مشكلة الاندماج الوطني في رواندا
اعداد : هبة خالد جمال عبدالرازق – باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة :
تتميز المجتمعات الإفريقية بتنوع أشكال التعددية وأنماطها سواء تعددية إثنية ولغوية ودينية، فمثلاً على الصعيد اللغوي نجد أن هناك أكثر من 2000 لغة ولهجة، وعلى صعيد التعدد الديني يشهد الواقع الإفريقي تعددية في الأديان، وهي الإسلام والمسيحية وبعض الأديان التقليدية التي لا تخرج عن نطاقها الجغرافي، إلا أن أهم تعددية هي التعددية الإثنية، التي كانت سبباً في نشوء العديد من النزاعات ذات الطابع الإثني ومنها: نزاع الهوتو والتوتسي في رواندا وبوروندي.
وتعد مشكلة الاندماج الوطني، أو بناء الأمة، أو ما يطلق عليها أزمة الهوية من اعقد المشكلات التي تواجه الدول الإفريقية منذ استقلالها، بل أنها تتصدر مشكلات الفقر والتخلف، على اعتبار أنه بدون ايجاد حل لها، فأنه يصعب أن يتحقق للجسد السياسي ذلك القدر من الاستقرار الذي يمكنه من مواجهة سائر المكلات الأخرى([1]).
ولقد كان للاستعمار سبب في تقسيم القارة الإفريقية دون مراعاة للجماعات الإثنية والعرقية، مما نتج عن ذلك مشكلة في عملية بناء الدولة مع الأمة فيما يعرفه الباحثين بمشكلة الاندماج الوطني، فمنذ بداية عقد التسعينيات كانت رواندا مسرحاً لأبشع حروب الإبادة الجمعية راح ضحيتها ما يقارب المليون نسمة، وأدت إلى استقالة الرئيس بيزي مونجو الذي لم يستطع إدارة البلاد بعد أن غرقت في فوضى عارمة،على إثر هذه الظروف اندلعت الحرب الأهلية في رواندا بين الحكومة والحركة الوطنية الرواندية، واجهت فيها الهوتو الأغلبية والتوتسي الأقلية، واستمر النزاع إلى أن أفضى لحدوث حرب لحدوث حرب إبادة جماعية استمرت ثلاثة أشهر، وتعتبر هذه المذابح رابع أكبر إبادة جماعية في التاريخ الجديد. وسيتناول البحث تعريف الاندماج الوطني، أبعاد مشكلة الاندماج الوطني في رواندا، وأسبابها، الانتخابات وتغيير النظام وسياسات معالجة هذه المشكلة في رواندا.
أولاً: تعريف الاندماج الوطني
إن مفهوم الاندماج الوطني من المفاهيم الجوهرية التي لا يوجد اتفاق بين الدراسين حول المقصود به شأن كثير من مفاهيم العلوم السياسية، فقد ورد لفظ اندماجIntegration في قاموس أكسفورد بمعنى العملية التي يتم من خلالها جميع الأجزاء المختلفة لتكون كلاً متكاملاً، وتتعدد التعريفات التي تصدت لمفهوم الاندماج الوطني كما تختلف أساليب تناوله([2]).
ويفرق الدكتور إبراهيم نصر الدين أزمة الاندماج على أنه أزمة علاقات أفقية بين الجماعات المكونة للدولة، وبين الاندماج السياسي الذي يعتبره علاقات رأسية داخل المجتمع، وينشأ نتيجة لعدم رضا المواطنين على حكومتهم، أما أزمة الاندماج الوطني فهي أزمة بين الجماعات المكونة للدولة؛ نتيجة عدم استعدادهم للتعامل مع بعضهم البعض([3]).
في حين يعرف الدكتور إكرام بدر الدين مفهوم الاندماج على أنه عملية تحقيق التجانس داخل الكيان السياسي والاجتماعي، حيث تتخطى الولاءات الفرعية، ويكون الولاء الأعلى للدولة بكل مكوناتها ومؤسساتها، وهنا يوضح مفهوم الاندماج باعتباره درجة من درجات الاندماج السياسي، دون الاهتمام بالعلاقات الأفقية التي تتم بين مكونات الدولة([4]).
في حين يرى دكتور على مزروعي أن الاندماج له مستويين: المستوى الخاص، الذي يعني تحويل الولاءات الفرعية ونقلها إلى مستوى الكيان الوطني لتندمج فيه، أما المستوى العام فهو يجتمع فيه كل خطوات بناء الأمة، وهي تنصهر الولاءات الفرعية الكيان، وليس مجرد دمج، وأن يكون هناك علاقة اعتماد اقتصادي بين الجماعات المكونة للدولة، وأن تلجأ إلى أنظمة مؤسسية في حالةوقوع خلافات فيما بينهم، وأن يكون هناك اندماج اجتماعي لكي يحد من الفروقات والتقديرات التي توجد داخل المجتمع ما بين النخبة والجماهير([5]).
ويتبلور مفهوم الاندماج الوطني في عدة جوانب أهمها([6]):
- تحقيق الانسجام والتجانس في العلاقات الأفقية في المجتمع.
- تأسيس وتنمية الولاء الوطني بدلاً من الاهتمام بالولاءات الفرعية الضيقة.
- وجود إحساس متشرك بين أعضاء المجتمع يساعد على تعزيز التضامن والهوية.
- إن الاحتفاظ ببعض الولاءات الفرعية، سواء أكانت إثنية أم لغويةأم دينية(اندماج وظيفي) لا يتعارض بالضرورة مع تحقيق مستوى معين من الاندماج.
رغم التعريفات الكثيرة لهذا المفهوم، نجد أن الاندماج يستخدم لخلق هوية وطنية مشتركة للمجتمع والدولة، ومدى رغبة الجماعات المكونة للدولة في العيش معاً في إطار سياسي واحد ويستخدم في إزالة الاختلافات والصراعات العرقية.
ثانياً: أبعاد مشكلة الأندماج في رواندا
تختلف الأبعاد والمتغيرات التي تساهم في بلورة مشكلة الاندماج الوطني، وأن التعدد والاختلاف وعدم التجانس لا يمثل في حد ذاته مشكلة ما لم يقترن بعملية تعبئة للاختلافات في المجتمع، مما يساهم في تعزيز الشعور بعدم الرضا والسخط لدي بعض الجماعات التي تدفع بمطالبها الكثيرة والمتعددة نحو المركزية([7]).
- البعد الإثني
رواندا يسكنها ثلاث مجموعات إثنية وهما الهوتو بنسبة84٪ ، والتوتسي بنسبة 15٪ و التوا بنسبة 1٪، وكان الهوتو عمالاً زراعيين بشكل رئيسي بينما كان التوتسي ملاك الأراضي، و يمكن إرجاع الصراع الأهلي الرواندي إلى الحكم الاستعماري البلجيكي في الفترة من 1916 إلى 1962 والذي تميز بانقسامات متباينة بين الإثنيتين الرئيسيتين من قبل الإدارة الاستعمارية.
وفي عام 1994 تم ذبح ما يقرب من 800000 رجل وامرأة وطفل بوحشية في غضون 100 يوم، و تشير التقديرات إلى أنه في غضون أربعة أشهر توفي 1.75 مليون شخص، أو ربع سكان البلاد قبل الحرب، أو فروا من البلاد. وتصاعدت المذبحة إلى إبادة جماعية بدأت في 7 أبريل 1994 وأسفرت عن مقتل ما يصل إلى مليون شخص، وأثر هذا الحدث المروع بشكل رئيسي على الزراعة ، المهنة الرئيسية للسكان، حيث تصاعدت الحرب الأهلية في منتصف موسم النمو، وقدرت المنظمات غير الحكومية أن الخسارة الإجمالية للحصاد خلال فترة الإبادة الجماعية كانت تصل إلى 60 ٪([8]).
- البعد اللغوي
سياسة اللغة في رواندا قبل الإبادة الجماعية عام 1994، كانت اللغة في رواندا مسألة غير معقدة نسبيًا مثل العديد من الدول في إفريقيا بعد الاستعمار، وكان لرواندا سياسة ثنائية اللغة الرسمية، تتكون من لغة محلية وهي( كينيارواندا)، ولغة دولية وهي(الفرنسية)، واللغة الاستعمارية السابقة، على عكس البلدان الأخرى في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويتحدث جميع سكان رواندا تقريبًا لغة مشتركة وهي (كينيارواندا)، ولم تكن اللغة الفرنسية مستخدمة على نطاق واسع في المجتمع على الرغم من أنها كانت وسيلة التدريس، وبعد الإبادة الجماعية، ظهرت مجموعة خاصة من الضروريات اللغوية داخل البلاد ، ويرجع إلى ذلك في إعادة مجموعة من الروانديين مثل التوتسي الموجودين في البلدان الناطقة بالإنجليزية في شرق إفريقيا (كينيا وتنزانيا وأوغندا)، وفي عام 2008 تم استخدام اللغة الإنجليزية في جميع المدارس التي ترعاها الحكومة([9]).
- البعد الديني
غالبية سكان رواندا من المسيحيين بنسبة 45 ٪ ينتمون إلى العقيدة الكاثوليكية، و 35 ٪ إلى العقيدة البروتستانتية، وحوالي 5٪ فقط يعتنقون الإسلام، وهذا يرجع في المقام الأول إلى الاستعمار الألماني الأول والبلجيكي. وفيما يتعلق بالتوزيع الإقليمي لمختلف الجماعات الدينية، نجد أن الدين الكاثوليكي، يسود في جميع المقاطعات تقريباً مع أعلى نسبة في الشمال، وفى حين أن أتباع الديانات البروتستانتية تسود في مقاطعات الغرب والشرق، وكذلك مدينة كيغالي حيث تمثل أكثر من 42% من السكان، وباستثناء المسلمين54% منهم يعيشون في المناطق الحضرية([10]).
ثالثاً:أسباب مشكلة الاندماج في رواندا
شهدت رواندا في العقد الأخير من القرن العشرين حرب أهلية تعد من أبشع الحروب الأهلية التي شهدتها أفريقيا والذي راح ضحيتها مليون نسمة من الروانديين ، وكان سببها الصراع بين الهوتو والتوتسي حيث تمثل جماعة الهوتو الغالبية من سكان رواند وتمثل جماعة التوتسي الأقلية، فالصراع والنزاع وغياب ثقافة التعايش من الأخر وعدم تقبل الأخر أدى لواحدة من أبشع الحروب الأهلية في تلك الفترة، وأ ثارها المدمرة للاقتصاد و غياب الاستقرار السياسي، لكن هذه الحرب وهذا النزاع ما هم إلا أحد صور الإرث الاستعماري، فالاستعمار في رواندا هو ما ساعد على ترسيخ الكراهية بين الهوتو و التوتسي إلى أن اندلعت تلك الحرب في رواندا والتي راح ضحيتها قرابة المليون إنسان.
- الأسباب السياسية
لقد أسهمت الإثنيات في رواندا في تأجيج الصراعات على خلفيات وأجندات تنافسية، ولعب الاستعمار الألماني والبلجيكي دوراً محورياً في الدولة الرواندية وتكويناتها الإثنية والحزبية، فرواندا تعاقب عليها المستعمرون حيث كانت رواندا تحت سلطة الاستعمار الألماني منذ نهاية القرن التاسع عشر وانتهى الاستعمار الألماني في عام 1918م حيث بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى فقدت أجزاء من أراضيها كما فقدت مستعمراتها ومن تلك المستعمرات كانت رواندا ثم وضعت رواندا بعد ذلك تحت سلطة الاحتلال البلجيكي، وأدت ممارسات الاحتلال البلجيكي للتأثير على السلام الداخلي لرواندا و تعميق الخلاف بين مكونات المجتمع الرواندي تحديداً الهوتو و التوتسي([11]).
إن سيطرة التوتسي الرعاة الذين قدموا من الشمال ليبسطوا سيطرتهم على حكم الهوتو، والذين كانوا يحترفون الزراعة، وعرف التوتسي بنظرتهم الاستعلائية على الآخرين وعملوا على تمديد نفوذهم مستندين على الخلفية التراتبية المعقدة والمتنوعة في تقاليد المجتمع الرواندي، وفي عام 1930 تم اصدار بطاقة الهوية والتي كانت تشير إلى الإثنية التي ينتمي إليها الشخص، وكانت تتاح فرص العمل في شتى المجالات في الدولة، وإن الإجراءات الإدارية والقانونية كان هدفها يعمل على تصنيف مجموعة الهوتو كمواطنين من الدرجة الثانية، وكذلك الحال في فرص التعليم التي كانت تتاح للتوتسي أكثر من الهوتو([12]).
