الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

محور فيلادلفيا وأهميته بالنسبة لإسرائيل

إعداد : هبة خالد جمال عبدالرازق – باحثة دكتوراه – كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة – مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

إن إعادة السيطرة على محور صلاح الدين المعروف باسم” فيلادلفيا”، بحجة أن فصائل المقاومة الفلسطينية تستخدمه في عملية تهريب الأسلحة والمعدات وقادتها عبر الأنفاق التي تمر أسفل هذا المحور الذي يربط مصر بقطاع غزة، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد صرح بأن تل أبيب لن تنهي الحرب بدون اغلاق هذه الثغرة، وإلا فإن دخول الأسلحة سيتواصل، وحسب وول ستريت جورنال الأمريكية نقلاً عن مصادر رسمية  إسرائيلية، بأن إسرائيل أبلغت مصر عزمها عن شن عملية عسكرية للسيطرة على هذا المحور.

وبعد مئة يوم من الحرب على غزة التي راح ضحيتها قرابة ال 25 ألف شهيد، ونحو 50 ألف جريح ومصاب، وتدمير البنية التحتية، وقطع سبل المساعدات وإعاقتها، تريد إسرائيل نوسيع عملياتها داخل أنحاء القطاع بشكل كامل والسيطرة على محور فيلادلفيا الواقع على الحدود بين مصر وقطاع غزة إلى الواجهة، بعد عدة تصريحات رسمية من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسيطرة على هذا الشريط الحدودي لأهميته، وفي هذه الدراسة سنوضح ما هو محور فيلادلفيا وأهميته ولماذ إسرائيل تسعى بشكل قاطع السيطرة عليه.

أولاً: ما هو محور فيلادلفيا

هو عبارة عن شريط حدودي يربط مصر بقطاع غزة، بطول 14 كيلو متر من البحر المتوسط شمالاً، وحتى معبر كرم أبو سالم جنوباً، وبموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، أن هذا المحور هو منطقة عازلة وكان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب من قطاع غزة عام 2005، فيما عرف بخطة “فك الارتباط”([1]).

ونصت خطة” فك الارتباط” على احتفاظ إسرائيل بوجود عسكري لها على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر( محور فيلادلفيا) في المرحلة الأولى، وذلك لتوفير الحماية الأمنية التي قد تتطلب توسيع المنطقة التي تتم فيها النشاطات العسكرية، وجعلت الاتفاقية اخلاء المنطقة مشروطاً بالواقع الأمني والتعاون المصري في التوصل إلى اتفاق موثوق([2]).

وفي نفس العام؛ وقعت إسرائيل مع مصر بروتوكولاً يسمى بروتوكول” فيلادلفيا”، لا يلغي أو يعدل اتفاقية السلام “كامب ديفيد”، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة، ولكن البروتوكول سمح لمصر بنشر 750 جندياً على امتداد الحدود مع غزة، وهي ليست قوة عسكرية بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود.

وفي عام 2007 سيطرت حركة المقاومة حماس على هذا الممر الشائك الذي لا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، وذلك بعد سيطرتها على القطاع وتضييق الخناق الإسرائيلي على غزة، تجاوز الفلسطينيون هذا الممر والسياج الحدودي ليعبروا إلى الجانب المصري، ومنذ ذلك الوقت أحكمت مصر قبضتها على هذا الشريط. وستوضح الخريطة كما بالشكل الآتي محور فيلادلفيا.

المصدر: https://2u.pw/NfuATYA

ثانياً: اتفاقية المعابر 2005م

في 15 نوفمبر 2005م، وقعت السلطة الفلسطينية وإسرائيل اتفاقاً عرف باسم اتفاق المعابر تم من خلاله وضع الشروط والضوابط والمعايير التي تنظم حركة المورور من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال هذه المعابر، وقد قامت الحكومة الإسرائيلية بنقل سلطة محور صلاح الدين إلى السلطة الفلسطينية، وقد وقعت اتفاقية للعبور والحركة بعد نقل السلطة للسلطة الفلسطينية من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين الوضع  الإنساني على أرض الواقع عرفت” باتفاقية المعابر”، وفتحت إسرائيل معبر رفح في نوفمبر 2005 ووضعته تحت سلطة الفلسطينية ومصر ومراقبين من الاتحاد الأوروبي، ونص الاتفاق بشأن معبر رفح على ما يلي([3]):

  • سيجرى فتح معبر رفح بمجرد جاهزيته للعمل حسب معايير دولية، وحسبما تقتضي مواد هذه الاتفاقية، وبمجرد أن يصبح الطرف الثالث متواجداً في الموقع.
  • يجرى تشغيل معبر رفح من قبل السلطة الفلسطينية من جانبها، ومن قبل مصر من جانبها، طبقاً للمعايير الدولية وتماشياً مع القانون الفلسطيني، بحيث تخضع لبنود هذه الاتفاقية.
  • يجرى افتتاح معبر رفح بمجرد أن يصبح جاهزاً للتشغيل بناء على معايير دولية وتماشياً مع مواصفات هذه الاتفاقية، وبالوقت الذي يتواجد فيه الطرف الثالث في الموقع، مع تحديد25 من نوفمبر تاريخاً للافتتاح.
  • استخدام معبر رفح ينحصر في حاملى بطاقة الهوية الفلسطينية، ومع استثناء لغيرهم ضمن الشرائح المتفق عليها، ومع اشعار مسبق للحكومة الإسرائيلية، وموافقة الجهات العليا في السلطة الفلسطينية.
  • تقوم السلطة الفلسطينية بإعلام الحكومة الإسرائيلية حول عبور شخص من الشرائح المتوقعة، دبلوماسيون، مستثمرون أجانب، ممثلون أجانلب لهيئات دولية معترف بها، وحالات إنسانية، وذلك قبل 48 ساعة من عبورهم.
  • تقوم السلطة الفلسطينية بإعلام الحكومة الإسرائيلية بقرارها في غضون 24 ساعة، متضمنة الأسباب المتعلقة بالقرار.
  • يضمن الطرف الثالث اتباع الإجراءات الصحيحة، كما ويعلم الطرفان بأي معلومات في حوزته متعلقة بالأشخاص الذين يتدمون بطلبات للعبور تحت هذه الاستثناءات.
  • تظل هذه الاجراءات سارية بتقييم سلبي حول إدارة السلطة الفلسطينية لمعبر، يجري انجاز هذا التقييم بتنسيق كامل مع الجانبين، وسيعطي اعتبارا كاملاً لرأي كل من الطرفين.
  • سيجري استخدام معبر رفح أيضاً لتصدير البضائح لمصر، ويجري انشاء معايير موضوعية لفحص السيارات بالإجماع.

ثالثاً: أهمية محور فيلادلفيا بالنسبة لإسرائيل:

على مدار سنوات حفرت المئات من الأنفاق أسفل هذا الشريط الحدودي خاصة مع تضييق الخناق على القطاع والحصار من قبل إسرائيل، ومثلت هذه الأنفاق شريان الحياة لسكان القطاع الذين يقدرون بنحو 2.3 مليون نسمة والحركة داخل القطاع، ورسخت القدرات العسكرية للمقاومة خلال الحرب القائمة، وترى إسرائيل أن يوجد عدة أنفاق لا تزال قائمة حسب روايتهم تحت هذا الممر، الذي يشكل خطر عليهم ويريدون السيطرة عليه بشكل كافي، وهذا ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي في عدة تصريحات تليفزيونية رسمية.

ويرى مراقبون أن سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا يتطلب توقيع بروتوكول ملحق باتفاقية السلام مماثل للذي تم اقراره عام 2005م، بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة، إن انتقال إدارة الجانب الفلسطيني من هذا الشريط الحدودي إلى إسرائيل يعني السيطرة على معبر رفح الحدودي الذي يعد حالياً المنفذ الوحيد  لقطاع غزة، والذي يقع خارج سيطرة إسرائيل بموجب اتفاقية المعابر، وهو ما قد يضيق الخناق والحصار أكثر على سكان غزة. ويوجد مقترحات إسرائيلية بشأن تغيير إدارة المعبر، وهو لا يمكن استمرار عمل المعبر بالآلية السابقة قبل 7 أكتوبر 2023م الماضي، وتحدثت عن آلية عمل جديدة للمعبر من خلال إدخال تقنيات وأساليب مراقبة، تضمن عدم مرور أي من المواد التي قد تستعين بها المقاومة لاحقاً([4]).

في حين صرح المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمدأبو زيد أن مصر لا تزال تسيطر بشكل كامل على حدودها، وذلك في أعقاب دعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي إلى اغلاق الحدود المصرية مع غزة قبل انتهاء الحرب، كما صرح أيضاً المتحدث باسم الخارجية أن هذه القضايا تخضع لاتفاقيات قانونية وأمنية بين الدول المعنية، لذا فإن أي حديث في هذا الأمر يخضع بشكل عام للتدقيق ويتم الرد عليه بمواقف معلنة.

وتظل هذه المنطقة الاستراتيجية نقطة محورية في الحرب المستمرة بين إسرائيل وغزة، حيث أصبحت السيطرة على محور فيلادلفيا قضية مثيرة للجدل والسعي لتحقيق الاستقرار الإقليمي([5])، ويرى كثيراً من المحللين  أن سيطرة إسرائيل على هذا المحور سيكون بمثابة أسوار السجن المفتوح في غزة، وهو ما سيدفع سكان القطاع للهجرة الطوعية خارجه.

رابعاً: لماذا تسعى إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا

بدأت إسرائيل بتطويق قطاع غزة من جميع الجهات عقب عملية طوفان الأقصى التي وقعت في 7 أكتوبر 2023م وتشديد الخناق على المقاومة، وأصبح محور فيلادلفيا أحد أهم المناطق الاستراتيجية المستهدفة في الخطة الإسرائيلية لعزل القطاع، وأخذت الضربات الجوية تقصف الخط الحدودي الفاصل بين مصر وغزة، وشنت قوات الاحتلال الاسرائيلي هجوماً استثنائياً على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، بحجة تدمير الأنفاق  التي تستخدمها المقاومة لتهريب الأسلحة وقادتها، وترغب إسرائيل في تأمين أكبر لحدودها الجنوبية كي لا تصبح معبراً لإمداد الفصائل الفلسطينية بالسلاح، ولهذا هم يحتاجون لاستمرار التعاون مع مصر وعدم تعكير صفو السلام مع القاهرة.

وكل ما يقال في وكالات الأخبار الإسرائيلية أو العربية ما هو إلا جس نبض بالنسبة للقاهرة، ولكن بحسب تصريحات بعض المسؤولين المصرين هذا يعد انتهاك للسيادة المصرية والرد هيكون بحزم وعلى كل الأطراف ضبط النفس، وتسعى إسرائيل لجر مصر إلى مناوشات على الحدود لكي تخترق هذا المحور المهم للقضاء على المقاومة ومنع تدفق الأسلحة والمواد المتفجرة إلى القطاع، وأثار الهجوم المتكرر على المحور غضب حركة حماس واعتبر القيادي أسامة حمدان أن القصف القريب من أول نقطة بمحافظة رفح بمثابة إصرار إسرائيلي على تهجير الفلسطينيين، ويؤكد أن هذا المخطط مرفوض من كل الجهات، ولكن نتنياهو  يحاول تطبيقه بطرق مختلفة.

ختاماً؛  بالرغم من أهمية هذا المحور  للكيان المحتل إلا أنه تجاوز للخطوط الحمراء، وتطور خطير قد يدفع إلى انفجار الموقف بين القاهرة وتل أبيب، وأن محاولة اختراق هذا المحور سيؤدي إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وهذا ما تخشاهه القاهرة من موت القضية الفلسطينية ومحوها، وتدرك القاهرة مدى خطورة الوضع، وستعمل القاهرة جاهدة على عدم سيطرة الكيان المحتل لهذا المحور، وحسب تقارير أن القاهرة تنشر عدد من القوات على جانبها من المحور  لمنع عمليات التسسل والتهريب وعدم شن قوات المحتل أي هجمات على المحور، ووضحت الدراسة  اتفاقية المعابر وبنودها الرئيسية حول حركة التنقل خلال معبر رفح وإدارته كما وضحت أن المحور يمتد من البحر المتوسط شمالاً إلى معبر كرم أبو سالم جنوباً بطول 14 كم بطول الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، وترى مصر أيضاً  أن هذه المنطقة بالغة الأهمية وجزء من سيادتها، في حين يرى المحتل أنها بمثابة القضاء على المقاومة وقادتها.

 قائمة المراجع

  1. آلاء رجائي،“ما هو محور فيلادلفيا الذي تسعى إسرائيل السيطرة عليه”،23 تاريخ ديسمبر2023م، تاريخ الدخول 2024م، متاح على https://www.bbc.com/arabic/articles/cqq152107zxo
  2. الموسوعة الجزائرية، “محور فيلادلفيا.. شريط حدودي إستراتيجي بين غزة ومصر”، تاريخ النشر4 يناير 2024م، تاريخ الدخول 15 يناير 2024م، متاح على   https://2u.pw/L9bEIqQ
  3. وثيقة نص اتفاقية المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، 15 نوفمبر 2005م. لمزيد من التفاصيل https://www.eubam-rafah.eu/sites/default/files/u173/Agreement%20on%20Movement%20and%20Access.pdf
  4. موقع العربي الجديد،”أفكار إسرائيلية مبكرة لمعبر رفح ومحور فيلادلفيا وإدارة غزة”، تاريخ النشر 23 نوفمبر 2023م، تاريخ الدخول15 يناير 2024م، متاح على https://2u.pw/ww9DWUS
  5. Egypt Today staff,”What is the Philadelphia Axis, and why is it strategically important?”,2/1/2024,(Accessed in 15/1/2024, Available at: https://www.egypttoday.com/Article/1/129537/What-is-the-Philadelphia-Axis-and-why-is-it-strategically

([1] (آلاء رجائي،“ما هو محور فيلادلفيا الذي تسعى إسرائيل السيطرة عليه”،23 تاريخ ديسمبر2023م، تاريخ الدخول 2024م، متاح على https://www.bbc.com/arabic/articles/cqq152107zxo

([2])  الموسوعة الجزائرية، “محور فيلادلفيا.. شريط حدودي إستراتيجي بين غزة ومصر”، تاريخ النشر4 يناير 2024م، تاريخ الدخول 15 يناير 2024م، متاح على  https://2u.pw/L9bEIqQ

([3]( وثيقة نص اتفاقية المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، 15 نوفمبر 2005م. لمزيد من التفاصيل https://www.eubam-rafah.eu/sites/default/files/u173/Agreement%20on%20Movement%20and%20Access.pdf

([4]) موقع العربي الجديد،“أفكار إسرائيلية مبكرة لمعبر رفح ومحور فيلادلفيا وإدارة غزة”، تاريخ النشر 23 نوفمبر 2023م، تاريخ الدخول15 يناير 2024م، متاح على https://2u.pw/ww9DWUS

([5])Egypt Today staff,”What is the Philadelphia Axis, and why is it strategically important?”,2/1/2024,(Accessed in 15/1/2024, Available at: https://www.egypttoday.com/Article/1/129537/What-is-the-Philadelphia-Axis-and-why-is-it-strategically

3.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى