التحالفات الدولية الجديدة وانتقال القوة في النظام الدولي: من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية
اعداد : رامز صلاح الشيشي ، ميرنا محمد مطر – باحثان في العلوم السياسية
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
تمثل التحالفات الجديدة مع التغير في موازين القوى الدولية واحدة من المواضيع الهامة في تاريخ العلاقات الدولية. فالنظام الدولي منذ القِدم يشهد حالة تغير مستمرة، فقد شهد نهوضًا لإمبراطوريات وسقوطها مثل الإمبراطورية الإسلامية، الإمبراطورية الصينية، الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكذلك الإمبراطورية الهولندية “مملكة الأراضي المنخفضة”، مرورًا بفترات الهيمنة الاستعمارية بين بريطانيا وفرنسا، ووصولًا إلى الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية. ونتيجة لذلك يمكن تلخيص كافة تلك المراحل من النهوض والسقوط بقوله تعالى “وتلك الأيام نداولها بين الناس”.
ومن ثم، ستجد أن الانتقال من الأحادية إلى التعددية القطبية أو العكس يحدث نتيجة وجود التغيرات المرنة في بنية النظام الدولي نفسه سواء من ناحية التغير العميق في القوى الاقتصادية، العسكرية، التكنولوجية لدول هذا النظام، أو نتيجة التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها الدول والمجتمعات الدولية. وفي أغلب الأحوال هذا التحول العميق في النظام الدولي، يحدث عندما تنمو القوة الاقتصادية لدولة صاعدة مع تعزز وتغيير تام في قدرتها القتالية العسكرية لتبدأ في تحدي القوة الأكبر منها، والتي غالبًا ما تكون مُهيمنة وأقوى منها نسبيًا، لكنها تعاني من قصور في نواحي محددة.
وفي هذا السياق، يمكن أن نعرف القطب الدولي بأنه “الدولة أو الكيان السياسي الذي يمتلك قدرة كبيرة على التأثير في السياسة الدولية، ويتمتع بمزايا تنافسية في مجالات متعددة مثل القوة الاقتصادية والقوة العسكرية والثقافة والدبلوماسية والتكنولوجيا والموارد الطبيعية والموقع الجغرافي والسكان والمساحة والقيادة السياسية والشرعية الدولية بطريقة تجعله متفرد وذو تأثير عن غيره من الدول”.
ويمكن تصنيف القطبية الدولية إلى أنواع مختلفة حسب عدد القطبين المُهيمنين على النظام الدولي، فمنها الأحادية القطبية (Unipolarity) التي تتميز بوجود قطب واحد يسيطر على النظام الدولي، ومنها الثنائية القطبية (Bipolarity) التي تتميز بوجود قطبين يتنافسان على النفوذ والتأثير في النظام الدولي، ومنها التعددية القطبية (Multipolarity) التي تتميز بوجود ثلاثة أو أكثر من القطبين يتشاركون في تحديد مسارات السياسة الدولية. وبشكل عام، يعتبر موضوع التغير في موازين القوى الدولية من المواضيع المتجددة والمتغيرة باستمرار، فقد شهد النظام الدولي على مر التاريخ تحولات وتغيرات كبيرة في توزيع القوة بين الدول والكيانات السياسية، وتبدلت القطبية الدولية من أحادية إلى ثنائية إلى تعددية، وكان لهذه التحولات آثار وتداعيات على العلاقات الدولية والإقليمية والثنائية بين الدول، وعلى السلام والأمن والتعاون والتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان والبيئة وغيرها من القضايا الدولية منذ القدم حتى الوقت الراهن.
الصعود الصيني وتأثيره على النظام الدولي
يُعد صعود الصين في النظام الدولي ظاهرة معقدة ومتعددة الجوانب لها آثارها على مختلف جوانب وملامح النظام الدولي الذي تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادته منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ٢٥ ديسمبر ١٩٩١. فالصعود الصيني يمثل بداية الانطلاق الحقيقية في مؤشرات تغير موازين القوى والتحالفات في النظام الدولي، لاسيما مع السياسات الأمريكية القائمة على التدخل في الشأن الداخلي للدول بدعوى أو مسمى “الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
فحققت الصين بعد انتهاء “الحقبة الماوية” الرئيس “ما وتسي تونج”، بدءًا منذ تولي الرئيس “دينج شياو بينج” الحُكم في العام ١٩٧٨ لتغيير شامل وعلى كافة المستويات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والعسكرية، وحتى الاجتماعية. ومن السمات المُميزة للصعود الصيني وأحد أبرز العوامل في ترسيخ هذا الصعود، هو إدراك القادة السياسيين الصينيين مدى أهمية الحفاظ على طفرة تنموية تعكس القوة الصينية، والتي تبلورت واتضحت بقوة في الوقت الراهن مع انطلاق مبادرة الحزام والطريق في ٢٠١٣ من قِبل الرئيس “شي جين بينغ”. أكثر من ذلك، تعزز إدراك القادة الصينيين بعوامل تاريخية واجتماعية، بل وحتى نفسية لجعل الصين أكثر قوة مرة أخرى في النظام الدولي؛ وذلك نتاج حرب الأفيون التي تعرضت لها على يد القوة الاستعمارية البريطاني في منتصف القرن ١٩، والتي امتدت لسنوات عديدة أثرت على قرن كامل في حياة الصينيين أطلق عليه “قرن الإذلال الصيني”. بالإضافة إلى ذلك، رغبة القادة الصينيين في استعادة أمجاد الحضارة الصينية بحلول عام ٢٠٥٠.
- المستوى الاقتصادي والتكنولوجي:
حققت الصين نموًا اقتصاديًا هائلًا وتنمية اقتصادية ملحوظة وفريدة منذ إصلاحها الاقتصادي وانفتاحها عام 1978، وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في العام ٢٠٠١. أصبحت الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة تجارية وأكبر دولة دائنة مع ناتج محلي إجمالي GDP يُقدر بنحو 17,7 تريليون دولار أمريكي.
كما أحرزت الصين تقدمًا كبيرًا في مجال العلوم والتكنولوجيا، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية واستكشاف الفضاء وشبكات الجيل الخامس G5. كما مكَّن صعود الصين الاقتصادي والتكنولوجي من زيادة نفوذها في الحوكمة العالمية والتجارة والمالية والتنمية. ومع ذلك، تواجه الصين أيضًا تحديات ومخاطر عديدة، مثل (التدهور البيئي والتفاوت الاجتماعي بين الريف والمدن نتيجة لزيادة عدة السكان، وردود فعل دولية سلبية ضد ممارساتها التجارية وطموحاتها التكنولوجية).
- المستوى السياسي:
يحكم الصين الحزب الشيوعي الشعب الصيني، الذي يعمل على تمثيل مصالح الشعب الصيني ويلتزم بمبدأ “الاشتراكية بالخصائص الصينية”. والصين دولة تعتمد نظام “الديمقراطية التشاركية” التي تشمل أشكالًا مختلفة من المشاركة والتشاور داخل الحزب والمجتمع، لكنها تستبعد المنافسة متعددة الأحزاب والانتخابات الشعبية.
اتسم صعود الصين السياسي بزيادة تحديها للآخرين وثقتها في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها ومصالحها المركزية في قضايا مثل تايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ والتبت وبحر الصين الجنوبي. إلى ذلك، تعمل الصين على تعزيز قوتها سياسيا في مناطق مختلفة من العالم، مثل الشرق الأوسط، أفريقيا، أمريكا اللاتينية؛ لتعزيز نفوذها السياسي، ولضمان عدم اعتراف دول الجنوب العالمي بتايوان.
ففي الشرق الأوسط، هناك علاقات قوية على جميع المستويات مع إيران، دول مجلس التعاون لدول الخليج، ومصر، وكذا دول شمال إفريقيا. وتسعى الصين إلى تعزيز تبادلها التجاري مع هذه الدول، مع ضمان الاستقرار الاقتصادي والأمني في المنطقة لضمان حركة واستقرار الملاحة الدولية لاسيما في منطقة قناة السويس، وخليج عدن. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الصين على الدعوة لحل الخلافات لاسيما بين إيران ودول الخليج، وقد تمثل ذلك في الوساطة الصينية في المصالحة السعودية الإيرانية ١٠ مارس ٢٠٢٣.
أيضًا، تسعى الصين إلى ترويج نظامها السياسي وقيمها كبديل للديمقراطية الليبرالية الغربية القائمة على تعزيز التنمية الاقتصادية، وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول خاصة بين الدول النامية. ومع ذلك، تواجه الصين أيضًا تحديات ومعضلات عديدة، مثل الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ومكافحة الفساد وإدارة التنوع العرقي والتوازن بين المركزية واللامركزية والتعامل مع الانتقادات المحلية والدولية لسجلها في مجال حقوق الإنسان.
- المستوى العسكري:
انطلقت الصين في تحديث وتحويل شاملين لجيشها، جيش التحرير الشعبي (PLA)؛ بهدف تعزيز قدراته على حماية الأمن القومي الصيني ومتابعة المصالح الوطنية. فطورت الصين أنظمة أسلحة جديدة، مثل الصواريخ الباليستية والمقاتلات البحرية والطائرات الجوية والغواصات والحرب الإلكترونية والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. كما زادت الصين من تواجدها وأنشطتها العسكرية في منطقة الهند والمحيط الهادئ وخارجها، مثل إجراء دوريات بحرية وتدريبات مشتركة وعمليات حفظ سلام ومساعدات إنسانية. وبشكل عام، فإن الصين تأتي في المرتبة الثالثة عالميًا بعد روسيا وفق تصنيف جلوبال فاير باور Global Fire Power الخاص بتصنيف القوة العسكرية العالمية لعام ٢٠٢٣، ويعتمد الترتيب على درجة تأخذ في الاعتبار عوامل مثل القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية. درجة الصين هي 0.0722 ودرجة روسيا هي 0.0714، في حين أن الولايات المتحدة، القوة العسكرية العليا، لديها درجة 0.0712.
كان صعود الصين العسكري مدفوعًا بتصورها لبيئة أمنية متغيرة، تتسم بانحسار هيمنة الولايات المتحدة وظهور تهديدات وتحديات جديدة والحاجة إلى حماية مصالحها ومواطنيها في الخارج. ومع ذلك، تواجه الصين أيضًا قيودًا أمنية مكثفة مثل تايوان المعروفة باسم “جزيرة فرموزا” والتي هي جزء من الأساس من البر الرئيسي الصيني. أيضًا، وبالإضافة إلى التوترات المعقدة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن دعمها العسكري لتايوان، وكذلك خطر إثارة التوترات والصراعات الإقليمية من منافسيها الإقليميين كاليابان، والهند، أو الدوليين مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
كما تواجه صعوبة أحيانا في إدارة العلاقات المدنية – العسكرية في الداخل نتيجة لعدم وجود تعددية حزبية أو حرية في الفكر والتعبير بما لا يتوائم مع المنظومة القيمية الصينية التي تؤكد على أولوية المجتمع على الفرد، وكذلك الأسرة خلافًا للمنظومة القيمية الغربية التي تروج لمفاهيم وسلوكيات لا تناسب المجتمع الصيني؛ وذلك نتيجة لحدة التنافس الأيديولوجي القائم بينهما، في إطار المنافسة الاقتصادية، والتكنولوجية، والسياسية، والعسكرية.
الصعود الروسي وتأثيره على النظام الدولي
مثّل انهيار الاتحاد السوفيتي في ٢٥ ديسمبر عام 1991 لحظة محورية في التاريخ العالمي، إذ دشن عهدًا جديدًا من العلاقات الدولية. وفي خضم الفوضى والغموض في هذه الفترة، برزت روسيا كلاعب رئيسي يسعى لإعادة تعريف دوره في النظام الدولي، والذي أصبح محكوم بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وسياساتها القائمة على فرض نشر الديمقراطية في أماكن مختلفة حول العالم، ومنها روسيا نفسها وريثة الاتحاد السوفيتي، وخصوصا في عهد “بوريس يلستين”، والتي فشلت فيها عملية التحول الديمقراطي في روسيا، حتى وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم في مايو ٢٠٠٠.
المسار الاقتصادي لروسيا
في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، شهد الاقتصاد الروسي تحولاً مضطربًا من نظام مخطط مركزيًا إلى نظام قائم على السوق. رافق هذا الانتقال صعوبات اقتصادية شديدة، بما في ذلك التضخم المفرط والبطالة الجماعية وانخفاض حاد في مستويات المعيشة. ومع ذلك، شرعت روسيا تدريجيًا في مسار التعافي الاقتصادي، مدفوعة بإصلاحات أدت إلى تحرير الأسواق وجذب الاستثمار الأجنبي. لعبت صادرات الطاقة، ولا سيما النفط والغاز، دورًا حاسمًا في تأجيج الانتعاش الاقتصادي الروسي مع وصول بوتين إلى الحكم، وإعادة توجيه السياسة الخارجية الروسية من جديد. فروسيا تحول هي القوة الاقتصادية ١١ عالميًا بناتج محلي إجمالي يُقدر بنحو ١,86 تريليون دولار أمريكي.
بعض السمات الرئيسية لسياسات بوتين الاقتصادية:
- أدخل ضريبة دخل ثابتة بنسبة 13%، وخفض ضريبة الشركات، وأصلح قوانين الأراضي والقوانين المدنية لجذب الاستثمار الأجنبي وتحفيز النمو الاقتصادي. وفقًا المصدر يرى أن هذه الإصلاحات جزءًا من تحول السوق الروسية في التسعينيات، والذي اكتمل إلى حد كبير بحلول عام 2000.
- اعتمد بوتين بشكل كبير على تصدير النفط والغاز، مما عزز الناتج المحلي الإجمالي وعائدات الميزانية للحكومة الروسية، لكنه جعل الاقتصاد عرضة للصدمات الخارجية وتقلبات الأسعار؛ لضمه شبه جزيرة القرم في عام 2014 والتدخل في الانتخابات الأمريكية لعام 2016، وكذا الحرب على أوكرانيا منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، والتي لا تزال قائمة حتى تاريخ كتابة هذه السُطور. أكثر من ذلك، سياسة بوتين الخارجية تتأثر بهويته القومية، والتي تشكلت من خلال العلاقات التاريخية والثقافية لروسيا مع أراضيها الحدودية، فضلاً عن التهديدات الأمنية والاقتصادية التي يشكلها الغرب عليه عبر محاولات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو لاحتواء روسيا؛ من أجل تحجيم الصعود الصيني.
- عزز سيطرة الدولة على القطاعات الاستراتيجية، مثل الطاقة والدفاع والمصارف، وزاد من دور الشركات المملوكة للدولة والطبقة والأوليغارشية الموالية له.
- أطلق العديد من المشاريع والبرامج الوطنية لتحديث البنية التحتية، وأنابيب الغاز الطبيعي عبر مشاريع نورد ستريم١، ٢، وخط أنابيب للغاز الطبيعي مع الصين؛ من أجل تنويع الاقتصاد وتحسين المجال الاجتماعي ودعم الأسر الروسية.
المشهد السياسي في روسيا
شهد عصر ما بعد الاتحاد السوفيتي تغييرات سياسية كبيرة في روسيا. نفذ بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا الاتحادية، إصلاحات ديمقراطية وقدم دستورًا جديدًا وأشرف على انتقال البلاد إلى نظام متعدد الأحزاب. ومع ذلك، اتسمت رئاسة يلتسين أيضًا بعدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاقتصادية وفضائح الفساد، ولم تفلح عملية التحول الديمقراطي في الداخل الروسي فترة التسعينات من القرن العشرين.
في عام ٢٠٠٠، تولى فلاديمير بوتين الرئاسة، مما أدى إلى فترة من زيادة المركزية السياسية وسيطرة الدولة. تميزت قيادة بوتين بالتركيز على استعادة قوة روسيا ونفوذها على الساحة العالمية. تحت حكمه، عززت روسيا استغلالها وسيطرتها على قطاعات رئيسية من الاقتصاد، وقلصت الحريات السياسية، وعززت قدراتها العسكرية، واستعادة دورها من جديد كقطب دولي في السياسة الدولية من خلال حربها على جورجيا ٢٠٠٨، شبه جزيرة القرم ٢٠٠٨، التدخل في سوريا، الحرب على أوكرانيا ٢٠٢٢.
القوة العسكرية لروسيا
ورثت روسيا جزءًا كبيرًا من ترسانة الاتحاد السوفيتي العسكرية، مما جعلها واحدة من أقوى العسكرية في العالم. وقد خضع الجيش الروسي لجهود التحديث والإصلاح، خاصة تحت قيادة بوتين. ولا تزال روسيا تحتفظ بترسانة نووية هائلة تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وقد طورت أنظمة أسلحة متقدمة، بما في ذلك الصواريخ الأسرع من الصوت، وأنظمة الصواريخ والطائرات المنافسة للأسلحة الأمريكية الغربية.
الانخراط الروسي في الشرق الأوسط
سعت روسيا إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة في السنوات الأخيرة. شكلت الحرب الأهلية السورية فرصة لروسيا لتأكيد وجودها في المنطقة، حيث تدخلت عسكريًا لدعم نظام الأسد. كما عززت روسيا علاقاتها الوثيقة مع دول أخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران ومصر والسعودية على المستوى الاقتصادي، السياسي، العسكري.
إنَّ علاقات روسيا وسياستها الخارجية مع دول الخليج تتميز بالبراغماتية والتعاون في بعض المسائل، مثل الطاقة والتجارة، والتنافس والانحراف في البعض الآخر، مثل الأمن الإقليمي والأوضاع الجيوسياسية. فقد حافظت روسيا على علاقات وثيقة مع إيران، حليفها التقليدي وشريكها في سوريا، بينما تسعى أيضًا لتحسين علاقاتها مع السعودية والإمارات، الخصوم الرئيسيون لإيران وداعمو المعارضة السورية قبل عودة العلاقات العربية مع سوريا، وتفعيل عضويتها في جامعة الدول العربية.
إلى ذلك، يعكس النهج الذي تتبعه روسيا تجاه دول الخليج محاولتها تحديد موقفها كوسيط وموازن في المنطقة، فضلاً عن استغلال الفجوات والتوترات بين الولايات المتحدة وحُلفائها؛ وإبراز واشنطن كحليف عدو للعالم العربي والإسلامي، وأنه مصدر الاضطراب في المنطقة، والعالم. ومع ذلك، تواجه علاقات روسيا وسياستها الخارجية مع دول الخليج تحديات نتيجة تعقيدات الديناميات الإقليمية، وتأثير العقوبات والضغوط الأمريكية على روسيا. ومن المرجح أن تتأثر علاقات روسيا وسياسة خارجيتها مع دول الخليج بالحرب الجارية بين حماس وإسرائيل في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، التي زادت من التطرف وعدم الاستقرار في العالم.
فتواجه روسيا خيارًا صعبًا بشأن دعم إسرائيل أو إيران المُمولة لحماس عسكريًا. فقد عززت موسكو علاقاتها العسكرية مع إيران منذ غزوها لأوكرانيا العام الماضي، لكن لديها أيضًا علاقات دافئة وبناءة مع إسرائيل. ونتيجة لذلك، يرى محللون إن موقف روسيا من الصراع الحالي من المرجح أن يكون من الصعب على موسكو التعامل معه.
وفي هذا السياق، استخدمت الولايات المتحدة وروسيا حق النقض “الفيتو” ضد قرارات بعضهما البعض بشأن الحرب بين إسرائيل وغزة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. واتهمت واشنطن موسكو بـ «سوء النية» والمواقف السياسية، بينما قالت روسيا، التي انضمت إليها الصين مؤيدة موقفها، إن الولايات المتحدة تريد إعطاء إسرائيل «الضوء الأخضر» لشن غزو بري.
وبشكل ما، يظهر أن بوتين مستعد للاستفادة من الحرب في غزة. يرى في الصراع فرصة لتأكيد دور روسيا كلاعب ووسيط عالمي، ولتحدي هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
كما شددت الصين وروسيا مواقفهما بشأن حرب غزة لأنها تثير التوترات الجيوسياسية وتعيق مصالحهم في المنطقة. حيث أدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى تفاقم الانقسامات والصراعات ومن المحتمل أن تعمل على تشكيل التحالفات الدولية بقوة. فقد انتقدت الصين وروسيا الولايات المتحدة لعرقلة بيان للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار واتهمتها بازدواجية المعايير والنفاق. أكثر من ذلك، تدعو الصين وروسيا إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الفلسطينيين في وجود دولة مستقلة.
الحرب الروسية الأوكرانية والتنافس مع الغرب
شكل غزو أوكرانيا عام 2022 نقطة تحول في علاقات روسيا مع الغرب. أثار الغزو أزمة جيوسياسية كبرى، مما أدى إلى فرض عقوبات شديدة على روسيا والتركيز المتجدد على الأمن الأوروبي. كما سلطت الحرب الضوء على التوترات المتزايدة بين روسيا والولايات المتحدة، فضلاً عن التنافس الأوسع بين روسيا والاتحاد الأوروبي. يشكل صعود روسيا ودورها في النظام الدولي نتيجة لتفاعل معقد بين العوامل الاقتصادية والسياسية والعسكرية. برزت البلاد كقوة كبرى، وأكدت نفوذها على الساحة العالمية وانخرطت في منافسة مع الغرب. أدت تصرفات روسيا في الشرق الأوسط وحربها في أوكرانيا إلى تعقيد علاقتها بالمجتمع الدولي أكثر.
الدور الإيراني وتأثيره على النظام الدولي
تمثل إيران، وهي دولة غنية بالتاريخ والثراء الثقافي، موقعًا محوريًا في للعلاقات الدولية وفي تاريخ المنطقة منذ القدم، حيث الحضارة الفارسية التي تمتد لآلاف السنين. وتتميز سياستها الخارجية، التي تشكلها تفاعل مجموعة معقدة بين الضرورات الداخلية والديناميكيات الإقليمية والضغوط الخارجية. يتطلب فهم دور إيران في النظام الدولي فحصًا دقيقًا لسياقها التاريخي وأسسها الأيديولوجية والعوامل المتعددة التي تؤثر على سياستها.
السياق التاريخي
تميز المسار الحديث لإيران بتحول سياسي واجتماعي عميق. كانت الثورة الإسلامية عام 1979، وهي لحظة فاصلة في تاريخ الأمة، قد أطاحت بالملكية وأسست الجمهورية الإسلامية، مما أدى إلى دخول عصر جديد يتميز بالحمية الثورية والتوجه المتميز للسياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط.
التحول السياسي
قبل الثورة الإسلامية، كانت إيران ذات نظام ملكي دستوري، وكان الشاه محمد رضا بهلوي يتمتع بسلطات واسعة. وقد واجه حكمه معارضة متزايدة من قبل الحركات الإسلامية واليسارية. وقد أدت هذه المعارضة إلى اندلاع الثورة الإسلامية في عام 1979، والتي أطاحت بالملكية وأعلنت الجمهورية الإسلامية. ومنذ ذلك الحين، حُكِمَت إيران من قبل النظام الإسلامي، والذي يستند إلى ولاية الفقيه. ووفقاً لهذه العقيدة، فإن المرشد الأعلى هو أعلى سلطة في الدولة، وهو مسؤول عن تفسير الشريعة الإسلامية وقيادة البلاد. ويتكون النظام السياسي الإيراني من ثلاث سلطات، هي: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية.
التحول الاجتماعي
أدت الثورة الإسلامية أيضًا إلى تحولات اجتماعية عميقة في إيران. فقد تم تعزيز دور الإسلام الشيعي في المجتمع، وتم تطبيق قوانين إسلامية صارمة، مثل حجاب المرأة والفصل بين الجنسين. كما تم تشجيع التعليم الديني، وأصبحت إيران مركزًا للفكر الإسلامي الشيعي.
الدوافع الداخلية والخارجية للسياسة الخارجية الإيرانية
تسترشد السياسة الخارجية الإيرانية بتفاعل معقد بين الاعتبارات الداخلية والإقليمية. داخليًا، يسعى النظام الإيراني إلى تعزيز شرعيته وتأمين قاعدته الشعبية من خلال عرض صورة القوة والتحدي الصارم ضد التهديدات الخارجية الملموسة. وفي الوقت نفسه، تسعى إلى تصدير أيديولوجيتها الثورية ودعم الجماعات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة.
مثلت الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران لحظة فارقة في تاريخ البلاد، حيث غيرت المشهد السياسي وشكّلت مسار سياستها الخارجية. وقد أثرت مبادئ الثورة المناهضة للإمبريالية والتضامن الإسلامي والاستقلال الإقليمي بشكل عميق على نهج إيران في العلاقات الدولية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
حيث استرشدت السياسة الخارجية الإيرانية بعد الثورة بعدة مبادئ رئيسية:
- مناهضة الإمبريالية ومعارضة الهيمنة الغربية لطالما عارضت إيران التدخل الغربي والهيمنة في المنطقة، معتبرة إياه تهديدًا لسيادتها وهويتها الإسلامية.
- التضامن الإسلامي ودعم الحركات الإسلامية دعمت إيران بنشاط الحركات الإسلامية والأنظمة، خاصة تلك التي تتوافق مع أيديولوجيتها الثورية.
- الاستقلال الإقليمي وعدم الانحياز سعت إيران إلى الحفاظ على استقلالها عن كلا الكتلتين الغربية والشرقية، وتعزيز سياسة عدم الانحياز.
- معارضة إسرائيل والصهيونية كانت إيران ناقدًا صريحًا لإسرائيل، ورفضت شرعيتها ودعمت القضية الفلسطينية.
- البرنامج النووي والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي كان سعي إيران للحصول على القدرات النووية مصدرًا رئيسيًا للتوتر مع الغرب، حيث أكدت إيران حقها في التكنولوجيا النووية السلمية.
وكان البرنامج النووي الإيراني مصدر قلق دولي كبير وكان في صميم المفاوضات الدبلوماسية لأكثر من عقد. يضمر المجتمع الدولي شكوكًا في أن إيران قد تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، بينما تصر إيران على أن برنامجها سلمي بحت.
في عام 2015، توصلت إيران إلى اتفاق مع مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، المملكة المتحدة، وألمانيا) يُعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). فرضت JCPOA قيودًا صارمة على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية. ومع ذلك، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية في عام 2018، مما دفع إيران إلى استئناف بعض أنشطتها النووية.
السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط
كان للسياسة الخارجية الإيرانية تأثير كبير على الديناميكيات الإقليمية في الشرق الأوسط:
- حروب الوكالة والتنافسات الإقليمية، وأدى دعم إيران لمختلف الجماعات والأنظمة إلى حروب بالوكالة وصراعات على السلطة، خاصة مع المملكة العربية السعودية.
- الاتفاقية النووية والمشاركة الدولية، فقد هدفت خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 إلى الحد من برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات. ومع ذلك، أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في عام 2018 إلى زيادة التوترات وتعقيد الاستقرار الإقليمي.
- سوريا والحرب على الإرهاب، أدى تورط إيران في الحرب الأهلية السورية ودعمها لبشار الأسد إلى تعقيد الديناميكيات الإقليمية أكثر.
- اليمن والمتمردون الحوثيون، ساهم دعم إيران لمتمردي الحوثي في اليمن في الصراع الدائر والأزمة الإنسانية.
- إسرائيل والقضية الفلسطينية، عملت معارضة إيران المستمرة لإسرائيل ودعمها للجماعات الفلسطينية على التوترات في المنطقة.
وبشكل عام، فإن إيران إقليميًا ترى نفسها قوة موازنة للنفوذ الأمريكي والسعودي المهيمن في الشرق الأوسط. وتسعى بنشاط إلى توسيع دائرة نفوذها وحماية مصالحها من خلال شبكة من الجماعات الوكيلة والتحالفات الاستراتيجية مع الجهات الفاعلة غير الحكومية.
تأثير العوامل الخارجية على إيران
يتأثر دور إيران في النظام الدولي بشكل كبير أيضًا بالعوامل الخارجية، مثل سياسات الولايات المتحدة ومنافسيها الإقليميين والمناخ الاقتصادي العالمي. فقد كان لنظام العقوبات الأمريكي على إيران تأثير كبير على اقتصاد البلاد وقدرتها على التعامل مع المجتمع الدولي، ومن أبرز الحالات على ذلك الأرصدة الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية والتي تصل إلى حوالي ٧ مليار دولار! ولكن وفي هذا السياق فقد عملت الصين وروسيا على تكثيف التعاون والشراكة مع طهران، حيث هناك شراكة استراتيجية بلا حدود بين بكين وطهران، فتعد الصين المستورد الأكبر من النفط والغاز الطبيعي من إيران، بالتوازي مع دول الخليج. كما أن روسيا تعتمد بشكل محوري على الوجود الإيراني في سوريا، وكذا تم الاعتماد على عدد من الأسلحة والمسيرات الإيرانية في سياق حربها ضد أوكرانيا.
رد فعل الولايات المتحدة وحُلفائها على التغيرات في بنية النظام الدولي
تتمثل سياسات الولايات المتحدة لاحتواء صعود الصين في ثلاث مجالات رئيسية: السياسية والاقتصادية والأمنية، وينطوي كل من هذه المجالات على استراتيجيات وتحديات مختلفة للولايات المتحدة وحلفائها في نفس الوقت.
المستوى السياسي:
تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي الذي ساعدت في إنشائه بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يعتمد على الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. كما تدعم الولايات المتحدة سيادة واستقلال البلدان في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخاصة تايوان، التي تدعي الصين أنها ملك لها. تعارض الولايات المتحدة النموذج الاستبدادي الصيني ومحاولاتها لتقويض المؤسسات والقواعد الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. كما تحاول الولايات المتحدة حشد حلفائها وشركائها لتقديم جبهة موحدة ضد السلوك القسري والعدواني للصين.
المستوى الاقتصادي:
تهدف الولايات المتحدة إلى مواجهة الممارسات الاقتصادية الجائرة للصين، مثل سرقة الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا القسري والإعانات الصناعية وحواجز دخول السوق. كما تريد الولايات المتحدة الحفاظ على ميزتها التنافسية في الابتكار والتكنولوجيا، والتي تعتبر حيوية لأمنها القومي وازدهارها. كما تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نظام تجاري حر ومفتوح عادل ومتبادل، ويحمي مصالح وقيم الولايات المتحدة وحلفائها. وتشمل بعض الأدوات الاقتصادية التي تستخدمها الولايات المتحدة الرسوم الجمركية وضوابط الصادرات وفحص الاستثمارات واتفاقيات التجارة.
المستوى الأمني:
تسعى الولايات المتحدة إلى ردع التوسع العسكري الصيني، لكونه يشكل تهديدًا للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. كما تريد الولايات المتحدة منع الصين من السيطرة على المجالات الاستراتيجية للفضاء والفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، والتي تعتبر حاسمة لمستقبل الحرب. كما تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على حرية الملاحة والتحليق فوق المياه الدولية والمجال الجوي الدولي، وخاصة في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، حيث توجد نزاعات إقليمية بين الصين وجيرانها. وتشمل بعض الأدوات الأمنية التي تستخدمها الولايات المتحدة الوجود العسكري والتدريبات والتحالفات ومبيعات الأسلحة والدفاع الصاروخي.
في السنوات الأخيرة، عززت الولايات المتحدة تعاونها مع حلفائها وشركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك تحالف الأوكوس ودول جنوب شرق آسيا، بهدف احتواء صعود الصين.
فتحالف الأوكوس، الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، تحالفًا أمنيًا جديدًا تم الإعلان عنه في سبتمبر 2021. يهدف التحالف إلى تعزيز التعاون بين الدول الثلاث في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى.
وترى الولايات المتحدة أن تحالف الأوكوس أداة مهمة لاحتواء صعود الصين، حيث يعزز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ويرسل رسالة إلى الصين بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن مصالحها في المنطقة.
الولايات المتحدة كذلك تعمل على تعزيز تعاونها مع دول جنوب شرق آسيا، التي تعتبرها منطقة حيوية لمصالحها الاستراتيجية. تشارك الولايات المتحدة مع دول جنوب شرق آسيا في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الأمن والتجارة والتنمية الاقتصادية.
إلى ذلك، ترى الولايات المتحدة أن التعاون مع دول جنوب شرق آسيا يمثل أداة مهمة لاحتواء صعود الصين، حيث يساعد على تعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية لهذه الدول، ويعزز استقلالها عن الصين.
تتعدد أبعاد السياسة الأمريكية تجاه روسيا، إذ يمكن تصنيفها إلى ثلاثة محاور رئيسية: السياسية والاقتصادية والأمنية. يتضمن كل من هذه المحاور أهدافًا وتحديات مختلفة للولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة عدوان روسيا وتدخلها.
المحور السياسي
تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد الذي ساعدت في تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يرتكز على احترام السيادة والسلامة الإقليمية وحقوق الإنسان والحل السلمي للنزاعات. كما تدعم الولايات المتحدة التطلعات الديمقراطية والإصلاحات في دول منطقة اليورو الأطلسي، وخاصة أوكرانيا، التي تعد الهدف الرئيسي للحرب الهجينة التي تشنها روسيا. وتعارض الولايات المتحدة النموذج الاستبدادي الروسي ومحاولاته لتقويض المؤسسات والمعايير الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. كما تحاول الولايات المتحدة إشراك روسيا في مجالات ذات اهتمام مشترك، مثل مراقبة الأسلحة وعدم انتشار الأسلحة ومكافحة الإرهاب وتغير المناخ.
المحور الاقتصادي
تهدف الولايات المتحدة إلى مواجهة استخدام روسيا للطاقة والتجارة كأدوات للإكراه والتأثير، خاصة في أوروبا وآسيا الوسطى. كما تريد الولايات المتحدة تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية وتنويع سلاسل التوريد والأسواق الخاصة بها. تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى تعزيز نظام تجاري عادل ومنفتح يتوافق مع قواعد ومعايير منظمة التجارة العالمية، ويحمي مصالح وقيم الولايات المتحدة وحلفائها. وتشمل بعض الأدوات الاقتصادية التي تستخدمها الولايات المتحدة الرسوم الجمركية وضوابط التصدير وفحص الاستثمار واتفاقيات التجارة.
المحور الأمني
تسعى الولايات المتحدة إلى ردع التهديدات والاستفزازات العسكرية الروسية التي تعرض الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة للخطر. كما تريد الولايات المتحدة منع روسيا من الهيمنة على المجالات الاستراتيجية للفضاء والفضاء الإلكتروني والتقنيات الناشئة، والتي تعتبر حاسمة لمستقبل الحرب. كما تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على حرية الملاحة والتحليق في المياه الدولية والمجال الجوي الدولي، خاصة في بحر البلطيق والبحر الأسود، حيث انتهكت روسيا سيادة وحقوق جيرانها. وتشمل بعض الأدوات الأمنية التي تستخدمها الولايات المتحدة الوجود العسكري والمناورات والتحالفات ومبيعات الأسلحة والدفاع الصاروخي.
إحدى أكثر القضايا إلحاحًا في العلاقات الأمريكية الروسية هي الحرب الجارية في أوكرانيا، والتي بدأت في عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني ودعمت القوات الانفصالية في منطقة دونباس. أدانت الولايات المتحدة بشدة عدوان روسيا وانتهاكها لسيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية، وقدمت الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري لأوكرانيا. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا ووكلائها، وقامت بالتنسيق مع حلفائها وشركائها لزيادة التكاليف والعواقب الناجمة عن تصرفات روسيا. كما شاركت الولايات المتحدة في الجهود الدبلوماسية لحل الصراع، مثل صيغة نورماندي واتفاقيات مينسك، وحثت روسيا على الالتزام بتعهداتها ووقف الأعمال العدائية. وأكدت الولايات المتحدة أيضًا على دعمها الثابت لتكامل أوكرانيا الأوروبي الأطلسي وأجندة الإصلاح، وشجعت أوكرانيا على مواصلة مكافحتها للفساد والاحتكار.
بعد أن شنت روسيا غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على روسيا ردًا على ذلك. كانت هذه العقوبات غير مسبوقة في نطاقها وتأثيرها، وهدفت إلى الضغط على الحكومة الروسية لسحب قواتها من أوكرانيا.
أهداف العقوبات الأمريكية
كانت العقوبات الأمريكية تهدف إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، بما في ذلك:
* إضعاف الاقتصاد الروسي وحرمان الحكومة الروسية من الإيرادات التي تحتاجها لتمويل حربها في أوكرانيا.
* عزل روسيا عن النظام المالي العالمي وتقليص قدرتها على إجراء التجارة الدولية.
* الضغط على النخبة الروسية والمسؤولين الحكوميين لتقويض دعمهم للحرب.
* تشجيع الشركات الأجنبية على مغادرة روسيا والحد من الاستثمار الأجنبي في البلاد.
أنواع العقوبات الأمريكية
فرضت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة من العقوبات على روسيا، بما في ذلك:
* العقوبات المالية:
جمدت الولايات المتحدة أصول البنك المركزي الروسي ومنعت البنوك الروسية من الوصول إلى النظام المالي الدولي. كما فرضت قيودًا على تصدير السلع والخدمات إلى روسيا.
* العقوبات التجارية:
فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية عالية على الواردات الروسية وحظرت تصدير بعض السلع الاستراتيجية إلى روسيا، مثل أشباه الموصلات والطائرات.
* العقوبات الفردية:
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدد من كبار المسؤولين الحكوميين الروس، بالإضافة إلى رجال الأعمال والأوليغارشية الروس.
تأثير العقوبات الأمريكية
كان للعقوبات الأمريكية تأثير كبير على الاقتصاد الروسي. فقد انخفضت قيمة الروبل الروسي بشكل كبير، وارتفعت أسعار الفائدة، وانخفضت الاستثمارات الأجنبية. كما شهد الاقتصاد الروسي ركودًا حادًا.
كما أثرت العقوبات على الشعب الروسي العادي. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، وانخفضت مستويات المعيشة. كما أدت العقوبات إلى نقص في بعض السلع والخدمات.
الاستجابة الروسية للعقوبات
ردت روسيا على العقوبات الأمريكية بإجراءات انتقامية. فقد حظرت تصدير بعض السلع إلى الولايات المتحدة ودول أخرى، وفرضت قيودًا على سفر المواطنين الأمريكيين إلى روسيا. كما هددت روسيا بتعليق إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
الجهات الفاعلة الأخرى التي فرضت عقوبات على روسيا
بالإضافة إلى الولايات المتحدة، فرض العديد من الدول الأخرى عقوبات على روسيا، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا واليابان وأستراليا.
التأثير العالمي للعقوبات
كان للعقوبات على روسيا تأثير كبير على الاقتصاد العالمي. فقد ارتفعت أسعار الطاقة والغذاء بشكل كبير، وتباطأ النمو الاقتصادي العالمي. كما أدت العقوبات إلى تعطل سلاسل التوريد العالمية.
تتسم العلاقات الأمريكية الإيرانية بالتعقيد والتوتر منذ عقود، حيث شهدت تقلبات كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. وتتحدد السياسات الأمريكية تجاه إيران بشكل رئيسي من خلال ثلاثة محاور أساسية:
المحور السياسي:
تسعى الولايات المتحدة إلى منع إيران من امتلاك أسلحة نووية وضمان أن يكون برنامجها النووي سلميًا بالكامل وقابلاً للتحقق. كما تدعم الولايات المتحدة حقوق وتطلعات الشعب الإيراني الذي عانى تحت وطأة نظام قمعي وفاسد. وتعارض الولايات المتحدة دعم إيران للجماعات الإرهابية والميليشيات والوكلاء الذين يزعزعون استقرار الشرق الأوسط ويهددون المصالح الأمريكية وحلفائها.
المحور الاقتصادي:
تهدف الولايات المتحدة إلى فرض أقصى قدر من الضغط على الاقتصاد الإيراني وقطع مصادر إيراداته وتمويله، خاصة من صادرات النفط والأنشطة غير المشروعة. كما تريد الولايات المتحدة عزل إيران عن النظام المالي العالمي وردع الشركات والمستثمرين الأجانب عن التعامل مع إيران. وتسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى تقديم المساعدة الإنسانية والإغاثة للشعب الإيراني الذي يعاني من الآثار المترتبة على العقوبات وسوء الإدارة وجائحة كوفيد -19. ومن بين الأدوات الاقتصادية التي تستخدمها الولايات المتحدة التعريفات وضوابط الصادرات والعقوبات والإعفاءات.
المحور الأمني:
تسعى الولايات المتحدة إلى ردع التهديدات والاستفزازات العسكرية الإيرانية والدفاع ضدها، والتي تعرض الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة للخطر. كما تريد الولايات المتحدة منع إيران من تطوير ونشر الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة والطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة التي يمكنها إيصال شحنات نووية أو تقليدية. وتسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى مواجهة النفوذ المتصاعد لأنشطة إيران في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج العربي. ومن بين الأدوات الأمنية التي تستخدمها الولايات المتحدة الوجود العسكري والتدريبات والتحالفات ومبيعات الأسلحة والدفاع الصاروخي لإسرائيل، وذلك في ضوء تزايد احتمالات شن ضربة عسكرية إسرائيلية ضد المفاعلات النووية الإيرانية، مفاعل نطنز، وبوشهر.
لا تعتبر السياسات الأمريكية تجاه إيران ثابتة، ولكنها تتطور وفقًا للظروف الديناميكية المتغيرة للعلاقة الثنائية. تواجه الولايات المتحدة أيضًا تحديات وتنازلات مختلفة في تنفيذ هذه السياسات، مثل موازنة التعاون والتنافس، وإدارة الضغوط المحلية والدولية، والحفاظ على الاتساق والمصداقية. لا تهدف السياسات الأمريكية تجاه إيران إلى تغيير النظام، ولكنها تهدف إلى تغيير سلوك النظام واحترام القواعد والأعراف الدولية التي تعود بالنفع على جميع البلدان.
إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا في العلاقات الأمريكية الإيرانية هي وضع خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) لعام 2015، والتي فرضت قيودًا على البرنامج النووي الإيراني في مقابل تخفيف معظم العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأمم المتحدة. انسحبت إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018 وأعادت فرض العقوبات على إيران، مما دفع إيران إلى تقليل التزامها بالالتزامات النووية لخطة العمل الشاملة المشتركة. أعربت إدارة بايدن عن استعدادها للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل، وقد انخرطت في مفاوضات غير مباشرة مع إيران في فيينا منذ أبريل 2021. ومع ذلك، فقد تعثرت المحادثات منذ يونيو 2021، واصلت إيران تطوير برنامجها النووي، مما قلل من الوقت اللازم لإنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة كافية لقنبلة. حذرت الولايات المتحدة من أن نافذة الفرصة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة تضيق وأنها مستعدة لاستكشاف خيارات أخرى لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. ومن مؤشرات ذلك، سفر وفد من كوريا الجنوبية إلى فيينا في عام ٢٠٢٢، وذلك من أجل عقد مباحثات وقتذاك مع الأطراف المتفاوضة، وقد أتى ذلك في خِضَمْ الأرصدة الإيرانية المجمدة في سيول. وقد سعت الولايات المتحدة أيضًا إلى معالجة قضايا أخرى تثير قلقها مع إيران، مثل أنشطتها الإقليمية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان.
الخاتمة:
إن المتتبع للنظام الدولي منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، وعودة روسيا وريثة ذلك الاتحاد إلى الساحة الدولية، بالتوازي مع أقطاب دولية أخرى كالصين سيدرك ومن دون أدنى شك أن هناك تغيرًا سريعًا في خريطة التحالفات وموازين القوى في عالم اليوم. ومن المفارقات، أن كلتا الدولتين روسيا، والصين بالتعاون والتنسيق السياسي والاقتصادي والأمني مع دول إقليمية في أماكن أخرى في النظام الدولي مثل الشرق الأوسط، أفريقيا، أمريكا اللاتينية، بل وأوروبا نفسها التي أصبحت تابعة أكثر من ذي قبل للسياسات الأميركية في مختلف مناطق العالم واعتمادها المتزايد على الغاز الروسي والذي توقف اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك اعتمادها على السلع المستوردة من الصين سيدرك مدى قوة الأقطاب الصاعدة التي تسعى إلى تغيير النظام الدولي الراهن الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وفقًا لمصالحها الخاصة، وبدعوى حقوق الإنسان، الديمقراطية. وأن مسألة تشكل نظام دولي جديد قد بدأت بالفعل عبر تغير موازين القوى والتحالفات الجديدة، وتزايد حدة الاستقطابات الدولية، وأنه لم يعد هناك نظامًا أحادي القطبية.
المراجع العربية
الشيشي، رامز. (٢٠٢٣). الوساطة الصينية والمصالحة السعودية الإيرانية في عالم متغير. كلتشرز بوست، https://www.culturespost.com/2023/04/The-Chinese-Mediation-and-Saudi-Iranian-Reconciliation-in-a-Changing-World.html
الشيشي، رامز. (٢٠٢٣). فهم عملية التحول الديمقراطي في الصين: تأثيرها على النظام الدولي الراهن. كلتشرز بوست، https://www.culturespost.com/2023/10/blog-post.html
الشيشي، رامز صلاح. مطر، ميرنا محمد. (٢٠٢٣). كيف كوّنت حرب غزة الرأي العام العالمي تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي؟. مركز دراسات الوحدة العربية، https://caus.org.lb/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%83%D9%88%D9%91%D9%86%D8%AA-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%AA/
المراجع الإنجليزية
Dalio, R. (2021). Principles for dealing with the changing world order. New York, NY: Avid Reader Press.
Demarais, A. (2023). The Unintended Consequences of Seizing Russian Assets. Foreign Policy. https://foreignpolicy.com/2023/11/27/russia-ukraine-war-central-bank-reserves-assets-seize-reparations-sanctions/
El-Shishy, R. (2022). Will Be There A New World Order?. IIGSA, https://iigsa.org/will-be-there-a-new-world-order/
El-Shishy, R. (2022). Beyond Iran’s Frozen Assets in SOEUL. IIGSA, https://iigsa.org/beyond-irans-frozen-assets-in-soeul/
Gidadhubli, R. G. (2007). Putin’s Economic Formula for Russia. Economic and Political Weekly, 42(49), 19–22. http://www.jstor.org/stable/40277017
Kahn, L. (2023). AUKUS Explained: How Will the Trilateral Pact Shape Indo-Pacific Security?. CFR, https://www.cfr.org/in-brief/aukus-explained-how-will-trilateral-pact-shape-indo-pacific-security
Mearsheimer, J. J. (2014). The tragedy of great power politics. W.W. Norton & Company. https://is.cuni.cz/studium/predmety/index.php?did=216573&do=download&kod=JPM755
Organski, A. F. K. (1980). Power Transitions: The Politics of Change in International Relations. The War Ledger. Chicago: University of Chicago Press.
Rumer, E. & Weiss, A. (2019). A Brief Guide to Russia’s Return to the Middle East. Carnegie Endowment For International Peace. https://carnegieendowment.org/2019/10/24/brief-guide-to-russia-s-return-to-middle-east-pub-80134