أثر الحزب الحاكم في تركيا على العلاقات التركية – الروسية ( ٢٠٠٢ – ٢٠١٥ )
إعداد: أسماء سامي عبد الفضيل عبد المطلب , فاطمة حسن علي محمد أبو حسين – إشراف: د. محمد سالمان طايع – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
تمهيد:
إن القيادة السياسية للدولة هي الركن الثالث في قيامها بعد وجود الإقليم والشعب، فهي المنظم الأول لممارسات الشعب على أرض الاقليم الخاضع لحكمها ومن ثم فإن القيادة في أي دولة يجب أن تكون مُختارة بدقة وعناية بالغتين ولعل ما قاله بول ريان عن القيادة هو الدليل المبرهن حيث قال: “نحن بحاجة إلى قيادة، لا نحتاج إلى مضاعفة سياسات الماضي الفاشلة” وتلك الأهمية التي تحظى بها قيادة الدولة تنبع من كونها الأحق بتغيير سياستها ونظامها بشكل كامل فهي المتحكم الأول داخليا وخارجيا فيما تراه يعود بالنفع عليها ووفقا لذلك فإن ميول القيادة السياسية ومعتقداتها تتحكم في علاقاتها مع الدول سواء المجاورة أو النائية بمعني أن تغير القيادة السياسية في دولة ما قد يصاحبه تغير كامل في علاقة هذه الدولة بالدول الأخرى ولعل المثال الأبرز على ذلك هو التغير الواضح الذي ظهر في العلاقات التركية الروسية فور تغير القيادة السياسية التركية وتولي حزب العدالة والتنمية الحكم.()
فمن المعروف أن العلاقات التركية الروسية لم تأخذ شكلاً واحداً على مدار الزمان بل إنها تاريخياً قد أخذت شكل العلاقات العدائية أو العلاقة غير السلمية وذلك نظراً للحروب الروسية-القيصرية، والتركية- العثمانية- التي باتت من أهم الحروب التي تترك ذكريات مؤلمة لدى الطرفين وقد استمرت هذه الحرب لمدة خمسة قرون، ولكن الحرب الباردة كانت بمثابة نقطة تحول في علاقتهما ، فبعد أن كانت علاقات عدائية قائمة على الحرب والذكريات المريرة باتت العلاقات بالتحسن التدريجي بينهما وذلك بعد تفكك الاتحاد السوفيتي كأحد نتائج الحرب البارة، وبدأت العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا تأخذ مجرى التحسن بعد تولى الرئيس الروسي بوتن السلطة في مشارف عام2000 ومن بعده بحوالي سنتين، تولى حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان الحكم في تركيا. ()
اتبعت كل من تركيا وروسيا سياسة خارجية سلسة تجاه بعضهما البعض وذلك بهدف الحد من التوتر السائد في العلاقة بين الطرفين وزيادة روابط التعاون بين البلدين في كافة المجالات، وقد اتضح ذلك من خلال المبادرة غبر المتوقعة من القيادة السياسية التركية بقيادة رجب طيب اردوغان تجاه الرئيس الروسي بوتن بعد نجاه من محاولة الانقلاب الفاشلة التي قامت عليه وذلك بع الوحدة الدولية التي كانت تعاينها روسيا بعد ضمها لشبة جزيرة القزم قبل تلك المحاولة تقريبًا بعامين. ()
على الرغم من أن العلاقة بين روسيا وتركيا قد اصبحت وردية بعد تولى اردوغان القيادة السياسية التركية إلا أن هذه العلاقة قد تضمنت أيضًا بعض القضايا محل الخلاف والتي زادت بشكل كبير في القرن الحالي للحد الذي جعل العديد من الباحثين في مجال العلوم السياسية بشكل عام وحقل العلاقات الدولية بشكل خاص يتوقعون خروج العلاقات الروسية التركية في حالة الدفء التي كانت تسودها وقد تدخل مرحلة جديدة قد تمتلئ بالشكوك والتصادم.
تعتبر هذه العلاقة أحد أهم العلاقات الدولية المعقدة وذلك لأنها لا تتبع مسارًا واضحًا إما بالعدوانية او التعاون وهو ما يجعل التبوء باستمرار العلاقة بين الدولتين صعب ولذلك يتنبأ الكثير من الباحثين أن تلك العلاقة القوية القائمة بين كل من قيادة الدولتين قد لا تستمر إلي ما لا نهاية وذلك لأن علاقة موسكو بأنقرة تظهر بها علامات من عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين وذلك بالرغم من ذلك التعاون المتبادل والمحاولات الشاقة لتوثيق علاقات البلدين في ملفات ومجالات آخري بعيدًا عن القضايا محل الخلاف وواقعًا يبدو لنا أن العلاقة بين الدولتين سيحفهما المخاطر التي ستصبح مروعة للغاية وذلك ليس فقط بالنسبة لهما ولكن سيمتد الامر إلى أن يشمل المناطق المجاورة لما تقوم به موسكو وانقرة من ترويج لمصالحهما المتعارضة في كثير الأحيان.
ومما سبق يتضح لنا أن القيادة السياسية التركية لعبت دوراً رئيساً بعد الحرب الباردة في تحول مسار العلاقة بين كل من روسيا وتركيا، ولكن على الرغم من تأثير تلك القيادة في تحول العلاقات إلى علاقات تعاون متبادل بين الدولتين سنجد أن اختلاف توجهات حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب اردوغان عن توجيهات الرئيس الروسي بوتن جعلت هناك مواضع للخلاف بينهما على الساحة الدولية وهو ما يؤثر على قوة العلاقة القائمة في الأساس بين الدولتين وفيما يلي سيتولى الباحث تلك العلاقة بشيء من التفصيل. ()
ثانياً المشكلة البحثية:
إن العلاقات التركية الروسية قد أخذت مسارًا جديدًا من التعاون المتبادل وذلك عقب تولى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بعد تولى الرئيس الروسي بوتن بحوالي عامين، وذلك على خلاف علاقات العداء التي كانت قائمة قبل ذلك منذ قديم الأذل والتي كانت ترجع إلى الحروب الروسية(القيصرية) والتركية(العثمانية)، لذا فإن تولى حزب العدالة والتنمية وعلى رأسه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الحكم كان نقطة تحول في مسار العلاقة بين الدولتين وعلي هذا الأساس أصبحت المشكلة البحثية: تتمثل في الجدل القائم حول أثر القيادة السياسية التركية علي العلاقات التركية الروسية وذلك تبعاً للتغير الذي سبق وإن حدث في مسار العلاقات بينهم نتيجة لاختلاف توجهات تلك القيادة حيث أن طبيعة العلاقة قد تغيرت فى الأساس تبعًا لتغير القيادة السياسية وذلك تبعًا لتوجهات تلك القيادة ورغبتها اما فى اصلاح العلاقات العدائية مع الدول الأخرى أو ابقائها على ما كانت عليه، ولكن هذا التحول فى العلاقة لم يخلو من نقاط الاختلاف التي ترجع فى الأساس إلى اختلاف توجهات الرئيس التركي عن توجهات الرئيس الروسي فى كثير من القضايا على الساحة الدولية وهو ما جعل هذه القضايا محل للصراع بين الدولتين نظرًا للمواقف المتضادة من كلتا الدولتين تجاه القضية الواحدة. ويتمثل السؤال البحثي هنا فى:
- إلى أي مدى يؤثر الحزب الحاكم في تركيا على العلاقات التركية الروسية؟
وينبثق من هذا السؤال البحثي عدد من الأسئلة الفرعية:
- 1-لماذا أصبح عام 2002 نقطة تحول فى العلاقات التركية الروسية؟
- 2-ما تأثير القيادة السياسية التركية على العلاقات السياسة التركية؟
- 3-إلى أي مدى أثرت الأحداث المتلاحقة فى الشرق الأوسط على العلاقات بين البلدين؟
- 4-ما التأثير التي تتركه القيادة السياسية التركية على العلاقات الاقتصادية بين البلدين؟
- 5-ما اهم السيناريوهات المتوقعة للعلاقة بين البلدين؟
ثالثا تحديد نطاق الدراسة:
التحديد الزماني للدراسة:
بداية الدراسة وهي عام 2002 حيث أنها تشير إلى تولى القيادة السياسية التركية (حزب العدالة والتنمية) بقيادة الرئيس التركى رجب طيب اردوغان وما لحقها من تغير وتحول ملحوظ فى العلاقات التركية الروسية والتقدم التركى بشكل عام فى كافة المجالات وكافة الأصعدة، نهاية الدراسة وهى عام 2015 كإشارة إلى أزمة إسقاط طائرة سوخوى 24 كأحد اهم الأزمات التي جعلت التعاون بين تركيا وروسيا دائما تحت تهديد المنافسة الجيوسياسية بين البلدين. لذلك فإن أزمة اسقاط الطائرة يمكن اعتبارها إحدى نقاط التحول في العلاقة.
رابعا أهمية الدراسة:
الأهمية العملية للدراسة:
تكمن الأهمية العملية لهذه الدراسة فى تحليل المؤثرات التي تتركها القيادة السياسية للدولة على علاقتها بالدول الأخرى وكذلك تحليل ابعاد صعود وهبوط العلاقة بين كل من روسيا وتركيا وسياسات التقارب والاختلاف بينهما وذلك بسبب أنه بوجه عام فإن العلاقات الدولية لا تسير مستقيمة وعلى نفس النمط ليس فقط بين تركيا وروسيا، ودراسة كيفية تأثير هذه القيادة السياسية بالإيجاب كان أو بالسلب على طبيعة العلاقة القائمة بين البلدين وأيضا تأثيرها على التفاعلات الاقليمية والدولية ذات الطابع المشترك بينهما، تأتى هذه الدراسة محاولة للوقوف على مسار العلاقات القائمة بين روسيا وتركيا فى ضوء الخبرة السابقة والتحولات والتغيرات الحادثة على المستوى الدولي بصفة عامة والمستوى الإقليمي على وجه التحديد، حيث ترمى بنا الدراسة إلى الابعاد التي تركتها التوجهات المختلفة لقيادة تركيا السياسية عن القيادة السياسية لروسيا وما وضعته من نقاط للاختلاف على الساحة الدولية ومن ثم اهتزاز استقرار العلاقات بين الدولتين وخاصة أزمة الطائرة وقراءة حول موقفهما تجاهها ومستقبل العلاقات بينهما بالإضافة إلى الموقف الدولي تجاه هذه القضايا والازمات.
الاهمية النظرية للدراسة:
تعد هذه الدراسة أحد المراجع الجيدة التي تضاف إلى المكتبات نتيجة لأهمية هاتان الدولتان وموقعهما وأهمية دراسة العلاقة بينهما، حيث تعتبر تركيا أحد القوى الإقليمية الصاعدة، وروسيا بشكل عام هي إحدى الدول الكبرى ودورها الذي تلعبه هو دور فعال فى النظام الدولي وعلى الساحة الدولية وحيث تتركز الدراسة بشكل مفصل على ابعاد العلاقة ومؤثرات القيادة السياسية لتركيا على هذه العلاقة وهو ما يعطى الباحثين فيما بعد القدرة على فهم مدى التأثير الذي تتركه القيادات السياسية على علاقات دولهم بالدول الآخرى.
خامسا عرض الأدبيات السابقة:
أهمية الرجوع إلى الأدبيات السابقة فى تكوين رؤية شاملة واضحة عن موضوع الدراسة، والاستفادة بأكبر عدد من وجهات النظر التي تعرض على المستوى الشخصي للباحث، ومحاولة الإلمام بكافة نواحي موضوع الدراسة، ومعرفة تأثير القيادة السياسية التركية على العلاقات التركية الروسية سيقسم الباحث الأدبيات السابقة إلى محورين أساسيين وهما:
المحور الأول: الدراسات التي اهتمت بالقيادة السياسية: ()
توافقت الأدبيات السابقة التي تقع ضمن نطاق هذا المحور حول اعتبار حزب العدالة والتنمية طفرة واضحة ونقلة جيدة في مسار الدولة التركية وذلك من خلال ما تبناه من سياسات مختلفة عن ما سبقها استطاعت أن تنقل تركيا إلى حيز النور مرة اخرى وذلك بعد سنوات عجاف ، فقد كان هناك تأكيد من كافة الأدبيات على حد سواء أن مجيء حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا كان بمثابة ورقة رابحة للدولة إذ أن الحزب قام بتجربة نهضوية كاملة على كافة المستويات اقتصادي واجتماعي وسياسي كما اتبع سياسات تدل على تمسكه بالحد الأدنى من مبادئ الدين الإسلامي وذلك رغم اتباعه المبدأ العلماني في الحكم حتى يستطيع مواكبة الدول الغربية كما أن هذه الدراسات تحدثت عن كافة اشكال التغير الذي أحدثها الحزب في الدولة مع الربط بين منابع هذا التغيير ورغبة الحزب نفسه ، كما أكدت تلك الدراسات أيضا أن هذا التغير لم يكن بالأمر اليسير على الاطلاق وانما تطلب جهد كبير لإحداث تطور ملحوظ في كافة المجالات فقد واجهته عوائق كبيرة نظرا للاحتقان السياسي الذي كانت تعاني تركيا إلى جانب التدهور الاقتصادي والتدهور بشكل عام في الدولة ، كما كان هناك توافق كبير على استطاعة حزب العدالة والتنمية ان يكتسب دعما جمهوريا حاشدا نظرا لتحقيقه للمطالب الجمهورية على مدار الحملات الانتخابية، فالدراسات تؤكد أنه لو لم يحقق ما وعد به الشعب في فترته الانتخابية الاولى لم يكن ليكسب دعمه للفوز في الفترتين التاليتين وبدعم أكبر من ذي قبل، كما توافقت معظم الأدبيات أن هذا التغير المحوري الذي أحدثه حزب العدالة والتنمية في السياسات الداخلية في تركيا كان له تأثير على الخارج أيضا فقد شملت موجة التغيير هذه تغيير واضح في السياسة الخارجية التركية وطريقة تعاملها مع الدول المجاورة وكذلك في نظرتها للدول العربية والأوروبية وفي سياساتها تجاه الاتحاد الأوروبي.
وقد كان هناك بعض الاختلافات بين تلك الأدبيات المذكورة أعلاه والتي تتمثل في ان بعضها ذكر أن ذلك النغير الذي أحدثه الحزب كان رؤية برنامجيه وليدة من فكر أعضائه بينما أكد البعض الآخر أن تلك الرؤية النهضوية كانت مستوحاه من افكار الأحزاب السابقة كالآتي فمن فكر مصطفى كمال أتاتورك وحزب الشعب الجمهوري استمد حزب العدالة والتنمية مفهوم العلمانية، واستفاد من تجربة حزب العدالة بزعامة عدنان مندريس في رفع سلطة الدولة من الاقتصاد بما يناسب الطبقة الصناعية، واستفاد من تجربة تورغوت أوزال رئيس حزب الوطن الأم، في المحافظة وبين النمط الاقتصادي الليبرالي الصريح، وفي إحياء علاقاتها القديمة ذات الجذور العثمانية. كما استفاد في جذوره الإسلامية من التجارب الدعوية المتعاقبة، ثم من الأحزاب الإسلامية في أواخر الأربعينيات مثل حزب حماية الإسلام، وحزب المحافظين وحزب الأمة وفي الستينيات من حزب الوحدة التركي، ثم ابتداء من السبعينيات من تجربة حركة الرؤية الوطنية، بزعامة نجم الدين أربكان، والأحزاب المتعاقبة التي انبثقت منها مثل النظام الوطني، والسلامة، والرفاه، والفضيلة والسعادة، كما كانت هناك نقطة اخرى للاختلاف في أن بعض الدراسات ذكرت أهمية الحرب الباردة كنقطة محورية في سبيل تغيير السياسة التركية سواء على الصعيد الداخلي ام الخارجي في حين تجاهلت الدراسات الاخرى هذه النقطة.
المحور الثاني: الدراسات التي اهتمت بالحديث عن العلاقات التركية الروسية()
إن العلاقات بين الدول لا تسير عل وتيرة واحدة وإنما يشوبها بعض الفترات التي تتشت فيها تلك العلاقات ثم تُعاد من جديد لتصبح من أوطأ العلاقات على الساحة الدولية، ومعلوم أنه لا يوجد مثال دائم على العلاقات الثنائية التي تكون فيه طوال الوق تتمتع بمستوى محفوظ من الاستقامة طول العمر وتأثير عميق وإنما لابد أن تتذبذب في بعض الأحيان، واتفقت الدراسات الأكاديمية في ذلك المحور حول أن العلاقات بين كلتا الدولتين كانت مليئة بالعداء المطلق الذي لا يشوبه التفاهم ابداً إلا أن العلاقات كانت في حالة ذهول مما صارت عليه العلاقات التركية الروسية في جميع المجالات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فكانت الدراسات الاربعة السابق ذكرها أكدت تبني سياسات الجوار الجيد و “صفر مشكلة” في المناطق الحدودية من جانب كلا البلدين حيث إن الاعتماد المتبادل بين البلدين آخذ في الازدياد وكانت تقوده العلاقات الاقتصادية علي رأس العلاقات خصوصاً أن الزيادة في العلاقات الاقتصادية قد انعكست في الأمور السياسية، وأن تركيا والاتحاد الروسي اللذان كانا دولتين ليبراليتين حديثًا لم يختارا تقويض دور الدولة. في هذا الصدد، أصبح الاعتماد الاقتصادي المتبادل هو القوة الدافعة الرئيسية وفي هذا الخط من التفسير، العلاقات بين كان هذان البلدان على أساس المنفعة أو التكاليف المتبادلة، فحدث تقارب اقتصادي بين تركيا وروسيا على أساس العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات والاجتماعات الرسمية والتجارة الثنائية في مختلف القطاعات. يبدو هذا التعاون مفيدًا أكثر منه منافسًا. وتلك السياسة المُتبعة من كلا الدولتين، ألا وهي _صفر مشاكل مع الجيران” فيما معناه التأكيد على أن سياسة المشكلة الصفرية هي استراتيجية تنبع من اعتبارات اقتصادية لأن التنمية الاقتصادية لتركيا وإرساء التعاون الاقتصادي مرتبطة بتحقيق الاستقرار داخل المنطقة ومن خلال زيادة العلاقات الاقتصادية والتعاون في المجالات الاقتصادية، وخاصة في فترة بوتين، أصبح الترابط الاقتصادي أساس العلاقات بين البلدين. وبناءاً علي الاتفاق حول السياسة المُتبعة فكانت الأدبيات تري أن تحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الروسي مرتبط بشدة بالعلاقات الاقتصادية ويتم استخدام القوة اقتصاديًا في حالة حدوث أي رد فعل سياسي على قضايا أخرى ومن حيث هذا الاعتماد الاقتصادي المتبادل تتشكل العلاقات من خلال حساسية وضعف الدول أمام بعضها البعض.
وعلي صعيد العلاقات التجارية المتزايدة بشكل كبير والتي لها مكانة مهمة في تحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الروسي من حيث نمو الحجم الإجمالي للتجارة بين تركيا وروسيا، وأن تركيا وروسيا شريكان تجاريان يتمتعان بتبادل المنفعة المتبادلة. تصف الوتيرة الأخيرة لتطور العلاقات التجارية التركية الروسية ارتباطًا إيجابيًا يكتسب أهمية خاصة في السوق العالمية من أجل تكامل أعمق في الاقتصاد الدولي.
من ضمن الاختلافات المتواجدة بداخل الدراسات في أن هناك بعضها كانت تتحدث عن مجال العلاقات في الطاق حيث تبدو تركيا ضعيفة بسبب الحاجة إلى الطاقة وبعضها لم يذكر أي شيء عن تلك العلاقات تماماً فكانت تحتم الحديث علي العلاقات الاقتصادية فقط والسياسة المُتبعة من الدولتين، وأيضاً بعض الدراسات التي كانت تري أن نظراً للعلاقات الثنائية بين الدولتين فإنه تتشعب عنها أمور آخري فعلي سبيل المثال أن طريق العلاقات الثنائية في السياق الدولي بين تركيا وروسيا عزز من مناقشة القضايا الوطنية لكل بلد في سياق العلاقات الثنائية.
سادسا: الإطار المفاهيمى:
مفهوم القيادة السياسية: ()
القيادة السياسية هي قدرة وفاعلية ومهارة القائد السياسي، بمحاولة النخبة السياسية في تحقيق أهداف المجتمع السياسي وترتيبها حسب الأولويات المهمة للدولة من وجهة نظره ورؤيته للحالة التي يمر بها المجتمع بوجه عام، ومن ثم اختيار الوسائل الملاءمة من وجهة نظره لتحقيق هذه الأهداف وذلك بما يتفق مع القدرات الحقيقية للمجتمع وأفراده، وتقدير أبعاد المواقف التي تواجه المجتمع واتخاذ القرارات الأزمة لمواجهة المشكلات والأزمات التي تقررها المواقف ويتم ذلك كله في إطار تفاعلا لحكمة القيم والمبادئ العليا في المجتمع، والقيادة السياسية لها دور هام وكبير جدا في تطوير الدولة حضاريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا، وذلك من خلال استخدامها لأفضل الأساليب الإدارية في قيادتها للدولة وتوفير الصلاحيات المناسبة للقائمين على الصالح العام وذلك من أجل تمكينهم من القيام بواجباتهم نحو تطور وتقدم الدولة..()
والقيادة السياسية تعني قدرة وفاعلية القائد السياسي (لمساعدة النخبة على تحقيق الأهداف المنشودة واختيار الوسائل الملاءمة في تحقيق المقدرات اللازمة للمجتمع فهي تعرف على أنها (قدرة القائد السياسي على أن يجعل الآخرين سيتبعونه كاداه لتسوية الخلافات بين القوى والجماعات في المجتمع)، لذلك فإن القيادة السياسية تعد الفاعل المهم في عملية التعبير السياسي انطلاقا من الرؤية التي تحملها تلك القيادة، وهذا لا يعنى أيضا أن كل قيادة سياسية تكون مؤثرة بل ذلك يتوقف غلى الفاعلية التي يتسم بها القائد السياسي ومدى قدرته على ترجمة هذه الأفعال على الواقع وهنا يكمن التأثير. وبهذا فإنه يمكن أن نبين من خلال التعريفات السابقة لمفهوم القيادة السياسية أن القيادة ليست ظاهرة فردية تتعلق بالشخص الذي يمارس السلطات في المجتمع، فمن خلال هذا المنطق يمكن أن نعرف القيادة السياسية بأنها قدرة القائد السياسي على استمالة الجماهير الشعبية وذلك من خلال استخدام الوسائل المتاحة لتحقيق أهداف المجتمع. ()
مفهوم المصلحة الوطنية: ()
مفهوم المصلحة هو مفهوم واقعي تعددت التعريفات التي تفسر وألقي النظر عليه من جانب أبعاد عديدة مثل الجانب الدستوري والقانوني والجانب السياسي ومن قبل الباحثين والدراسيين فأصبحنا أمام مظلة كبيرة من التعريفات حول المصلحة الوطنية إلا أن هنا سوف نحاول جاهدين على خلق مفهوم مستخلص من كل ما سبق من تعريفات حيث امتزج في واقع الأمر بمفاهيم أخرى ألا وهي القوة، الأهداف الوطنية، ويرتبط مفهوم المصلحة الوطنية بالأهداف الوطنية للدولة باعتبارها القيمة المركزية المعرفة لمصالح الدولة الأخرى والتي تبرز في منحى كبير منها في أهداف الدولة، فالهدف العام للدولة هو حماية السيادة الإقليمية ودعم الأمن الإقليمي من خلال المحافظة على الكيان الإقليمي والسعي إلى التغلب على التهديدات الموجهة ضد القيم أو المصالح التي تعتبر حيوية لأمن الدولة، وكما ذكر أعلى أن تعريف المفهوم قد تعددت للدراسات في تناوله حيث ورد في إحدى الدراسات أنه عند قيام المؤسسات لدى القطاع العام بالعمل على تلبية رغبات وأماني كل قطاعات الشعب دون النظر إلى درجة القرب أو البعد عن السلطة فهذا يطلق عليه المصلحة الوطنية وللعلم هنا أن المصلحة الوطنية هي سامية علي الطموح الشخصية والحزبية والفئوية وفي أي محاولة من المحاولات التي تحاول على إغفال وتجاهل المصلحة العليا فإنه تلقائيا تفقد صفة الوطنية ويسير بها نحو الأنانية والتفكير بالذات ولذلك يقع على عاتق جميع الأفراد مهمة ترتيب الأولويات بما يضمن المصلحة الوطنية العليا ومستقبل الأجيال القادمة ومن ثم تقع المسؤولية على الجميع أن يترجموا عمليا إيمانهم بالعمل لصالح الوطن وليس للأحزاب والجهات.
مفهوم العلاقات بين الدول الكبيرة والدول المتوسطة: ()
تقع دراستنا بالطبع في نطاق حقل العلاقات الدولية ولكن نظرا لاتساع مفهوم العلاقات الدولية وخاصة في العصر الحديث والمعاصر نظرا لظهور منظمات دولية تتمتع بالشخصية القانونية وتشارك بل وتنظم العلاقات بين الدول وذلك عوضا عن تغير النظام العالمي عقب الحروب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي فبدأ يظهر تفريعات جديدة داخل مفهوم العلاقات الدولية ككل نظرا لتغير شكل الدول بعضها البعض فهناك دول كانت كبيرة على الساحة الدولية فقدت قيمتها نتيجة خسارتها حرب أو أخرى وهناك دول كانت هامشية استطاعت من خلال تلك الحروب أن تكتسب موقعا هاما ومتميزا على الساحة الدولية إضافة إلى الدول التي بقيت تتمتع بنفس الموقع المتوسط فهي ليست بالكبيرة أو النامية ولعل المثالين البارزين على الدول الكبيرة ونظيرتها المتوسطة هم روسيا وتركيا على الترتيب، ومن هنا ظهرت الحاجة لخلق مفهوم جديد للعلاقات ما بين الدول الكبيرة والدول المتوسطة والذي يشير إلى العلاقة بين دولتين لا تتمتعان بنفس القدر من الأهمية أو التأثير على الساحة الدولية ولكن ذلك الاختلاف لم يمنع كلا منهما من إقامة علاقات تعاون بينهما وتلك العلاقات تنشأ عادة إما للجوار الجغرافي الذي يحتم على الدولة المتوسطة أن تحافظ على الود المشترك بين الكبيرة المجاورة لها وإما للحاجة إلى التبادل التجاري للمواد الخام أو المواد المصنعة أو أنها علاقات ود قائمة على أساس رغبة القادة السياسيين أنفسهم فالعلاقات الشخصية بين القادة لها تأثير كبير على إقامة أو إنهاء العلاقات بين الدول، أو أن العلاقة بين الدولتين كانت لها جذور تاريخية قبل تغير النظام العالمي وفي كافة الحالات تنجم عن تلك العلاقات نفع متبادل على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
سابعا الإطار النظري:
اولاً نظرية القيادة:
إن القيادة كظاهرة اجتماعية قد خضعت للعديد من الدراسات ذلك منذ التقدم وترجع هذه الدراسات الكثيرة التي دارت على مفهوم القيادة إلى الأهمية التي تتمتع بها هذه الظاهرة وفقا للدول الكبير الذي تلعبه في المنظمة إذا أنها هي العامل الحاسم في نجاح أو فشل المنطقة مهما كانت طبيعتها وقد نتج عن كثرة الدراسات التي دارت حول ظاهرة القادة العديد من النظريات والتي تتفاوت من حيث التركيز على عوامل معينة دون الأخرى والتي من أهمها الآتي:
نظرية السمات:()
هذه النظرية من أبرز النظريات المقدمة مبكرا حول القيادة والتي تقوم على البحث في العوامل الذاتية للفرد والتي تجعل منه قائدا ولذلك فإن ظاهرة القيادة فقد ركزت إلى حد ما على ما يتمتع به القائد من سمات تميزه عن باقي الأفراد الأخرى وحاولت التوصل لمجموعة من السمات التي تميز القادة الناجحين من غيرهم.
النظرية السلوكية:()
ركزت الدراسات في مجال السلوك القيادي على السلوك الفعلي للفرد (القائد)، أي ما يفعله والكيفية التي يتصرف بها، وذلك نتيجة لعدم الإقناع بنظرية السمات وانطلقت هذه النظرية من الاعتقاد بأن القادة المؤثرين يستخدمون نمطا أو أسلوبا معينا في قيادة الأفراد والجماعات لتحقيق أهداف معينة مما يؤدي إلى مستوى عالي من الإنتاجية والروح المعنوية، فهي على عكس نظرية السمات ركزت على أفعال القائد ومن ثم على فاعليه وليس الظاهر في شخصيته وبالتالي الفعل وليس الخصائص الذاتية فهي ركزت على محورين أساسيين للسلوك العادي وهما: الاهتمام بالفرد: يركز القائد على بناء علاقات اجتماعية بينه وبين الأفراد ويعمل على إشباع حاجتهم، الاهتمام بالعمل: يركز القائد على أداء المهام من خلال التركيز على إنجاز العمل ويجب على القائد تحسين سلوكه في أحد المحورين على الأقل واستخدام الأسلوب الذي يستوجب الاهتمام بكليهما.
النظرية الموقفية:
في خلال فترة الستينيات إدراك الباحثين قصور نظرية السلوكية ومن ثم اتجهوا إلى دراسة القيادة من خلال نظرية الوقفية حيث يصبح الفحص الشامل والدقيق للموقف بالنسبة للقائد أمر أساسي في تطبيق نمط قيادي معين ومن خلال هذه الدراسات والنظريات حول القيادة يتضح لنا أنه لا يوجد مدخلا أو نموذجا واحدا متفقا عليه لدراستها وأنه لا يوجد قائد واحد يصلح لكل المواقف بل إنما النمط القيادي يختلف من منطقة لمنطقة لآخره وبالتالي لا يوجد نمط قيادي واحد يصلح لكل المنظمات، وذلك يثبت الأقاويل التي تقول بأن القيادة ظاهرة معقدة ومن إطار نظري أقرب إلى القبول يمكننا القول إن ظاهرة القيادة ظاهرة ثقافية لا يمكن دراستها فى أطار سياسي او اقتصادي معينا.
ومن خلال التوضيح السابقة لنظرية القيادة ووجهات النظر المختلفة في الدراسات حول توضيح النظريات التي تتدرج تحت نظرية القيادة يمكننا الاستفادة من هذه الآراء في تكوين رؤية شبه واضحة عن صفات القائد التي تتمتع بها القيادة السياسية التركية وذلك تطبيقا لنظرية السمات أو التعرف على على الشخصية والحقيقة للقائد السياسي اردوغان من خلال أفعاله وردود أفعاله للمواقف التي تحدث على الساحة الدولية وذلك تطبيقا لنظرية السلوكية، أو تفحصي مخصص شامل ودقيق للموقف الخاص بالقيادة السياسية التركية على الساحة الدولية من جميع الأحداث الدائرة وكيف يؤثر على علاقتها بالدولة الروسية وذلك تطبيقا للنظرية الوقفية.()
ثانيًا نظرية الدور:
نظرية الدور من النظريات الحديثة التي ظهرت في مصطلح القرن العشرين وهذه النظرية تعتقد أن الفرد في سلوكه وعلاقاته الاجتماعية يعتمد على الدور والأدوار الاجتماعية التي تشغلها في المجتمع وذلك إضافة إلى أن منزلة الفرد الاجتماعية تعتمد على الدور الاجتماعي الذي يشغله الفرد في المجتمع وذلك يرجع إلى أن الدور الاجتماعي للفرد يشمل الواجبات والحقوق الاجتماعية للفرد، حيث إن ذلك الدور الذي يشغله الفرد داخل مجتمعه إنما يحدد واجباته اتجاه ذلك المجتمع ولكن حقوقه تعتمد على الواجبات والمهام التي ينجزها في المجتمع إشارة إلى أن الفرد لا يشغل دورا اجتماعيا أو سياسيا واحدا بل أنه يشغل عدة أدوار تقع في مؤسسات مختلفة وهذه الأدوار المؤسسية لا تكون متساوية بل إنها تختلف فهناك أدوار قيادية وأخرى وسطية وأخرى قاعدية وهذا الدور هو الوحدة البنائية للمؤسسة ومن ثم فإن المؤسسة هي الوحدة البنائية للتركيب الاجتماعي والدور هو حلقة الوصل بين الفرد والمجتمع.()
وتتكون نظرية الدور من مجموعة من البناءات يتخذها المحللون للدور في ميدان دراستهم للسلوك الواقعي في الحياة وفيما يلي أهم بناءات ومفاهيم نظرية الدور كما عرفها هديرت ستدين: ()
تعلم الادوار:
ويعد جورج حديرت ميد أول عالم يركز على تعلم الأدوار وصلته الوثيقة بالعامة الألمانية
نشاط الدور:
تكون الأدوار الأكثر صرامة محددة، والأدوار الأكثر تشدان واعتيادا مفروضة بالقوة الأكثر صعوبة للشخص لحل الصراع هو بالانحراف منها ويسير نشاط الدور إلى كمية الانحراف المسموح به عن اعتبارات الدور المألوف.
غموض الدور:
يشير إلى أنه عندما يخرج الموضوع عن النسق الاجتماعي ولم يعد له تقدير رسمي أو مكانة خاصة أو يقتصر الدور على التوقعات الملاءمة مع ما يتضمنه القانون أو العادات.
عناقيد الدور:
مجموعة المكانة التي يتمتع بها الفرد تدور حول علاقات الدور التي تتنوع بأتساع وهي إمكانية أن الشخص قد يشغل مراكز تشمل أدوارا متنافرة أو متعارضة
تبادل الدور والدور المتمم لبعضهم البعض:
جماعة صغيرة مثل الأسرة تحقق مستوى معينا من الاستقرار أو التوازن وكل ممثل أو شخص له أدواره الخاصة به في علاقته مع أعضاء الجماعة الأخرى وهذه الأدوار متممة لبعضها البعض.
من خلال العرض السابق لمفهوم نظرية الدور والبناءات والمفاهيم التي تقوم عليها يمكننا القول إذا إنها ستفيدنا في دراستنا هذه من خلال توضيح مفهوم الدور الذي يقوم به أي عضو يدخل في القيادة السياسية ومن ثم يؤثر في عملية صنع القرار بل ويؤثر أيضا بشكل عام في علاقة الدولة بالدول الأخرى، وتطبيقا على هذه الحالة الخاصة بالقيادة السياسية التركية فإن نظرية الدور ستساعدنا في تفسير الدور الذي تتبعه القيادة السياسية بقيادة رجب طيب اردوغان في تحويل مسار العلاقات وذلك من خلال فهم أبعاد الدور الخاص بكل فرد داخل الحزب الذي ينتمي له اردوغان.
ثالثا النظرية الواقعية:
إن النظرية الواقعية تشكل إحدى أهم النظريات على صعيد الفكر السياسي المعاصر والحديث عن أصولها الفكرية يعد من أهم الجوانب التي تفسر السلوك السياسي للعديد من الدول أو تفسير العلاقات الدولية القائمة بين الدول بشكل عام وذلك يرجع لما تمثله النظرية الواقعية من مرجعية فكرية قوية على الصعيد الخارجي. وجاءت النظرية الواقعية قائمة على فكرة رئيسية وهي دراسة العالم بما هو كائن وليس بما ينبغي أن يكون عليه ولذلك مثل واقعية كبيرة على الصعيد الخارجي بسبب نظرتها التفاعلية مع العالم الخارجي ونظرياتها المجددة. ()
وللنظرية الواقعية مجموعة من الأصول والركائز الفكرية تعتمد الواقعية السياسية المعاصرة في تفسيرها للعلاقات الدولية وطبيعة النظام الدولي على مجموعة من الركائز والعناصر والتي تشكل المفاهيم النظرية للواقعية المعاصرة وذلك لفهم بنية النظام الدولي والعلاقات الدولية وهذه الركائز أو العناصر التي يجب على الدول أخذها في الاعتبار في علاقاتها وسياستها الخارجية وهي الآتي:
القوة:
إن النظرية الواقعية في بنائها النظري تستند على فرضية أساسية والتي مفادها أن (القوة هي الهدف الرئيسي على المستوى الداخلي أو الخارجي) وهي الأساس القوى والمنطقي لتقديم نظرية أساسها تفسير علاقات القوى المحددة وسلبيات الدول في المجالين الوطني والدولي وهما مظهران مختلفان لظاهرة واحدة وتعرف القوة بأنها مجموعة الإمكانات المتاحة لدولة ما وهذه القوة المقصودة في التحليلات الواقعية ليست تلك القوة العسكرية التقليدية بل القوة بمفهومها الشامل لكل من عناصرها ومكوناتها المادية وغير المادية على أساس أنها نتاج لعدد كبير من المدخرات.()
المصلحة القومية:
وهي واحدة من الاعتبارات التي تحد من تصرف القوة في تكثيف التصرف السياسي وتقاريره، وقد صح الاعتقاد أن المصلحة والقوة من الممكن أن ينسجما في تغير علاقتهما المتبادلة فوفقا للنظرية الواقعية فإن للكل دولة من دول العالم مجموعة من المصالح القومية يمكن التعبير عنها من خلال ثلاث مصالح رئيسية وهي (مصلحة البقاء) وهي أولى وأساس مصالح الدولة وتعني أن الدولة موجودة ولأيتم إلغاءها، مصلحة تحطيم القوة العسكرية وهي أداة الدولة الأساسية في الدفاع عن نفسها ضد الأعداء وتأتي ثالثهم مصلحة تعظيم القوى السياسية وهي الاهتمام بالبعد الاقتصادي والتجاري في العلاقات بين الدول وعلى أساس هذه المصالح الثلاثة تتحدد القوة المادية للدولة على مساحة العلاقات الدولية.()
توازن القوى:
والتوازن هو عبارة عن حالة من التوازن الساكن أو المتحرك بين قوى متعارضة والملاحظ على الساحة الدولية أن المصالح الدولية تسودها حالة الاتزان إلى نزاع مع دول أخرى داخل النظام الدولي ويقع توازن القوى تحت رمز مدرسة الواقعية في السياسة الولية والتي تهتم بالقوة كظاهرة أساسية الظواهر التي تقوم عليها النظرية، الدول فيما تسعى للحفاظ على وجودها وأمنها ومركزها خلال عملية الصراع الدولي لاكتساب القوى فإن رائدها في ذلك هو تحقيق توازن القوى.()
ومن خلال العرض السابق الأسس التي تقوم عليها النظرية الواقعية ودورها الكبير في تفسير نظرية العلاقات الدولية يستطيع الباحث خلال دراسة استخدام هذه النظرية لتفسير العلاقة بين كل من تركيا وروسيا وذلك اعتمادا على المتغير الرئيسي للدراسة وهو القيادة السياسية التركية وكيف يمكن اتباع أثار ذلك المتغير لفهم المدى الذي يتركه في طبيعة العلاقة بين الدولتين بشكل عام.
ثامنا المنهجية المستخدمة:
اعتمدت هذه الدراسة علي مفاهيم تحليله مرتبطة بحقل دراستها وكلها تفضي في نطاق إسهام الدراسة حيث مفهوم المصلحة الوطنية والقيادة السياسية والعلاقات بين الدول الكبرى والدول المتوسطة التي هنا نعني بها روسيا وتركيا علي حد الترتيب، وكان الاعتماد الأساسي علي نظريات الدور والقيادة والواقعية كنظريات تحليله هامة لفهم التأثير الذي القادة السياسيين- القيادة التركية- في تشكيل العلاقات بين الدول ومن ثم فإن اعتماد الباحث علي منهج المصلحة الوطنية كأساس لتعظيم منفعة العلاقات بين الدول ومنهج صنع القرار لمعرفة تأثير قرارات القيادة السياسية في المسار الدولي لدولتها علي ساحة العلاقات الدولية وأخيرا المنهج الوصفي التحليلي الذي يهدف إلى التعرف علي تأثير القيادة السياسية التركية علي العلاقات الروسية التركية حيث اعتمد الباحث علي الملاحظة كأداة أساسية في الدراسة كنتيجة لسنوات الدراسة وقراءة الكتب العلمية المختلفة كما تم الاعتماد علي الأسلوب الوصفي التحليلي في رصد المعلومات وكانت المصادر الموثقة التي تم الاعتماد عليها متمثلة في الكتب العلمية والدراسات الأكاديمية السابقة وكذلك المقالات العلمية المنشورة في الدوريات العلمية الموثوقة.
تاسعا تقسيم الدراسة:
يتم تقسيم الدراسة إلي فصلين أساسين يتفرع منهم عدة مباحث، الفصل الأول تحت عنوان: ملامح القيادة السياسية التركية والتحول في العلاقات التركية الروسية وينقسم إلى عدة مباحث حيث يدور المبحث الأول حول: نشأة وتطور حزب العدالة والتنمية، بينما يدور المبحث الثاني حول: السياسات المتبعة من جانب حزب العدالة والتنمية علي الصعيدين الداخلي والخارجي، والمبحث الثالث يدور حول: التحول في العلاقات التركية الروسية إثر تولي حزب العدالة والتنمية الحكم. ويأتي الفصل الثاني بعنوان أثر تولي حزب العدالة والتنمية الحكم على علاقات التركية الروسية فينقسم إلي المبحث الأول حول: أثر القيادة السياسية علي العلاقات السياسية التركية الروسية، والمبحث الثاني يدور حول: أثر القيادة السياسية التركية علي العلاقات الاقتصادية التركية الروسية.
الفصل الأول: ملامح القيادة السياسية التركية والتحول في العلاقات التركية الروسية
- المبحث الأول: التعريف بالقيادة السياسية التركية
- المبحث الثاني: سياسات حزب العدالة والتنمية داخلياً وخارجياً
- المبحث الثالث: التحول في العلاقات التركية الروسية
ملامح القيادة السياسية التركية والتحول في العلاقات التركية الروسية
تمهيد:
إن العلاقات التركية الروسية لم تأخذ شكلا واحدا في طبيعتها بل إنها أخذت أنماطا مختلفة من التعاون والعداء على مستوى فترات مختلفة من عهد الدولتين سواء كان ذلك تاريخيا في عهد الدولة العثمانية والاتحاد السوفيتي وذلك وصولا إلى العهد الحالي لعلاقة الدولتين والذي يشهد وضعا معاكسا تماما لما كانت عليه العلاقات في الماضي وذلك نابع بشكل واضح من دور القيادة السياسية التركية منذ فترة توليها لمقاليد الحكم في تركيا في التأثير الكبير الذي تركته على واقع العلاقات بين البلدين وذلك بالتركيز على الفترة من ٢٠٠٢ حتى عام ٢٠١٥، ولمعرفة تأثير تلك القيادة على العلاقات يجب علينا أن نكون على دراية تامة بطبيعة القيادة الحاكمة (جذور تأسيسها ووصولها للحكم وسياساتها المتبعة)، وكذلك معرفة نبذة تاريخية لما كانت عليه العلاقات قبل وصول تلك القيادة، وأيضا دراسة مجموعة العوامل التي كانت ملهما أو حافزا للقيادة لإتباع تلك السياسات أو اتخاذ ذلك الموقف تجاه روسيا.
المبحث الأول: التعريف بالقيادة السياسية التركية
أولاً: ظهور حزب العدالة والتنمية
الشخصيات المؤسسة للحزب:
عند الحديث عن ظهور حزب العدالة والتنمية تلزمنا الأقلام بداية للحديث عن رجب طيب اردوغان الذي هو الشخصية الأهم في تأسيس الحزب وقيامه، ولد اردوغان في السادس والعشرين من فبراير عام ١٩٥٤ وكان ابن لأسرة فقيرة تسكن في حي قاسم باشا الذي يعد أحد أفقر الأحياء في تركيا وبالتحديد في إسطنبول، استقر اردوغان في هذا الحي حتى انتهى من دراسة الثانوية التي قضاها في مدارس الأئمة والخطباء وذلك تبعا لرغبة أبيه الذي اشتهر بالتدين، وقد كان حي قاسم باشا الذي نشأ فيه اردوغان من الأحياء التقليدية التي تسود فيها قيم وتقاليد المجتمع الشرقي القديم وتدل تلك النشأة التي نشأ بها اردوغان وبيئته على أنه نقيض تام للنظام التركي السائد فهو ابن للطبقة التي طحنتها توجهات السياسة العلمانية التركية المدينية النخبوية، تخرج من معهد علوم الاقتصاد والتجارة، وقد عمل كموظف في البلدية فكانت تلك بمثابة الباب الأول لتفتح مواهبه وفقد كان كثير القراءة ومحب للشعر. ()
إن اردوغان منذ سن الخامسة عشرة يتمتع بتفتح قدراته السياسية الأمر الذي جعل منه بعد ثلاثة أعوام فقط رئيسا لجناح الشباب بحزب السلامة في إسطنبول ومن بعده رئاسة شعبة إسطنبول في حزب الرفاه عام ١٩٨٥، وقد فاز بمنصب رئيس بلديه إسطنبول الكبرى في عام ١٩٩٤ وكان ذلك بمثابة أقوى انتصارا لحزب الرفاه على مستوى البلديات في أهم محافظة تركية، استطاع اردوغان من خلال هذا المنصب أن يحقق أقوى نجاحات اقتصادية وإدارية حققتها تركيا في العصر الحديث فاستطاع أن يغير وجه إسطنبول ويخلصها من مشكلات مزمنة، استطاع من خلال نجاحاته أن يصبح حديث لوسائل الإعلام وسعت الحكومة لتحجيم صلاحياته من خلال تعديل قوانين البلديات.()
ولكن فوز حزب الرفاه بالأغلبية في البرلمان جعله يمارس صلاحياته لانقلاب العسكري الناعم عام 1997 إحدى النقاط السوداء التي أوقفت حدة اردوغان وقدرته على التوغل أكثر في السلطة إذ كانت من تداعياته محاكمة اردوغان وإغلاق حزب الرفاه ومنع اردوغان من العمل في السياسة، وقد سجن اردوغان ثلاث مرات كانت أطولها وآخرها بعد واقعة أبيات الشعر الشهيرة التي ألقاها ضمن خطابه الشعبي، وكانت عشرة أشهر وغرامة مالية وقد أبدى الوداع الحافل له من قبل الناس في الطرقات دليلا واضحا على أن تركيا أصبح لها زعيم شعبيا جديدا وبعد خروجه من السجن أخذ يشق طريقه في مرحلة جديدة بعيدا عن حزب أستاذه أربكان تطلع لتأسيس حزب العدالة والتنمية.()
إلى جانب اردوغان وعلى الرغم من أن الإسهام الأكبر في تأسيس الحزب يرجع إليه إلا أنه لم يكن وحده فقد كان عدد الموقعين على عريضة تأسيس الحزب قد بلغ ٧١ عضوا وانضم إليهم حوالي ٥٣ نائبا بالبرلمان ليصبح العدد ١٢٤ عضوا، كان عبد الله غل أحد أهم المؤسسين للحزب فقد كان صديق اردوغان ورفيق دربه وذلك على الرغم من أنه يكبر عنه بحوالي أربع سنوات فهو ولد في ٢٩ أكتوبر من عام ١٩٥٠ في قيصري في محافظات وسط الأناضول التي تتسم هي الأخرى بالطابع التقليدي الشرقي الإسلامي نشأ في أسرة متدينة ومهتمة بالسياسة ودرس في مدارس الأئمة والخطباء في المرحلة الثانوية وتخرج من كلية الاقتصاد بجامعة إسطنبول وحصل على الماجستير والدكتوراه، جاءت البيئة المشابهة والعمل المشابه في المناصب السياسية عاملا مهما في اتساق أفكاره مع اردوغان ليكونا معا بذرة تأسيس حزب العدالة والتنمية.()
إلى جانب اردوغان وصديقه كان هناك مجموعة من الشخصيات الأخرى التي برزت في العديد من المناصب الحكومية التي تولاها حزب العدالة والتنمية ولعل من أهمها بولنت أرينتش، علي بابا جان، حلمي جولار، وأخيرا وجب إدراج اسم أحمد داود أوغلو نظرا لدورة في مرحلة التأسيس للحد الذي جعل من المنطقي إطلاقا عليه لقب مهندس سياسات العدالة والتنمية فهو بمنزلة المؤسس الفكري للرؤية الخارجية التركية وقد كان حاضرا منذ البداية وإن لم يكن في بداية أو صدارة المشهد.()
ثانياً: مرحلة تأسيس الحزب والتحديات التي واجهت المؤسسين:
اجتمع المؤسسون على إقامة مركزين للبحوث السياسية والفكرية أولهما مؤسسة دمجه للأبحاث بمدينة أنقرة والثاني هو مركز الأبحاث السياسية في إسطنبول وكلاهما كانا بمثابة البؤرة التي تمت فيها جميع المناقشات الخاصة بجميع الأفكار بشفافية تامة ودون تحفظ وكذلك مناقشة كافة التحديات التي قد تواجه الحزب وكيفية التغلب عليها ومثله كمثل أي حزب تواجهه تحديات تأسيسية وهي الست (الرؤية الفكرية والأعضاء والبرنامج والأموال والقاعدة الشعبية واتهامات الفرقاء في الداخل) ولكن كان هناك تحد جديد قد واجه حزب العدالة والتنمية وهو تحديات الوضع الإقليمي والدولي، فكان المؤسسون على دراية تامة أن الحزب لكي ينهض ويكون قادرا على لعب دور على الساحة السياسية يجب عليه أن يعبر تلك التحديات، ومن ثم كان هناك حاجة إلى بعض التنازلات والتضحيات من بعض الأطراف حتى يستطيع الحزب أن يقف على أرض ثابتة، سوف نناقش كلا منها على حدة. ()
الرؤية الفكرية للحزب:
من المعروف أن الرؤية الفكرية لأي حزب تنبني عليها جميع التوجهات والاختيارات لذا فهي من أصعب الأمور التي تواجه أي حزب ولكن الظروف الدولية التي نشأ فيها حزب العدالة والتنمية التي كانت تتسم بإثارة الحرب على الإرهاب الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأن الحرب كانت وشيكة على أن تشتغل بالجوار التركي جعلت من الأمر أكثر صعوبة وذلك نظرا لتنازع جذوره الإسلامية مع ثوابت الدولة العلمانية التي يحرسها الجيش، وعلى الرغم من أن أمر الرؤية الفكرية أثار خلافا بين المؤسسين، لكنهم خلصوا إلى هوية ذات مساحات رمادية، فمن أراد رؤيتهم إسلاميين وجد في أديباتهم ما يدعم أراد رؤيتهم علمانيين وجد ذلك أيضا، ومن أراد إثباتا ما في خطابهم من ارتباك وتناقض وجد بغيته، ولذلك يختلف الباحثون بشأنهم، فهم يمثلون رؤية جديدة، فقد قدم الحزب مقاربة جديدة لمفهوم العلمانية تعبر عن المضامين الصحيحة داخل هذا المفهوم وتبعد عنها المضامين الأخرى.()
ولذلك فإن الحزب لم يجعل من العلمانية الأوروبية معياره ولا نموذجه، وإنما فهم أن العلمانية هي أنها الدعوة إلى العلم وتحرير تفكير الإنسان وعقله، ورفض الأفكار التي تلغي حرية الإنسان وتحرمه من عقله، وتمنعه من اتباع العلم واكتشاف الحياة، وتسخيرها لمصلحة الإنسان وتمسك الحزب بإصرار – على مستوى الطرح الفكري – بأنه يمكن الجمع بين كل ما يظن أنه متناقض، كما يقول أردوغان: «أنا محافظ ديمقراطي أسعى للحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا وثقافة الأمة التركية، وأسعى لتطبيق ديمقراطية قوية ومنظورة، ولا تقل عن الديمقراطيات في العالم. وكما يقول عبد الله غل“ ما نريد أن نقوله هو إن تركيا دولة مسلمة، وبالإضافة إلى هويتها الإسلامية فإن تركيا دولة ديمقراطية وشفافة وعلى وفاق مع العالم، كذلك أصروا على أنهم ممثلو هذا التوفيق بين ما اعتقد مدة طويلة أنه متنافر”، كما يقول بولنت أرينتش“ سنشكل نموذجا يحتذى في المنطقة في تطبيق الديمقراطية وتوسيعها من خلال هويتنا الإسلامية ”ومن ثم قدم الحزب نفسه على أنه نصف ليبرالي، وإسلامي معتدل ولكنه ديمقراطي بالكامل، باختصار: قدم نفسه على أنه حزب ديمقراطي محافظ ينتمي – بمصطلح التصنيف الحزبي – إلى يمين الوسط الذي يأخذ من اليمين هوية ثقافية ومن اليسار ميولا اقتصادية واجتماعية .().
كان من الصعب على كثير الاقتناع بهذا التوجه وفهمه، ولكن الذي كان سهلا وواضحا وثابتا في رؤية الحزب وخطابه هو التخلي عن الخطاب المعادي للغرب الذي تبناه الإسلاميون سابقا، وتبني خطاب متسق مع ما يطرح في المجتمعات الغربية، فقد أدركوا أنهم لن يستطيعوا تشكيل مستقبل البلاد إلا بإعادة النظر في علاقتهم مع الإسلام، وبإعلان الالتزام بالنظام العلماني الجزئي للجمهورية التركية والتخلي عن الجوانب الأكثر ثورية في النزعة الإسلامية، وبخاصة فكرة النظام العالمي العادل؛ أي الدولة الإسلامية العالمية، جسدت هذه الطريقة نمطا جديدا في السياسة التي يتصدرها إسلاميون، وهو ما جعلها مسرحا لابتكار الألفاظ والمصطلحات لدى الباحثين؛ لمحاولة التعبير عن الظاهرة، فوصفت بأنها «سياسة مرتاحة»، يمثل الدين فيها إلهاما ثقافيا أكثر منه حضورا فاعلا في أجندة السياسة وبأنها نسخة جديدة لإسلامية بلا إسلاميين وبأنها سياسة صديقة للإسلام.
البرنامج:
كان مؤسسو حزب العدالة والتنمية يتمتعون بالذكاء السياسي لذلك جعلوا برنامج الحزب يبتعد تماما عن ذكر صريح للإسلام، وفضلوا استخدام مصطلح «الديمقراطية المحافظة»، وضمنوا برنامج الحزب قبولا بالحداثة إلى حدها الأقصى، وكان ذلك البرنامج بمثابة الترجمة الحقيقية لتلك الهوية السياسية التي اعتمدها المؤسسون بما تحتويه من غموض وأسئلة غير مجاب عنها حتى بالنسبة لبعضهم البعض إلا أن أمورا ميزت برنامج الحزب، أبرزها ما كان في جوهره ردا على بقية الأحزاب، فمن ذلك انحياز واضح نحو تجديد الدماء، فيما يبدو أنه رد على ما جرت به عادة الأحزاب الأخرى العلمانية والإسلامية على السواء، إذ حددوا مدد من يقوم بنيابة الشعب، بحيث لا تزيد على ثلاث دورات، وبحيث لا يرأس الحزب شخصا واحدا أكثر من خمس دورات. ().
كما ولّى البرنامج اهتماماً خاصاً بالملف الاقتصادي الذي كان حديث الوقت وأكثر الملفات إلحاحاً؛ بسبب ما وقعت فيه تركيا من أزمة تضخم كبرى أسفرت – من ضمن أمور أخرى – عن الانتخابات المبكرة، وقد تولى هذا الملف علي باباجان، وكانت أبرز العوائق التي تواجههم، ويجب وضعها في البرنامج الديون، وصندوق النقد الدولي، والسوق التركية المضطربة، واختفت من برنامجهم الصناعة الوطنية الثقيلة التي كانت في برامج أربكان، وحل مكانها مفهوم اقتصاد السوق الحرة الذي يأخذ بالحسبان مصالح الطبقة الوسطى، وكان أبرز ما فعلوه في هذه المرحلة أنهم روجوا لهذا البرنامج لدى عدة جهات في الخارج؛ لندن ونيويورك)، وحققوا بذلك أهدافاً عدة أهمها التسويق السياسي قبل الاقتصادي لدى هذه الجهات وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، ومحاولة استشراف اتجاهات خارجية قد تؤثر في وضع الخطط والبرامج والخطاب السياسي.()
كما أن أهم ملامح البرنامج المميزة له هي وضع خطة الأعمال العاجلة التي تحدد برنامج الأيام الأولى، فقد حضروا في مرحلة التأسيس عشرات من المشاريع الإصلاحية الجاهزة للتنفيذ فورا، وكانت خطة طموحة أثارت دهشة بعض السياسيين، غير أنهم كانوا واثقين من قدرتهم على تنفيذها، ولعل ذلك كان من أثر زياراتهم الخارجية المتعددة التي أسهمت في تسويق السوق التركية للاستثمار، وأكثر ما لفت أنظار المراقبين في البرنامج هو الرغبة الصريحة الواضحة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي تعبر عن مفارقة للفكر المعتاد للأحزاب الإسلامية السابقة. ()
الأموال:
كان باب الحزب مفتوحا بشكل كبير أمام مساعدات أولئك الأفراد أصحاب الطبقة المتوسطة من التجار وأصحاب المحال التجارية الصغيرة وكذلك المتبرعين الذين تم اعتبارهم ممثلي القاعدة الشعبية الكبرى للحزب، وذلك لم يكن الأساس بل إن اردوغان قد قام بتفويض رحل أعمال صديق له وهو جنيد زابصو باختراق فئة رجال الأعمال، كما أن طرح الحزب لنفسه باعتباره حزبا ديمقراطيا محافظا يمثل في وجهته الحزبية يمين الوسط وكذلك منشقا عن الفكر السياسي لأربكان، كان بمثابة الطريق الواسع الذي جعل عدد كبير من رجال الأعمال سواء المتدينين أو الشباب الذين كانت لهم أسبابهم التي جعلتهم يشعرون بالحاجة إلى كيان سياسي جديد يمنع الصدام بينهم وبين الحكومة المركزية ويضع في اعتباره حساسية الحكومة تجاه بعض الأمور من ناحية، ومطالبهم من ناحية أخرى.()
وتلك المطالب كان من أهمها التخلص من العبء الأيديولوجي الذي حملتهم إياه حركة الرؤية الوطنية؛ إذ رأت هذه الحركة أن هؤلاء الشباب يمنعون تحقيق مطالبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما أنهم كانوا على اقتناع تام بأنهم لن يحصلوا على أي نتيجة من أصحاب السلطة لسنوات مضت وفقا لمصالحهم، وكانت هذه الطبقة الناشئة من رجال الأعمال قد تجاوزت أعمالها الشركات الوسيطة لتصبح شركات كبرى وصارت منظمتهم «الموساد» (رابطة الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين الكبرى والأسرع نموا في تركيا، وقد كانوا من داعمي حزب الرفاه، إذ وجد كل طرف مصالحه عند الآخر)، ويقسم بعض الباحثين هذا القطاع إلى قسمين؛ الموساد الذي صار يحسب فيما بعد على العدالة والتنمية، وقسم آخر عرف فيما بعد باسم تحالف توكسون وهو تابع لجماعة فتح الله غولن. ()
إضافة إلى ذلك كانت هناك أوساط أخرى ومنها اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك توسیاده والذين كانوا على استعداد لدعم كيانات جديدة يمكنها أن تملأ الفراغ السياسي للحكومة المركزية، كما أنهم بحثوا أيضا عن طريقة للبحث عن هوية تكون أكثر تعبيرا عن القيم الليبرالية وتفرق في الوقت نفسه بين الهوية والفكر الوطني الذي اقترب من التلاشي تماما فكانت هي الأخرى داعما للحزب من الناحية المادية.
القاعدة الشعبية:
اعتمد حزب العدالة والتنمية في صناعة وتكوين قاعدته الشعبية على شبكتين هامتين وهما إما الطريقة النقشبندية التي تعد إحدى أهم الطرق الصوفية في تركيا وذلك نظرا لارتباطها بالسياسيين أمثال اردوغان كما أنها كانت تعد القاعدة الأساسية لكافة الأحزاب الإسلامية أو جماعة الخدمة بزعامة فتح الله غولين وهي تنظيم دعوى جرت العادة على تشبيهه بجامعات الدعوة والتبليغ والتي في الأساس لا تهتم بالسياسة ولكنها في الواقع قد تفوقت عليها بفعل الشبكات الإعلامية والتعليمية التي تتسم بطابع قوي وواسع داخل تركيا وخارجها كما أن الأعضاء بها يتميزون بوضع نافذ في مؤسسات الدول كافة.()
وبذلك تعتبر بمثابة تجديد لحركة سعيد النورسي، انبعثت في مناخ الازدهار الإسلامي في السبعينيات، ونمت نموا كبيرا في الثمانينيات، حيث كان مناخ النظام العلماني يسمح بذلك لمواجهة اليسار والشيوعية، ثم انطلقت في التسعينيات مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وانفتاح الساحات الآسيوية والبلقانية والعربية أمام المد الدعوي، وحيث عم الفساد، وضعفت قوة القانون، كانت جماعة غوان تقدم مناخ اقتصادي قائم على الثقة والالتزام، وهو ما مكنها من بناء دوائر ومؤسسات اقتصادية يثق فيها المتعاملون معها، إلا أنها عملت بصورة براغماتية تماما في اختراقها لمؤسسات الدولة؛ إذ لم يكن لديها بأس في أن تنزع أي صفة أو مظهر إسلامي عمن يتبعها في جهاز الدولة. ()
اتهامات الفرقاء في الداخل:
كما هو متوقع من فرقاء الداخل في تركيا، لم تكف الخطابات ولا البرنامج الخاص بالحزب للتأثير فيهم وإنما ظلت ردود افعالهم مثلما توقع الجميع وقد انقسمت إلى تيارات أولها التيار الإسلامي الذي وجه تهمه للحزب ومؤسسيه بداعي الخروج عن نهج اربكان الذي يعد الزعيم الاسلامي الأشهر كما أنه وكه تهمه اخرى إليهم تنبع من شق الصف الاسلامي وتفريقه ولكن يجيب عبد الله غل:“ لو كنا نحن السبب في انقسام الأعضاء وتناحرهم، وفي حمل هذا التناحر إلى المستقبل، فهل كنا لنجازف بتحمل المسؤولية على هذا النحو؟ وهل يستحق الأمر هذا؟ إننا لو بقينا بلا أي رد فعل تجاه أخطأ قائمة بدافع الخوف من تحمل المسؤولية: سيجعلنا في المستقبل أمام مسؤولية أكبر وعناء أكثر” ()
واتهموا كذلك بأنهم تحولوا إلى نسخة علمانية؛ إذ باعوا تركيا للغرب، وطرحوا أنفسهم كنموذج الإسلام المُعدَّل الذي تريده أمريكا، وصاروا اللاعب الرئيسي في موجة الليبرالية الجديدة، وأنهم على الحقيقة ثمرة من ثمرات انقلاب عام ۱۹۹۷ في كسر التيار الإسلامي وتطويعه. وأمام هذه التهمة قال عبد الله غل: “إلى أي مدى كان مفهوم هذه السياسة التي أغلقت لها ثلاثة أحزاب على مدار ثلاثين عاماً سيستمر؟ هذه السياسة التي لم تحصل أبداً على أي دعم انتظرته من الشعب، والتي لم تستطع أيضاً قراءة الاتجاه العام العالمي، وبالمناسبة لم تنجح في نقل ذلك إلى تركياه” ،وأما الدولة العميقة وغلافها المدني من الأحزاب السياسية، فلم تر في حزب العدالة والتنمية إلا ذئباً في فروة الأغنام، إذ ينتهج نفس نهج الإسلام الراديكالي تحت قناع الإخلاص للسياسة الأوروبية.()
تحديات الوضع الإقليمي والدولي:
شهد العام الذي تأسس فيه حزب العدالة والتنمية ذروة الشراسة التي بلغها النظام العالمي الجديد الذي تم تأسيسه بعد الحرب الباردة وسمي بالنظام الأحادي القطب نتيجة سقوط الاتحاد السوفيتي، وأيضا بعد أحداث 11سبتمبر التي انطلقت بعدها الجيوش الأمريكية لتغيير الأنظمة بالقوة المسلحة، كما أن الهيمنة الغربية على السياسة التركية قديمة منذ تأسيس الجمهورية نفسها، وليس بوسع سياسي إلا أن يجد طريقه للتعامل معها. فقد اتسمت تلك الفترة التي تأسس فيها حزب العدالة والتنمية بأنها شديدة التعقيد، وكان أبرز أحداثها الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت في ۲۸ سبتمبر/ ۲۰۰۰، واستمرت خمس سنوات، والتي أثرت في سجال الانتماء الإسلامي للحزب في مقابل العلاقة التركية المتينة مع إسرائيل، ثم تبعتها أحداث ١١ سبتمبر وما طرحته من تداعيات الحرب على الإرهاب الإسلامي، وما أسفرت عنه من حروب كالحرب على أفغانستان في أكتوبر/ ۲۰۰۱.()
وكون تركيا عضواً في حلف الناتو، والحرب على العراق المجاور لتركيا في مارس ٢٠٠٣، مع تأثيراته الواسعة في تركيا وملف الأكراد وكان يُنتظر من الحزب أن يقدم في كل هذه الملفات مواقف عملية تحظى بالرضا الغربي أولاً، ثم تفسير هذه المواقف وترويجها شعيباً أمام جمهور إسلامي وقوى داخلية (علمانية)،أجرى الحزب جولات خارجية في مسارين؛ المسار الاقتصادي المسؤول عنه باباجان الذي سبقت الإشارة إليه والمسار السياسي الذي تولاه اردوغان، حيث قام بسبع عشرة رحلة خارجية شملت الدول الأربع عشرة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، وروسيا والصين، بالإضافة إلى زيارة لكازاخستان في آسيا الوسطى)، وهي زيارة تدل على اهتمام مبكر بالعمق التركي مع امتداداته العرقية. وكانت الزيارات بغرض التسويق السياسي للحزب الذي تولى الحكم، وتقديم مواقف في هذه القضايا ومن البديهي أن يكون الحزب الجديد الناشئ هو الطرف الأضعف.().
الخلاصة:
ظل حزب العدالة والتنمية محل اختبار وشك غرباً لسنوات طوال، إلا أن القراءة العامة لسياسة الحزب تكشف أنه استهدف تحويل كل تهديد إلى فرصة؛ واستطاع مواجهة تلك التحديات وفرض نفسه على الساحة السياسية داخل تركيا وتكوين محيط عام يتسم بالتأييد له فنجد أنه استثمر حالة ما بعد ۱۱ سبتمبر ليقدم نفسه بوصفه يمثل الإسلام المعتدل الذي ينافي التطرف والإرهاب والذي يمكن التلاقي معه. بشأن قيم الديمقراطية، والحريات، وعلمانية الدولة والليبرالية الاقتصادية، ومن ثم يجب دعمه وتأييده للحد من حالة التطرف، ولإثبات أن الغرب لا يعادي الإسلام كدين أو المسلمين عامة، كما أنه استثمار الرغبة القديمة والقائمة للسياسة التركية في الانضمام للاتحاد الأوروبي لإجراء إصلاحات هيكلية في مجال الحقوق والحريات التي تتيح فرصة اوسع لرفع المظالم عن الأكراد والأقليات من ناحية ، ومن ناحية أخرى تدعم تقليص نفوذ «الدولة العميقة»، وفي القلب منها الجيش ، ونقد روايتهم ورؤيتهم للهوية والتاريخ التركي اضف إلى ذلك أنه استثمر الرفض الغربي في الانضمام للاتحاد الأوروبي في فتح آفاق نفوذ وتأثير واسعة مع دول الشرق الآسيوي والشرق الأوسط، وهو ما يسهم في الابتعاد التدريجي التركي عن الهوية الغربية، كما يسهم في إنشاء خرائط سياسية جديدة تتكمش فيها القوة الأوروبية والأمريكية.
المبحث الثاني: سياسات حزب العدالة والتنمية
أولا: السياسات الداخلية للحزب فيما يتعلق بالدولة والمجتمع:
قدم مؤسس الحزب رجب طيب اردوغان، والذي هو القائد السياسي الأول في تركيا ورئيسها حتى الآن، رؤية واضحة تتعلق بكون تركيا لها نموذجها الخاص المستقر والناجح في التنمية وكذلك موقعها قي العالم الغربي وإرثها وهويتها في العالم الشرقي فأكد أن تركيا ستكون رمزا المتعايش والتفافهم بين الحضارات والثقافات في القرن الواحد والعشرين ولم تحقق تركيا هذا النموذج من خلال قوتها الاقتصادية والعسكرية فقط، وإنما من خلال قدرتها على المساهمة في هذه القيم المقبولة عالميا، وتيسير عملية نشرها والتفاعل معها عبر أجزاء مختلفة من العالم، اتخذ حزب العدالة والتنمية من هذه الرؤية نهجا يسير عليه من أجل تقدم تركيا ورفعتها عبر تحقيق نجاح اقتصادي وتعزيز موقعها في النظام الغربي كشريك وحليف وليس كتابع وكذلك تقوية روابطها وعلاقاتها مع المشرق وبخاصة الدولة الإسلامية، إضافة إلى تدعيم قوتها العسكرية بتحقيق أكبر قدرا ممكنا من الاكتفاء الذاتي في قطاع الصناعات الدفاعية والترويج للنموذج التركي وتفعيل دورها كنقطة التقاء للحضارات والعيش المشترك ومن أهم الأدوات التي استند إليها الحزب لتحقيق رؤيته تنمية أدوات القوة التركية الناعمة وتنشيطها، مما يؤهلها لتأدية دور فاعل على الصعيدين الإقليمي والدولي. ()
فيما يلي تحليل الفلسفة الحزب ورؤيته المغايرة لأهم قطاعات الدولة والنظام السياسي في تركيا:
الإصلاح السياسي: ()
إن تحقيق رؤية كاملة عن أهم التغيرات التي أدخلها الحزب على النظام السياسي التركي على الصعيد الداخلي وفهمها وتفسيرها يجعل التطرق إلى خطة الحزب وبرنامجه أمرا ملزما سبق أن تحدثنا عن برنامج الحزب في الجزء الخاص بالتحديات التي واجهته في مرحلة التأسيس ولكن لفهم التعديلات يجيب الوقوف على المبادئ التي يستند البرنامج السياسي للحزب إليها ومنها:
أ – تطبيع النظام السياسي: وقعت السياسة التركية فريسة لتأثير تجاذبات تابعة من مصطلحات مثل الدين – السياسة التقاليد المعاصرة، الدين – الدولة – المجتمع – الفردية)، حيث ساهمت هذه التجاذبات والصراعات في خلق الكثير من المشاكل السياسية، وتطبيق المجال السياسي، لذلك عمل الحزب على إعادة تعريف هذه المصطلحات على أرضية سليمة، وإخراجها من نطاق الشد والتوتر السياسي.
ب – الوحدة الحاضنة: يركز الحزب على النقاط التي تجمع أفراد الشعب التركي من الخطوط السياسية المختلفة وتوحده، بعيدا من خلافات الدين والعرق والمذهب، مما يساهم في ضمان وحدة الجمهورية التركية، وقد ساهم هذا المبدأ في تدعيم مفهوم المواطنة القائم على العدالة والمساواة، وتهيئة الحزب للرأي العام التركي للانفتاح على الأقليات الدينية والقومية ومنحها حقوقها السياسية والدينية والثقافية.
استطاع الحزب من خلال تلك السياسة الجامعة أن يقوم بتوحيد أغلبية أطياف الشعب التركي خلفه، ويظهر هذا جليا في آخر تقرير صادر عن الحزب في ۲۸ أغسطس عام ۲۰۱۲، بأن عدد أعضاء الحزب ارتفع في الأعوام الثلاثة الأخيرة (۲۰۱۰ – ۲۰۱۱ – ۲۰۱۲) بنسبة ١١٦ بالمادة ، ليصل إلى ما يقارب 8 ملايين عضو، ناهيك بأعداد المؤيدين والأنصار وذويهم، والعدد أخذ في التزايد مع مرور الأعوام، وهو رقم كبير إذا ما قورن بعدد من يحق لهم التصويت في الانتخابات التركية، وهو نحو أدت سياسة حزب العدالة والتنمية إلى توسع قواعده الشعبية أفقيا وعموديا، فهو الحزب الوحيد الذي حقق فوز في الانتخابات المحلية في مارس عام ٢٠١٤ في كل المناطق الانتخابية التركية الخمس (الجنوب الشرقي، الأناضول، الشمال، ساحل إيجة، والغرب والجانب الأوروبي) بينما الحصر تأييد الأحزاب الأخرى في منطقة أو منطقتين.
ج – السياسة المتغيرة: قام الحزب بأكبر حملة للتغير والتحول في تاريخ الجمهورية التركية، وذلك بالتركيز على القيم الاجتماعية وإجراء الإصلاحات السياسية عند الاستبدادية والشمولية فيما يعرف ب الثورة الهادئة، بوساطة مفهوم التغير التدريجي المرتكز على الدينامية الاجتماعية.
د- الديمقراطية: يرى الحزب في الديمقراطية أنها عملية يجب تطويرها باستمرار بواسطة أبعاد واسعة من الشعب، وقائمة على نظام التسامح والحوار والتفاوض، وقد قام الحزب بكسر مفهوم الوصاية جاعلا إرادة الشعب في الفيصل في إدارة السلطة والبلاد، كما أنه أضاف إلى الديمقراطية التركية مفهوم الديمقراطية المباشرة عبر تفعيل مؤسسة الاستفتاء عليه، أصبحت الإرادة الشعبية مرجعا وملجأ للسلطة السياسية في جميع القضايا الشائكة والمهمة والمتنازع عليها بين السلطات في البلاد، وليس فقط من الانتخابات إلى الانتخابات التي تليها.
الإصلاح الاقتصادي: ()
استطاعت حكومات العدالة والتنمية منذ فوزها عام ٢٠٠٢م بالسير على خطى رؤية الدولة الاقتصادية إذ تعتمد تركيا في تطلعها لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة إلى اتباع رؤية اقتصادية تقوم على تفعيل كافة العلاقات الاقتصادية داخل الدولة، بحيث يتم تفعيل كل الإمكانات على أكمل قدرة وأفضل إنتاجا، وأوسع تسويقا وأكبر ربح مالي ونجاح معنوي وقد توجهت الرؤية الاقتصادية بالأساس إلى تصويب علاقة الفاعلية والإنتاج، ومعيارها وفرة العائد المالي، وتحقيق السمعة المعنوية الحسنة للدولة وشعبها وشركاتها، وعدالة معدلات الاستثمار والضريبة والتسهيلات والقدرة الشرائية، وتخفيض نسب البطالة والتضخم، ومعالجة قضية الفقر، والحد منها لأقل مستوى ممكنا، وتوفير بيئة محفزة على العمل والإنتاج لرجال الأعمال والعمال على حد سواء. لقد استهدفت هذه الرؤية تحقيق التوازن الاقتصادي للدولة ومواطنيها، وبناء ذلك على قواعد واضحة ومريحة وربحية معا، نجحت حكومة العدالة والتنمية في تنفيذ تلك الرؤية بل وتضمين كافة نقاطها وهي:
1- إتاحة الإمكانات اللازمة لتطوير كافة أنواع ومعاملات الوساطة المالية المناسبة للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وزيادة معدل نسبة الادخار، والاستفادة منه في الاقتصاد والاهتمام بتنوع القطاع من حيث المؤسسات والوسائل المالية مع الاهتمام بزيادة عمق السوق
2- دعم التنسيق بين الهيئات التي تقوم بتنظيم القطاع، والإشراف عليه وضمان قيام هذه الهيئات بإشراف فعلي مؤثر.
3- اتخاذ التدابير اللازمة لزيادة القوة التنافسية الدولية للقطاع.
4- تشجيع نظام التأمين الخاص لحماية الإمكانات والموارد التي تمتلكها الوحدات الاقتصادية في تركيا، لتوفير الموارد المالية التي يحتاجها الاقتصاد، بالإضافة إلى القيام بتطوير ونشر ثقافة التأمين في مجال إنتاج السلع والخدمات والأنشطة المهنية من أجل رفع مستوى جودة الإنتاج والخدمات وتطوير حقوق المسؤولية في تركيا.
5- تعديل نظام تأمين ودائع الادخار بما يتلاءم مع معايير الاتحاد الأوروبي.
6- التزام الشفافية والواقعية فيما يتعلق بالبيانات المالية التي تقدمها المؤسسات المالية، وتوسيع دائرة عرضها على الرأي العام.
تأمين تقييم المؤسسات المالية من قبل وكالات التصنيف الائتماني:
وقد كانت أسواق الرساميل تلعب دورا فعالا في توسيع قاعدة رأس المال وتمويل الاستثمارات بتكلفة مناسبة، كما أن لها مكانة بارزة في تحقيق هدف النمو الاقتصادي المستمر، والقابل للاستدامة وفي زيادة القوة التنافسية الدولية، فإن حزب العدالة والتنمية عمل على تشجيع المؤسسات الاستثمارية على دخول السوق بهدف تعميق وتفعيل أسواق المال، تطوير هياكل أسواق المال وأساليب عملها، الارتقاء ببورصة إسطنبول للأوراق المالية إلى مصاف البورصات العالمية، تشجيع وتطوير أشكال التمويل مثل الشراكة الاستثمارية والعقارية وشركات رأس المال الاستثماري، تطبيق العقوبات اللازمة التي من شأنها منع كل أنواع المعاملات القائمة على معلومات مسربة من الداخل في أسواق الأوراق المالية، حماية حقوق صغار المساهمين في أسواق الأوراق المالية وأخيرا دعم أسواق البيع الآجل من أجل زيادة القدرة على التبوء والحد من تأثير التذبذبات في أسواق المال على الاقتصاد. ()
أهم الإنجازات الاقتصادية لحكومة العدالة والتنمية
عملت حكومة العدالة والتنمية على تحقيق مجموعة من الأهداف المهمة لتشجيع المؤسسات الاستثمارية على دخول السوق من أجل تعميق وتفعيل أسواق المال وكذلك لتتمكن تطوير هياكل أسواق المال وأساليب عملها وذلك من خلال تحقيق عدة إصلاحات على الصعيد التالي.
استطاعت الحكومة تحقيق تضاعف كبير في احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة، كما أن عجلات الاقتصاد لم تتوقف أبدا: في الفترة بين (۱۹۹۳ – ۲۰۰۲م) كان معدل النمو الاقتصادي التركي هو ٪۳، ۱، أما في الفترة من (۲۰۰۳) إلى ۲۰۱۰م) فقد حققت حكومة العدالة والتنمية نموا اقتصاديا بمعدل ٤,٩، تمكنت من توفير مناخ لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وخلال هذه الفترة، كسب الاقتصاد استقرارا كبيرا مع حملات التنمية، قامت الحكومة بتعديل الحد الأدنى للأجور للمتقاعدين وكذلك قامت بتخفيض الفوائد المصرفية إذ كان معدلا ال ٤٤ للفوائد المصرفية لليوم الواحد المحدد من قبل البنك المركزي في عام ٢٠٠٢م فخفضتها الحكومة حتى عام ٢٠١٠م إلى ١,٥٠، قامت الدولة بتحقيق أضخم حملة خصخصة حصلت الدولة على ٨ مليارات دولار من خصخصة المنشآت العامة غير المجدية اقتصاديا، وقامت بتحقيق تقليص كبير في الديون العامة فقد كان حجم الديون العامة، استطاعت بفضل مجموعة من الإجراءات أن تنقذ المصارف الحكومية من سيل الخسائر المتواصلة على الربح واستطاعت مواجهة الأزمات المالية إذ نجحت حكومة العدالة والتنمية في مواجهة أزمة ۲۰۰۱، إذ بلغت خسائر المصرف الزراعي وحده ۱۲,۱ مليار ليرة، أما خلال السنين السبعة الأخيرة، فقد ساهمت الزراعة في خزينة الدولة بـ ١٨,٣ مليار ليرة.()
كما أعلنت الحكومة تحقيقها ربحاً إجمالياً في عام ٢٠١٠م بلغ ٣ ملیار و ٧١٣ مليون ليرة تركية ،وغيرها من الانجازات التي تتعلق بتخفيض نسبة البطالة ورقع حجم العمالة من الشباب وحق التمتع بالعقد الإجتماعي للموظفين وإصدار عفوا عن ديون الضمان الاجتماعي وهي بذلك كانت تعد بمثابة عوناً لمواطنيها.()
ثانياّ: السياسة الخارجية التركية في عهد العدالة والتنمية:
عندما وصلت حكومة العدالة والتنمية إلى الحكم عام ۲۰۰۲م، ظهرت سياسة خارجية لتركيا تتميز بأنها تواكب الانفتاح والمصالحة الداخلية، وتنامت مع النمو الاقتصادي، وبالأخص في توسيع دائرة الصادرات الاقتصادية لدول الجوار والعالم أجمع وهو ما يختلف عما كانت عليه تلك السياسة من قبل سواء حال البدايات الأولى للجمهورية أو حتى على مدار فترات مختلفة من الوقت فقد كانت السياسة الخارجية لتركيا في بداية الجمهورية ترتكز على مقولة: إسلام في الداخل، وسلام في الخارج، وقد فسر ذلك على أنه سياسة انطواء على النفس وعدم الاهتمام بالشؤون الخارجية؛ لأن متطلبات الاهتمام بالداخل كانت أكبر من الخارج، وبعد أن تسلم عصمت إينونو الرئاسة، ظهرت سياسة تقول: الغرب أولا ودائما، وقد شجعت مرحلة الانفتاح الداخلي على التعددية الحزبية والسياسية عام ١٩٤٥م الحكومات التركية على أن يكون لبرامج أحزابها وسياسات حكوماتها اتصالات خارجية واسعة، وبالأخص عند نشوب الحرب العالمية الثانية، وما أعقبها من سياسة التحالفات العسكرية والسياسية، حيث لم تجد تركيا بحكم موقعها الجيوسياسي إلا الانضواء لأحد المعسكرين أثناء الحرب الباردة.()
فبعد الحرب الباردة ظهر بشكل كبير تأثير انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو في تغيير السياسة الخارجية لتركيا؛ لأنها وبرغم تمسكها بالانضمام الكامل للاتحاد الأوروبي، إلا أنها لم تعد تجد نفس الترحيب والتأييد والدعم السابق لتقاربها مع الاتحاد الأوروبي ولا التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وبالأخص إن الولايات المتحدة ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي أخطأت في اختيار العدو البديل عندما اختارت الإسلام عدوا بديلا عن الشيوعية، واستمرت حالة التوتر في علاقاتها مع تركيا حتى وقت متقدم، ولكن كان مجيء حزب العدالة والتنمية للحكم بمثابة طفرة في تاريخ السياسة الخارجية التركية وذلك لأن الحزب كان له وجهته الخاصة في تحديد مفهوم الدولة المركزية وذلك كما عرفه أحمد داود أوغلو وذلك من خلال أربعة عناصر أساسية وهم العمق الجغرافي والاستمرارية التاريخية والتأثير الثقافي المتبادل وكذلك الترابط الاقتصادي المتبادل فوفقا لهذه النظرة حول حزب العدالة والتنمية صداقة التحالف التي كانت موجودة إلى شراكة استراتيجية، وأصبحت تركيا بذلك بلد نموذجي يحتذى به بعد أن كانت بلد يقلد الآخرين. ()
معالم السياسة الخارجية التركية:
أدى تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا إلى إعادة تنظيم وتشكيل علاقة تركيا مع مراكز القوى، على نحو يحمل الكثير من البدائل ويتصف بالمرونة ويستهدف محاور عدة؛ إذ اتبعت تركيا سياسة خارجية واقعية خالية من الأحكام المسبقة والهواجس وقائمة على أساس تبادل المصالح، واحترام وحدة وسيادة أراضيها، وأيضا احترام وحدة وسيادة أراضي الدول الأخرى، كما أعادت الحكومة التركية تحديد أولويات السياسة الخارجية للدولة في مواجهة الحقائق الإقليمية والدولية المتغيرة، بقصد إيجاد توازن جديد فيما بين هذه الحقائق والمصالح الوطنية ، وقد استهدفت الحكومة التركية في هذا الصدد، مواءمة السياسة الخارجية لتركيا مع الظروف الراهنة الإقليمية والدولية التي تستند على ديناميات جديدة، وفق منظور طويل الأجل، وقد تجاوزت الحكومة منطق احتكار البيروقراطية الإدارية تدبير ملف الخارجية وانفتحت على الدبلوماسية الموازية من خلال إسهامات البرلمان وقطاعات المجتمع المختلفة في اتخاذ هذا النوع من القرارات واعتبرت أن هذا النوع من الدبلوماسية، بالإضافة إلى الدبلوماسية الرسمية يزيد من قوة تركيا وفاعليتها في السياسة الخارجية.()
مما لا شك فيه أيضاً أن القيام بجهود استراتيجية في العلاقات الدولية وتحليل السيناريوهات المتوقعة وعمل الإسقاطات المستقبلية، أمر بالغ الأهمية في تطوير أدوات السياسة الخارجية ولهذا وضعت الحكومة التركية مهمة التعاون مع الجهات الناشطة في مجال السياسة الخارجية داخل المؤسسات العامة، مثل المراكز البحثية ومعاهد السياسة الخارجية وأقسام العلاقات الدولية بالجامعات، في رأس جدول أولوياتها وذلك لضمان تحسين جودة تلك السياسة من كافة الجهات وباستخدام كافة الادوات.()
وكانت هناك مجموعة من السياسات التي وضعتها تركيا على رأس جدول أولوياتها من أجل تشكيل سياسة خارجية مستقرة تسمح بالاستقرار في الدولة نفسها وأهم هذه السياسات هي: أن تمثل تركيا عنصر استقرار في المنطقة بديمقراطيتها واقتصادها وموقفها المحترم لحقوق الإنسان، وبخصائصها هذه، ستبادر أكثر لحل الأزمات التي تعاني منها المناطق المجاورة، وذلك للانطلاق من مبدأ وجود البيئة الإقليمية الآمنة يسهم إسهاما مهما في التنمية الاقتصادية، ولهذا السبب، تبذل تركيا الكثير من الجهود من أجل إقامة الأمن والاستقرار في محيطها القريب، كما تعمل على تطوير جهودها الرامية إلى استمرار العلاقات الطيبة القائمة على الحوار مع جيرانها ودعم التعاون الإقليمي، حيث إن لتركيا علاقات جغرافية وتاريخية وثيقة مع أوروبا، ولذا ستبقى علاقاتها مع الدول الأوروبية في المراتب الأولى في جدول أعمال سياساتها الخارجية وعلى أساسه ستسعى تركيا في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بتحقيق التزاماتها وتنفيذ الشروط التي يطلبها الاتحاد من الدول الأخرى أيضا للانضمام إليه في أسرع وقت ممكن، ناهيك عن استمرار التعاون السياسي والاقتصادي بين تركيا والدول الصديقة والحليفة، وتكثيف هذا التعاون خاصة في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والاستثمار والتجارة، ومواصلة التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تغلب عليه الصفة الدفاعية وتعميم هذا التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا مواصلة علاقات الصداقة مع الاتحاد الفيدرالي الروسي وآسيا الوسطى والقوقاز على أساس من التعاون بعيدا عن المنافسة وأيضا مواصلة الجهود الرامية إلى تطوير سياسة ذات محور أوروآسيوي إلى جانب البعدين التقليديين الأوروبي والأطلسي للسياسة الخارجية التركية، وفي هذا الصدد، تقوم الحكومة التركية ببذل الجهد من أجل تعزيز التعاون في إطار منظمة التعاون الاقتصادي.()
المبحث الثالث: التحول في العلاقات التركية الروسية
أولا: الخلفية التاريخية للعلاقات بين البلدين منذ البداية وحتى الحرب العالمية الثانية:
إن العلاقات التركية الروسية على مدار أربعة قرون ماضيه كانت تشهد مثالا بارزا على العداء وسجلا حافلا بالدماء، وذلك عن طريق تاريخ ١٧ حربا خاصتهم الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية، فقد كانت العلاقة تتسم بالتوتر الشديد والنزاعات والعداء الكبير الذي غالبا ما كان قائما بسبب الصراع على النفوس والذي ساعد على تعميقه بهذا الشكل هو الجوار الجغرافي للدولتين ناهيك عن التاريخ والثقافة والسياسة لكلا الدولتين إذ إن روسيا كان يراودها حلم استعادة أمجاد الماضي البيزنطي فلم تكن لتنسى أن العثمانيين هم من انتزعوا القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية“ روما الثانية ”في العام 1453 لذلك كان عداءهم لتركيا العثمانية تحركه أطماع إمبراطورية وتغذيه نوازع دينية إلى أن ورثت كلا من روسيا الاتحادية والجمهورية التركية العلاقات التاريخية بخلافاتها وتقارباتها على حد سواء، ولكن شهدت علاقة تركيا بروسيا نوعا من الاستقرار مع نهاية الحرب العالمية الأولى وقيام نظام جديد في روسيا عقب الثورة البلشفية ونهاية الخلافة العثمانية وقيام الجمهورية التركية في تركيا بزعامة مصطفى كمال أتاتورك، وإن عادت العلاقات متوترة خلال الحرب العالمية الثانية، بسبب ما رأت روسيا فيه تقاربا تركيا اقتصاديا سياسيا مع ألمانيا النازية. ()
بعد الحرب الباردة:
منذ نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي عام ۱۹۹۱، أصبح التحول في طبيعة العلاقات التركية الروسية أمرا لا مفر منه، إذ جاء هذا الإعلان بعد ظهور النظام العالمي الجديد الذي عدا بأنه واحد من المحددات الرئيسية المؤثرة على العلاقات بين القوى الكبرى والدول الصغرى، إذ إن حرية الحركة التي تتمتع بها الدواء الصغرى تتوقف على هيكل النظام الدولي، ويمتد هذا التأثير إلى العلاقة بين القوى والأطراف السياسية داخل تلك الدول، تحديدا منذ المدة الواقعة بين عامي ۱۹۹۱ و ۲۰۰۲، أسست العلاقات التركية الروسية، بمزيج من التوتر وعدم الثقة في مجالات مختلفة بينهما، ولا سيما بعد قيام تركيا، التي كانت في مقدمة الدول التي اعترفت بروسيا الاتحادية كوارث للاتحاد السوفيتي، على اعتبار أن الاعتراف صدر يوم تفكك هذا الاتحاد في ٢٤ كانون الأول ۱۹۹۱، كخطوة ضرورية لبدء علاقاتهما الرسمية، ففي العام ۱۹۹۲، وقع رئيسا الدولتين معاهدة ((مبادئ العلاقات بين جمهورية تركيا والاتحاد السوفيتي)) وبنفس الوقت أدى هذا التفكك إلى ظهور ست جمهوريات إسلامية في منطقة أسيا الوسطى أذربيجان و أوزبكستان ،غیزستان كازاخستان تركمانستان طاجاكستان كان الغالبية من سكان هذه الجمهوريات تعتنق الدين الإسلامي، وتنحدر من أصول تركية، الأمر الذي يعني من وجهة نظر تركية – إمكانية إقامة عالم تركي تكون تركيا نواته ومركز القيادة فيه.()
بات الاتحاد السوفيتي مجزأ وهذا ما جرأ تركيا ومكنها من التحرر من خوفها من روسيا وبالتالي انعكس ذلك على السياسة الخارجية التركية، هذه التغييرات في السياسة الخارجية التركية تزامنت مع وصول التيار الاسلامي إلى السلطة ودخوله إلى الواجهة السياسية التركية على حساب القوى السياسية المحسوبة على التيار العلماني الذي قاد تركيا منذ كمال اتاتورك وبعد توقيع معاهدة مبادئ العلاقات بين جمهوريات تركيا والاتحاد الروسي اعتبرت المعاهدة الأساس لمرحلة جديدة من العلاقات التركية – الروسية، والمبادئ التي تشكل أساساً لها بين الدولتين، إذ خدمت هذه المعاهدة الدولتين لأنها شكلت أساساً قانونياً للعلاقات الثنائية بين الدولتين، وسعت لإعداد وترتيب أسس استراتيجية لاستمرار تحسن هذه العلاقات وقد شهدت العلاقات السياسية منذ مطلع ۱۹۹۲ بعض التوتر، نظراً لموقف تركيا المزيد والمؤازر لأذربيجان في نزاعها مع أرمينيا بخصوص إقليم ناغورتو قرباغ من جهته، وسماح روسيا لحزب العمال الكردستاني التركي في عقد ثلاث مؤتمرات كردية خلال عامين، وافتتاح مركز ثقافي كردي في موسكو عام ١٩٩٤().
ثانياً: حزب العدالة والتنمية نقطة التحول في تاريخ تلك العلاقة:
على الرغم من أن تحسن العلاقات التركية الروسية قد بدأ بشكل تدريجي بعد الحرب الباردة إلا أن تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا كان هو نقطة التحول الأهم على الإطلاق في تاريخ تلك العلاقة إذ ظهر التأثير الواضح لقيادة الحزب على سياسات تركيا تجاه روسيا وذلك التأكيد الصارخ على دور الحزب ينبع من أنه على الرغم من رغبة الطرفين في تحسين علاقاتهما، فإن التطورات في العلاقات التركية الروسية أصبح لها مضامين مهمة لتوازن القوى الإقليمي ولسياسة تركيا الخارجية في المنطقة أيضا القوقاز وأسا الوسطى، وبانتهاء الحرب الباردة التي كانت تمثل رهينة التنافس الدولي، أصبحت العلاقات مهمة لكلا الدولتين في المحيط الإقليمي، كما أصبحت روسيا أكثر الدول أهمية في القوقاز وآسيا الوسطى، سواء كانت شريكا أو منافسا لتركيا ومع ذلك إلا أن لروسيا كانت لديها عوائق داخلية وخارجية تمثلت في حملها عبء الاتحاد السوفيتي السابق في المجالين الاقتصادي والسياسي.()
ولهذا نجد روسيا في السنوات الخمس الأولى من تأسيسها اضطرابا سياسيا وأزمة أيديولوجية، أما العائق الآخر الذي كان أمام روسيا أيضا هو مواجهنا لمطالب الشيشان الانفصالية التي عدتها خطرا على وحدة أراضيها الإقليمية وفضلا عن ذلك مسألة النزاع الطويل الأمد بين الدولتين بشأن استخدام مضيق البسفور الذي يربط البحر الأسود بالبحر المتوسط، ولا سيما بعد رفض تركيا شكوى روسيا من انتهاكها القانون الدولي من خلال إبقاء السفن الروسية في حالة انتظار أثناء محاولتها عبور ذلك المضيق، إذ أشارت الحكومة التركية نفسها إلى أن القانون الخاص باستخدام تلك البسفور، فكانت تلك العقبات تفتح الباب أمام المناقشات والمناورات بين الدولتين مرة أخرى ولكن على الرغم من ذلك نجد الأمر قد جاء عكس ما تم توقعه، فما أن تولى بوتين منصب رئاسة الدولة في عام 2000 ومن بعده بحوالي عامين صعد حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان للحكم حتى شهدت العلاقات السياسية بينهما تطورا نوعيا من خلال السياسة المرنة التي انتهجتها روسيا تجاه تركيا والعكس صحيح والتي كان الهدف منها هو تجاوز الخلافات وتكثيف التعاون بينهم في جميع المجالات.()
الخلاصة:
إن شخصية حزب العدالة والتنمية والسياسة الخاصة التي تميزه عن غيره من القيادات السياسية في تركيا كان لها تأثيرها الخاص فيما يتعلق على نحو أخص بالسياسة الخارجية للدولة وذلك من خلال تبنيه مجموعة كبيرة من السياسات التي جعلت من تركيا دولة مقبولة بالنسبة لدول الجوار الإقليمي وكذلك دول الاتحاد الأوروبي وصولا بالأمر إلى روسيا التي شهدت علاقتها مع تركيا طفرة كبيرة منذ وصول ذلك الحزب للحكم فكان التأثير ليس فقط على المستوى السياسي وإنما انتهجت كلتا الدولتين سياسة خارجية مرنه تجاه بعضهم البعض في كافة المجالات ولكن أهمها كانت المجالات الاقتصادية والسياسية وهو ما نحن بصدد الحديث عنه في الفصل التالي.
الفصل الثاني: اثر وصول حزب العدالة والتنمية للحكم على العلاقات التركية الروسية
- المبحث الأول: تأثير الحزب على العلاقات السياسية
- المبحث الثاني: تأثير الحزب على العلاقات الاقتصادية
المبحث الأول اثر الحزب على العلاقات السياسية
تمهيد:
إن العلاقات الدولية تحوي أبعادا واسعة ورغم صعوبة دراسة كل بعد بمفرده مستقلا عن أقرانه، فالميل العام للعلاقات بين الدول يجب أن يؤخذ في الاعتبار من الناحية الاقتصادية والسياسية والأمنية. تقوم العلاقات الروسية التركية تاريخيا علي أساس التنافس عموما إلا أن مجرى هذه العلاقات أخذ أبعادا مختلفة عقب انهيار الإمبراطورتين العثمانية والروسية في بداية القرن العشرين.()
أنفا عن الإرث التاريخي بين تركيا وروسيا وإعمالا لمبدأ لا ثوابت في العلاقات الدولية سوى المصالح، حيث تسارعت العلاقات بين تركيا وروسيا فالتوافق بينهم أن كليهما يقفان في علاقة معقدة مع الغرب حيث لا قبول تام ولا عداء تام حيث الأفكار الأيدلوجية والسياسية تقابلها مصالح سياسية وأمنية، وعلي غير المعتاد عليه بين الدولتين كانت بداية القرن الحادي والعشرين بمثابة صاروخ منطلق بمزيد من المفارقات للدولتين راسما طريق العلاقات بينهم الذي كان يشوبه العديد من موجات المد والجزر حيث كان اتفاقنا من بداية الحديث على عدم سيريان مجرى الأمور بينهما على وتيرة واحدة بل شهدت العلاقات العديد من الثوابت والمتغيرات والتوترات التي كانت ترسما لنا في النهاية ملامح العلاقات التركية الروسية.()
وشهدت العلاقات بين البلدين مسارها من الثابت والمتغير علي مدار السنوات حيث تصاعدت الزيارات من جانب أي من البلدين في بعض الأحيان وقابلها أيضا بعض القضايا والأوقات التي كانت محل خلاف ومصدر توتر للعلاقات بينهم وهذا علي الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي دون اقتصار الحديث علي جانب واحد فقط وكان بداية الحديث عن الجانب السياسي واللقاءات الدبلوماسية التي عكست الاتفاقيات والبروتوكولات وفيما يتعلق بالأمن العسكري، وأيضا أفصح العديد منها عن العلاقات الاقتصادية وانعكس التقارب الدبلوماسي بين الدولتين على علاقاتهما الاقتصادية فارتفع مستوى التبادل التجاري بينهما ليصل إلى ٥,٠٣١ مليار دولار عام ٢٠٠٢ ليصل إلى ١٠,٨٦٠ لعام ٢٠٠٤، بالإضافة إلى قطاع الغار الهام في الحديث عنه والتي تعتمد تركيا بشكل كبير على الغاز الطبيعي الروسي لتصل إلى ٢٢,١٧٤ مليار دولار ونلاحظ أن هناك عجزا تجاريا بينهم قد تكون أسبابه هي زيارة استهلاك الغاز الروسي من قبل تركيا.()
وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتؤدي حتما بالسلب على المستورد التركي، أيضا الأزمة الاقتصادية التي شهدتها روسيا التي من شأنها أن خفضت قيمة العملة الروسية بحوالي ٧٥٪ وخفض المستوردات الروسية من تركيا واتباع روسيا سياسة بديلة ألا وهي سياسة الإحلال.
وعليه فجاءت العلاقات السياسية والاقتصادية بما تحويهما نطاق أي من العلاقات- الأمن العسكري اللقاءات الدبلوماسية، الغاز، التجارة، الاستثمار، الطاقة، على نحو من التعاون والعلاقات الطيبة في الغالب مع تواترت واختلال في بعض الأحيان وهذا ما سوف نشهده فيما يلي:
أولا اللقاءات الدبلوماسية:
تمثلت نقطة البداية في مشروع الرئيس فلاديمير بوتين حول استعادة قوة روسيا الاقتصادية والنفوذ الخارجي لها مع مشروع إحياء المكانة الإقليمية والدولية لتركيا من جانب حزب العدالة والتنمية. وبناء علي تولي حزب العدالة والتنمية من البداية حيث كان يتعين على تركيا من أجل توافر سياسة خارجية فعالة أن تلتزم بالمبادئ الست المقرة: مبدأ التوازن السليم بين الحرية والأمن؛ مبدأ تصفير المشكلات دول الجوار (أي صفر مشكلات)؛ مبدأ التأثير في الأقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار؛ مبدأ السياسة الخارجية المتعددة الأبعاد، وهو يرتكز على حقيقة أن العلاقات بين الدول ليست بديلة بعضها من بعض، بل هي مع متكاملة بينهم وهذا مبدأ يضع علاقات تركيا الاستراتيجية بالولايات المتحدة الأميركية في إطار ارتباطها بحلف الناتو، وتحت مفهوم العلاقات الثنائية، كما يضع جهد تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسياستها مع روسيا وأوراسيا على الوتيرة نفسها من التزامن، باعتبارها علاقات تجري في إطار متكامل، وليست متضادة أو بديلة بعضها من بعض مبدأ الدبلوماسية المتناغمة؛ مبدأ أسلوب دبلوماسي جديد.()
من جانب روسيا شكلت فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الأهداف الداخلية لدى روسيا حيث المتبقي من روسيا أنها لديها قدر كبير من الاستقلال الاستراتيجي والمكانة الدولية- والقوة النووية أحد تشكيلات التوازن الدولي- التابعة لها لكونها في مجلس الأمن، إلا أنها تسعى إلي استرجاع مكانتها الدولية التي تحتم عليها الحفاظ على الوضع القائم وإقامة العديد من العلاقات مع الدول الإقليمية والشراكات الاستراتيجية وهذا هو ما أبرمته فعليا روسيا من أجل تحقيق أهدافها، تعويضا عما فقدته من أراض وموارد وتلاشي أجزاء عديدة من سيطرتها، وبالتأكيد كانت تركيا هي محط النظر لروسيا لما تتمتع به من دور هام على المستوى السياسية ومكانة متقدمة اقتصاديا، ومدخلا متوسطا للغرب والشرق الأوسط جغرافيا وبالتالي كانت تركيا لروسيا هدفا مهما يعمل علي فاعلية مكانتها الدولية فأخذت طريق التعاون والعلاقات الثنائية معها، ولكن تركيا أيضا كان لها نظره حيث إنها كما ذكرت الباحثة هدفها هو إحياء المكانة الإقليمية والدولية فكانت ترى أنها دولة مركزية لها موقع استراتيجي في القارة أفرو- أوراسيا فليس من الطبيعي أن تقتصر على النطاق الإقليمي فقط بل يهيأ لها النفاذ نحو النطاق الدولي والمساهمة في وضع السياسات الدولية وهذا وضعها على ساحة التواجد الاقتصادي والسياسي شرقا وغربا وتشكيل العديد من الشراكات مع مختلف القوي إقليميا ودوليا حتى وإن كان الإرث التاريخي بينهم عداء وكان منها بالتأكيد روسيا من هنا تلاقت العلاقات.()
كل ما نريد ذكره هنا في أن تواتر العلاقات السياسية بين كلاً من تركيا وروسيا كان حول سلوك روسيا المُتَبع نحو حزب العمال الكردستاني ويلاقيها سلوك تركيا نحو المسألة الشيشانية فكان كلاً منهما يتبع سلوك ما يشكل خطر علي ساحة الدولة الأخرى منهم وعلي هذا الأساس أتُبع طريق التنافس والعداء الذي خلق الأسباب المُظلمة نحو تباعد للطرفين، وبالتالي نري أن هناك تلاقي بين استراتيجية الرئيس الروسي بوتين منذ تولي الرئاسة: محاولة استرجاع روسيا القوة الاقتصادية لديها والمكانة العالمية القوية علي الساحة الدولية مع استراتيجية حزب العدالة والتنمية التي تدور حول إحياء المكانة الدولية والإقليمية لتركيا.()
أصبحت العلاقات تدور في نطاق الإيجاب حيث أقر بوتين عن مدي الارتباط والتوافق بين البلدين نحو العمل على تطوير التعاون الاقتصادي والسياسي وشملت التعاون داخل مجالات مختلفة الدفاع والأمن، الطاقة الاقتصاد منطقة البحر الأسود، مكافحة الإرهاب ونقل الطاقة من خلال مضائق تركيا والقضايا الإقليمية مع تركيز على قضايا قبرص والقوقاز والشرق الأوسط. وأبدت روسيا رغبتها المتزايدة في الاستثمار في تركيا، كما عرضت عليها مشروع تصنيع جزئي لطائرات الهليكوبتر فيها ثم إعادة تصدير ذلك المنتج. وأيضاً عبرت تركيا عن اهتمامها بشراء المنتجات العسكرية الروسية. بينهم فيما يؤكده التصريحات والأقوال منهم حيث علي سبيل المثال ” تركيا هي شريكنا منذ وقت طويل، وعلاقتنا قد تنامت بشكل مكثف جدا في الآونة الأخيرة وأتوقع أن يتم الحفاظ على أفضل التقاليد في العلاقات بين البلدين” وهذا ما يؤكد قلب ما مضي وفتح طريق جديد يغمره التعاون وتملئه المصالح المدنسة وتعكسه السياسات الخارجية لكلاً منهما
وبناءاً علي ذلك أصبح تبادل الزيارات بين البلدين من أكثر الأشياء اعتياداً بينهم وكانت البداية تتمثل في زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الي تركيا عام ٢٠٠٤ التي كانت هي أول زيارة منذ عقود – ثلاثة عقود – من رئيس روسي إلي دولة عربية منذ الحرب الباردة ومُلئت الزيارة بجهود كبيرة آجلاً في تطوير العلاقات الثنائية بينهم واعتبرت الزيارة دليلاً على الرغبة في إقامة علاقات طيبة ومشاورات في القضايا الثنائية منها التعاون السياسي والاقتصادي والأمن و الإرهاب والشؤون القنصلية والثقافية بالإضافة إلى المشكلات الدولية والإقليمية، وقد شملت الزيارة مجمل العلاقات الثنائية نحو تعميق سبل الشراكة والتعاون المُتشَعِب الأبعاد ومناقشة العديد من القضايا -حزب العمال الكردستاني والمسألة الشيشانية في روسيا الاتحادية، إنشاء خطوط الأنابيب، والشراكة في أسيا وانعكاساتها على تركيا-التي من شأنها أن تُعمق وترسم لنا خطوط العلاقات والروابط بينهم.()
كانت هذه الزيارة الروسية هي منبع الاعلان المشترك نحو تعميق الصداقة والشراكة المتعددة الأبعاد بين تركيا وروسيا الاتحادية وأنها تتجلي في تبني نطاق التفاهم الواسع بين الدولتين الذي يُعزز العلاقات ويُسهم في تحقيق المصالح والأمن والاستقرار والعديد من الاتفاقيات المتعددة حقاً بداخل الزيارة والاتفاقيات النابعة عنها وكان الاعلان بمثابة إفصاح عن أهمية التعاون عسكرياً وتقنياً وصناعياً وهذا الذي جعل الدولتين يوقعان برنامج التعاون الذي يضم التعليم والعلوم الثقافية والشباب والرياضة- وهو ما سوف نوضحه أسفل- ضمناً لما يوكده كلا الدولتين من أجل تطوير العلاقات السياسية والثقافية وصاحب هذه الزيارة جانب من العلاقات الشخصية للرئيسين أسهمت أيضاً في تشكيل الصداقة والتقارب بينهم.()
ورداً على تلك الزيارة وكما ذكرت أن الزيارات أصبحت متبادلة بينهم قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بزيارة إلى روسيا عام ٢٠٠٥ وكانت درجة جديدة من درجات سُلَم التعاون والثنائية التركية الروسية، واعتبرت هذه الزيارة أول خطوة ملموسة بناء مستقبل من العلاقات التجارية الثنائية حيث تم الاتفاق على حجم التجارة بين البلدين، وأيضاً مناقشة قضية قبرص مع لقاءاته بأكبر المسئولين حيث صُرح أن” العزلة المفروضة على قبرص الشمالية غير عادلة “.
وتصاعدات الزيارات خلال العامين لتصل إلي ست زيارات دبلوماسية من والي الدولتين وهذا وإن كان يدل فهو يُبرهن علي القفزة النوعية التي شهدتها عما سبقها من تنافس وخلافات عميقة بينهم.()
واستكمالا لأهم الزيارات كانت زيارة وزير الثقافة الروسي حيث كان عام ٢٠٠٧ هو عام الثقافة الروسية في تركيا وعام ٢٠٠٨ هو الثقافة التركية في روسيا، وكانت تلك الزيارة الثقافية بمثابة خطوة دالة علي تقدم البلدين علي طريق التجديد التحديث ونحو محو الصورة المغروسة بين شعب كل منهما منذ القدم حيث تلاقت أنشطة بين البلدين تحقق الفاعليات بينهم وتقيم حلقات تعارفا بين شعب كل منهم: الحفلات الموسيقية، عروض الرقص الحديثة، ومعارض الصور الفوتوغرافية، وصولا إلى فعاليات تذوق الأكل، وأيضا تعمل تلك الزيارة على زيادة مكانه ونفوذ كلتا الدولتين في العالم وصولا إلى العديد الزيارات التي تمت عام ٢٠٠٩ التي كانت تأخذ نطاق الزيارة على مستوى رؤساء سواء رؤساء الدولة أو الجمهورية التي أفضت عن تشكيل مجلس التعاون في العالم التالي لتلك الزيارات بالإضافة إلى قرار إلغاء التأشيرة بين الدولتين. ()
وإن كان دلالة كل هذه الزيارات هو وجود أرضية مستقرة في العلاقات السياسية التركية الروسية وليس العمل على استقرار تلك العلاقات في عام معين أو فترة ما وإنما بناء توافق يعمل على استمرارها أيضاً مع تكثيف الجهود المبذولة نحو التعاون في كافة المجالات دون الاقتصار على مجال بعينه وإبراز مدى تطور العلاقات السياسية في فترة حزب العدالة والتنمية.
ثانيا: المحيط الإقليمي:
وينغرس الآن في الأذهان أن كامل اللقاءات الدبلوماسية تدور في نطاق العلاقات الثنائية فقط دون الانغماس في شيء آخر ولكن لا بد من ذكر أن تلك اللقاءات أخذت حيزا من الحديث حول المحيط الإقليمي فكانت العلاقات الثنائية جنبا إلى جنب مع القضايا الإقليمية والدولية والتطورات التي تهم البلدين، وكان أهمية مكافحة الإرهاب يتلقى قدرا من الأهمية التي تعزز علاقتهم وتعمل علي استقرار في المنطقة وبناء عليه كانت بداية من “خطة العمل لتطوير التعاون بين الاتحاد الروسي وتركيا” تحتوي على أهمية كبيرة وتمهد لوجود علاقات وثيقة داخل القضايا الإقليمية والدولية بالإضافة إلى إعلان سيادة القانون الذي كان صارما من ناحية تكاتف العمل الجماعي آجلا في حل المشاكل الدولية والاستعداد من جانب كليهما للتصدي ومحاربة الإرهاب العالمي.
وبالفعل كانت الهجمات الإرهابية في ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ تؤدي دورا مهما يبرز تعاون كليهما- تركيا وروسيا- للاستعداد لمكافحة الإرهاب الدولي وإن في أي وقت وحين يتواجد الإرهاب سوف يتم التعاون سوياً حيث ٢٠٠٣ كان يتم عرض البدء بتقديم الدعم السياسي لتركيا في محاربة الإرهاب من جانب روسيا.()
وكان تولي حزب العدالة والتنمية لتركيا بابا جديد في علاقتها الدولية والإقليمية في أواخر ٢٠٠٢ لتبني الحزب وجود نفوذ وسياسة خارجية فعالة إقليميا ودوليا على أساس إعادة ضبط المشاكل مع الدول المجاورة. وتكثيف التعاون لإقامة شراكات استراتيجية مع هذه الدول. حيث إن استراتيجية تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية (AKP) كانت علي وجود نفوذ فعال وسياسية خارجية محددة وفعالة علي المستوى الإقليمي والدولي في إطار إصلاح المشاكل والقضايا مع كل الدول المجاورة والعمل علي وجود شراكات استراتيجية معهم. ()
وكان هدف تركيا كما ذكر نصا “هدفنا هو أن نظهر للعالم أن الدولة التي يسكنها مسلمون يمكن أن تكون أيضا ديمقراطية وشفافة وحديثة وتتعاون مع العالم” وذلك لكون الجذور الإسلامية لحزب العدالة والتنمية كانت تنبع في منتصف التسعينيات كانت أولئك القادة ممن يؤيدون المسلحين الشيشان ونتيجة لذلك كان مصدر القلق الرئيسي لروسيا ينغرس بداخلها أن وجود حكومة إسلامية حتى وإن كانت تسير في إطار الاعتدال ولكن منذ رئيس الوزراء أحمد رجب أوغلو وصولا إلي رجب طيب اردوغان التي تلقى عام ٢٠٠٢ كانت روسيا مطمئنة نوعا ما حيث كلاهما كانوا يقران بالهدف المذكور أعلي بالإضافة إلى اللقاءات الدبلوماسية التي ذكرتها الباحثة التي تعمق كثافة العلاقات السياسية بينهم.
واستكمال الزيارات المتبادلة التي يصاحبها تطورات في العلاقات الثنائية والتي ينتج عنها في بعض الأحيان إبرام عده اتفاقيات وتشكيل عدة بروتوكولات: كانت زيارة وزير خارجية تركيا التركي عبد الله جول نحو روسيا لوزير الخارجية لديها إيغور إيفانوف وتم إبرام أربعة بروتوكولات حول أكثر من قضية منهم الأهمية الكبرى نحو مكافحة الإرهاب آجلا في الاستقرار في المنطقة بالإضافة إلى التعاون سويا في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز التي يطغي جانبا من الاستقرار الإقليمي، وفي هذا الإطار تم توقيع العديد من الاتفاقيات بينهم منها:
الإعلان المشترك حول تعزيز الصداقة والتعاون متعدد المستويات، اتفاقية الحماية المتبادلة للحقوق والملكية الفكرية في إطار التعاون العسكري التكنولوجي، اتفاقية الحماية المتبادلة للمعلومات السرية والمواد المنقولة في إطار التعاون العسكري التكنولوجي، اتفاقية منع الحوادث في البحار خارج منطقة البحر المتوسط المياه الإقليمية مذكرة تطوير التعاون في مجال الغاز بين جازبروم وشركة بوتاش، مذكرة التعاون بين الأكاديمية الدبلوماسية بوزارة خارجية الاتحاد الروسي ومركز البحوث الاستراتيجية بوزارة الخارجية التركية.()
كانت فترة بعد ٢٠٠٨ شهدت تواترت بشكل ما علي عكس الهدوء المتواكب في علاقاتهم ما قبل ٢٠٠٨ حيث حينها حدثت الحرب الروسية- الجورجية والتي كانت تتطلب من تركيا توضيح موقف من تلك الحرب والتي أيضا وضعتها في موضع حرج لكلا الدولتين سواء جورجيا التي تشوبها علاقات هامة لكونها جارتها من الغرب وروسيا المزود الرئيسي للغاز لها وكان موقفها متوازنا في الحرب ولتكون علي مسافة محددة من الحرب ولكن كان التحدي الأكبر لتلك العلاقات الدبلوماسية السلسة والطيبة هو سماح تركيا بدخول سفن حربية داخل البحر الأسود بسبب ضغط ممارس من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والذي جعل روسيا توجه تحذير صارم لتركيا بحتمية خروج السفن خلال ٢١يوما ومارست روسيا ضغوطا كبيرة علي تركيا في هذه المرة حيث فرضت قيودا جمركية في احتجاز ١٠آلاف شاحنة تركية عند عبور نقاط عدة مع روسيا وكان لكلا منهما اعتقاد بداخله سواء أن روسيا تري أنها تمارس القيود المتطلبة عند معاينه الشاحنات التركية، وتركيا تري أن تلك الضغوط ضد قواعد منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات الدولية الأخرى ولم يتم الصفاء إلا أن تم سحب السفن الحربية بإعلان من الناتو وعقد بروتوكول جمركي بين روسيا وتركيا نصا علي السماح للشاحنات التركية التي يتم بها مسبقا إجراءات جمركية وبالتالي تصبح مصدقة أن تدخل الأراضي الروسية دون انتظار ويتعين علي تركيا توفير بيانات هم الأسعار لروسيا.()
وبالتالي استعادت العلاقات الدبلوماسية رونقها من جديد بعد انتهاء الأزمة في زيارة من تركيا إلى روسيا وكانت أول زيارة علي مستوى رؤساء فكان رجب طيب اردوغان رئيس الجمهورية وأفضت في نتائج مهمة منها:
توقيع الإعلان المشترك من أجل مرحلة جديدة من العلاقات المتقدمة وغرس الشراكة والتعاون المتعدد الأبعاد بين تركيا وروسيا والتأكيد على مجال الطاقة الهام والاستراتيجي بين الدولتين والعمل على تنويع المشاريع المشتركة وتشجيع الاستثمارات وبالتالي يعد هذا الإعلان هو وثيقة سياسية مهمة تضع الخطوط العريضة مستقبلا في التعاون في كافة المجالات منها السياسة الخارجية والاقتصاد والتجارة والتعاون الإنساني. بالإضافة إلى كون تلك الزيارة في سياق التطور الإيجابي في العلاقات التركية – الروسية التي كان يُصعب تصورها في ظل علاقات يكتنفها التوتر
للمضي قدمًا أيضًا في تطوير العلاقات التركية – الروسية، قام رئيس الوزراء التركي اردوغان بزيارة روسيا ٢٠١٠ مصطحبًا معه وزير الخارجية أوغلو ووزير الطاقة تانر يلدز. والتقى نظيره الروسي بوتين، وتركزت المباحثات بينهما على مستويين، الأول: تطوير التعاون الاقتصادي، وخاصة في مجالي الطاقة والتبادل التجاري الثنائي والثاني: مناقشة القضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك وهذا ما سوف نناقشه بشكل من التفصيل في العلاقات الاقتصادية التركية الروسية فيما بعد.()
بالإضافة إلى زيارة رئيس روسيا ميدفيديف تركيا الزيارة التي أعقبت عن نشأة مجلس التعاون الاستراتيجي على مستوى الدولتين والذي يعمل في مجال التعاون السياسي، يقوم برسم استراتيجية تطوير العلاقات بينهما، وتنسيق تطبيق المشاريع الكبرى في مجال التعاون السياسي والتجاري والثقافي مع توقيع العديد من المذاكرات والاتفاقيات التي تسهم في النطاق الاقتصادي.
وكانت تلك اللقاءات الدبلوماسية كلها تشكل الحديث حول مضمون العلاقات السياسية وما يشوبها من صعود وهبوط إلي أن جاءت الأزمة السورية وهو ما ذكر في الفصل السابق- حديث تفصيلي عن الأزمة السورية وموقف تركيا وروسيا- فقد كانت أسوأ أزمة في تاريخ روسيا وعلي الرغم مما تدلي عليه كل اللقاءات الدبلوماسية حيث يتضح أن العلاقات أخذت مجرى معينا من الشراكة والتعاون الاقتصادي وحدود فاصلة في الخلافات السياسية إلى أن جاءت الأزمة السورية التي دحرجت العلاقة بين الدولتين إلى طريق آخر غير متوقع على عكس الشراكة السابقة، ودون التفرغ لمزيد من التفاصيل فإن تركيا هي المتضرر الأكبر وكون روسيا تتخذ قرارا استراتيجيا يقضي بوقف العلاقات مع تركيا في عدة مجالات فهذا يدل على الرغبة في إضعاف وإنهاك تركيا في المحيط الإقليمي الخاص بيه وخصوصا سوريا. ()
ثالثا: البعد الأمني والعسكري:
اتخذ البعد العسكري بداية جديدة مع تولي حزب العدالة والتنمية حيث كانت زيارة رجب طيب اردوغان إلى روسيا عام ٢٠٠٢ بداية حقيقية وإيجابية لبوتين وتعبيرا صريحا عن رضاه عن الحزب وأنه يأمل أن تأخذ العلاقات طريق التقدم والتطور على الرغم من المخاوف التي تم ذكرها أعلي ضمنت الزيارة العمل من أجل تعزير التعاون الاقتصادي والعسكري مع توسيع التعاون العسكري بشكل أكبر وقام بوتين بالفعل فعالا في تصريحاته حيث عمل على مواصلة خط أنابيب التيار الأزرق من أجل نقل الغاز من روسيا إلى تركيا تحت مياه البحر الأسود.
جاء الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ والذي شكل محور تقارب وتعاون بين الدولتين حيث كان موقف كل منهم هو معارض لما قامت بيه أمريكا وكانت حسابات تركيا الوطنية ومعارضاتها لعبور القوات الأمريكية متجها نحو شمال العراق من خلال الأراضي التركية هو علي هوي روسيا وتقبلته بصدر رحب وقامت بإصدار تصريحات تدور حول حماية السلامة الإقليمية للعراق وقامت بعقد اجتماعات تعاونية بين تركيا وروسيا. ()
تطور الشراكة العسكرية منذ ٢٠٠٤-٢٠٠٨:
كما شاهدنا أن تلك الفترة هي الفترة المنعشة والعصر الذهبي للعلاقات التركية الروسية على كافة المجالات حيث تكثيف الزيارات وتبادلها بما يجعل عاما ۲۰۰٤ أعوام هاما في تاريخ العلاقات التركية الروسية هو الانتعاش في العلاقات الثنائية نتيجة للزيارات الرسمية المتبادلة لمسؤولي البلدين هنا كان الانتعاش ملحوظا في وفرة الاتفاقيات الدبلوماسية- كما ذكرت أعلى- والاقتصادية والعسكرية كانت أهم زيارة هنا هي الرئيس فلاديمير بوتين بصحبة وزير الصناعة والطاقة ووزير الدفاع ورئيس تتارستان وعدد من رؤساء الشركات الكبرى الروسية وتداولت فيها المناقشات حول الدفاع والأمن والطاقة والاقتصاد ومنطقة البحر الأسود ومكافحة الإرهاب ونقل الطاقة عبر المضايق التركية وقضايا إقليمية أخرى منها القضية القبرصية والقوقاز والشرق الأوسط، وصرحت روسيا عن مناها الاستثمار المضاعف بتركيا واستعرضت مشروع تصنيع طائرات هليكوبتر ثم إعادة تصديره وكانت تركيا أيضا لديها رغبة في شراء المنتجات الروسية العسكرية.()
بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة عام ٢٠٠٥ التي كانت بين رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان إلى الرئيس فلاديمير بوتين وصرح عن رغبته في تفعيل التعاون العسكري بين البلدين تحت عنوان “ينبغي أن تكون هناك فرص لتوسيع تعاوننا العسكري- التقني على الصعيد الدولي وفي المنطقة”، وأيضا زيارة أخرى كانت من آجل الاحتفال بذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية.
وكانت زيارة الرئيس التركي أحمد نجدت إلي موسكو في ٢٠٠٦ دلالات علي رسمية الزيارة وأنها إضافة مهمة نحو تنمية العلاقات الثنائية وتعزير الثقة المتبادلة بين الدولتين، بالإضافة إلى زيارة وزير الدفاع بتركيا إلي روسيا بدعوة من وزير الدفاع بروسيا آجلا في مناقشة التعاون التقني العسكري المشترك بين البلدين، يليها زيارة قائد القوات الجوية في تركيا إلى موسكو الذي تقرر بداخله إنشاء خط ساخن بين قادة القوات الجوية في البلدين ونلاحظ أن هناك تكاثف الزيارات العسكرية على المستوى الرفيع وثقة متبادلة بين العسكريين فضلا عن رغبة القوات التركية وضع نفسها علي نفس موضع القوات المسلحة الروسية. وكان إنشاء الخط الساخن في الدولتين من أجل التواصل بين القادة البحريين للتصدي لأي محاولة توتر يتوقع أن تنشب في البحر الأسود وعلي أساس ذلك جاء انضمام روسيا إلى مبادرة انسجام البحر الأسود التي تتولاها تركيا لتصبح في وضع وقائي متمثل في مراقبة وتصدين وردع أي تهديد محتمل وقد قامت روسيا آجلا في نجاح تلك العملية تم إجراء تنسيق وتعاون أنظمة الاتصالات السرية بين البلدين وأن كليهما سوف يتكاتفان ضد أي تهديدات محتملة داخل البحر الأسود. ()
بالإضافة إلى توقيع الدولتين مذكرة تفاهم للفريق المعنى لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وأيضا عودة الثقة من جديد في تجارة الأسلحة الروسية مما أفضى عن التعاون في مجال شراء الأسلحة حيث قامت تركيا بإعطاء روسيا مشروعا يحوي شراء حوالي ٨٠٠ صاروخ متوسط المدى وأيضا صواريخ مضادة للدبابات بالإضافة للمحادثات السرية من جانب تركيا لشركة روسية من أجل شراء مراوح حربية عسكرية- علي طراز هالوك ميل مي ٢- لاستخدامها في قتال حزب العمال الكردستاني.
الخلاصة:
إن العلاقات في زمن ليس فيه أيدولوجيات وإنما في عالم المصالح التامة، الآن في ظل توافر قوي متنوعة أيضا حيث لا يقتصر علي قوى معينة يؤدي إلى ذوبان الأيدولوجيات تماما وتتشابك العلاقات بينهم كما ذكر. ونلاحظ أن الجانب السياسي في العلاقات لم يكن بنفس القدر من السرعة من الجانب الاقتصادي حيث كانت العلاقات بداية تفتح من البوابة الاقتصادية وكان من جانب كل منهما سواء انزعاج روسيا من الفراغ الأمني الذي نشب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أو رغبة تركيا في استرجاع مكانتها وتلاقت المصالح بين كل منهما كما ذكرت إلي أن أصبحت تركيا وروسيا بلدين يشوب علاقتهما العلاقات الحسنة والصداقة الطيبة والتعاون المتبادل كانت اللبنة الأساسية الأولى لتلك العلاقات هي الزيارة الأولى لرئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب اردوغان إلى روسيا في كانون الأول ٢٠٠٢ في عهود الحزب الأولى. وبدأت تتوسع حدود العلاقات بين الدولتين بفعل هذه الزيارات والتبادلات والاتفاقيات وغيرها من أشكال تأسيس العلاقات التركية الروسية وتوالت الزيارات واللقاءات الدبلوماسية التي عملت على تشكيل العلاقات الدبلوماسية وصدور البيان المشترك حول تعزير الشراكة والصداقة المتعددة الأبعاد بين تركيا وروسيا.()
وتم توضيح طبيعية العلاقات التي شهدت التنافس وأيضا الانسجام ولاحظت الباحثة أن تركيا كانت تتبع عدم استعمال العنف في أي مشكلة من المشاكل السياسية وكانت تعمل علي حل أي مشاكل وتعزير العلاقات بناء علي المصالح قبل أي شيء مع وقوفها بدور هام متصدية وليست عاجزة أو صامتة حيث تقع علي عاتقها المسئولية عن أي تطورات دولية أو إقليمية، ومن جانب كون الحرب السورية هي اختبار لقوة العلاقات إلا أنها أثبتت سلامة العلاقات من جانب الدول وآخر الحديث في الفترة المحددة كان هو انتهاك المجال التركي الجوي من قبل طائرة روسية عام ٢٠١٥ وتم إسقاطها من جانب تركيا وبالتالي شاب العلاقات التركية الروسية جانب من الاهتزاز والاختلال علي عكس ما شهدتها العلاقات من قبل وأدت إلى حدوث تأثيرات دولية وإقليمية.
المبحث الثاني: أثر القيادة السياسية التركية على العلاقات الاقتصادية:
تعد تركيا شريكة اقتصادية تقليدية لروسيا، وتعتبر تركيا سابع شريك تجاري لروسيا وثاني أكبر أسواق التصدير بعد ألمانيا، وتشغل تركيا المرتبة الخامسة بين الشركاء التجاريين لروسيا، وفي هذا السياق نرى أن المجال الاقتصادي هو الأسرع تطورا في العلاقات التركية الروسية منذ تفكك فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وكانت التجارة هي اللبنة الأولى والأساسية التي قامت عليها العلاقات الثنائية وتعززت منها العلاقات السياسية.()
وبالنظر للمرحلة كيان العلاقات الاقتصادية كانت هي النور الساطع والدال علي جوهر ومظهر العلاقات علي الصعيد الاقتصادي حيث علي عكس ما كان عليه ميزان العلاقات الاقتصادية كونه ضد تركيا من في ال٢٠٠٠، شهدت فترة تولي حزب العدالة والتنمية التركي تعزيز علي الجانب الاقتصادي مما جعلت روسيا هي الشريك الأهم تجاريا لتركيا فكانت حصة العلاقات التجارية الاقتصادية ٣٨ مليار دولار وذلك الحجم الأعلى تجاريا في أي تداولات تقوم بها تركيا مع أي دولة، وكان أهم عنصرا في العلاقات الثنائية هو الطاقة حيث كانت زيادة تركيا من استهلاك البترول والغاز الطبيعي وفي نفس الوقت حرمانها من تلم المصادر كان السبب وراء ارتباطها بالخارج وعلي هذا الأساس في هذا المبحث سوف نتناول العلاقات الاقتصادية التركية الروسية وما تحويه تلك العلاقات في مجال الطاقة والتجارة والاستثمار وصولا إلى دورها في السياحة.()
كانت العلاقات الثنائية من الناحية الاقتصادية أخذت مجرى جديدا طويل الأمد مع تولي بوتين مقاليد الحكم وكان بوتين يرى أن الشريك الاقتصادي التقليدي لروسيا هي تركيا وعلي عكس المتوقع فإن الأزمة الاقتصادية في تركيا ٢٠٠١ صبت في تطور وتعميق العلاقات بين البلدين لتصل إلي شراكة استراتيجية فمع تحول الأوضاع والأدوار تبنين كلا من تركيا وروسيا بداية علاقات بناء علي الترابط والشراكة الاستراتيجية. وكان الأفضل في ذلك الوقت هو استقرار وارتقاء العلاقات الاقتصادية فكان الاعتماد الاقتصادي المتبادل هو أنسب حلا بحيث أي مشكلة تحدث يمكن أن تجلب تكاليف علي الدول وأيضا تأثيرها يلاحظ في جوانب أخرى من العلاقات مثل القضايا السياسية والأمنية. ()
مرورا بالزيارات الدبلوماسية التي نوقشت في المبحث السابق فإن توالي الزيارات بين البلدين كانت العلاقات قد وصلت إلى ذروتها ٢٠٠٥ حيث ألتقي بوتين ورجب طيب اردوغان أربع مرات خلال هذا العام وتمت مناقشة موضوعات مهمة كان منها الرغبة في الاستقرار السياسي بين البلدين مع اشتراط ذلك بتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والأنشطة الاستثمارية وأن كل هذه الأنشطة تحتاج إلى ضمانات أمنية مهمة وظروف سياسية ملاءمة. كان بوتين يرغب في تطبيق الليبرالية الجديدة وليس اقتصار علي مصالح الدولة ولكن أيضا انغماس المنظمات غير الحكومية والفاعلين الدوليين مع احترام مصالح الدولة الداخلية وبناء عليه تم إتباع نهج الليبرالية الجديدة في السياسة الاقتصادية للعلاقات بين تركيا وروسيا حتى عام ٢٠٠٩ .().
تواكبا مع العلاقات التركية الروسية- طبقا للسياسات النيوليبرالية المطبقة- كان هناك ترابطا في التجارة والطاقة، قطاعي الاستثمار والسياحة وهذا ما سوف يتم تحديده في هذا المبحث:
أولا: التجارة:
كانت العلاقات التجارية في ظل السياق الاقتصادي وفقا للعلاقات بين البلدين مزدهرا للغاية حيث ألتقي الطرفين علي نهج الاعتماد المتبادل وأصبحا شريكين استراتيجيين وإقليمين ظاهرين في العديد من القضايا يحاولون تحقيق الاسترخاء الاقتصادي التجاري الذي كان غائبا منذ عقود، ووفق للاعتماد المتبادل والتبادل التجاري اللذين ذكرا فإن مستوي التصدير ارتفع في بدايات الفترة- تولي بوتين، حزب العدالة والتنمية التركي- حيث وصلت إلى ٦,٤ مليارات دولار عام ٢٠٠٨ مقارنة ب ٤,٧ مليار دولار و ٣,٢ عام ٢٠٠٦ ونلاحظ بالتأكيد ارتفاع الصادرات حوالي ٨ مرات ما كانت عليه من قبل. وعلي جانب الاستيراد من روسيا فتصاعد ووصل إلى ٣١,٣ في ٢٠٠٨ مقارنة ب ١٧,٨ مليار دولار في ٢٠٠٦.()
كانت العلاقات الثنائية بين البلدين تدل علي أن تركيا هي التي تتأثر بالأوضاع الاقتصادية في روسيا أكثر من تأثر روسيا نفسها وهذا ما يبرهن عليه الأزمة المالية عام ٢٠٠١ في تركيا حيث إنها لم تؤثر على اقتصاد روسيا في حين أنها ضربت اقتصاد تركيا بشكل كبير، ونود أن نذكر هنا الزيادة الهائلة في حجم التجارة خلال ٢٠٠٦,٢٠٠٨ حيث كانت هذه الفترة هي الانتعاش الحقيقي في العلاقات الثنائية بين البلدين لتصل إلى ٣٧ مليار دولار ٢٠٠٨ وهو ثمانية أضعاف ما كان عليه مقارنة ب٢٠٠٠. حيث ارتفاع الصادرات التركية إلى ٦,٤ مليار بينما الواردات من روسيا ٣١,٣ مليار دولار ووصول حجم التجارة بين الدولتين إلي أزيد من ٣٧ مليار دولار ٢٠٠٨ وهو ثمان أضعاف ما كان عليه مقارنة عام ٢٠٠٠، وانخفض حجم التجارة في ٢٠٠٨,٢٠٠٩ بنسبة ٦٧٪ وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت في ٢٠٠٨ وتعافت في ٢٠١٠ بزيادة تبلغ ١٦٪- ٢٦ مليار دولار-، ووصل حجم التجارة إلى ٣٠ مليار دولار في ٢٠١١ وصولا إلى عام ٢٠١٢ حيث توسعت التجارة لتصل إلى ٣٣مليار دولار.()
وأيضا على نطاق التطورات بين البلدين قامت البلدان بالاتفاق على استبدال العملة في التجارة الخارجية بينهم لتكون الليرة التركية والروبل الروسي هي المعاملات الأساسية بدلا من الدولار الأمريكي ويعد هذا التطور هو إنجاز تاريخي في العلاقات بين البلدين وأداه للارتقاء في العلاقات.
وتلعب التجارة المكوكية دورا كبيرا في نطاق العلاقات بين البلدين حيث بلغ الدخل الناجم عنها في ٢٠٠٨ كان ٦ مليارات دولار ولكن حدث تراجع في ٢٠٠٩بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية والسياسات المقيدة من الاتحاد الروسي في شئون عضوية صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية إن العلاقات التجارية الروسية التركية من أهم السبل التي تخلق التعاون والترابط بين البلدين وكانت العلاقات الاقتصادية هي المعزز الرئيسي للعلاقات بكل جوانبها وأزداد مستوي التجارة بشكل كبير عما كان عليه من قبل ١٩٩٢ وكانت التحسينات في التجارة الثنائية من أجل المصالح المشتركة والتبادل التجاري يفضي في تجنب الصراع بين البلدين وتحقيق مصالح اقتصادية ولكن لا تسير الأمور على وتيرة واحدة فأصاب العلاقات التجارية الخلل في بعض الأحيان.
ولوحظ وجود عدم وجود توازن في حجم التجارة بين البلدين وهو ما يضع تركيا في موضع الاعتماد المتبادل، ويزيد من وطأة عدم التوازن هو اعتماد تركيا الكبير على الغاز الروسي ولذلك قامت تركيا لتعويض ذلك الاختلال في التوازن بالاعتماد على الترددات الراديوية- بعد الاتحاد السوفيتي- ولكن جملة القول إن التجارة بين البلدين كانت تسود بداخلها التعاون والشراكة ومساهمتها في تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية.
ثانيا: الطاقة:
كان لاعتماد تركيا المتزايد والاتفاقيات الموقعة بين البلدين العديد من الآثار الاقتصادية والسياسية على العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا في نطاق العلاقات في الطاقة كانت تركيا هي بمثابة السوق الأهم لطاقة روسيا المتنامية وغير المحدودة وأن تركيا سوق نامية في هذا الصدد، يمكن اعتبارها سوقا مهما للغاز الطبيعي بالنسبة لروسيا. ونشبت العلاقات الجيدة بين البلدين وصاحبها العديد من الاتفاقيات الخاصة بالغاز الطبيعي ومشاريع (Blue Stream) وصاحب تداول النفط بين الدولتين خلق حجم ضخم في ٢٠٠٥، ومن ناحية أخرى فإن تواجد النفط في بحر قزوين علي أنه بديل من شأنه تقليل الاعتماد على النفط في روسيا جعل بوتين وروسيا قلقين بشأن هذه القضية. ()
ونظرا لأن تركيا لديها احتياج هام من الغاز الروسي فكانت المشاريع بشأن غاز بحر قزوين على جدول الأعمال وكانت الصفقات بين البلدين جهيرة وليس خلف الأبواب وأن البلدين سوف يتحضران في حالة حدوث خلل حيث تكلفة تركية سوف تصبح في كونها قيدا إضافيا على إمدادات الغاز الطبيعي وأيضا تكلفة روسيا تتمثل في خسارة الدخل الضخم وأيضا فقدان شريك عبور آمن لتصدير الطاقة ليس فقط إلى تركيا ولكن أيضا إلى الغرب.
ونظرا لدور تركيا الهام بعيدا عن كونها مشتريا هام للطاقة يتمثل دورها أيضا لروسيا في أنها وسيط ومورد طاقة هام لسوق الطاقة الأوربي وبالتالي كان يتوجب علي روسيا تحديد طريق اقتصادي آمنا من أجل نقل النفط الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي وبالتالي كانت روسيا بحاجة إلى أسواق لمواردها الطبيعية بالإضافة إلى رأس المال الأوروبي من أجل تحديث وتوسيع النطاق الخاص بها، وبالتالي فإن الموقع الاستراتيجي لتركيا من أجل نقل الموارد إلى الأسواق الأوروبية يضعها علي الساحة كونها لاعبا مهما في سياسات الطاقة في الشرق والغرب. وبالتالي نشب الهدف الاستراتيجي المتمثل في إنشاء جسر للطاقة يصل بين الغرب والشرق وبالتأكيد يبرز دور تركيا- الموقع الاستراتيجي- والاتحاد الروسي- الفائدة الاقتصادية- في هذا الجسر.()
ونظرا للاعتماد المذكور فإن الدولتين تحاولان مد مشروع “السيل التركي” للغاز الطبيعي بحوالي ٤ خطوط بما يعني امتداد أحد الخطوط من روسيا مباشرة إلى تركيا خلال البحر الأسود والذي من شأنه أن يقلل أسعار الغاز إلى تركيا وباقي الخطوط تعمل علي توصيل الغاز لأوروبا وتنبع استفادة تركيا في قيامها بدور الموزع للغاز وجذب أموال وإتاحة فرص عمل، وبعض الامتيازات التي حازت تركيا عليها من خلال الزيارات- على سبيل المثال زيارة بوتين عام ٢٠١٤- كانت هي انخفاض سعر متر المكعب من الغاز بنسبة ١٥٪ مع الإشارة إلى إمكانية تخفضينه أكثر لنسبة تصل إلى ١٦٪.
ومن ضمن أيضا التعاون في مجال الطاقة كان مشاركة تركيا في مناقشات “أنبوب ساوث ستريم” وهو أنبوب يمتد تحت البحر من روسيا انطلاق إلى أوروبا بمثابة حضورها الدال على تعاونها وتغرسينها للعلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى اعتماد “بوتاس”- شركة تركية- بشكل كبير يصل إلى ٦ مليارات متر مكعب من الغاز الروسي سنويا، وبالتأكيد كانت الاتفاقيات تسود العلاقات الثنائية حيث تم عقد اتفاقية تجعل تركيا ممر عبور أساسي للغاز الروسي إلي أوربا، وتوقيع “مذكرة التعاون في مجال النقل الآمن للنفط في منطقة البحر الأسود”، وإضافة إلى اتفاقية المدى البعيد لتوريد الغاز إلى تركيا حتى عام ٢٠٢١-٢٠٢٥.
كان اقتراح حزب العدالة والتنمية التركي في ٢٠٠٧ هو إنشاء مؤسسة شبيه لمنظمة البلدان التي تصدر البترول مع تركيزها علي موردي الغاز الإقليمين بين تركيا ودول آسيا الوسطى، ونظرا للاعتماد المبالغ فيه على الطاقة عالميا فكانت تركيا تحرص على تلبية الاحتياجات لديها من خلال تنويع المصادر من دون الاعتماد المطلق على روسيا فقط فعملت على التوسط في حقول الغاز والنفط في بحر قزوين وتأمل أيضا في إنشاء خط أنابيب غاز خلال بحر قزوين وهذا كله من أجله أن يصبح محورا للطاقة ومعزز لأهمية تركيا العالمية. ()
إن استراتيجيات الطاقة بين تركيا وروسيا كانت طويلة المدى وأخذت مسارا متباين بشكل متزايد وذلك لوجود تناقض بين رغبه تركيا في أن تكون الطاقة إقليمية ورغبة روسيا في تولي مقاليد السيطرة علي نقل الطاقة من الشرق الأوسط وبحر قزوين نحو أوربا، ولتوضيح العلاقة المهمة من الناحية الجغرافية هي أن الموقع الجغرافي لتركيا يشكل ممر للطاقة الطبيعية لأكثر من ٧٠٪من احتياطات الغاز الطبيعي والنفط في العالم وأيضا أسواق الطاقة الدولية والأوروبية وبالتالي تقدر تركيا تلك الموقع الثمين وتحرص علي جعله مركز إقليمي للطاقة وليس ممر عبور بما يعود عليها بثمار رسوم عبور وعائدات ومنافع اقتصادية وسياسية هائلة بالإضافة إلي وصول أرخص أكثر مصداقية إلي الطاقة.()
وكانت روسيا لا ترغب في تحويل تركيا إلى مركز إقليمي بل ترغب ألا تكون سوي ممر عبور فقط حتى لا ينافس روسيا في طرق النقل الخاصة بالطاقة وتستطيع هي التأثير عليه، واتبعت روسيا سياسة منع طرق عبور الطاقة البديلة إلى أوروبا عبر تركيا، وبالتالي جاءت معارضه روسيا مع تطلعات تركيا حيث الأولي ترغب في التحكم في نقل الطاقة من الشرق الأوسط وبحر قزوين والأخيرة تأمل في لعب دور ممر إقليمي للطاقة بين الشرق والغرب تستمر واردات الطاقة في إثقال كاهل الاقتصاد التركي.()
في النهاية فإن تجارة الطاقة ما زالت تؤثر بشكل إيجابي على العلاقات الثنائية قصيرة الأجل ولكن تشير الاختلافات بين مصالح الطاقة لروسيا وتركيا إلى تبني استراتيجيات متعارضة بل ومتضاربة على المدى الطويل. اتسمت العلاقات الروسية التركية على مدى قرون بدورات من التعاون والصراع وغير معلوم تماما إذا كان الاختلاف بعد ٢٠١١سيؤدي في النهاية إلى عودة كاملة إلى التوازن الأكثر تنافسية الذي كان موجودا قبل ٢٠٠٣ أم لا؟، ومع ذلك فمن المؤكد أن العلاقات بين روسيا وتركيا ستستمر في تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية لأوراسيا وذلك تبعا للأهمية المتزايدة لهاتين القوتين الإقليميتين الرئيسيتين وأن علاقاتهما الثنائية سوف تصبحان أيضا عنصرا مهما في النظام متعدد الأقطاب الناشئ، ولتوضيح الاعتماد المتبادل في الطاقة نري الشركات الروسية المتواجدة في تركيا بما في ذلك محطة الطاقة النووية وتخطيطات توسيع خط بلو استريو والاستثمارات في البنية التحتية للكهرباء والغاز الطبيعي في تركيا.
ثالثا: السياحة:
تعتبر السياحة جانبا من جوانب العلاقات الاقتصادية بين البلدين صارت تركيا المقصد الأفضل للروس عند قضاء العطلات في الخارج وكانت ثالث أكبر مصدر للسياح الوافدين إلى تركيا وكانت أيضا هنا العلاقات ليس علي نهج واحد حيث كان هناك اختلالات في قطاع السياحة في بعض الأحيان- الأزمة الاقتصادية علي سبيل المثال- ولكن مع توطيد العلاقات شهد قطاع السياحة زيادة كبيرة في عدد السائحين إلي تركيا طوال الفترة من ٢٠٠٠-٢٠٠٧ مع الزيادة على مدار الأعوام حيث وصلت ٢,٤٦٥,٣٣٨ وهذا بالتأكيد يعمق العلاقات الاقتصادية. أما علي صعيد الأتراك القاصدين روسيا ليس بنفس قدر الزيادة التي ذكرتها أعلي حيث إن روسيا ليست قلعة سياحية جذابة بالنسبة لتركيا بل هي جار جغرافي وحليف جيد سياسي ودبلوماسي واقتصادي وبالتالي صاحب ذلك نفور نوعا ما من جانب السياح الأتراك في قضاء العطلة في روسيا. ()
وكان المسبب لزيادة عدد السياح أيضا إلى تركيا هو أن وزارة السياحة التركية تشكل أنشطة الترويج لمنتجعات تركيا رغبة في جذب السياح الروس بالإضافة إلى التقارب الجغرافي والجودة العالية وأساليب الراحة من الحكومة التركية كل ذلك يسهم في جذب عدد أكبر من الروس وبالفعل على مدار السنوات كان العدد في زيادة حتى أن الأزمة الاقتصادية العالمية ٢٠٠٨ لم تقلل من السياحة بين البلدين حيث تم استيعاب ٣ ملايين سائح روسي في تركيا في ٢٠١٠، ووصل في ٢٠١١ إلي ٣,٥ ملايين سائح.()
وخلاصة الحديث عن السياحة وحجمها في جوهر العلاقات الاقتصادية التركية الروسية فإنها لا تُشكل لُب العلاقات إذا قورنت مع الاستثمار أو الطاقة أو التجارة – المذكورين أعلي- وليس بالقدر الهائل من التأثير علي ثنائية العلاقات ولذا فإن القدر المُناسب من التقدير والاهتمام لهذا الجانب هو برهنه كونها الأكثر حجماً من ناحية المعاملات الاقتصادية الثنائية وذلك في ظل التسهيلات والتطورات التي حدثت في فترة بوتين من تسهيل التأشيرات علي سبيل المثال وهو الذي ينتج عن زيادة عدد الروس إلي تركيا.()
الخلاصة:
في النهاية يتضح مما سبق أن العلاقات الثنائية علي الرغم من أنها ذات مصالح متقاربة ومتبادلة إلا أنها كانت متضاربة ولا ننكر حقيقة كون العلاقات الاقتصادية هي العمود الفقري واللبنة الأساسية في العلاقات التركية الروسية إلا أنها صعبة في سيرناها علي وتيرة واحدة ولذلك كانت يشوبها بعض جوانب الخلل التي آثرت عليها حيث كانت العلاقات ما بعد ٢٠١١ ليست في رونقها حيث تدهورت العلاقات التركية الروسية وتم تبني مواقف متباينة تجاه القضايا الإقليمية وهو ما يشكل حيرة نظرا إلي القدر الكبير من التعاون واتساع التجارة المذكور والاعتماد المتبادل. ولكن تعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا من شأنه أن يرفع الموقف السياسي لدى روسيا في المنطقة- خصوصا القوقاز وآسيا الوسطى وسوف يشجع دول المنطقة بالمشاركة في مشاريع ثنائية- روسية وتركيا- وأيضا ذلك يعزز العلاقات السياسية.
وما زالت تركيا تضاعف اعتمادها على الطاقة الروسية دون النظر لأي نظره معارضه- معارضه الولايات المتحدة الأمريكية على مشاريع تسليم النفط الروسي خلال خطوط أنابيب إلي البحر المتوسط –وتستكمل السير على طريقها وتنغمرين في علاقات شراكة مع روسيا والأخذ بمصالحها بالإضافة إلى مصالح جارتها- روسيا- على حساب الاتحاد التقليدي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وحتما فإن استعراض الاعتماد على شحنات الغاز الروسي والعلاقات الثنائية مع روسيا سوف يفضي في النهاية في تضاعف الاعتماد السياسي من تركيا على روسيا.
لوحظ الترابط غير المتكافئ في العلاقات الاقتصادية التركية الروسية لا سيما في مكونيها المهمين: العلاقات التجارية وعلاقات الطاقة، وبالتالي فإن ما تم ذكره في بداية الحديث عن سياسية “المشكلة الصفرية” التي كانت تسود العلاقات الثنائية بين البلدين كانت متضحة للغاية في العلاقات الاقتصادية أكثر حيث اعتماد تركيا في تنميتها الاقتصادية علي تعزيز الاستقرار في المنطقة وبالتالي جاءت العلاقات المتزايدة مع روسيا وعملت علي تطبيع كل من العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول في إقليمها، والتحول في سياستها السابقة وما إذا كانت قائمة علي التنافس بس انحرفت عن نطاق التنافس والتوسط في حالات النزاعات التي تدور في نطاق إقليمها وقامت باستخدام القوة الناعمة في العلاقات والعمل علي الارتقاء بها بالطرق السلمية حتى وإن كانت معادية تلك الدول تقليديا وبالتالي حقا كانت تلك السياسة متبعة وفقا الاعتبارات الاقتصادية وتصفية الخلافات والارتقاء بالعلاقات ولذلك أخذت تركيا طريق العلاقات الثنائية مع روسيا تحديدا.
خلاصة البحث والسيناريوهات المتوقعة:
ختاما وبعد عرض كافة التفاصيل الخاصة بالقيادة السياسية التركية منذ أول ظهور الحزب على الساحة السياسية التركية حتى تطبيق سياساته على الدولة وتحقيق الطفرة الحقيقة سواء على المستوى الداخلي من خلال منظورين تم عرضهما هما الإصلاح الاقتصادي والسياسي أو على المستوى الخارجي من خلال اتباع نهج جديد في السياسة الخارجية يختلف عن النهج الذي اتبعه العديد من الحكومات التركية من قبل ومن ثم الوصول تدريجيا إلى أن ذلك التغير الذي أحدثه حزب العدالة والتنمية على مستوى السياسية الخارجية التركية يأتي وعوامل أخرى كتفسير واضح للتغير الذي حدث في مسار العلاقات التركية الروسية في الفترة المحدد ذكرها للبحث.
وذلك مقارنة بما كانت عليه وتيرة العلاقات في الماضي وما آلت إليه تلك العلاقات بعد وصول قيادة تركيا الحالية، تحدثت الباحثة عن شكل التغير الذي حدث في تلك العلاقات على المستوى السياسي والاقتصادي بشيء من التفصيل وتضمينا لكافة المجالات التي شهدت تعاونا غير مسبوق من كلتا القيادتين معا، ولعل الحديث هنا سيكون تأكيدا على التأثير الواضح للقيادة السياسية في تغير سياسية الدولة بشكل كامل وأن القيادة إما أن تكون طوق النجاة للدولة فتصعد بها إلى السماء أو أن تكون قيادة فاسدة فترمي بها إلى الهاوية، كانت القيادة السياسية التركية مثالا حيا على القيادة التي كتب لها أن تصعد بدولتها لأعلى المراتب وذلك لما حققته تلك القيادة من إصلاحات على المجال الداخلي جعلت الفرد يملك حياة كريمة وعيشا مطمئنا وكذلك ضمنت الاستقرار على كافة المستويات، مع الالتزام بقدر من التدين في اتباع نهج الدين الإسلامي ولكنها مع ذلك لم تغفل مواكبة العصر الحديث فآلت إلى تطبيق قدر من العلمانية لمواكبة التطورات الجديدة في النظام العالمي، ناهيك عن الوضع الذي باتت تتمتع به تركيا على المستوى الإقليمي والدولي والذي شهد تغيرا كبيرا من حيث نظرة الدول الأوروبية وكذلك دول آسيا والخليج وأيضا دول المحيط الإسلامي والشرق الأوسط.
ولكن مع هذا النجاح الباهر الذي حققته قيادة تركيا في سبيل تحسين العلاقات التركية الروسية هل ذلك يضمن الاستمرار الحتمي للتعاون بين الدولتين أم أن هناك عوامل ستجعل من التباعد مجددا أمرا متوقعا، تختلف السيناريوهات المتوقعة لطبيعة العلاقات بين البلدين تبعا لاختلاف وجهات النظر حول القضايا الخلافية بين البلدين والتي ستقف بالطبع كحجر عثرة أمام استمرار الوضع الوردي كما هو عليه.
عند الحديث عن السيناريوهات المحتملة مستقبلا لطبيعة العلاقة بين تركيا وروسيا يكون أمامنا ثلاث اتجاهات، أولها الاتجاه المتفائل والذي يرى أن العلاقات التركية الروسية ستكون أكثر تعاونا مما هي عليه حاليا ولعل الأسباب الدافعة وراء ذلك تلك المتعلقة بالاعتماد المتبادل في المجالات التي سبق ذكرها على المستوى الاقتصادي والعسكري والأمني وكذلك الدبلوماسي، فقطع العلاقات بين البلدين سيكون بمثابة خسارة فادحة لكليهما ولن يعود بالنفع على أي منهما، وذلك مدعم بالطبع باستمرار القيادة السياسية للدولتين لأطول فترة ممكنة.
أما الفريق الثاني صاحب وجهة النظر المتشائمة والذي يرى أن تلك العلاقات الوردية بين البلدين لن تستمر على ما هي عليه وذلك لأن الخلفية التاريخية للعلاقة بين البلدين حافل بالعداء والخصومة، ووجهة النظر هذه مدعمه بالفعل بتلك القضايا الخلافية التي تمثل حجر عثرة في طريق استمرار التعاون بينهما، ويعني استمرارها أو عدم إيجاد حل وسط لأي منها أن العلاقة بين كل منهما ستعود للعداء مرة أخرى، وذلك أيضا ارتباطا بعدم استمرار القيادة السياسية للدولتين إلا لفترة محدده وهو ما يؤشر إلى عودة العداء بينهما.
ويأتي الفريق الثالث صاحب وجهة النظر الرمادية الذي يرى أن العلاقات بين البلدين ستستمر على نحو متوسط من التعاون حتى مع وجود قضايا خلافية في طريق الدولتين وحتى حال اختلاف القيادات، بالطبع لن تبقى العلاقات بالقدر الكافي من التعاون الكبير التي هي عليه ولكنها لن تعود مرة أخرى لما كانت عليه في الماضي من عداء وصراع، بمعنى أنه حتى وإن قل التعاون سيظل هناك علاقات ود بين الدولتين.
وختاما من خلال ما تم عرضه بشكل وافي داخل أجزاء البحث استطاعت الكاتبة أن توضح بشكل تفصيلي ما هو الأثر الذي تتركه القيادة السياسية للدولة على سياستها الخارجية وعلاقتها بالدول الأخرى تركيزا بالطبع على المثال الرئيس هو تركيا وروسيا ووضحت ذلك من خلال الأبعاد المختلفة للعلاقات بين الدولتين وكذلك توضيح الملامح الرئيسية للقيادة التركية التي كان لها الفضل في إحياء علاقة شبه منعدمة.
قائمة المراجع باللغة العربية
أولا الكتب:
أحمد قاعود، منهجية التغيير لدى حزب العدالة والتنمية في تركيا، مركز رؤية للتنمية السياسية، الطبعة الأولي ، إسطنبول-تركيا، ٢٠١٦
احمد نورى النعيمي، العلاقات التركية الروسية، دراسة في الصراع والتعاون، (عمان، دار زهران للنشر والتوزيع, 2011).
احمد حسن علي، التغيرات الاجتماعية في عهد حزب العدالة والتنمية، مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد،٢٠١٨.
برهان الدين ضوران، علي أصلان، رمضان يلدرم، تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم، استانبول، مركز الدراسات السياسية الاقتصادية والاجتماعية،٢٠١٨
تامر كامل الخزرجي، العلاقات السياسية الدولية واستراتيجية أدارة الأزمات، عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، 2005,
رنا عبد العزيز الخماش، النظام السياسي التركي في عهد حزب العدالة والتنمية ٢٠٠٢-٢٠١٤، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى:٢٠١٤.
سعد حقي توفيق، مبادئ العلاقات الدولية، (بغداد: المكتبة القانونية،2010)
علاء محمد مطر،مبادئ العلوم السياسية، جامعة الإسراء ،الطبعة الثانية،٢٠١٨
علي عوده العقابي، العلاقات الدولية: دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات ،(بغداد،٢٠١٠).
معمر فيصل خولي،العلاقات التركية -الروسية من إرث الماضي إلي آفاق المستقبل،بيروت،الطبعة الأولي، ٢٠١٤
محمد زاهد جول، التجربة النهضوية الكبرى: كيف قاد حزب العدالة والتنمية تركيا إلي التقدم ؟، بيروت ، مركز نماء للبحوث والدراسات ،الطبعة الأولي ،٢٠١٣.
محمد الهامي.عماد قدورة،حزب العدالة والتنمية التركي دراسة في الفكرة والتجربة،مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث،بيروت-لبنان، الطبعة الأولي،٢٠١٦
محمد بدر المطيري، دور القيادة السياسية في رسم وتنفيذ سياسات التنمية في دولة الكويت (2007-2010)، جامعة الشرق الاوسط- كلية الآداب والعلوم، الاردن، 2015
محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، ( القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1998)
لمى مضر الامارة، الاستراتيجية الروسية بعد الحرب الباردة وانعكاساتها على المنطقة العربية، (بيروت)، مركز دراسات الوحدة العربية،2009
ثانيا المقالات والدوريات العلمية:
احمد دياب، روسيا واللعبة الكبرى في اسيا، مجلة السياسة الدولية، عدد 167، مجلد 42 يناير2007
احمد داود اوغلو، دور القيادة السياسية الخارجية، مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية، عدد22، 2010.
احمد عارف أرحيل، الخيارات الاستراتيجية لتركيا إقليمياً ودولياً، دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلد ٤٥، عدد ٤، ٢٠١٨.
أحمد محمد علي جابر، صراع الهوية في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، عدد ٣٢، مجلد ٦، ٢٠١٩.
أحمد ت. كورو، سياسة ذات مرجعية دينية بدون دولة إسلامية: هل يمكن أن يكون حزب العدالة والتنمية نموذجاً للإسلاميين العرب، مركز بروكنحز الدوحة، قطر، ٢٠١٣.
أوزغور تفكجي، العلاقات التركية الروسية ومعضلة ثنائية التعاون والأزمات، مجلة رؤية تركية العدد٢، ٢٠١٨
انور محمد فرج، نظرية الواقعية في العلاقات الدولية، (السليمانية: مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية)، ٢٠٠٧.
السيد صدقي عابدين، السياسة الروسية في اسيا: الاهداف والتحديات، مجلة السياسة الدولية، عدد 170، اكتوبر 2007، مجلد 4
القرع بن علي، السياسة الخارجية التركية والثورات العربية: المرجعات، المخرجات، الادوار، مجلة السياسة والقانون، العدد 8، المانيا: المركز الديمقراطي العربي، 2018
إلهام الحدابي، قراءة في المشروع التركي افاق الممكنات وتحديات الواقع، أوراق سياسية، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات ،٢٠٢١
حبيبة زلاقي، نظرية الدور بين الأصول الاجتماعية والتوظيف في التحليل السياسي، مجلة العلوم القانونية والسياسية، عدد١٧، ٢٠١٨.
جهاد عبد الملك عوده. سمير رمزي، نظرية الدور وتحليل السياسية الخارجية، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، مجلد ٣١، عدد ٣، ٢٠١٧
جابر عاشوري، الاكتساب الحزبي لدى العدالة والتنمية التركي: دور أكاديمية السياسة، مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد،2018
جلال الورغى، الازمة الروسية-التركية: محددات التاريخ والجغرافيا والتطلعات لأدوار جديدة, مركز الجزيرة للدراسات ،٢٠١٥
رانيه محمد طاهر، الدور الإقليمي التركي في ظل ثورات الربيع العربي، رؤية تركية، عدد ٨، ٢٠١٣
سامح راشد، دور تركيا الإقليمي افاق ما بعد غزة، شئون عربية، العدد 137، 2009
عبير الغندور، بدائل التوجه السياسي التركي المعاصر، المجلة العربية للعلوم السياسة، العدد 33، 2012
عماد عبد العزيز وأمين غانم، الثابت والمتغير في العلاقات التركية – الروسية وأثره على واقع العلاقة بين تركيا ودول الجوار الإقليمي 2002 – 2016-دراسة تاريخية، جامعة الموصل- كلية التربية السياسية، مجلة التربية للعلوم الإنسانية المجلد 2، العدد الخاص 1444هـ – 2022م
عماد يوسف قدورة، روسيا وتركيا: علاقات متطورة وطموحات متنافسة في المنطقة العربية، سياسات عربيه، عدد ١٥، ٢٠١٥
عامر علي راضي العلاق، ملامح جديدة في العلاقات التركية-الروسية، دراسات دولية، جامعة بغداد العدد الاربعون،٢٠٠٩.
على جلال معوض، “العثمانية الجديدة: الدور الإقليمي التركى فى الشرق الاوسط”، سلسلة قضايا، العدد 8، القاهرة: المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، 2009
فتحية محى الدين طه احمد، تطور العلاقات الروسية – التركية 2016 – 0200، المركز الديمقراطي العربي ،٢٠١٦
فؤاد كيمن، توجهات تركيا وإيران في الشرق الأوسط سياسات ومصالح، أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،٢٠١٤
محمد نور الدين، مسار السياسة التركية وسط أنوار الأحداث في المنطقة، بيروت، جامعة الدول العربية – الأمانة العامة، عدد١٦٥، ٢٠١٦.
مهدي مكاوي، إسماعيل دبش، تركيا وروسيا في أسيا الوسطى بعد:2003 التحول من استراتيجية التنافس والصراع إلى استراتيجية التعاون والشراكة، المجلة الجزائرية للعلوم الاجتماعية والإنسانية،٢٠٢٠، المجلد ٨، العدد ٢.
محيي الدين أتامان، إعادة هيكلة السياسية الخارجية التركية خلال حكم حزب العدالة والتنمية، جامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية، تركيا، رؤية تركية، عدد٧، ٢٠١٨.
ميثاق مناحي، النظرية الواقعية: دراسة في الاصول والاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة: قراءة في الفكر السياسي الامريكي المعاصر، مجلة أهل البيت، عدد ٢٠، ٢٠١٦.
منى عامر محمد وآخرون، القيادة السياسية والتحول الديمقراطي في تركيا فى الفترة من (2002 – 2021م)، المجلة العلمية لكلية التجارة، مجلد ٤١، عدد ٧٢، ٢٠٢١.
محمود صافي محمود، تأثير رؤية القيادة السياسية على الاستقرار السياسي في ماليزيا ١٩٨١-٢٠١٨، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية، العدد الأول،٢٠٢١.
مارتن غريفيتش تيري أوكالاهان، المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية ، (الإمارات العربية المتحدة: مركز الخليج للأبحاث ،٢٠٠٨).
د نقمان عمر حممُد النعيمي، البعد الأمني العسكري في العلاقات التركية الروسية بعد انتهاء الحرب البارده١٩٩٢-٢٠٠٨، جامعة الموصل، مركز الدراسات الإقليمية، عدد٣٨، ٢٠١٨
وداد بيلغن، حزب العدالة والتنمية في فترة التحول الديمقراطي، رؤية تركيـة، مجلد ٧، عدد١، ٢٠١٨
ثالثا: الرسائل العلمية:
أحمد سليمان سالم الرحاحلة-الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط الفرص والتحديات، (عمان: ماجستير جامعة الشرق الأوسط،2014).
ريز لطيف صادق، العلاقات التركية الأمريكية في ظل عهد حزب العدالة والتنمية،( جامعة الشرق الأوسط: ماجستير ٢٠١١).
على جلال معوض، الدور الإقليمي لتركيا فى منطقة الشرق الاوسط 2002 – 2007، (جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ماجستير)، 2009
فارس أحمد أبو علب،التحول في مسارات السياسات التركية في الشرق الأوسط وأثرها على الدور الإقليمي التركي٢٠١١-٢٠١٧،جامعة النجاح الوطنية،ماجستير،نابلس: فلسطين،٢٠١٨.
مكاوي مهدي، تأثير المصالح الاقتصادية والتباين الاستراتيجي على العلاقات التركية -الروسية منذ ٢٠٠٣،دكتوراه،جامعة الجزائر ،كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية،٢٠٢١_٢٠٢٢
محمود خليفة جودة, أبعاد الصعود الروسي فى النظام الدولي وتداعياته (2000:2013) , (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ماجستير)، 2015.
مروة حامد، اثر التغير فى النخبة التركية الحاكمة على السياسة الخارجية التركية تجاه اسرائيل فى الفترة من 2002 – 2010، ( جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ماجستير)، 2013.
English References list:
- Books :
Senem Aydın-Düzgit, TURKEY, RUSSIA, AND THE WEST: REASSESSINGPERSISTENTVOLATILITY,ASYMMETRICINTERDEPENDENCE, AND THE SYRIA CONFLICT, Istanbul Policy Center, 2020.
Birsen Erdoğan ,Fulya Hisarlıoğlu,Critical Readings of Turkey’s Foreign Policy, Cambridge, UK,Palgrave Studies,2022.
Aharon Klieman,Great Powers and Geopolitics International Affairs in a Rebalancing World,Israel,Tel-Aviv University,Department of Political Science,Springer,2015.
Dr.Selim BAŞAR,TURKISH-RUSSIAN POLITICAL And ECONOMIC RELATIONS DURING ERDOGAN-PUTIN PERIOD BETWEEN 2003-2013 YEARS ,SAGE Matbaacılık,2013.
Metin Heper.Sabri Sayari,Political Leaders and Democracy In Turkey, New York ,Oxford, First edition,2002.
Özden Zeynep Oktav,Turkey in the 21st Century Quest for a New Foreign Policy, second edition,, London,Routledge,2016.
Yayına Hazırlayanlar,RUSSIA & TURKEY BILATERAL RELATIONS IN INTERNATIONAL CONTEXT,(Moscow: State University and Istanbul University, İstanbul, 2020).
İlyas Topsakal.Ali Askerov,Contemporary Turkish – Russian Relations from Past to Future,Istanbul, Turkey, Istanbul University Press,2021.
2:Master’s and PhD theses
Carl Bengtsson, The End of ‘Turkish Exceptionalism ’Turkish foreign policy re-orientation during Erdoğan’s era,(Swedish Defence University,Master,2019).
ELIF SARI,A POLITICAL ECONOMIC EXPLANATION OF THE CONTEMPORARY TURKISH FOREIGN POLICY: THE CASE OF CONTEMPORARY TURKISH-RUSSIAN RELATIONS,( ISTANBUL BILGI UNIVERSITY:MASTER,2012).
Vasileios Broumidis,Turkish-Russian Relations During Erdogan’s Governance Period, University of Peloponnese: Master,2017.
Saryuna MYLYSKEEVA,A DESCRIPTIVE ANALYSIS OF T URKISH-RUSSIAN TRADE RELATIONS: 1923-2015,(DOKUZ EYLÜL UNIVERSITY,Master,2017).
MÜBERRA PĠRĠNÇCĠ,TURKISH RUSSIAN RELATIONS IN THE POST-SOVIET ERA: LIMITS OF ECONOMIC INTERDEPENDENCE,MIDDLE EAST TECHNICAL UNIVERSITY: MASTER,2009.
- Scientific Articles and periodicals:
Seçkin KÖSTEM,The Political Economy of Turkish-Russian Relations: Dynamics of Asymmetric Interdependence, PERCEPTIONS, Summer 2018, Volume XXIII, Number 2.
Prof. Dr. Mohamad ARAFAT,THE TURKISH-RUSSIAN RELATIONS IN THE ERA OF AKP,Afyon Kocatepe Üniversitesi, İİBF Dergisi C.XIII, S II, 2011.
Fulya Ereker,Crimea in Turkish-Russian Relations: Identity, Discourse, or Interdependence, Athens Journal of Social Sciences- Volume 5, Issue 4 ,2018.
Mert Gökırmak,From Foe to Friend: Turkish-Russian Relations in the 21st Century, International Journal of Social Inquiry Volume 5 Number 1-2 2012.
Nigyar R. MASUMOVA, Russia and Turkey: Resetting Economic partnership, PERCEPTIONS, Summer 2018, Volume XXIII, Number 2.
Munition ATAMAN,LEADERSHIP CHANGE: ÖZAL LEADERSHIP AND RESTRUCTURING IN TURKISH FOREIGN POLICY,Vol.1, No.1 ,2002.
Barış Kesgin,Turkey’s Erdoğan: leadership style and foreign Policy audiences, Journal homepage, TURKISH STUDIES,VOL.21, NO.1, 56–82,2020.
Emre Erşen1.Seçkin Köstem,Turkey’s Interest in Closer Relations with Russia: Global, Regional and Domestic Dynamics, Journal of Political Sciences,2020.
Balta, Evren, “From Geopolitical Competition to Strategic Partnership: Turkey and Russia after The Cold War “, Uluslararasi İliskiler, Vol. 16, No. 63, 2019.
Sina Kısacıka.Furkan Kayab,An Assessment on The Future of Ongoing Turkish-Russian Relations: “Clash of Interests or Convergence Of Interests, International Multilingual Academic Journal,Vol 3, No 2, May 2016.
Adam Balcer,THE FUTURE OFTURKISH – RUSSIAN RELATIONS:A STRATEGIC PERSPECTIVE,TURKISH POLICY QUARTERLY,Vol.8 No.1.
Andrey KORTUNOV& Emre ERŞEN,Introduction: Deepening Turkey-Russia Relations,PERCEPTIONS, 2018, Vo5, Number 2, pp. 1-3.
Vali Golmohammad,Turkish-Russian Relations in the Post-Western World; From Geopolitical Rivalry to Strategic Partnership, Journal of Central Eurasia Studies,Vol. 14, No.1, 2021.
Mustafa Aydın,The Long View on Turkish-Russian Rivalry and Cooperation,JSTOR،No 5,2020.
Pavel Shlykov,Russian-Turkish Relations in the Wider Black Sea Region: Cooperation and Competition, PERCEPTIONS, Summer 2018, Volume XXIII, Number 2, pp. 93-116.
Faith ÖZBAY,The Relations between Turkey and Russia in the 2000s,PERCEPTIONS, Autumn 2011, Volume XVI, Number 3, pp. 69-92.