الدراسات البحثيةالمتخصصة

تأثير صعود تنظيم الدولة الإسلامية على الدولة السورية 2011 – 2015

إعداد الباحثة: نورا محمد جاد جادالله – المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

يعد الإرهاب من أهم القضايا الدولية التي تثير قلق العالم أجمع حيث أصبح انتشار الجماعات الإرهابية المتطرفة خطرا يهدد الدول بأسرها، وفي مقدمة تلك الجماعات تأتي جماعة داعش التي نشأت في العراق ثم انتقلت إلى سوريا كأحد تداعيات الثورات العربية وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة وعلى الرغم من ذلك إلا أن خطورة تهديدها أضحت شاملةً للشرق الأوسط والعالم كله.

تدور المشكلة البحثية للدراسة حول تحليل الآثار والتداعيات التي خلفها تنظيم داعش على النظام السياسي في سوريا من خلال التركيز على الأبعاد الخاصة بالاستقرار السياسي، والاقتصاد، والتماسك المجتمعي، وأخيرا العلاقات الخارجية مع الفاعلين الدوليين. ويمتد المدى الزمني للمشكلة البحثية في الفترة من 2011 وحتى 2015 والتي يعود سبب اختيارها نظرا لكونها فترة صعود وازدهار للتنظيم حيث توسع فيها نفوذه إلى الأراضي السورية مستغلا الحرب الأهلية هناك وتمكن بواسطة قدراته العسكرية من السيطرة على مناطق نفوذ إستراتيجية وصاحب ذلك تدخلا دوليا من قوى كبرى مثل: روسيا والولايات المتحدة الأميركية مما أدى إلى زيادة تعقد الصراع في سوريا.

وبناء على ذلك فإن السؤال البحثي للدراسة هو: كيف أثرت جماعة داعش على النظام السياسي السوري في الفترة من 2011 وحتى 2015؟

وفي سبيل الإجابة على السؤال البحثي تتبنى الدراسة منهج الجماعة وهو منهج حديث النشأة من مناهج النظم السياسية يهدف إلى تحليل تفاعلات الجماعات في النظام السياسي باعتبار أن الجماعة هي مجموعة من الأفراد تعمل على تحقيق أهداف سياسية مشتركة، ويتشكل النظام السياسي من الجماعات المتعددة التي ينشب بينها تفاعل متواصل مكون من ضغوط وضغوط مضادة، ويحدد التنافس بين تلك الجماعات من الذي يحكم حيث يتغير النظام السياسي نتيجة لحدوث تغيرات في تكوين الجماعات. ويكتسب هذا المنهج أهمية خاصة في موضوع الدراسة لأنه يكشف الستار عن أحد الفاعلين الحقيقيين المحركين للنظام السياسي – أي جماعة داعش – في ظل ضعف وتدهور المؤسسات الهيكلية الرسمية في الدولة.

المبحث الأول: ماهية تنظيم داعش:

(1) التعريف بالتنظيم:

يعد اسم “داعش” هو مسمى مختصر أطلقه الإعلام على تنظيم يدعى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وقد اختلفت الدراسات فيما بينها وتعددت اتجاهاتها في تعريف ماهية تنظيم داعش نظرا لصعوبة الإحاطة بتعريف جامع للتنظيم، فهناك اتجاها ماديا في تعريف داعش استند إلى المؤشرات السلوكية للتنظيم والتي يمكن تلخيصها في استخدام العنف وسياسات الاضطهاد وتخريب المنشآت وما إلى ذلك من سلوكيات تخريبية هدامة. أما بالنسبة للاتجاه المعنوي فقد استدل على تعريف تنظيم داعش بناء على الغاية أو الهدف الذي يضعه التنظيم نصب عينيه ألا وهو إحياء الخلافة الإسلامية وتطبيق المبادئ الجهادية المتطرفة المستندة على أفكار السلفية والوهابية والخوارج – أي الفكر الإسلامي المتشدد عامة – في العراق وسوريا وذلك من خلال اجتذاب المسلمين من شتى بقاع الأرض إليها نتيجة لتوظيفها المتمكن لشبكات التواصل الاجتماعي والسرد الجهادي للتوسع والانتشار وبالتالي تحقيق هدفها المنشود[1].

إلا أنه يمكن تعريف داعش تعريفا عاما باعتبارها جماعة إرهابية عالمية النشاط تستند في أفكارها إلى الإيديولوجية الإسلامية الراديكالية لتنظيم القاعدة، بجانب أنها تعمد إلى تطبيق النماذج القيادية المركزية لكل من حزب الله اللبناني وحركة طالبان، ويهدف التنظيم إلى التوسع عبر الحدود من أجل بناء دولة إسلامية قائمة على الخلافة الإسلامية وفي هذا السبيل يوظف التنظيم أدوات العنف والإرهاب والاضطهاد ويسعى إلى تجنيد المجاهدين باستخدام الأيديولوجيا والإعلام ووسائل التواصل المختلفة للسيطرة على العقول[2].

بالإضافة إلى التعريفات السابقة يمكن إضافة أن تنظيم داعش يعتمد على هيكل تنظيمي متطور يتسم بالفاعلية الإدارية والقدرة على الصمود الراجع إلى استناده على استراتيجيات ديناميكية مدروسة بعناية وفكرة إيديولوجية متينة الأساس وتكنيكات معقدة محسوبة وكل ذلك يجعل التنظيم من أكثر التنظيمات الإرهابية تطورا على المستوى العالمي[3].

(2) ظروف نشأة التنظيم:

نشأ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق علي يد أبو مصعب الزرقاوي في 2003 تحت اسم “”جماعة التوحيد والجهاد” ثم تغير الاسم في 2004 إلى “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” أو “تنظيم القاعدة في العراق” كما تم تداوله بين الناس وذلك بعد مبايعة الزرقاوي لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وتلا ذلك توسع التنظيم واستمراره في الاندماج مع تنظيمات أخرى مماثلة. وفي عام 2006 أعلن التنظيم عن تغيير اسمه مجددا إلى “الدولة الإسلامية في العراق” وذلك حتى عام 2013 الذي وسع فيه التنظيم من نشاطه ليطول الأراضي السورية وليتحول اسمه أخيرا إلى “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”[4].

وقد جاءت نشأة التنظيم وفترات تمكينه وزيادة نفوذه نتيجة للضعف الهيكلي وحالة فشل الدولة وغياب مؤسساتها – خاصة الأمنية منها – وتغلغل الصراعات الطائفية في الدول العربية خاصة العراق وسوريا، بالإضافة إلى ذلك فقد لعبت التدخلات الخارجية دورا كبيرا في توسع التنظيم حيث أكد الرئيس الأميركي السابق أوباما أن صعود داعش كان أحد النتائج الغير مقصودة للغزو الأميركي للعراق في 2003، بجانب ذلك فقد نجح التنظيم في استغلال الحرب الأهلية السورية والطائفية المحتدة في البلاد ليحكم نفوذه وسيطرته على مناطق واسعة من الأراضي السورية[5].

المبحث الثاني: الجوانب المختلفة لتأثير تنظيم داعش على النظام السوري:

أولا: تأثير تنظيم داعش على الاستقرار السياسي لسوريا:

اختلف العلماء حول طبيعة مفهوم الاستقرار السياسي بطبيعة الحال كأي مفهوم في العلوم الاجتماعية إلا أنه هناك اتفاق حول عدة مؤشرات يستدل منها على تحقق الاستقرار السياسي في الدولة بشكل عام وهي: التداول السلمي للسلطة، شرعية النظام السياسي، قوة النظام السياسي ومقدرته على حماية المجتمع وسيادة الدولة، محدودية التغيير في مناصب القيادات السياسية، الاستقرار البرلماني، الديمقراطية والمشاركة السياسية الفعالة، غياب العنف والحركات الانفصالية، الوحدة الوطنية وغياب الولاءات الأولية، نجاح السياسة الاقتصادية للنظام، قلة تدفق الهجرة الداخلية والخارجية[6].

وتقدر قيمة مؤشر الاستقرار السياسي لسوريا الصادر عن البنك الدولي لعام 2021 بـ -2.66 وهي تدل على شدة ضعف الاستقرار السياسي في الدولة والذي استمر في الهبوط منذ عام 2011 وحتى الآن[7]. وقد أثرت داعش على درجة الاستقرار السياسي في الدولة نتيجة لدورها في بعض المؤشرات، فمثلا أضعفت داعش من شرعية النظام السياسي ومن قدرته على حماية المجتمع والحفاظ على سيادة الدولة نتيجة لما أحدثته من نظامٍ لإدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها موازيا لنمط إدارة الدولة التقليدية بما فيها من أجهزة تشمل إدارة الجوانب الاقتصادية والتعليمية والسياسية والأمنية تماما وكأنها دولة بذاتها[8].

ويمتد تأثير داعش إلى مؤشرين أخريين من مؤشرات الاستقرار السياسي وهما: غياب العنف والحركات الانفصالية، والوحدة الوطنية وغياب الانتماءات الأولية. ويتجلى هذا التأثير في أنماط العنف الوحشي الذي أتبعه التنظيم لفرض سيطرته قهرا وعنوةً، كما اضطهد الأقليات الدينية والجنسية والمرأة  وهو ما كان عاملا في تفكيك الوحدة الوطنية وتعزيز الانتماء الأولي لكل طائفة أو ديانة في مقابل ضعف الانتماء للدولة القومية نظرا لتخليها عن تلك الفئات المضطهدة.

وأخيرا فقد أثرت داعش أيضا على مؤشري نجاح السياسة الاقتصادية للنظام والتي سوف يتم التعرض لها تفصيلا في هي هذا المقال، بجانب مؤشر قلة تدفق الهجرة الداخلية والخارجية حيث تتزايد معدلات الهجرة والنزوح في سوريا بشكل مطرد يوما عن يوم نتيجة لاضطراب الوضع الأمني في سوريا وعدم قدرة المواطنين السوريين على التعايش في ظل تلك الظروف الغير إنسانية لذا فكانت مسألة اللجوء من أكبر تداعيات الأزمة السورية.

ثانيا: التأثير الاقتصادي لتنظيم داعش على النظام السوري:

يؤثر تنظيم داعش تأثيرا شموليا على الاقتصاد السوري، فلا يقتصر الأمر على سيطرته على قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري بل يعتبر تنظيم داعش هو المتحكم الحقيقي في الاقتصاد السوري بشكل يصبح معه التنظيم هو القائم بأدوار الدولة التقليدية في الاقتصاد السوري، ويرتبط ذلك بأهمية مدينة الرقة السورية بالنسبة للتنظيم حيث يعدها عاصمةً ومركزا عالميا للدولة الإسلامية في الشام والعراق وعليه فقد اتخذ التنظيم خطوات لإدارتها اقتصاديا مثلما يفعل أي نظام سياسي وهو ما يعني الشلل التام لوظائف النظام السياسي السوري المعنية بإدارة اقتصاد الدولة[9].

يتخلص أسلوب الإدارة الاقتصادية لداعش في الاستعانة بنظام اقتصادي صارم مستند إلى العنف الإرغامي وقائم في جوهره على جباية الضرائب وإنفاذ المخالفات والغرامات على من يخالف القانون الذي يُفرض بواسطة شرطة محلية خاصة بالتنظيم تدعى “شرطة الحسبة” [10].

وقد عمد التنظيم إلى تقديم بعض الخدمات المدنية من خلال مؤسسات مدنية تابعة للتنظيم بعد استبعاده للمؤسسات القائمة التابعة للنظام السوري وأنشأ بعض المدارس الضرورية لنشر فكر التنظيم والمستشفيات لتقديم الخدمات الطبية اللازمة، بجانب إعادة فتح بعض الأسواق التجارية إلا أن ارتفاع الأسعار في تلك الأسواق بجانب ارتفاع التكاليف اللوجيستية للتجارة بين المدن أضر بالطوائف المختلفة من التجار والمصنعين والمواطنين[11]. أي أن داعش صنعت اقتصادا للمدن التي احتلتها على طريقتها الخاصة يشبه اقتصاد الدولة التقليدية من حيث دوره ونفوذه إلا أن ذلك لم يدل على الازدهار الاقتصادي أو تحسن الأحوال الاقتصادية بأي حال من الأحوال.

فقد أحدثت الإدارة الاقتصادية للتنظيم تداعيات سلبية على الاقتصاد المحلي حيث انخفضت إجمالي النواتج المحلية للمدن الخاضعة لداعش بنسبة 23%، كما انخفض المخرج الزراعي بنسبة 20% بجانب انخفاض السكان بنسبة 36% نتيجة للهجرة أو النزوح وهو ما أثر على عدد العمالة والأنشطة الرئيسية في المدن[12].  وتؤكد الدراسات أن داعش أساءت إدارة الموارد الطبيعية ودمرت البنية التحتية واستخدمت العنف في المدن الخاضعة لها لقمع المعارضة وتحقيق مصالحها الخاصة[13].

بجانب ما سبق يؤثر تمويل التنظيم تأثيرا بالغا على حالة الاقتصاد السوري حيث يعد تنظيم داعش من أغنى التنظيمات الإرهابية إلا أن أموال التنظيم يأتي أغلبها على حساب اقتصاديات الدول التي تحتلها. ففي سوريا، يتحصل التنظيم على أمواله جراء القيام بأعمال تخريبية للسيطرة على البنوك والمتاجر والمنشآت والمرافق المختلفة، كما يستولي قسرا على أموال الطوائف المختلفة عنه من المسيحيين والإيزيديين والشيعة. ويعد النفط المصدر الرئيس لتمويل التنظيم حيث يتحصل التنظيم على ما يقرب من 3 مليون دولار يوميا من عائدات النفط، وهو ما يجعل التنظيم مستحوذا على مورد استراتيجي من موارد الدولة نظرا لقيامه بالسيطرة على النفط وبيعه داخليا وخارجيا وبالتالي يتحكم التنظيم في أسعار النفط من خلال رفض التوريد لبعض المناطق لرفع سعر النفط أو العكس، وقد أحدث كل ذلك أثارا اقتصادية سلبية على المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم حيث تضاعف فيها معدل الفقر ليصل إلى 41.12%[14].

ومما سبق عرضه ترى الباحثة أن تداعيات تنظيم داعش على الاقتصاد السوري عامل رئيسي في استفحال حالة فشل الدولة في سوريا خاصة وأنه مسيطر بالكامل على الموارد خاصة الإستراتيجية منها مثل: النفط، بجانب أن النظام السوري نفسه لم يعبأ باستعادة حقه في القيام بأدواره الاقتصادية بل أن نظام الأسد يشتري النفط من داعش بدلا من قيام النظام بإدارة موارد بلاده بنفسه، وهو ما يعد مؤشرا على نجاح داعش في سلب النظام السوري أي قدرة على ممارسة أدواره الاقتصادية.

ثالثا: تأثير تنظيم داعش على العلاقات الخارجية السورية:

أثر تنظيم داعش على العلاقات الخارجية للدولة السورية، فقد شكل وجود تنظيم داعش في سوريا تهديدا خطيرا على الأمن القومي والمصالح الوطنية للعديد من الدول، بالإضافة إلى ذلك فإن الأهمية الجيوستراتيجية لموقع سوريا بجانب طبيعة تفاعلات وأهداف نظام بشار الأسد أدت إلى اكتساب الأزمة السورية طابعا إقليميا ودوليا تتكابد على إثره الدول للتدخل في الشأن السوري. وقد أحدث هذا التدخل خللا في العلاقات الخارجية السورية بما نتج عنه من دول مساندة لنظام الأسد، ودول أخرى معارضة له، ودول غيرهما تتدخل لأسباب معنية بمصالحها الخاصة لكنها تتستر وراء مكافحة الإرهاب.

فقد تدخلت الولايات المتحدة في سوريا بغرض حماية الأمن القومي لإسرائيل – باعتبارها حليفها الاستراتيجي الأهم في المنطقة – من الخطر الداعشي، بجانب التضييق على النفوذ الروسي الصاعد في المنطقة، وأيضا بسبب تخوفها من سيطرة داعش على النفط السوري. وعليه فقد شكلت الولايات المتحدة تحالفا دوليا للتدخل العسكري في سوريا تحت قيادتها، كما رفضت إرساء أي علاقات مع نظام الأسد وعملت على نزع شرعيته الدولية، ونفذت عمليات عسكرية ضد معاقل التنظيم في سوريا بالإضافة إلى تقديمها للإمدادات العسكرية اللازمة للمعارضة والقوات الكردية المناهضة لداعش[15].

أما روسيا فتدخلت في الأزمة السورية منذ اندلاعها في 2011 داعمة ومساندة لنظام الأسد وذلك لمصلحتها في استعادة وتقوية نفوذها في الشرق الأوسط ضد الولايات المتحدة، ومن أجل حماية مجالها الحيوي من انتشار الجماعات الإرهابية فيه، وأيضا لبيع السلاح للنظام السوري، وأخيرا لتخوفها من السيطرة الداعشية على النفط. وقد عملت روسيا على استخدام حقها في الفيتو في المحافل الدولية للحيلولة دون التدخل العسكري الغربي في سوريا ولعقد المزيد من المفاوضات بالتعاون مع إيران والصين بعدما نجحت في اجتذابهما إلى صفها بخصوص المسألة السورية. كما تدخلت روسيا عسكريا في سوريا بداية من 2015 بجانب أنها قدمت أشكال متعددة من الدعم العسكري من أسلحة وإمدادات وتدريبات عسكرية إلى النظام السوري. وكان للجهود الروسية في هذا الصدد أثرا فعليا في تحرير العديد من المدن من سيطرة الجماعات الإرهابية[16].

أما التدخل التركي في الأزمة فقد جاء مدفوعا بالتوجس من استقلال أكراد سوريا في ظل حالة الفوضى السياسية التي تمر بها سوريا وإقامتهم دولة مستقلة على حدود تركيا خاصة وأن الولايات المتحدة تدعمهم مما قد يشجع أكراد تركيا على الاستقلال أيضا، لذا فقد تسترت تركيا حول دعاوى مكافحة الإرهاب لتتدخل في سوريا[17]. وعمدت تركيا إلى السيطرة على الأراضي السورية ذات الأغلبية الكردية كما قامت بالعديد من العمليات العسكرية مثل: درع الفرات وغصن الزيتون فيما اعتبره البعض تمهيدا لضم تلك الأراضي إلى السيادة التركية وتقويضا لأي تحركات قد يقوم بها الأكراد مستقبلا[18].

بجانب ما تم ذكرهم من دول يعاني النظام السوري أيضا من تدخلات خارجية وعلاقات تحالف تشترك فيها دول أخرى تحدث آثارا سلبية واسعة على النظام مثل: إيران وإسرائيل، بجانب تدخلات المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمات اللاجئين وغيرها[19].

رابعا: تأثير تنظيم داعش على التماسك المجتمعي:

شكل تنظيم داعش تهديدا خطيرا على التماسك المجتمعي في سوريا نتيجة لما قام به من أعمال وحشية وإتباعه لسياسات اضطهادية ضد كل الطوائف الدينية والإثنية في البلاد. فعلى المستوى الديني أرغمت داعش الأقليات الدينية على تغيير دينهم ودمرت أماكن العبادة لتلك الأقليات، كما فرضت عليهم الضرائب وعملت على استخدام العنف المُمنهج ضدهم لطردهم وتقليص وجودهم في الداخل السوري. فالأقلية المسيحية على سبيل المثال تعرضت لأبشع صور الاضطهاد الديني حيث قام التنظيم بشن الهجمات على الكنائس وحرقها وتدميرها واحتلالها، كما أرغم المسيحيين على اعتناق الإسلام وفرض جزية ضخمة على من لم يعتنقوه، وقامت عناصر التنظيم بمطاردة الأقليات المسيحية، ووصل الأمر إلى قيام التنظيم باختطاف رجال الدين المسيحي وتعذيبهم مثلما حدث مع الراهب الأب دالوليلو الذي اختطفه التنظيم وأخفاه قسريا[20].

أما عن الأقلية الإيزيدية، فقد اعتبرتهم داعش “كفارا” ورفضت الاعتراف بشعائرهم الدينية واعتبرتها دربا من التحريف وعليه فلم يسلم الإيزيديين من هجمات داعش على المدن التي يتركزون فيها واحتلالها والاعتداء على مواطنيها من الإيزيديين وممارسة العنف ضدهم بل وإعدامهم في كثير من الأحيان[21].

وعلى المستوى النوعي، فقد انتهج التنظيم نهجا بالغ التطرف في التعامل مع المرأة السورية، حيث ارتكب أعضاء التنظيم شتى أنواع العنف الجنسي والجسدي ضد النساء، كما قاموا بإكراه النساء على ارتداء زي يخضع لقواعد دينية صارمة، وحرموا النساء من حرية التنقل بدون محرم، وأكرهوهن على الزواج من مقاتلين داعشين. عمد التنظيم إلى استخدام التعذيب لفرض الخضوع إلى قواعده المتطرفة فقام برجم النساء بتهم الزنا، وأعدم من ينتمون إلى الأقليات الجنسية، وجلد من خالفن القواعد الخاصة بالملبس. وقد اعتبرت المنظمات الدولية المعنية بحقوق المرأة وحقوق الإنسان أن سياسات داعش ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب التي يجب التصدي لها دوليا باعتبارها جرائم معادية للإنسانية، كما نوهت على وجوب تقديم الدعم اللازم لمن قاسوا من هذه السياسات المتطرفة[22].

السيناريوهات المستقبلية:

على الرغم من انحسار داعش في الوقت الحالي إلا أن ذلك لا يبشر بمستقبل خالٍ من الإرهاب لسوريا أو المنطقة العربية عامةً، وذلك لأن الدولة السورية لازالت في حالة من الصراع وعدم الاستقرار السياسي والتدخلات الدولية المتزايدة بما ينذر بعودة التنظيم مجددا، أو على أقل تقدير إن لم يتم إحياء التنظيم في تلك الظروف المشابهة لظروف نشأته فعلى الأرجح ستظهر تنظيمات إرهابية أخرى مماثلة نتيجة لاستمرار الظروف المشجعة على تنامي الإرهاب.

وقد قدرت بعض الدراسات أن استمرارية التنظيم ستنتقل إلى مستوى افتراضي بعد فشل نموذج الخلافة على أرض الواقع، حيث لازال التنظيم يوظف أفكاره عن الخلافة ويروج لها بشكل عالمي من خلال الإعلام، أي أن داعش ستعيد التكيف بشكل جديد بعد انحسارها ولن تنتهي[23].

وتتعزز الأفكار القائلة بأن انهيار داعش ما هو إلا انتصارا جزئيا وأن عودتها مسألة وقت فحسب في عدد كبير من الدراسات التي تدلل على ذلك بأن أفكار التنظيم مازالت منتشرة في الداخل السوري، بالإضافة إلى استمرار تغلغل مقاتليه وحلفاؤه في خلايا سرية في الدولة وهو ما ينذر بمحاولات مستقبلية لعودة التنظيم[24].

وترى الباحثة أن تطهير سوريا من داعش ومن الإرهاب عموما تطهيرا كاملا يعد دربا من المستحيل تقريبا خاصة في ظل التواجد الأجنبي للقوى الكبرى وافتقاد النظام السوري لشرعيته وفشل جهود إعادة الإعمار. فعلى الأرجح سيستمر الوضع على ما هو عليه لسنوات أو حتى عقود طويلة، وحتى وإن حدث تغيير في الوضع وتم الاتفاق على تسويه سياسية وبدأت جهود لإعادة الإعمار فإن التخطي التام للتداعيات الشاملة التي أحدثتها داعش على النظام سيعد أمرا صعبا بل وقد يرقى إلى مرتبة المستحيل.

الخاتمة:

أحدث تنظيم داعش تداعيات مدمرة عميقة الأثر على النظام السوري حيث توصلت الدراسة – باستخدام منهج الجماعة لتحليل الجوانب المختلفة لتداعيات داعش على النظام – إلى ارتباط وجود التنظيم بسيادة الفوضى السياسية، وتراجع شرعية الدولة في الداخل والخارج نتيجة قصورها عن أداء وظائفها الأساسية ومنازعة التنظيم لها في تلك الوظائف، وزيادة حدة العنف المسلح وخروجه عن سيطرة الدولة، بجانب تفكك التماسك الاجتماعي الذي أشعل الصراعات الطائفية، وتدهور الأوضاع العامة في المجالات المختلفة.

وختاما، فقد أصبح من المؤكد أن التداعيات التي أحدثتها داعش سوف تجعل من عملية إعادة بناء الدولة السورية واستعادتها لسيادتها الكاملة أمرا شبه مستحيلا خاصةً في ظل استمرار الصراع في التعقد حتى بعد انهيار داعش، ولكن على الأقل نأمل أن تنجح الدولة السورية في استعادة بعض وظائفها في ظل نظام سياسي جديد من انتخاب الشعب وأوضاع سياسية أكثر استقرارا.

قائمة المراجع

أولا: المراجع العربية:

 (1) الرسائل:

(1) تقى عادل محمود النجار، دراسة مقارنة بين السياستين الأميركية والروسية تجاه الإرهاب الدولي بالتطبيق على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2020.

(2) علي بن سليمان بن سعيد الدرمكي، التنمية السياسية ودورها في الاستقرار السياسي في سلطنة عمان (1981-2012)، (رسالة ماجيستير، جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2012). ص ص: 138-147.

للإطلاع على الرسالة: https://meu.edu.jo/libraryTheses/586a18ffd369c_1.pdf

(3) هند عثمان أبو الغيط السيد، الموقف التركي من الإرهاب الدولي بالتطبيق على حالة “داعش”، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2017.

(3) الدوريات:

(1) إريك روبنسون وآخرون، عندما تصل الدولة الإسلامية إلى المدينة: التأثير الاقتصادي لحوكمة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، مؤسسة RAND، 2017.

متاح على: https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RR1900/RR1970/RAND_RR1970z1.arabic.pdf

(2) إيمان زهران، مصر و سوريا..ثنائية ترابط الأمن القومي، مجلة السياسة الدولية، العدد 217، يوليو 2019.

(3) حسن أبو طالب، مستقبل سوريا..بين متغيرات معقدة وأفق مسدود، مجلة السياسة الدولية، العدد 217، يوليو 2019.

(4) محمد أبو رمان، مستقبل داعش: عوامل القوة والضعف ديناميكيات “الخلافة الافتراضية” وفجوة استراتيجيات مكافحة الإرهاب، عمان، مؤسسة فريدريتش إيبرت، 2020.

متاح على: https://library.fes.de/pdf-files/bueros/amman/16942.pdf

(4) المصادر الإلكترونية

لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا: العنف الجنسي والجنساني المُوجَه ضد النساء والفتيات والرجال والأولاد من بين سمات النزاع المُدمِرة والمُستشرية، ويجب أن ينتهي الآن، الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مكتب المفوض السامي، مارس 2018.

https://www.ohchr.org/ar/press-releases/2018/03/un-commission-inquiry-syria-sexual-and-gender-based-violence-against-women

ثانيا: المراجع الأجنبية:

(1) Periodicals:

(1) Caris, Charles C., and Samuel Reynolds. “ISIS GOVERNANCE IN SYRIA.” ISIS GOVERNANCE IN SYRIA. Institute for the Study of War, 2014. http://www.jstor.org/stable/resrep07908.1

(2) websites:

(1) Report of the Independent International Commission of Inquiry on the Syrian Arab Republic: Rule of Terror: Living under ISIS in Syria, Human rights council, 19 November 2014.

https://www.ohchr.org/ar/hr-bodies/hrc/iici-syria/documentation

(2) “Syria Political Stability – Data, Chart | TheGlobalEconomy.com,” 2021. https://www.theglobaleconomy.com/Syria/wb_political_stability/

[1] هند عثمان أبو الغيط السيد، الموقف التركي من الإرهاب الدولي بالتطبيق على حالة “داعش”، (رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2017)،  ص ص: ق-ك.

[2] المرجع السابق، ص: ل.

[3] المرجع السابق، ص: ل.

[4] تقى عادل محمود النجار، دراسة مقارنة بين السياستين الأميركية والروسية تجاه الإرهاب الدولي بالتطبيق على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، (رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2020). ص ص: 31-34.

[5] تقى عادل محمود النجار، المرجع السابق، ص:31.

[6] علي بن سليمان بن سعيد الدرمكي، التنمية السياسية ودورها في الاستقرار السياسي في سلطنة عمان (1981-2012)، (رسالة ماجيستير، جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2012). ص ص: 138-147.

للإطلاع على الرسالة: https://meu.edu.jo/libraryTheses/586a18ffd369c_1.pdf

[7] “Syria Political Stability – Data, Chart | TheGlobalEconomy.com,” 2021. https://www.theglobaleconomy.com/Syria/wb_political_stability/

[8] Caris, Charles C., and Samuel Reynolds. “ISIS GOVERNANCE IN SYRIA.” ISIS GOVERNANCE IN SYRIA. Institute for the Study of War, 2014. http://www.jstor.org/stable/resrep07908.1

[9] إريك روبنسون وآخرون، عندما تصل الدولة الإسلامية إلى المدينة: التأثير الاقتصادي لحوكمة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، مؤسسة RAND، 2017.

متاح على: https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RR1900/RR1970/RAND_RR1970z1.arabic.pdf

[10]إريك روبنسون وآخرون، المرجع السابق. ص ص: 119-121.

[11]  إريك روبنسون وآخرون، مرجع سبق ذكره. ص ص: 107-109.

[12] إريك روبنسون وآخرون، مرجع سبق ذكره. ص: 181

[13] إريك روبنسون وآخرون، مرجع سبق ذكره. ص: 182

[14] هند عثمان أبو الغيط السيد، مرجع سبق ذكره. ص ص: 37-38.

[15] تقى عادل محمود النجار، مرجع سبق ذكره. ص ص: 70 – 85.

[16] تقى عادل محمود النجار مرجع سبق ذكره. ص ص: 107 – 122.

[17] تقى عادل محمود النجار، مرجع سبق ذكره. ص: 84.

[18] إيمان زهران، مصر و سوريا..ثنائية ترابط الأمن القومي، مجلة السياسة الدولية، العدد 217، يوليو 2019. ص ص: 124- 125.

[19] المرجع السابق، ص ص: 125- 127.

[20] Report of the Independent International Commission of Inquiry on the Syrian Arab Republic: Rule of Terror: Living under ISIS in Syria, Human rights council, 19 November 2014. P: 4-5.

https://www.ohchr.org/ar/hr-bodies/hrc/iici-syria/documentation

[21] Ibid, p: 7.

[22] لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا: العنف الجنسي والجنساني المُوجَه ضد النساء والفتيات والرجال والأولاد من بين سمات النزاع المُدمِرة والمُستشرية، ويجب أن ينتهي الآن، الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مكتب المفوض السامي، مارس 2018.

https://www.ohchr.org/ar/press-releases/2018/03/un-commission-inquiry-syria-sexual-and-gender-based-violence-against-women

[23] محمد أبو رمان، مستقبل داعش: عوامل القوة والضعف ديناميكيات “الخلافة الافتراضية” وفجوة استراتيجيات مكافحة الإرهاب، عمان، مؤسسة فريدريتش إيبرت، 2020. ص ص: 19-20.

متاح على: https://library.fes.de/pdf-files/bueros/amman/16942.pdf

[24] حسن أبو طالب، مستقبل سوريا..بين متغيرات معقدة وأفق مسدود، مجلة السياسة الدولية، العدد 217، يوليو 2019. ص ص: 206 – 211.

4.5/5 - (8 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى