جولات بلينكن التسع لإسرائيل
بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية
- المركز الديمقراطي العربي
تناقش هذه المقالة الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن منذ السابع من أكتوبر، وتأثير هذه الجولات على الشرق الأوسط،، وأبعادها على الحرب الدائرة بالإضافة إلى الخطاب الأمريكي الرسمي والموقف الأمريكي من هذه الحرب، ولهذا سنتناول الجولات التسع التي قام بها بلينكن للمنطقة.
الجولة الأولى، في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث توجه بلينكن إلى إسرائيل والشرق الأوسط من أجل التضامن مع إسرائيل تعزيز الدعم العسكري، والعمل مع حلفاء أمريكا الإقليميين من أجل تأمين الإفراج عن الرهائن، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن ستكون الأولوية القصوى لبلينكن هي توصيل رسالة ردع تستهدف إلى حد كبير إيران وحزب الله لمنع اندلاع حرب أوسع، وهذا ما تحدث به بلينكن مع كل من مصر والأردن والسعودية وقطر وتركيا والإمارات، ووصف الرئيس بايدن هجوم حماس بأنه شر مطلق مؤكدا على دعم أمريكا لإسرائيل، وأصدر ما بدا أنه تحذير لإيران والجماعات التي تدعمها من استغلال الصراع قائلا “لدي كلمة واحدة: “إياكم”. كما وضح بايدن أنه ما دامت أمريكا قائمة، فإن إسرائيل لن تقف وحدها أبدًا. كما صرح بلينكن في مستهل جولته بأنه لم يأتِ لإسرائيل كونه وزير الخارجية فقط، ولكن بصفته “يهوديا فرّ جده من القتل”. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين “لن تنسى إسرائيل الدعم الأمريكي في هذه الأيام الصعبة”.
الجولة الثانية، في 15تشرين الأول/أكتوبر2023، حيث عقد اجتماعًا استمر ثماني ساعات مع حكومة بنيامين نتنياهو، في مستهل جولة إقليمية شملت توقفًا في خمس دول من أجل بناء تحالف ضد حركة حماس، والتنسيق مع الحلفاء لتأمين الحدود الإسرائيلية وإطلاق سراح الرهائن. وعلى ما يبدو في هذه الجولة تم رسم خطة للدول الإقليمية وعدم التحرك ضد إسرائيل، وهذا ما حصل فحتى بعد الشهر العاشر لم تتحرك الدول العربية ووقفت متفرجة، ويمكن القول إن دورهم الصامت والباهت يصب في مصلحة إسرائيل حتى اليوم.
الجولة الثالثة، في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، حيث لخص بلينكن موقف بلاده من الحرب بالقول “نحن نقف وراء حق إسرائيل، بل وواجبها، في الدفاع عن نفسها وبذل كل ما في وسعها للتأكد من أن السابع من أكتوبر لن يتكرر مرة أخرى، وسنواصل الوقوف مع إسرائيل لتحقيق ذلك، وكما قلت مرارًا وتكرارًا، فإن الطريقة التي تفعل بها إسرائيل ذلك مهمة”، وأعتقد أنه يقصد بطريقة إسرائيل هي إبادة الشعب الفلسطيني من خلال المجازر.
الجولة الرابعة، وصل بلينكن في 9 كانون الثاني/يناير إلى إسرائيل، كرر خلالها دعمه لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، من خلال المساعدة الإضافية، لتوفير ما يلزم للدفاع عن إسرائيل، وتأتي هذه الزيارة ضمن جولة بلينكن في المنطقة، شملت تركيا والأردن وقطر والإمارات والسعودية. وقال بلينكن “لدى السلطة الفلسطينية أيضا مسؤولية تتمثل في إصلاح هيكلها وتحسين حوكمتها”.
الجولة الخامسة، في 5 شباط/فبراير 2024، سعت للتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين ويتضمن هدنة إنسانية تسمح بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل مستدام ومتزايد إلى المدنيين في غزة”. وكانت جولة بلينكن، بعد أيام من تنفيذ الولايات المتحدة ضربات انتقامية ضد محور المقاومة في العراق وسوريا، وضربات أمريكية بريطانية أخرى في اليمن.
الجولة السادسة، في 22 مارس/آذار 2024، لمحاولة إخراج إسرائيل من ورطتها وأزمتها الداخلية والخارجية، حيث أكد بلينكن أنه “لا يوجد رئيس فعل أكثر لحماية إسرائيل من الرئيس بايدن، وهو أول رئيس أمريكي يأتي إلى إسرائيل في خضم الحرب”. وعندما شنت إيران هجوم غير مسبوق على إسرائيل وأطلقت 300 صاروخ، بما يشمل الصواريخ الباليستية، شاركت الولايات المتحدة في دفاع فعال عن إسرائيل لأول مرة. وفي هذه الجولة عمل بلينكن على حث السعودية على التطبيع مع إسرائيل.
الجولة السابعة، في 30نيسان/ أبريل 2024، كانت تهدف الزيارة إلى إسرائيل لحمايتها من القادة الإسرائيليين الذين أصبحوا غير قادرين على التعامل العسكري مع حركة حماس، وحذرهم من خطر الاجتياح البري الموسع لمحافظة رفح.
الجولة الثامنة، في 10حزيران/ يونيو 2024، هدفت الزيارة لتوحيد الصف الإسرائيلي بعد تصاعد حدة الخلافات مع الوزير بيني غانتس بعد استقالته من حكومة الطوارئ التي يترأسها نتنياهو، ومحاولة منه لتمرير مقترح لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس أعلن عنه الرئيس بايدن.
الجولة التاسعة، كانت هذه الجولة مقررة في يوم الخميس 15 آب/أغسطس 2024، وهو اليوم المحدد للقاء الوسطاء من أجل التوصل للاتفاق، وهذا ما تقدمت به الإدارة الأمريكية ظنًا منها أن الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في طهران في 31تموز/يوليو 2024 قادم قبل موعد الاجتماع، من أجل الادعاء بأن الاتفاق كان قي لمساته الأخيرة ومن عطل الاتفاق الرد الإيراني أو رد حزب الله على اغتيال فؤاد شكر في 30تموز/يوليو 2024. وعندما لم يحدث الرد تم تأجيل الزيارة لنفس الهدف فتمت الجولة في 18آب/أغسطس، وأعلن بليكن أن إسرائيل وافقت على الاتفاق والكرة في ملعب حماس وطالب حماس بالموافقة؛ على الرغم أن نتنياهو لم يوافق على مبادرة الرئيس بايدن وهيئة الأمم المتحدة الذي وافقت عليها حماس في 2تموز/يوليو 2024، وكل ذلك من أجل تحميل حماس مسؤولية عدم التوقيع، وحتى تتحمل حماس ومحور المقاومة إذا تم الرد أنهم هم من عطلوا التوصل للاتفاق، وحتى يوهم الشارع الأمريكي والعالمي أن أمريكا تعمل ما عليها من أجل وقف الحرب؛ ولكنه لن يتحدث بكلمة واحدة عن ست مجازر قامت بها إسرائيل في القطاع بحق المدنيين وراح ضحيتها المئات من الأطفال والشيوخ؛ بالإضافة إلى مئات المجازر وحرب الإبادة خلال الجولات السابقة، فكل هذه الجولات تأتي تحت قاعدة التضليل والكذب وبيع الوهم وشراء الوقت لإسرائيل والضغط المطلق على المقاومة بالدماء للوصول إلى اتفاق هزيل يراعي شروط نتنياهو في استسلام المقاومة، وعدم إظهار إسرائيل بأنها مهزومة.
حيث أعلن بلينكن “أن نتنياهو، وافق على المقترح، داعياً حماس إلى الموافقة عليه سريعاً باعتباره أفضل طريقة لإنهاء معاناة الفلسطينيين”؛ يهدف هذا التصريح لتحميل مسؤولية فشل الاتفاق الفاشل لحماس وكل كلمة يدلي بها اليهودي بلينكن تهدف لدعم وحماية إسرائيل وهذا التصريح يصب في هذه الخانة المتصهينة.
فالرئيس بايدن وإدارته ومهندس الكذب بلينكن يحاولون دائمًا تجميل صورة إسرائيل القبيحة، والكذب المدعوم من جميع وكالات الإعلام العالمية وللأسف من بعض الفضائيات العربية من خلال إشاعتهم أن الاتفاق قاب قوسين ويمكن تحقيقه، حتى يوهموا العالم بأنهم يعملون على وقف الحرب ومن أجل تحميل حماس المسؤولية عن تعطيل المعطل من قبل نتنياهو ولعل مشروع الرئيس بايدن الذي طرحه في 2تموز/يوليو 2024 والذي وافقت عليه حركة حماس ولم يلتزم به نتنياهو، لم يحمل الرئيس بايدن وبلينكن نتنياهو مسؤولية تعطيل الاتفاق وفتحوا المجال أمامه لطرح أكثر من ست قضايا جديدة تعطل التوصل لأي اتفاق مستقبلي.
في النهاية، إن الجامع ما بين الجولات التسع لبلينكن هو قيام إسرائيل أثناء الزيارة وبعد الزيارة في المجازر في القطاع، وبعد كل زيارة له تتصاعد حدة المجازر وخطوط الإمداد العسكري والمالي والسياسي لإسرائيل، ويعتبر أهل فلسطين بشكل عام وأهل غزة بشكل خاص زيارة بلينكن نظير شؤم يعم عليهم.
فبعد الجولات التسع لبلينكن، والاتصالات المستمرة التي يجريها الرئيس بايدن مع الوسطاء العرب من أجل الضغط على حماس، واغتيال أبناء وأحفاد وأقارب رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، وعندما خرج بمقولته الشهيرة “دماء أبنائنا ليست أغلى من دماء أبناء شعبنا”، أدركت أمريكا وإسرائيل أن الضغوط لم تفلح وأن الحركة على استعداد لمغادرة قطر، حيث تفاجأ الجميع بهذا الموقف من حماس. فقد تم إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لاغتيال القائد الشيخ هنية في 31تموز/يوليو2024؛ ومازال بايدن يمارس الضغط على الوسطاء للضغط على حماس؛ إلا أن حماس في اختيار يحي السنور رئيسًا لها قطعت طريق الضغط على القيادة السياسية في الخارج وأصبحت جميع القيادات صاحبة القرار في أرض المعركة؛ فعمدت أمريكا لتشكيل غطاء للمجازر التي تمارسها إسرائيل للضغط على قيادة المقاومة.
فالشيء الوحيد الثابت في السياسة الأمريكية والزيارات المكوكية التي يقوم فيها أعضاء أركان القيادة الأمريكية للشرق الأوسط أنها تعمل على مسارين الأول المسار النظري الذي يعتمد على “الكذب والتضليل” لإيهام العالم أن أمريكا تريد وقف الحرب وتسعى لتوقيع اتفاقية وتضغط على إسرائيل، وهذا المسار موجه للمعارضة في أمريكا والعالم والهيئات الدولية التي تريد أن تتحرك وهذه السياسة تفرمل التحرك الدولي؛ وهي نابعة من قاعدة بيع الحكي.
أما المسار الثاني العملي، الذي يعتمد على الدعم المطلق لإسرائيل وهو المسار الوحيد النافذ في سياسات أمريكا القائمة على حماية إسرائيل والقتال معها وتعطيل أي مشروع أو قرار دولي يدين إسرائيل، وأكثر من ذلك تحرك البارجات وحاملات الطائرات والأساطيل نحو الشرق الأوسط، وتشكيل التحالفات ضد محور المقاومة.
فالجولات التسع التي قام بها بلينكن للمنطقة منذ عشرة أشهر من الحرب على القطاع بمعدل كل شهر زيارة تقريبًا، بالإضافة إلى الزيارات العديدة لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الحرب لويد أوستن والمتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، جميعهم لم يخرجوا عن نفس السياسة والهدف من الزيارات والتصريحات والعمل لحماية إسرائيل والتنسيق للدعم العسكري والأمني المتواصل لحمايتها.
ولابد من الإشارة، أن غالبية الكتاب، والأكاديميين، والقادة العسكريين، والأمنيين، ورؤساء الوزراء السابقين، وحتى العديد من الوزراء، ومعظم وزراء الكابينت، وقادة المعارضة، ووزير الحرب، وغيرهم وحتى الإعلام الإسرائيلي جميعهم مجتمعين على أن نتنياهو هو من يعطل التوصل لاتفاق؛ إلا الإدارة الأمريكية وفي مقدمتهم بلينكن الذي حطم الرقم القياسي في التضليل والكذب والخداع هم من يحملون حماس مسؤولية تعطيل الاتفاق!!.