الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي وأثرها على سباق التسلح الدولي
اعداد : نورهان هنداوي – باحثة في العلوم السياسية – المركز الديمقراطي العربي
تعد الحروب من المكونات الأساسية من تاريخ البشرية والحضارات الإنسانية، فكانت الحرب وما زالت واحدة من الأدوات الرئيسية لممارسة العلاقات الدولية، وكانت بمثابة محورًا رئيسيًا في العلاقات الدولية، قامت الدول بتوظيفها لتحقيق أهدافها وطموحاتها وتحقيق مصالحها الوطنية، فاليوم يستخدم مفهوم الحرب بطرق مختلفة فأصبحنا نتحدث عن الحرب الباردة، والحرب الساخنة، والحرب الشاملة، والحرب التقليدية، والحرب غير التقليدية، وحرب العصابات، وغيرها من مسميات الحروب، واتخذت أشكالًا مختلفة.
فقد شهدت السنوات الأخيرة تحولات وتغيرات جذرية في مفاهيم الحرب ونظرياتها، ومن ثم لحقت هذه التغيرات بالعقائد القتالية للجيوش، فثمة عدد قليل من المجالات التي شهدت فيها المسيرة البشرية تطورًا أكثر إثارة واتساقًا مما شهده مجال الحروب وصناعات الأسلحة على امتداد تاريخها، حيث حملت بدايات القرن الحادي والعشرين العديد من المؤشرات والمتغيرات التي أفرزت بيئات عمل أمنية جديدة في مناطق شتى من العالم، مما دفع العديد من الدول إلى إعادة بناء تصوراتها المستقبلية لأمنها القومي، وأصبح التكيف مع المتغيرات الحاصلة أحد أبرز التحديات التي تواجه الدول.
في هذا السياق برز اهتمام عدد كبير من المحللين العسكريين والاستراتيجيين لفهم ورصد واستشراف التحولات التي طرأت على أشكال الحروب وهو ما انعكس في تطوير عدد من المفاهيم والمصطلحات التي سعت لفهم التحولات الحادثة في الحروب، واستشراف مستقبلها، ومن أهم هذه المفاهيم حروب الجيل الخامس، والحروب الهجينة، وحروب القرن الواحد والعشرين، وحروب الذكاء الاصطناعي وغيرها من الكثير من المفاهيم حول تطور ظاهرة الحروب، وقد اتفقت كل هذه المفاهيم على التمييز بين الحروب التقليدية والحروب غير التقليدية.
وفي ظل ما نشهده من ثورة في مجال الاتصالات والمعلومات وخاصة الثورة الإلكترونية الواسعة النطاق أدت إلى تغيرات جمة في الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبالطبع العسكرية، وفي الواقع فإن الثورة التكنولوجية وخاصة الثورة الإلكترونية مارست تأثيرها على ظاهرت الحرب والدفاع، وفي هذا الصدد أدت الثورة الإلكترونية في مجال هذا المجال إلى نشوء حروب جديدة مثل حروب الذكاء الاصطناعي والحروب الإلكترونية، هذا ما أثر بدوره على تهديد الدول ودفعها إلى سباق التسلح والسعي إلى امتلاك التكنولوجيا وتوظيفها في مجال الحروب وخاصة السباق حول الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في الحروب.
مشكلة الدراسة:
في ظل الثورة النوعية التي نشهدها والذي يقودها الذكاء الاصطناعي أثرت الثورة التكنولوجية والتقنيات الحديثة على أشكال الحروب والصراعات البشرية على مدار العصور، فمن الحرب التقليدية التي استخدمت السيوف والرماح، ثم البنادق والرشاشات، ثم القنابل النووية، والصواريخ العابرة للقارات، إلى نوع جديد من الحروب وهي حروب قامت بتوظيف الذكاء الاصطناعي، والحروب السيبرانية التي تستخدم نوعًا أخر من الأسلحة لديها القدرة على إلحاق دمار يوازي دمار الأسلحة التقليدية بل قد يفوقه في بعض الأحيان.
وفي ظل الفرص التي تتيحها الثورة الصناعية الرابعة للتقدم الاقتصادي وانعكاسه على القوة الاستراتيجية الشاملة للدولة، أصبح هناك وعي متصاعد لدى القوى الدولية بأهمية تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحول ميزان القوى في النظام الدولي، وباتت تدرك العديد من الدول أن من يحكم سيطرته على الذكاء الاصطناعي سيكون له الغلبة والثروة والهيمنة، وهو ما يدفع العديد من الحكومات إلى مواكبة تلك المتغيرات الجديدة التي فرضتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وبخاصة تداخلها مع كافة المجالات الأخرى، كالفضاء والتكنولوجيا الحيوية، وعليه تتمثل مشكلة الدراسة في التساؤل الرئيسي الآتي: “إلى أي مدى أثرت حروب الذكاء الاصطناعي على سباق التسلح الدولي؟”.
أسئلة الدراسة:
يتفرع من التساؤل الرئيسي السابق عدد من الأسلحة الفرعية تتمثل أهمها في الآتي:
- ما هي مراحل تطور الحروب؟
- ما ماهية حروب الذكاء الاصطناعي؟
- ما أثر حروب الذكاء الاصطناعي على سباق التسلح الدولي؟
أهداف الدراسة:
ينصرف الهدف الرئيسي للدراسة حول تسليط الضوء عن تأثير حروب الذكاء الاصطناعي على سباق التسلح بين الدول والقوى الكبرى، ويتفرع من هذا الهدف الرئيسي عدد من الأهداف الفرعية يتمثل أهمها في الآتي:
- توضيح مراحل تطور الحروب.
- توضيح ماهية حروب الذكاء الاصطناعي.
- الكشف عن تأثير حروب الذكاء الاصطناعي على التسليح.
أهمية الدراسة:
تأتي أهمية الدراسة من أهمية موضوعها، انقسمت بدورها إلى قسمين أهمية علمية وأهمية عملية، كما هو موضح على النحو الآتي:
- الأهمية العلمية: تتمثل الأهمية العلمية للدراسة في توضيح دور الثورة التكنولوجية والتقنيات الحديثة في تطوير مفهوم الحروب، بدءً من حروب الجيل الأول والثاني مرورًا بحروب الجيل الثالث والرابع، وصولًا إلى حروب الجيل الخامس والسادس، حتى شهدنا حروب الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في تحقيق الأهداف الدولية، كذلك الوقوف حول تأثير الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي على سباق التسلح الدولي بين القوى الكبرى.
- الأهمية العملية: تنصرف الأهمية العملية للدراسة حول التوضيح لصانع القرار ما آلت إليه الحروب من تطورات هائلة بفضل التطورات التقنية التي شهدتها البشرية في الآونة الأخيرة، وأهمية استغلال التكنولوجيا وتوظيفها فيما يخدم أهداف الدولة وتحقيق مصالحها الحيوية وحماية أمنها القومي من تهديدات تلك الحروب.
منهجية الدراسة:
اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، حيث يعد المنهج الوصفي التحليلي من المناهج التي تعمل على دراسة الظاهرة كما هي في الواقع، ويهتم بوصفها وصفًا دقيقًا ويعبر عنها كيفيًا وكميًا، ويقوم بجمع البيانات والمعلومات عنها وتحليليها، بالتطبيق هنا في حالة الدراسة تم الاعتماد عليه من أجل وصف الظاهرة محل الدراسة ألا وهي مرحل تطور الحروب وصولًا إلى حروب الذكاء الاصطناعي، وأثرها على سباق التسلح الدولي بين القوى الكبرى، ومحاولة تحليل المعلومات والبيانات التي تم الوصول إليها حتى يتم التوصل إلى النتائج الدقيقة والواقعية.
هيكل الدراسة:
تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسية كما هو موضح على النحو الآتي:
- المحور الأول: مرحل تطور الحروب.
- المحور الثاني: ماهية حروب الذكاء الاصطناعي.
- المحور الثالث: أثر حروب الذكاء الاصطناعي على سباق التسلح الدولي.
المحور الأول
مراحل تطور الحروب
ساهم الذكاء الاصطناعي في تغيير قواعد الحرب في القطاع العسكري، فقد لعب الذكاء الاصطناعي دورًا بارزًا في تحديث وتطوير النظم العسكرية، حيث أسهم في تخطيط ودعم العلميات العسكرية واصبح أداة رئيسية في عمليات الدفع والردع، هذا بالإضافة إلى دوره في قلب موازين القوى وذلك نظرًا لدوره المحوري في تسريع عمليات اتخاذ القرارات واستجابة القادة بشكل كبير، وهو ما يسمح بمعالجة المعلومات بشكل أسرع كما يسهم الذكاء الاصطناعي في تغيير شكل الأسلحة في المعركة وخفض أعداد الجنود، فلم تعد الأسلحة تعتمد على البشر بشكل مباشر ومن أبرز تلك الأسلحة الطائرات والدبابات والغواصات([1]).
فالحرب القادمة ستكون محورها الذكاء الاصطناعي فيمكننا هنا تسليط الضوء حول تطور أجيال الحروب، فقد قسمها خبراء الفكر العسكري لعدد من الحروب مثل حروب الجيل الأول والثاني حتى حروب الجيل السادس، حيث اختص كل جيل من أجيال تلك الحرب بنوع معين من التكتيكات العمليات ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها.
أولًا: حروب الجيل الأول.
هي حروب التي امتدت في الفترة من (1648- 1860) قد عرفها الخبر العسكري (ويليام ليند) بالحروب التقليدية، في الحروب التي كانت تمارس منذ بدء الخليقة، باستخدام السيوف والرماح والعجلات الحربية، حيث تم اتباع التكتيكات الصف والعمود، في إطار حروب هذا الجيل، وقد أخذت المعارك شكل المواجهة المباشرة بين الجيوش النظامية كما كانت أدوات الحرب البدائية، وتستعمل فيها الأسلحة والذخائر والتكتيكات التقليدية وكان هدفها الأساسي تحقيق الانتصارات العسكرية، ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع من الحروب الحرب الأهلية الإنجليزية (حرب السبع سنوات)([2]).
ثانيًا: حروب الجيل الثاني.
هي الحروب التي امتدت في الفترة من (1860- 1918)، ينسب الفضل إلى الجيوش الفرنسية في تدشين هذا النمط من الحروب، ويعرفها البعض بحروب العصابات وهذه الحروب شبيهة إلى حد ما بحروب الجيل الأول، ولكن التطور الذي حدث في تقنيات الأسلحة والنيران وطريقة إدارة استخدام الدبابات والطيران بين أطراف النزاع، جعل لها خاصية أكثر دقة، فهي تنشأ في الصراع المستمر والطويل بالاعتماد على حشد أعداد كبيرة من الجنود، واستخدام أسلحة أكثر تطورًا ممثلة في المدرعات الثقيلة والبنادق الآلية وغيرها، وذلك نتيجة للثورة الصناعية وما أتاحته من تطور في مجال الأسلحة مع ظهور البارود واختراع البندقية والمدافع([3]).
ثالثًا: حروب الجيل الثالث.
هي حروب امتدت في الفترة من (1939- 1945) تعرف بالحروب الوقائية، وهي حروب طورت من قبل الألمان في الحرب العالمية الثانية، وتطورت معها أدوات الحرب، فأصبحت تستخدم سلاح الطيران والقاذفات بعيدة المدى والصواريخ الموجهة وتصاحبها بالعادة حملات إعلامية مركزة، وقد أسهم في ظهورها عاملان أساسيان، يتمثلان في([4]):
- استمرار التطور التكنولوجي، الذي تطورت معه الأسلحة بظهور الدبابات والطائرات المقاتلة.
- تطور نظم الاتصالات، مما ساعد على القيام بالمناورات العسكرية بدرجة لم تكن معروفة سابقًا.
يعرف البعض هذا الجيل من الحروب التي انطلقت من وحي نظرية الردع بالشك وهي نظرية سياسية عسكرية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وتشكل الحرب على العراق نموذجًا منها، كما أنها ضمت الفضاء الإلكتروني إلى نطاق الحرب، حيث اعتمدت حروب الجيل الثالث على التطور الاقتصادي والتكنولوجي الكبير في عصر الثورة الصناعية.
رابعًا: حروب الجيل الرابع.
ظهرت هذه الحروب خلال عام 1989م، عرفت باسم الحروب اللامتماثلة بواسطة المحللين الأمريكيين، وذلك نتيجة لحرب أفغانستان وما تكبدته من خسائر فأوصوا بعدم التدخل في مواجهات مباشرة مع الأعداء، بل يجب أن تكون المواجهات بشكل غير مباشر، وقد راج هذا المصطلح في السنوات الأخيرة لوصف هذا النوع الجديد من الحروب غير التقليدية، حيث تعرف حروب الجيل الرابع بأنها نوع من الحروب التي تستهدف القضاء على العدو داخليًا، بدلًا من تدميره عسكريًا باستخدام أسلحة وأدوات مختلفة والتي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا([5]).
فهي حروب طويلة الأمد، لا مركزية التخطيط تعتمد على الهجوم المباشر على ثقافة العدو، وأساسها الحرب النفسية من خلال وسائل الإعلام الحديثة، وشبكة الإنترنت باستخدام كل الضغوطات المتاحة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وتتصف تلك الحروب بغياب التسلسل الهرمي وحرب العصابات واحدة من أهم أدواتها، فنجد أن جوهر حروب الجيل الرابع تقوم على إنهاك إرادة الدولة المستهدف ببطء بعد نشر الفوضى فيها، كما حدث في معظم الدول العربية.
خامسًا: حروب الجيل الخامس.
جاءت امتدادًا للحروب السابقة، تقوم على استهداف المجتمع من خلال استغلال الثغرات ومراكز ضعف الدولة، وطور هذا الجيل استراتيجياته، وقد اعتمدوا صانعوا حروب الجيل الخامس على استخدام التقنيات الحديثة التي تشمل القوة المسلحة كالصواريخ المضادة للدروع والأعمال الإرهابية، التي يكون فيها العدو فاعلًا من دون أن يظهر بشكل مباشر، كما تشمل هذه التقنيات الإرهاب الإلكتروني، والحرب السيبرانية وإثارة الشعوب وتحريكها وفق الأهداف السياسية لدول أخرى.
من مظاهر حروب الجيل الخامس سعي الأفراد والمجموعات غير الحكومية الوصول إلى المعرفة المتطورة والتكنولوجيات الحديثة واستخدامها كوسائل هجومية في معارك غير متماثلة لتحقيق المصالح الفردية والجماعية، وذلك من خلال القدرة على تنفيذ الأعمال التخريبية من خلال الإنترنت والوسائط الإلكترونية المختلفة فيما بات يعرف بالحرب الرقمية، وعلى ذلك فإن زمنًا قادمًا بظهور أجيال جديدة للحروب مختلفة كليًا عن كل تلك الحروب المدمرة التي عانى منها الالم، وسوف تكون المتغيرات السياسية والاجتماعية وتكنولوجيا الصناعة عاملًا هامًا في تحديد الخصوم وطريقة الرد وخوض غمار الحرب، وستستهم كل تلك التغييرات في رسم حروب المستقبل ، وستكون عاملًا مهمًا في سباق إدارة الأزمات وفن الحرب واستخدام تكتيكات جديدة في العمليات العسكرية والأمنية([6]).
سادسًا: حروب الجيل السادس.
يعد الروسيون أول من أطلقوا هذ النوع من الحروب وذلك على يد الجنرال (فلاديمير سليبتشينك) فنجد أنه صرح بأن الحروب التقليدية قد عفا عليها الزمن وما سيأتي بعد ذلك سيدار بأنظمة ذكية، وسنحصد به نتائج ذكية أيضًا، في إشارة منه إلى حرب المعلومات، لذا نجد أنه من سمات هذه الحروب محاولة تغيير الثقافات والعادات والتقاليد والتمرد على المجتمع، والأنظمة السياسية، من خلال التلقين الممنهج بالمعلومات الخطأ، ولم تقف الحرب المعلوماتية عند ها الحد بل طورت استراتيجيتها إلى أن ظهر نوع جديد من الأكاذيب يطلق عليه سياسة ما بعد الحقيقة، وهذه الاستراتيجية تخاطب العواطف والمشاعر وليس العقل البشري، أي أنها تثير الرأي العام من خلال طرح القضايا من منظور عاطفي لينحاز إليها عدد كبير من الأشخاص ضد الدولة([7]).
يتضح مما سبق عرضه أن سمات حروب الجيل الخامس والسادس غياب مركز الثقل، ففي الأجيال الأربعة السابقة من الحرب كان الصراع يحدث بين كيانات تتمتع بهياكل مؤسساتية سواء كانت جيوشًا أو حتى جماعات متمردة أي أن لها مركز ثقل يتمثل بالهرمية والتسلسل القيادي والروح المعنوية وخطوط الإمدادات اللوجستية والدعم السياسي والشعبي، لكن ما تختص به الحروب الجديدة هو أنه يمكن تطبيقها حتى في حالة عدم وجود صراعات عسكرية عنيفة معلنة بين الدول.
المحور الثاني
ماهية حروب الذكاء الاصطناعي
يعد دمج الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والمجال الحربي من بين أكثر الإنجازات الواعدة في هذا المجال، نظرًا لقدراته الجوهرية في مجال الحوسبة ومعالجة البيانات بشكل أكثر فعالية، وقد أدى استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري إلى ظهور جيل جديد من الحروب يعتمد على المجال المعرفي القائم على التحليلات باعتباره ميدان الحروب في المستقبل، أطلق عليه الحروب الذكية، التي شهدت معه الحروب تغيرات جذرية على صعيد مهام الاستطلاع والمراقبة والاستهداف والاستخبارات وتوثيق العمليات العسكرية والدعم اللوجيستي بما تيح للقادة وعيًا متزايدًا بالأوضاع وهو ما قد يساعد الجيوش على تحديد مراكز ثقل عدوها في مجال المعركة([8]).
أولًا: مفهوم الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري.
يعد الذكاء الاصطناعي بمثابة ثورة قادمة في الشؤون العسكرية، وخاصة أن تداعياته تمتد إلى ما هو أبعد من تحقيق المصالح والمنافع العسكرية البسيطة، فالعالم المدني سيتأثر كثيرًا بتطورات الذكاء الاصطناعي؛ لذلك من المهم فهم عدد من المفاهيم المرتبطة بهذه التكنولوجيا الجديدة، فنجد أن مصطلح الذكاء الاصطناعي نشأ من مؤتمر دارتموث عام 1956، عندما طُرحت الفكرة لأول مرة وعرفت بأنها (نظام اصطناعي تم تطويره في برامج الكمبيوتر أو الأجهزة المادية، أو أي سياق آخر، يحل المهام التي تتطلب إدراكًا وتخطيطًا، أو تعلمًا، أو تواصلًا، أو عملًا بدنيًّا يشبه الإنسان)([9]).
يعرف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري بأنه تطوير أنظمة الكمبيوتر لتكون قادرة على أداء المهام التي تتطلب عادة ذكاءً عقلانيًا، وهو نموذج محاكاة للذكاء البشري والذي يتضمن القدرة على التعلم والاستنتاج وحل المشكلات بما يساعد القادة على اتخاذ القرار بريقة أسرع وأكثر دقة من خلال معالجة المعلومات القيمة في الوقت الفعلي، مع مراعاة التأثير الذي قد يحدثه على حياة البشر المتضررين من النزاعات المسلحة.
ظهرت أولى إرهاصات الذكاء الاصطناعي في حياتنا العادية مثل البرامج التي تستخدم التعرف على البيانات الأساسية، والأنماط والتحليلات التنبؤية، أما الموجة الثانية فهي المستوى الحالي لتطوير الذكاء الاصطناعي وفي هذه المرحلة يكون التعلم الآلي (ML) ممكنًا، وتصبح عملية استخدام الأكواد والخوارزميات لتعليم الآلات المهام الأساسية والمتقدمة للإنسان علامة فارقة في مجال الذكاء الاصطناعي، من هنا أصبحت الإمكانات الأكثر تقدمًا، مثل التعرف على الصوت، والوجه، والذكاء المعزز، والوظائف شبه المستقلة، وهذه الأخيرة هي لبنة البناء للقدرة المستقلة للآلات، التي لا تتطلب التكنولوجيا فيها أي مدخلات بشرية، ويمكن أن تأتي في عدة أنواع تعتمد على البرامج فقط([10]).
يتمتع الذكاء الاصطناعي العام في الجانب النظري بالقدرة على مراقبة التوجيه، والتصرف مع مستويات الإدراك والوعي البشري، وشكل آخر من أشكال هذه التقنية هو نوع مختلف من الذكاء الاصطناعي العام يشار إليه باسم الذكاء الاصطناعي الفائق الذي يعد مثالًا لقدرة البرمجيات، ويتفوق على البشر بكل مقياس موضوعي تقريبًا، كما أنه يمثل نظامًا لكمبيوتر يمكن وصفه بأنه واعٍ، وقد أسهمت إمكانات الذكاء الاصطناعي هذه في إحداث ثورة جديدة في الشؤون العسكرية.
يتضح هنا أن الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري عبارة عن نهج تعاوني وشراكة بين الإنسان والآلة القائمة على علاقة تكاملية تجمع بين القدرات المعرفية للمحللين البشريين والقوة الحسابية والقدرات التحليلية للذكاء الاصطناعي، وهو أمر بالغ الأهمية للاستفادة من قدرة الذكاء الاصطناعي وهو أمر بالغ الأهمية للاستفادة من قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من البيانات والتعرف على الأنماط وإجراء تقييمات تنبؤية يمكن للقوات المسلحة من خلالها فهم التهديدات الأمنية المتطورة والاستجابة لها بشكل أفضل في عمليات الاستهداف التلقائي، والتحليل الآلي للبيانات الاستخباراتية وتحسين اللوجستيات، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر فعالية ونتائج تشغيلية معززة لحماية الأمن القومي، والحفاظ على السلام الاجتماعي من أية تهديدات.
فعلى الرغم من أهمية الشراكات بين الإنسان والآلة فعاليتها لضمان الاستخدام المسؤول والفعال للذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية فإن الأكثر أهمية هو ألا تحل أنظمة الذكاء الاصطناعي محل الخبرة والحكم البشريين، بل يجب ألا تخرج عن السيطرة البشرية حتى لا تشكل سلاحًا مضادًا للإنسانية.
فالذكاء الاصطناعي هو مجال سريع التطور، وله تأثيرات مستقبلية كبيرة في الأمن العالمي بسبب عدد من المزايا المحتملة، تقوم الدول الرائدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والصين، وروسيا حاليًا عن تطبيقات جديدة للذكاء الاصطناعي بهدف الحفاظ على ميزة غير متكافئة على الخصوم، على سبيل المثال قيام الجيش الأمريكي بدمج الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية في الشرق الأوسط من خلال استراتيجية تسمى (Project Maven) تستخدم خوارزميات كمبيوتر متقدمة لتحديد الأهداف عبر كميات كبيرة من الصور المتحركة أو الثابتة([11]).
ثانيًا: استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري.
يعمل الذكاء الاصطناعي على محاكاة الذكاء البشرى من خلال القدرة على التعلم والاستنتاج واتخاذ القرار، والقيام بردود أفعال مختلفة وذلك من خلال إنشاء برامج حاسوبية قادرة على التفكير بالطريقة التى يعمل بها العقل البشرى، يُتوقع أن يتم دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات إذ قد تُستخدم بصورة مزدوجة بحيث يمكن توظيفها لتحقيق أغراض مدنية وحياتية تُسهّل من حياة البشر، وفى الوقت ذاته يمكن استخدامها عسكريًّا وأمنيًّا عبر مجموعة من التطبيقات، وتتضح كالآتي([12]):
- نظم الأسلحة ذاتية التشغيل: يتمتع هذا النمط من نظم الأسلحة بدرجة كبيرة من الاستقلالية والعمل بدون تدخل العنصر البشرى، إذ تتمكن من رصد وتتبع وتحديد ومراقبة الأهداف ومن ثم مهاجمتها، وتعد أنظمة الأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل المعروفة باسم الروبوتات القاتلة ذات أهمية خاصة، وهي فئة من أنظمة الأسلحة التي تستخدم مجموعات من أجهزة الاستشعار وخوارزميات الكمبيوتر لتحديد الهدف، والاشتباك معه دون تدخل العنصر البشري في النظام، بعبارة أخرى صُممت منظومات الأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل لاتخاذ قرارات مستقلة فيما يتعلق باستخدام القوة المميتة([13]).
- أسراب الدرونز: تقوم فكرة أسراب الدرونز على قيام مجموعة من الطائرات بدون طيار من العمل بشكل جماعي، والتحرك بصورة ذاتية لتنفيذ مهام قتالية، وتحديد مواضع أجهزة الرادار ومن ثم تدميرها، وتستخدم كوسيلة للخداع أو التشويش، حيث يصعب إسقاط هذه الطائرات بقذيفة واحدة لصغر حجمها على خلاف الطائرات التقليدية التي يمكن إسقاطها بسهولة عمل عدد من الدول على اختبار هذه التقنية، إذ قامت الولايات المتحدة الأمريكية في (2016) باختبار سرب من خمس طواقم بحرية من دون طيار، وتدريبه على القيام بدوريات على بُعد 4 كم من خليج (Chesapeake Bay) وقد نجح هذا السرب في اعتراض سفينة بحرية، وأطلقت الولايات المتحدة في يناير (2017م) سربًا من الطائرات بلغ عدده (103) طائرات من طراز بريديكس (Predix)، اختبرت المجموعة الصينية لتكنولوجيا الإلكترونيات في يونيو (2017) سربًا من الدرونز وصل عدده إلى (119) طائرة بدون طيار.
- الروبوتات ذاتية التحكم: تُستخدم هذه النظم بغرض تحديد الأهداف المحتملة، والقيام بدوريات حراسة، بالإضافة إلى عدد من المهام الاستطلاعية، وتحتاج هذه التقنية إلى التدخل البشرى، وتم اللجوء إليها في عدة مناسبات، إذ قامت كوريا الجنوبية في عام (2014م) باستخدام الروبوتات ذاتية التحكم في دوريات الحراسة على طول المناطق الحدودية مع كوريا الشمالية، وقامت روسيا باختبار الروبوتات ذاتية التحكم (Uran-6) في سوريا ضد الجماعات والتنظيمات الإرهابية بغرض القيام بعمليات هجومية واستطلاعية والمساعدة في توفير الدعم الناري للمشاة وتدمير القوات المعادية([14]).
ومن أبرز تطورات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري برزت الطائرات بدون طيار والتي كان لها دور تاريخي وبارز في الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، فتطورت الطائرات بدون طيار، وانقسم التطور الموجهة لتلك الطائرات إلى عدة أقسام كما هو موضح على النحو الآتي([15]):
- التطور التقني: تطورت الأجهزة الملاحية ومعدات الاستطلاع والإعاقة الإلكترونية التي تساعد الطائرة على تنفيذ مهامها تطورًا هائلاً فأصبحت هذه الطائرة تعتمد على أجهزة وأنظمة (GPS) الملاحية في تحديد الإحداثيات بكل دقة كما تم التطوير في هوائيات الإرسال والاستقبال حتى تكون أصغر ما يمكن لسهولة الإخفاء والتمويه وصعوبة الإعاقة عليها، وهذا بالإضافة إلى أن التطوير شمل المستشعرات إذ أصبحت الكاميرات المستخدمة أقل حجمًا وأخف وزنًا وأقوي في إمكانياتها على تصوير الأهداف وتكبيرها وإظهارها بدرجة وضوح عالية رغم ارتفاع الطائرة.
قد شمل التطور أنظمة الإطلاق للطائرة الموجهة بدون طيار فأصبح ممر الهبوط لبعض الطائرات لا يتعدى (150) متر وأنظمة الاستعادة أصبحت متعددة سواء (بالزلاجات أو بالبراشوت- الشباك)، ومن ثم تطوير أساليب إرسال واستقبال المعلومات من الطائرة الموجهة بدون طيار (جلوبال هوك) الأمريكية حيث يتم التحكم في الطائرة عن طريق هوائي في محطة السيطرة الأرضية متصل بالقمر الصناعي أي أن المعلومات المستقبلة من الطائرة والأوامر القيادية يتم إرسالها واستقبالها من خلال القمر الصناعي لزيادة مدي الطائرة ولتقليل الإعاقة واحتمالات اكتشافها من الرادارات الأرضية.
- التطور في مجال الاستشعارات: من خلال تجهيز وتحميل الطائرة بالمستشعرات أو الحاويات أو المستودعات وتم تقسيمها إلى([16]):
- المستشعرات مثل الكاميرات التليفزيونية، وكاميرات بانورامية، وكاميرات تصوير أشعة تحت الحمراء، كاميرات مسح حراري، أجهزة تسجيل للصورة تصبت بالطائرة لتسجل الصور على شريط فيديو أثناء عمل الطائرة خارج مدي الاتصال.
- الحاويات مثل حاويات للمنشورات أو حاويات للمتفجرات أو الرؤوس المتفجرة.
- المستودعات مستودعات إعادة الإذاعة، ومستودعات الحرب الإلكترونية.
- استخدام الطائرة إما في مجال الحصول على المعلومات عن طريق المستشعرات المختلفة التي تتناسب مع توقيت الطيران سواء ليلي أو نهاري، وطبقًا لطبيعة الهدف أو في مجال العمل النفسي لإلقاء المنشورات على العدو أو في التدمير بإلقاء الرؤوس المتفجرة طبقًا للمهمة المحددة.
- تطور السرعة: لقد بدأت صناعة الطائرات الموجهة بدون طيار وأنتجت أول طائرة بريطانية عام (1953) ولغت سرعتها حوالي (110) ميل/ساعة، إلى أن تم إنتاج الطائرة الموجهة بدون طيار طراز (X-43) هي أسرع الطائرات في العالم فقد انطلقت هذه الطائرات من طائرة بوينج وحققت سرعة مقدارها (9.6 ماخ) وتعد هذه طفرة في عالم السرعات وتم إنتاج الطائرات ذات سرعات مختلفة منها السرعات البطيئة نسبيًا للأنواع الصغيرة ومنها السرعات العالية للأنواع ذات الحجم المتوسط والكبير([17]).
- التطور الزمني: لقد أنتجت بريطانيا حوالي (420) طائرة موجهة بدون طيار من طراز (Queen Bee) للبحرية البريطانية وذلك منذ عام (1953)، ولقد كانت سرعتهم (110) ميل/ساعة ومدة بقائها في الجو يقارب الأربع ساعات ومن ثم تنافست الشركات المنتجة والدول لتطوير المدي وزمن البقاء وتقسيمها عالميًا إلى بعيدة المدى يصل مدها إلى أكثر من (22000كم) وبزمن بقاء أكبر من (24) ساعة مثل الطائرة الموجهة بدون طيار Global Hawk وتستخدم لأغراض الاستطلاع على ارتفاعات عالية وبزمن بقاء كبير يصل إلى (36) ساعة مستمرة بدون تزود بالوقود مما يحقق إمكانية القيام بعدة مهام منها الاستطلاع والإعاقة ونقل المعلومات، وإمكانية رسم خريطة بالموقف الإلكتروني اللحظي للقوات المعادية، ومتوسطة المدى يوجد بها النوع الغالب من الطائرات (Predator) الذي يتحقق زمن بقائها من (5:24) ساعة، وقصيرة المدى هي طائرات زمن بقائها يصل إلى 5 ساعات وتستخدم في الاستطلاع القريب والتي تتمثل في طائرات (Dragon eye) ويتمثل التطور في التقسيم النوعي للطائرات الموجهة بدون طيار طبقًا للارتفاع لمجابهة وسائل الدفاع الجوي المعادي ونوع المهمة ويتمثل ذلك 5ى المنخفض الذي يصل إلى 1000متر، والمتوسط الذي تراوح بين (1000) متي إلى (10.000) متر، والعالي أعلي من (10.0000) مثل (Global Hawk Predator-) وتحقق تلك الطائرات إمكانية قيامها بمهام الاستطلاع بالتصوير سواء فوتوغرافي أو تليفزيوني أو حراري وذلك للحصول على تفاصيل دقيقة للأهداف التي يتم استطلاعها، وتحقق أيضًا إمكانية تدمير الأهداف بدقة في حالة استخدامها كقذائف موجهة، فضلاً عن أنها تحقق صعوبة تدميرها بواسطة أسلحة الدفاع الجوي([18]).
المحور الثالث
تأثير حروب الذكاء الاصطناعي على سباق التسلح الدولي بين القوى الكبرى
في ظل الثورة الصناعية الرابعة وما أتاحته من فرص للتقدم الاقتصادي الذي انعكس بشأنه على القوة الاستراتيجية الشاملة للدولة، أصبح هناك وعي متصاعد لدى القوى الدولية بأهمية تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحول ميزان القوى في النظام الدولي، وباتت العديد من الدول تدرك أن من يحكم سيطرته على الذكاء الاصطناعي سيكون له الغلبة والثروة والهيمنة، وهو ما يدفع العديد من الحكومات إلى مواكبة تلك المتغيرات الجديدة التي فرضتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وبخاصة تداخلها مع كافة المجالات الأخرى، كالفضاء والتكنولوجيا الحيوية([19]).
نجد أن الدول الكبرى تسعى إلى التوظيف الأمثل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مصادر قوتها الشاملة، وخاصة في ظل ما يشهده العالم في الآونة الأخيرة من مرحلة انتقالية في النظام الدولي وفي ظل ظروف تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب وجود فرص للدول الصغرى في النظام الدولي إلى تحقيق أهداف متطورة بفضل تبني تلك التقنيات المتطورة، إضافة إلى تعاظم دور الشركات التقنية الكبرى وتغولها في مقابل تصاعد حركة الدفاع عن السيادة الرقمية، وخاصة أنها تدخل في تطوير نظم تسلح ذاتية القيادة، مثل التقدم في الطائرات بدون طيار، وإدخال الربوتات المجال العسكري ودور الذكاء الاصطناعي في الدفاع والردع ضد الهجمات السيبرانية([20]).
أولًا: أثر الذكاء الاصطناعي على سباق التسلح الدولي.
تطورت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في المجالات العسكرية والمدنية على حد السماء، وأصبحت عاملًا حاسمًا في حروب المستقبل، حيث تستطيع أسلحة الذكاء الاصطناعي القيام بدور هام وحيوي في تتبع الأهداف وتحقيقها أسرع من القوى البشرية، على سبيل المثال يمكن لأسلحة الذكاء الاصطناعي القيام بهجمات عن طريق الطائرات المسيرة (بدون طيار) لى هدف معين، ومتابعة ومراقبة ردود أفعال الهجمات المضادة من طائرات العدو وإطلاق هجوم على تلك الطائرات في زمن أقل بكثير من المنظومات التقليدية، بالإضافة إلى قدرتها العالية على تحليل عدد كبير جدًا من الأهداف وفي وقت واحد وتحديد أولويات ضربها([21]).
كما يعمل الذكاء الاصطناعي أيضًا على زيادة سرعة تطوير منظومات التسليح، ولك لأنها تعتمد على الذكاء الاصطناعية وليس البشر والحاسبات التقليدية، ومن ثم فامتلاك الدول منظومات التسليح السريعة والتطور التي يكسبها قوة ردع أي جمات معادية، لكن على الجانب الأخر من الممكن أن تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي ذاتها هي الأطراف المتحاربة بل ومن الممكن أن تكون طرفًا قويًا في حرب ضد البشر.
في هذا السياق نجد أن الولايات المتحدة دخلت فترة جديدة من المنافسة مع الصين على التطورات التكنولوجية الحديثة في الذكاء الاصطناعي، تزيد من تعقيد المشهد الدولي، وأدرك العلماء، والسياسيون، وكبار الضباط العسكريين أن دمج الذكاء الاصطناعي هو نشأة ثورة جديدة في الشؤون العسكرية، مع القدرة على تغيير ميزان القوى الاستراتيجي، لكن الولايات المتحدة الأمريكية المثقلة بسنوات الفشل في الشرق الأوسط والنزاع الروسي الأوكراني يعرقلان استراتيجية ذكاء اصطناعي طويلة المدى تمتد حتى عام 2025م، وهي ليست مستعدة لدخول هذا “الجيل السادس من القدرات العسكرية من أجل تأمين المصالح الاستراتيجية، وستحدد هذه القوة الممكنة للذكاء الاصطناعي من خلال أنظمة شبه مستقلة ومستقلة، بما في ذلك أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة، وسيحصل من يطورها ويستخدمها على ميزة استراتيجية على منافسيه في هذا العصر الجديد، ومع أن الولايات المتحدة تمتلك حاليًا ميزة في الذكاء الاصطناعي، فإنها تنكمش بسرعة بسبب الافتقار إلى التفكير المستقبلي وسياسة الاستثمار([22]).
ثانيًا: التوظيف الأمريكي للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري.
تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية تاريخًا طويلًا من تطوير التطبيقات العسكرية الهجومية للذكاء الاصطناعي، وقدمت عددًا من أنظمة الأسلحة المستقلة أو شبه المستقلة، ومن أكثر أنظمة الأسلحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي نظام (Aegis) للدفاع ضد الصواريخ الباليستية، الذي تم تقديمه عام 1983م، ويمكن لهذا النظام الرد على كثير من التهديدات المختلفة عن طريق الاختيار من أو الجمع بين الذكاء الاصطناعي أو التدخل البشري، وهذا النمط مخصص للحالات التي تتجاوز فيها التهديدات قدرة المشغل على تنسيق الدفاعات وإدارتها، ويمكن التبديل بين التشغيل الآلي أو اليدوي بسهولة؛ ما يجعل هذا النمط من الذكاء الاصطناعي خاضعًا تمامًا للإنسان([23]).
طورت الولايات المتحدة أسلحة أكثر استقلالية، خصوصًا في حالة الهجوم، ويعد صاروخ (Tomahawk) المضاد للسفن (TASM) مثالًا مبكرًا على الذكاء الاصطناعي العسكري، وتم تصميمه للبحث عن السفن، ثم الاشتباك مع تلك الأهداف فور اكتشافها، استخدم الصاروخ بهذه الكيفية المُستقلة والمعتمدة على الذكاء الاصطناعي مدة قصيرة في أوائل التسعينيات، ولم يستخدم النظام بهذه الطريقة فقط ثانية، وتم إخراجه من الخدمة بسبب القلق من أنه قد يؤدي إلى وقوع حوادث من خلال استهداف أهداف غير مقصودة، لكن تم استئناف تطوير الصواريخ المضادة للسفن المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وتم تصنيع نسخ أكثر حداثة، وطويلة المدى، مثل صواريخ (LRASM)([24]).
تشمل الأمثلة الأكثر حداثة للتطورات في الذكاء الاصطناعي العسكري منتجات برنامج (DARPA) المشترك للأنظمة الجوية القتالية غير المأهولة، وقد تضاءلت أنظمة الطيران المستقلة هذه، وتضاءلت شعبيتها ودعمها، لكن (DARPA) تمكنت عام 2013م من تحقيق هبوط ذاتي لأحد مركباتها (X47-B) بنجاح على حاملة طائرات، بعد هذا العرض التوضيحي، عام 2015م أجرت مركبة (X47-B) بنجاح إعادة التزود بالوقود الجوي المستقل، وعلى الرغم من نجاح هذه التجارب، ألغي برنامج (X47-B) بسبب مخاوف البحرية بشأن التكلفة ونقص التخفي ، ولكن من المرجح أن تستمر التقنيات التي عرضتها في إعادة التزود بالوقود في الطائرات بدون طيار في تطوير طائرات بدون طيار مثل (MQ-25)، والأنظمة المستقبلية.
لا يتوقف استخدام الذكاء الاصطناعي على الصناعات العسكرية فقط، ولكن هناك مجموعة متنوعة من المهام، مثل إدارة شؤون الموظفين، والاستخبارات، واللوجستيات، والاتصالات، والتخطيط، خير دليل على ذلك ساعدت أداة التحليل الديناميكي وإعادة التخطيط (DART) على وضع خطط لنقل القوات والمعدات من أوروبا إلى المملكة العربية السعودية في أثناء عملية درع الصحراء، وعملية عاصفة الصحراء من (1990– 1991).
ثالثًا: التوظيف الصيني للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري.
بدأت الصين بعمليات البحث والتطوير من خلال تركيزها على قيادة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي وذلك حلول عام 2030م في حين أنها أبدت ترددًا تجاه أنظمة الأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل خلال المؤتمرات الأخيرة لاتفاقية الأسلحة التقليدية، إلا إن الحكومة الصينية قررت دعم صناعة الذكاء الاصطناعي لديها بـ(152) مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى نمو المجالات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي إلى (1.86) تريليون دولار أمريكي على مدى السنوات العشر المقبلة، مما يعزز فكرة أن الصينيين جادون بشأن الأهمية الإستراتيجية للذكاء الاصطناعي، ودوره في المنافسة المدنية والعسكرية الحديثة([25]).
كما ركز التحديث العسكري الصيني أيضًا على تطوير مجموعة أوسع من المجالات المتطورة، مثل الحرب الإلكترونية والفضائية، والصواريخ الباليستية المضادة للسفن، والطائرات الشبحية، من الواضح أن تصور القيادة الصينية لأمنها القومي كان متمحورًا حول تفسيرها للحركات العالمية المهيمنة الممزوجة بوضعها الداخلي، مع أنه بدءًا من عام 2019م وما بعده واجهت الصين تحديات كبيرة بما في ذلك التنافس العدائي مع الولايات المتحدة واليابان والهند، واقتصاد أقل استقرارًا على مستوى العالم، وضرورة الحفاظ على اقتصادها محليًا، ظهر اتجاه آخر لصالح الصين، وهو التحرك نحو عالم متعدد الأقطاب، حيث قيمت بكين أنها في وضع يمكنها من توسيع مكانتها وتأثيرها الدوليين، وعند النظر في ظهور حدود تكنولوجية جديدة للحرب، أكد المحللون الصينيون التحديات التي تواجهها بكين، ومتطلبات بناء جيش أكثر قوة([26]).
فقد استثمرت الصين بكثافة في تطوير أسراب من الطائرات بدون طيار، والمركبات السطحية غير المأهولة، وركزت على تطوير أنظمة روبوتية محمولة جوًا، أكثر من تركيزها على الأنظمة الأرضية أو البحرية، بالإضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين فعالية المنصات والتكتيكات الحالية، ومع ذلك فهي تعمل أيضًا على تطوير أنظمة أكثر ابتكارًا في إطار الجهود المبذولة لإنشاء قدرات جديدة، وخاصة القدرة على تنفيذ ضربات اختراق([27]).
في الوقت الحاضر يجري العمل على بناء روابط بيانات بين منصات الطائرات بدون طيار الموجودة وتحسين التنسيق بينها، وفي المستقبل من الواضح أن جيش التحرير الشعبي الصيني يخطط لتطوير أسراب تعاونية تطلق من الجو، ويمكن استرجاعها جوًا لمشاهدة أهداف عالية القيمة مثل حاملات الطائرات، والتشويش عليها، وضربها في وقت واحد، كما تعمل الصين أيضًا على تطوير صواريخ كروز ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي، ربما باستخدام قدرات تحديد المسارات، وتحديد الأهداف، على غرار نظام (LRASM) الأمريكي.
رابعًا: التسابق الأمريكي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي.
في ظل ما نشهده من ثورة في الذكاء الاصطناعي وتطبيقه في كافة مجالات الحياة، وخاصة في المجال العسكري، فقد تسابقت العديد من الدول في توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وجاء على رأس السباق الدولي بين القوى الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كما هو موضح على النحو الآتي:
- الجانب الأمريكي: ظل الإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة ثابتًا نسبيًا، لكن وزارة الدفاع الأمريكية طلبت خلال عام 2020م أربعة مليارات دولار أمريكي لبحث الأنظمة الذاتية بعد إنفاق ما مجموعه 9.7 مليار دولار أمريكي على الأنظمة غير المأهولة والمستقلة عام 2019م، وتمثل هذه الأرقام زيادة كبيرة في ميزانية الذكاء الاصطناعي العسكري الأمريكي، لكنها لا تقترب من التوصيات التي قدمتها (NSCAI) بشأن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2026م وأقل كثيرًا من الاستثمارات الصينية المخطط لها خلال الفترة الزمنية نفسها.
لكن الاستثمارات الأمريكية أدت أيضًا إلى زيادات كبيرة في القدرات، وقامت كثير من الفروع العسكرية الأمريكية، بالاشتراك مع الجامعات المدنية، وغيرها من مراكز البحوث المدنية والعسكرية، بتطوير تكنولوجيا الأسراب والطائرات بدون طيار، مثل (Gremlin) التابعة لــ DARPA، التي يمكن إطلاقها من طائرات أكبر، والتنسيق مع الأصول المقاتلة المحمولة جوًا، وتتمتع هذه الطائرات بدون طيار بالقدرة على الانخراط في تكتيكات الأسراب الهجومية المصممة لإرباك الدفاعات، مع توفير أخطار منخفضة للمشغلين من البشر، ولن تمر هذه التطورات الأمريكية بدون منافسة؛ حيث يعمل مجمع تطوير الذكاء الاصطناعي الصيني الذي يقدر رأس ماله بنحو 2.12 مليار دولار أمريكي على خطط مماثلة، ومن المتوقع أن يرتفع رأس مال المجمع إلى 15 مليار دولار([28]).
تتطلب هذه الزيادات في القدرة بسبب التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أو التي يحركها الذكاء الاصطناعي، جيلًا جديدًا من القادة العسكريين من أجل الاستفادة بشكل مناسب من تطور القوة، وقد طورت مركز التقييمات الإستراتيجية (CSBA)، بالاشتراك مع (DARPA)، في الآونة الأخيرة مفهومًا جديدًا لحرب الفسيفساء، وكانت العمليات العسكرية السابقة تدور حول الشبكة، وتتطلب كميات ضخمة من البيانات ليجمعها ويحللها قائد يمكنه بعد ذلك توصيل الإستراتيجية التشغيلية إلى المرؤوسين، يتطلب هذا الشكل من صنع القرار مستويات وعي ظرفي عالية لفهم الطبيعة الكاملة للبيئة الإستراتيجية والتشغيلية، وربما حتى التكتيكية، وقد تم تصميم التطورات الحديثة في الحرب الإلكترونية خصيصًا لتقويض القيادة، والسيطرة، والاتصالات، وأجهزة الكمبيوتر، والاستخبارات([29]).
- الجانب الصيني: قام الجانب الصيني بتقديم برنامج تحديث اجتماعي وعسكري ضخمًا مصممًا لرفع الصين إلى مكانة قوة دولية كبرى، وذلك خلال فترة التسعينيات، وقد بلغت ميزانية الدفاع للحكومة الصينية في تلك الفترة نحو (21) مليار دولار أمريكي، وذلك بين عامي 1990م و2018م، وقد زادت ميزانية الدفاع الصينية إلى 239 مليار دولار أمريكي بزيادة قدرها 11 ضعف، في الوقت نفسه ارتفعت ميزانية الدفاع الأمريكية من 574 مليار دولار أمريكي إلى 634 مليار دولار أمريكي، مع زيادة كبيرة بعد عام 2001 للعمليات القتالية المستمرة في أفغانستان والعراق.
كما نشرت وزارة الدفاع المسؤولة عن نشر التكنولوجيا التجارية وتوسيع نطاقها لأغراض الأمن القومي والأغراض العسكرية عام 2018م دراسة عن إستراتيجية نقل الصين للتكنولوجيا، وقد أشار التقرير أنه بحلول عام 2050م قد ينمو الاقتصاد الصيني إلى 150٪ من الاقتصاد الأمريكي في الإطار الزمني نفسه، بالإضافة إلى أنه ستبلغ سرقة الملكية الفكرية المقدرة من الولايات المتحدة من جانب الصين بـ (300) مليار دولار أمريكي سنويًا، وعلى نفس المنوال ما يقرب من 25٪ من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من الجامعات الأمريكية هم من الصينيين، كما أن الصين مندمجة في الابتكار التكنولوجي للولايات المتحدة، وتقدر استثماراتهم بين عامي 2006 و2016 في شركات التكنولوجيا الأمريكية بـ35 مليار دولار أمريكي([30]).
قد بلغ إجمالي استثمارات الذكاء الاصطناعي في الصين بين عامي 2010م و2017م نحو 1.3 مليار دولار أمريكي مع 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني المخصص للبحث والتطوير، وتجدر الإشارة هنا إلى مدى سرعة ارتفاع هذا الاستثمار بين عامي 2015م و2017م لتبلغ 11.52 مليار دولار جنبًا إلى جنب مع عدد صفقات المشروعات الصينية في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي([31]).
وفيما يتعلق بأنظمة الأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل، طورت الصين بالفعل صاروخ كروز شبه مستقل قادرًا على اتخاذ القرار بمساعدة الذكاء الاصطناعي خلال الطيران، بالإضافة إلى ذلك عام 2017م عرضت جامعة صينية تابعة للجيش سربًا جويًا بدون طيار مكونًا من أكثر من 1000 طائرة، ويمكن أن تعزى هذه التطورات إلى زيادة بنسبة 620% في الإنفاق الدفاعي الصيني في الفترة بين عامي 1996م و2005م ثم مضاعفة ميزانية الدفاع ثلاث مرات بين عامي 2007م و2017م.
يتضح مما سبق أن سباق التسلح بين واشنطن وبكين في مجال الذكاء الاصطناعي العسكري يعطي لكل منهما المزايا الجيواستراتيجية في مناطقهما الخاصة، ما يجعل تطويق الحدود الصينية من جانب القطع العسكرية الأمريكية التقليدية مسارًا غير مستدام، ويوفر تطوير الأسلحة غير المأهولة، والفتاكة القائمة على الذكاء الاصطناعي القدرة المستدامة على العمل في ظل تغيرات البيئة الدولية، وسيكون له تأثير عميق في توازن القوى الجيوستراتيجي.
الخاتمة:
قامت الدراسة السابقة بتسليط الضوء على الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي وأثره على سباق التسلح الدولي بين القوى الكبرى، وجاء ذلك من خلال ثلاث محاور رئيسية للدراسة، تناول فيها المحور الأول عن تطور الحروب بدءً من حروب الجيل الأول، والثاني مرورًا بحروب الجيل الثالث والرابع والخامس، وصولًا إلى حروب الجيل السادس التي بدأنها نشهدها في الفترات الأخير، بينما قام المحور الثاني بتوضيح ماهية حروب الذكاء الاصطناعي وأهم أسلحته والتي جاء أهمها في الأسلحة ذاتية التشغيل بعيد عن التدخل البشري، وكذلك أسراب الدرونز والروبوتات العسكرية، وغيرها من الأسلحة ذاتية التشغيل الحديثة والتي يتم تطويرها باستمرار، وقد انصرف المحور الثالث للكشف عن سباق التسلح الدولي القائم بين الدول الكبرى على امتلاك وتوظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وكان من أهم هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
اتضح مما سبق عرضه في الدراسة السابقة أنه بفضل الثورة التكنولوجية والتطورات التقنية التي شهدناها في الآونة الأخيرة، أثرت بدورها على كافة مجالات الحياة، حتى وصل التأثير الكبير لها في المجال العسكري، وأثرت بدورها على تطور الحروب من الحروب التقليدية إلى الحروب الحديثة، وظهر ما يسمى بحروب الذكاء الاصطناعي، حيث قامت العديد من الدول بتوظيف تلك التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وقد عرف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري بأنه عبارة عن نهج تعاوني وشراكة بين الإنسان والآلة القائمة على علاقة تكاملية تجمع بين القدرات المعرفية للمحللين البشريين والقوة الحسابية والقدرات التحليلية للذكاء الاصطناعي.
وتبين أن الولايات المتحدة دخلت فترة جديدة من المنافسة مع الصين على التطورات التكنولوجية الحديثة في الذكاء الاصطناعي أدت إلى زيادة تعقيد المشهد الدولي، وأدرك العلماء والسياسيون وكبار الضباط العسكريين أن دمج الذكاء الاصطناعي هو نشأة ثورة جديدة في الشؤون العسكرية، مع القدرة على تغيير ميزان القوى الإستراتيجي.
من خلال ما سبق تم التوصل إلى عدد من النتائج، تتمثل أهمها في الآتي:
- لم تعد الحرب في الوقت الراهن مجرد حرب تقليدية واضحة المعالم والأدوات، إنما باتت خليطًا من توظيف كافة الأدوات المتاحة التقليدية وغير التقليدية، وفي ظل التحول التكنولوجي الهائل الذي نشهده غير كثيرًا من المفاهيم السائدة في الحرب والصراع والردع، حيث أضحت السمة البارزة للحرب هي التطور المستمر والذي انعكس على أجيالها.
- أن تطور أجيال الحرب قد ارتبط بالتطور الحاصل في الجانب التقني والتكنولوجي، إذ أثبتت التطورات الحاصلة في الجانب التقني والتطور التكنولوجي للمعلومات، أنها استخدمت من طرف الفواعل المتورطة في الحرب، مما سمح بتطور شكل الحرب من التقليدي الذي كان بارزًا في حروب الأجيال الثلاثة الأولى، إلى شكلها غير التقليدي في الجي الرابع والخامس.
- تعد الثورة في الشؤون العسكرية جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الحروب، حيث يمثل التطور التكنولوجي اليوم ثورة غير مسبوقة في الشؤون العسكرية من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي، حيث توفر قدرات حرب الطائرات بدون طيار كنموذج للثورة في الشؤون العسكرية إمكانات لتغيير قواعد اللعبة في ساحات القتال، لأنها تدمج الاستشعار مع مؤثرات الضربات الدقيقة والاتصالات.
- الذكاء الاصطناعي مجال سريع التطور له العديد من التأثيرات المستقبلية الكبيرة على الأمن العالمي، بسبب المزايا الكثيرة التي يقدمها، كما أنه يمثل ثورة قادمة في الشؤون العسكرية، سعت العديد من الدول للاستفادة من تلك المزايا مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
- أدت المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلى تعقيد المشهد الدولي، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تغيير في موازين القوى الاستراتيجية في النظام الدولي.
التوصيات:
من خلال عرض موضوع الدراسة والتوصل إلى النتائج السابقة، يمكننا أن نوصي بالآتي:
- التأكيد على أهمية الامتثال لقواعد القانون الدولي الإنساني في جميع الأنشطة المتصلة بالذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، والأسلحة الذاتية التشغيل، ووضع إجراءات صارمة وتنفيذها لضمان الامتثال لها في جميع مراحل تطور هذه الأسلحة، مع الالتزام بأقصى درجة من الشفافية سواء في عمليات الاستعراض المحلي للأسلحة أو في اطلاع المجتمع الدولي على الإجراءات التي تتبعها.
- إجراء العديد من البحوث والدراسات التقنية اللازمة للوقوف على آثار الأسلحة ذاتية التشغيل وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الأسلحة القتالية، وما إذا كانت الإصابات التي تحدثها للعلاج من عدمه، وما إذا كانت استجابة المصابين من جراء استخدامها في مواجهتهم مؤكدة أم لا وأثرها على البيئة.
- اتخاذ الإجراءات التقنية الفاعلة نحو تهيئة أسلحة الذكاء الاصطناعي بآلية حماية الأشخاص والأعيان، وضرورة وضع آليات فنية لضمان تهئية هذه الأسلحة لضرورة مراعاة قواعد التمييز الكفيلة بحماية المدنيين والأعيان المدنية.
([1]) هشام حلبي، تأثير التكنولوجيا على التطور في أشكال الحروب، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، عدد 58، 14 سبتمبر 2023م، ص 5.
([2]) زينب فريح، أجيال الحرب: دراسة في محددات تطور الأجيال الخمس للحرب، دفاتر السياسة والقانون، مجلد 13، عدد 2، 15 مايو 2021م، ص 546.
([3]) زينب فريح، مرجع سابق، ص 547.
([4]) زينب فريح، مرجع سابق، ص 548.
([5]) مجموعة من الباحثين، المستقبل بيون الذكاء الاصطناعي، مركز المعلومات وعدم اتخاذ القرار، عدد 3، ديسمبر 2023م، ص 10.
([6]) مجموعة من الباحثين، مرجع سابق، ص 11.
([7]) مجموعة من الباحثين، مرجع سابق، ص 12.
([9]) دليلة العوفي، الحرب السيبرانية في عصر الذكاء الاصطناعي ورهاناتها على الأمن الدولي، مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية، مجلد 9، عدد 2، 7 أكتوبر 2021م، ص 785.
([10]) مركز البيدر للدراسات والتخطيط، تسليط الضوء على الحروب الحديثة في مجال العلاقات الدولية مفهومًا ومضمونًا، 2015م، ص 18.
([11]) الياس طنوس حنا، الحوب في عصر الذكاء الاصطناعي: تجربة أوكرانيا، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، مجلد 46، عدد 539، يناير 2024م، ص 124.
([12]) الياس طنوس حنا، الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي: تجربة أوكرانيا، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، مجلد 56، عدد 539، يناير 2024م، ص 128.
([13]) الياس طنوس حنا، مرجع سابق، ص 130.
([14]) علي فرجاني، تحديات دخول الروبوتات العسكرية في سباق التسلح التكنولوجي، مجلة السياسة الدولية، 3 سبتمبر 2023م، تم الاطلاع عليه بتاريخ 14 مايو 2024م، متاح على: https://www.siyassa.org.eg
([15]) فيروز مزياني، الطائرات بدون طيار: تغير الحرب باستخدام الذكاء الاصطناعي، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، مجلد 11، عدد 1، 1 يناير 2022م، ص 199.
([16]) فيروز مزياني، مرجع سابق، ص 200.
([17]) فيروز مزياني، مرجع سابق، ص 201.
([18]) فيروز مزياني، مرجع سابق، ص 202.
([19]) أبو بكر محمد الديب، إشكاليات إنقاذ القانون الدولي الإنساني في ظل حروب الذكاء الاصطناعي الروبوتات المستقلة القاتلة نموذجًا، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، 2024م، ص 697.
([20]) أبو بكر محمد الديب، مرجع سابق، ص 698.
([21]) عادل عبد الصادق، الذكاء الاصطناعي وآفاقه المستقبلية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 22 مايو 2023م، تم الاطلاع علي بتاريخ 14 مايو 2024م، متاح على: https://acpss.ahram.org.eg
([22]) مصطفى شلش، سباق الجيل السادس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، مركز الدراسات العربية الأوراسية، 8 أبريل 2023م، تم الاطلاع عليه بتاريخ 15 مايو 2024م، متاح على: https://eurasiaar.org
([25]) مركز انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، حرب التكنولوجيا: أباد التنافس الأمريكي الصيني على الذكاء الاصطناعي، عدد 281، 17 أكتوبر 2023م، ص 4.
([26]) مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، مرجع سابق، ص 5.
([27]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، التنافس التعاوني بين الصين والولايات المتحدة بعد قمة بايدن- شي جي، 11 ديسمبر 2023م، تم الاطلاع عليه بتاريخ 15 مايو 2024م، متاح على: https://rasanah-iiis.org