الدراسات البحثيةالمتخصصة

جمهورية شمال قبرص التركية في نظرية الأمن القومي التركية وإقتراح بتغيير ما في موقف مصر من القضية القبرصية

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

بعد فوز الرئيس التركي رجب الطيب أردوجان في جولة الإعادة الثانية التي جرت في 28 مايو 2023 بعهدة رئاسية جديدة هي الأخيرة بالنسبة إليه وفقاً للدستور التركي , أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين في 29 مايو 2023 أن الرئيس التركي سيقوم تقليديًا بأول رحلة خارجية له إلى جمهورية شمال قبرص التركية وأذربيجان , ومن الطبيعي ان تكون جمهورية شمال قبرص التركية أول وجهة خارجية للرئيس التركي أردوجان لما تحظي به جمهورية شمال قبرص التركية من أسبقية في مصفوفة أولويات الأمن القومي التركي , كذلك تعتبرهذه الزيارة بمثابة رسالة مباشرة إلي الكل فهي تشير وبكل وضوح إلي الوعي التركي بالأولوية القصوي لجمهورية شمال قبرص التركية في إستراتيجية الأمن القومي التركي علي نحو ما سأشير إليه تالياً , ومن ثم فإن الزيارة التي يقوم بها الرئيس التركي لجمهورية شمال قبرص التركية ماهي إلا تطبيق حرفي لمتطلبات أمن تركيا القومي في فناء تركيا الخلفي مثلما تمثل السودان لمصر ومصر للسودان واليمن للسعودية وبالتنبادل السعودية لليمن فناء خلفياً طبعا مع الوضع في الإعتبار تطبيق كل من هذه الدول لنظريات أمنها القومي في الواقع العملي الذي أعتقد أن تركيا تطبقه حرفياً وعملياً وبلا تردد , فبالنسبة لتركيا فإن جمهورية شمال قبرص التركية وما يُعرف باسم جزر بحر إيجة تعتبران قضيتان مرتبطان بالنطاق والأمن البحري التركي أي بنظرية أمن تركيا القومي كل بدرجة مختلفة عن الآخر وعموماً يمكن القول أن جمهورية شمال قبرص التركية ترتبط بالنطاقين البري والبحري التركي معاً بدرجة أكبر ولذا يطلق القبارصة الأتراك علي تركيا أسم الوطن الأم , ولذا كان متوقعاً أن تكون التغطية الإعلامية للإنتخابات الرئاسية التركية في جمهورية شمال قبرص التركية تغطية واسعة خاصة بعد نجاح انتخاب الرئيس أردوجان , فقد حظي نجاح الرئيس رجب طيب أردوجان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بتغطية واسعة في صحافة جمهورية شمال قبرص التركية , فمثلاً أعلنت صحيفة  Cyprus Postası اليومية في جمهورية شمال قبرص التركية عن نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لقرائها بعنوان “تركيا قالت مرة أخرى :” أردوجان ” رئيس تركيا في العصر الجديد” , كما وصفت الصحيفة نجاح انتخاب الرئيس أردوجان بأنه تطور في اللحظة الأخيرة بعد فوزه على منافسه كمال كيليجدار أوجلو وبذلك حقق الرئيس أردوجان فوزه السابع عشر في الانتخابات كما نشرت صحيفة Güneş نتائج الانتخابات إلى قرائها دقيقة بدقيقة عبر موقعها على الإنترنت , وفي الخبر الذي نشرته الجريدة بعنوان “أردوجان أصبح خيار تركيا” ، ورد أن الرئيس أردوجان قد فاز وأنتصرمرة أخرى وفقاً لنتيجة الجولة الثانية من الانتخابات ، وأوردت رسائل التهنئة من مسؤولي الجمهورية التركية لشمال قبرص بخصوص الانتخابات , كما نقل موقع هابر كيبريس وهو أحد المواقع التي تبث في جمهورية شمال قبرص التركية نتائج الانتخابات في تركيا إلى قرائه من خلال بيانات المجلس الأعلى للانتخابات (YSK) ونقل رسائل التهنئة من رئيس الجمهورية التركية لشمال قبرص إرسين تتار ورئيس الوزراء أونال أوستل على نجاح انتخاب الرئيس أردوجان , كما نشر موقع هابر قبرص الذي كان مكانًا للاحتفالات في مدن جمهورية شمال قبرص التركية بعد الانتخابات وقام على الفوربنقل الخطاب الذي ألقاه أردوجان إلى المواطنين بعد الانتخابات , وعلي الصعيد الشعبي فقد نزل مئات الأشخاص في الجزء من نيقوسيا المقسمة والذي يمثل عاصمة لجمهورية شمال قبرص التركية(TRNC) إلى الساحات للاحتفال بعد أن أكمل الرئيس رجب طيب أردوجان في جمهورية  الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وأُعُلن عن فوزه وفقًا لنتائج غير رسمية  وسارت قوافل سيارات تحمل الأعلام التركية وملصقات الرئيس رجب طيب أردوجان احتفالاً بنجاح انتخاب الرئيس أردوجان من خلال تشكيل قوافل في مدن فاماجوستا وجيرن وجوزيليورت وإيسكيلي بجمهورية شمال قبرص التركية .

بالرغم من أن جمهورية شمال قبرص التركية تقع في القلب من نظرية الأمن القومي التركية إلا أنه من المهم الإشارة إلي موقف الناخبين الأتراك المقيمين الذين يعملون بجمهورية شمال قبرص التركية إزاء مرشحي الأحزاب التركية المختلفة في الإنتخابات الرئاسية التركية في جولة إعادة الإنتخابات الرئاسية التركية التي أُجريت في 28مايو 2023 والتي كان مُعداً لها 141 صندوق اقتراع بجمهورية شمال قبرص التركية , وبالرغم من هذا , فإنه تنبغي الإشارة إلي أن موقع جمهورية شمال  قبرص التركية في نظرية أمن تركيا القومي غير قابل للخلاف بين المرشحين لرئاسة تركيا أو بين معظم الأحزاب التركية , وكان 59.20 % من المواطنين الأتراك الذين لهم حق التصويت قد ذهبوا إلى صناديق الاقتراع هذه حيث صوت 72 ألفًا و 704 شخصًا منهم ، ووفقًا لنتائج غير رسمية فقد حصل كمال كيليجدار أوجلو على أكبر عدد من الأصوات بنسبة 58.15 % من استطلاعات الرأي في شمال قبرص بينما أتي الرئيس أردوجان بعده  إذ حصل على 41.85  % , علي حين في انتخابات 2014كانت نسبة المشاركة 12٪ واحتل أردوجان المرتبة الأولى بنسبة 54.8  % ، وأعلن المجلس الاشتراكي أن هناك ما مجموعه 92171 مواطنًا من مواطني جمهورية تركيا مسجلين في شمال قبرص وفي المجموع أدلى 11144 من أصل 92171 ناخبًا بأصواتهم في 33 صندوق اقتراع  وبلغت نسبة المشاركة حوالي 12 % وفي الانتخابات احتل مرشح حزب العدالة والتنمية طيب أردوجان المركز الأول بنسبة 54.8 %من الأصوات وحل مرشح حزب الشعب الجمهوري أكمل الدين محمد إحسان أوجلو في المرتبة الثانية بنسبة 37 % وحل مرشح حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش في المركز الثالث 8.12 % , وفي  انتخابات 2018حين كانت نسبة الإقبال 40٪ احتل أردوجان المرتبة الأولى بنسبة 48.8  % في نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو 2018 حيث تم إنشاء ما مجموعه 60 صندوق اقتراع في شمال قبرص هذه المرة وارتفع عدد الناخبين إلى 106 آلاف 446في الانتخابات وأدلى 42819 ناخبًا بأصواتهم ، وارتفع معدل الإقبال الكلي إلى 40٪ ، ونتيجة للانتخابات خفض مرشح حزب العدالة والتنمية طيب أردوجان معدل تصويته هذه المرة فانخفض إلى 48.8 %  لكنه ظل يحتل المرتبة الأولى وجاء مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إينجه في المركز الثاني بنسبة 37.54 % وحل مرشح حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش في المركز الثالث بنسبة 7.84 % وجاءت مرشحة الحزب الصالح ميرال أكشنر في المركز الرابع بحصولها على 5.37 % من الأصوات , وقد ارتفع عدد الناخبين بمقدار 47 ألفًا و 940 شخصًا في السنوات التسع الماضية ، وعندما تم تحليل بيانات الانتخابين ارتفع عدد الناخبين المسجلين لدى المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا والذين يعيشون في الجزء الشمالي من قبرص بمقدار 47940 في عام 2014 إلى 2023 وارتفع عدد الناخبين المسجلين من مواطني الجمهورية التركية وبلغ 92 ألفاً و 171 في عام 2014 إلى 140 ألفاً و 111 في عام 2023 ، وارتفع هذا الرقم بمقدار 14 ألفاً و 275 شخصاً من عام 2014 إلى عام 2018 و 33 ألفاً 665 شخصاً من 2018 إلى 2023.

هنأ رئيس حزب الشعب (HP) بجمهورية شمال قبرص التركية قدريت أوزرساي الرئيس التركي رجب طيب أردوجان في 29 مايو2023بعد الإعلان عن فوزه بالجولة الثانية مباشرة في الانتخابات الرئاسية في تركيا ، وقال أوزرساي في رسالته” أتمنى أن تكون الصورة التي ظهرت نتيجة في الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية ستكون مفيدة لجمهورية تركيا استخدم أوزرساي العبارات التالية في رسالته : “أهنئ السيد رجب طيب أردوجان الذي انتخب رئيساً للجمهورية التركية رقم 13 نتيجة للانتخابات التي أجريت أمس في تركيا ولا شك أنه بغض النظر عمن في السلطة في تركيا , فمن الصواب للمصلحة المشتركة لكلا البلدين العمل بانسجام وتعاون وثيق مع تركيا ، لا سيما فيما يتعلق بقضية قبرص وشرق المتوسط ومن ناحية أخرى يجب أن نستمر في التعبير علانية عن القرارات التي نعتقد أنها خاطئة والتي لا تصب في مصلحة كل من الجمهورية التركية لشمال قبرص وتركيا سواء في قضية قبرص أوالقضايا ذات الصلة وكذلك في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية ليتم تنفيذها في جمهورية شمال قبرص التركية , لذا فيجب أن يكون الرجل قادرًا على إخبار أخطائه ، كما يصفق لحقيقة أخيه وبما أن تركيا هي شقيقنا فسوف نحافظ على هذا الموقف من أجل كل من تركيا والجمهورية التركية لشمال قبرص ، كما ينبغي أن تؤخذ نتائج صناديق الاقتراع التي تم إنشاؤها في جمهورية شمال قبرص التركية في الاعتبار وفي هذا السياق يعتقد رئيس قبرص اليونانية أن هناك ثمة حاجة لمراجعة بعض المقاربات وضرورة السياسات القائمة على القيم والظروف الفريدة لهذا البلد ”  .

في أعقاب الانتخابات الرئاسية في تركيا في 28 مايو2023 وفوز الرئيس رجب طيب اردوجان بنسبة 52% تجدد الإهتمام التركي بكل القضايا المُتعلقة بأمن تركيا القومي ومنها جمهورية شمال قبرص التركية التي توقفت أو كادت آمال القبارصة اليونانيين في تحريك موقف تركيا الصامد إزاءها , فوزير الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليدس صرح في 17 نوفمبر 2020 بإن أردوجان قد يضم شمال الجزيرة في غضون عامين وأشارإلى أن هناك خطرا حقيقيا بضم شمال الجزيرة الذي يسيطر عليه القبارصة الأتراك ما لم يتم العثور على حل لتوحيد الجزيرة المقسمة بحلول عام 2023 , وجاءت تصريحات كريستودوليدس بعد يومين فقط من زيارة قام بها أردوجان لشمال الجزيرة وشملت منتجع فاروشا السياحي وهي الزيارة التي وصفها الرئيس القبرصي بـ”الاستفزازية” ويقول الباحث السياسي القبرصي إيوانيس يوانو إن سيناريو ضم شمال قبرص إلى تركيا في 2023 لا يمكن استبعاده وأوضح أنه من الناحية النظرية، يمكن لتركيا ضم شمال قبرص ولكن من منظور القانون الدولي لن يقبل هذا الأمر سوى عدد محدود من الدول لكن ما نحتاج إلى فهمه هو أن سياسة إعادة النظر في السياسات التي تتبناها تركيا خلال السنوات الأخيرة هي محاولة إضافة المزيد من الأراضي إلى تركيا كما في سوريا” , من جهة أخري يتفق معه الدكتور عارف عبيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بون ديو في أثينا الذي قال في تصريح خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”: “إن تصريح الوزير أمر طبيعي ويدل على شعور الحكومة القبرصية بالحرج والقلق وأن تركيا مصرة على شطر الجزيرة إلى نصفين ولكن لن يكون هناك دولة للقبارصة الأتراك بل سيصبح الإقليم جزء من تركيا وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لقبرص لأنه في حالة الضم سيصبح هناك حدود برية مع تركيا وهو أمر يضر بالأمن القبرصي” , لكني أعتقد أن إستراتيجية تركيا بالنسبة للشطر التركي من قبرص مرحلية أي أنها لن تتجه للضم إلا بعد ترسيخ جمهورية شمال قبرص في تربة المجتمع الدولي وبعد ذلك بفترة يتم الضم , وهو أمر ليس بالمستبعد فقد صرحت به تركيا ففي 5 مارس 2012 صرح وزير الشؤون الأوروبية في الحكومة التركية إيجمين باجيس إن بلاده ستبحث ضم شمال قبرص في حال فشل المحادثات بين القبارصة اليونانيين والأتراك بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق لإعادة توحيد الجزيرة المقسَّمة منذ غزو تركيا لها عام 1974, ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة كيبريس القبرصية التركية قال باجيس إن تركيا ستدعم أي اتفاق يتوصل إليه الجانبان أي زعيم القبارصة اليونانيين ديمتريس كريستوفياس وزعيم القبارصة الأتراك درويش إيروجلو وقال باجيس في المقابلة التي أجرتها معه الصحيفة في العاصمة البريطانية في لندن : “هنالك خياران : إما إعادة الوحدة بموجب اتفاق قد يتوصل إليه الزعيمان أو اقامة دولتين منفصلتين بعد اتفاق بين الزعيمين إذا لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق بشأن إعادة الوحدة أو ضم جمهورية شمال قبرص التركية إلى تركيا “وأضاف : “هذه جميع الخيارات المطروحة على الطاولة , كذلك جدد الرئيس التركي أردوجان في زيارته لجمهورية شمال قبرص الركية في 20 يوليو 2021 دعمه المطلق لحل الدولتين ، متهماً السلطات القبرصية اليونانية بـ”عدم النزاهة” في إيجاد حلّ لأزمة الجزيرة المتوسطية المقسّمة وقال إردوجان خلال كلمة ألقاها أثناء زيارته لشمال نيقوسيا في الذكرى الـ47 لغزو تركيا الشطر الشمالي للجزيرة إنقاذا لطائفة القبارصة الأتراك الذين سحقهم القبارصة اليونانيين وفقاً للوثائق : “لا يمكن استئناف عملية تفاوض جديدة إلا بين دولتين” مضيفاً “من أجل هذا يجب تأكيد السيادة والمكانة المتساوية” مع جمهورية قبرص (اليونانية) وأضاف مُشدداً : على أنّه “لا يمكن إحراز تقدم في المفاوضات من دون التسليم بوجود شعبين ودولتين , فليس لدينا خمسون عاماً نضيّعها على نماذج ثبت بطلانها” , ولا تعتقد تركيا أن أي مفاوضات مع الجانب القبرصي اليوناني مجدية بشكل أو آخر أو أنها تتفق والإستراتيجية التركية للأمن القومي التركي , ولهذا صرح الرئيس أردوجان في 22 مايو 2021 وقال “إن مفاوضات قبرص فشلت بسبب موقف الجانب الرومي (اليوناني) “المتعنت” وتصرفاته “المتعجرفة”مشيراًخلال افتتاح خط إمداد مياه إلى شمال قبرص إلى أنه ” لا أحد يمكنه بعد الآن تحميل القبارصة الأتراك مسؤولية عدم التوصل إلى حل لقضية الجزيرة ” , واعتبر أردوجان أن “العقلية التي لا ترى القبارصة الأتراك على قدم المساواة مع القبارصة الروم في الجزيرة بل وتتجاهلهم حوّلت القضية القبرصية إلى معضلة” , ومن جانب آخر قال أن تركيا “لن تسمح إطلاقاً بسلب حقوق القبارصة الأتراك من موارد الطاقة في شرق المتوسط” , ولا تخفي تركيا وضعية شمال قبرص التركية في منظومة أمنها القومي إذ صرح الرئيس التركي أردوجان في 6 أكتوبر 2020في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء جمهورية شمال قبرص التركية أرسين تتار وقال : “إننا عازمون على مواصلة نضالنا حتى حصول جمهورية شمال قبرص التركية على عضوية متساوية ومشرفة سياسيا واقتصاديا في النظام العالمي”.

تركيا ترسخ مكانة جمهورية شمال قبرص التركية في منظومة أمنها القومي :

في سبيل توطيد مركز جمهورية شمال قبرص المتقدم في نظرية أمن تركيا القومي يكفي فقط النظر إلي تصريح أدلي به الرئيس أردوجان  أثناء زيارة رسمية لجمهورية شمال قبرص في 1 سبتمبر 2014, فقد قال : “أن المياه ستصل إلى قبرص في غضون الشهرين القادمين عبر الأنابيب التي يتم تمديدها في قاع البحر” , ومن جانبه قال رئيس وزراء تركيا أحمد داوود أوغلو في هذه المناسبة في 17 أكتوبر 2015 : “أن تركيا تلتقي مجددًا بجمهورية شمال قبرص التركية من خلال مشروع نقل المياه من البلاد إلى شمالي قبرص” مشيراً إلى “أن تركيا وقبرص التحمتا بحيث أنهما لن تنفصلا عن بعضهما أبدًا” , وأوضح أوغلو في كلمة ألقاها خلال حفل تدشين المشروع أنّهم سيبنون جسرًا من المياه يصل ما بين تركيا وشمال قبرص لافتاً إلى أن “المشروع الذي أُطلق عليه مشروع القرن يهدف إلى نقل المياه من تركيا إلى جمهورية شمال قبرص التركية عبر البحر الأبيض المتوسط” , وقد دشن الرئيس التركي رجب طيب اردوجان في أكتوبر2015شبكة لتزويد “جمهورية شمال قبرص التركية” بالمياه بعد تأخير استمر عشر سنوات في خطوة نددت بها الحكومة القبرصية (اليونانية) وبحسب السلطات التركية فإن اعمال البناء التي استمرت اربع سنوات سمحت بمد انابيب ارضية بطول 24 كيلومترا في جنوب تركيا و3,7 كيلومترات في “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها سوى انقرة وستمد انابيب بطول 67 كيلومترا تحت سطح البحر , واكد اردوجان خلال حفل التدشين في انامور بجنوب تركيا ان “المياه ستتدفق الى جمهورية شمال قبرص” وبحسب السلطات التركية فإن شمال قبرص ستزود جمهورية شمال قبرص بـ75 مليون متر مكعب من المياه سنويا عبر الشبكة التي يبلغ طولها 107 كيلومترات , وتربط بين سد الاكوبرو في انامور التركية وسد جيسيتكوي في الجزء الشمالي من الجزيرة القبرصية وسيخصص نصف كمية هذه المياه للاستعمال المنزلي والنصف الآخر في الري الزراعي – بحسب ما اوضح اردوجان – , وقال متحدث باسم وزارة الطاقة التركية إن أعمال المشروع ستنتهي في غضون 27 شهرا إلا أنه لم يحدد أي تاريخ لوضع خط الأنابيب في الخدمة , وعموماً من شان هذا المشروع الذي أطلق عليه إسم مشروع “العصر” والذي يتألف من سدين إلى جانب خط أنابيب نقل مياه يبلغ طوله الإجمالي نحو 107 كم ، 80 كم منها تمر من تحت البحر أن يزود شمال قبرص التركية بالمياه حتى عام 2050ويغطي حاجات مياه الشرب والري حتى خمسين عاما على الاقل كما ستستفيد “جمهورية شمال قبرص التركية” من العائدات الزراعية , وتعتبر ازمة المياه مشكلة متجددة في جزيرة قبرص المعرضة للجفاف , ويُذكر في هذا الصدد أن جمهورية قبرص اليونانية في 16أكتوبر 2015 إعتبرت اقامة انبوب المياه البحري بين تركيا و”جمهورية شمال قبرص التركية” – التي لا تعترف بها سوى انقرة – غير قانوني وقالت ان من شان ذلك ان يؤثر على مفاوضات اعادة توحيد هذه الجزيرة المتوسطية  .

يُضاف إلي المياه الإعلان في 26 أغسطس 2017عن مشروع لنقل الطاقة الكهربائية من تركيا إلى جمهورية شمال قبرص التركية فقد صرح وزير الاقتصاد والطاقة في جمهورية شمال قبرص التركية سونات آتون بأن الاستعدادات لمشروع الإمداد بالكهرباء من تركيا إلى بلاده قد اكتملت تقريبا ضمن نطاق اتفاقية الشراكة التجارية الموقعة في 11 أكتوبر 2016 وستسخدم في الربط الكهربائي كابلات بحرية يتم وضعها تحت سطح البحروأضاف آتون قائلاً : “إن المشروع سيبدأ تنفيذه قبل نهاية هذا العام ويُتوقع انتهاءه خلال فترة تتراوح بين عامين ونصف العام”.

وإمعاناً في ترسيخ أهمية شمال قبرص التركي كجزء أصيل في نظرية أمن تركيا القومي زادت تركيا من حضورها العسكري في شمال قبرص فالرئيس التركي نفسه أعلن صراحة في 7 أكتوبر 2022 أن لتركيا طائرات مسيرة متمركزة في الجزء الشمالي من قبرص وأشار إلي أن الجزء الشمالي من الجزيرة بحاجة إلي الحماية من أي خطر محتمل وهو ما سبق وأوضحه وزير الخارجية التركي حين أشار الي أن تركيا قامت بنشر طائرات مسيرة عادية وأخرى مسلحة في أراضي جمهورية شمال قبرص ، كما أوضح أن المقاتلات التركية يمكنها الوصول إلى شمال قبرص في فترة وجيزة فور إقلاعها من البر الرئيسي لتركيا .

بينما تم تركيز الاهتمام على الانتخابات في تركيا كانت هناك اتصالات وتفاصيل مختلفة على جدول أعمال الإدارة القبرصية اليونانية بشأن التطورات المحتملة في النزاع القبرصي بعد الانتخابات والفرص التي قد تنشأ فقدالتقى زعيم الإدارة القبرصية اليونانية الرئيس نيكوس كريستودوليديس (سابقاً عضو بمنظمة إيوكا الفاشية) برئيس الوزراء أولاف شولتز خلال زيارته لألمانيا الأسبوع الماضي وأكد الزعيمان في التصريحات التي أدلى بها بعد الاجتماع أنهما كما هو متوقع يريدان أن تبدأ مفاوضات القضية القبرصية في أقرب وقت ممكن من حيث توقفت في كرانس مونتانا بهدف التوصل إلى حل فيدرالي وبينما كرر كريستودوليدس مطالبته بمشاركة أكثر نشاطا من أي وقت مضى في إطار عملية الحل للاتحاد الأوروبي , لذا فسيتم تعيين شولز ممثلاً خاصاً للاتحاد الأوروبي في قبرص , كما تم الإعلان عن مناقشة قضايا إعطاء بعض الحوافز لبدء المفاوضات وفي حديثه للصحافة أعرب كريستودوليديس عن ارتياحه لرؤية نهج الحكومات التي تحاول التغلب على المأزق في مشكلة قبرص بمشاركة نشطة من الاتحاد الأوروبي ، كما أكد على التطورات التي ظهرت خلال زيارته لألمانيا , وفي إطار الأنشطة القادمة على المستوى الأوروبي ولدى سؤاله عما إذا كان قد تم إحراز تقدم في المشاركة الفعالة للاتحاد الأوروبي في مشكلة قبرص أعرب كريستودوليديس عن ارتياحه لرؤية نهج الحكومات التي تسعى جاهدة للتغلب على المأزق في مشكلة قبرص بمشاركة نشطة من تركيا وأكد أيضًا على التطورات التي ظهرت خلال زيارته لألمانيا وفي إطار الأنشطة القادمة وفي إطار الأنشطة القادمة على المستوى الأوروبي وردا على سؤال حول ما إذا كان قد تم إحراز تقدم في المشاركة الفعالة للاتحاد الأوروبي في مشكلة قبرص قال كريستودوليديس أنه سيتحدث في البرلمان الأوروبي في 13 يونيو ثم يقدم هذا الرأي في فيينا وذكر أنهم يعملون بطرق عديدة للتغلب على المأزق في مشكلة قبرص وتحدث كريستودوليدس أيضًا عن الدين الوطني والشرف مشيدًا بقتلةEOKA  الذين فقدوا حياتهم وذلك في خطابه في ورشة الطاقة و ذكر”أنه سيبذلقصاري قوته من أجل إعادة توحيد البلاد واستقلالها ضمن الإطار المتفق عليه في حل عملي” وتحدث أيضًا عن الحاجة إلى التخلص من “الجنود الأجانب وتوابعهم”كما ذكر أن الحل يجب أن يوفر أيضًا للمقيمين الشرعيين في البلاد فرصة يعيش بسلام .

أجري كريستودوليدس وإدارته في الفترة الأخيرة اتصالات مكثفة من أجل منع الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية وتطوير العلاقات الخارجية للإدارة القبرصية اليونانية وأشارالرئيس القبرصي إلى أن المجتمع القبرصي اليوناني يجب أن يتفهم أيضًا “المستوى الجديد للعلاقات” المخطط له مع الولايات المتحدة وأشارإلى أنهم تلقوا بالفعل خريطة الطريق فيما يتعلق بحقيقة أن القبارصة اليونانيون الذين يفضلون السفر إلى الولايات المتحدة لا يحتاجون إلى تأشيرة دخول إلى البلاد وذكر أنه تم تعيين منسق لهذه القضية وأن هذا الشخص يعمل مع الوزارات وكذلك السلطات الأمريكية وإشارإلى أن هناك قضية أخرى تنسقها الحكومة القبرصية اليونانية مع الحكومة الأمريكية وهي جذب الاستثمارات الأمريكية إلى جنوب قبرص وقال إنهم يعملون بالتنسيق مع بعض البعثات التجارية من الولايات المتحدة مؤخرًا وكذا تسعى الإدارة القبرصية اليونانية إلى تطوير علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية حيث ناقش القبارصة اليونانيين تطوير التعاون في مجال السياحة بين جنوب قبرص والصين ومسألة الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين وسيتم توقيع مذكرة تفاهم متبادل في المؤتمر الإلكتروني الذي سيعقد نهاية شهر يوليو2023 ويري القبارصة اليونانيين أنه من الضروري أن تنخرط سلطات الوطن التركي والجمهورية التركية لشمال قبرص في العمل النشط للتعويض عن الركود في العلاقات الخارجية خلال عملية الانتخابات وبعد إعلان حكومة الرئيس أردوجان الجديدة في تركيا وتحدثوا عن وضع خارطة طريق استباقية لوزيري الخارجية والدفاع وكذلك نائب الرئيس الذي سيكون مسؤولاً عن الشؤون القبرصية مع مراعاة آخر التطورات في سياق مشكلة قبرص , وفي 29 مايو 2023 أعرب رئيس القبارصة اليونانيين وهو يتحدث عن قضايا  قبرص والطاقة عن ارتياحه لرؤية الاتحاد الأوروبي لمقاربة الحكومة القبرصية اليونانية التي تسعى جاهدة لتجاوز المأزق في مشكلة قبرص بمشاركة فاعلة من الاتحاد الأوروبي ، كما أكد على التطورات التي ظهرت خلال زيارته مؤخراً لألمانيا وعندما سُئل عما إذا كان قد تم إحراز تقدم في المشاركة الفعالة للاتحاد الأوروبي في مشكلة قبرص قال الرئيس كريستودوليديس: “بالطبع ، كما تعلم كنت في ألمانيا منذ وقت قصيروكانت وجهات نظر المستشارة الألمانية واضحة جدًا ويتم عمل الكثير على المستوى التكنوقراطي لإعدادنا ” , وفيما يتعلق بقضية الطاقة وبحسب صحيفة هارافجي أدلى كريستودوليدس بتصريح في ضوء الاجتماع المتوقع بين ممثلي الحكومة وشركات الطاقة في 28 مايو 2023 ورداً على سؤال ذي صلة قال كريستودوليدس إنه سيتم الإعلان قريبًا عن جدول زمني محدد وخريطة طريق لسياسة الطاقة وقال أن توجه حكومته واضح ومحدد فهدف الحكومة هو خلق أوجه تآزر في تلبية الاحتياجات المحلية للبلاد وتقييم جهود الاتحاد الأوروبي للتخلص من اعتماده على الغاز الطبيعي من روسيا وذكر كريستودوليديس أنه التقى بمسؤولي شركة شيفرون وإنهم سيعبرون عن آرائهم ومقارباتهم في إطار ورشة العمل  .

علي الجانب التركي فيذكر أن الأهمية الاستراتيجية لتركيا على المسرح العالمي أصبحت جد واضحة بشكل متزايد وسط الصراع الدائر في أوكرانيا ويتضح ذلك من التهاني السريعة التي قُدمت إلى رجب طيب أردوجان بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة , فمثلاً كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من بين الأوائل الذين هنأوا أردوجان وفي برقية تهنئته تلك  سلطً الضوء على “السياسة الخارجية المستقلة” للزعيم التركي كعامل في فوزه ومعروف أن هذه السياسة تتضمن رفض تركيا نبذ روسيا بعد غزو أوكرانيا حتى مع فرض حلفاء الناتو عقوبات عليهم وخفض اعتمادهم في مجال الطاقة على موسكو , كما أن التجارة بين تركيا وروسيا زادت بشكل ملحوظ منذ بداية الصراع الأوكراني ومع ذلك تلقى أردوجان أيضًا تهاني الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعلى الرغم من مخاوفهما بشأن علاقة تركيا بروسيا وسياسات أردوجان الداخلية تظل تركيا حليفًا حيويًا وإن كان صعبًا ولا يمكن التنبؤ به للغرب كعضو رئيسي في الناتو يشارك في جميع مهامه , فبينما يحافظ أردوجان على علاقات وثيقة مع روسيا التي في ضوء مشاركة قبرص اليونانية في فرض العقوبات المالية عليها وإذعان القبارصة اليونانيين وقبلهم اليونان بشكل مطلق للمواقف الأمريكية من روسيا وتبعات الحرب علي أوكرانيا , بدأت روسياً بفعل ذلك في البعد عن دعم وجهة النظر اليونانية من القضية القبرصية وإثباتاً لذلك نشرت صحيفة “يني شفق” التركية نقلا عن مصادر لم تسمها في 23 سبتمبر 2022 أنه من المتوقع أن يطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوجان شخصيا الرحلات الجوية بين روسيا وشمال قبرص عبر أنطاليا في نوفمبر2023 وكان أردوجان قد طرح خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إمكانية إطلاق رحلات جوية مباشرة من روسيا إلى شمال قبرص حيث قال : “بالطبع أثرت قضية شمال قبرص خلال المحادثات مع الرئيس الروسي بوتين وبالطبع سنكون سعداء إذا بدأت الرحلات الجوية المباشرة من روسيا إلى جمهورية شمال قبرص التركية , رغم أن تركيا تقدم ولكن في إطار عضويتها في الناتو مساعدات عسكرية لأوكرانيا , وجدير بالذكر أنه وفي السنوات الأخيرة حول أردوجان تركيزه من الدعوة لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي إلى اتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية وقد أدى هذا النهج إلى علاقات معاملات مع مختلف الحلفاء بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي , وقد تنشئ الصراعات الاقتصادية الحالية في تركيا فرصة للغرب للضغط من أجل المزيد من توسع الناتو مثل انضمام السويد إلى الحلف التي مازالت تعارضها تركيا , ومع ذلك فلا تزال الهجرة مصدر قلق ملح لقادة الاتحاد الأوروبي خاصة وأن دور تركيا في إدارة تدفق اللاجئين وطالبي اللجوء أصبح مثيرًا للجدل بشكل متزايد كما يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق من نزاعات تركيا مع اليونان وقبرص وكلاهما من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي , وترتيباً علي الأهمية المتنامية لتركيا وحاجة الغرب الملحة لدور تركي نشط وفاعل في الناتو وعلي الصعيد الثنائي والجماعي الأوروبي وتمدد الفاعلية التركية في الشرق الأوسط حيث موارد الغاز والنفط وكذلك البأس التركي الظاهر في نمو الإعمادية الذاتية علي الصناعة العسكرية وإنعكاس ذلك علي دور العسكرية التركية علي فرض نفوذ تركي فاعل في شرق المتوسط الذاخر بموارد الغاز الطبيعي المتنازع عليها , ترتيباً علي كل ذلك وماهو أكثر فإن كلمة تركيا في القضية القبرصية تعد حاسمة أكثر من ذي قبل أو علي الأقل أكثر مما كانت إبان عهود الحكومات العسكرية التركية محدودة البأس والتي تصارعت علي السلطة في أنقرة معظم أوقاتها , كما أن حالة الصعود والفاعلية السياسية العالية لتركيا في الإقليم وتقادم القضية القبرصية وتآكل بنيانها أدي إلي تبني تركيا وشمال قبرص لحل الدولتين وهو مالم يكن مثاراً من عشر سنوات ماضية .

ما إنتهت إليه القضية القبرصية :

في رسالة التهنئة التي بعث بها رئيس جمهورية شمال قبرص التركية ونُشرت في 30 مايو2023 ورد فيها : “دعوتكم للاعتراف الرسمي بجمهورية شمال قبرص التركية التي قدمتموها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر2023 وتمتع الجمهورية التركية لشمال قبرص بعضوية المراقب في منظمة الدول التركية كانت ثمرة لجهودكم ” , ويعني هذا أن تركيا إنتهت أو كادت من مرحلة تبريد الأزمة أو القضية القبرصية من خلال سلسلة من المفاوضات المارثونية منذ 1975عبر وسطاء كثر لكنها لم تؤت بثمار أي ثمار , والآن آن أوان الإنتقال إلي المرحلة الأخري من مراحل إستراتيجيتها المُتعلقة بشمال قبرص التركية وهي مرحلة دمج شمال قبرص التركية في نظرية الأمن القومي التركي , ورغم أن الولايات المتحدة مازالت ترفض طرح حل الدولتين واحدة للقبارصة الأتراك ودولة أخري للقبارصة اليونانيين  وهو ما ترفضه اليونان وحكومة القبارصة اليونانيين معاً , لكن الولايات المتحدة وخاصة إدارة بايدن أعلنت مراراً أنها مع حل الدولتين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية , وبرغم بعض الإختلافات الهامة والتاريخية في شأن القضية الفلسطينية و معناها ومبناها معاً  وإختلافها النسبي عن القضية القبرصية , إلا أن الولايات المتحدة قبلت حل يتأسس علي دولة ذات سيادة لليهود وأخري ذات سيادة للفلسطينيين , فلماذا إذن تنكر هذا الحل في حالة النزاع القبرصي التركي والقبرصي اليوناني رغم أنه أيسر وأقل تعقيداً لأن النزاع بين طائفتين لا ينادي إحدهما بان قبرص أرضه وحده وأن الطائفة الأخري إحتلته وأقامت فيها مُستعمرات كما فعل الصهاينة مع الفلسطينيين  , لذلك فمن الجدير بالمرء أن يقف علي المبررات التي قد يسوقها الأمريكيون عند تبريرهم الأخذ بحل الدولتين في حالة حل الصراع الصهيوني / الفلسطيني وإنكار هذا الحل في حالة الصراع التركي / اليوناني , فهل مرد ذلك إلي المعايير المزدوجة أم إلي التناقض في تقييم القضيتين ؟ خاصة وأن الولايات المتحدة لها سوابق في فصل وتقسيم الدول آخرها العمل علي فصل جنوب السودان ثم دعم إستقلاله .

إن قضية قبرص وقعت في مستنقع – كما يدعي الجانب القبرصي اليوناني – بعد محاولة أردوجان التنقيحية لحلها عبر مقترح الدولتين أي دولتين منفصلتين في قبرص تتمتعان بحقوق وأرباح متساوية من استخراج الهيدروكربونات في المنطقة الاقتصادية الخالصة لميجالونيزوس والمقاومة القوية من قبل الحكومة أي جمهورية قبرص اليونانية والمجتمع الدولي لذلك الحل وقد ذكّروا الرئيس التركي بقرارات مجلس الأمن بشأن قضية قبرص حيث يكون الحل القانوني والعادل الوحيد هو إقامة دولة في إطار اتحاد ثنائي المناطق وثنائي الطائفتين “يُستثنى الاتحاد الكلي أو الجزئي لقبرص مع أي دولة أخرى أو الاستقلال المنفصل” كما تنص المادة 182 من الدستور على أنه “لا يجوز تعديل الأحكام الأساسية للدستور بالتغيير أو الإضافة أو الإلغاء” , وبشكل عام وكما يدعي القبارصة اليونانيين فإن الدولة الزائفة في الأراضي المحتلة أي جمهورية شمال قبرص التركية غير قانونية تمامًا لأن الاستقلال المنفصل مستبعد من الدستور التأسيسي لقبرص وبالتالي فإن أي نقاش حول خطط أردوجان وتركيا لدولتين على الجزيرة يتوقف عند هذا الحد .

أدت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس القبرصي كريستودوليديس إلى ألمانيا إلى أخبار عن قضية قبرص مع إظهار نية ألمانيا في المشاركة بنشاط دبلوماسياً في الجهود المبذولة لحلها وقال المستشار الالماني اولاف شولتز “ان الامر يتطلب شجاعة كبيرة لكسر الجمود في مفاوضات قبرص” متسائلا عما اذا كانت جميع الاطراف لديها الرغبة في القيام بذلك ؟ وفي حديثه بعد اجتماع مع الرئيس نيكوس كريستودوليديس في برلين حيث كان يزوره للمرة الأولى كرئيس قال شولز “آمل أن أرى المفاوضات تكتسب زخما جديدا نظرا للمأزق”وأضاف أن ألمانيا تدعم بالكامل حل القضية القبرصية في إطار اتحاد ثنائي حيث يتم تمثيل كل مجتمع في قيادة البلاد وقد ناقشنا ذلك وتريدقبرص مساعدة ألمانيا وألمانيا مستعدة للمساهمة حتى يكتسب الجميع ثقة أكبر في بعضهم البعض ” , وقال المستشار الالماني اولاف شولتز “ان الامر يتطلب شجاعة كبيرة لكسر الجمود في مفاوضات قبرص” متسائلا ما اذا كانت جميع الاطراف لديها الرغبة في القيام , ورحب كريستودوليديس في تصريحاته بالمحادثات واصفا ألمانيا بأنها “واحدة من أهم دول الاتحاد الأوروبي التي يمكن أن تساهم” في الجهود التي يمكن أن تستأنف المحادثات من حيث توقفت في كرانس مونتانا. وأضاف أن الوقت قد حان للعمل الدبلوماسي ولألمانيا دور مهم تلعبه في ذلك , واتفق الزعيمان أيضًا على تعزيز تعاونهما في مجال الطاقة والدفاع وناقشا أيضًا مسألة أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا , وأضاف كريستودوليديس أنه بغض النظر عن مبعوث الاتحاد الأوروبي لكنه يجب أن يكون شخصية سياسية يمكنها التحدث مباشرة مع رئيس تركيا لأن هذا أمر أساسي , وتقدم كريستودوليديس باقتراح لمبعوث أو وسيط خاص من الاتحاد الأوروبي لقبرص للمساعدة في كسر الجمود ، لكن مع بقاء المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة .

وسائل الإعلام التركية في إشارتها إلى القضية القبرصية تدعي أن الاتحاد الأوروبي وجد مفتاحًا لنقل الغاز الطبيعي المكتشف في المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجانب القبرصي اليوناني إلى الغرب في حالة حل القضية القبرصية ، ويستعد الإتحاد الأوروبي لاستخدام ميركل للوصول اتفاق مع تركيا لكن نيكوس اناستاسيادس في 21 فبراير 2018 حض تركيا على التوقف عن منع التنقيب عن الغاز قبالة الجزيرة لانه كما يدعي مفيد للقبارصة اليونانيين والقبارصة الاتراك على حد سواء بعد توحد الجزيرة وقال الرئيس القبرصي في بيان “إن اللغة المعتمدة من قبل تركيا والقبارصة الاتراك غير مبررة وهي لا تخدم مصالح الشعب القبرصي وأن مشاريع جمهورية قبرص في قطاع الطاقة ستمضي قدما” وأضاف “أدعو علنا تركيا والقبارصة الاتراك للاستجابة فورا لدعوتي والعودة الى طاولة المفاوضات شرط ان يسبق ذلك وقف لانتهاك الحقوق “السيادية” لقبرص في منطقتها الاقتصادية الخالصة واوضح اناستاسيادس إن موارد الطاقة غير المستغلة هي ملك للدولة وسيتم تقاسمها مع القبارصة الاتراك عند اعادة توحيد الجزيرة , ويُذكر أن هناك بوارج حربية تركية تمنع سفينة حفر ايطالية عن التنقيب عن الغاز قبالة الجزيرة ما ادى الى اندلاع أزمة بين قبرص وتركيا (كشفت الدراسة التى أجرتها هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية عن وجود ما يقرب من ١٢٢ تريليون م٣ من مصادر الغاز غير المكتشفة فى حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان والكيان الصهيوني وغزة وقبرص، بالإضافة إلى ما يقارب ١٠٧ مليارات برميل من النفط القابلة للاستخراج) , من جهته اتهم زعيم القبارصة الاتراك مصطفى اكينجي في فبراير 2018 السلطات القبرصية اليونانية بالتصرف كأن كل الموارد الطبيعية في الجزيرة هي ملك لها. ودعا القبارصة اليونانيين الى “ابداء تفهم وتعاون”، معتبرا ان الدروس التي تم استخلاصها من هذه الازمة يجب ان تدفع للتطلع نحو المستقبل وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوجان حذر الشركات النفطية العالمية من “تجاوز الحدود” في شرق المتوسط وتهدد هذه المواجهة حول استغلال الموارد النفطية في المنطقة بزيادة تعقيدات جهود استئناف المحادثات المتوقفة لتوحيد الجزيرة .

ومن جهة أخري زعمت وسائل إعلام يونانية أن المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ستعود إلى الساحة السياسية الدولية للقيام بدور الوساطة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا , وقدأفادت الأنباء أن ميركل ستتولى مهمة الوساطة بين الاتحاد الأوروبي وألمانيا وتركيا وأن هذه المبادرة الدبلوماسية تخص اليونان بشكل مباشر وجدير بالذكر أن رواسب الغاز الطبيعي التي من شأنها أن تقلل بشكل كبير من اعتماد أوروبا للطاقة على روسيا تم تحديدها في ما يسمى بالمنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ) على الجانب القبرصي اليوناني وأن إذن تركيا مطلوب لنقل الغاز الطبيعي إلى الغرب (أرسلت تركيا سفينة الحفر الثانية ياووز المتخصصة فى الحفر فى البحار للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعى فى مياه المنطقة الاقتصادية الخاصة القبرصية إضافة إلى استمرار السفينة التركية “فاتح” فى أعمال الحفر غرب الجزيرة  , إلى جانب سفينة “بربروس”، الأمر الذى ترتب عليه ازدياد حدة التوتر بين أنقرة وعدة أطراف تدعى كل منهم أحقيتها فى استغلال ثروات هذه المنطقة ) ويُلاحظ أن “المفتاح” لتحرير أوروبا من الاعتماد على الطاقة لروسيا يكمن في حل القضية القبرصية وسيتبين في الأشهر المقبلة ما إذا كانت خطط برلين وبروكسل ستنفذ بتدخل ميركل , إن المبادرة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي وخاصة ميركل لحل القضية القبرصية تسير في الاتجاه الصحيح ، خاصة في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من السوء ويحتاج أردوجان المنتخب حديثًا في الرئاسة إلى أموال ساخنة ومن المؤكد أننا سنكون ساذجين إذا اعتقدنا أن أردوجان سينزلق من موقفه الخاص بدولتين في قبرص وسيتم حل القضية القبرصية بطريقة سحرية  , ويُعتقد أن الجهد الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي ربما سيكون فرصة  سانحة للتحديث وتعزيز مواقف الدول الأعضاء بشأن قضية قبرص وعزل تركيا أكثر , ومع ذلك فهناك خطر محاولة أنقرة للاستغلال المشترك للغاز الطبيعي القبرصي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وقبرص دون حل القضية القبرصية , ومع ذلك تشير دوائر دبلوماسية  أنه إذا تم حل قضية قبرص – وهذا أمر مُستبعد علي الأقل في المدي المنظور- فسيكون من الأسهل إيجاد حل للمشكلة التركية اليونانية أيضًا فهناك رواسب هيدروكربونية ضخمة جنوب غرب وجنوب شرق جزيرة كريت إلى جانب تلك الموجودة في قبرص ومصر والكيان الصهيوني والتي يمكن أن تحل مشكلة الطاقة في أوروبا لسنوات عديدة قادمة ”  0

قال المستشار السياسي لرئيس جمهورية شمال قيرص التركية د أتون أتون في1 يونيو 2023 أن مشكلة قبرص ليست على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي فمتاعب الاتحاد الأوروبي الخارجيةعديدة بالإضافة إلى المشاكل داخل الإتحاد نفسه وهم لديهم الآن فكرة عن”كيف يمكن التعامل مع تركيا”. إنهم في ورطة ” في الواقع لقد اتخذ الاتحاد الأوروبي قراره بالفعل لكنه يخشى أن يعترف بذلك حتى لنفسه لقد أدركوا بالفعل أن السبيل الوحيد ، إن الحل الوحيد هو إقامة علاقات ودية مع تركيا حتى في عهد المستشارة الألمانية (رئيسة الوزراء) ميركل خاصة بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016تم حل منظمة جولن الإرهابيين الأجانب وتم قطع يد الولايات المتحدة التي أربكت تركيا وتم سحق منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية داخل حدود تركيا وقدأدى تدمير قادة المنظمة الإرهابية وأعضائها واحدًا تلو الآخر إلى اتخاذ الاتحاد الأوروبي قرارًا مفاده “أنه من مصلحتنا أن نكون أصدقاء لتركيا”بطبيعة الحال ، فإن السبب الرئيسي وراء تراجع الغرب هو الصعود السريع لتركيا في صناعة الدفاع ، فالعالم الغربي من أجل تفكيك تركيا وضع تركيا في مأزق داخليًا وخارجيًا منذ الثمانينيات بذل قصارى جهده لجعل الناس يفقدون ثقتهم في الدولة عن طريق تمويل الأعمال الإرهابية وتنفيذ الحظر الاقتصادي وإيقاف نقل التكنولوجيا وإيقاف بيع أجزاء مهمة من الأسلحة المستخدمة في صناعة الدفاع على المدى الطويل وفقًا لمثلنا “الجار السيئ يصطنع مالكًا للمنزل” كان للشعب التركي الذي لا يخاف من مثل هذا الاضطهاد والإرهاب تأثير سلبي وتسبب في زيادة صناعة الدفاع وتكنولوجيا النانو في تركيا لتصبح من بين الأفضل في العالم ,”تركيا ستضعف أولاً ثم تتفكك” وعلى عكس التوقعات ، فاليوم هناك تركيا عملاقة متحررة من كل المشاكل التي ألحقها بها العالم الغربي وصناعتها الدفاعية تتمتع بالاكتفاء الذاتي , خطوة أخرى أبعد من ذلك  وهي أن الاتحاد الأوروبي وهو مستعمرة الولايات المتحدة غير المشروطة قد استنفد ثروته السرية وخسر صناعته لصالح آسيا ويبدو وكأنه أسد قلعت أظافره دعنا نأتي إلى موضوعنا الرئيسي إذ يحاول زعيم القبارصة اليونانيين الناشئ نيكوس كريستودوليديس بلا كلل إيجاد مؤيدين في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بقضية قبرص ووضع القضية القبرصية على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي وذلك منذ انتخابه في فبراير وقضى ما يقرب من ليلة واحدة من ثلاث ليالٍ في الخارج يلتقي ويتوسل مع زعماء العالم الغربي وفي الأشهر الثلاثة التي أعقبت الانتخابات التقى بقادة 29 دولة بالضبط بعيون دامعة وصوت متوسل إليهم للمشاركة في قضية قبرص والضغط من أجل “استئناف محادثات الاتحاد” من حيث غادروا الطاولة في كرانس مونتانا عام 2017 وبعد أن التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال كريستودوليديس من فرنسا “لا للتدخل في القضية القبرصية” , وعندما حصل على الجواب أخذ أنفاسه في ألمانيا وهناك قام المستشار الألماني أولاف شولتز بنفس الموقف وأعطى إجابات تعني “لا” , إن الشخص الذي يصم آذانه ليس فقط عن الاتحاد الأوروبي ولكن أيضًا لجميع مناشدات القبارصة اليونانيين كما تشعر روسيا بالإهانة من جانب القبارصة اليونانيين لامتثالها لدعوة الاتحاد الأوروبي لفرض حظر عليها , لهذا السبب لا تقف روسيا إلى جانب اليونانيين على الرغم من أنهم من المسيحيين الأرثوذكس فقد صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بوضوح أن سكان الجزيرة يجب أن يجدوا الحل النهائي بأنفسهم وأنهم لا يحتاجون لفرض رزنامة أو وصفة جاهزة ، ولن يتدخلوا أي الروس مع قضية قبرص كما لا ترغب الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا في مواجهة تركيا من أجل القبارصة اليونانيين وبفضل تركيا القوية ، بدأت مشكلة قبرص يتضح أنها بدأت تتحرك نحو حل “دولتين ذاتا سيادة متساوية ومعترف بها , باختصار ، لا الاتحاد الأوروبي ولا روسيا لديهما مشكلة قبرص على جدول أعمالهما .

أما اليونان الداعم الرئيسي والمباشر ااقبارصة اليونانيين في قضيتهم وأحد 3 أطراف ضامنة لإعلان إستقلال قبرص مع تركيا وبريطانيا عام 1960 فقد نالها الضعف بدرجة كبيرة كما أن موقفها التاريخي المؤازر للقبارصة اليونانيين مرشح لمزيد من عدم الفاعلية ذلك أن علاقتها بروسيا أصابها كثير من الضرر بسبب موقف اليونان من حرب روسيا في أوكرانيا , ففي 24 مايو 2022 أعلن وزير الدفاع الوطني اليوناني نيكوس بانايوتوبولوس أن اليونان أرسلت أسلحة جديدة إلى أوكرانيا وذلك استجابة لطلب أرسله إليه قادة في المعارضة وسياسيين يونانيين وأضاف وزير الدفاع الوطني اليوناني أن اليونان مثل جميع الدول الأوروبية تساعد أوكرانيا بالمعدات الدفاعية حتى تتمكن من حماية نفسها من هجوم من روسيا ويتم توفير المواد الدفاعية من الاحتياطيات التي تمتلكها البلاد وهذا لا يضعف قدرتها الدفاعية على الإطلاق و قال أنه لا يمكن أن تكون اليونان استثناء من بين الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي التي تفعل الشيء نفسه وكانت اليونان في أبريل 2022 قد لحقت بموكب العقوبات الأوروبية ضد روسيا إذ أعلنتا والنرويج عن طرد دبلوماسيين روس أسوة بألمانيا وفرنسا والسويد والدنمارك والاتحاد الأوروبي بحجة أنهم أجروا أنشطة لا تتوافق مع وضعهم الدبلوماسي , وفي 26 فبراير  في كلمته في مؤتمر عن بعد للمجلس الدائم لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا 2023دعا وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إلى وقف الحرب في أوكرانيا على الفور وبشكل كامل ودون أي شروط , وقال ديندياس “أن ما نطلبه هو أن تنتهي هذه الحرب على الفور وبشكل كامل وبدون شروط لأن هذا هو السبيل الوحيد لبدء حوار حقيقي يقوم على أساس المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة والوثيقة الختامية لهلسنكي” , وبالطبع فهذا الموقف غير إيجابي وغير مواتي للروس الداعمين التارخيين لليونان وللقبارصة اليونانيين معاً , إذن فقد ضعف موقف اليونان نسبيا في القضية القبرصية بفقد الدعم التاريخي لروسيا للقبارصة اليونانيين بإعتبارهم مسيحيين أرثوذكس .

تركيا واليونان هما معاً الطرفين الداعميين لكل من القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين وهناك ثمة حركة في علاقتهما , إذ تتطور حالياً العلاقات البحرية اليونانية التركية نحو نقطة تحول إيجابية وعملية فمصادر صحافية تحدثت عن وساطة واحدة لألمانيا لحث اليونان وتركيا بضغط من الولايات المتحدة  من أجل حل خلافاتهما , وقد يمكن أن تكون هذه الأخبار ذات مصداقية , مع الأخذ في الاعتبار أن برلين قد إنخرطت في مثل هذه الجهود بالفعل في الماضي لتخفيف الاحتكاك بين الطرفين , ويلوح في الأفق الآن وضع إيجابي غير مسبوق فوفقا لهذا قد يبدأ هذان المتنافسان مرحلة سياسية داخلية جديدة بعد الانتخابات التركية التي يمكن خلالها أن تسهل التخلي عن الخطاب البحري القومي التقليدي لكلاهما وبداية اهتمام أكبر باستغلال موارد الطاقة في البحار الداخلية فتركيا ستستخدم أيضًا الغاز من البحر الأبيض المتوسط من خلال تخفيف العلاقات مع روسيا التي ترتبط بها بخطوط أنابيب من البحر الأسود , ولا يخفي إن وساطة ألمانيا المُشار إليها تعد حلاً غير مباشر لأوروبا ولألمانيا  للإستفادة من طاقات الغاز المحتملة والمخزونة في فضاء شرقي البحر الأبيض المتوسط والتعقيدات التي نشأت في أعقاب الحرب الروسية / الأوكرانية ,  ويوكد أهمية الجهد الألماني في الوساطة ما ذكره الرئيس التنفيذي لشركة Eni Claudio Descalzi مؤخرًا من أنه : “لا يمكننا أن نعتقد أنه يمكن العثور على اتفاق بين الكيان الصهيوني وقبرص واليونان لأنبوب بدون مشاركة أنقرة” , وهذا يعني أن موافقة تركيا على تحقيق EastMed من منظور اقتصادي شامل ليست مستحيلة , وبالإضافة إلي كون القضية القبرصية مازالت حجر عثرة رئيسي وماثل للإستفادة من كل الطاقات الغازية في شرقي البحر الأبيض المتوسط , فإن لخلاف على جزر بحر إيجة أيضاً يظل عائقاً له إعتباره , إذ أن هناك العديد من الخلافات بين أثينا وأنقرة في البحر منذ ذلك الحين وفقاً لما نصت عليه المادتين 12 و 13 من معاهدة لوزان لعام 1923 فبموجبهما جري تخصيص جميع الجزر الواقعة أمام تركيا لليونان مع قيود نزع السلاح باستثناء تلك الموجودة “أقل من 3 ملج من الساحل الآسيوي “وعند مدخل الدردنيل وكذلك دوديكانيز وكاستيلوريزو المنسوبة إلى إيطاليا ويُنظر إلى مسألة “وزن” هذه الجزر في حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ)على أساس لائحة غير مؤكدة لاتفاقية قانون البحار (Unclos) ، وتريد تركيا  تقييم التأثير المخفّض على أساس كل حالة على حدة علي حين تدعم اليونان وبقوة الإسقاط البحري الأقصى بغض النظر عن حجم أياً من هذه الجزر , ويستخف كلا البلدين بمبادئ التناسب التي ينبغي بحسب ((Unclos أي إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار United Nations Convention on the Law of the Sea أن تؤدي إليه من نتائج عادلة , وكنموذج لهذه الرؤى المتعارضة تأتي جزيرة Kastellorizo الصغيرة التي آلت إلى اليونان في عام 1947 وهي على بعد 350 ملج من الوطن الأم وجعلتها أثينا محور مطالباتها حتى وسط شرق البحر الأبيض المتوسط مما حرم أنقرة من  مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة مع الوضع في الحسبان الأهمية العادلة لساحل الأناضول الواسع , وعلي نفس المنوال تأتي جمهورية شمال قبرص التركية كنهج مُشابه لجزيرة Kastellorizo حيث قسمت بالفعل في عام 2003 جزءًا من المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تطالب بها تركيا مع مصر وكرد فعل أبرمت أنقرة في عام 2019 مع طرابلس اتفاقية حدودية متنازع عليها على حدود المياه الإقليمية لجزيرة كريت وكارباتوس  .

إذا تم تأكيد الشائعات حول بدء مفاوضات بين تركيا واليونان حول جزر بحر إيجة و/ أو النزاع علي الحدود البحرية لكلاهما في بحر إيجة فسيكون من الضروري معرفة ما إذا كانت هناك ثمة “حزمة” تتضمن تنازلات متبادلة في بحر إيجه إذ لن يكون من السهل على تركيا قبول اختصاص محكمة العدل الدولية التي رفضتها قبل خمسين عامًا بتجاهل قرار مجلس الأمن , فمن بين أمور أخرى كان الموقف التركي مشروطًا بعدم العضوية في إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ومشكلة نزع السلاح من الجزر اليونانية , لذلك من الأسهل تخيل حل مؤقت مثل الاستكشاف المشترك واستغلال المناطق البحرية التي تطالب بها اليونان أيضًا , ففي شرق البحر الأبيض المتوسط  سيؤدي إلغاء الاتفاقية التركية الليبية بشأن الحدود البحرية لعام 2019 إلى فتح العديد من القضايا , إذ يمكن لليونان وليبيا تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة الخاصة بهما وكذلك تركيا ومصر التي أصدرت في 11 ديسمبر2022مرسوماً تحدد بموجبه مصر من جانب واحد حدودها البحرية مع ليبيا والمنطقة الإقتصادية الخالصة EEZ لها بالبحر الأبيض المتوسط بحد غربي عند خط الطول 25 – أي إلى الغرب أكثر من حد اتفاق الترسيم الجزئي بين اليونان ومصر في أغسطس 2020, وأشار المرسوم إلي أن “حدود مصر البحرية تبدأ من النقطة رقم 1 من الحدود البرية بين مصر وليبيا لمسافة 12 ميلا بحريا حتى النقطة رقم 8 وبالتالي فإن خط الحدود البحرية يمتد من النقطة رقم 8 باتجاه الشمال” ونص المرسوم على إخطار الأمم المتحدة بالتعديلات , ويعارض التحديد المصري للحدود البحرية لمصر مع ليبيا ما ورد بالمذكرة التركية / الليبية الخاصة بترسيم وتحديد الحدود البحرية بين البلدين في البحر الأبيض المتوسط , والذي يُثير التساؤل ليس إصدار المرسوم ولا موضوعه بل توقيت إصداره إذ أنه  وُقع و نُشر في جريدة الوقائع المصرية في 11 ديسمبر2022 أي بعد سنوات من الإتفاق التركي / الليبي لترسيم حدودهما البحرية حيث وُقع هذا الإتفاق في 27 نوفمبر 2019 , وبعد نحو شهرين من توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين  الكيان الصهيوني ولبنان في 27أكتوبر 2022بوساطة أميركية , وتعد هذه هي الخطوة الثالثة من جانب مصرضد المصالح التركية في المنطقة بعد ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين اليونان ومصر وتوقيع مصر واليونان مؤخرًاعلى اتفاقية لعمليات البحث والإنقاذ المشتركة في المنطقة , وفي هذا الشأن أشارت وسائل إعلام مصرية أن مصر واليونان أدانتا في أكتوبر صفقة المحروقات بين تركيا وحكومة طرابلس , علاوة على ذلك فمن المعروف أن القاهرة تركت الباب مفتوحًا أمام حل ما بشأن الخلافات التركية / اليونانية في بحر إيجة عندما أبرمت في عام 2020 اتفاقًا مع أثينا لا يؤثر على مجال المصلحة التركية فيوجد أيضًا في هذا الربع احتياطيات كبيرة من الغاز  , وأعتقد أنه ليس من المؤكد أن التأخير والألعاب الإجرائية لمحكمة التحكيم ستكون هي الخيار الأفضل حقًا في مثل هذا المجال فبدلاً من ذلك ستوفر موارد الطاقة الهائلة التي يجب مشاركتها على الفور إمكانية عقد اتفاقيات تجارية عملية ومفيدة لجميع الأطراف المعنية أي لتركيا واليونان وقبرص نفسها ولغيرهم في الفضاء الواقع بين تركيا واليونان وقبرص فهذا هو المكان الذي تدور فيه مسألة EastMed إذ يمكن القيام بالعمل فيه  إذا وافقت تركيا من خلال الاتصال بالبنية التحتية على طريق يمر عبر المناطق الاقتصادية الخالصة التي تحدها قبرص ومصر واليونان , وبهذه الطريقة ستنخفض الاحتياطيات الأمريكية  ومع الأخذ في الاعتبار أيضًا أهداف الشركة المعادية لروسيا , التي سيكون من الواضح أن الحل الضار بالنسبة إليها هو حل مشكلة الجمهورية التركية لشمال قبرص – وهو مازال حلاً مُستعصياً – إذ أنه لا يرتبط فقط بمعضلة إستغلال إمكانات الغاز الطبيعي في شرقي البحر المتوسط بل بمجمل نظرية الأمن القومي التركي والمكونة من مفردات عصية علي فهم شركات البترول التجاري المحض , لكن يظل إهتمام الأطراف الثلاث المعنية مباشرة بالقضية القبرصية مُتناميا لأسباب ثلاث رئيسية أوضحها الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس في تصريحاته يوم 29 مايو 2-23 بمناسبة حضوره ورشة عمل الطاقة “بوابة قبرص : الغاز الطبيعي إلى الطاقة والتسييل” وهي ” :الأول / ارتفاع أسعار الكهرباء للسوق المحلية الثاني  / جهود الاتحاد الأوروبي لفطم نفسه عن الغاز الطبيعي الروسي والثالث  / آفاق شرق البحر المتوسط  “, و أعرب الرئيس القبرصي (اليوناني) عن أمله في حدوث تطورات وشيكة في مشكلة قبرص بعد الانتهاء من الانتخابات في تركيا وأضاف قوله “أن استراتيجية الحكومة القبرصية (اليونانية) تهدف إلى الجمع بين هذه الحقائق الثلاث , وأنه يجب استغلال الفرصة الموجودة حاليًا على المستوى الأوروبي وتعزيز جهود الاتحاد الأوروبي لفطم نفسه عن الغاز الطبيعي الروسي  , وبالطبع فإن إشارة الرئيس القبرصي (اليوناني) الأخيرة عن وجوب تعزيز الجهود الأوروبية للفطام من الغاز الروسي لن تراها روسيا إشارة إيجابية أو صديقة وبالتالي فقد تغير روسيا موقفها الذي كان مواتياً لحكومة قبرص اليونانية في شأن قضة إعادة توحيد الجزيرة القبرصة المُقسمة – بناء علي ذلك – وقد يكون علي الأقل مواتياً لموقف تركيا من تقسيم الجزيرة بالإعلان عن قيام جمهورية شمال قبرص التركية يوماً ما وبالتالي أعتقد في ضوء موقفي اليونان والقبارصة اليونانيين المناهض لروسيا في حربها علي أوكرانيا أنه من المتوقع في تطور تالي أن تعترف روسيا بجمهورية شمال قبرص التركية إن إتفق ذلك مع موجبات أمن روسيا القومي الذي كانت العملية العسكرية الروسية الخاصة ضد أوكرانيا أحد موجباته الرئيسية (إشتركت قبرص اليونانية في تطبيق العقوبات الأمريكية علي روسيا ومنها تجميد الأموال الروسية المودعة لديهم), وإن حدث ذلك فقد تتغير السياسة التركية في بحر إيجة قليلاً فوفقاً لما قاله وزير خارجية اليونان السابق  Nikos Dendiasفي تصريح له في نهاية مايو 2023 : فإن “هناك أرضية لمناقشة اختلافنا بصدق ” , وفي قبرص كثيراً , وتقترب تركيا الن أكثر من أي وقت مضي من ذروة نظرية الامن القومي التركية فيما يتعلق بجمهورية شمال قبرص وبعدت آلاف الأميال عن “النقاط الثلاث عشرة” التي اقترحها الرئيس القبرصي الراحل الأسقف مكاريوس عام 1963 حيث طالما سعت تركيا إلي فرض حلها في شأن المسألة القبرصية الرامي إلي الاتحاد الفيدرالي التركي والسيادة المتساوية بين كلا من القبارصة الأتراك و اليونانيين  .

إن تركيا في سبيل إنفاذ موجبات أمنها القومي ضحت أو هكذا يمكن القول بإنضمامها إلي الإتحاد الأوروبي الذي ما فتئء يقاوم إنضمام تركيا اه ومعارضته بقوة لأسباب أخري متعددة خاصة من جانب فرنسا , فبعدما صدر الإعلان المضاد في 21 سبتمبر 2005 الذي نص على أن تركيا بغض النظر عن حل قضية قبرص ملزمة بالاعتراف بجمهورية قبرص في سياق عملية انضمامها     , وينظر القبارصة اليونانيين إلي أعادة إنتخاب رجب طيب أردوجان علي أنه إستهلال لقرن تركي جديد في طابع عثماني أو كما قال السفاح الدموي بشار الأسد أمام قمة جدة العربية في مايو 2023 ببلاغة تقترب من السفاهة والإستخفاف بعقول الناس عوامهم قبل نخبتهم بأنه قرن عثماني بطابع أخواني , وبهذا القول أثبت بشار الأسد أنه بالفعل من أصل يوناني , وعموماً سيجري تضمين قبرص وجزربحر إيجة في الفضاء الجغرافي التركي في الأمد الطويل فهما كما أشرت واقعتان في ذروة نظرية أمن تركيا القومي علي تعاقب حكوماتها العسكرية والمدنية فلا علاقة لقضية شمال قبرص التركي مُطلقاً بالترهات التي يروج لها بشار الأسد أو من علي شاكلته فربما قال ما قاله بسبب تدخل تركيا عسكرياً في شمال سوريا حماية – كما أدعي الرئيس التركي أردوجان – لأمن تركيا القومي , علي حين أهدي بشار الأسد طواعية أمن سوريا القومي للروس الذين غُرست أقدامهم في أوحال مستنقع أوكرانيا الذي بمنطق بشار الأسد يصون أمنها القومي الرئيس زيلينسكي وهو بمنطقه المتهافت رئيس عثماني أخواني النزعة !!!! …. منتهي السخافة فأمن البلاد القومي لا تقوم عليه جماعات ولا أحزاب ولا طوائف بل دول ومؤسسات بدليل أن تدخل تركيا العسكري في قبرص في أغسطس في عملية أتيلا كان في 20 يوليو 1974 عندما كان بولنت أجاويد يتولي منصب رئيس الوزراء وكان منتمياً لحزب الشعب الجمهوري وهو حزب علماني أسسه كمال الدين أتاتورك وتم التدخل العسكري التركي عقب الانقلاب القبرصي في 15 يوليو 1974وبواسطة هذا التدخل العسكري تم تقسيم الجزيرة فيما بعد لدولتين أحدهما جمهورية شمال قبرص التركية التي أُعلنت في 1983وجمهورية قبرص اليونانية المعلنة بضمان ثلاثي عام1960وقد جري التفكير في تدخل تركيا عسكرياً إنقاذا للقبارصة الأتراك عندما اجتمع رئيس الوزراء التركي بولنت أجاويد مع رؤساء أحزاب المعارضة لما يقرب من ثلاث ساعات في 16 يوليو 1974 ثم ذهب بعدها إلى لندن في اليوم التالي لمناقشة الأمر , عقب ذلك أرسل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر جوزيف سيسكو إلى لندن لمحاولة التوسط في الصراع فعقد الوفد التركي اجتماعًا مع رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون ثم اجتماعا منفصلًا مع وزير الخارجية البريطاني جيمس كالاهان وجوزيف سيسكو لمناقشة قضية قبرص وأصدرت تركيا قائمة مطالب إلى اليونان عبر مفاوض أمريكي وشملت هذه المطالب الإبعاد الفوري لنيكوس سامبسون وسحب 650 ضابطا يونانيا من الحرس الوطني القبرصي وقبول القوات التركية لحماية سكانها ، وحقوق متساوية لكلا الشعبين وإمكانية وصول القبارصة الأتراك إلى البحر من الساحل الشمالي ثم طلب رئيس الوزراء بولنت أجاويد المملكة المتحدة بصفتها دولة موقعة على معاهدة الضمان لاتخاذ إجراءات لإعادة قبرص إلى وضعها المحايد , وقد رفضت المملكة المتحدة هذا العرض ورفضت السماح لتركيا باستخدام قواعدها في قبرص كجزء من العملية ولم تتوصل إنجلترا والولايات المتحدة إلى حل القضية مع تركيا , في غضون ذلك عقد نائب رئيس الوزراء نجم الدين أربكان ووزير المالية دنيز بايكال اجتماعا مع رؤساء أحزاب المعارضة في تركيا وفي نهاية هذا الاجتماع ورد أن جميع رؤساء أحزاب المعارضة أيدوا تصميم الحكومة ودعموها وأستمر تقسيم الجزيرة القبرصية منذا 1974 حتي اليوم حيث خاز القبارصة الأتراك أكثر من 40% من أراضي جزيرة قبرص فيما حاز القبارصة اليونانيين علي الجزء الباقي .

ضرورة إيلاء مصر أهمية خاصة لتوجه تركيا نحو حسم وضعية شمال قبرص التركية :

في أعقاب فوز الرئيس أردوجان بولاية رئاسية أخيرة لمدة خمس سنوات , فقد لُوحظ أن كلا من تركيا ومصر تسعيان وبسرعة للارتقاء الفوري بالعلاقات الدبلوماسية فقد قالت الرئاسة المصرية في بيان مساء 29 مايو 2023 بعد يوم من الإعلان المبدئي عن فوز الرئيس أردوجان إن الرئيس المصري والرئيس التركي اتفقا على “البدء الفوري في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء” , وقد تحدث الرئيس المصري مع نظيره التركي في هاتفياً لتهنئته بفوزه بالرئاسة وقد سبق أن زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا في أبريل 2023والتقى بنظيره التركي مولود جاويش أوجلو واتفق الطرفان آنذاك على إطار زمني محدد لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسية والتحضير لقمة بين الرئيسين , ويبدو جلياً من سرعة الطرفين في التوجه نحو إستئناف راق للعلاقات الدبلوماسية علي مستوي السفراء أن كلاهما يري في العهدة الجديدة للرئيس أردوجان فرصة يجب أن تغتنم بدون إبطاء وهذا حق لكن علي الجانب المصري يجب أن تترافق هذه السرعة مع الوضع في الإعتبار ما يلي :

  • أن هناك مسرح أحداث وتحالفات جديدة يُعد لها في عموم منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في شرق المتوسط تقوم بها أو ستقوم بها أطراف أخري غير مصر وتركيا وقد آن الأوان أن تراجع مصر وتركيا – كل وفقاً لحاجته وقدرته – مواقفهما إزاءالأطراف الأخري في دائرتين مُتداحلتين هما الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط .
  • أن علاقة التحالف غير المبررة بالنسبة لمصر مع قبرص اليونانية واليونان هذا الثنائي الضعيف المتهافت والمُخادع الذي أرتبط وعمل علي تنمية علاقاته معالكيان الصهيوني علي حساب المصالح المصرية لم تكن علاقة موفقة كما أثبت تداعي الأحداث , وليس من المؤكد والضروري أن تكون هذه المراجعة بالخصم من علاقات مصر مع هذا الثنائي الضعيف يكفي فقط وقف تنميتها وتعزيزها .
  • أن موقف مصر من القضية القبرصية مائل تماماً وبدون توقف نحو وجهة نظر القبارصة اليونانيين وفي الواقع أن هذا موقف ثابت كالطود منذ عهد رئاسة الأسقف مكاريوس وهو موقف يصفه البعض أنه أخلاقي محض ولكن عالباً ما تملي الأحداث الهامة أحياناً علي الدول في الصراعات أو النزاعات التي كالنزاع بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين أن يكون الموقف عملياً ومُتسق مع الواقع , فها هي روسيا قد راجعت موقفها الداعم للقبارصة اليونانيينواليونان وأفادتهم بأن عليهم أن يسيروا بمفردهم دون روسيا في مفاوضاتهم مع القبارصة الأتراك وذلك لدعمهما موقف الولايات المتحدة من المسألة الأوكرانية , فلماذا لا نفعل نحن ذلك خاصة وأن قبرص مصالحها في غاز شرق المتوسط مع الكيان الصهيوني بقدر واضح إضافة أننا في الواقع لم نستفد من موقفنا هذا إلا بالبعد أكثر عن تركيا ولا يمكن قياس مصالحنا مع تركيا بمصالحنا مع قبرص اليونانية (نفس الموقف المصري غير المُبرر من النزاع علي كشمير بين الهند وباكستان) فمثلاً كثير من دول العالم إتخذ موقفاً عملياً ولا أخلاقي من فصل جنوب السودان عن السودان الدولة الأم وأعترفت كثير من الدول وأولها مصربنظام جنوب السودان عند إعلان إستقلاله في 11 / 7/2011 وهكذا كوسوفو وجمهوريات الإتحاد اليوغسلافي صربيا / مونتنيجرو وكرواتيا) , ولا أدعو لتغيير ثوري أو إنقلابي في موقف مصر من القضية القبرصية , لكني أدعو فقط إلي تغيير محدود ولكنه مفعم بالمعاني – خاصة وأن الوضع في قبرص هو أن هناك دولتين فعليتين للقبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين – والتغيير الذي أدعو إليه هو فتح مكتب إتصال دبلوماسي أو مكتب تمثيل تجاري في نيقوسيا التركية , وسيعد ذلك بمثابة محرك لمساندة تركية مقابلة ومخطط لها لمصر في أزمة سد النهضة علي سبيل المثال ومواقف أخري .
  • إن الموقف التركي الحالي في النزاع الذي بالجزيرة القبرصية هو المساندة متعددة الأوجه لجمهورية قبرص التركية والعمل بدأب علي جعلها واقع سياسي دولي فتركيا مازالت تري أن الوضع الحالي وأسلوب عمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤسسة بعيدة كل البعد عن الحقوق والقانون ولم تأخذ نصيبها من معايير العدالة ويعمل فقط علي حماية حقوق ومصالح بعض القوي الدولية الرئيسية في العالم  , وقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوجان وهو يخاطب دول العالم في منبر الأمم المتحدة أن العالم أكبر من خمسة , وأن الحقيقة الأساسية التي أكدها في بيانه  في منبر الأمم المتحدة هي أن مجلس الأمن قد اتخذ بعض القرارات الجائرة البعيدة عن واجبه الأساسي , وكما يفكر اليونايين ومعهم غالبية القبارصة اليونايين في الإتحاد أو الدمج مع اليونان أو ما يُعرف بالــ إينوسيس أو Enosis تهدف تركيا ومعها القبارصة الأتراك إلي الإندماج أو الوحدة الإندماجية مع تركيا وهو أمر طبيعي علي الأقل من وجهة النظر التركية , لكن الأحداث السياسية لأنها ذات طبيعة ديناميكية وليست ساكنة عند حد ثابت , لذلك فقد عملت تركيا علي توفير قدر محدود ولكن ذا مغزي لجمهورية شمال قبرص التركي بداته عندما أعلنت “جمهورية شمال قبرص التركية” استقلالها من جانب واحد عام 1983 أي بعد تسع سنوات من غزو الجيش التركي لشمال قبرص كرد على انقلاب قام به قبارصة يونانيون قوميون أرادوا إلحاق الجزيرة باليونان والآن وفي 12 نوفمبر 2002 رفض الاتحاد الأوروبي إعلان تركيا أن “جمهورية شمال قبرص التركية” المعلنة من جانب واحد ستنضم إلى “منظمة الدول التركية” (OET) كعضو مراقب (تأسس مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية في 3 أكتوبر 2009 في نخجوان ويضم أذربيجان وتركيا وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان) وقد ندد الإتحاد “بأي عمل يهدف إلى تسهيل الاعتراف الدولي بالكيان القبرصي التركي الانفصالي , وفي خطوة تهديدية لأي دولة تقدم علي التماهي مع إستراتيجة أمن تركيا القومي لضم جهورية شمال قبرص للمجتمع الدولي قال بيتر ستانو المتحدث باسم مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في بيان إن “هذا القرار الذي ينتظر تصديق أعضاء المنظمة مؤسف ويتناقض مع حقيقة أن العديد من أعضاء المنظمة أعربوا عن دعمهم القوي لمبدأ وحدة الأراضي القبرصية وميثاق الأمم المتحدة”وقال إن “أي عمل يهدف إلى التسهيل أو المساعدة على الاعتراف الدولي بالكيان القبرصي التركي الانفصالي بأي شكل من الأشكال يقوّض بشكل خطير الجهود المبذولة لتهيئة بيئة مواتية لاستئناف المحادثات برعاية الأمم المتحدة”( لم يندد الإتحاد بنفس القوة بدعوة القبارصة اليونانيين الإندماج مع اليونان) , ومن جانبها دعت الخارجية التركية في بيان ردت فيه على بيان الاتحاد الأوروبي “المجتمع الدولي إلى التخلي عن اعتبار الجانب الرومي (جمهورية قبرص) صاحب السيادة الوحيد في جزيرة قبرص ، والاعتراف بـ«جمهورية قبرص التركية» التي لا تعترف بها سوى أنقرة وأكد البيان وقوف تركيا الدائم إلى جانب قبرص التركية وأنها ستستمر في كونها صوت القبارصة الأتراك في المحافل الدولية ,  لكن في الواقع أن الرئيس أردوجان شكرخلال قمة “منظمة الدول التركية” في سمرقند في أوزبكستان في نوفمبر 2022 أعضاء هذه المنظمة على “قبولهم جمهورية شمال قبرص كعضو مراقب , وبالرغم أن الرئيس التركي في رده علي موقف الإتحاد الأوربي أو غيره من هذه العضوية قال لصحافيين على متن رحلة العودة من سمرقند : “سيكون من الخطأ اعتبار هذا اعترافاً. فللاعتراف خصائص أخرى وهو أمر حساس” إلا أنه أكد عزمه على “العمل” من أجل الاعتراف الدولي بـ”جمهورية شمال قبرص” .
  • علي مصر أن تتابع عن كثب وبجدية إتصالاتها بالمسئوليين في جمهورية شمال قبرص علي الأقل علي أساس أن تطبيق إستراتيجة أمن تركيا القومي مُتوقع في النهاية أن يوفر تسوية تحقق مصالح جمهورية شمال قبرص التركية إما كجمهورية مستقلة ذات سيادة أو الإندماج مع تركيا وكلا الخطتين ستؤثر في مدي الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط لقبرص أو لتركيا في حالة إتحاد جمهورية شمال قبرص التركية مع تركيا وبالتالي فعلي مصر أن تتابع الأوضاع في جمهورية شمال قبرص التركية من الآن من خلال سفارة مصر في قبرص اليونانية علي أن يكون من يقوم بهذه الإتصالات درجة ديبلوماسية كبيرة , فالقضية القبرصية بعد إكتشافات الغاز في شرق المتوسط لم تعد أبداً مثلما كانت عليه عام 2005 وما تلاه , إنها الآن قضية حدود بحرية وبحث تركي يوناني علي تحريك مواقفهما من أسلوب وإستراتيجية تسوية النزاع بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين بما يحقق أهداف الأطراف الأربع وهم تركيا واليونان والقبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين في الإستحواذ علي وإستغلال موارد الغاز الطبيعي المُحتملة في المدي البحري للجزيرة القبرصية , وطبعا لا يغيب عنا أن هناك دور مُحتمل لشركات البترول الدولية في الوصول في النهاية لتسوية نهائية للصراع الذي علي أراضي الجزيرة القبرصية لأنها ستؤثر بلا شك في إمكانيات عمل هذه الشركات في مياه شرق المتوسط .

الــــــســـــفـــــر : بــــــلال الـــــمــــصـــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – القاهرة تحريراً في 5 يونيو 2023

5/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى