوات حلفاءها وهي تقدم الدعم لأنشطة أمنية إقليمية ” .

* أشار قائد الأفريكوم الجنرال / Carter Ham في زيارة له لنامبيا في نوفمبر2012 إلي أنه ” ليس لدينا نية ولا خطة ولا مصلحة ولا مال لكي نقيم قاعدة أمريكية في الجنوب الأفريقي ولا في أي مكان آخر بأفريقيا فيما عدا ذلك المكان الذي لنا تواجد دائم به في جيبوتي ” , لكنه إستدرك فقال ” لم يعرب لي أي من القادة العسكريين الأأفارقة عن قلق أو عدم ترحيب بإستمرار التعاون مع الأفريكوم في خضم التقارير السلبية بشأن الأفريكوم ” وأردف قائلاً ” لم أزر بلداً أفريقياً وأسمع من مسئوليه الحكوميين يقولون أننا لا نريدك أن تعود ثانية ,  بل كانوا دائماً ما يقولون دعنا ننظر إلي المزيد من من الفرص حتي نقوم بالعمل بشأنها سوياً …. فالقضايا المهمة للأمن الأفريقي هي ذاتها المهمة للأمن الأمريكي ”

* ثار جدل ونقاش في الكونجرس ومجلس النواب الأمريكي حول مسألة نقل القيادة الأفريقية للولايات المتحدة داخل أو علي الأراضي الأفريقية وتردد المسئوليين الأمريكيين في محاولة القيام بهذه الخطوة , وإتصالاً بذلك صرح الجنرال / Carter Ham في 17 ديسمبر 2012 بأن ” ميزانية البنتاجون المُتقلصة تلزمه بأن ينصح البنتاجون بعدم تحريك مقرات القيادة العسكرية الأمريكية الأفريقية من حيث هي بألمانيا لأي مكان آخر ” وأردف قوله ” أنه قال لوزير الدفاع الأمريكي أن ذلك الأمر سيكلفنا الكثير ” .

* أشار موقع STARS AND STRIPES التابع للجيش الأمريكي في 18 ديسمبر 2012 للإعلان الصادر عن القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا بشأن إنشاء قوة تدخل سريع وإجابة قائد الأفريكوم الجنرال / Carter Hamعن سؤال وُجه إليه بمناسبة إلقاءه لكلمة في George Washington University مفاده : لماذا أستغرق إنشاء هذه القوة وقتاً طويلاً بالرغم من أن الأفريكوم أصبحت مُكتملة من الناحية العملياتية منذ عام 2008 وبالرغم من أن القيادات العسكرية الأمريكية الأخري كان لديها قوة للتدخل السريع خاصة بها ؟ وكان رد الجنرال أن الموضوع كان مُتعلقاً بتوفر القوات ذلك أنه كانت هناك إرتباطات لهذه القوات في مناطق عدة بالعالم , وأنه عندما نتحدث عن الإستجابة السريعة (للتدخل) فإن موضوع الموقع يصبح موضوعاً أساسياً للعمل خاصة في أفريقيا التي تتولي مسئوليتها العسكرية فيها الأفريكوم وهي قارة كبيرة تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة الولايات المتحدة تقريباً ” وقد أشار المتحدث باسم الأفريكوم / Benjamin Benson أن قوة التدخل السريع تلك ستعمل من موقع بمنطقة  Fort Carson  بولاية Colorado الأمريكية , وأوضح أن المسافة عامل رئيسي عند عمل أي شيئ في أفريقيا بوجه خاص , وعندما سُئل عما إذا كان وحدة التدخل السريع تلك ستتمركز في أوروبا أم أفريقيا ؟ إلا أن المتحدث لم يرد التعليق عن الموقع المُحدد لها بإعتبار أن تحركاتها تتسم بالسرية , وأشار الموقع إلي أنه بالنسبة لتموضع قوات من أفريكوم في أفريقيا يمكن القول أن هذه القضية  تتسم بقدر من الحساسية وهو أمر يشرح تردد أفريكوم في مناقشة تواجد قوات خاصة تابعة لها بأفريقيا , ولكن علي أية حال فإن عاملين سابقين يقولون أنهم لا يتوقعون ألا تبقي هذه القوة الخاصة وقتاً طويلاً بالولايات المتحدة فالسفر الطويل للقوة من حيث هي بالولايات المتحدة لمناطق مهامها بأفريقيا سيؤثر علي فاعلية العمل والمهام , وأشار الموقع إلي أن هذه القوة الخاصة للتدخل السريع التابعة للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا ستتخذ من Fort Carson قاعدة لها  وهي في نفس الوقت قاعدة لمجموعة القوات الخاصة العاشرة , وأنه من المحتمل أن فريق عمل قوة التدخل السريع تلك سيتمركز لاحقاً في أفريقيا  .

* بث موقع  WorldTribune.com في 21 يناير 2013 ونقلت عنه مواقع أخري من واقع بيان صادر عن البنتاجون في 24 ديسمبر 2012 أن الولايات المتحدة سترسل قوات قوامها الإجمالي 3,500 فرد من الفرقة الثانية الثقيلة مشاة المُقاتلة والتابعة لقوات المشاة المتمركزة في Fort  Riley بولاية Kansas وسيتوجهون إلي خمسة وثلاثين دولة أفريقية عام 2013 للتعامل مع أنشطة القاعدة وما شابهها المُتزايدة في أفريقيا .

* أشار الجنرال / Carter F. Ham قائد الأفريكوم في بيان أدلت به / Elizabeth Robbins المتحدثة باسم البنتاجون ونشره موقع Stars and Stripes في 5 فبراير 2013 حيث أوضح فيه أن ” قرار الإحتفاظ بمقرات الأفريكوم في Stuttgart  قائم علي الإحتياجات العملياتية للقيادة , وأن وزير الدفاع الأمريكي تم إبلاغه برأي قائد الأفريكوم و بالدراسة المُتعلقة بالمواقع والتي أشارت إلي أن الموقع الحالي يخدم الإحتياجات العملياتية للأفريكوم بشكل أفضل من الموقع الذي بداخل أراضي الولايات المتحدة ” وهو ما أكده في إجتماع بمقر القيادة الأفريقية في Stuttgart في  ديسمبر 2012 الجنرال / Martin Dempsey رئيس هيئة الأركان الأمريكية المُشتركة حيث قال أن القيادة الأفريقية الأمريكية يجب ان تظل في Stuttgart  , لكن تجدر الإشارة إلي أن تصريح قائد الأفريكوم  لم يكن ليستبعد إمكانية إختيار مقر هذه القيادة في بلد أفريقي فالمقارنة التي عقدها كانت ما بين الموقع الحالي لمقر القيادة بألمانيا والذي يعد قيادة  offshore والموقع البديل بداخل الولايات المتحدة في South Carolina أو Virginia  .

* أرسل وزير الدفاع الأمريكي/ Leon Panetta  قبل تقاعده في فبراير 2013 خطاباً للكونجرس الأمريكي يشير فيه إلي ” أنه لن يوصي بإعادة تموضع مقرات القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا علي أراضي الولايات المتحدة ” , وأوضح ” أنه لإعتبارات عملياتية بشأن النفاذ إلي القارة الأفريقية فإن تحريك القوات سيعمل علي ترجيح مسألة عدم مردودية ذلك من الوجهة المالية ” , فيما كان وزير الدفاع الأمريكي الأسبق / Chuck Hagel وخلال زيارته إلي Charleston بالولايات المتحدة أشار إلي أنه سيراجع وينظر في قرار تموضع القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في Charleston ( التي تتوفر بها بنية أساسية تصلح للأغراض العسكرية ولديها روابط تاريخية بأفريقيا ) بإعتبار أنه يري أن الوقت قد حان لنقل هذه القيادة إلي Charleston فنقل القيادة إليها وفقاً لدراسة أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية عام 2008 سيوفر 800 مليون دولار علي مدي السنوات الخمس القادمة من تاريخ وضع هذه الدراسة بما يعني أنها خطوة إيجابية في خطة خفض الميزانية الأمريكية بمبلغ 900 بليون دولار علي مدي عشر سنوات لاحقة .

* أشارت شبكة PolitiFact في 10 يونيو 2013 إلي ما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقةHillary Clinton في كتابها المُعنون بــ ” خيارات صعبة ” أو ” Hard Choices” حيث وصفت الوجود الأمريكي بأفريقيا بأنه يكاد أن يكون لا وجود له , وهو ما أشارت هذه الشبكة بأن ما قالته السيدة / Clinton زائف فالوجود العسكري الأمريكي كثيف في أفريقيا وهو أمر يستند إلي تصريحات صادرة عن مسئوليين بوزارة الدفاع الأمريكية , كما أن معسكر Camp Lemonnier بجيبوتي وحده به ما بين 2000 إلي 4000 من الأفراد العسكريين والمدنيين الأمريكيين وهم أي الأمريكلن دائماً ما يحاولون تقليص هذا العدد بوصف بعض من يعملون لدي الجيش الأمريكي بأهم متعاقدون , بالإضافة إلي ان القوات الأمريكية منخرطة بالفعل في عدد من العمليات العسكرية في أنحاء القارة الأفريقية في الجزائر وأنجولا وبنين وبوركينافاسو وبوروندي والكاميرون وجزر الرأس الأخضر والسنغال وجزر سيشل وتوجو وتونس وأوغندا وزامبيا وغيرهم (علي سبيل المثال أعلنت الولايات المتحدة في فبراير 2013 عن إقامة  قاعدة جديدة للطائرات المُوجهة عن بعد بالنيجر كما أرسلت الولايات المتحدة في مايو 2013 نحو 80 عسكري أمريكي لتشاد للعمل في قاعدة أقيمت للطائرات المُوجهة عن بعد DRONES وإدارة عملية مسح جوي للبحث عن البنات اللائي قيل أن جماعة Boko Haram إختطفتهم من منطقة بشمال نيجيريا المجاورة وبعد فترة أعترفت أفريكوم عن أنها خفضت عدد الطلعات الجوية والمسح الجوي للبحث عنهن من أجل التركيز علي مهام أخري) , كذلك أفاد المتحدث باسم السيدة / Hillary Clinton هذه الشبكة التي نشرت هذه الإفادة في نفس هذا التاريخ بأن أفريكوم لا قاعدة لها حتي في أفريقيا , فمقراتها في ألمانيا حيث 1500 من أفرادها البالغ عددهم 2000 فرد ما بين مدنيين وعسكرين ومتعاقدين مُقيمين هناك حيث القليل جداً من البنية العسكرية والتسليح المُتقدم  والقطع البحرية الحربية , أما بالنسبة لميزانية وزارة الدفاع السنوية البالغة 250 بليون دولار فنصيب القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا فيها بلغ 275 مليون دولار في ميزانية عام 2012 , فيما أفاد المتحدث باسم أفريكوم بأن أوروبا تبلغ من الوجهة الجغرافية ثلث مساحة أفريقيا ومع ذلك فبها 12 ضعف عدد القوات الأمريكية, بل إن البلاد الصغيرة كأفغانستان وكوريا الجنوبية لديها خمسة أضعاف القوات الأمريكية أي أكبر من كل القوات التي لدي أفريقيا .

* نشر موقع  STARS AND STRIPES التابع للجيش الأمريكي بتاريخ 10 سبتمبر 2013 أنه في وقت مبكر من هذا العام إختارت وزارة الدفاع الإحتفاظ بمقر القيادة العسكرية الأمريكية في Stuttgart وذلك بعد مراجعة داخلية للتكاليف والمنافع لعمل هذه القيادة من موقعها ذاك بأوروبا بدلاً من إعادة تمركزها بالولايات المتحدة الأمريكية , وأشار الموقع إلي أن مكتب محاسبات الحكومة الأمريكية يجادل فيما إذا كان التحليل المالي الذي أجرته وزارة الدفاع الأمريكية قد فشل في شرح الفوائد العملياتية من بقاء المقر بألمانيا بشكل كامل , وأنه لم يوازن بين ذلك الإختيار وبين العوامل المُضادة التي من بينها توفير ملايين الدولارات في حال ما أعيد تمركز هذه القيادة بالولايات المتحدة , كما أن مراجعة مكتب محاسبات الحكومة الأمريكية لعملية إعادة تمركز مقر القيادة أتت بناء علي تقارير تشير إلي أن وزارة الدفاع الأمريكية تنظر في إعادة تنظيم وهيكلة هذه القيادة بما في ذلك إمكانية إندماج الأفريكوم ثانية مع القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا  EUCOM والتي كانت تتولي مسئولية معظم القارة الأفريقية قبل أن تصبح أفريكوم قيادة مُنفصلة , كما أن وزارة الدفاع الأمريكية وفقاً لمكتب محاسبات الحكومة نظرت أيضاً في عملية الدمج تلك عام 2011 لكنها تخلت عن الفكرة في ذلك الوقت , ومن جهتها وإزاء تقرير مكتب محاسبات الحكومة في هذا الشأن قالت وزارة الدفاع الأمريكية أنها سوف تنظر في عدة خيارات مُتعلقة بالموضوع لمواجهة متطلبات قانون ضبط الميزانية وما يتعلق منه بإجراء تخفيضات علي المدي البعيد , ولهذا فإن وزارة الدفاع سستقوم بإجراء تحليل شامل ومستندي موثق في هذا الأمر , ذلك أن تقرير مكتب المحاسبات أشار إلي أن علي وزارة الدفاع الشروع في وضع دراسة جديدة تركز علي النواحي العملياتية والمنافع العائدة من بدائل التمركز للأفريكوم وأشار هذا التقرير إلي أن هذه الخيارات أو البدائل لابد أن تشمل تموضع بعض مقرات أفراد الأفريكوم في مواقع متقدمة – لم يحددها التقرير – بينما يتم تحريك البعض الآخر للولايات المتحدة .

من جهة أخري أشارت شبكة Press T.V الإيرانية في 10 سبتمبر2013 نقلاً عن تقرير حكومي أمريكي إشارته إلي أن عملية إعادة تمركز الأفريكوم ستوفر علي الحكومة الأمريكية 65 مليون دولار سنوياً وسينشأ عنها وظائف جديدة وإشارته إلي التساؤلات المتعلقة بالحكمة من خطة البنتاجون للإبقاء علي القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في ألمانيا

* تحت عنوان “Senators look at jobs and money in push to bring AFRICOM to Hampton Roads ” كتب  LAURIE SIMMONS في 12 سبتمبر 2013 أن السيناتور Mark Warner أشار إلي ” أن مئات الملايين من الدولارات يمكن أن يوفرها البنتاجون لو أنه قرر نقل القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في Hampton Roads بالولايات المتحدةكما أنه يمكن في هذه الحالة إنشاء وظائف جديدة لنحو 4,300 مواطن أمريكي وتحويل نحو 450 مليون دولار للصرف داخل الإقتصاد الأمريكي وتوفير نحو 70 مليون دولار سنوياً من ميزانية وزارة الدفاع , كما أنني لا أوافق علي فكرة أن الكفاءة العملياتية يجب أن تعلو فوق وفورات يستفيد منها دافعي الضرائب الأمريكيين ” , واشار موقع The Cavalier Daily في 16 سبتمبر 2013 إلي أن كل من السيناتور/ Mark Warner والسيناتور/  Tim Kaine أرسلا  منذ نحو أسبوع خطاباً إلي وزير الدفاع الأمريكي /  Chuck Hagel بشأن مقترحهما لجعل إعادة تمركز القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا من مقرها في ألمانيا  لتكون في Hampton Roads وذلك عقب تقرير مكتب المحاسبات الحكومي الأمريكي الذي صدر منذ أيام قليلة سابقة علي خطابهما والذي جادل ضد قرار وزارة الدفاع الأمريكية المُتخذ في يناير 2013 بالإبقاء علي مقر هذه القيادة حيث هي بألمانيا , وكان أهم ما أشار إليه خطابهما أن  Hampton Roads بها بنية عسكرية مؤهلة ومنشآت للتدريب ومرافق للتعليم وموارد للقيادة والتحكم وكلها يمكن أن تدعم مهمة الأفريكوم , كما أن Hampton Roads مقر لكلية الأركان للقوات المسلحة ومقر لأحد كيانات حلف NATO وهذه وتلك كلها يمكن أن تؤدي لحوار بين أفريكوم وحلفاء الولايات المتحدة في حلف NATO والذي يقوم بجهود في تحقيق الإستقرار بأفريقيا خاصة في القرن الافريقي , كما نوها في الخطاب بأن أفريكوم عند إنشاءها عام 2007 إتخذت من Stuttgart بألمانيا مقراً مؤقتاً لها علي إعتبار أن أن الهدف النهائي كان تمركز هذه القيادة بأفريقيا , ولكن – كما أشار النائبان- عاملي التكلفة والأمان في المواقع المُقترحة لتمركز هذه القيادة أخرا نقلها , وفي تعليق علي مقترح النائبان أشار السيد Geoff Skelley المتحدث باسم مركز السياسات أن نقل القيادة إلي Hampton Roads يمكن أن يحقق فوائد سياسية للنائبين .

– أوردت صحيفة New York Times في أكتوبر 2014 أن الجنرال David M. Rodriguez قائد أفريكوم أبلغ الكونجرس بأن العسكرية كان تبحث في زيادة تواجدها في أفريقيا بينما تتقلص إلتزاماتها في أفغانستان والعراق وأشار إلي ما نصه ” بينما نخفض من مُتطلباتنا الروتينية في مناطق القتال , فإننا نستخدم هذه القوات لتحقيق أثر عظيم في أفريقيا ” وبالطبع فإن هذه الإشارة من قائد الأفريكوم ذات معاني مُتعددة تتعلق بحقيقة وإن بمدي نسبي بالأرقام المُعلنة عن المُخصصات المالية للأفريكوم وكذلك عدد القوات الأمريكية التابعة للأفريكوم في أفريقيا  .

* نظمت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا زيارة بدأت في 11 أغسطس 2014 للقواعد العسكرية الأمريكية في SAN DIEGO تحت مُسمي برنامج التعريف أو familiarization program , ودُعي لهذه الزيارة تسعة من كبار العسكريين من Kenya و Tunisia و Madagascar وRepublic of Congo و  Ethiopia و Botswana و Gabon و Comoros  وكان بعض هؤلاء العسكريون قد أنهي دراسات عسكرية أو شارك قبل ذلك في تدريبات متعددة الجنسيات , وربما كان في زيارة كتلك لقواعد الولايات المتحدة العسكرية في جزيرة SAN DIEGO ذات صلة بشكل أو بآخر بالخطوات التدريجية التي تقوم بها العسكرية الأمريكية لفتح منافذ لدي العسكريين الأفارقة لتقبل فكرة القواعد الأمريكية المستمرة في بلادهم وبمعني آخر قبول مسألة إستضافة مقر القيادة العسكرية الأفريقية الأمريكية .

* أوردت وكالة الأنباء الفرنسية AFP في يناير 2015 أن اسبانيا بدأت التفاوض مع الولايات المتحدة لإستضافة قوة التدخل التابعة للبحرية الأمريكية من أجل التمركز لمهام في أفريقيا والتي تأسست عام 2013 بشكل مؤقت ويبلغ قوامها 800 فرد مع إسناد جوي , ونقلت الوكالة عن صحف أسبانية إشارتها إلي ان الإتفاق الجديد بين اسبانيا والولايات المتحدة في هذا الشأن ربما يؤدي إلي زيادة قوة هذه الوحدة العسكرية إلي 3,000 فرد عند الحاجة لذلك .

* أشار المركز الصحفي للقوات الجوية بوزارة الدفاع الأمريكية في 28 سبمبر 2015 إلي ” أن البنتاجون قرر الحفاظ علي مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في Stuttgart بألمانيا وبالقرب من مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا وذلك علي مدي المستقبل المنظور , ونحن بالتأكيد في الوقت الحالي ننظر في عدد من البدائل ” , كما نقل المركز الصحفي للقوات الجوية بوزارة الدفاع الأمريكية عن  Bryan Whitman المتحدث باسم البنتاجون قوله ” أن مغادرة الأفريقيوم لألمانيا سيسمح للأفريكوم بإكتساب الخبرة وتطوير العلاقات مع الشركاء الأفارقة والأوروبيين , لكن في نهاية اليوم قُرر بأن أفضل موقع للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا الآن وحتي المستقبل المنظور هي في موقعها الحالي بألمانيا ” , ومن جهة أخري أشار المراقب العام Richard Eckstrom الرئيس المُشارك للجنة المُنشأة لحماية والتوسع في التواجد العسكري بـ South Carolina ” أنه لا يمكن تجنب نقل الأفريكوم وأن الإعلان الحالي الذي صدر عن المركز الصحفي للقوات الجوية حجر عثرة علي الطريق ” وأشار إلي ” أن وزير الدفاع / Robert Gates أجل البت في مسألة إعادة تموضع مركز القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا لتتخذه الإدارة الأمريكية الجديدة ” , وأكد أنهم ” سيظلون متفائلين بشأن المزايا العسكرية التي بـ Charleston , من جهة أخري أشارت مصادر صحفية إلي أن مسئوليين من وزارة الدفاع الأمريكية كانوا في Charleston منذ أسبوع ( أي في منتصف سبتمبر 2015 ) وكان من رأيهم إعادة تموضع الأفريكوم في ولاية Georgia الأمريكية  ,

ما يتوفر من معلومات لا يشير إلي أن مسألة عدم تموضع القيادة العسكرية الأمريكية في مقر ثابت معلن بدولة أفريقية أوأكثر أعاق هذه القيادة عن الحركة الحرة نسبياً في الولوج إلي والتواجد علي أراضي دول أفريقية مما أحال موضوع توفر هذه القيادة علي مقر ثابت إلي أن يكون نظرياً , فمن بين المعلومات التي تؤكد ذلك أن الولايات المتحدة لديها في بعض الدول الأفريقية كالنيجر ونيجيريا ومالي وتشاد قواعد لإطلاق الطائرات المُوجهة عن بعد Drones وتواجد لعناصر عسكرية أمريكية في 35 بلد أفريقي بمبرر مُشترك ألا وهو محاربة الإرهاب , ففي ديسمبر 2012 وفي ندوة بجامعة Brown بالولايات المتحدة أشار الجنرال / Carter F. Ham إلي أن العسكرية الأمريكية ستبدأ أو توسع من عملياتها في مالي والسودان والجزائر والصومال وأكثر 24 دولة أفريقية أخري , وفي هذا الشأن اشارت وكالة Associated Press في ديسمبر 2012 إلي أن قيادة الجيش الأمريكي ستبدأ في إرسال فرق صغيرة إلي 35 دولة افريقية في مستهل 2013 جزء منهم لمهام تدريبية لمحاربة الإرهابيين ولتوفير قوات أمريكية مُدربة ميدانياً ومستعدة للإرسال لأفريقيا حال نشوء الحاجة لذلك , كما ان هذه الفرق في معظمها لأغراض التدريب حصرياً وسوف لا يُسمح لها بإدارة عمليات بدون موافقة محددة وإضافية من وزير الدفاع الأمريكي  .

بالرغم من أن قادة AFRICOM المتعاقبون يعمدون إما إلي تجاهل مسألة مقر هذه القيادة بصفة عامة أو التهوين من شأنها بالقول بأنها غير جوهرية أو أن هناك ثمة إكتفاء بتواجد المقر في Stuttgart  بألمانيا إلا أن دراسة بعنوان ” القيادة الأفريقية : مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية ودور عسكرية الولايات المتحدة في أفريقيا ” وضعها السيد Lauren Ploch صادرة في 22 يوليو 2011 عن Congressional Rsearch Service  أشارت في الصفحة التاسعة إلي أن ” مسئولي وزارة الدفاع الأمريكية يشددون علي أن AFRICOM مازالت قيد التطوير , وأن بعض التفاصيل فيما يتعلق بهيكل القيادة وتواجدها مازالا قيد المراجعة . وأن القرار بصدد المقرات النهائية ومواضعها أُرجئ لعام 2012 كي يتيح للقيادة إكتساب فهماً أكبر لمتطلباتها العملياتية طويلة الأمد , وأن نقل المقرات لأفريقيا كما كانت وزارة الدفاع تتصوره ربما لا يحدث لسنوات عديدة قادمة , وعليه فإن مسئولي وزارة الدفاع يفكرون بصفة أولية في تأسيس مكاتب فرعية في الأقاليم الأفريقية لكنها تلقت ما يفيد بمقاومة من الخارجية الأمريكية تقوم علي قلق من أن يكون لذلك علاقة بسلطة رئيس البعثة ( الدبلوماسية) , كما ان الرسميين يشددون علي أنه ليس هناك من خطط فيما يتعلق بإقامة قواعد عسكرية جديدة في أفريقيا , وكما أكد مرة مسئولي وزارة الدفاع في عهد الرئيس Bush  من أن إقامة AFRICOM يعكس ” تغير تنظيمي أكثر مما يعكس تغييراً في الهيكل القاعدي أو تموضع القوات في القارة ” .

نــــتــــيـــجـــة :

إذا ما إنتقل مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا من ألمانيا إلي المغرب أو ليبريا كما ،ُشر هذه الأيام إذن فنحن مقبلون علي مرحلة مواجهة بين السياسات والتخطيط العسكري الأمريكي وبين السياسات والتخطيط العسكري الروسي والصيني في أفريقيا وفي هذه المرحلة ستجني العسكرية الأمريكية كل مزايا التوطن إن إتخذت مقرها علي أرض دولة أفريقية ما , وسيترتب علي إنتقال المقر من ألمانيا إلي دولة أفريقية تنامي التدخل الصهيوني في أفريقيا بإعتبار أن ما يربط بين الولايات المتحدة والكيان الصهيونية رابطة عضوية من بينها إتفاقيات التفاهم الإستراتيجي المختلفة التي تؤهل دولة الكيان الصهيوني للتعاون مع الولايات المتحدة بشكل إستراتيجي في أفريقيا , علماً بأن دولة الكيان الصهيوني أصبحت منذ حوال العام داخل نطاق القيادة المركزية أو الوسطي العسكرية الأمريكية بعد أن كانت في نطاق ولاية القيادة العسكرية الأوروبية الأمريكية .

5/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى