المصالح المائية المصرية وسبل مواجهة أزمة سد النهضة الإثيوبي
اعداد : عفاف ممدوح – باحثة دكتوراه في العلوم السياسية بكلية الدراسات الافريقية العليا – جامعة القاهرة
- المركز الديمقراطي العربي
تحظى مسألة إدارة الأنهار العابرة للحدود باهتمام كبير نتيجة ما تسببه في أغلب الأحيان من توترات بين المجتمعات التي تربط ما بينها إذ عادة ما تستخدم كورقة لممارسة ضغوط سياسية على نحو يخلق حالات استقطاب تتجاوز حدود إقليم دول حوض النهر ، وقد أصبحت الأنهار الدولية موضوعًا للأدبيات التي تبحث في الأدلة على أطروحة “حروب المياه” ، أي أن الخلافات حول المياه ستتحول إلى صراع عنيف بين الدول القومية وهناك أطروحات متكررة بشأن امكانية حدوث حروب على المياه في حوض نهر النيل ، فنهر النيل هو أطول نهر في العالم ويعتمد عليه ما يقدر بنحو 123 مليون شخص من أجل البقاء فالنهر تتقاسمه إحدى عشرة دولة ويعتبر رمزًا فريدًا للجغرافيا السياسية للأنهار الدولية كواحد من أطول الأنهار في العالم ، في منطقة تشهد تغيرًا سياسيًا واقتصاديًا دراماتيكيًا كجزء من قارة سريعة التغير ، ويخضع نهر النيل الدولي لقواعد وأنظمة المجتمع الدولي التي وافق عليها ، ووافق عليها أيضًا القانون الدولي وظهرت في شكل اتفاقيات ومعاهدات تهدف إلى الاستخدام الأمثل والأكثر شمولاً لمياه الأنهار الدولية ، وتناقش هذه الورقة البحثية إلى عدة محاور هامة وهى كالتالى ؛
المحور الأول : المصالح المائية المصرية
يعد نهر النيل من أطول أنهار العالم ويخالف نهر النيل في اتجاهه كل أنهار القارة الافريقية فهو يتجه طوليا من الجنوب إلى الشمال، وتتفاوت دول حوض النيل في اعتمادها على مياه النيل بنسب مختلفة لعدة أسباب منها اختلاف كمية الأمطار والأقاليم المناخية أو العوامل الطبيعية وينبع النيل من ثلاثة منابع حوض الهضبة الإثيوبية و حوض الهضبة الاستوائية وبحر الغزال والواقع أن مياه النهر في غالبيتها تأتي من المصدرين الأولين أي الهضبة الإثيوبية وهضبة البحيرات الاستوائية، أما المصدر الثالث للنهر فإن مياهه تفقد بسبب المستنقعات ، وتعد مصر من أفقر دول حوض النيل والأكثر احتياجا للمياه ، ويرجع ذلك لأن مصر تعتمد على مياه النيل اعتمادا رئيسيا وليس لها بديل مائي آخر مثل الأمطار والمياه الجوفية مما يجعل لمياهه قيمة إستراتيجية ، وبذلك في حالة عدم التزام دول المنبع بالاتفاقيات الدولية او الثنائية تصبح مصر في خطر دائم ومن هنا فإن إمكانية الاستفادة من مياه نهر النيل تتطلب التعاون بين دول المنبع والمصب للحد من إهدار مياه النيل والاستفادة الكاملة منه .
وتولى مصر قضية المياه أقصى درجات الاهتمام سواء من حيث المحافظة على مواردها المائية وحُسن إدارتها والدفاع عن حقوقها التاريخية في مياه النيل وهو ما تمت ترجمته في اتفاقيات قانونية عديدة شاملة ومحددة مع دول حوض النيل ، وقد بدأت الاتفاقيات التى تضمن الحقوق التاريخية في المياه لدولتي المصب في عام 1929 ، عندما مثلت بريطانيا العظمى كقوة استعمارية في شرق إفريقيا جميع مستعمراتها في حوض نهر النيل ووقعت معاهدة مع مصر تم استدعاء الاتفاقية الموقعة المعاهدة الأنجلو مصرية في هذه الاتفاقية الموقعة لم يُسمح لإثيوبيا بتقليل حجم المياه المتدفقة إلى السودان ومصر ، ومنحت اتفاقية عام 1929 مصر حق النقض في رفض القرار بشأن مشاريع البناء على نهر النيل أو أي من روافده في محاولة لتقليل أي تدخل في تدفق المياه إلى النيل .
وبعد ثلاثين عامًا ، تم توقيع اتفاقية أخرى عام 1959 بين مصر والسودان المستقل ، وكانت الاتفاقية لصالح مصر من خلال زيادة حصتها من 48 إلى 55.5 مليار متر مكعب والسودان من 4 إلى 18.5 مليار متر مكعب باعتبار أن الإيراد الكلي للنهر هو 84 مليارًا، يضيع منها نحو 10 مليارات أثناء الاندفاع من الجنوب إلى الشمال بسبب البخر والتسرب ، وفي عام 1999 أنشأت جميع الدول المشاطئة لنهر النيل مبادرة حوض النيل في محاولة لتعزيز التعاون وتوفير منتدى للتشاور والتنسيق بين دول الحوض من أجل الإدارة والتنمية المستدامة لمياه حوض النيل المشتركة والموارد ذات الصلة.
وتعتمد مصر على النيل اعتمادًا كبيرًا في توفير مواردها المائية ، ويبلغ إجمالي الموارد المائية في مصر حوالي 72 مليار متر مكعب تقريبًا تبلغ المياه السطحية 55.5 مليار متر مكعب ، المياه الجوفية 7.4 مليار متر مكعب ، مياه التحلية 0.05 مليار متر مكعب ، مياه معالجة الصرف الزراعي والصحي 9.10 مليار متر مكعب ، ومع ازدياد السكان والتوسع في الأراضي الزراعية وثبات الموارد المائية من المتوقع أن تشهد مصر ملامح أزمة مائية تزداد عامًا بعد عام حيث يتوقع أن يصل العجز المائي في مصر إلى 49 مليار متر مكعب في عام 2025 م وإلى 94 مليار متر مكعب عام 2050 .
المحور الثاني : الآثار والأضرار المتوقعة لسد النهضة على مصر
تمثل قضية سد النهضة تحديًا للدور المصري إقليميًا ودوليًا فمسألة مياه النيل بالنسبة لمصر هى مسألة مصيرية فبالمقارنة مع دول حوض النيل الأخرى المشاطئة التي لديها بدائل للحصول على الموارد المائية تعتمد مصر بشكل كبير على مياه نهر النيل حيث يأتي أكثر من 90٪ من إمدادات المياه العذبة في مصر من نهر النيل ، حيث يأتي أكثر من 86٪ من المرتفعات الإثيوبية ونهر النيل الأزرق. وبالتالي ، فإن تحويل تدفق المياه في المنبع والسيطرة عليها من قبل إثيوبيا من خلال سد النهضة يمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لمصر ، ويمكن تفسير مخاوف مصر بشأن بناء سد النهضة في مدة ملء الخزان حيث من المتوقع ان تخسر مصر حوالي 10-15 مليار متر مكعب من حصتها السنوية ، أي 55.5 مليار متر مكعب وفقًا لاتفاقية 1959 الموقعة بين مصر والسودان مما سيؤثر بشكل مباشر على قطاع الزراعة في مصر .
ومن المتوقع أن تتقلص الأراضي الزراعية بنسبة 29.47٪ في صعيد مصر وبنسبة 23.03٪ في دلتا النيل وهكذا ، فكلما طال الوقت الذي تستغرقه إثيوبيا لملء الخزان ، ستقل كمية المياه التي ستنخفض من نصيب مصر السنوي وعلى الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن آثار السد من خلال دراسات أُجريت تشير إلى أن نقص المياه بنحو مليار م3 يؤدي إلى بوار 200 ألف فدان، وبالتالي فإن ملء السد والذي يتوقع أن يؤدي إلى نقص نصيب مصر بنحو 10 مليارات م3 سنويا يمثل نصيب 2 مليون فدان من الأراضي الزراعية، ويؤدي إلى نقص في إنتاجية المحاصيل، فعلى سبيل المثال سيكون هناك نقص في إنتاجية القمح بنحو 2.9 مليون طن سنويا، وانخفاض إنتاجية الذرة الشامية بنحو 2.3 مليون طن سنويًا، ونقص في إنتاج الأرز بنحو 1.7 مليون طن، وتقدر قيمة الخسائر في المحاصيل الحقلية والمحاصيل المعمرة بنحو 43.8 مليار جنيه.
كما تقدر خسائر الإنتاج الحيواني والسمكي بنحو 9.8 مليارات جنيه، وتقدر خسائر التجارة الخارجية نتيجة زيادة الواردات ونقص الصادرات بنحو 97.8 مليار جنيه، وبهذا تقدر الخسائر المباشرة في الزراعة فقط بنحو 151 مليار جنيه سنويًا، بالإضافة إلى المشكلات البيئية نتيجة تلوث المياه، والمشكلات الاجتماعية الناتجة عن البطالة والهجرة، بالإضافة إلى انخفاض توليد الكهرباء من السد العالي، ورغم أن سنوات الملء يمكن تعويضها من مخزون المياه في بحيرة ناصر، فإن هذا المخزون لا يستطيع الصمود لسنوات إذا لم يتم تعويضه مرة أخرى من خلال ضبط وإدارة تشغيل سد النهضة في إطار من التنسيق والتكامل مع السد العالي في مصر والسدود السودانية واعتبارات الجفاف الطبيعي السنوي والممتد .
المحور الثالث : موقف مصر من سد النهضة
على مدار 10 سنوات ظلت مصر وإثيوبيا والسودان تتفاوض للوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة وهو السد الأكبر في إفريقيا فعند اكتمالهسيولد 6.45 جيجا وات من الكهرباء التي ستساعد إثيوبيا على تعزيز تنميتها الاقتصادية ، غير أن مصر والسودان قلقتان من أن عدم وجود اتفاق ملزم قانونًا بشأن سد النهضة من شأنه أن يغير وضع النيل كممر مائي دولي بالإضافة إلى المخاوف من حدوث جفاف ، فمصر على وجه التحديد قلقة من الخسارة الوشيكة من حصتها من مياه النيل الذي يزود مصر بـ90% من مياهها هذا بالإضافة إلى الشكوك المحيطة بتدفق المياه ، فيما تشعر الخرطوم بالقلق من الضرر الذي يمكن أن يلحقه سد النهضة بالسدود السودانية وتنظيمها للمياه .
وتخشى مصر أنه عند اكتمال الملئ ستحصل على أقل من 55.5 مليار متر مكعب ، وقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن النيل “مسألة حياة أو موت” وأنه “لا يمكن لأحد أن يمس حصة مصر من المياه” لذلك دعا إلى وقف بناء السد كشرط مسبق للمفاوضات مع وجود ما يقرب من 100 مليون شخص في مصر ، فإن الافتقار إلى الوصول الكافي لمياه النيل قد يكون كارثيًا لأن البلاد بالفعل تعانى من نقص المياه ، مما أثار الحديث عن عمل عسكري مصري في عام 2013 من قبل الرئيس محمد مرسي آنذاك ، ومع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة أعلن عن خطة بقيمة 4 مليارات دولار لبناء محطة لتحلية المياه لتوفير المياه العذبة لمصر .
بالمقابل ، تصر إثيوبيا على أن السد البالغ قيمته 5 مليارات دولار لن يكون له أي تأثير كبير على حصة مصر من مياه النيل حتى خلال المراحل الأولى من ملء الخزان وتؤكد أن تحقيق سد النهضة كان ضروريًا من حيث المنافع الاقتصادية التي سوف تعود بالتنمية على إثيوبيا التى ترى أن السد هو أيضًا مسألة حياة أو موت بالنسبة لها وترفض إثيوبيا حقوق مصر في 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل كل عام لأن هذا الحق ينبع من اتفاقية 1959 بين مصر والسودان وهي اتفاقية ليست إثيوبيا طرفاً فيها ، وعلى الرغم من الخلافات الشديدة تواصل إثيوبيا المضي قدمًا في السد بحجة أن مشروع الطاقة الكهرومائية سيحسن بشكل كبير سبل العيش في المنطقة على نطاق أوسع وعلى الرغم من أن إثيوبيا جادلت بأن سد النهضة الكهرومائية لن يؤثر بشكل كبير تدفق المياه إلى نهر النيل الا أن مصر التي تعتمد بالكامل تقريبًا على مياه النيل للاستخدامات المنزلية والتجارية ، والتى ترى أن السد يمثل تهديدًا كبيرًا لأمنها المائي .
المحور الرابع : المسار التفاوضي المصري بشأن سد النهضة
استخدمت مصر علاقاتها الدبلوماسية الواسعة واتفاقيات الحقبة الاستعمارية 1929 و1959 لمنع إنشاء أي مشاريع بنية تحتية كبرى على روافد النيل بنجاح ، ومع ذلك ، ونتيجة لقدرة ورغبة الإثيوبيين في الداخل والخارج للاستثمار في مشروع السد تمكنت الحكومة من جمع جزء كبير من الأموال اللازمة لبدء بناء سد النهضة حيث قدمت البنوك الصينية التمويل لشراء التوربينات والمعدات الكهربائية لمحطات الطاقة الكهرومائية ، ففي مارس 2011 وضعت إثيوبيا حجر الأساس لمشروع سد النهضة وذكرت وسائل الإعلام الإثيوبية مرارًا وتكرارًا أن خطة إثيوبيا كانت ملء سد النهضة في غضون ثلاث سنوات وستبلغ سعة السد 74 مليار متر مكعب مما يتطلب 25 مليار متر مكعب سنويًا ، بالإضافة إلى 3 مليارات متر مكعب تضيع سنويًا للتبخر من سطح الخزان ، ما يترك مصر والسودان معًا 20 مليار متر مكعب .
وفي مايو 2011 زار رئيس الوزراء المصري آنذاك عصام شرف إثيوبيا ، حيث وافق على تشكيل لجنة من الخبراء المصريين والسودانيين والأثيوبيين لدراسة آثار السد الإثيوبي المقترح على تدفق مياه النيل إلى السودان ومصر، وفي 11 يونيو 2012 صادق البرلمان الإثيوبي على اتفاقية الإطار التعاوني الجديدة لحوض النيل ، التي عارضتها مصر وأعربت القاهرة مرارًا عن مخاوفها من بناء سد النهضة الذي يمكن أن تؤثر سلبًا على حصة مصر من مياه النيل فيما حذر الرئيس محمد مرسي آنذاك من أن “جميع الخيارات مفتوحة” لتحدي مشروع النيل الإثيوبي بعد ذلك انتشرت المخاوف من احتمال نشوب صراع مائي خطير على نهر النيل حيث أن مصر هي الأكثر تضررًا وهي الدولة التي تمتلك أقوى القدرات العسكرية .
وفي أواخر مايو 2013 ، قامت إثيوبيا بتحويل مجرى نهر النيل الأزرق كجزء من بناء السد ، ولم يؤثر التحويل في حد ذاته على حصة مصر من مياه النيل ، لأنه كان من المقرر تحويل مجرى النهر ثم إعادته إلى مساره الأصلي بعد بضعة كيلومترات ، مما يعني أن كمية المياه التي تصل إلى مصر ستكون نفس الشيء وبعد أسابيع قليلة في 30 يونيو 2013 ، تظاهر ملايين المصريين ضد مرسي في الشوارع ، وأُطيح به نتيجة تدخل الجيش ، وبعد الإطاحة بمرسي واصلت الحكومة المصرية التفاوض مع إثيوبيا لتغيير مواصفات السد لجعله أقل ضرراً لمصر ووقعت حكومات السودان ومصر وإثيوبيا اتفاقية لتشكيل لجنة خبراء للإشراف على سد النهضة ، وقد اختارت هذه اللجنة خبراء دوليين لإجراء دراستين ، وهما الأولى عن التأثير للسد على الحصة المائية للسودان ومصر والثانية لفحص الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية للسد على السودان ومصر .
وفي 23 مارس 2015 ، وقعت مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم ، إعلان المبادئ الذي تضمن حكماً يقضي بأن لا يضر أي من الموقعين بمصالح الآخرين وكان إعلان المبادئ بشأن مشروع السد كان يوافق ضمنيًا على بناء السد لكنه يدعو إلى إجراء دراسات فنية تهدف إلى حماية حصص المياه للدول الثلاث المشاطئة ووفقًا لإعلان المبادئ ، يجب إحالة الخلافات مبدئيًا إلى المستوى الوزاري وإذا لم يتم حلها ، يجب إحالتها على مستوى وزراء الخارجية ، ثم على المستوى الرئاسي كما تتطلب المبادئ المصادقة على اتفاقيات فنية بعد انتهاء المكاتب الاستشارية الدولية من الدراسات التحضيرية
وقد اتفقت الدراسات الفنية على إجراء دراسات حول التأثير المحتمل للسد وفي ديسمبر 2015 ، اتفقت الدول الثلاث على التعاقد مع شركتين فرنسيتين لإجراء دراسات فنية حول تأثير سد النهضة على كل من السودان ومصر وكذلك تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي عبر الحدود للمشروع الضخم وفي أبريل 2017 ، ناقشت لجنة خبراء من مصر والسودان وإثيوبيا في القاهرة تقريرًا أوليًا أعدته شركتا الاستشارات الفرنسيتان حول تأثير السد على دول المصب ، حيث اتفقا على عدة نقاط فنية يجب اتخاذها في الاعتبار من قبل الشركات عند صياغة التقرير النهائي وقالت الدول الثلاث في أبريل 2017 ، إن الشركات تحترم توصيات لجنة الخبراء التي أوصت بأن تركز الدراسات على المخاوف التي أعربت عنها الدول الثلاث ، بما في ذلك أفضل آلية لملء السد
وفي مايو 2017 واستكمالًا لاجتماع أبريل 2017 ، عقد خبراء من مصر والسودان وإثيوبيا محادثات في أديس أبابا مع ممثلين عن شركات استشارية أجنبية لمناقشة تقرير أولي من قبل الشركات حول تأثير سد النهضة الإثيوبي الكبير على دول المصب وعقدت النقاشات لاتخاذ قرار بشأن آلية تتبناها الشركات في إجراء دراستها في 12 يوليو 2017 ، فيما زعمت تقارير إعلامية أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن أديس أبابا تملأ خزان المياه بالفعل
وفي 13 يوليو 2017 ، أكدت مصر في بيان لها أن المياه التى تتراكم في الخزان ليست عملية ملء ولكنها نتيجة للفيضان السنوي للنيل مما يشير إلى أنها كمية صغيرة لا تؤثر مصر وفي نوفمبر 2017 ، انهارت المفاوضات بين الدول الثلاث فيما أعربت مصر عن قلقها إزاء التأخيرات المتكررة من جانب السودان وإثيوبيا في الموافقة على الدراسات الفنية ، لا سيما أن بناء السد سيؤثر على حصة مصر من مياه النيل وأنها “مسألة حياة أو موت للأمة” ، على حد قول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 18 نوفمبر 2017
وفي نوفمبر 2019 ، اتفقت مصر والسودان وإثيوبيا على إطار زمني للمفاوضات تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي ، بهدف التوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء السد وتشغيله حتى لا يتم إلحاق ضرر كبير بدول المصب استمرت المفاوضات بتصريحات إيجابية من جميع المشاركين ، إلا أن إثيوبيا لم تحضر الجلسة الأخيرة في واشنطن في فبراير 2020 ، وأعلنت انسحابها المفاجئ من المفاوضات وقالت إثيوبيا إن مسودة هذه الاتفاقية هي امتداد للاتفاقيات الاستعمارية القديمة لإدارة مياه حوض النيل ، في محاولة لاستفزاز دول المنبع بهدف تعزيزها في هذه المواجهة الدولية
أصدرت إثيوبيا منذ ذلك الحين تصريحات مليئة بالاتهامات العنيفة ، بما في ذلك أن اتفاق واشنطن لم يسلط الضوء على حق إثيوبيا في “الاستخدام المعقول والعادل لمياه النيل الأزرق” وأن الولايات المتحدة يجب ألا تستهين بهذا الحق الإثيوبي تحت ذريعة. من احتياجات المياه في دولتي المصب. بالإضافة إلى ذلك ، دعت إثيوبيا إلى إعادة توزيع مياه النيل وفقًا لاتفاقية عنتيبي التي سبق رفضها من قبل مصر والسودان والكونغو بمعنى فرض تخصيص المياه وفقًا لتفضيل إثيوبيا لبعض دول المنبع .
وواصلت إثيوبيا الادعاء بأنها اتخذت جميع الخطوات التي تضمن ألا يضر سد النهضة بمصر ، بل زعمت أن السد سيحقق لمصر فوائد هائلة ، ويلعب دور الخصم والقاضي في نفس الوقت وإذا درسنا الإجراءات الإثيوبية فيما يتعلق بالأنهار الأخرى العابرة للحدود ، يمكننا أن نلاحظ أن هذه الحيلة نفسها حدثت من قبل مع الدول المجاورة لها الصومال وإريتريا وكينيا ، حيث قامت ببناء سدود على الأنهار المشتركة دون إخطارات أو دراسات أو مفاوضات أو اتفاقيات مسبقة ودون مراعاة الاستخدام المعقول والعادل للمياه .
خاتمة
يعد نهر النيل ، إلى جانب كونه أطول نهر في العالم من أهم شريان المياه في شمال إفريقيا حيث يشترك في النهر إحدى عشر دولة والتي تعتمد على هذه المياه في بقائها على قيد الحياة ومع ذلك ، بمرور الوقت يصبح من الصعب ضمان الوصول إلى هذا المورد الثمين حيث يتعرض الأمن المائي في هذه المنطقة للتهديد المستمر بسبب ارتفاع معدل النمو السكاني وإساءة استخدام مياهها وتلوثها ، وهو وضع يزيد من التوترات من أجل الحق في استخدام مياه النهر وتتعلق القضية الأساسية بالتقاسم العادل لموارد مياه .
وقد شهد نهاية القرن التاسع عشر بداية الاتفاقيات المائية بخصوص مياه النيل، عندما كانت معظم دول حوض النيل تحت السيطرة الاستعمارية الأجنبية ، وقد هدفت معظم تلك الاتفاقيات لصالح دول الاستعمار بهدف تحقيق مصالحها الاقتصادية وليس لصالح الدول التي تنوب عنها في هذه الاتفاقيات والتي أستمرت أكثر من نصف قرن، وفي منتصف القرن العشرين حصلت معظم دول حوض النيل على الإستقلال السياسي، مما أدى الى تفاقم أزمة مياه النيل، لان معظم دول الحوض رفضت بشكل قاطع الإتفاقيات السابقة التي اجريت من قبل المستعمر كونها لم تنصفها في أستغلال حقوقها من مياه النيل .
ونتيجة لهذه التطورات، أصبحت قضية مياه النيل محل إهتمام كبير على المستويات الرسمية والأكاديمية والإعلامية، وفي هذا السياق، احتلت المطالب الاثيوبية في مياه النيل محور أساسي في هذه الإزمة، لاعتبارات عديدة في مقدمتها أن اثيوبيا هي أهم دول المنبع من حيث مساهمتها في مياه النيل حيث تساهم بحوالي 80% من الايراد المائي السنوي لنهر النيل، فضلاً عن ان اثيوبيا أكثر دول المنبع طموحاً في استغلال مياه النيل، وبما أن هذه المطالب سوف تأثر سلباً على الأمن المائي المصري والسودانى ، من حيث نقص منسوب مياه النيل الذي يعتبر العمود الفقري للزراعة ومياه الشرب في دولتى المصب .
قائمة المراجع
- أميرة محمد عبد الحليم، “المواقف الخارجية وحدود تأثيراتها في إدارة سد النهضة”، مجلة الملف المصري ( القاهرة : مجلة الملف المصري، العدد 73، سبتمبر2020) .
- أميرة محمد عبد الحليم , المياه ومتطلبات التنمية في دول منابع النيل ، مجلة السياسة الدولية ( القاهرة : مؤسسة الاهرام ، العدد 181 , يوليو 2010 ).
- حسن الرشيدى ، حرب المياه القادمة : حوض النيل أنموذجاً ، مجلة البيان ( لندن : المنتدى الاسلامى ، مجلد 10, عدد 131 ، ( 1998.
- حسن علي الساعوري ، الصراع الموروث في حوض النيل ، مجلة دراسات حوض النيل ( الخرطوم : جامعة النيلين ، إدارة البحوث والتنمية والتطوير ، العدد 6 ، يوليو 2004 ) .
- سوسن صبيح حمدان ، الدعم الخارجي لإنشاء سد النهضة الأثيوبي وتداعياته على دول حوض النيل ، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية ( بغداد : الجامعة المستنصرية ، العدد رقم 63 ، 2018 ).
- سمير عبد المالك منصور، اتفاقيات حوض النيل في ضوء احكام القانون الدولي ، مجلة افاق افريقية ( القاهرة : الهيئة العامة للاستعلامات ، المجلد11 ، العدد 39، 2013 ) .
- عمر سمير ، أزمة النهضة وتداعياتها على مصر والسودان: المسارات والسيناريوهات ، المستقبل العربى ( مركز دراسات الوحدة العربية ، مجلد 43 ، عدد 503 ، 2021 ).
- محمد شوقي عبدالعال, الانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية في اتفاقية الأمم المتحدة مع إشارة خاصة لحالة نهر النيل ، آفاق أفريقية (القاهرة : الهيئة العامة للاستعلامات, العدد 39 ، 2013 ) .
- مصطفي صلاح ، حماة النيل : مسارات التعاون المصرية – السودانية ، افاق سياسية ( القاهرة : المركز العربي للبحوث والدراسات ، عدد 73 ، 2021 ) .
- ناصر السر محمد ناصر ، سد النهضة الأثيوبي: وضعه القانوني وأثره على الأمن القومي في حوض النيل ، مجلة السودان ( الخرطوم : مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، العدد 6 سبتمبر 2016 ) .