ترانسفير غزة – سيناء : تصفية للقضية الفلسطينية وابتلاع محتمل لقناة السويس
اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
إلتقي الرئيس المصري بالمستشار الألماني في القاهرة بقصر الإتحادية في 18 أكتوبر 2024 وكانت الموضوع الرئيسي لتلك الزيارة هو تداعيات معركة ” طوفان الأقصي” التي بدات في وقت مبكر من يوم 7 أكتوبر 2023 ووصلت داعياتها إلي قرار الكيان الصهيوني بالإجتياح البري لقطاع غزة وفرض الحصار عليه للإطباق عليه بعمل عسكري شامل .
تضمنت الكلمة التي ألقاها الرئيس المصري :
“لقد تناولت مباحثاتنا اليوم مع فخامة المستشار الألمانى بشكل تفصيلى المواجهات العسكرية بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى والتصعيد العسكرى فى قطاع غزة الذى أودى بحياة آلاف من المدنيين من الجانبين، وينذر أيضا بمخاطر جسيمة على المدنيين وعلى شعوب المنطقة كما أن الوضع الإنسانى فى قطاع غزة آخذ فى التدهور بصورة مؤسفة.. وغير مسبوقة .
إن استمرار العمليات العسكرية الحالية، سيكون له تداعيات أمنية وإنسانية يمكن أن تخرج عن السيطرة بل تنذر بخطورة توسيع رقعة الصراع فى حالة عدم تضافر جهود كافة الأطراف الدولية والإقليمية للوقف الفورى للتصعيد الحالى .
لقد تناولت وفخامة المستشار “شولتس”، الجهود المصرية من أجل احتواء الأزمة من خلال اتصالاتنا المكثفة مع طرفى الصراع وكافة الأطراف الدولية والإقليمية على مدار الأيام الماضية.. واتفقنا فى الرؤى حول الحاجة الضرورية لعودة مسار التهدئة وفتح آفاق جديدة للتسوية من أجل تجنب انزلاق المنطقة إلى حلقة مفرغة من العنف وتعريض حياة المدنيين للمزيد من المخاطر .
أكدت كذلك، ضرورة التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور شامل ومتكامل يضمن حقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها “القدس الشرقية “.
واتفقنا فى الرؤى مع فخامة المستشار الألمانى على أهمية العمل بشكل مكثف على استئناف عملية السلام عقب احتواء التصعيد الراهن وإيجاد آفاق لتسوية القضية الفلسطينية .
كما أعربت لفخامته عن قلق مصر البالغ من خطورة تدهور الأوضاع الإنسانية فى قطاع غزة وشددت على ضرورة السماح، بمرور المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع وتيسير عمل المنظمات الأممية والإنسانية ذات الصلة .
وأكدت مجددا استمرار مصر فى استقبال المساعدات الإنسانية والتزامها بنقل تلك المساعدات لقطاع غزة عن طريق معبر رفح البرى لدى سماح الأوضاع بذلك أخذا فى الاعتبار أن مصر لم تقم بإغلاقه منذ اندلاع الأزمة إلا أن التطورات على الأرض وتكرار القصف الإسرائيلى للجانب الفلسطينى من المعبر.. حال دون عمله .
كما أكدت رفض مصر لتصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية أو أية محاولات لتهجير الفلسطينيين قسريا من أرضهم أو أن يأتى ذلك على حساب دول المنطقة وأكدت فى هذا الصدد أن مصر ستظل على موقفها الداعم للحق الفلسطينى المشروع فى أرضه ونضال الشعب الفلسطينى .
وعندما خرج الرئيس المصري عن ما ورد بالنص المكتوب قال موجها كلامه للمستشار الألماني :
“إذا كانت هناك فكرة للتهجير فلِمَ لا يُنقل الفلسطينيون إلى النقب” منبّها إلى أن بلاده ترفض أن تتحول سيناء إلى “قاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية ضد إسرائيل” وحذر الرئيس المصري من تبعات هذه الخطوة قائلا إن «الحديث عن فكرة نقل المقاومة والقتال من قطاع غزة إلى سيناء ستنقل بالتالي المواجهات إلى مصر علماً أن مصر دولة كبيرة حرصت على السلام بإخلاص» كما رفض المسؤولون الفلسطينيون والمصريون احتمال نقل سكان غزة إلى سيناء، محذرين من أن ذلك سيشكّل نكبة ثانية أو تطهيرًا عرقيًا آخر للفلسطينيين .
شبه جزيرة سيناء تقع بين خليجي العقبة شرقاً وخليج السويس غرباً وبهذا تكون شبه الجزيرة مثلثاً تطل قاعدته شمالاً علي البحر المتوسط وطوله 130 ميل وضلعاه علي الخليجين المُشار إليهما بإمتداد 150 ميلاً علي خليج السويس ونحو مائة ميل علي خليج العقبة ورأس محمد الواقع في رأس هذا المثلث .
تتكون شبه جزيرة سيناء من محافظتين هما محافظة شمال سيناء وبها 6 مراكز و6 مدن و82 وحدة محلية وقروية و82 قرية تابعة وتبلغ مساحتها الكلية 27564كزم مربع والمساحة المأهولة منها تبلغ 1564,74 والأراضي الزراعية بها تبلغ مساحتها 32,50كم مربع داخل الزمام و1271كم مربع خارج الزمام , ويبلغ عدد السكان تقديراً280 ألف نسمة أما محافظة جنوب سيناء فتقع في القسم الجنوبي لشبه جزيرة سيناء وتبلغ مساحتها 31272 كم مربع ويبلغ عدد السكان بها 60 الف نسمة والمساحة المأهولة بها تبلغ 16791 كم مربع والأراضي الزراعية داخل زمامها تبلغ 10602 كم مربع ولا توجد أراضي خارج الزمام , وتنقسم إدارياً إلي 5 مراكز و8 مدن و9 وحدات محلية قروية و9 قري تابعة بالإضافة إلي 74 تجمع بدوي .
تبلغ المساحة الكلية لشبه جزيرة سيناء 60 ألف كيلو متر مربع أي 6 % من مساحة مصر, ويقدر عدد السكان القاطنين فيها بأكثر من مليون وأربعمائة ألف نسمة وتضم شبه الجزيرة محافظتي شمال وجنوب سيناء وتتخذ من العريش على ساحل البحر المتوسط مركزها الإداري .
كان هناك المشروع القومي لتنمية سيناء وكان المُقدر له رسميًا أن يتم في الفترة ما بين 1994 حتى 2017* (المشروع القومي لتنمية سيناء . وزارة الإعلام – الهيئة العامة للاستعلامات – أبريل 1996والجدير بالتأمل أن المشروع القومي لتنمية سيناء خُطط لتنفيذه ليتزامن مع البداية الفعلية للشح المائي المُتوقع أن يُواجه مصر عام 2017 فوفقًا لنشرة أصدرتها وزارة الري المصرية في أغسطس 1999 (عندما كان عدد السكان 63 مليون نسمة)، فإن حصة الفرد المصري من المياه التي تبلغ أقل من 936 متر مكعب سنويًا ستبلغ نصف هذه الكمية خلال الـ25 عامًا المقبلة بسبب تزايد السكان وأشارت النشرة إلى أنه سيبلغ عام 2025 ما مقداره 582 متر مكعب/ عام، وأن الحد الأدنى لنصيب الفرد المُوصى به عالميًا يبلغ 1000 متر مكعب/ عام , وكان المشروع القومي لتنمية سيناء ومشروع توشكى خطوتين إضافيتين لمواجهة أزمة المياه والغذاء في مصر وكلا المشروعين وُوجه بصعاب جمة جعلت مردوديتهما محدودة للغاية ، وأخيرًا اتجهت مصر للبحث عن إمكانية الاعتماد على مخزون المياه بخزان الحجر الرملي النوبي بصحراء مصر الغربية للخروج من وادي النيل وتفتيت الكتلة السكانية المُتركزة على جانبي نهر النيل المصري، وكان مشروع الاعتماد على خزان الحجر النوبي في النهاية يعد أحد البدائل القليلة المُتاحة أمام مصر لمواجهة أزمتها المائية .
مـــخاطــر الترانسفـــــير
أولاً علي القضية الفلسطينية :
– بتحقيق الترانسفير يكون الفصل الأخير للقضية الفلسطينية قد كُتب ووضعت له نهاية وتكون كل التضحيات التي بُذلت منذ حرب 1948 قد تم التنكر لها بالرغم من قدسيتها , ويُضاف إلي ذلك منح مصداقية لكل الشعارات والأكاذيب الصهيونية واليهودية المتعلقة بالصراع العربي / الصهيوني وبالتالي أو إرتباطاً بذلك تكون قرارات الأمم المتحدة ووكالاتها المُتخصصة والهيئات ذات الصلة معدومة الأثر والمرجعية , وحتي المرجعيات الدولية ذات الصلة بالقضية كحل الدولتين تكون قد إنتهت وأصبحت معدومة الأثر ولا فاعلية لها .
– ترتيباً علي ما تقدم فقد آلت القدس للأبد للصهاينة بمجرد قبول التــرانــــســــفـــير وقُطعت الصلة بين الفلسطينيين وبين المدينة المُقدسة فقد أصبحوا بقبول الترانسفير لسيناء في مصر والأردن لا صلة جغرافية لهم بفلسطين ولا القدس بالتبعية .
– بعد قبول الترانسفير سيصبح الفلسطينيون بلا قضية ولا مظلة دولية لوضعهم وسيكون أمرهم محصوراً في تبعيتهم وبدون وضعية مواطنة كاملة بالدولتين اللتين قبلتا هذا الترانسفير وهما تحديداً مصر والأردن اللتين ستحصلان في الأمد القصير علي بعض المساعدات الأمريكية والخليجية والأوروبية التي ستنقطع أو تتعرض للتناقص تدريجياً بتقادم عملية الترانسفير
– ستتحول القضية الفلسطينية من قضية سياسية بإمتياز إلي قضية إنسانية بحتة تتعلق ببشر بعد أن كانت صراع بين الصهاينة والفلسطينيين العرب وكانت لهذا قضية جاذبة للمجتمع الدولي أما بعد قبول الترانسفير فستكون قضية إنسانية صرفة جاذبة للمنظمات غير الحكومية فقط ولا صلة لها بالأمم المتحدة ولا وكالاتها ذات الصلة , وسيكون وضع الفلسطينيين مُشابه وقد يكون أقل من شعب بورت ريكو وعلاقتهم بالولايات المتحدة الأمريكية ( الجزيرة رغم أنها تابعة للولايات المتحدة إلا أنه لا يسمح لسكانها بالتصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو انتخاب ممثلين لهم في الكونجرس الأميركي مع أن القوانين الأميركية تمسهم بشكل مباشر) .
– ستتفكك بالتبعية السلطة الفلسطينية في رام الله وتذوب وتتحلل بصفة نهائية إتفاقات أوسلو وتتناقص تدريجياً قدرات خماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من التظيمات الجهادية وتشيع الفرقة والإنقسام المُدمر بين الفلسطينيين الذين سيتحولون إلي تجمع بشري بلا قوام مُحدد بعذ ان كانوا بفضل القضية الفلسطينية والتنظيمات المُسلحة فتح والتظيمات الجهادية الإسلامية مجتمع ذا قوام مُتماسك ومُحدد وقادر علي أن يناصب الصهاينة العداء .
ثانــــيـــاً علي مـــــصــــر :
– فيما يتعلق بمصر سيكون الترانسفير في نطاق جغرافي قابل للإتساع تدريجياً فقطاع غزّة المنطقة الجنوبية بالسهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط يُعد شريطاً ضيّقاً شمال شرق شبه جزيرة سيناء ومساحته الكلية 365 كم مربع وعدد سكانه 2,048 مليون نسمة فيما مساحة الجزء الذي سيتم توطين نحو مليون فلسطيني في شبه جزيرة سينا أقل من ذلك في البداية (يُقال أن التوطين سيكون في مستوطنة صهيونية دُمرت عند جلاء الصاينة عن سيناء في أبريل 1988 تُدعي ياميت (ياميت وكانت مستوطنة إسرائيلية قرب رفح في شمال سيناء أجلي منها سكانها من بدو سيناء لإنشاءها وأخليت لاحقاً وتقع اليوم قرب قرية أبو شنار) أو في بئر العبد ( وهي إحدى مدن محافظة شمال سيناء تقع على طريق القنطرة – رفح على ضفاف بحيرة البردويل وتقع على بعد نحو 30 كيلو متراً شرق بيلوزيوم على طريق القنطرة- العريش الساحلي وهي منطقة معروفة كمركز مهم على الطريق الحربي الكبير منذ القدم ) وفي أي من هذين الموضعين ستكون ياميت أو رفح وبئر العبد كلتاهما مجرد نقطة بداية يتم التوسع فيها بالنمو السكاني للمليون فلسطيني الذين سيكون تمددهم الجغرافي في سيناء ضرورياً بمعني أن المليون في 5 سنوات سيكون من المحتمل أن ينمو ليبلغوا 5 ملايين في عشر سنوات أو أقل أي أكثر من سكان سيناء كلها بمحافظتيها وسيكون التمدد الديموجرافي للفلسطينيين – إن تحقق الترانسفير- مرتبط بتغيرات للموائمة سواء النطاق الجغرافي لهم أو الخدمات المُقدمة لهم أو لوضعيتهم كأنصاف مواطنيين وهي مسألة ستكون محل نظر فهل يظلوا أنصاف مواطنين أم لاجئين أم مواطنين أم جنسية مزدوجة .
– إن وافقت مــصــر علي مبدأ الترانسفير فإنها ستتعرض لتطبيقات صهيونية مختلفة ستنال من سيادتها مستقبلاً وستنال بالضرورة من إستقرار الفلسطينيين في مجتمع الترانسفير في سيناء بالذات فإستراتيجية الصهاينة ستتجة إلي إبتلاع سيناء في مخطط مستقبلي مُتدرج زمنياً وموضوعياً فعلي سبيل المثال أُحيطت غزة عند الإنسحاب الصهيوني منها عام 2005 بما يُسمي بمستوطنات “غلاف غزة” , , وهذه المستوطنات سيطالب بها الصهاينة حول مكان توطين الفلسطينيين سواء كان في ياميت أو بئر العبد أو أي مكان آخر ( قد يكون توطين الفلسطينيين في هذين الموضعين أو غيرهما لا أحد يعلم يقيناً) أي الصهاينة سيطلبون تحت ذرائع أمنية بعلاف من المستوطنات حول مناطق توطن الفلسطينيين في سيناء بترتيبات أو إتفاقات أمنية مكتوبة وبالتالي سيكون هذا الترانسفير طريق مؤد لإبتلاع الصهاينة لسيناء وبمخطط تدريجي .
التراتسفير سيرتب للفلسطينيين علي الأمد الطويل حقاً في المواطنة أو المنازعة كحق من حقوق الإنسان- طالما أصبح لهم وجود مادي في سيناء – وبالتالي ففي الأمد الطويل ستكون مصر عرضة لمن ينازعها السيادة علي قناة السويس , ولما كانت مصر حالياً بالغة الأهمية لدي متخذ القرار الأمريكي بإعتبارها :
- مصر دولة جوار للكيان الصهيوني الذي يعتبر قاعدة عمل عسكري وسياسي إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فهي ذات أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة وللأمن القومي الأمريكي , وبالتالي كانت ومازالت مصر هامة للأمن القومي الأمريكي وسيكون في قبول مصر لتوطين الفلسطينيين داخل سيناء ما يعني تخليها عن هذه الأهمية للأبد فقد تتمدد ياميت علي طول الحدود بين مصر والكيان الصهيوني وبالتالي تفقد مصر ميزة وخطورة جوارها المباشر للكيان الصهيوني .
2- قناة السويس سواء تمدد الترانسفير مُستقبلاً ليصل إلي تخومها أو تحول هذا الترانسفير مرة أخري في المستقبل إلي قاعدة إنطلاق أعمال عسكرية فلسطينية موجهة إلي العدو الصهيوني وهذا طبيعي ومُرجح جدا لذا ففي الحالتين سيتعرض أمن قناة السويس لخطر ماحق , ولما كانت قناة السويس شريان نقل دولي شديد الحساسية والأهمية الإستراتيجية سواء للولايات المتحدة ولقيادتها العسكرية المركزية وللمجتمع الدولي المُستفيد بها , ففي هذه الحالة تعرض مصر طواعية قناة السويس علي الأمد البعيد والمؤكد لخسارة جزئية أو كلية , وقد تفقد مصر قناة السويس وتنازعها في السيادة قوة أو سلطة أخري سواء فلسطينيو الترانسفير أو الصهاينة ( تحت دعاوي وذرائع مختلفة) .
- فمصر بدون ترنسفير كاملة السيادة علي شبه جزيرة سيناء كاملة غير منقوصة لكن بالترانسفير تستدعي من قد ينازعها علي المدي المتوسط والبعيد من ينازعها السيادة والسلطة علي شبة جزيرة سيناء وقناة السويس معاً أو كليهما , فعلي مصر توخي الحذر الإستراتيجي .
ثـالثـاً علي الفلسطينيين ومصر معاً :
- سيفقد الفسطينيون ميزة إمكانية تشكيل وبلورة المخاطر المباشرة علي أمن الكيان الصهيوني ففي طوفان الأقصي كان من اليسير الوصول مباشرة إلي مستوطنات غلاف غزة وإجتياحها أما في حالة الترانسفير فسيكون الخطر غير مباشر علي الكيان الصهيوني , وستفقد مصر كل مميزات الوصول المتنوع لها لعقل وأمن الكيان الصهيوني فستتخلي عن المعابر والترتيبات الأمنية التي تربطها بالكيان الصهيوني الذي أضطرته الضرورات للتعامل المباشر مع مصر ومؤسساتها , وسيودي الترانسفير إلي خسارة مصر هذه الميزة .
- ستفقد مصر والفلسطينيين معاً ميزة تشكيل المقاومة الإسلامية شوكة حادة في خاصرة أمن الكيان الصهيوني وسيتلقي الجيش المصري إن قبلت مصر تحت أي مغريات أو ذرائع الترانسفير فسيتسلم الجيش المصري كل أعباء ومخاطر المقاومة الإسلامية الفلسطينية التي ستتمدد وتتوسع في سيناء بعد أن كان الكيان الصهيوني هو الوحيد الذي يتلقي ضرباتها الموجعة , وربما تطورت الأمور بخطورة داخل شبه جزيرة سيناء للتحول لأقليم مُشابه لدارفور في حالة السودان أو كابيندا في حالة أنجولا , فالترانسفير وبشكل مؤكد سيكون عبئاً علي الجيش المصري بالدرجة الأولي وثقب قابل للإتساع بسرعة لأمن مصر القومي وغير قابل للرتق بشكل أو آخر , كل ما ستفعله مصر – إن قبلت أو ضغط غيرها عليها لتقبل الترانسفير – هو أنها ستسدي معروفا إلي الصهاينة لا يستحقونه بالمرة بإرحاتهم من جحيم المقاومة الإسلامية الفلسطينية للأبد وحمل المؤسسة العسكرية المصرية طواعية لتبعات هذه المقاومة الإسلامية وستكون غير مشكورة علي تحمل هذه التبعات بطبيعة الأمر .
- إن تم تنفيذ الترانسفير فسوف يتخلص الجيش الصهيوني من العبء الأكبر والهم الأثقل الذي حمله علي كاهله لسنوات طويلة , وبمجرد تخلصه من هذا العبء فسوف يتفرغ الجيش الصهيوني للعمل التخريبي والسلبي الهدام علي الجبهات المختلفة مع الجيوش العربية بدءاً من لبنان فسوريا فالأردن فمصر التي سيركز الجانب الأعظم والأكثر إضراراً له , ولما كان الترانسفير سيوفر للجيش الصهيوني فرصة متعة تخريب وهدم المؤسسات العسكرية العربية المحيطة والمواجهة له فسوف لا تكون لدي هذه الجيوش الوسيلة الناجعة لإستزاف هذا الجيش بإنتظام , فهو جيش ومؤسسة مدمرة عدوانية بطبيعة تكوينه فإساسه عصابات شتيرن وغيرها وهدفه إستيطاني , لذلك فالترانسفير مُؤيد من هذا الجيش الصهيوني بلا شك .
أما الآن فلنا أن نننظر لسيناء نظرة جادة ونعيد البصر كرتين لها ونواجه مشروع الترانسفير بمشروع إيجابي آخر فالترانسفير في ذروته عمل سلبي للفلسطينيين والمصريين معاً أما العمل الإيجابي فهم إستدعاء المشروع القومي لتنمية سيناء .
المشروع القومي لتنمية سيناء :
بدأ التفكير في هذا المشروع قبل اتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء في 25 أبريل 1982، فقبل هذا الانسحاب قامت السلطات الإسرائيلية بتدمير مدينة (مستوطنة) ياميت بشمال سيناء وطال التدمير مرافقها من خزانات مياه وشبكات كهرباء، وقد أشار محافظ شمال سيناء الأسبق اللواء أحمد عبدالحميد إلى أن التخطيط المصري الشامل فيما يتعلق بسيناء كان على مراحل رئيسية بدأت المرحلة الأولى منها عام 1979، حيث تم وضع خطة العودة بتوفير الخدمات والمرافق والسلع للسكان العاديين وإعادة توطين المُهجرين، وبدأت المرحلة الثانية عام 1982 عند انسحاب إسرائيل حيث تم مد مجموعة من الطرق وتوفير الخدمات وإزالة مظاهر العزلة وقبل الانسحاب مباشرة اتخذ قرار بإعادة رسم الخريطة الإدارية لسيناء بتقسيمها إلى محافظتين وضم أجزاء منها شرق قناة السويس إلي محافظات بورسعيدوالإسماعيلية والسويس (وهو ما لا يرضي الصهاينة) في إطار خطة مُتكاملة لتركيز جهود التنمية لكل شبر في سيناء، فصدر القرار الجمهوري رقم 84 لسنة 1979 بتقسيم شبه جزيرة سيناء إلى محافظتين محافظة شمال سيناء وتعدادها 213 ألف نسمة، ومحافظة جنوب سيناء وتعدادها 34 ألف نسمة (المشروع القومي لتنمية سيناء – وزارة الإعلام. الهيئة العامة للاستعلامات . أبريل 1996. صفحة 13)، ويضمان 6 مراكز هي: العريش ورفح والشيخ زويد وبئر العبد والحسنة ونخل و82 قرية و458 تابعًا، وفي المرحلة الثالثة بدأت الدولة في وضع الخطة الاستراتيجية الشاملة لتنمية شمال سيناء. *(الأهرام تحقيق بعنوان “فجر التنمية يشرق في سيناء”. 24 أبريل 2003. صفحة 18)
أقر مجلس الوزراء المصري في 13 أكتوبر 1994 المشروع القومي لتنمية سيناء ونشر الإعلام المصري أن الرئيس مبارك أقر هذا المشروع في 14 أكتوبر 1994، والذي أشار محافظ شمال سيناء إلى أنه يعتبر أول مشروع تنموي قومي لسيناء بهدف تحويلها لمنظومة تنموية مُتكاملة ضمن برنامج متكامل لتنمية سيناء من خلال إطار عام للمشروع يتحدد إجمالي التكلفة الاستثمارية له بحوالي 6,110 مليار جنيه لسيناء ، منها 64 مليار جنيه لشمال سيناء، و46,4 مليار جنيه لجنوبها، وإجمالي سكان سيناء المُستهدفين بالتنمية حتى عام 2017 ومجموعهم يُقدر بـ3,25 مليون نسمة بإجمالي فرص عمل التي تنتج عن هذا المشروع القومي تبلغ 837 فرصة عمل ، طبعًا بالإضافة لتنمية الموارد الطبيعية وخاصة المائية والمساهمة في تحقيق التوازن السكاني على مستوى الجمهورية من خلال جذب وتوطين ما يزيد على 3 ملايين مواطن مع تحقيق تنمية بشرية فعالة وتحقيق العدالة الاجتماعية. *(الأهرام 24 أبريل 2003).
أشار علي حفظي محافظ سيناء الأسبق في الفترة من 1997 حتى 1999 إلى أنه وفي سبيل تحقيق المشروع القومي لتنمية سيناء، فلا بد من التعامل مع القطاعات والموارد بشكل متكامل، وألا نتعامل مع قطاع أو نشاط على حساب الآخر حتى نحقق أقصى جدوى اقتصادية للأنشطة ككل، فيما يتعلق بالمياه أشار بقوله أنه من غير المعقول التركيز على الزراعة في منطقة وسط سيناء في الوقت الذي تفتقر فيه تلك المنطقة إلى موارد مائية كافية، حيث تتوافر المياه في هذه المنطقة على أعماق تقترب من 1200 متر تحت سطح البحر ، وتبلغ تكلفة البئر الواحدة من مليون جنيه فصاعداً . *(المرجع السابق) .
يرى محافظ سيناء الأسبق على حفظي أن خريطة التنمية لسيناء يمكن تقسيمها لثلاثة محاور، الأول، يتضمن الشريط الساحلي من بالوظة إلى رفح مرورًا ببئر العبد والعريش والشيخ زويد ويعتمد على التنمية الزراعية بشكل رئيسي، والمحور الثاني، مجاله الجزء الأوسط من سيناء ويشمل الإسماعيلية فالعوجة مرورًا بالحسنة وبغداد، وتقوم تنميته أساسًا على النشاط الصناعي لتوافر الموارد التعدينية به، أما المحور الثالث، فيبدأ من السويس حتى طابا مارًا بمنطقة التمد ونخل والنشاط السياحي عماد تنميته لأن به طريق الحج القديم، كما أنه يربط الوادي وسيناء من خلال ميناءي نويبع وطابا بالسعودية والأردن . *(المرجع السابق)
يستهدف المشروع القومي لتنمية سيناء كما يقول محافظ سيناء الأسبق محمد دسوقي الغاياتي في الفترة من 1996 حتى 1997، زراعة 400 ألف فدان، منها 50 ألف فدان في سهل الطينة جنوبي بورسعيد، و75 ألف فدان جنوبي مدينة القنطرة شرقي الإسماعيلية ، وهذا هو المخطط في المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية، من المشروع القومي فتشمل 70 ألف فدان في منطقة رابعة إضافة إلى 70 ألف فدان أخرى في بئر العبد، أما المرحلة الثالثة، فهي تتركز في زراعة 135 ألف فدان في منطقة السر والوارير ليستوعب المشروع توطين 3,2 مليون مواطن من خلال إنشاء 45 قرية نموذجية حتى عام 2017 مع 11 منطقة صناعية، أكد سيادته أنه لم يُنفذ منها شيء حتى الآن، وبدوره أكد اللواء منير شاش المحافظ الأسبق لسيناء في الفترة من 1982 حتى 1996 أن مشروع تنمية سيناء تم اختزاله من مشروع قومي شامل إلى مشروع لتوصيل ترعة السلام إلى سيناء فقط، والتي تحولت في العديد من الأماكن التي وصلت إليها إلى مزارع سمكية وهو مُخالف لما خُطط له، وبالرغم من الحاجة للتنمية الزراعية في سيناء فإنه لا يوجد بسيناء خبراء زراعة، فالخبراء المختصون هناك هم خبراء ري، وهناك سؤالان هما: لماذا تسلم وزارة الزراعة مشروع ترعة السلام لوزارة الري التي يقوم خبراؤها بالتخطيط وتوزيع الأراضي؟ لماذا يغيب دور وزارة الزراعة بالرغم من كونه دورًا رئيسيًا لقيام مجتمعات التنمية الزراعية الحقيقية ؟ *(المرجع السابق)
نسبت الحكومة المصرية كالعهد بها المشروع القومي لتنمية سيناء لرئيس الجمهورية محمد حسني مبارك 1981- 2011، فقد ذكرت الهيئة العامة للاستعلامات في مقدمة إصدارها المُعنون “المشروع القومي لتنمية سيناء” الصادر في أبريل 1996 أن الرئيس مبارك “حدد استراتيجية جديدة متكاملة الملامح والأبعاد لمرحلة قادمة من العمل الوطني بقوله”، إنه آن الأوان لنبدأ ودون إبطاء في تنفيذ المشروع القومي لتنمية شبه جزيرة سيناء الذي يهدف إلى دمج سيناء في الكيان الاقتصادي والاجتماعي لبقية الأقاليم المصرية من خلال برنامج طموح يركز على زيادة العمران البشري والارتقاء بمستوى الحياة في سيناء” .
وضعت الحكومة المصرية المشروع القومي لتنمية سيناء ضمن الخطة الخمسية الثالثة 1992 – 1997 على أن تنتهي آخر مراحله المتتالية عام 2017، وقد أشار وزير التخطيط الاقتصادي في حديثه مع صحيفة الأهرام إلى أن مشروع تنمية سيناء على مياه ترعة السلام (التي أُطلقت المياه فيها لأول مرة عام 1997) خُصص له 3 مليارات جنيه، كما خُصص لمشروع شمال غرب خليج السويس نحو 200 مليون جنيه، ومشروع شرق بورسعيد 1,5 مليار جنيه في الخطة الخمسية الحالية 2007 *(صحيفة الأهرام 28 سبتمبر 2002)، وبعد هذا التصريح بأسبوع أشار إلى أنه سيتم الانتهاء خلال الخطة الخمسية الحالية 2002/ 2007 من تنفيذ أكثر من 95% من أعمال مشروع تنمية شمال سيناء، وأن الخطة خصصت للمشروع استثمارات قدرها 3 مليارات جنيه منها 350 مليون جنيه استثمارات العام الأول من الخطة وأن بنك الاستثمار القومي يقوم بتوفير 330 مليون جنيه منها” ثم أوضح قوله “إن إجمالي تكلفة هذا المشروع تبلغ نحو 6,8 مليار جنيه تم تنفيذ أعمال منها خلال الخطة الخمسية الرابعة 1997/2002 بما قيمته نحو 3,2 مليار جنيه والحكومة مُلتزمة بتوفير التمويل اللازم للمشروع حتى بعد تحويل جهاز تنمية سيناء إلى شركة قابضة بقرار جمهوري صدر في فبراير 2002” .
حددت الحكومة أبعاد مشروع تنمية شمال سيناء بأنه سيرتكز على الاستفادة من موقع سيناء المميز من خلال توطين مشروعات التخزين والتجميع وإعادة التصدير وما سيصاحب ذلك بالضرورة من تطوير للخدمات الملاحية والشحن والتفريغ والتغليف وإقامة المعارض الدولية، وكذلك الاستفادة من المشروع بتطوير النشاط الصناعي والاهتمام بالنشاط الزراعي بإنتاج المحاصيل التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه، وأخيرًا الاستفادة من النشاط السياحي، على ان يكون ذلك أو يؤدي إلى دمج سيناء في الكيان الاقتصادي والاجتماعي لبقية الأقاليم المصرية من خلال إيجاد محور تنموي رئيسي يضم ثلاثة أقطاب رئيسية (العريش – الطور – نويبع)، مع وضع قطب مركزي في نخل التي تتوسط شبه الجزيرة، وضعًا في الاعتبار أن التنمية الشاملة لسيناء وهياكلها الاقتصادية تعتمد على المحورين التنمويين الشمالي والغربي واللذين يضمان كلًا من قطاع العريش وخليج السويس (محور العريش – الطور)، بينما هناك أيضًا محور تنموي شرقي يتمثل في قطاع العقبة والذي يعتمد أساسًا على السياحة الدولية وأخيرًا المحور التنموي الأوسط في قطاع نخل والذي من المفروض أن يُقام فيه وادي التكنولوجيا ومعاهد متخصصة ومراكز أبحاث ومركز للحج وسياحة السيارات والسفاري إلخ .
فيما يتعلق بالجزء المتعلق بارتباط المشروع القومي لتنمية لسيناء بالسياسة المائية لمصر فلأن هذا المشروع تضمن عملية تدعيم الإنتاج الزراعي والمساهمة في زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من الحاصلات الزراعية بالإضافة إلى توطين سكان سيناء الحاليين واستيعاب 165 ألف فرصة عمل كان من الضروري العمل على الاستخدام الأمثل للموارد المائية، حيث يستهدف المشروع زيادة الرقعة الزراعية بمقدار 772 ألف فدان شاملة المساحات المُستهدف زراعتها بعد تنفيذ مشروعات أعالي النيل، وتبلغ 250 ألف فدان بالإضافة إلى ما هو قائم ويُقدر بنحو 175 ألف فدان، وبناء على ذلك حدد القائمون على تخطيط المشروع القومي لتنمية سيناء في القطاع الزراعي وضع ثلاثة مشروعات مُستهدفة على مدى نهايته عام 2017 لاستغلال مياه النيل المنقولة لتحقيق التوسع الزراعي بشبه جزيرة سيناء وهي:
- المشروع الأول : ويتضمن استصلاح 400 ألف فدان بشمال سيناء اعتمادًا على مياه النيل عبر ترعة السلام بواسطة سحارة عند كم 28 جنوب بورسعيد بطاقة 3 مليارات متر مكعب/ عام، وقد خصصت خطة عامي 1995/1996 للمشروع القومي لتنمية سيناء لهذا المشروع استثمارات بلغت 150 مليون جنيه.
- المشروع الثاني : يستهدف استصلاح 77 ألف فدان بشرق قناة السويس من خلال نقل مياه النيل عبر سحارة الدفرسوار أسفل قناة السويس بطاقة 420 مليون متر مكعب/ عام.
- المشروع الثالث : يستهدف استصلاح 250 ألف فدان على المدى الطويل بشرق قناة السويس بعد تنفيذ مشروعات أعالي النيل .
ويجدر بالذكر أن المشروعين الثاني والثالث كانت الحكومة قد أقدمت على تنفيذه منذ خمسين عامًا خلت عندما بدأت المؤسسة العامة لتعمير الصحاري في تنفيذ مشروع شرق السويس والذي يمتد على الضفة الشرقية من قناة السويس من شرق مدينة السويس جنوبًا وحتى منتصف البر الشرقي، ومن البحيرات المرة الكبرى شمالًا بمساحة قدرها 40 ألف فدان، وبعد انسحاب القوات الإسرائلية في أبريل 1982 استؤنف العمل بالمشروع وأُضيف إليه امتداد من ناحيته الشمالية، بينما أُطلق عليه “مشروع استصلاح شرق البحيرات المرة ومساحته 30 ألف فدان” تصل بالمسطح الأخضر إلى شمال مدينة الإسماعيلية على الضفة الشرقية من قناة السويس ويُروى هذا المشروع من خلال نقل مياه النيل عبر سحارة أسفل قناة السويس عند منطقة سرابيوم . *(الأهرام 27 أبريل 2002)
تُقدر الاستثمارات الإجمالية لتنفيذ هذه المشروعات بحوالي 7,7 مليار جنيه، بالإضافة إلى 3,3 مليار لمشروعات أعالي النيل، لكن هناك عمليات استصلاح للأراضي تعتمد على المياه المحلية وتتضمن الخطة ثلاثة مشروعات أساسية تبلغ تكلفتها الإجمالية 290 مليون جنيه وهي :
المشروع الأول : استصلاح 7 آلاف فدان على المياه الجوفية بمناطق وسط سيناء بالمغارة والخرم وصدر حيطان والكونتلا وعريف الناقة والتمد ونخل والبروك .
المشروع الثاني : استصلاح 8 آلاف فدان على المياه الجوفية بجنوب سيناء بوادي فيران والمالحة وسهل القاع وغرندل .
المشروع الثالث : استصلاح 50 ألف فدان على مياه السيول ويشمل إنشاء سدود للتخزين والإعاقة بمناطق وادي البروك والجيرافي والعريش والجيريا والعقبة ووتير . *(المشروع القومي لتنمية سيناء. وزارة الإعلام . الهيئة العامة للاستعلامات . أبريل 1996. صفحة 17 و19 و20 و29 و30 و31)
صرح اللواء أحمد عبدالحميد لصحيفة الأهرام في أبريل 2002 أن المياه بدأت في التدفق لري أكثر من 400 ألف فدان على ترعة الشيخ جابر في 5 مناطق بشمال سيناء و85 ألف فدان في منطقتي السرو والقوارير، وأنه تم الانتهاء من تحديد كردونات القرى التابعة لمركز بئر العبد والواقعة في نطاق الترعة وذلك للأراضي المُستصلحة في هذه المنطقة التي تبلغ 140 ألف فدان من أجل استيعاب المواطنين بها . * (الأهرام 25 أبريل 2002)
أعلن وزير الري والموارد المائية في 29 أبريل 2003 أن وزارته قررت إنشاء 7 سدود و14 خزانًا أرضيًا وبئرين إنتاجيتين في محافظتي سيناء بتكلفة 110 ملايين جنيه، وذلك خلال خطة العام المالي الحالي، وأوضحت الوزارة أن خطتها المستقبلية تشمل إنشاء 60 خزانًا أرضيًا و20 سدًا بتكلفة 90 مليون جنيه، وأوضح الوزير أن نسبة التنفيذ في مشروع تنمية شمال سيناء تتماشى مع البرنامج الزمني خاصة عملية إطلاق المياه في أراضي منطقتي سهل الطينة وجنوب القنطرة شرق، حيث تمت الزراعات الاستصلاحية في مساحة 3 آلاف فدان بالمحاصيل والخضر والفاكهة، مُضيفًا قوله إنه تم حفر 97 بئرًا للزراعة بالعريش والحسنة ونخل و17 بئرًا لمياه الشرب في مركزي الشيخ زويد ورفح بتكلفة 82 مليون جنيه، وتنفيذ 7 سدود صغيرة لحجز المياه تكلفت 20 مليون جنيه، و15 خزانًا أرضيًا بتكلفة 3 ملايين جنيه بإجمالي استثمارات 105 ملايين جنيه، وإنه سيتم خلال العام الحالي حفر 19 بئرًا جديدة وتجهيز 12 بئرًا أخرى بتكلفة 10 ملايين جنيه . *(الأهرام 29 أبريل 2003)
فيما يتعلق بالمشروعات المُعتمدة على المياه المنقولة من نهر النيل، أشار وزير الموارد المائية في 26 أبريل 2002 إلى أن العمل في مشروع استزراع 620 ألف فدان غرب وشرق قناة السويس يسير بجدية تامة، خاصة في سيناء لزراعة نحو 400 ألف فدان في عدة مناطق عقب الانتهاء من 95% من جملة الأعمال المطلوبة لهذا المشروع *(الأهرام 26 أبريل 2002)، ثم صرح عقب الاجتماع الوزاري المُوسع الذي رأسه الرئيس مبارك في 7 يوليو 2002 بقوله أن “نسبة التنفيذ للمرحلة الأولى من مشروع تنمية سيناء والتي تشمل 220 ألف فدان غرب قناة السويس بلغت 100% بتكلفة 300 مليون جنيه، أما المرحلة الثانية، للمشروع والتي تشمل 400 ألف فدان والتي تتكلف 465 مليون جنيه، فنسبة تنفيذها بلغت 85%. *(الأهرام 8 يوليو 2002).
كانت ترعة السلام هي العمود الفقري للتنمية الزراعية لسيناء فهي ستعين على زراعة نحو نصف مليون فدان من خلال استثمار مبلغ 6,8 مليار جنيه مصري والتي وصف محافظ شمال سيناء اللواء أحمد عبدالحميد مدها لسيناء بالضرورة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لري 135 ألف فدان بجانب 170 ألف فدان تتم زراعتها بواسطة المياه الجوفية و100 ألف فدان أخرى تُزرع بمياه الأمطار، وأشار المحافظ إلى أنه بوصول ترعة السلام فسيصبح مجموع الأراضي الممكن زراعتها بشمال سيناء أكثر من 600 ألف فدان يمكن مضاعفتها باستخدام تقنيات الري المُتطورة .
الوضع الاقتصادي المحيط بالمشاريع القومية :
الواقع يشير إلى أن مشروع تنمية سيناء تم اختزاله بالفعل في ترعة السلام، ويؤكد ذلك أمور كثيرة من بينها مصاعب التمويل فلا يجب أن يغيب عن تقدير المرء للمشهد العام في مصر فيما يتعلق بالقدرة على تنفيذ المشروعات القومية خاصة تنمية سيناء وتوشكى، أولهما، أن هذه المشروعات على لائحة التنفيذ دفعة واحدة أو على الأقل في أوقات وأعوام مالية متتابعة وهو ما يصطدم وبقوة مع أحد مبادئ الإدارة العلمية وهو محدودة القدرة على الإدارة والتمويل معًا Span of management and finance ، وثانيهما، العجز المُزمن في الموازنات العامة للدولة والذي أُشير إليه في مشروعات الموازنة العامة لسنوات متتالية ، وقد أشار إلى ذلك تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات التي يمكن إيراد بعض مما ورد بها وتشير إلى صعوبة الوضع الاقتصادي طالما ظلت هذه المؤشرات متكررة في موازنات الدولة، وسأكتفي هنا ببعض مما أوضحه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في عرضه لملاحظات الجهاز عن الحسابات الختامية للعام المالي 2003/2004 *(مضبطة الجلسة 49 لمجلس الشعب للفصل التشريعي التاسع – دور الانعقاد العادي الأول – بتاريخ 2 أبريل 2006) كما يلي :
– أسفرت نتائج التنفيذ الفعلي للموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2003/ 2004 عن استخدامات فعلية قدرها 164,9 مليار جنيه، بينما بلغ المُحقق الفعلي للإيرادات 109,5 مليار جنيه بنقص قدره 55,4 مليار جنيه، وباستقراء الحسابات الختامية للسنوات السابقة يتضح زيادة الفجوة بين الاستخدامات والإيرادات الفعلية عامًا بعد عام فكانت الفجوة السلبية عام 2000/ 2001 نحو 34,2 مليار جنيه أصبحت 45,3 مليار جنيه عام 2001/2002 ثم 52,1 مليار جنيه عام 2002/ 2003.
– عدم تحقيق المُستهدف من الإيرادات واستمرار النقص في الحصيلة الفعلية للإيرادات من الضرائب والجمارك وعناصر الإيرادات السيادية، فقد بلغ المُحقق الفعلي من الإيرادات 109,5 مليار جنيه بنقص 7 مليارات جنيه عن الربط الأصلي وبنحو 16,1 عن الربط المُعدل .
– أسفرت نتائج التنفيذ الفعلي للموازنة عن عجز كلي فعلي بلغ 55,4 مليار جنيه، وتم تمويل جزء منه بنحو 15,9 مليار جنيه من القروض والتسهيلات الائتمانية الداخلية والخارجية ومن الأوعية الادخارية .
– بلغ العجز الصافي للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2003/ 2004 نحو 39,5 مليار جنيه، وقد تم تمويله بأذون وسندات على الخزانة العامة، ومن الجهاز المصرفي وأن هناك اتجاهًا مُتزايدًا نحو العجز الصافي .
– بلغ إجمالي المديونية الخارجية لمصر نحو 29,9 مليار دولار أي ما يعادل 184,9 مليار جنيه .
– بلغ الدين العام الداخلي الحكومي 292,7 مليار جنيه عن العام المالي 2003/2004 تلتهم أعباء خدمته نحو ثلث إيرادات الموازنة العامة للدولة وإذا أضفنا له الدين الخارجي فسيكون مجموعه 609,5 مليار جنيه .
– شاب تنفيذ مشروعات الخطة مآخذ ومخالفات، وقد بلغت الاستخدامات الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2003/2004 نحو 22,8 مليار جنيه، تمثل نحو 14% من إجمالي استخدامات الموازنة العامة البالغة 164,9 مليار جنيه، وأنه قد تبين للجهاز تعثر تنفيذ بعض المشروعات بالخطة، ويرجع ذلك أساسًا إلى أمور عديدة ووزارة التخطيط ليست مسئولة، ولكن المسئول الجهات المُنفذة للأسف الشديد على مدى سبع سنوات نقول عدم كفاية الدراسات الأولية، وعدم كفاية دراسات الجدوى الاقتصادية وعدم كفاية الدراسات الخاصة بأبحاث التربة ومواصفات الأساسات .
– اتفاقيات المنح الخارجية بلغ عددها 162 اتفاقية قيمتها الإجمالية 8 مليارات دولار تم سحب 6,7 مليار دولار منها، أي أن هناك نقصًا من جانب الحكومة في كفاءة استخدامها للمنح والقروض الخارجية .
من الواضح أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، قد أشار إلى مشكلة ما تواجهه تسُمى بالمشروعات القومية التي لمح إليها بقوله “إنها تلك التي تتم على مدى سبع سنوات مضت”، وذكر أن ذلك مرجعه عدم كفاية الدراسات الخاصة بالتربة وعدم كفاية دراسات الجدوى الاقتصادية، وكما سبق أن أشرت إلى أن مشروع توشكى على نحو خاص لم يُناقش بمجلس الشعب إلا بعد أن مضى عليه ثماني سنوات وأكثر فهو قد تقرر بقرار فوقي .
حظي مشروع توشكى بمباركة رئاسية واحتفل القوم به إعلاميًا أيما احتفال ، بينما انزوى المشروع القومي لتنمية سيناء في ركن مُظلم إعلاميًا ، إلا أنه في الواقع وعند إعداد الموازنة العامة للدولة نجد أمرًا مغايرًا، فالمشروعان بدرجة أو بأخرى مُتعثران، لكن لكل مشروع أسباب مختلفة عن الآخر لتعثره ، فبالرغم من أنه ليس هناك ثمة شك في أن المشروعات القومية خاصة توشكى وتنمية سيناء يمثلان مرحلة من مراحل استراتيجية الحفاظ على إبقاء مصر قوية، وأنه لهذا يمكن أن نضعهما في صدارة نظرية الأمن القومي لمصر، لكن ولتقييم صارم عادل لصحة هذه الرؤية، علينا تنحية العبارات والمعلومات الوصفية جانبًا واستبدالهما باللغة الأكثر حدة وانضباطًا أعني لغة الأرقام، فقد أعلن وزير التخطيط في يوليو 2002 أن الخطة الجديدة 2002/2003 تستهدف رفع حجم الاستثمارات إلى 73 مليار جنيه للحكومة والقطاع الخاص، وأنه يتوقع زيادة الاستثمارات الحكومية في بداية هذه الخطة إلى 30 مليار جنيه مقابل 20,8 مليار جنيه العام الماضي، مُوضحًا أن الاستثمارات الموجهة إلى قطاعات الزراعة واستصلاح الأراضي والري تبلغ حوالي 4,1 مليار جنيه (صحيفة الجمهورية 4 يوليو 2002)، لكننا نجد أن الأمر ليس على هذا النحو حين نستعرض الجدول رقم (1) الخاص بتوزيع الإنفاق العام على قطاعات الموازنة العامة في الحساب الختامي لعام 2003/2004 نجد أن الإجمالي العام للإنفاق بلغ 164884,2 مليون جنيه، خُصص من هذا المبلغ ما نسبته 2,3% أي مبلغ 3865,3 مليار جنيه على الموارد المائية والري، بينما نجد مثلًا بند الخدمات الرئاسية مُخصصًا له ما نسبته 2,7% أي مبلغ 4451,5 مليار جنيه، (الفصل التشريعي التاسع – دور الانعقاد العادي الأول- مضبطة الجلسة التاسعة والأربعين . بتاريخ 2 أبريل 2006 وفي كل الأحوال لا منطق يسنده ليكون المبلغ المُخصص للخدمات الرئاسية مساويًا بل يزيد عما تم تخصيصه للري والموارد المائية خاصة وأن نظرة للجدول رقم (1) ستفتح الباب على مصراعيه لرؤية مفارقات متعددة تؤكد ذلك بل وستقود المتأمل للفجوة ما بين التصريحات الحكومية والواقع المُعاش وهي إحدى نقاط ضعف نظرية الأمن القومي، حيث إن الحكومة لا تكترث بالرأي العام بل تكاد لا تعترف به، وإلا لما رأينا هذا الكم الهائل من التناقضات بالموازنة العامة للدولة سنويًا .
وبالرغم من المعلومات التي أوردها بعض نواب مجلس الشعب عن تعثر وربما توقف مشروع توشكى إلا أننا نجد أن مشروع توشكى مضى قدمًا، ففي تقرير لجنة الزراعة والري عن مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعام 2008/2009 ورد به أن المُقترح الذي تقدمت به وزارة الري والموارد المائية لمشروع الموازنة عن هذا العام قدره 6,061 مليار جنيه بينما ورد بالموازنة مبلغ 3,914 مليار جنيه أي بتخفيض 2,147 مليار جنيه بنسبة 36%، وأنه تقديرًا للتوجهات العامة للدولة اكتفت وزارة الموارد المائية والري بمتطلباتها الحتمية فقط والبالغة 4,833 مليار جنيه منها مبلغ 499 مليون جنيه تتبع وزارة التنمية الاقتصادية (باب سادس) مطلوبة بصفة حتمية لتمويل الخطة الاستثمارية للوزارة لإمكان تنفيذ المشروعات القائمة، وعليه فنجد في شأن مشروع تنمية الوادي (توشكى) أن إجمالي ما اقترحته وزارة الموارد المائية له كان 120 مليون جنيه، بينما اقترحت وزارة التنمية الاقتصادية مبلغ 27,5 مليون جنيه أي أن مقدار العجز كان 92,05 مليون جنيه، وهي مبالغ مطلوبة لاستكمال الأعمال الصناعية وعمليات إنشاء المآخذ المتعددة والسحارة أسفل قناة مفيض توشكى، كما نجد في شأن مشروع تنمية شمال سيناء أن المقترح الحتمي الذي تقدمت به وزارة الموارد المائية كان 175 مليون جنيه، بينما كان مقترح وزارة التنمية الاقتصادية بمبلغ 125 مليون جنيه أي بعجز قدره 50 مليون جنيه وهي استثمارات مطلوبة لتنفيذ أعمال الاستكمالات للعقود القائمة والأعمال التي تمت إعادة طرحها وكذلك السير في أعمال الاستصلاح والاستزراع بالمناطق التي تم الانتهاء من أعمال التنفيذ بها. (مضبطة الجلسة التاسعة بعد المائة للفصل التشريعي التاسع بدورالانعقاد العادي الثالث. بتاريخ 2 يونيو. 2008)
لُوحظ التباطؤ في وتيرة تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء، ومن بين المؤشرات على ذلك ما أشار إليه اللواء منير شاش محافظ شمال سيناء الأسبق من أنه تم اختزال المشروع القومي لتنمية سيناء في ترعة السلام (والتي انحرف تنفيذها بحيث لم تسر في المسار المُخطط لها بل انحرفت لتقترب من الأراضي التي تتميز بدرجة أكبر من الملوحة)، كما أن وزارة الموارد المائية والري أصدرت نشرة صادرة عن الجهاز التنفيذي بها لمشروع تنمية شمال سيناء بمعنى أن التنمية لا تنسحب على كل سيناء بل شمالها، وفي هذا المنشور أشار الجهاز التنفيذي إلى أن المشروع يستهدف إقامة مجتمع زراعي جديد ومتطور على مساحة 400 ألف فدان بأراضي شمال سيناء وجعل سيناء امتدادًا طبيعيًا لوادي النيل وتقوية وتدعيم سياسة مصر الزراعية وجذب أعدادا كبيرة من سكان الوادي الضيق للإقامة في سيناء، وأنه في سبيل ذلك قُدرت احتياجات ري 620 ألف فدان بمشروع تنمية شمال سيناء من مياه النيل لتغذية ترعة السلام التي افتتح الرئيس مبارك سحارتها في 26 أكتوبر 1997 لتضخ كمية مياه قدرها 4,5 مليار متر مكعب/ عام بتكلفة كلية قُدرت بمبلغ 5,742 مليار جنيه منها تمويل من الصندوق الكويتي للتنمية بما يعادل 655 مليون جنيه، ومن الصندوق السعودي للتنمية بما يعادل 84 مليون جنيه مصري، ومما قيل في تبرير التباطؤ في تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء أن نظام مبارك أوقف مشروع تنمية سيناء عام 1997، وحول تمويله لمشروع طموح آخر، وهو مشروع توشكى، يُضاف إلى ذلك أن وتيرة التناول الإعلامي بشأن مشروع توشكى وتنمية سيناء انخفضت، فنجد مثلًا أن رئيس مجلس الوزراء د. عاطف عبيد عندما أدلى ببيان تفصيلي لحكومته أمام مجلس الشعب في 29 ديسمبر 2002 لم يذكرهما بالاسم وآثر أن يدخلهما في عبارة عامة ومقتضبة عندما قال: “أكملنا جميع المشروعات القومية الكبرى، وأصبحت جاهزة الآن للمشاركة في التنمية”، ثم أشار للقطاع الزراعي تحت عنوان موحٍ هو “الاندماج في السوق الأوروبية”، حيث قال ما نصه: “مصر لديها قطاع زراعي يتم تحديثه بشكل مستمر ويستطيع أن يوفر لأوروبا احتياجاتها الموسمية من الخضر والفاكهة خاصة الأصناف التي تُنتج في ظروف طبيعية وخالية من استخدام الكيماويات”، كما أشار باقتضاب شديد في موضع آخر إلى أنه تمت إضافة مليون و50 ألف فدان دون أن يوضح كيف وأين؟ لكن من المثير للحيرة الكاملة أن رئيس مجلس الوزراء يعلن بيقين أن المشروعات القومية (ومنها توشكى وتنمية سيناء) اكتملت وأصبحت جاهزة للمشاركة في التنمية”، ثم نجد تصريحًا آخر أدلى به نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي د. يوسف والي في 29 ديسمبر 2002، وهونفس اليوم الذي أدلى فيه رئيس مجلس الوزراء ببيانه هذا لمجلس الشعب، حيث أشار د. والي إلى ما نصه “تبدأ وزارة الزراعة الأربعاء المقبل الإجراءات التنفيذية لاستصلاح واستزراع نحو 3,4 مليون فدان، وذلك خلال العشرين عامًا المقبلة، وأن استصلاح تلك المساحة سيتم من خلال المشروعات الكبرى في كل من توشكى وشرق العوينات ودرب الأربعين” (الأهرام 29 ديسمبر 2002)، وهو كلام يتناقض مع الرد الذي أدلى به وزير الري والموارد المائية بمجلس الشعب وتضمنته مضبطة جلسة 3 أبريل 2006، حيث ذكر أن “هذا المشروع لن يتم في سنوات قليلة، ولكن تنمية 840 ألف فدان تزيد مساحتها على مساحة محافظتين يأخذ سنوات طويلة”، فكيف يمكن فهم ما قاله رئيس الوزراء المصري في 29 ديسمبر 2002 من أن المشروعات القومية الكبرى اكتملت وجاهزة للمشاركة في التنمية؟ هذه العبارة وحدها كفيلة بتأكيد ما ذكره بعض أعضاء مجلس الشعب عام 2006 من أن المشروع لم يكتمل ولم يحقق أي عائد على ما أُنفق عليه.
تبنت الحكومة المصرية بالإضافة إلى مشروعي توشكى وتنمية سيناء المشروع الذي أُطلق عليه “تنمية الساحل الشمالي الغربي وظهيره الصحراوي” باعتباره مشروعًا قوميًا نطاقه تبلغ مساحته 287 ألف هكتار ويمتد من غرب الإسكندرية حتى الحدود المصرية/ الليبية، لكن تنفيذه مرتبط بإزالة نحو 20 مليون لغم أرضي زُرعوا في المنطقة أثناء الحرب العالمية الثانية وقامت وتقوم مصر بجهود لإزالة ومحاولة الحصول على الخرائط من الدول التي زرعتها (بريطانيا/ ألمانيا/ إيطاليا) لكن للآن لم تتمكن مصر من تنظيف أراضيها بالرغم من أني عندما كنت سفيرًا في أنجولا تابعت التعاون المثير للإعجاب للدول الغربية مع أنجولا لنزع الألغام الأرضية وتبلغ نحو 9 ملايين لغم زرعها أطراف الحرب الأهلية الأنجولية (فريق MPLA وفريق UNITA أساسًا) وهم أنجوليون ، ومع ذلك تسعى الدول الغربية ومنها اليابان للتعاون مع أنجولا لنزعها فيما يتباطئون ويسوفون رغم مسئوليتهم المباشرة في الحالة المصرية، وأتعجب من استسلام الحكومة المصرية من عدم تحمل دول الحلفاء والمحور مسئوليتهم الجنائية إزاء الأراضي المصرية، ويمكن للحكومة المصرية أن تقاضيهم دوليًا، لكنها لا تفعل تاركة سؤالًا كبيرًا مُحيرًا.. ”
أخيرًا وتدليلًا على أن المشروع القومي لتنمية سيناء لم يتحقق داخل إطاره الإستراتيجي المعروف باعتباره تغييرًا ديموجرافيًا أو الكتلة السكانية السيناوية كمًا وكيفًا بإضافة ما يربو على 3 ملايين مواطن للاستيطان داخل سيناء وفقًا لمعايير تنموية مُخططة، فإن اللواء أحمد عبدالحميد محافظ شمال سيناء أشار في حديث صحفي في أبريل 2002 إلى أنه “غير راض عن معدلات التوطين الحالية، حيث يظل العدد أقل من طموحاتنا، وهذا المعدل المتواضع سببه عوامل عديدة ترتبط بثقافة المواطن المصري أكثر من ارتباطها بعوامل وظروف الإقليم، بالإضافة إلى أن غالبية من يرغب في الاستقرار في سيناء يشترط أن يحصل على المركز الجيد بديلًا عن موقعه المتواضع في الوادي وأن يحصل على راتب لا يقل عن ضعف راتبه السابق قبل وصوله إلى هنا”. (الأهرام 25 أبريل 2002)، وقد شاركت في أحد اجتماعات لجنة الأمن القومي بمجلس الشوري عام 2002 وخُصص لمناقشة الأوضاع في غزة ولاحظت سيلًا من الانتقادات التي أبداها أعضاء اللجنة وغالبيتهم من الحزب الوطني للتباطؤ المثير للشك في تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء باعتباره ذا صلة وثيقة بالعلاقات الإسرائيلية/ المصرية في أحد قواسمها المُشتركة أي غزة، خاصة وأن الأحداث المريرة كانت قد بدأت في التتابع بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر مع قطاع غزة، ومحاولة مصر الابتعاد عن هذه المشكلة ، وهو أمر كان أيضًا مثارًا للانتقاد من أعضاء اللجنة في حينه .
تـــــوصــــيــــة :
غاية القول ولمواجهة جادة كما أشرت لأي تفكير حالي أو مستقبل للترانسفير فلابد لمصر أن تشرع في تنفيذ ترانسفير داخلي مصري بتوكين ما لا يقل عن 3 مليون مصري في سيناء بموجب تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء والذي سيكون بمثابة الرد البليغ والعملي علي الضغوط الدولية والصهيونية لتحويل ترانسفير اهالينا في غزة وتوطينهم في سيناء من أجل إنهاء القضية الفلسطينية , كما أن تحويل المشروع القومي لتنمية سيناء سيكون حلاً جزئياً للأزمة المائية القادمة التي إفتعلتها إثيوبيا جراء بناءها لسد النهضة كما أنه إعادة توزيع ديموجرافي للسكان في مصر لإعادة تموضع جزء منهم في شبه جزيرة سيناء بدلاً من وادي النيل , وفي نفس الوقت ستكون مصر قد شكلت حاجز ديموجرافي صلب ومنيع مع الكيان الصهيوني , فهذا هو الرد العملي والمنتج لفكرة الترانسفير التي تراود مخيلة ساسة وعسكر الكيان الصهيوني ولمصر مصالح متنوعة لتحويل هذا الرد وبسرعة إلي أمر واقع .
الـــــســـــفـــــيـــــر : بـــــــلال الــــمــــصـــــري –
حصريا – المركز الديمقراطي العربي – الــقـــاهـــرة تـحــريـــراً في 19 أكتوبر 2023