وفي بداية الخمسينيات من القرن الماضي بدأت رياح التغيير من قبل المواطنين الروانديين، ونادوا بالحرية والديمقراطية والاستقلال وتصاعدت هذه الأصوات، وفي أواخر عام 1959 جاء لحادث عرضي، حيث تم الهجوم على أحد زعماء الهوتو المحليين بواسطة شباب التوتسي، ولقد تسربت إشاعة بمقتل الزعيم فكانت هذه الحادثة شرارة التي اشتعلت فتيل الانتفاضة في كل المناطق الريفية حيث يتواجد أغلبية الهوتو، وقام بعض الشباب الهوتو بمطاردة التوتسي واشعال النيران في منازلهم، مما أثار الرعب والخوف لدي التوتسي.
ويرى الكثير من المحللين أن الثورة الرواندية 1959 كانت مصاحبة لعوامل إثنية خلفها الاستعمار البلجيكي، والبعض يقول أن قيادات السلطة الاستعمارية البلجيكية وبعض زعماء الكنيسة الكاثوليكية يدعمون التغيير لصالح الهوتو، والذي يشكلون أغلبية السكان وبالذات في المناطق الريفية، وان احتجاجات الهوتو كانت تهدف إلى انهاء امتيازات التوتسي في مجالات التوظيف وانهاء حالة التمييز ضد الهوتو. بينما كان للعوامل الداخلية أثر في اشعال الثورة الرواندية وكان نتيجة افتقار المناطق الريفية وإطلاق يد الزعماء المحليين للحكم فب المناطق الريفية ثم المنازعات حول الأرض كعامل محوري في تفجير الصراع متزامناً مع انسحاب السلطات البلجيكية، كل ذلك أدى إلى انتصار مرشحي الهوتو في انتخابات 1960-1961([13]).
وفي عام 1960، أجريت أول انتخابات فى رواندا، وفاز بها بارمهوتو بأغلبية ساحقة، وكانت هذه بداية الاستقلال، الحكم الذاتي، وحصلت رواندا على استقلالها عام 1962، وحتى حصول رواندا على استقلالها كانت جزء من الكنغو البلجيكية ، وعقب الاستقلال كانت الدولة تفتقر إلى البنية التحية، ولكن وجود إمكانيات زراعية ساعدت الشعب الرواندى على التعايش، ونتجية لسوء الاداء الاقتصادى للنظام، ولم يكن أمام هابياريمانا، أي خيار سوى إفساح المجال أمام الداخل بالتحرير السياسي([14]).
وبناءً على ذلك نجد أن العوامل التي عرقلت قيام الدولة القومية في رواندا تتمثل في
- الآثار السلبية المرتبطة بالميراث الاستعماري (النزاعات الاثنية).
- عدم قدرة الدولة على بناء الشرعية والهيمنة العسكرية.
- ضعف الدولة وهشاشة المجتمع المدني
- تبنيها نظام الحزب الواحد.
الأسباب الاقتصادية
لقد كانت هناك عدة مؤشرات اقتصادية داخل رواندا ساهمت في زيادة مشاكل الفقر والمرض والبطالة، مما جعل هناك حالة من الاضطراب الذي قاد إلى النزاع، فمن بين هذه المؤشرات تبنيها لسياسة تنموية خاطئة بعد استقلالها، والتقسيمات الاستعمارية لم تكن تراعي على الإطلاق التركيبات الإثنية بقدر حرصها على تنمية مشاريعها الزراعية والتعدينية، فهي خلقت حدود مصطنعة جعلت المواصلات وتسويق المنتجات الإفريقية أمراً صعباً خاصة أن تعاني من نقص الطرقات بسبب طبيعة أراضيها.
لقد مرت رواندا من الاقتصاد التلقائي إلى الاقتصاد السلعي، وأول من أدخل نظام العمل بأجر هي البعثات التبشرية الكاثوليكية، وفي أواخر الثمانينات انخفض سعر البن، ومرت البلاد بموجة جفاف1988-1989، وتفاقمت أزمة الغذاء، وتزايدت معدلات البطالة، مع انتشار الفساد والثراء غير المشروع، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية، ازدادت حدة الصراع السياسي بين النخبة من الهوتو ، وهوتو الشمال، وهوتو الوسط والجنوب وتفشى الفساد السياسي مع تدهور الاقتصاد، وكان الرئيس هابياريمانا يعتمد على المساعدات الخارجية بتأييد النخب له مما جعل هناك فوارق بين عامة الشعب والطبقات العليا من الوزراء وضباط الجيش الإداريين.
يعاني الاقتصاد الرواندي من الممارسات الاستعمارية التي لها أثر بالغ في تخلف الدولة، وأصبحت تعاني من نمط جديد وهو التبعية عن طريق برامج المساعدات التي تقدمها الدول الصناعية لأسباب سياسية ، ومثال على ذلك ما حصل في عهدالرئيس هيباريمانا الذي لم يستطع تطوير الاقتصاد المحلي فبمجرد تقلص الدعم الخارجي في أواخر الثمانينات بدأ في تفكك وانتشر الفساد بين النخب العسكرية الحاكمة وترتب على ذلك غضب الشعب، وأوصحت الحكومة الرواندية بإلغاء القيود على التجارة الخارجية، وتخفيض قيمة العملة الوطنية، وإلغاء سياسة دعم الانتاج المحلي والخصخصة وتسريح الموظفين، نتيجة لذلك انهارت أسعار البن في السوق الدولية بنسبة50%، الأمر الذي سبب خسائر فادحة للاقتصاد الرواندي ([15]).
ويمكن تلخيص التدهور الاقتصادي في
- ضعف مستوى الدخل الفردي بسبب الأزمة الاقتصادية.
- نقص الموارد الأولية وعدم الاستغلال الأمثل لها.
- حجم السكان وصغر المساحة.
- التمييز الإثني.
- عدم الاستقرار السياسي والفساد الإداري.
- الاعتماد على الزراعة في اقتصادها وضعف القطاعات الأخرى.
رابعاً: الانتخابات وتغيير النظام في رواندا
كان نظام الحكم في رواندا (نظام الحزب الواحد)، وهو ما يميز دولة رواندا هو القطبية الثنائية بين جماعة الهوتو والأقلية من جماعة التوتسي، ووجود عدد من اللاجئين من التوتسي في منطقة البحيرات، ودخلت رواندافي مرحلة التحول نحو التعدد الحزبي وتزامن ذلك مع بداية الحرب الأهلية أكتوبر1990 وبين الحركة الوطنية الرواندية، والنخبة الحاكمة والمعارضة الديمقراطية المحلية.
وبعد الاستقلال تم إجراء انتخابات تشريعية في عام 1961، وحصل حزب بارميهوتو على أغلب المقاعد، وأصدر المجلس التشريعي قراراً بإلغاء الملكية، وأعلن إنشاء الجمهورية وانتخب كاييباندا رئيساً للجمهورية في عام1961. ثم استولى وزير الدفاع هابياريمانا 1973 وهو من جماعة الهوتو واستمر يحكم عبر الحزب الواحد إلى أن أجبر بضغوط دولية وداخلية للمشاركة في السلطة حتى تم الوصول إلى اتفاق أروشا في عام 1993، وحاول التوتسي استعادة سلطاتهم، بينما عمل الهوتو على المحافظة على السلطة بأيديهم في الفترة (1962-1973) و(1973-1994).
حدد دستور عام 2003 الأساس للنظام السياسي في رواندا وطبيعة النظام السياسي، وينص الدستور على المبدأ الأساسي القاضي بإنشاء هيئات السلطتين التنفيذية والتشريعية عن طريق انتخابات متعددة الأحزاب، كما تنص المادة 60 من الدستور على أن الفروع الثلاثة للحكومة هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. والفروع الثلاثة منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض ولكنها متكاملة، ويحدد الدستور مسؤولياتها ونظامها وطريقة عملها، وتكفل الدولة إسناد ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى أشخاص يتمتعون بالكفاءة والنزاهة المطلوبة للوفاء بالمسؤوليات الممنوحة للفروع الثلاث ([16]).
وفي 2003 تم إجراء انتخابات تشريعية وحصلت الجبهة الرواندية على نسبة 73,8% في الانتخابات التشريعية، وفي ظل غياب الديمقراطية كما كان الوضع عام 1961، ووصفت انتخابات 2003 بأنها استراتيجية ناجحة وفعالة لشرعية حكومة الجبهة الوطنية الرواندية.
وفي 2010 أيضاً تم إجراء الانتخابات التشريعية ونالت الجبهة الوطنية الأغلبية المطلقة في الانتخابات وتم تنصيب الرئيس بول كاغامي رئيساً لرواندا حتي عام 2017. ثم فوزه بولاية ثالثة بأغلبية ساحقة.
نجد هنا أن رواندا بعد الإبادة الجماعية عام1994، سيطر عليه الحزب الواحد، ويصنف هذا النظام بالاستبداد الانتخابى، وهو شكل جديد من النظام الغير ديموقراطى، والذى يستخدم أداة الديموقراطية الليبرالية، وهى إجراء انتخابات منتظمة للحفاظ على سلطتها الاستبدادية.
خامساً: سياسات معالجة مشكلة الاندماج في رواندا
ارتبطت مشكلة الاندماج بالسياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الرواندي، وهو ما انعكس على حالة عدم الاستقرار السياسي خلال فترات الحكم المتعاقبة منذ الاستقلال، وقد ارتبطت أساليب التعامل مع مشكلة الاندماج الوطني بالمحددات التي فرضتها البيئة الرواندية على العملية السياسية في جميع مراحلها، وهو ما يوفر لنا تنوعاً في الأساليب التي اتبعتها الأنظمة الحاكمة منذ الاستقلال، حيث لعبت توجهات النخب الرواندية دوراً كبيراً في سياساتهم تجاه هذه المشكلة.
وبعد انتهاء الحرب الأهلية و أعمال القتل و العنف في يوليو 1994م كانت رواندا في حاجة لعملية شاملة لإعادة الإعمار في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لما خلفته الحرب الأهلية من تدمير للاقتصاد و شيوع حالة من عدم الاستقرار السياسي فضلا عن تدمير البنية التحتية في رواندا، فهذه الحالة تحتاج للعمل على اصلاح الأوضاع في جميع المجالات([17]). تطور سياسة معالجة مشكلة الاندماج خلال أنظمة الحكم المتعاقبة في رواندا على النحو الآتي:
- سياسات الوحدة قبل الاستعمار
مع نهاية القرن التاسع عشر كانت رواندا مملكة ذات نظام مركزي يقوم على التراتبية، ويولي أهمية إلى التمايز الطبقي الذي يهيمن على ما يعرف اليوم بدولة رواندا، وتشكل العشسرة والأسرة أهمية خاصة في التداخل السياسي، كما أن العلاقة بين الهوتو والتوتسي يعيشون جنباً إلى جنب على نفس نمط الحياة، وكانت العلاقة بين الجماعات الأثنية، الهوتو، والتوتسي، والتوا قبل وصول الاستعمار الألماني (1890 -1916)، والاستعمار البلجيكي ( 1918 – 1962) علاقة تتسم بالانسجام والتعاون، وأن السياسات الاستعمارية زادت من نفوذ التوتسي.
- سياسات ما بعد الاستقلال والإبادة الجماعية
سعت الحكومات الإفريقية بعد الاستقلال إلى تحقيق الاندماج الوطني بين الجماعات الإثنية المتعددة التي تعيش على أقاليمها، وذلك من أجل بناء الأمة.
- سياسة معالجة مشكلة الاندماج في عهد كاييباندا (1962-1973)
فرضت مشكلة الاندماج الوطني نفسها على أجندة السياسة برواندا أعقاب الاستقلال، الأمر الذي جعلها تشغل مساحة كبيرة من سياسات السلطة الحاكمة في عهد كاييباندا ا، وارتبط سياسته بسياق إقليمي وعالمي، حيث عمل على نسج علاقات دولية داعمة له، فقام ببناء شبكة من العلاقات القوية مع المسيحيين البلجيك والمسيحيين حول العالم، ما وفر له درجة من القبول بين القطاعات المختلفة، وهو ما رسخ شرعيته في قيادة الدولة، إلا أنه وجد العديد من المعارضة المتمثلة في التوتسي الذين هربوا إلى خارج البلاد بعد الاستقلال.
ويعد الرئيس كاييباندا من المشاركين في ثورة 1959 وساهم في وضع منفستو الهوتو، الذي ساهم في تنامي السياسات الاقصائية للتوتسي، وهو ما ضاعف شعورهم بأنه عرق وليسوا إثنية وكونهم أقلية. واستطاع كاييباندا من خلال سياساته أن يوقف الكثير من التشريعات التي تدعو إلى الانقسام، والتي ترجع إلى عهد التوتسيو البلجيك مثل قانون المزراعين الذي يحدد أن المزارعين الهوتو ليس لديهم الأرض والذي استهدف اغلبيتهم في عدم تمالك الأرض، ونتيجة لذلك ظهرت موجة من الهجرات من المناطق الغربية إلى مرتفعات السافانا الغنية شرق البلاد([18]).
ونلاحظ أن الحكومة في عهده تبنت نظام إداري بسيط على النمط الموروث عن فترة الاستعمار، ثم أصدرت القوانين المتعلقة بالمجتمعات الزراعية وما صاحبها من جهود تنموية كبناء الطرق والزراعة، وألغت القوانين التمييزية، وفي عهد كاييباندا تحولت البلاد إلى دولة الهوتو وتم اقصاء التوتسي الذين شعروا بالتمييز وانعدام العدالة. ونجد هنا أن معالجة مشكلة الاندماج في ظل حكم كاييباندا قائمة على الاقصاء(التوتسي) وتمكين جماعته (الهوتو). وهنا نجد الاندماج إكراهي.
- سياسة معالجة مشكلة الاندماج في عهد هابياريمانا (1973-1994)
تولى هابياريمانا السلطة في أعقاب الانقلاب الذي قاده بنفسه عام1973، وتمكن من توطيد أركان نظامه على المستويات المحلية، ركز هابياريمانا على الإثنية لتثبيت دعائم حكمه، وكانت أغلبية أجهزة السلطة من الهوتو، واستطاع انجاز بعض المشروعات الريفية؛ لأن موضوع الأرض والثروة والسلطة في رواندا، وهو من الأسباب الرئيسية لصراع ثورة الفلاحين 1959، الذين كان يتم استغلالهم أحياناً في الصراع حول الأرض، وتدخل النخب، كما أن الحالة المتردية للفلاحين بشكل واسع وازدياد حدة الفقر في المناطق الريفية وهو ما جعل بوجود فجوة بين النخب والموظفين، وقام نظام هابياريمان على ثلاث دعائم رئيسية([19]):
- أهتم بمواضيع الأمن باعتبارها أنها تساعد في استقرار البلاد.
- التنمية وهي تمثل القضاء على الإثنية.
- رؤية التنمية في وقت مبكر.
وتبني نظام هابياريمانا تدشين حملة دعائية تتحدث عن عودة اللاجئين، وتأثيرهم على السلم الاجتماعي وأنهم استهدفوا قتل الهوتو1990، ومع حادثة هابياريمان 1994 وملاحقة المعارضين من التوتسي والهوتو الذين دعموا اتفاق أورشا من قبل الميليشيات. وكانت هذه المرحلة خطرة جداً وبسبب مقتل الرئيس هابياريمان والكراهية للتوتسي وانعدام الغذاء والفقر والآثنية، ولم يطبق اتفاق أورشا واندلعت أعمال العنف في كافة البلاد.
- سياسات معالجة مشكلة الاندماج بعد الإبادة الجماعية ( بول كاغامي منذ2000)
استطاع كاغامي مع الجبهة الرواندية إيقاف حرب الإبادة الجماعية، ثم بدأ خطوات عملية في تنفيذ اتفاق أروشا1993 الذي تم توقيعه بين الحكومة (هابياريمانا) والقوى السياسية المعارضة والمتمردين، وتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وسار كاغامي على خطى اتفاق اورشا، والقانون الأساسي ودستور 2003 متجاوزاً الانقسامات الإثنية إلى الدولة القومية والوحدة والاندماج الوطني.
ولم يعتمد نظام كاغامي على الهوية الإثنية في التطبيق العملي، ولكن اعتمد على نظام الكوتة في تقاسم السلطة، وبالرغم من ذلك نجد أن كاغامي فتح الباب لمناصريه في جميع أجهزة السلطة، وضمن لها الأغلبية على المستويات الثلاثة للسلطة (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وهم من التوتسي. وأصبحت رواندا تحت حكم الجبهة الوطنية، في الوقت الذي تم فيه رفض التمييز الإثني من الناحية الرسمية في رواندا بدأت الجبهة الوطنية وبشكل سريع في استعادة مقتضيات السلطة والثروة للتوتسي من الناحية الرسمية، والاستثناء الوحيد في الحكومة توزيع الحقائب الوزارية على الهوتو بغرض إضفاء الرمزية التي تعبر عن الوحدة الوطنية([20]). وركز كاغامي على عنصرين أساسيين في عمله أولهما موضوع الوحدة الوطنية، وثانيهما موضوع الفقر، لذلك عمل جاهداً من أجل توحيد شعبه المنقسم وانتزاعه من الفقر المدقع([21]).
وبعد أن وضعت الإبادة أوزارها، شكلت الحكومة لجنة باسم المفوضية للوحدة والمصالحة من أجل توحيد المجتمع الذي عانى كثيراً من ويلات الإبادة الجماعية، كما أعادت الحكومة النظر في الحلول المحلية المتجذرة في ثقافة الوانديين، والتي يمكن أن تسهم في تقديم الحلول الناجحة، وإعادة بناء الوطن والمواطن. وكانت من أهم الركائز الأساسية لإنهاء الصراع وإعادة البناء في رواندا متمثلة في الآتي:
- المحاكمات الجماعية والمحاكم التقليدية (غاتشاشا)، رأت الحكومة الرواندية أن من أهم الاستراتيجيات والركائز الأساسية لتحقيق العدالة والمصالحة في رواندا هو محاكمة جميع المتهمين بالتخطيط للإبادة، وبحلول منتصف عام 2006، كانت المحاكم الوطنية قد حاكمن=ت حولي 10.000 من المشتبه في ارتكابهم جرائم الإبادة الجماعية، وبسبب كثرة المتهمين الذي تجاوز عددهم الآلاف ومن أجل محاكمة جميع المتهمين بأسرع وقت ممكن، عملت الحكومة الرواندية في عام 2005 على إنشاء نظام المحاكم المجتمعية غاتشاشا والتي كانت موجودة قديماً في رواندا قبل الاستعمار وتسير وفق العادات والتقاليد السائدة، وعملت الحكومة أيضاً القضاء على ثقافة الإفلات من العقاب وإجراء عملية مصالحة بين الروانديين وتعزيز وحدتهم.
- إعادة بناء الجيش الرواندي وقوات الأمن، سعت الحكومة الرواندية الجديدة بقيادة بول كاغامي من أجل إعادة هيكلة السلطات العسكرية في البلاد، وذلك من خلال اعتماد برامج لتحويل القوات العسكرية الغير نظامية أو إعادة دمجها وتسريح بعضها أحياناً، بعد نزع سلاحها وتجريد المقاتلين من مناصبهم، وذلك بهدف إعادة تأهيل وهيكلة هذه القوات، لا بهدف الإقصاء. ومن أجل تشجيع هذه الإصلاحات دون تدمير الجيش الرواندي، زادت السلطات الجديدة حجم الجيش الجديد وميزانيته، وذلك بالتوازي مع تحويل عقيدة الجيش من عقيدة الولاء العرقي والعصبية إلى عقيدة عقيدة الولاء الخالص للدولة الرواندية ككل[22]. وهذا يساعد على استيعاب العدد الهائل من المقاتلين السابقين وتشجعهم على أن يكونوا تحت مظلة الدولة الجديدة، وقد بذلن الحكومة الرواندية جهداً كبيراً من إجل إدماج القوات السابقة في الجيش، حتى قوات الهوتو السابقة وتعزيز روح التضامن والانضباط، من خلال تفعيل برنامج اندماج عسكري نشط تم تقديمه وتطبيقه مبشارة بعد الإبادة الجماعية.
- وضع خطط للنمو الاقتصادي والتنمية وبناء الدولة، كانت بداية الصعود لرواندا من مستنقع الحرب والدم مع بول كاغامي الذي تولى السلطة في عام 2000، وحدد استراتيجية رؤية واضحة لإدارة البلاد وإنقاذها من الفوضى التي التهمت ثرواتها، وكانت أولى الأهداف لديه عي توحيد الشعب وانتزاعه من الفقر.
- تعزيز الوحدة والمصالحة في رواندا، ثم تشكيل لجنة سميت بـلجنة الوحدة والمصالحة الوطنية هدفها هو عملية التصالح والتسامح، وتحقيق العدالة وعرض الحقيقة وحل الخلافات، بالاستناد إلى القول: “إن الخسارة كانت لجميع الأطراف وليس هناك طرف فائز وطرف خاسر فالجميع في مركب واحد”، وقد صرح الرئيس (بول كاغامي) لدى توليه الحكم عام 2000م بالقول: “لم نأت لأجل الانتقام فلدينا وطن نبنيه، وبينما نمسح دموعنا بيد وسنبني باليد الأخرى، وذلك ليس لأن من قتلوا يستحقون الغفران لكن لأن الأجيال الجديدة تستحق أن تعيش بسلام”.
ثم بعد ذلك عملت رواندا على المصالحة الوطنية بين الروانديين وتناسي الماضي بكل ما حمله من مآسي بين القتلة والناجين من خلال الاعترافات الفردية والمغفرة، وأقر الرئيس دستور يؤكد على إلغاء الفوارق الطبقية والعرقية، حيث يرى كاغامي أن مسار التفرقة والعنصرية لن تؤدي سوى إلى المزيد من الدماء والحروب، لذلك اختار مسار الوحدة والتنمية والمعرفة وحظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي وجرم استخدام أي خطاب عرقي، وأطلق الرئيس إستراتيجية مهمة عام 2000 أسماها (رؤية 2020)، والتي تضمنت مجموعة من الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، الأهداف القصيرة منها ركزت على (تكوين الثروات، تقليل الاعتماد على الديون الدولية، تشجيع الاستثمار في البلاد)، والأهداف المتوسطة ركزت على (التحول بالاقتصاد الزراعي من الطريقة التقليدية إلى الطريقة العلمية المعاصرة، من خلال توظيف التعليم والتكنولوجيا والاتصالات)، أما الأهداف طويلة الأمد فقد ركزت على (خلق طبقة وسطى مثقفة ومنتجة تساهم في تطوير اقتصاد البلاد). ونجد خلال هذه المرحلة أن سياسة معالجة مشكلة الاندماج قائمة على الاندماج الطوعي.
سادساً: رؤية تقييمية
ترى الباحثة أن الحكومة الرواندية الجديدة عملت على انهاء الصراع والانتقال لمرحلة بناء الدولة والتنمية من خلال عملية المصالحة، من أجل إعادة بناء الهوية الرواندية، وتحقيق التوازن بين العدالة والسلام والأمن، ومن أجل التأكيد على ذلك فقد تم تضمين هذه المبادئ في الدستور الرواندي الجديد، والذي نص على أن” جميع الروانديين لهم حقوق متساوية”، كما صدرت قوانين لمحاربة التمييز وأيديولوجية الإبادة الجماعية المثيرة للانقسام. كما حظر الدستور الجديد استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، كما جرم استخدام أي خطاب له طابع عرقي. أن رواندا بعد حرب الإبادة تسعى لأن تكون دولة نموذج وتعمل على استعادة هويتة من خلال الاندماج الطوعي من أجل توحيد المجتمع وانهاء الانقسام، مع الاعتماد على الاستراتيجيات في بناء الجيش ومحاكمة المتورطين في قضايا الحرب والفساد تستطيع بناء الدولة الرواندية.
وأن الاعتماد على الاندماج الطوعي سيجعل الدولة الرواندية الجديدة قائمة على مؤسسات قوية مثل المؤسسات الأمنية والعسكرية بعد إعادة هيكلة الجيش وتطويره وتسليحه لحماية وبقاء الدولة، والحفاظ على الوحدة الوطنية والمصالحة، سيؤدي إلى المحافظة على السلم الأهلي ويجنب رواندا الصراعات والحروب الأهلية، الاندماج الوطني الطوعي سيساعد رواندا على بناء وتأهيل البنية التحتية في المجتمع المحلي وسيعمل على محاربة كافة أشكال الفساد وإضفاء حالة المراقبة المجتمعية على الحكومة ومؤسساتها، وأيضاً سنجد صعود الهوية الوطنية والوحدة الرواندية قائمة على المواطنة بدلاً من الانقسامات العرقية والإقليمية، وتعزيز من كافة الطبقات والاهتمام بالمرأة وأنشطتها. وأن سياسة الاندماج الوطني الطوعي هي الأنجح في استعادة مكانة الدولة الرواندية وتجنبها الحرب الأهلية.
ومع رؤية 2020 ستحقق رواندا معدلات تنمية كبيرة من أجل المواطن، فأن تحقيق مجموعة من الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد خلال الاندماج الطوعي سيعزز من الوحدة الوطنية، وسيركز على تشجيع الاستثمار وتقليل الاعتماد على القروض والديون الخارجية ومن خلال المحافظة على اقتصاد الدولة والعمل على تقوية الاقتصاد، والأهداف المتوسطة ركزت على التحول بالاقتصاد الزراعي من الطريقة التقليدية إلى الطريقة العلمية المعاصرة، من خلال توظيف التعليم والتكنولوجيا والاتصالات، والأهداف طويلة الأمد ستركز على خلق طبقة وسطى مثقفة ومنتجة تساهم في تطوير اقتصاد البلاد. وسيساعد الاندماج الطوعي على الإصلاحات السياسية من خلال تداول السلطة وعدم إهمال الإصلاحات السياسية في الدولة، وتسعى الحكومة على ذلك، وفكرة تعميم اللامركزية في الوحدات والمؤسسات والمساعدة على الديمقراطية وبناء الدولة.
خاتمة
تناولت الدراسة مشكلة الاندماج في رواندا، حيث وضحت مفهوم الاندماج التي تضمن علو الولاءات الفرعية بجميع أشكالها، وأن مفهوم الاندماج يستخدم لخلق هوية وطنية مشتركة للمجتمع والدولة، ومدى رغبة الجماعات المكونة للدولة في العيش معاً في إطار سياسي واحد، ويستخدم في إزالة الاختلافات والصراعات العرقية.
وضحت الدراسة أن رواندا تتكون من ثلاث جماعات إثنية وهما الهوتو بنسبة 84% ، والتوتسى بنسبة 15 % ، وتوا بنسبة 1% والهوتو فى الاصل عمال زراعيين، فى حين أن التوتسى كانوا ملاك الأراضى ، ويرجع الصراع الأهلى الرواندي إلى الاستعمار البلجيكي، وعملت الإدارة الاستعمارية البلجيكية على إصدار بطاقات هوية للتمييز العرقى، وأدت هذه السياسات إلى توترات بين الهوتو والتوتسى عام 1959 ، وأدت الحرب الأهلية إلى الاطاحة بحاكم التوتسى وتولى بعده الحكومة من قيادة الهوتو.
ونجد أيضاً أن الصراع و النزاع وغياب ثقافة التعايش من الأخر وعدم تقبل الأخر أدى لواحدة من أبشع الحروب الأهلية في تلك الفترة، وأثارها المدمرة للاقتصاد وغياب الاستقرار السياسي،هو أحد صور الإرث الاستعماري، فالاستعمار في رواندا هو ما ساعد على ترسيخ الكراهية بين الهوتو و التوتسي إلى أن اندلعت تلك الحرب في رواندا والتي راح ضحيتها قرابة المليون إنسان.
سعت الدراسة في توضيح نظام الحكم في رواندا (نظام الحزب الواحد)، وأهم ما يميز دولة رواندا هو القطبية الثنائية بين جماعة الهوتو والأقلية من جماعة التوتسي، ووجود عدد من اللاجئين من التوتسي في منطقة البحيرات، ودخلت رواندافي مرحلة التحول نحو التعدد الحزبي وتزامن ذلك مع بداية الحرب الأهلية أكتوبر1990 وبين الحركة الوطنية الرواندية، والنخبة الحاكمة والمعارضة الديمقراطية المحلية. ونجد هنا أن رواندا بعد الإبادة الجماعية عام1994، سيطر عليه الحزب الواحد، ويصنف هذا النظام بالاستبداد الانتخابى، وهو شكل جديد من النظام الغير ديموقراطى، والذى يستخدم أداة الديموقراطية الليبرالية، وهى إجراء انتخابات منتظمة للحفاظ على سلطتها الاستبدادية.
ثم تناولت الدراسة سياسيات معالجة الاندماج في فترات متعاقبة، فكانت فترة حكم “الرئيس كاييباندا” من 1962 إلى 1973 قائمة على الاقصاء(التوتسي) وتمكين جماعته (الهوتو). وساهم كاييباندا في وضع منفستو الهوتو، الذي ساهم في تنامي السياسات الاقصائية للتوتسي، وهو ما ضاعف شعورهم بأنه عرق وليسوا إثنية وكونهم أقلية، واستطاع كاييباندا من خلال سياساته أن يوقف الكثير من التشريعات التي تدعو إلى الانقسام، والتي ترجع إلى عهد التوتسيو البلجيك مثل قانون المزراعين الذي يحدد أن المزارعين الهوتو ليس لديهم الأرض والذي استهدف اغلبيتهم في عدم تمالك الأرض.
ثم تناولت أيضاً فترة حكم “الرئيس هابياريمانا” من 1973 إلى 1994 قائمة على توطيد أركان نظامه على المستويات المحلية، حيث ركز هابياريمانا على الإثنية لتثبيت دعائم حكمه، وكانت أغلبية أجهزة السلطة من الهوتو، واستطاع انجاز بعض المشروعات الريفية؛ لأن موضوع الأرض والثروة والسلطة في رواندا، وهو من الأسباب الرئيسية لصراع ثورة الفلاحين 1959، ومع حادثة هابياريمان 1994 وملاحقة المعارضين من التوتسي والهوتو الذين دعموا اتفاق أورشا من قبل الميليشيات ، وكانت هذه المرحلة خطرة جداً مقتل الرئيس هابياريمان والكراهية للتوتسي.
تناولت الدراسة أيضا معالجة مشكلة الاندماج في فترة حكم الرئيس بول كاغامي منذ عام 2000، ووضحت الدراسة أن كاغامي كان يسير على خطى اتفاق اورشا، والقانون الأساسي ودستور 2003 متجاوزاً الانقسامات الإثنية إلى الدولة القومية والوحدة والاندماج الوطن. ونجد هنا ان كاغامي لم يعتمد على الهوية الإثنية في التطبيق العملي، ولكن اعتمد على نظام الكوتة في تقاسم السلطة، وبالرغم من ذلك نجد أن كاغامي فتح الباب لمناصريه في جميع أجهزة السلطة. وركز كاغامي على عنصرين أساسيين في عمله أولهما موضوع الوحدة الوطنية، وثانيهما موضوع الفقر، واختار ايضاً مسار الوحدة والتنمية والمعرفة وحظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي وجرم استخدام أي خطاب عرقي، وأطلق الرئيس إستراتيجية مهمة عام 2000 أسماها (رؤية 2020)، والتي تضمنت مجموعة من الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد.
وتوضح الدراسة أيضاً أن النموذج المتبع في معالجة مشكلة الاندماج في رواندا هو الاندماج الإكراهي القائم على تفضيل جماعة إثنية على أخرى، حيث الجماعة التي تحكم تستحوز على مقاليد الحكم والموارد دون الجماعة الأخرى، وهذا ما نراه في رواندا بين جماعة الهوتو وجماعة التوتسي.
وبناءً على أن سياسات معالجة الاندماج تختلف من خلال تعاقب الحكومات منذ الاستقلال والإبادة، فكان الاندماج إكراهي تفضيل جماعة على أخرى في السلطة، ثم بعد الإبادة والمصالحة الوطنية فاختلف الوضع حيث كان اندماج طوعي من خلال تعزيز الوحدة والمصالحة وتعزيز قدرات الجيش وبنائه، ومحاكمة كل من تسبب في حرب الإبادة الجماعية. وسيساعد الاندماج الطوعي على الإصلاحات السياسية من خلال تداول السلطة وعدم إهمال الإصلاحات السياسية في الدولة، وفكرة تعميم اللامركزية في الوحدات والمؤسسات والمساعدة على الديمقراطية وبناء الدولة.
المراجع :
أولاً:المراجع باللغة العربية
- الكتب
- د.إبراهيم نصر الدين، الاندماج الوطني في أفريقيا: نموذج نيجيريا (القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي،1997م).
- الدوريات
- د. إبراهيم نصر الدين، الاندماج الوطني في أفريقيا والخيار السوداني، مجلة المستقبل العربي(القاهرة، مركز دراسات الوحدة العربية، مايو1984م، المجلد7، العدد63).
- د.إكرام بدر الدين، أزمة التكامل والتنمية، مجلة السياسة الدولية ( القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد58، 1981م).
- الرسائل العلمية
- أحمد الزروق امحمد الرشيد، مشكلة الاندماج الوطني في أوغندا، رسالة دكتوراه،( جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية،2006م).
- خالد محمد سالم، مشكلة الاندماج الوطني في رواندا منذ 1994، رسالة دكتوراه،( جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، 2018(.
- د.صبحي علي قنصوة، مشكلة الاندماج الوطني في نيجيريا، رسالة ماجستير،( جامعة القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، 1989).
- هند جعفر، أثر التعدد الثقافي على الاندماج الوطني في إثيويبا1991-2012، رسالة ماجستير،( جامعة القاهرة:كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،2016م).
- مباركة رحلي، الحرب الأهلية في رواندا1994والمواقف الدولية منها، رسالة ماجستير،(الجزائر: جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2015م).
- . شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)
- أحمد جمال الصياد، “رواندا بين الحرب الأهلية والتحول الديمقراطي”، 15 أبريل 2021م، متاح على الرابط .https://democraticac.de/?p=74066
- آ ية حسين محمود، “النظام السياسي في رواندامنذ عام 1994”،المركز العربي للبحوث والدراسات، 21 نوفمبر2020م، متاح على الرابط .http://www.acrseg.org/41743
- طارق عبدالحافظ الزبيدي، دولة رواندا من الإبادة الجماعية إلى الريادة المثالية، مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يوليو 2019م، متاح على الرابط https://www.mcsr.net/news508.
- طارق ناصيف،” رواندا: من الحرب الأهلية إلى التنمية الشاملة”، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 6 مايو 2020م، متاح على الرابط .https://2u.pw/VDxcgJ
- نسرين الصباح،” سياسات الاندماج الوطني في رواندا”، فبراير 2018م، متاح على الرابط https://2u.pw/zXv9e .
ثانياً: المراجع باللغة الأجنبية
- Ashornaby,Oxford English Dictionary (Oxford:Oxford university Press,1974).
- Billy Batware,” Rwandan ethnic conflicts: A Historical Look At Root Causes“,MA Peace and Conflicts Studies European Peace University, Austria,2012.
- Pamela Pearson,” Language Policy in Rwanda: Shifting Linguistic and Educational Landscape”, College of Arts and Sciences Georgia State University,2016.
([1]) د. إبراهيم نصر الدين، الاندماج الوطني في أفريقيا والخيار السوداني، مجلة المستقبل العربي(القاهرة،مركز دراسات الوحدة العربية، مايو1984م، المجلد7، العدد63)، ص 35.
([2]) Ashornaby,Oxford English Dictionary (Oxford:Oxford university Press,1974), p447.
[3]) ) د.إبراهيم نصر الدين، الاندماج الوطني في أفريقيا: نموذج نيجيريا (القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي،1997م)، ص ص 8-9.
([4]) د.إكرام بدر الدين، أزمة التكامل والتنمية، مجلة السياسة الدولية ( القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد58، 1981م)، ص ص 47-48.
([5]) هند جعفر،أثر التعدد الثقافي على الاندماج الوطني في إثيويبا1991-2012، رسالة ماجستير،( جامعة القاهرة:كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،2016م)، ص ص 45-46.
[6])) أحمد الزروق امحمد الرشيد، مشكلة الاندماج الوطني في أوغندا، رسالة دكتوراه،( جامعة القاهرة،معهد البحوث والدراسات الإفريقية،2006م)،ص ص 4-5.
([7]) د.صبحي علي قنصوة، مشكلة الاندماج الوطني في نيجيريا، رسالة ماجستير،( جامعة القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، 1989)، ص22.
([8] ) Billy Batware,“ Rwandan ethnic conflicts: A Historical Look At Root Causes“,MA Peace and Conflicts Studies European Peace University, Austria,2012,p2.
([9]) Pamela Pearson,“ Language Policy in Rwanda: Shifting Linguistic and Educational
Landscape”, College of Arts and Sciences Georgia State University ,2016,pp54-55.
[10])) نسرين الصباح، سياسات الاندماج الوطني في رواندا، فبراير 2018،لمزيد من التفاصيل أنظر إلى https://2u.pw/zXv9e
[11])) أحمد جمال الصياد، رواندا بين الحرب الأهلية والتحول الديمقراطي، 15 أبريل 2021، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://democraticac.de/?p=74066
[12])) خالد محمد سالم، مشكلة الاندماج الوطني في رواندا منذ 1994، رسالة دكتوراه،( جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، 2018)، ص ص 53-54.
[13]) ) المرجع السابق، ص58.
[14])) نسرين الصباح، سياسات الاندماج الوطني في رواندا، مرجع سبق ذكره.
[15])) مباركة رحلي، الحرب الأهلية في رواندا1994والمواقف الدولية منها، رسالة ماجستير، (الجزائر: جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2015)، ص ص 32-33.
[16])) آية حسين محمود، النظام السياسي في رواندامنذ عام 1994،المركز العربي للبحوث والدراسات، 21 نوفمبر2020، متاح على http://www.acrseg.org/41743
[17])) أحمد جمال الصياد، مرجع سبق ذكره.
[18]) ) خالدة محمد سالم، مرجع سبق ذكره، ص ص 134-135.
([19]) خالدة محمد سالم،المرجع السابق.
[20])) المرجع السابق، ص ص149-152.
[21])) طارق عبدالحافظ الزبيدي، دولة رواندا من الإبادة الجماعية إلى الريادة المثالية، مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يوليو 2019، متاح على https://www.mcsr.net/news508
([22]) طارق ناصيف،”رواندا: من الحرب الأهلية إلى التنمية الشاملة“، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 6 مايو 2020م، متاح على الرابط: https://2u.pw/VDxcgJ