طوفان الأقصى : حسابات الربح والخسارة
بقلم: التجاني صلاح عبدالله المبارك – المركز الديمقراطي العربي
فشلت إدارة نتنياهو في تحقيق اهدافها الموضوعة بعد مرور ما يزيد على الخمسة شهور في الحرب على غزة، والمتمثلة في القضاء الكامل على حركة المقاومة الإسلامية(حماس) التي مثلت لها تحديا كبيرا وصداعا مزمنا، كما فشلت في تحرير واطلاق سراح الأسرى الإسرائيلين المحتجزين في قطاع غزة، ورغم ذلك فإن إدارة نتنياهو تجد في نفسها طموحا أكبر لمواصلة الحرب وصولا لاجتياح بري وشيك ل-رفح حتى تتحقق تلك الأهداف، وتقضي على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الأكثر صعوبة.
وإذا افترضنا جدلا أن سيارة بها مجموعة من الناس ويقودها سائق متهور ومغرور، وأن هذه السيارة وجدت نفسها في مكان شديد الانحدار واستعصى على السائق المتهور أن يتحكم بها جيدا رغم كفاءته وخبرته، وان يتفادى سقوطها المحتوم والوشيك في هذا المكان شديد الانحدار ؛ هنا يوجد إحتمالين: الأول أن يتمكن السائق المتهور من ايقاف السيارة بعد توجيهات من مجموعة الركاب الذين معه، والاحتمال الثاني أن تسقط السيارة من ذلك المنحدر الشاهق ويلقى الجميع حتفهم، لكن لأن السائق متهور ومن صفاته الغرور والعند، فالأرجح الا يلقي بالا لأي نصح أو ارشاد لإيقاف أو تبطئة سرعة السيارة، وهنا يصبح احتمال النجاة صفرا بالمائة.
يمكن اسقاط هذا المثال الافتراضي على المشهد العملياتي في إسرائيل وعلى إدارة نتياهو تحديدا،ونستطيع أن نمثل السائق المتهور المغرور ب-نتنياهو والسيارة هي جيش الدفاع وزمن انطلاق السيارة هو السابع من اكتوبر/ تشرين الأول 2023 ، والمنحدر الشاهق هو قطاع غزة. فهل يكون هناك احتمال نجاة ل-نتنياهو وجيش الدفاع، أم يكون احتمال النجاة هو صفرا بالمائة؟ وما هي حسابات الربح والخسارة بعد مرور ما يزيد على الخمسة شهور على حرب طوفان الأقصى؟
في المشهد العملياتي، لم يحقق نتنياهو أيا من أهدافه التي قطعها على نفسه، والتي تتمثل في سحق المقاومة الإسلامية (حماس) فهو لم يثبت اركان جيشه تماماً لا في وسط القطاع ولا في شماله، بل أن الاشتباكات والاصابات المميتة طالت جيش الدفاع من جانب حماس من المسافة صفر، ولم يتمكن السائق المتهور العنيد أيضا من تحرير الأسرى والرهائن المحتجزين في القطاع، اكثر من ذلك فقد كشفت حرب الطوفان عورات القوة الإسرائيلية، بما يمكن بعدها( في تقديري وفي تقدير أي مراقب منصف) لأي قوات عربية أو إقليمية أن تنازل الخصم الإسرائيلي وتلحق به خسائر فادحة.
ولأن نتنياهو لم يستطع تحقيق أيا من أهدافه المعلنة، بل على العكس من ذلك فقد عرض إسرائيل لضربات قاسية وموجعة من كتائب المقاومة الإسلامية (حماس) وافقدتها صوابها، ولن تزول من أذهانهم تماماً مثلما لم تفارق محرقة الهولوكوست أذهانهم، وإذا اضفنا إلى ذلك الشعور العالمي الموحد الآن بفظاعة اعمال الحرب الاجرامية التي يقوم بها جيش الاحتلال طيلة الخمسةاشهر المنصرمة، والتي ذاق فيها الفلسطينيين الأبرياء العزل القتل الجماعي والابادة والتجويع وكل جرائم الحرب الوحشية غير الإنسانية، لذا بمقدورنا القول أن إسرائيل وصلت إلى أقصى درجات العزلة الدولية، المتمثلة في رفض الضمير الإنساني لجرائم الحرب التي تقترفها ادارة نتنياهو المتطرفة،وهذه بدورها تحسب من أولى الخسائر التى تلحق ب-إسرائيل وادارة نتنياهو المتطرفة.
وإذا أضفنا إلى ما تقدّم أن القضية الفلسطينية لم تكن حية وحاضرة على أجندة المجتمع الدولي كله مثلما هي عليه الآن، وأنه كلما أمعن “جيش” الاحتلال الإسرائيلي في قتل المدنيين العزل في غزة كلما انكشفت وحشيته، وكلما أيقن العالم كلّه أن المشروع الصهيوني لا يمكن إلا أن يكون مشروعاً استعمارياً واستيطانياً وتوسعياً وعنصرياً بطبيعته، لتبيّن لنا حجم الإحباط الذي يعاني منه نتنياهو حالياً، وهو ما يفسّر حالة الإنكار التي يعيشها والتي تدفعه إلى الإصرار العنيد على مواصلة القتال حتى النهاية.[1]
ورغم ان الادارتين الأمريكية والإسرائيلية تتفقان في خطة الحرب على غزة، بل ان الولايات المتحدة تقدم دعما عسكريا كاملا غير مسبوق لإسرائيل في هذه الحرب، إلا ان الحليف الأمريكي كثيرا ما يفاجأء بتصرفات ومواقف منفردة يقوم بها الطرف الإسرائيلي دون الرجوع إليه، مثل الحرب البرية على رفح التي يزمع الطرف الإسرائيلي القيام بها، لذا فقد تصاعدت مؤخرا حدة التبرم والضجر الأمريكي من تلك الافعال والتصرفات المنفردة التي تقوم بها إسرائيل، ولم يقف ” بايدن “على إظهار هذا التبرم فقط بالقول أن الطريقة التي تتبعها ادارة نتنياهو في الحرب في غزة تضر إسرائيل أكثر مما تنفعها، لكنه قام بتحذير نتنياهو من مغبة اقدام ادارته على اجتياح رفح، وهذا مؤشر له دلالة على تباين الادارتين في الاستراتيجية التي تقود المشهد العملياتي.
ولأن حجم الانقسام والاختلافات بين الادارتين الأمريكية والاسرائيلية قد بدا واضحا للعلن، فقد أدان الفاعليين الدوليين الابادة الجماعية البشعة التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية بحق الأبرياء الفلسطينيين، وادانت محمكة العدل الدولية تلك الانتهاكات غير المسبوقة، لأن دولة جنوب إفريقيا رفعت قضية ضد إسرائيل امام محكمة العدل الدولية تتهمها بالابادة الجماعية للفلسطينيين، وقدمت في ذلك احاطة قانونية رفيعة المستوى، تؤكد فيها حجم الاجرام البربري والوحشي الذي قامت به إسرائيل فقد تبدت سوءاتها أمام العالم.
قبول المحكمة اتهام إسرائيل بالشروع في الإبادة الجماعية، ينزع عن إسرائيل صفة الضحية التي حصَّنتها من كل نقد أو مساءلة، وجعلت كل من يتجرأ على اعتبارها دولة عادية تخضع للمساءلة القانونية مثل بقية الدول معاديًا للسامية، يرتكب ما ارتكبه النظام النازي في حق اليهود، وتنبغي مساءلته ومعاقبته. لن تستطيع إسرائيل وأعوانها الاحتماء مستقبلًا بذلك؛ لأنها باتت حاليًّا متهمة بنفس الجريمة التي ارتكبها النازيون في حق اليهود. بدلًا من ذلك ستكون مشغولة بدفع تهمة الإبادة عنها، وتبيين أنها ملتزمة بالقانون الدولي، وتكون تحت المتابعة شهريًّا؛ لأنها ملزمة بتقديم تقرير شهري لمحكمة العدل يسرد الإجراءات التي قامت بها لتنفيذ لقرار المحكمة.[2]
ولأن حجم الانقسام والاختلافات بين الادارتين الأمريكية والاسرائيلية في استراتيجية الحرب على غزة قد بدا واضحا للعلن، رغم صهيونية ” بايدن ” و”بلينكن ” الكاملة، فقد جاء قرار مجلس الأمن رقم 2728 بوقف اطلاق النار نتيجة حتمية لذلك الانقسام، ولتصاعد حدة الرأي العالمي الذي يطالب بوقف اطلاق النار، ولم تتمكن الولايات المتحدة ربما لأول مرة في تاريخها، من إستخدام حق النقض الذي تنحاز به دائماً ل-إسرائيل.
السفير ” ديفيد ماك “، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، لخص ثلاثة عوامل تدفع لما عدّه تغيرا تدريجيا في موقف ” بايدن “، وذلك على النحو التالي:
أولا: نمو المشاعر المؤيدة للفلسطينيين بين تيارات داخل الحزب الديمقراطي والناخبين المستقلين خلال عام الانتخابات الرئاسية.
ثانيا: يسمع “بايدن” نداءات الدول الحليفة لأميركا، والتي ترى أن إسرائيل قد ذهبت بعيدا جدا، وأن واشنطن بحاجة إلى استخدام نفوذها لردها بقوة.
ثالثا: يستمع “بايدن” إلى مزيد من أصوات اليهود والإسرائيليين ممن يرون ضرورة اللجوء إلى التفاوض لوقف دوامة العنف، خاصة بعد تأكد حقيقة صعوبة القضاء على حركة حماس.[3]
وفي وقت اشرفت فيه الزعامة الأمريكية على الترنح وفقدان سطوتها ونفوذها العالمي مع كثرة النزاعات والحروب الكونية، وصعود الصين وروسيا بخطى ثابتة لتغيير معالم القطبية العالمية من نظام احادي القطبية الي ثنائي أو متعدد القطبية، فقد وقعت الادارتين الأمريكية والاسرائيلية على السواء بعد طوفان الأقصى في مأزق لا تستطيع منه فكاكا، وخسائر لم تكن على البال.
وفي حسابات الربح والخسارة للصراع والحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقد تورطت إسرائيل بأطول حرب من الناحية الزمنية، وكانت محصلتها خسائر بشرية في جيش الدفاع هي الأكثر عددا، وبكلفة مالية واقتصادية باهظة.
تشير تقديرات أولية إلى أن تكلفة الحرب تقدر بحوالى 51 مليار دولار. اقترضت إسرائيل حتى الآن أكثر من 8 مليارات دولار، مما أدى إلى تضخم العجز فى الميزانية إلى 6 مليارات دولار. ويتوقع البنك المركزى الإسرائيلى أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2% فى 2024، وهذا أقل من توقعاته السابقة بنمو يصل إلى ٢٫٨% فى العام المقبل. ويتوقع، أيضا، ان تصل تكاليف الميزانية الخاصة للحرب إلى 10% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام المقبل، بينما من المنتظر أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى 66% فى نهاية 2024.[4]
بكل تأكيد ستكون إسرائيل من أكثر الخاسرين نظرًا للتكلفة الباهظة للحرب التي لم تحقق أهدافها وفشل إسرائيل في استعادة قوة الردع، فإسرائيل تحولت إلى قوة لا يخشاها ولا يحترمها أحد في الإقليم. مقابل هذا التراجع سيكون هناك صعود لإيران التي جنت مكاسب كبيرة من هذه الحرب أهمها أنها ثبَّتت نفوذها على حساب خصومها وبذلك ترسل برسالة واضحة مفادها أن العبث مع إيران سيكون مكلفًا بشكل لا يمكن تصوره.[5]
مع ذلك فإن إيران التي تصنفها الولايات المتحدة إحدى محاور الشر في العالم، باتت هي المستفيد الأول فيما اتصور من حروب طوفان الأقصى، لأنها صرفت الانظار الأمريكية عنها فيما يشبه التجميد لمفاوضات المشروع النووي، وتفرغت إيران لاستكمال مشروعها النووي الذي تتخوف منه إسرائيل أكثر من غيرها، لذا كان من الطبيعي ان يقول آية الله “خامنئي” أن إيران لن تتدخل مباشرة في النزاع العربي الإسرائيلي نيابة عن حماس؛ حيث لم تتلق إيران تحذيرًا مسبقًا حول هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول إلا أنه أضاف: إننا نقبِّل أيادي الذين خططوا للهجوم على الكيان الصهيوني.
المصادر:
[1]_حسن نافعة،مرحلة ما بعد نتنياهو، موقع صحيفة الميادين، 21مارس /آذار 2024،(تاريخ الدخول: 27 مارس /آذار 2024):https://tinyurl.com/bdhv6uws [2]_الحواس تقية، إدانة إسرائيل: تفكيك خيوط الحكم، مركز الجزيرة للدراسات، 30يناير /كانون الثاني 2024،(تاريخ الدخول: 27 مارس /آذار 2024):https://studies.aljazeera.net/ar/article/5840 [3]_محمد المنشاوي، هكذا تمنع حسابات الربح والخسارة بايدن من رفض وقف إطلاق النار في غزة، موقع الجزيرة نت، 24يناير /كانون الثاني 2024،(تاريخ الدخول: 27 مارس /آذار 2024):https://tinyurl.com/y8az6y6n
[4]_وفاء صندى، حرب غزة وحسابات الربح والخسارة، ، بوابة الأهرام، 21ديسمبر /كانون الأول 2023،(تاريخ الدخول: 27 مارس /آذار 2024):https://tinyurl.com/bddtb4nz
[5]_حسن البراري،التداعيات الجيوسياسية للحرب على غزة، مركز الجزيرة للدراسات، 21فبراير /شباط 2024،(تاريخ الدخول: 27 مارس /آذار 2024):https://studies.aljazeera.net/ar/article/5855