الشرق الأوسطعاجل

حروب الجيل الخامس وسياسات المُناخ

بقلم : د. هاجر عبد النبي – باحث دكتوراة في العلوم السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

تشهد أنماط الحرب تحولات متزايدة ومتعددة الأبعاد، لا سيّما في خضم التطور التكنولوجي، وتعقُّد أشكال العولمة، والاعتماد الدولي المُتبادَل. فالجوانب والتقنيات التقليدية لشن الحروب أخذت في التراجُع من منظورها المادي أو الصلب، لتفسح المجال أمام آليات الحرب الأكثر حداثة، وهي تلك المرتبطة بالثروة الصناعية الرابعة وكذا الخامسة؛ مثل حرب المعلومات، والحرب غير المتكافئة، والدعاية الإعلامية، والحرب المختلطة، والحروب الأخلاقية، وغيرها. وتقودها جهات فاعلة حكومية أو غير حكومية.

وقد دفعت تلك الأنماط المُستحدثة من الحروب بدحض الخطوط الفاصلة بين المقاتل وغير المقاتل، وبين زمن الحرب ووقت السلم، ما يُشير إلى استمرار السياسة بوسائل أخرى، لكن دون الاستغناء عن محدداتها الرئيسة المتمثلة في “عقلانية الدولة”، و”سياسات الهوية” و”الدفاع عن المصالح القومية”.

في هذا الإطار تنعكس حروب الجيل الخامس، بشكل مباشر وغير مباشر، على سياسات الدول لمكافحة التغُّير المُناخي؛ حيث تُمثل تلك النوعية من الحروب، في أحد أبعادها، وكما سبق ذكره، حرب “معلومات وإدراك”، وبما أن سياسات المناخ تستند في تأطيرها إلى المعلومات والبيانات الدقيقة، التي تُفضي إلى الإدراك الصحيح للحقائق، فإن تدفُّق معلومات غير صحيحة يؤثر بشكلٍ عميق على عملية صُنع القرار، ومن ثمّ تعرُّض أجندات مكافحة التغيُّر المناخي للخطر البالغ.

يُستدل على ما تقدَّم بالجهود العالمية الحثيثة لتداول معلومات مُدققة حول الظواهر المتعلقة بالتغيُّر المناخي، ومن ذلك تحالُف “كلايميت تريس” Climate TRACE الذي احتل المرتبة الخامسة في قائمة أكثر 50 شركة ابتكارًا عام 2022. يستخدم “كلايميت تريس” الاستشعار عن بُعد لتتبع حجم انبعاثات الغازات الدفيئة الحقيقي؛ نظرًا لأن البلدان غالبًا ما تقوم بالإبلاغ عن بيانات غير دقيقة لحجم الانبعاثات، في حين يحتاج المستثمرون والمسؤولون والحكومات إلى بيانات أكثر دقة ووضوحًا لصياغة استراتيجيات ملائمة لمكافحة التغيُّر المناخي وتحقيق أهداف اتفاقية باريس. في هذا الصدد، يقوم التحالف بتتبع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بسرعة غير مسبوقة ودقة واضحة لتقديم معلومات متخصصة لجميع أصحاب المصلحة، ما يعكس أهمية المعلومات في صياغة وتأطير سياسة فعّالة للمناخ.

فضلًا عما تقدَّم، حققت شركة “بلوك باور” نجاحًا غير مسبوقًا ضمن أكبر الشركات العاملة في مجال الطاقة على مستوى العالم، وتعمل الشركة على تخضير المباني وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم، لتعزيز الاقتصاد الأخضر، وتستند في ذلك إلى برنامج للتحليل وإدارة المشروعات والمراقبة بناءً على معلومات صحيحة؛ لمساعدة العملاء على توفير نحو 70% من التكاليف السنوية للطاقة.

بشكلٍ عام، تجعل فجوات البيانات من الصعب تقييم تعرُّض الشركات لمخاطر المناخ، لذا، ثمة حاجة مُلحة لتعزيز “بنية المعلومات المناخية” في سبيل تمكين المسؤولين والمستثمرين من الوصول إلى المعلومات المفيدة في اتخاذ القرار لإدارة مخاطر المناخ بشكل فعال، وترتكز تلك البنية على ثلاث ركائز رئيسة هي: بيانات عالية الجودة وموثوقة وقابلة للمقارنة ولا سيّما أن فجوات البيانات كبيرة خاصةً بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات في الأسواق الناشئة، مجموعة مُتسقة من معايير الكشف والإفصاح عن المعلومات المناخية بشكل أفضل، وتصنيف عالمي مُتفق عليه مثل تصنيفات الأصول أو الأنشطة التي تهدف إلى تحسين شفافية السوق بشأن مدى دعم استثمارات التكيُّف مع التغيُّر المناخي والتخفيف من آثاره؛ حيث يؤدي التصنيف المُصمم جيدًا والمتفق عليه عالميًا دورًا مركزيًا في تعزيز أسواق التمويل المستدامة من خلال المساعدة في التواصُل مع المستثمرين وتسهيل تدفُّق رأس المال نحو الاستثمارات المستدامة للمناخ.

ختامًا، لم تعُد القوة الصلبة وحروب الجيل الأول هي المُحرك الرئيس لسياسات الدول، بل إنها توارت لتحل محلها حروب الجيل الخامس المرتبطة بالأبعاد غير التقليدية للأمن، ومن ذلك أمن المعلومات. وفي ضوء تصاعد الجهود الدولية لمكافحة التغيُّر المُناخي لما له من آثار وخيمة على الدول جميعها، أضحت المعلومات ضمن أهم الأسلحة وأكثرها فعالية في سبيل تأطير سياسات وطنية ودولية ذات جدوى لمعالجة آثار التغيُّر المناخي ومنع تفاقم الظاهرة.

4.8/5 - (18 صوت)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى