أثر الدبلوماسية الرياضية في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية 2003 – 2023
اعداد : أماني بشير سعيد عثمان – إشراف : أ.د. محمد سلمان طايع – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
المقدمة:-
“ للرياضة قوة لتغيير العالم لها قوة الإلهام، لها قوة توحيد الشعب بطريقة يصعب أن نجد مثيلاً لها بوسيلة أخرى، يمكن للرياضة أن توقظ أملاً يحل مكان اليأس الذي شعرناه في الماضي، تتحدث الرياضة للشعب بطريقة يفهمها ”
نيلسون مانديلا
ازداد استخدام مفهوم الدبلوماسية الرياضية في العقدين الماضيين، وأصبح يحتل مكانة داخل عالم الدبلوماسية العامة الذي يتطور ؛ ليشكل أساساً لبناء علاقات طويلة الأمد بين الشعوب. وقد أصبح هناك قدر من الاتفاق على أن الرياضة أصبحت وسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول، وبناء قوتها الناعمة، وتشكيل صورتها الذهنية، ووضع قضايا سياسية على الأجندة الدولية.
أصبحتِ الدبلوماسية الرياضية اليوم جزءاً لا يتجزأ من نموذج القوة الناعمة الأوسع نطاقاً على المستوى الدولي، الذي تستخدمه البلدان لتعزيز جاذبيتها. وقد جذب مفهوم الدبلوماسية الرياضية كأحد المؤشرات الرئيسة لتطور القوة الناعمة والدبلوماسية العامة انتباه عديد من البلدان المتقدمة. [1]
وفي هذا الصدد، نجحت قطر من بين دول المنطقة في مجال الدبلوماسية الرياضية، إذ استثمرت دولة قطر في جميع مجالات الدبلوماسية الرياضية تنظيم المنافسات الدولية، وتنمية الرياضة داخلياً، ورعاية منافسات أو كيانات رياضية عديدة والحصول على حقوق البث الحصرية للمنافسات الدولية وشراء كيانات رياضية أجنبية. ويشرف على تصور دبلوماسية قطر الرياضية وتخطيطها وإنعاشها وقيادتها للسلطة المركزية في الدولة. كما تلبي الاستثمارات الرياضية حاجات عقلانية طويلة المدى: كالحاجة إلى التنويع الاقتصادي، وتحديث الدولة وتطويرها، وكذلك الحاجة السياسية للاعتراف الدولي؛ لتعزيز مكانة البلاد في المحافل الدولية.
لقد كان أحد أكبر النجاحات التي أحرزتها الدبلوماسية الرياضية القطرية هو الفوز باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022؛ فهذه البطولة العالمية هي أكثر الأحداث الرياضية جذباً لاهتمام الإعلام في العالم، إذ تُعد كرة القدم أكثر الألعاب شعبية في العالم. ومن دون شك، تُعدُّ الدبلوماسية الرياضية القطرية إستراتيجية فريدة من نوعها، إذ أثمرت نجاحاً منقطع النظير؛ حين منح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، في ديسمبر 2010، الدولة الخليجية استضافة نهائيات كأس العالم عام 2022. وبذلك، باتت قطر أول دولة خليجية وعربية وشرق أوسطية في التاريخ تستضيف النهائيات العالمية لكرة القدم، التي تُعد أكبر تجمع كروي في العالم على الإطلاق، وتحظى بمتابعة جماهيرية جارفة في جميع أرجاء العالم بلا استثناء.[2]
المشكلة البحثية:-
تسعى هذه الورقة البحثية إلي دراسة مفهوم الدبلوماسية الرياضية واستثمارات قطر كنموذج ناجح في مجال القوة الناعمة والدبلوماسية الرياضية.
وبالتالي برزت مشكلة الدراسة من خلال ملاحظة واقع بعض الدول وما تعانيه من خلل في امتلاك مقومات القوة التقليدية (القوة الصلبة) وسعيها لامتلاك قوة من نوع جديد من خلال البحث عن مصادر جديدة للقوة، وتوظيفها في تنفيذ سياستها الخارجية لتحقيق أهدافها ، فكانت القوة الناعمة هي الوسيلة لتحقيق هذا الغرض، وحيث أن قطر تعتبر من الدول التي تعاني خلل في المرتكزات الجغرافية والسكانية والعسكرية، وقيامها بتوظيف مصادر القوة الناعمة لديها لتحقيق اهداف سياستها الخارجية فإنها مثلت نموذج عملي تدور حوله إشكالية الدراسة، ومن هنا يتمثل السؤال البحثي في : كيف يمكن أن تؤثر الرياضة كأداة للقوة الناعمة في صناعة وتنفيذ السياسة الخارجية القطرية ؟
ويتفرع من السؤال البحثي عدداً من الأسئلة الفرعية منها :-
- كيف تطور مفهوم الدبلوماسية الرياضية عبر العقود الأخيرة، وما هي الأشكال المختلفة التي اتخذتها؟
- ما هي الأدوات الأساسية التي تستخدمها قطر في تنفيذ دبلوماسيتها الرياضية، وكيف تتماشى مع أهدافها الاستراتيجية؟
- كيف ساهمت الرياضة في تعزيز مكانة قطر على الساحة الدولية، وما هو تأثير استضافة قطر لكأس العالم 2022 على صورتها الدولية؟
إطار الدراسة:-
التحديد المكاني :-
تعتبر دراسة أثر الدبلوماسية الرياضية في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية موضوعًا مثيرًا للاهتمام وذلك بسبب السياق الفريد الذي تقدمه دولة قطر. أولاً، قطر تمتلك اقتصادًا قويًا ومتنوعًا يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز، مما يمنحها قدرة اقتصادية تمكنها من تطوير سياسات خارجية نشطة ومؤثرة. علاوة على ذلك، تحتل قطر مكانة إقليمية بارزة في منطقة الخليج العربي وتتمتع بعلاقات دولية قوية، مما يجعل من الدبلوماسية الرياضية أداة فعالة لتعزيز مكانتها وتأثيرها الإقليمي والدولي.
ثانيًا، يتجلى تأثير الرياضة في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية من خلال استضافتها لبطولات رياضية عالمية مثل كأس العالم لكرة القدم 2022، حيث تُستخدم هذه الأحداث الرياضية كمنصة لعرض القدرات والتطورات في البنية التحتية والثقافة القطرية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى قطر من خلال الرياضة إلى تعزيز الحوار والتفاهم الثقافي مع دول العالم، وهو جانب مهم من سياستها الخارجية.[3]
ثالثًا، يمكن أن تكون الدبلوماسية الرياضية القطرية نموذجًا للدراسة لأنها تجسد استخدامًا ناجحًا للرياضة كأداة لتحقيق الأهداف السياسية، كما تعتبر قطر مركزًا للتطوير البشري والابتكار في المنطقة، ويمكن أن يكون للدراسة في هذا المجال تأثير كبير على فهمنا للعلاقة بين الرياضة والسياسة الخارجية، وكذلك على تطوير النظريات الدبلوماسية المعاصرة.
باختصار، فإن تحليل إطار الدراسة المكاني للدبلوماسية الرياضية في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية يعكس تكاملًا بين الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية التي تميز دولة قطر، وتوفر موضوعًا مثيرًا للبحث والدراسة لفهم كيفية تطبيق الرياضة في سياقات دبلوماسية متعددة وتحقيق الأهداف السياسية بفعالية.[4]
التحديد الزمني:-
دراسة “أثر الدبلوماسية الرياضية في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية في الفترة من عام 2003 إلى 2023” تقدم إطارًا زمنيًا مهمًا لفهم تطور العلاقات الدبلوماسية الرياضية لقطر وتأثيرها على سياستها الخارجية على مدى عقدين من الزمن. اختيار بداية الفترة في عام 2003 يأتي في سياق عدة تطورات أثرت على السياسة الخارجية للبلاد، بما في ذلك تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للحكم في عام 1995 وتبنيه لاستراتيجية دبلوماسية نشطة تستهدف تحسين مكانة قطر عالميًا. وخلال فترة الدراسة، شهدت قطر توسعًا كبيرًا في الاستثمارات الرياضية والثقافية العالمية، مما جعل الدبلوماسية الرياضية أحد الأدوات الرئيسية في تعزيز العلاقات الدولية.
كذلك تطورت الدبلوماسية الرياضية لقطر بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة، حيث شهدنا نموًا في الدور الذي تلعبه دورات الألعاب الرياضية الكبرى والفعاليات الثقافية في تعزيز العلاقات الدولية وتحقيق الأهداف السياسية للبلاد. على سبيل المثال، استضافت قطر كأس العالم لكرة القدم للأندية في عام 2022، وكانت هذه الفعالية فرصة لتعزيز الصداقات وتبادل الثقافات بين قطر والمشاركين من مختلف أنحاء العالم.
أما اختيار نهاية الفترة في عام 2023، فهو يعكس الوضع الحالي للعلاقات الدولية والتحديات التي تواجهها قطر في مجال السياسة الخارجية. خلال هذه الفترة، تعرضت قطر لعدة تحديات منها الأزمة الدبلوماسية مع بعض دول الجوار، مما دفعها لاستخدام الدبلوماسية الرياضية بشكل مكثف لتحقيق التوازن والدفاع عن مصالحها على المستوى الدولي.
وبالتالي، تحليل الإطار الزمني لهذه الدراسة يعكس مدى تطور الدبلوماسية الرياضية في تحقيق الأهداف السياسية لقطر خلال الفترة المحددة، وكيفية تأثير هذه السياسات على العلاقات الدولية وصورة قطر على المستوى العالمي.
أهمية الدراسة :-
الأهمية العلمية ( النظرية ) :-
تمثل هذه الدراسة تحليلاً عميقاً لتطور العلاقات بين الرياضة والسياسة على المستوى الدولي. يتناول هذا البحث تفاعل الأبعاد الرياضية مع التوجهات السياسية في قطر خلال فترة زمنية حاسمة من التاريخ الحديث، ويسعى لفهم كيف أصبحت الرياضة أداة استراتيجية مهمة في صياغة وتعزيز العلاقات الدولية وتنفيذ السياسات الخارجية.[5]
في هذا السياق، تقوم الدراسة بإلقاء الضوء على التحولات في المفاهيم الدبلوماسية والدور المتزايد للرياضة كوسيلة لتعزيز النفوذ الدولي وتحقيق الأهداف السياسية. على سبيل المثال، يمكن أن تسلط الأحداث الرياضية الضوء على قضايا محددة وتعزز التفاهم بين الدول، مما يؤثر في السياسات الخارجية والتعاون الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، تتناول الدراسة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على سياق الدبلوماسية الرياضية في قطر، مما يعطي نظرة شاملة للعوامل المؤثرة في استراتيجيات البلد في المجال الدولي.
بصفتها دراسة تحليلية، فإن أهمية هذا البحث تكمن في قدرته على تقديم إطار نظري يفسر التفاعلات المعقدة بين الرياضة والسياسة على المستوى الدولي، مما يساعد على توجيه السياسات الخارجية وتعزيز العلاقات الدولية لقطر وغيرها من الدول.
الأهمية العملية ( التطبيقية) :-
تمثل هذه الدراسة مساهمة تحليلية هامة في فهم كيفية تفاعل العناصر الرياضية مع الأبعاد السياسية والدبلوماسية على المستوى الدولي. من خلال تحليل تجربة قطر خلال هذه الفترة الزمنية الحاسمة، يمكننا فهم كيف أصبحت الرياضة جزءاً لا يتجزأ من السياسة الخارجية للدولة، وكيف تم استخدامها كوسيلة لتحقيق أهداف استراتيجية.
تسلط هذه الدراسة أيضاً الضوء على التحولات في المفاهيم الدبلوماسية والتطورات السياسية في قطر، مما يعكس تغيرات النهج والاستراتيجيات التي تبنتها الدولة لتحقيق مصالحها على المستوى الدولي. على سبيل المثال، يمكن أن تظهر الدراسة كيف استخدمت قطر الأحداث الرياضية الكبرى كفرصة لتعزيز صورتها الدولية وتعزيز التفاهم الثقافي والسياسي مع دول العالم.
علاوة على ذلك، تلقي هذه الدراسة الضوء على دور الرياضة في تعزيز العلاقات الدولية وبناء الشراكات، حيث يمكن أن تكون الأنشطة الرياضية مثاراً للتواصل والتفاعل بين الثقافات المختلفة على المستوى الدولي.
بالتالي، تسهم هذه الدراسة في توجيه القرارات السياسية والدبلوماسية لقطر وغيرها من الدول بشأن كيفية استغلال الرياضة بشكل أكثر فعالية كوسيلة لتعزيز التفاهم الدولي وتحقيق الأهداف الوطنية والإقليمية.[6]
عرض الأدبيات السابقة:-
الاتجاه الأول:- دراسات اهتمت بالتأصيل النظري للدبلوماسية الرياضية في السياسة الدولية :-
تبين الدراسات المستخدمة في هذا الاتجاه أن الرياضة تساعد على تجاوز الاختلافات الثقافية والسياسية، وتحاول جمع شعوب العالم من خلال المشاركة في الألعاب الرياضية والعمل الجماعي والتوحد تحت شعار الرياضة ونبذ العنف والعنصرية والتفرقة واحترام قواعد اللعبة، وهو ما يعكس الاحترام المتبادل للاعبين المشاركين، كما تتيح الألعاب الرياضية الدولية فرصاً للحوار والتفاهم، وانفتاح الحضارات المختلفة، وتبادل الثقافة.[7]
أظهرت الدراسات كيف استطاعت دبلوماسية الرياضة أن تمهد العلاقات الثنائية بين الصين والولايات المتحدة، فيما عرف بدبلوماسية التنس أو “البنغ بونغ”، حيث شاع هذا المصطلح في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لوصف التحركات والاتصالات الشعبية وغير الرسمية بين الصين والولايات المتحدة، لإحداث نوع من تطبيع العلاقات بين الدولتين، وللتمهيد لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية. بدأت تلك الدبلوماسية عن طريق مباريات في تنس الطاولة، والتي تطورت إلى أن نجحت الدولتان في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما، تطورت ثقافيًا وتجاريا واقتصاديا وتنمويًا وتقنيا، وتمكن البلدان من تجنب المواجهة وانتهاج سياسة التعاون والتقارب.
وفيما يتعلق بالدراسات التجريبية، يؤكد الباحثون على أن الرياضة تتجاوز كونها مجرد نشاط بدني فهي تؤثر في السياسات الوطنية والدولية، كذلك تُظهر الأدبيات كيف تُستغل الألعاب الرياضية لتحقيق أهداف سياسية، نظرًا لطبيعتها المحايدة وقدرتها على التأثير المباشر.[8]
أما الدراسات التطبيقية، فتقدم أمثلة عملية على كيفية تحسين العلاقات الدولية من خلال الرياضة. وأوضحت الدراسات أن الدول توظف الألعاب الرياضية في تنفيذ سياستها الخارجية لعدة أسباب. فهي أداة آمنة لتنفيذ السياسة الخارجية، حيث أن توظيفها ضد دولة معينة لن يؤدي بالضرورة إلى توتر العلاقات السياسية مع تلك الدولة. كذلك، تعد الألعاب الرياضية أداة محايدة لتنفيذ السياسة الخارجية، بمعنى أنها ليس لها في ذاتها مضمون سياسي محدد، فهي أنشطة بدنية يمكن أن تعطي مضامين سياسية وأيديولوجية مختلفة اعتماداً على ما تريده الدولة. وأخيراً، تتسم الرياضة بأنها أداة ذات تأثير فوري، حيث أنها تجبر المشاهدين على إجراء مقارنات فورية بين الفرق والدول والأنظمة السياسية المختلفة.[9]
تحدثت الدراسات أيضاً عن استغلال الرياضة لتحسين العلاقات بين الدول. على سبيل المثال، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث حاولت الدولتان تحسين علاقاتهما بالدول الصغيرة المجاورة من خلال الألعاب الرياضية. مثال آخر هو إرسال فريق كرة الطاولة الأمريكي إلى الصين في ظل تردي العلاقات الأمريكية الصينية، الأمر الذي فتح المجال لزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى الصين الشعبية وتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
في بعض الأحيان، قد يكون اللقاء المباشر بين دولتين توجد بينهما توترات سياسية سبباً في قيام الحرب بينهما، كما حدث عام 1969 بين السلفادور والهندوراس بعد مباراة بكرة القدم بينهما، حيث أشعلت المباراة نيران التوترات الاجتماعية والاقتصادية الحادة بين البلدين، ما أدى إلى حرب مسلحة سقط فيها حوالي 2000 قتيل من الطرفين.[10]
في النهاية، تشير تلك الدراسات إلى أن الرياضة تعتبر أداة فعالة في السياسة الدولية، حيث تُظهر الأبحاث أنه من الصعب تفريق الرياضة عن السياسة نظراً لارتباطها الوثيق بالدول ككيانات سياسية.
الاتجاه الثاني:- دراسات اهتمت بالتجارب الدولية في مجال الدبلوماسية الرياضية:-
هذه الدراسات تسلط الضوء على دور الرياضة كأداة فعالة في تحقيق أهداف دبلوماسية وتعزيز العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث يتم التركيز على كيفية استخدام الأحداث الرياضية والاستثمارات في المجال الرياضي لتحقيق الاستقرار وتعزيز صورة الدول على المستوى الدولي.[11]
درست الأدبيات الدور المتزايد للرياضة كوسيلة لتعزيز الدبلوماسية العربية. وقد أظهرت هذه الدراسات كيف تؤثر الأحداث الرياضية، مثل استضافة البطولات الكبرى، على التفاعلات الدبلوماسية والعلاقات الإقليمية والدولية. على سبيل المثال، استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم في عام 2022 وكأس الخليج في العراق في عام 2023 كانتا تطورات هامة تعكس استخدام الرياضة كوسيلة لبناء صورة إيجابية وزيادة النفوذ الدبلوماسي.[12]
تشير الدراسات أيضًا إلى الأثر الإيجابي للاستثمارات الرياضية في تحقيق أهداف دبلوماسية. على سبيل المثال، استثمارات قطر في المجال الرياضي ساعدت في تعزيز قوتها الناعمة وزيادة التفاهم والتعاون مع الدول الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت الدول كأداة لتحسين الصورة الدولية وتعزيز العلاقات الثقافية والسياسية على المستوى العالمي.[13]
في سياق آخر، تبرز دراسة حالة جنوب إفريقيا كنموذج لاستخدام الرياضة في تغيير الوضع السياسي وتحسين العلاقات الدولية، حيث تعكس استراتيجيات استخدام الرياضة في نهاية نظام الفصل العنصري كيف يمكن للأحداث الرياضية الكبرى أن تكون محركًا للتغيير الاجتماعي والسياسي.[14]
تسلط هذه الدراسات الضوء أيضاً على دور الرياضة في تحسين العلاقات الدولية في المنطقة العربية وتفاعلها مع السياسة والدبلوماسية، وبالتالي تهدف هذه الدراسات إلى فهم كيفية استخدام الرياضة كوسيلة لتعزيز التفاهم والتعاون بين الدول، مع التركيز على التحديات والفرص المحتملة في هذا السياق.
تشير هذه الأدبيات إلى أن الرياضة قد أصبحت عاملاً هاماً في العلاقات الدولية، حيث تستخدم الدول الرياضة كأداة لتعزيز صورتها الدولية وتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، فهي تسلط الضوء على التفاعلات بين الأحداث الرياضية والعلاقات الدبلوماسية، وكيف يمكن أن تؤثر الأحداث الرياضية الكبرى على تحسين الصورة الدولية للبلدان المستضيفة.
باختصار تعرض الدراسات نتائج أولية تشير إلى أن الرياضة قد تكون أداة فعالة للتواصل وتعزيز التعاون بين الدول، ولكنها تشير أيضًا إلى التحديات التي قد تواجه تفعيل دور الرياضة كوسيلة دبلوماسية، كما يتم التأكيد على أهمية وضع استراتيجيات متكاملة لتحقيق الأهداف الدبلوماسية من خلال الرياضة، كذلك تؤكد على أن الرياضة تلعب دورًا مهمًا في تعزيز العلاقات بين الدول العربية، وأن هناك ارتباطًا وثيقًا بين النشاط الرياضي والتطورات السياسية في المنطقة.
تُبرز الدراسات أيضًا أهمية تطوير استراتيجيات فعالة لاستخدام الرياضة في تحقيق الأهداف الدبلوماسية والسياسية، وتحسين صورة الدول في المجتمع الدولي.[15]
الاتجاه الثالث:- دراسات تحدثت عن القوة الناعمة في السياسة الخارجية القطرية :-
تبدأ الدراسة بتقديم مفهوم “القوة الناعمة” وأهميتها في السياسات الخارجية، حيث يتم التركيز على قدرة هذا المفهوم على التأثير بطرق غير مباشرة وبدون استخدام القوة العسكرية أو الإكراه، علاوة على ذلك تناولت الدراسات تطور هذا المفهوم عبر التاريخ واستخداماته المتنوعة في العلاقات الدولية.[16]
تقدم هذه الأدبيات رؤية شاملة وتحليلية لمفهوم القوة الناعمة، مركزة على دراسة أكاديمية واسعة لجذب الانتباه والتفاعل الدولي. ومع ذلك، تحتاج الدراسات إلى تعزيز الأمثلة العملية لتقديم صورة أكثر واقعية لتطبيقات القوة الناعمة في السياسات الخارجية.[17]
ثم، تعرض الدراسات مثالًا تطبيقيًا حول استخدام دول مجلس التعاون الخليجي للمشاريع الرياضية والثقافية الكبيرة كأدوات لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وثقافية. كما يسلط التحليل الضوء على دور القوة الناعمة في تعزيز استقرار هذه الدول داخليًا وعلى الساحة الدولية، مع التركيز على التحديات والفرص المتعلقة بهذه الاستراتيجيات.
تناولت بعض الدراسات دراسة حالة دولة قطر لتحليل كيفية استخدامها القوة الناعمة في سياستها الخارجية، مع التركيز على المصادر والموارد غير التقليدية التي تعتمدها الدول الصغيرة في تحقيق أهدافها السياسية.[18]
تسلط بعض الدراسات الضوء أيضاً على دور الإسلام والديبلوماسية العامة في تعزيز صورة دولة قطر على الساحة الدولية. وتستخدم هذه الدراسات منهج المحتوى والتحليل الاستقرائي لفهم عمق العلاقة بين الدين والقوة الناعمة وكذلك كيفية تحقيق النفوذ الدولي من خلال الاستثمار في العلاقات الثقافية والإعلامية.[19]
فيما يتعلق بدور الإسلام كقوة ناعمة في حالة قطر، تظهر الدراسات كيفية استخدام القيم الإسلامية في تشكيل صورة إيجابية لقطر، خاصة في سياق استضافة كأس العالم 2022، كما تعزز الدراسات التأثير الإيجابي للإسلام على المجتمع الدولي، وتوضح كيف يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية فعالة في تصحيح الفهم المغلوط للإسلام ودوره في الرياضة والترفيه.[20]
أما بالنسبة لدور الديبلوماسية العامة، فتعرض الدراسات كيفية تطور السياسة الخارجية القطرية عبر الاستثمار في المجالات الإعلامية والثقافية والاقتصادية، حيث تبرز الدراسات كيفية استخدام قناة الجزيرة كأداة للقوة الناعمة تعزز صورة قطر على المستويين الإقليمي والدولي.[21]
بشكل عام، تعتبر هذه الدراسات مفيدة لفهم العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة والقوة الناعمة، وتقدم تحليلًا موضوعيًا ومنهجيًا للتعامل مع التحديات الدولية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية على المستوى الدولي.[22]
الإطار المفاهيمي:-
أولاً:- مفاهيم وتعاريف السياسة الخارجية :-
شهدت ظاهرة السياسة الخارجية تطوراً أساسياً خلال الفترة التالية للحرب العالمية الثانية من مجرد كونها ظاهرة بسيطة تتعلق بقضية الأمن إلى ظاهرة متعددة الأبعاد ترتبط ارتباطا وثيقا بشتى الوظائف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات، ومع تعدد القضايا العالمية في المحيط العالمي، زاد تعقيد ظاهرة السياسة الخارجية، كما زادت أهميتها بالنسبة للرفاهية العامة للمجتمعات وبالذات في الدول النامية .
وأمام هذا التطور لم يعد المنهج التقليدي القائم على أساس رصد التطور التاريخي لسياسات الدول الكبرى ومحاولة فهم هذا التطور في إطار الظروف المحيطة به كافياً لتفسير العديد من السياسات الخارجية، وبالذات السياسة الخارجية للوحدات الدولية الجديدة في النسق الدولي لذلك ظهرت محاولات لتقديم أطر علمية لتفسير ظاهرة السياسة الخارجية تأخذ في اعتبارها هذا التطور، وقد جسدت تلك المحاولات في مجموعات بحثية علمية يحاول كل منها أن يقدم إطاراً للتفسير، وقد بدأت تلك المحاولات بتلك الجهود التي قادها “رتشارد سنيدر” وجيمس ،روزناو و تشارلز هيرمان والتي تفرع منها العديد من البحوث، وقد أثمرت تلك الجهود أدباً متكاملاً يحاول تفسير السياسة الخارجية بمختلف أبعادها تفسيراً علمياً .
تعريف السياسة الخارجية:-
اختلف الكثير من المفكرين في تحديد مفهوم السياسة الخارجية بشكل دقيق وذلك لاختلاف منطلقات كل منهم في تعريفه لها ويمكن تعريفها في ثلاثة اتجاهات كما يلي:-
الاتجاه الأول: يُعرف السياسة الخارجية على أنها مجموعة برامج. ومن أهم رواد هذا الاتجاه الدكتور “محمد السيد سليم”، إذ عرّف السياسة الخارجية بأنها “برامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الخارجي”.
ويعقب “أحمد النعيمي” على هذا التعريف على أنه تعريف دقيق ينطوي على الأبعاد التالية (الوحدة، والرسمية والعلنية، والاختيارية، والهدفية، والخارجية، والبرنامجية).[23]
وتميز هذه الخصائص بالفعل السياسة الخارجية، إلا أن هذا التعريف حدد السياسة الخارجية على أنها مجرد برنامج مسطر ومحدد الأهداف وعزلها عن تأثير البيئتين الداخلية والخارجية وهو ما يشتت المفهوم الصحيح للسياسة الخارجية لأنها ليست فقط مجرد برنامج محدد أو تحديد الأهداف معينة، بل هي كذلك مزيج من سلوكيات عديدة لصانع القرار في الدولة وتفاعلها مع البيئتين الداخلية والخارجية.
كما يؤخذ على تعريف الدكتور ” محمد السيد سليم ” عدم تحديده لطبيعة الوحدة الدولية التي قصدها في تعريفه فالوحدة الدولية في النظام الدولي متعددة فقد تكون دولة أو منظمة دولية…..الخ.
الاتجاه الثاني ومن أهم رواد هذا الاتجاه ” تشارلز هيرمان ” الذي عرف السياسة الخارجية بقوله تتألف السياسة الخارجية من تلك السلوكيات الرسمية المميزة التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم والتي يقصد بها التأثير في سلوك الدولة الخارجية.
وينظر البعض الآخر إلى السياسة الخارجية على أنها سياسة الدولة تجاه بيئتها الدولية غير الدول، لأن مجالات السياسة الخارجية تتضمن إلى جانب الدول مجالات أخرى مثل: الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية، والمنظمات السياسية.
كما تعرف السياسة الخارجية أيضاً بأنها ” مجموعة الأهداف السياسية التي تحدد كيفية تواصل هذا البلد مع البلدان الأخرى في العالم”. وبشكل عام تسعى الدول عبر سياستها الخارجية إلى حماية مصالحها الوطنية وأمنها الداخلي وأهدافها الفكرية والأيديولوجية وازدهارها الاقتصادي وقد تحقق هذا الهدف عبر التعاون السلمي مع الأمم الأخرى أو عبر الحرب والعدوان والاستغلال للشعوب الأخرى .[24]
وتأسيساً على ما تقدم يمكن القول بأن مفهوم السياسة الخارجية هو خطة أو إستراتيجية علنية تحكم عمل الدولة مع العالم الخارجي بما تملكه من مبدأ السيادة والإمكانيات الاقتصادية والعسكرية. وهي ليست مقتصرة على الدول بل أن الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الإقليمية والمنظمات الدولية بما تملكه من شخصية اعتبارية له سياستها الخارجية الخاصة التي قد تتفق أو تختلف مع الدول التابعة لها.
تعكس هذه التعريفات تعقيد ظاهرة السياسة الخارجية وصعوبة تحديد أبعادها بدقة. فهي غالبًا ما تركز على أحد جوانب السياسة الخارجية أو أحد مكوناتها، سواء كان ذلك على مستوى السلوك أو الأهداف. كما أن بعضها يكون عامًا جدًا بحيث لا يوضح طبيعة السياسة الخارجية ولا يميزها عن غيرها من السياسات، كذلك تتفاوت السياسة الخارجية للدولة الواحدة حسب الجهات التي تتعامل معها والقضايا المطروحة، فقد تتبع الدولة سياسة خارجية تعاونية مع دولة معينة في قضية معينة، وسياسة صراعية مع نفس الدولة في قضية أخرى. لذلك، من الضروري تقديم تعريف يأخذ في الاعتبار الخصائص الأساسية لعملية السياسة الخارجية والأبعاد المحتملة لتلك السياسة.
ثانياً:- تعاريف ومفاهيم الدبلوماسية :-
أولاً: الأصل الاصطلاحي لكلمة الدبلوماسية
كلمة دبلوماسية La diplomatic مشتقة من الكلمة اليونانية diploma ومعناها يطوي، وكانت هذه الكلمة آنذاك تطلق على جزء من الوثائق الرسمية التي كانت تصدر عن الرؤساء السياسيين للمدن التي كان يتكون منها المجتمع اليوناني القديم، وتمنح إلى أشخاص فيترتب لهم بموجبها امتيازات خاص.
ومع مرور الزمن اتسع معنى كلمة دبلوماسية بحيث أصبحت تشمل الوثائق الرسمية والأوراق والمعاهدات.[25]
ثانيا: التعريفات المختلفة للدبلوماسية
اختلف فقهاء القانون الدولي العام، وخاصة الذين اهتموا بدراسة العلاقات الدبلوماسية في تحديد معنى الدبلوماسية وقد ذهبوا في ذلك مذاهب مختلفة ومن أهم التعريفات للدبلوماسية ما يلي :-
تعريف براديبه فودیریه Pradier Fodere :-
الدبلوماسية هي فن تمثيل الحكومة ومصالح البلاد لدى الحكومات وفي الدول الأجنبية وبالتالي فهي تثير فكرة إدارة الشؤون الدولية ومتابعة المفاوضات السياسية والعلاقات الخارجية ورعاية المصالح الوطنية للشعوب والحكومات في علاقاتها المتبادلة في حالتي السلم والحرب أي أنها وسيلة تطبيق القانون الدولي.
تعريف راؤول جينه Raoul Genet :-
عرف الدبلوماسية بأنها فن تمثيل الحكومة ورعاية مصالح الدول لدى بلد أجنبي، ويتضمن هذا السهر على احترام حقوق ومصالح الدولة وإدارة العلاقات الخارجية طبقاً للتعليمات المرسلة، والقيام بالمفاوضات الدبلوماسية.
تعريف الدكتور سموحي فوق العادة :-
“مجموعة القواعد والأعراف الدولية والإجراءات والمراسم والشكليات التي تهتم بتنظيم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي أي الدول والمنظمات والممثلين الدبلوماسيين، مع بيان مدى حقوقهم وواجباتهم وشروط ممارستهم مهامهم الرسمية والأصول التي تترتب على اتباعها لتطبيق أحكام القانون الدولي ومبادئه والتوفيق بين مصالح الدول المتباينة كما هي، وفن إجراء المفاوضات السياسية في المؤتمرات والاجتماعات الدولية وعقد الاتفاقيات والمعاهدات” .[26]
تعریف هارولد نيكلسون Harold Nichoison :-
بأنها إدارة العلاقات الدولية من خلال المفاوضات وهي طريقة يمكن من خلالها تكييف هذه العلاقات من قبل السفراء والمبعوثين الدبلوماسيين . ومنها يتفرع مفهوم الدبلوماسية الرياضية:-
مفهوم الدبلوماسية الرياضية
تطورت آليات الدبلوماسية الحديثة، ودخلت إليها عناصر عدة بفعل العولمة والتطور التقني والتكنولوجي وانتشار وسائل التواصل، وخروج الحيّز السياسي من هيمنة النخب إلى مساحة الشعوب والأفراد على مستوى العالم. وفي هذا الإطار، دخلت الرياضة معترك العلاقات الدبلوماسية، وباتت جزءاً من الدبلوماسية العامة، وفرعها: الدبلوماسية الرياضية.
تعريف الدبلوماسية الرياضية في العلاقات الدولية يشير إلى استخدام الظواهر الرياضية في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، ولتحقيق أهداف الدول على اعتبار أن الرياضة ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود اللغوية والوطنية والثقافية، ما يسهّل التواصل بين الشعوب والثقافات المختلفة أو التسويق لأفكار ومعتقدات. ولأهمية هذا الأمر، أنشأت الولايات المتحدة الأميركية قسم الدبلوماسية الرياضية في وزارة الخارجية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، كوسيلة للوصول إلى الشباب في الشرق الأوسط من خلال كرة القدم، ثم توسع نطاق هذا القسم تدريجياً ليشمل جميع مناطق العالم ومجموعة كاملة من الرياضات.[27]
الفرق بين السياسة الخارجية والدبلوماسية :-
هناك ثمة اختلاف بين مفهومي السياسة الخارجية والدبلوماسية إذ أن السياسة الخارجية لدولة ما هي تدبير نشاط الدولة في علاقاتها مع الدول الأخرى أو المنهج الذي تسير بمقتضاه الدولة في علاقاتها في الشؤون السياسية والتجارية والاقتصادية والمالية مع الدول الأخرى .
بينما الدبلوماسية هي أداة لتنفيذ السياسة الخارجية، فالدبلوماسي هو الذي يقوم بتنفيذ الخطة التي يرسمها رجل السياسة في الدولة في أوقات السلم إلا أن هذا لا يعني بأن الدبلوماسية في تنفيذها للسياسة الخارجية لا تلجأ إلى نوع من الصراع السياسي.
وتمثل السياسة الخارجية الجانب التشريعي في الدولة، بينما تدخل الدبلوماسية في إطار التنفيذ، ومن أوجه اختلاق السياسة الخارجية عن الدبلوماسية أن الأولى يجب أن لا تكون سرية على اعتبار أن الرأي العام المحلي يجب أن يكون مطلعا على أي اتفاقية أو معاهدة ويجب أن يكون الشعب موافقا عليها أما الثانية فإنها تتصف بالسرية وعلى الرغم بأن الدبلوماسية تستخدم الدعاية والخطابة أو الإذاعة أو الصحافة للتأثير على الرأي العام إلا أنها بقيت في سريتها بغية الوصول إلى تحقيق أهدافها.
يميز J. R.childs بين السياسة الخارجية والدبلوماسية إذ تعد السياسة الخارجية للدولة جوهراً أساسياً للعلاقات الخارجية، بينما الدبلوماسية هي المكان المناسب الحقيقي للعمليات حيث تقوم على تنفيذ هذه السياسة.
وعلى هذا الأساس، فإن السياسة الخارجية يتم اتخاذ القرار فيها بواسطة أشخاص وهيئات في أعلى المستويات، أما الدبلوماسية فإنها تزود جهاز اتخاذ القرار بالمعلومات اللازمة.[28]
ثالثاً:- مفهوم المصلحة الوطنية:-
ظهر مفهوم المصلحة الوطنية في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان تشارلز بيرد من الأوائل الذين وظفوا هذا المفهوم في دراسة السياسة الخارجية، وخاصة في سياق السياسة الخارجية الأمريكية في كتابه “The Idea of National Interest”. تناول هانز مورجانثو مفهوم المصلحة الوطنية في مقاله عام 1952 حول المصلحة الوطنية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من تداول المصطلح بشكل واسع، إلا أن هناك قلة من الإسهامات النظرية البارزة، منها كتاب جوزيف فرانكل “المصلحة الوطنية” عام 1970، الذي فصّل أبعاد المفهوم.
يشير الأستاذ الدكتور أحمد يوسف أحمد في كتابه “مقدمة في العلاقات الدولية” (1985) إلى أن المصلحة الوطنية هي أحد اقترابات التيار الواقعي في دراسة العلاقات الدولية. يعود أصل المفهوم إلى كتابات ميكيافيللي، خاصة في كتابه “الأمير”، حيث تناول العلاقات بين الولايات الإيطالية في القرن السادس عشر. بعد صلح وستفاليا عام 1648، أصبح مفهوم المصلحة الوطنية شائعاً بين الدول الأوروبية لتبرير سياساتها الخارجية وسلوكها الدولي، كما استخدمه قادة الولايات المتحدة منذ تأسيسها.
أثار المفهوم جدلاً كبيراً حول تعريفه، حيث يتغير معناه باختلاف السياق والأهداف. اعتبر مورجانثو أن المصلحة الوطنية تعني القوة ولا تفترض عالماً يسوده السلام أو حتمية الحرب، بل صراعاً مستمراً يتطلب دبلوماسية فعالة لتقليل تهديد الحرب من خلال توافق المصالح. جيمس روزيناو ميز بين استخدام المصطلح كأداة تحليلية لتوصيف وتحليل السياسة الخارجية للدولة وبين استخدامه لتوجيه السلوك السياسي للدولة وتبرير السياسات.[29]
عرف جوزيف ناي المصلحة الوطنية بأنها مجموعة المصالح المشتركة لمواطني الدولة في علاقاتها الخارجية، مشيراً إلى أنها تشمل الرفاهية الاقتصادية، الهوية، والقيم الوطنية بجانب الأمن. أكد جوزيف فرانكل هذا التوجه، موضحاً أن المصلحة الوطنية تتضمن مصالح استراتيجية، عسكرية، سياسية، اقتصادية، وأن التناغم بين المصالح العليا (Aspirational Interests) والواقعية (Operational Interests) ضروري لفعالية السياسة الخارجية.
ميز ” فرانكل ” بين المصلحة الوطنية المرتبطة بالسياسة الخارجية والمصلحة العامة المتعلقة بمصالح المواطنين الداخلية مثل زيادة الدخل القومي وتحسين الخدمات. بناءً على ما سبق، يمكن تعريف المصلحة الوطنية بأنها “الإطار العام الحاكم والموجه الأساسي لسياسة الدولة الخارجية، والتي تعتبر بمثابة البوصلة التي تحدد سلوك الدولة وتوجهاتها على الصعيد الدولي”.[30]
الإطار النظري:-
( النظرية الليبرالية ) :-
استخدمت الباحثة النظرية الليبرالية في التحليل، حيث تركز النظرية الليبرالية على الأفكار المتعلقة بالتعاون الدولي والتكامل الاقتصادي والسلام الدولي. في سياق الدبلوماسية الرياضية، تبرز النظرية الليبرالية أهمية استخدام القوة الناعمة والقوة الذكية كأدوات لتحقيق الأهداف السياسية وتعزيز العلاقات الدولية، حيث تعتمد القوة الناعمة على استخدام الثقافة والتعليم والأنشطة الرياضية للتأثير على الآخرين وكسب تأييدهم بدلاً من فرض الإرادة بالقوة العسكرية. أما القوة الذكية، فتتعلق بالقدرة على استخدام التكنولوجيا والمعلومات بشكل فعال لتحليل وتوجيه السياسات الخارجية وفهم تحركات اللاعبين الدوليين بشكل أفضل. باعتبار هذه النقاط، يمكن للدبلوماسية الرياضية، بمنظور النظرية الليبرالية، أن تكون أداة فعالة في تعزيز العلاقات الدولية وتحقيق أهداف السياسة الخارجية القطرية بشكل سلمي وبناء.
كما تنطلق الأيديولوجية الليبرالية من تصور محدد مؤداه أن الألعاب الرياضية هي نشاطات فردية بالأساس تهدف إلى بناء الفرد، أي بلورة قدراته البدنية وملكاته الذهنية، سعياً نحو تأكيد ذاتيته في المجتمع، والدفاع عن وجوده، منطلقة من مبدأ ( دعم الحرية الفردية ). ومن ثم فالألعاب الرياضية تعكس الخطوط العريضة للمجتمع الرأسمالي من حيث النظرة الى بناء الجسد والولاء والعنف وغيرها.”
وتخدم الألعاب الرياضية استقرار النظام الرأسمالي وتوظف لغرس القيم الاجتماعية السائدة والمحافظة على سيطرة النخبة الحاكمة وذلك عن طريق نشر الاعتقاد بأن النجاح الذي حققته النخبة والمركز المسيطر الذي تنعم به هو نتيجة حتمية للعمل الجاد المنظم مما يجعل الشعب ينظر الى الفئة الحاكمة كنموذج للفضيلة وينظر بازدراء الى أولئك الذين فشلوا في تحقيق أي نجاح اجتماعي وبحسب النظرية الليبرالية فإن الألعاب الرياضية تلعب في المجتمعات الرأسمالية دور المخدر الاجتماعي الذي يصرف أنظار الشعب عن المشكلات الاجتماعية والسياسية الملحة، ويعمق القيم التي تخدم أرباب السلطة والثراء، ويحول اللاعبين الى لعبة في أيدي المؤسسات الرياضية الرأسمالية “. [31]
بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاعتماد علي مفاهيم القوة الناعمة والقوة الذكية في التحليل، وذلك من خلال عرض مفهوم القوة الناعمة، فيما يلي:-
أولاً:- مفهوم القوة والقوة الناعمة:-
تعد قوة الدولة عنصرًا أساسيًا في العلاقات الدولية، إذ تحدد دورها في المجتمع الدولي وإطار علاقاتها الخارجية. القوة ليست مرادفًا للعنف، على الرغم من أن العنف هو إحدى وسائل ممارستها. فالقوة تُعرف بالقدرة على التأثير في سلوك الدول الأخرى بما يخدم مصالح الدولة المتمتعة بها. وهكذا، يمكن لدولة أن تكون كبيرة أو غنية ولكنها لن تكون قوية إذا لم تستطع تحقيق هذا التأثير.[32]
تعريف مورجانثو للقوة:
عرّف مورجانثو القوة بأنها “السيطرة على عقول وأفعال الآخرين”. وهذا التعريف يعكس الطبيعة الديناميكية للقوة، التي تتكون من عناصر مادية وغير مادية متغيرة. من منظور المدرسة الواقعية، يُنظر إلى القوة كمزيج بين الهدف والوسيلة. تكون القوة هدفًا عندما يكون الغرض منها بناء المقومات التي تؤثر في سلوك الآخرين لتحسين المصالح، وتكون وسيلة عندما تمكن الدولة من بلوغ القدرة على التأثير.[33]
عناصر القوة القومية:
تتعدد مكونات القوة القومية وتشمل الاعتبارات الجغرافية مثل المساحة والموقع والتضاريس، والإمكانيات والموارد المادية والطبيعية، والسكان، ومستوى النمو الاقتصادي ودرجة التطور الفني والتكنولوجي، ودرجة الاستعداد العسكري، وكفاءة المؤسسات السياسية والدبلوماسية والإعلامية، وأخيرًا الروح المعنوية، كذلك فإن استخدام القوة لا يقتصر على الأدوات المادية فقط، بل يمتد إلى الأدوات الدعائية والنفسية والأيديولوجية، حيث تتكامل هذه الأدوات في إبراز قوة الدولة وتأثيرها الدولي.
تطور مفهوم القوة الناعمة:
برز مفهوم القوة الناعمة لأول مرة عام 1990 من خلال مقال لجوزيف ناي في مجلة “السياسة الخارجية”، ثم في كتابه “ملزمة بالقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية” عام 1991. تناول ناي في كتابه “مفارقة القوة الأمريكية” الصادر عام 2001 هذا المفهوم بتوسع، معرّفًا القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير في الأهداف المطلوبة وتغيير سلوك الآخرين من خلال الإقناع والجذب بدلاً من الإكراه. تعتمد القوة الناعمة على جاذبية النظام الاجتماعي والثقافي للدولة وقيمها ومؤسساتها، وتنتشر عبر الثقافة الشعبية والدبلوماسية والمنظمات الدولية والشركات والمؤسسات التجارية.[34]
معايير القوة الناعمة:
تتحدد القوة الناعمة من خلال معيارين أساسيين هما نعومة الآليات والأساليب، ونعومة موارد القوة. تعتمد القوة الناعمة على الطابع المعنوي والنفسي والفكري، بدون تهديد صريح أو تقديم حوافز، بل من خلال التأثير الجاذب والتعاوني والإقناع. كما تعتمد على جاذبية الدولة المستمدة من موارد غير مادية مثل الثقافة والمبادئ والسياسات، مما يخلق صورة ذهنية إيجابية عنها ويحقق تعاطفًا مع سياساتها وأهدافها.
تتطلب القوة في العلاقات الدولية توازنًا بين القوة الصلبة والناعمة. فعلى الرغم من أن الأدوات المادية مثل القوة العسكرية والاقتصادية تبقى حيوية، فإن العناصر غير المادية مثل الثقافة والقيم والسياسات تلعب دورًا كبيرًا في تحقيق أهداف الدولة والتأثير على الساحة الدولية. تتكامل هذه الأدوات مع بعضها لتعزز من قدرة الدولة على التأثير وتحقيق مصالحها في المجتمع الدولي.
میز جوزيف ناي بين القوة الناعمة والقوة الصلبة ( الاقتصادية والعسكرية) مع بيان السياسات الحكومية المعبرة عن هذه القوى موضحا تصنيف بين القوة العسكرية والقوة الاقتصادية، والقوة الناعمة .[35]
وفيما يلي نموذج الفرق بين القوة الناعمة والقوة الصلبة بحسب تحليل جوزيف ناي.
شكل رقم (1) : نموذج يبين الفرق بين القوة الناعمة والقوة الصلبة.
المصدر: (2021,12,Naye)
نخلص إلى أن القوة بشكل عام تمثل عامل مؤثر في وجود الدولة ودورها الخارجي، وأن القوة لم تعد تقتصر على شكلها التقليدي فقط، الذي قد لا تتوفر مقوماته لدى بعض الدول، بل بإمكان الدول التي تعاني خلل في مرتكزات القوة التقليدية أن توظف مقومات ومصادر القوة الناعمة ليكون لها سياسة خارجية فاعلة وهادفة.[36]
منهج الدراسة:-
( منهج تحليل نسق السياسة الخارجية ) :-
يعتبر إطار تحليل نسق السياسة الخارجية (Foreign Policy System Analysis) الإطار المنهجي الأكثر ملاءمة لدراسة وتحليل السياسة الخارجية القطرية. مع تطور العلاقات الدولية وظهور فاعلين غير الدول ذوي تأثير فعال وبرنامج متكامل للسلوك في المجال الدولي، أصبحت السياسة الخارجية تُعرَّف باعتبارها مجموع العلاقات الخارجية الرسمية التي يجريها فاعل مستقل في العلاقات الدولية.
يمتاز هذا الاقتراب بديناميكيته، حيث ينظر إلى “السياسة الخارجية” كمنظومة تتفاعل فيها العناصر الموضوعية مع النفسية، وتلك النابعة من البيئة الداخلية مع نظيراتها النابعة من البيئة الخارجية، ضمن إطار منظومي. إضافة إلى ذلك، يرى هذا الاقتراب السياسة الخارجية -وبالتالي تغيرها- كعملية دائرية مستمرة، حيث أن “الصياغة النهائية” للسياسة الخارجية ليست نهاية التحليل، بل يجب أيضًا أخذ ردود الفعل التي يتخذها الآخرون تجاه تلك السياسة بعين الاعتبار.
بشكل عام، يوفر تحليل نسق السياسة الخارجية إطارًا لتحليل علمي لظاهرة السياسة الخارجية من حيث وصف مختلف أبعادها كالتوجهات العامة والأهداف، وتفسيرها من خلال تحديد مجموعة المتغيرات المؤثرة عليها، وتحليل الأثر النسبي لتلك المتغيرات على السياسة، إضافة إلى دراسة عملية صنع قرار السياسة الخارجية.[37]
شكل رقم (٢)
وبالتطبيق علي هذه الدراسة؛ يتم تصميم المنهج باستخدام منهج تحليل نسق السياسة الخارجية، حيث يتم التركيز على دراسة العلاقة بين السياسة الرياضية لدولة قطر وتنفيذ سياساتها الخارجية، كما يتضمن المنهج تحليل مفاهيم القوة الناعمة والقوة الذكية وتطبيقها على سياسة قطر الخارجية، مع التركيز على كيفية تأثير الدبلوماسية الرياضية في تحقيق أهدافها السياسية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام مقولات الإطار النظري الليبرالي لتوجيه التحليل وفهم العوامل التي تؤثر على تنفيذ السياسة الخارجية القطرية، كما يتم تطبيق هذا الإطار النظري لفهم كيفية استخدام قطر للدبلوماسية الرياضية كأداة لتعزيز العلاقات الدولية وتحقيق أهدافها بشكل سلمي وفعال.
استخدمت الباحثة عدة خطوات مترابطة في دراسة تأثير الدبلوماسية الرياضية على السياسة الخارجية لقطر:-
يبدأ هذا المنهج باستعراض الأدبيات، حيث يتم دراسة الأبحاث والمقالات السابقة المتعلقة بالدبلوماسية الرياضية وتأثيرها على السياسة الخارجية، مع التركيز على الجوانب التحليلية والنظرية لتلك الأعمال.
بعد ذلك، يتم الانتقال إلى تحليل البيانات من خلال جمع المعلومات ذات الصلة بأنشطة الدبلوماسية الرياضية التي قامت بها قطر، ومراجعة تأثير هذه الأنشطة على العلاقات الدولية. يتم هذا التحليل من خلال دراسة مجموعة من الحالات المحددة، مما يتيح الاستفادة من التجارب السابقة لفهم أفضل للعلاقة بين الدبلوماسية الرياضية والسياسة الخارجية القطرية.
وفي مرحلة لاحقة، يتم تطبيق الإطار النظري الليبرالي لتحليل البيانات، مما يساعد على فهم كيفية تأثير الدبلوماسية الرياضية في تنفيذ السياسة الخارجية لقطر. بحيث يتيح هذا التطبيق النظري تحليل الأحداث والأنشطة الرياضية في سياق أوسع من العلاقات الدولية والسياسات الخارجية.
تختتم الدراسة باستخلاص التوصيات التي تهدف إلى تعزيز الاستخدام الفعال للدبلوماسية الرياضية كأداة لتحقيق الأهداف السياسية الخارجية لقطر، كما تتضمن هذه التوصيات استراتيجيات محددة يمكن لقطر تبنيها لتعزيز مكانتها الدولية وتحقيق أهدافها السياسية من خلال الرياضة.[38]
تقسيم الدراسة:-
الفصل الأول:- التأصيل النظري للدبلوماسية الرياضية وتأثيرها في السياسات الخارجية للدول:-
المبحث الأول:- تطور مفهوم الدبلوماسية الرياضية وصوره المختلفة.
المبحث الثاني:- تأثيرات الدبلوماسية الرياضية علي فعالية السياسة الخارجية للدول ( نماذج واقعية ).
الفصل الثاني: تحليل السياسة الخارجية القطرية في الفترة من 2003 إلى 2023: ( الأهداف، المحددات، والتحديات ) :-
المبحث الأول: أدوات السياسة الخارجية القطرية والأهداف الاستراتيجية.
المبحث الثاني: محددات وتحديات تنفيذ السياسة الخارجية القطرية.
الفصل الثالث:- تأثير الدبلوماسية الرياضية علي فعالية السياسة الخارجية القطرية ( 2003-2023 ):-
المبحث الأول:- أهداف دبلوماسية قطر الرياضية والأدوات المسخرة لتحقيق غاياتها.
المبحث الثاني:- تقييم فاعلية الدبلوماسية الرياضية القطرية في السياسة الخارجية.
الفصل الأول
التأصيل النظري للدبلوماسية الرياضية وتأثيرها في السياسات الخارجية للدول
المبحث الأول:- تطور مفهوم الدبلوماسية الرياضية وصوره المختلفة:-
تُعد الدبلوماسية إحدى وسائل حل النزاعات بالطرق السلمية، وتعود أصولها إلى العصور القديمة، حيث تطورت مع تطور النظم السياسية. وقد أصبحت الدبلوماسية علماً قائماً بذاته، له قواعده وقوانينه وأهدافه واستراتيجياته. تتنوع أنواع الدبلوماسية من الدبلوماسية الرسمية، التي تتم بين الحكومات والممثلين الرسميين للدول، إلى الدبلوماسية العامة، التي تسعى إلى التأثير على الشعوب لتحقيق أهداف الدول ونشر أفكارها ومعتقداتها وثقافتها، ومحاولة التأثير على الجماهير الأجنبية وتشكيل رأي عام مؤيد لقضاياها.
ستقوم “الرسالة” في هذا الفصل بتتبع تطور مفهوم الدبلوماسية منذ نشأته في اليونان القديمة، وصولاً إلى الدبلوماسية المعاصرة التي تُمارَس حالياً بين الدول. سيركز الفصل أيضاً على مفهوم الدبلوماسية العامة، مبيناً تاريخها وأهدافها ووسائلها.
الدبلوماسية التقليدية:-
يعود مصطلح الدبلوماسية إلى اللغة اليونانية من كلمة “Diploma” التي تُشتق منها كلمة “دبلوم” (Diplome)، والتي تعني الوثيقة الرسمية التي يصدرها أصحاب السلطة وتمنح حاملها مزايا معينة. ومع مرور الزمن، انتقلت هذه الكلمة إلى اللغات الحية، بما في ذلك اللغة العربية، لتعبر عن مفهوم يتجاوز المعنى اللغوي ليشمل الممارسة الفعلية والتواصل بين الحكومات والشعوب.
وتطور مصطلح الدبلوماسية نتيجة لتطور العلاقات والممارسة الدبلوماسية التي انتشرت في أغلب الدول الأوروبية منذ القرن الثامن عشر.
كذلك استخدم العرب كلمتي “الكتاب” و”السفارة” للتعبير عن النشاط الدبلوماسي. كلمة “كتاب” كانت تشير إلى الوثيقة التي يتبادلها أصحاب السلطة والتي تمنح حاملها مزايا الحماية والأمان، بينما استخدمت كلمة “السفارة” لتعني الرسالة التي تُوجه إلى الجماعات بغرض التفاوض والإصلاح.[39]
بهذا، استخدم العرب مفهوم الدبلوماسية على نحو مشابه لاستخدامه من قبل اليونان والرومان. ومع مرور الزمن وتطور العلاقات الدولية، أصبحت كلمة “الدبلوماسية” تُستخدم في جميع اللغات، بما في ذلك العربية، لتعبر عن علم له أصوله وقواعده المنظمة.
تتعدد تعريفات الدبلوماسية، إلا أن مضامينها تتمحور حول كونها علماً وفناً. فحسب العالم الفرنسي بول فوشي، الدبلوماسية كعلم تعتمد على معرفة العلاقات القانونية والسياسية بين الدول، مصالحها المتبادلة، تقاليدها التاريخية، والشروط المتضمنة في المعاهدات. أما كفن، فتهدف إلى إدارة الشؤون الدولية، وتتطلب مهارة التنسيق وقيادة المفاوضات السياسية بكفاءة.
يمكن القول إن الدبلوماسية عملية سياسية ترتبط مباشرة بإدارة وتوجيه العلاقات الخارجية للدول بما يخدم مصالحها. هي تجل للعلاقات الدولية في مستواها السياسي، قائم على مجموعة من القواعد والأعراف الدولية التي تنظم التعامل بين أشخاص القانون الدولي، وتحدد حقوقهم وواجباتهم والتزاماتهم وامتيازاتهم، إضافة إلى شروط عملهم ووظائفهم الهادفة إلى التوفيق بين المصالح المتباينة، سواء في زمن السلم أم في زمن الحرب.[40]
الدبلوماسية العامة:-
تعد الدبلوماسية العامة مفهوماً حديثاً نسبياً في العلاقات الدولية، وتستخدمها الدول العظمى والمستضعفة على حد سواء لخدمة قضايا معينة ترغب في إيصالها إلى العالم. يُستخدم المصطلح لوصف الجهود التي تبذلها الحكومات لتنفيذ السياسة الخارجية وتعزيز المصالح الوطنية من خلال التواصل مع سكان البلدان الأجنبية، كما تبرز أنشطة الدبلوماسية العامة من خلال توفير المعلومات للجماهير الأجنبية عبر البث والإعلام والإنترنت والفعاليات الثقافية مثل المعارض الفنية والحفلات الموسيقية وبرامج التبادل.
يشير هانز توتش (Hans N. Tuch) إلى الدبلوماسية العامة الأمريكية على أنها جهود حكومية رسمية تهدف إلى تشكيل بيئة من الاتصالات الخارجية، بهدف الحد من سوء الفهم بين الولايات المتحدة والدول الأخرى. يضيف توتش أن الدبلوماسية العامة هي عملية حكومية للتواصل مع جماهير الدول الأجنبية في محاولة لتحقيق فهم واضح لأفكار ومعتقدات ومؤسسات وثقافة تلك الدولة. كما أنها تشتمل على اتصالات متعددة المستويات بين مجتمع أو دولة ومجتمع آخر، يتم من خلالها نقل مواقف الدولة أو الشعب بمصداقية وموضوعية من قبل المؤسسات والسياسيين الرسميين والأفراد.
تعمل الدبلوماسية العامة على تسهيل السياسة الخارجية من خلال تهيئة القبول العام في البلدان الأجنبية لأنشطة الدولة الأخرى، ويتم ذلك عبر إبراز الثقافة والقيم الوطنية، ونشر الأخبار والمعلومات.
كما تهدف الدبلوماسية العامة إلى نشر رؤية مجتمع معين من خلال القضايا ذات الصلة، وليس فقط عبر أساليب الدعاية والإعلان والعلاقات العامة، بل من خلال التواصل متعدد القنوات بين مختلف المؤسسات والهيئات والنقابات والأحزاب مع نظيراتها حول العالم. وبهذا يمكن للحكومة أو الأفراد أو الجماعات التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الاتجاهات والآراء العامة، مما يؤثر بدوره على القرارات الخارجية للدولة.
تعرف وزارة الخارجية الأمريكية (USIA) الدبلوماسية العامة بأنها تعزيز المصلحة الوطنية والأمن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة من خلال التفاهم، وإعلام الجماهير، والتأثير الأجنبي، والحوار بين المواطنين والمؤسسات الأمريكية. وتصف الخارجية الأمريكية الدبلوماسية العامة بأنها البرامج التي ترعاها الحكومة بهدف إعلام أو التأثير على الرأي العام في بلدان أخرى، وتشمل أدواتها الرئيسية المنشورات، الأفلام، التبادلات الثقافية، الإذاعة، والتلفزيون.[41]
كذلك تهدف الدبلوماسية العامة الأمريكية إلى تعزيز التواصل مع فئات مهمة مثل الشباب والمؤثرين عليهم كعلماء الدين والأساتذة والمدربين الرياضيين. ومعظم التعريفات لمصطلح الدبلوماسية العامة تأتي من جهود أمريكية أو أوروبية، حيث تُعرف أحيانًا بأنها الوسيلة التي تحقق بها الولايات المتحدة أهدافها في الخارج.
وفقًا لدراسة أجراها مجموعة من الباحثين المصريين بقيادة معتز عبد الفتاح، تحتوي الدبلوماسية العامة على خمسة عناصر رئيسية لقياس فعاليتها:
- الدولة التي ترسل الرسائل بهدف خلق صورة ذهنية معينة عنها لدى الآخرين.
- رسالة تحتوي على وعود أو تبريرات تدعم سياسة الدولة.
- وسائل لإرسال هذه الرسائل مثل الإنترنت ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أو الاتصالات الشخصية المباشرة كالتبادل الطلابي وإرسال الوفود الإعلامية والصحفية.
- جمهور مستهدف يتلقى هذه الرسائل.
- فعالية هذه الرسائل.
علاوة على ذلك تعمل الدبلوماسية العامة ضمن إطار المصالح العليا للدولة وتتبع ما يحدده النظام الدبلوماسي الرسمي، حيث تساهم في خدمة المواقف السياسية المعلنة من قبل الدولة عبر مؤسساتها وهيئاتها، كما تستفيد من الأفكار والممارسات التي تمت دراستها في مجال العلاقات العامة، حيث تقوم بشرح وتوضيح وتبرير القرارات السياسية وتقديم الإجابات عن الاستفسارات المتعلقة بها، كذلك تعمل كوسيلة للتواصل والتفاعل بين الدولة والمجتمعات في الدول الأخرى، وتوجه جهودها نحو التأثير في آراء العام بجميع فئاته وشرائحه بهدف تغييرها.
بشكل عام، يجب أن نفهم أن بروز مصطلح الدبلوماسية العامة بعد نهاية الحرب الباردة لا يعني أنه جديد تماماً، فهو يستمد جذوره من تاريخ طويل من الممارسات الدبلوماسية وزرع الصورة للدولة، والتي كانت موجودة منذ العصور القديمة في مختلف الثقافات والحضارات.
الفرق بين الدبلوماسية العامة والرسمية:-
تمثل الدبلوماسية العامة الوسيلة التي تستخدمها الدول أو المنظمات الدولية للتواصل مع المواطنين في المجتمعات الأخرى، بغرض تحقيق أهداف السياسة الخارجية، من خلال الحوار وتبادل المعلومات. يقدم الدبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس وصفًا للدبلوماسية العامة كـ “الوجه الشعبي للدبلوماسية التقليدية”، حيث يسعى من خلالها للحصول على دعم من الجماهير الأجنبية لتحقيق أهداف الحكومة.[42]
في المقابل، تركز الدبلوماسية الرسمية على الحفاظ على العلاقات الرسمية السياسية والاقتصادية والتجارية بين الدول، وتشمل العلاقات بين الحكومات والمؤسسات الدولية. وبينما تكون العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الحكومات (G-G)، تكون الدبلوماسية العامة بين الحكومة والجماهير العالمية (G-P).
تعتبر الدبلوماسية العامة أكثر اتساقًا مع التطورات الحديثة في تكنولوجيا الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تمكنت من مشاركة الجماهير في صنع السياسة الخارجية عبر الحدود الوطنية، وهذا يعكس التحول نحو الدبلوماسية من الشعب إلى الشعب (P-P) في العلاقات الدولية.
بالنسبة للدبلوماسية الرسمية فهي التي تركز على العلاقات بين ممثلي الدول أو الجهات الفاعلة الدولية، وتعنى بإدارة العلاقات الدولية وحل النزاعات بطرق سلمية من خلال المفاوضات، كما تعتمد على وزارات الخارجية وتتطلب سرية وخصوصية عالية. بينما، تستهدف الدبلوماسية العامة الجماهير في المجتمعات الأجنبية، وتركز على التواصل مع الجماهير والمنظمات غير الحكومية والأفراد لتحقيق أهداف السياسة الخارجية بشكل أكثر عمومية وانفتاحًا.
وفقًا لروبرت كوبر، يتمثل نجاح الدبلوماسية في الانفتاح والتعاون عبر الحدود الوطنية، مما يعكس تحولات البيئة الدولية والتوسع في عدد اللاعبين الدوليين بعد العولمة والحداثة.
تختلف الآراء حول أهمية الدبلوماسية العامة، حيث يرون بعض المحللين أنها مجرد تكتيك إضافي لدعم الدبلوماسية التقليدية، بينما يرى آخرون أنها سياق لتفاعل الأمم من خلال التبادل الثقافي وتشكيل الرأي العام وتعزيز التعاون الدولي.[43]
شكل رقم ( ٣ )
Traditional diplomacy vs. public diplomac
Elena gurgu, the role of public diplomacy in international relations in full process of source: after a figure realized by Kevin Mulcahy and Harv Feigenbaum
تاريخ تطور الدبلوماسية الرياضية :-
تُصف الدبلوماسية العامة كنوع من “النبيذ القديم في زجاجة جديدة”، حيث تعود جذورها إلى العصور القديمة حيث كانت تتمثل في زراعة وترسيخ صورة الدولة، وهي مفهوم يتضمن الدعاية والنشاطات الدولية. ظهرت الدبلوماسية العامة مع بزوغ الدبلوماسية نفسها في العصور القديمة، حيث كانت ترتبط بالهيبة والبريستيج للأمراء وممثليهم، وكانت تُلزم بالضرورة الاهتمام بالرأي العام في البلدان الأخرى.
في العصور القديمة كاليونان وروما وبيزنطة، وأيضًا في عصر النهضة الإيطالية، كانت هناك فهم واهتمام بالنشاط الدبلوماسي الذي كان يهدف للتأثير على الشعوب الأخرى، كما ساهم اختراع الآلة الطابعة في تطور ملحوظ للعلاقات الدولية، حيث بدأت تأخذ شكلًا رسميًا أكثر، كما حدث مع أهالي فينيقيا في البندقية الذين اعتمدوا منهجية النشرات الإخبارية من داخل البعثات الدبلوماسية لنشرها بين شعوب الدول الأخرى.
اختراع غوتنبرغ هو الذي فتح الطريق لرواد الدبلوماسية الدولية العامة، مثل الكاردينال ريشيليو في فرنسا في بداية القرن السابع عشر، حيث قاد الفرنسيون جهودًا كبيرة لإعادة صياغة الصورة الذهنية لفرنسا بشكل يفوق أي دولة أوروبية أخرى. وبلغت الدبلوماسية العامة الفرنسية ذروتها في عصر لويس الرابع عشر الذي شهد إنشاء الهوية الوطنية لفرنسا وإظهار علامتها الوطنية بقوة.[44]
بشكل عام، تُظهر الدبلوماسية العامة استمرارية تاريخية طويلة وتطورات متعددة، حيث تعبر عن استراتيجيات قديمة مع تطورات حديثة تلبي احتياجات العصر الحديث في التواصل الدولي والتأثير العالمي.
في عهد كمال أتاتورك (1923-1938)، اهتمت تركيا بالدبلوماسية العامة بشكل كبير، حيث قام أتاتورك بتحويل وجه بلاده وهويتها، وبدأ في جهود لتثبيتها على الطراز الأوروبي. لولا جهوده، لما بدأت تركيا بالاندماج والتكامل مع أوروبا.
في بداية القرن العشرين، شهدنا تطورًا في الهويات الوطنية وبناء الأمم، وظهرت الفاشية والشيوعية التي شكلتا تحديًا مباشرًا للمجتمع الداخلي. حيث تسعى هذه الأيديولوجيات للتواصل مع الجماهير الأجنبية عبر القوى الديمقراطية، من خلال توسيع إطار أفكارها ومحاولة جذب شعوب العالم لتبني أهدافها. هذه العملية بلا شك كانت دبلوماسية عامة.
من خلال معارك القادة السياسيين، تم استهداف العقول والقلوب وزراعة الصورة المهنية خارج الحدود. من هنا بدأت أهمية “القوة الناعمة”، وهي مفهوم يظهر بوضوح في السياسة الدولية الحديثة.[45]
استخدم المصطلح “الدبلوماسية العامة” قبل هذا العام، حيث أنشأ الرئيس الأمريكي هاري ترومان (1945-1953) لجنة المعلومات الشعبية أو العامة في منتصف الحرب العالمية الأولى عام 1917، والتي كانت تهدف لإقناع العالم بنبل أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
أثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1942، أسس الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (1933-1945) خدمة المعلومات الخارجية “Foreign Information Service” التي كانت تنقل مجموعة من الأخبار الموالية للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، بهدف مواجهة الدعاية الألمانية واليابانية.
بعد الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة إلى التأثير على الشعوب الأجنبية بشكل كبير، وكانت وكالة المعلومات الأمريكية المسؤولة عن معظم أنشطة الاتصالات والمعلومات، والتي كانت تديرها المدنيون، تهدف إلى مكافحة انتشار الشيوعية والتعامل مع التحديات السوفياتية.[46]
ازداد اهتمام مصطلح الدبلوماسية العامة بشكل خاص بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لكن استخدامه بدأ في ستينيات القرن الماضي كبديل لمصطلح “بروباجاندا” الذي ارتبط سلبيًا بنظامي هتلر وستالين بعد الحربين العالميتين.
وكانت وكالة الاستعلامات الأمريكية (United States Information Agency) التي أُنشئت في عام 1953 تستخدم مصطلح الدبلوماسية العامة لوصف مهمتها في نقل المعلومات الأمريكية للشعوب الخارجية بعيدًا عن الدعاية أو البروباجاندا. كانت أهدافها تعزيز فهم وتقبل الرأي العام في الدول المختلفة للسياسات والقيم الأمريكية، وتعميق الحوار بين المواطنين الأمريكيين ونظرائهم في العالم، بالإضافة إلى زيادة فهم الحكومة الأمريكية لتوجهات الرأي العام الدولي ومواقفه من السياسة الخارجية، والتبادل الثقافي والتعليمي.
في عام 1956، تأسس معهد مورو في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استخدم إدموند جيليون مصطلح “الدبلوماسية العامة” لوصف ما سماه “البروباجاندا الصادقة”.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، شهدت وكالة المعلومات الأمريكية تقليص دورها حتى ألغيت نهائياً في عام 1999 ودمجت في وزارة الخارجية الأمريكية.
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ازداد اهتمام الولايات المتحدة بالدبلوماسية العامة، حيث أصبحت مكافحة الأيديولوجيات المتطرفة جزءاً حاسماً من حربها ضد الإرهاب. تحولت الدبلوماسية العامة إلى قضية مركزية في وزارات الخارجية في العديد من الدول بما في ذلك كندا ونيوزيلندا والأرجنتين ومنغوليا، حيث تم تطوير استراتيجياتها لتشمل العديد من الأبعاد من خلال النهج الشفاف والتعاوني عبر الحدود الوطنية.
بهذه الطريقة، أصبحت الدبلوماسية العامة أكثر من مجرد أداة في السياسة الخارجية، بل أصبحت جزءاً أساسياً منها، تعزز التعاون والشفافية بين الدول بغض النظر عن قوتها أو غناها، ممارسة من قبل الدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء، مما يظهر تطبيقها من الولايات المتحدة إلى بلجيكا، ومن النرويج إلى أثيوبيا.
في الجنوب العالمي، بدأ الاهتمام بالدبلوماسية العامة بشكل ملحوظ، على سبيل المثال في إندونيسيا بعد حادثة تفجير بالي في عام 2002، حيث أصبحت الدبلوماسية العامة أولوية قصوى وجذبت اهتمام مجلس الوزراء، وذلك لتعزيز الدفاع ضد الإرهاب وإدارة الأزمة الناجمة عن تأثيرها السلبي على قطاع السياحة الإندونيسي. كما بادرت باكستان أيضًا إلى تحسين صورتها الدولية بعد مواجهة الإهمال والتهميش خارج حدودها نتيجة لمشاكل الأمن والتطرف الإسلامي، مما أدى إلى تصنيفها كدولة مهمشة ومنبوذة.[47]
ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك”، “تويتر”، و”يوتيوب” وانتشرت بشكل واسع بين سكان العالم، وأصبحت منصات لممارسة الدبلوماسية العامة، حيث ساهمت في تعزيز التواصل والتقارب بين الحكومات والشعوب، ودعم الطابع الديمقراطي لسياساتها. استفاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما (2009-2017) من هذه المنصات كأداة لدبلوماسية العامة، حيث استخدمها في حملاته الانتخابية وفترة حكمه لتعزيز الدعم السياسي وتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية عالميًا بعد تراجعها في ولاية جورج بوش وتدهور ثقة العالم بها.
بهذه الطريقة، كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور بارز في ربط الحكومات بالجماهير العالمية وتسهيل التواصل وتبادل المعلومات، مما ساهم في تعزيز الشفافية ودعم العلاقات الدولية وتعزيز القدرات الدبلوماسية العامة للدول بمختلف قدراتها ومواقفها.
في عام 2011، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في جهود الإغاثة في اليابان بعد الزلزال الكبير والتسونامي الذي ألحق أضرارًا هائلة. لعبت منصة “تويتر” دورًا بارزًا في هذه الجهود، حيث تم استخدامها لعرض مناطق الكارثة، والتواصل مع المجتمع الدولي، وتحديد أعداد الإصابات، وطلب المساعدة، وتحديد احتياجات الضحايا. كان ذلك أساسيًا في تسهيل عمل فرق الإنقاذ المحلية واستقبال الدعم من الخارج لتقديم المساعدة والإغاثة اللازمة.
المبحث الثاني:- تأثيرات الدبلوماسية الرياضية علي فعالية السياسة الخارجية للدول ( نماذج واقعية ):-
أولاً:- الرياضة في السياسات الدولية:-
وصفت الرياضة بأنها حق من حقوق الإنسان الطبيعية، كما جاء في الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي عُقد في تونس في 23 مايو 2004، المادة 33 الفقرة 4. ينص الميثاق على ضرورة أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير اللازمة لضمان حق الأفراد في ممارسة الرياضة البدنية، خاصة الشباب.
تأسست الألعاب الأولمبية في أولمبيا، المدينة الإغريقية الشهيرة، في العام 776 قبل الميلاد. كانت الألعاب تُعقد كل أربع سنوات، وساهمت في تعزيز السلام والتفاهم بين الدول والمدن المتحاربة في ذلك الوقت. في العصر الحديث، قام البارون دي كوبرتان بوضع الخطط الأولية لإحياء الحركة الأولمبية العالمية في باريس، وضمن ذلك تأسيس اللجنة الأولمبية الدولية، اللجان الأولمبية الوطنية، والاتحادات الدولية.[48]
لم يكتف البارون دي كوبرتان بإنشاء اللجنة الأولمبية الدولية، بل قام أيضًا بوضع ألوان العلم الأولمبي التي ترمز إلى الأخوة الإنسانية وتعزيز الوئام والتقارب بين مختلف الثقافات الإنسانية. هذا يعزز المفاهيم الحضارية والإنسانية بين الشعوب.
وفي الميثاق الأولمبي الدولي، الذي بدأ العمل به في 11 سبتمبر 2000، تنص المبادئ الأساسية في الفقرة 3 على أن الفكر الأولمبي يهدف إلى تعزيز التربية الرياضية التي تسهم في التطور البشري بشكل متناسق، وتعزز المجتمعات الآمنة وتحافظ على كرامة الإنسان. وتلتزم الحركة الأولمبية بالتعاون مع منظمات أخرى لنشر السلام.
وفي الفقرة 6 من نفس الميثاق، يتم التأكيد على أن هدف الحركة الأولمبية هو المساهمة في بناء السلام من خلال الشباب الرياضي المثقف، دون أي نوع من التعصب، وفي إطار الروح الأولمبية التي تشجع التفاهم المتبادل والصداقة والتضامن واللعب النظيف.[49]
في المادة رقم 2 الفقرة 4 من الميثاق الأولمبي الدولي، يشدد على ضرورة المشاركة في الأنشطة التي تعزز نشر السلام وحفظ حقوق أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية، ويدعو إلى محاربة أي تعصب يمكن أن يؤثر سلبًا على الحركة الأولمبية.
ومع ذلك، تعكس العملية الفعلية للأولمبياد تحولًا عن المثالية، حيث أصبح الانتصار هدفًا أساسيًا بدلاً من المشاركة في حد ذاتها. هذا التحول يفضح الرياضيين لضغوط جسدية ونفسية كبيرة، مما يدل على تغير مفاهيم القيم الرياضية.
يقدم الفصل تحليلاً وأمثلة تاريخية على التداخل بين السياسة الدولية والرياضة. بوصفها “لغة عالمية”، تكون الرياضة أساسية في الدبلوماسية الشعبية، حيث تستخدم بعض الحكومات الرياضة كأداة لدبلوماسيتها الشعبية أو لمقاومة دبلوماسية الدول الأخرى التي تحاول استخدامها لأهداف سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية. على سبيل المثال، يمكن استخدام الرياضة كأداة لإثبات السيادة أو لممارسة الضغط السياسي والمناورة، بالإضافة إلى استخدامها في الصراعات التحررية ومقاومة الاستعمار والتمييز.[50]
ثانياً:- الرياضة في سياسات الدول الكبرى :-
منذ العصور اليونانية، استُخدمت الرياضة كأداة في الخلافات السياسية والفكرية، حيث قام قائد اليونان القديم جوكيس بإلقاء خطاب تاريخي خلال دورة الألعاب في عام 392 قبل الميلاد، داعيًا إلى وحدة الدويلات اليونانية لمواجهة الفرس. كانت الألعاب الأولمبية أيضًا فرصة لنشر الأفكار الثقافية، حيث كانت كل دولة ترسل وفودًا رسمية تضم القادة والنبلاء والسياسيين والكهنة والشعراء والفلاسفة، لعرض قوتها وعظمتها.
في العصر الحديث، بدأت الألعاب الرياضية تؤثر سياسيًا بشكل ملحوظ منذ انعقاد الأولمبياد الأول في أثينا عام 1896، حيث استُخدمت الرياضة كوسيلة دعائية، كما فعل بينتو اندريا موسيليني، الحاكم الفاشي لإيطاليا بين عامي 1922 و1943، عبر استضافة كأس العالم لكرة القدم في 1934 لتعزيز الحزب الفاشي.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، زاد التأثير السياسي للرياضة، حيث تجمعت الشعوب من مختلف أنحاء العالم في مناسبتين كانتا الأمم المتحدة والألعاب الأولمبية.[51]
في سياق الحرب الباردة، تطورت الألعاب الرياضية لتصبح ساحة للتنافس السياسي الدولي وأداة للسياسة الخارجية. الأمم المتحدة التي تجمع الحكومات فقط، جعلت الألعاب الأولمبية هدفاً للدول لنشر سياستها بين الشعوب. أقر اللورد كيلانين، الرئيس السابق للجنة الأولمبية الدولية (1972-1980)، بأن التداخل بين السياسة والرياضة أمر لا مفر منه.
خلال الحرب الباردة، استخدم كل من العالم الرأسمالي والشيوعي الألعاب الرياضية الدولية كوسيلة للتعبير عن الصراع الأيديولوجي. في دورة الألعاب الأولمبية في هلسنكي عام 1952، شهدنا صراعًا حادًا بين الفرق الأمريكية والسوفيتية، حيث كانت هذه الدورة أول مشاركة للاتحاد السوفييتي. بعد أن حقق السوفيتيون المرتبة الثانية، رفضت الحكومة الأمريكية الاعتراف بهذا الفوز، لكن الرأي العام الأمريكي طالب بتعزيز الاستثمار في الرياضة وإرسال فرق أقوى إلى المنافسات الدولية.[52]
هذه الأحداث دفعت الاتحاد السوفيتي لاستخدام الرياضة كأداة للدعاية لتحقيق أهدافه السياسية، ونجح في بناء صداقات دولية عبر التميز الرياضي. من جهتها، استنتجت الولايات المتحدة أن هذه التطورات تشكل تهديدًا للأمن القومي والنظام الأمريكي وقيمها.
خلال الحرب الباردة، استخدمت الدول الكبرى الرياضة كأداة للنفوذ السياسي والدعاية الإيديولوجية. حيث أرسل الاتحاد السوفييتي مدربين رياضيين إلى دول العالم الثالث لنشر الأيديولوجية الماركسية اللينينية، بينما قامت الولايات المتحدة بإرسال مدربين أيضًا لتدريب الفرق الرياضية بهدف مقاومة النفوذ السوفييتي وتعزيز الصداقات.[53]
في سياق الألعاب الأولمبية في هلسنكي عام 1952، حققت الفرق الرياضية السوفييتية نجاحات كبيرة، واستخدمت الصحافة السوفييتية هذه الانتصارات لتعزيز صورة النظام السوفييتي والدعاية للحزب الشيوعي. بالمقابل، استخدم “ماوتسي تونج” السباحة في النهر كرمز لقوة النظام الشيوعي الصيني.
بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت الولايات المتحدة والصين على “البنغ بونغ” كوسيلة غير رسمية لبناء علاقات دبلوماسية، والتي تطورت فيما بعد إلى علاقات دبلوماسية كاملة تشمل الجوانب الثقافية والتجارية والاقتصادية والتكنولوجية.
على الجانب الآخر، في عام 1976، حرمت كندا فريق تايوان من المشاركة في أولمبياد مونتريال تحت اسم “جمهورية الصين”، مما أدى إلى تأكيد الصين على شرعيتها وسعيها للحصول على الاعتراف الدولي وبناء العلاقات مع الدول الأخرى.
في عام 1976، كان التصرف الكندي متناقضًا ومختلفًا عن التأكيدات السابقة بأنه لن يتم عرقلة دخول اللاعبين والوفود الرياضية المعترف بها من قبل اللجنة الأولمبية الدولية. رغم ذلك، رفضت الحكومة الكندية الضغوط التي واجهتها من اللجنة الأولمبية الدولية والمجتمع الدولي بالسماح للوفود والفرق الرياضية الصينية بالمشاركة في أولمبياد مونتريال، مما أدى إلى فشلها في اكتساب الشرعية الجزئية للاعتراف بجمهورية الصين في ذلك الوقت عبر الرياضة.[54]
أربع سنوات لاحقًا، قاطعت الولايات المتحدة وألمانيا الغربية واليابان أولمبياد موسكو عام 1980 احتجاجًا على اجتياح الاتحاد السوفييتي لأفغانستان. ردًا على ذلك، قاطع الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه أولمبياد لوس أنجلوس في عام 1984، مما أدى إلى تقسيم العالم إلى مؤيد ومعارض، وتأثير ذلك على العلاقات الدولية والداخلية، وزيادة التوتر والكراهية بين الجماهير الرياضية والتفرقة القومية والطبقية.
بعد فشل الصين الشعبية في استضافة دورة الألعاب الأولمبية عام 2000، قدّمت الصين طلبًا للجنة الأولمبية الدولية في ديسمبر من ذلك العام. لكنها خسرت حق استضافة الألعاب بفارق صوتين بسبب المضايقات والضغوطات الأمريكية. استجابت الصين بسياسة تكتيكية مرونة، رافضة تبادل العبارات العدائية، ولكن حادث طائرة التجسس الأمريكية في عام 2001 زاد من التوتر. قامت مقاتلة صينية بإجبار الطائرة الأمريكية على الهبوط اضطراريًا في جزيرة صينية واحتجزت طاقمها.
بعد الحادثة، تعرض الرئيس الأمريكي جورج بوش لضغوط شعبية لمنع استضافة بكين لأولمبياد عام 2008. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول (2001-2005) أن إدارة بوش بدأت في إعادة دراسة موقفها بخصوص دعم استضافة بكين للألعاب الأولمبية.[55]
الحادث دفع الصين للإفراج عن طاقم الطائرة التجسس وإعادة الطائرة بعد فكها، مما سمح لبكين بالحصول على حق استضافة الألعاب بأغلبية مطلقة، وجعلها ثالث مدينة آسيوية تستضيف الألعاب الأولمبية الصيفية.
بفضل رغبتها الشديدة في استضافة الأولمبياد، اتخذت الصين موقفًا دبلوماسيًا تجاه أزمة طائرة التجسس، التي اضطرتها لإطلاق سراح الطاقم. أكدت الصين أنها رضخت لضغوط الولايات المتحدة لتجنب تعطيل استضافتها للدورة الأولمبية عام 2008، وهو ما جعل بكين تسترد الطائرة بعد تفكيكها، مما أتاح لها أن تصبح ثالث مدينة آسيوية تستضيف الألعاب الأولمبية الصيفية بأغلبية مطلقة.[56]
ثالثاً:- الرياضة والسياسة في السياق العربي:-
في السياق العربي، تبرز أمثلة عديدة على التفاعل بين السياسة والرياضة، مع تأثيرات ملموسة قديمة نسبياً، مثل مقاطعة لبنان والعراق ومصر للألعاب الأولمبية عام 1956 في ملبورن، استجابةً للعدوان الثلاثي على مصر. بالإضافة إلى سحب سويسرا وإسبانيا وهولندا من نفس الألعاب بسبب غزو الاتحاد السوفيتي للمجر سابقاً.
لا يمكن إغفال تأثيرات التوظيف السياسي للرياضة في العالم العربي، حيث تُعد السعودية وإيران نموذجين بارزين. في السعودية، تُستخدم الرياضة كوسيلة لتعزيز الهوية الوطنية وتعزيز السلطة الدولية، بينما في إيران، تُعد الرياضة أداة لتعزيز الولاء الوطني وللتأكيد على الهوية الإسلامية.
على سبيل المثال الثاني، في مصر والجزائر، تمثل الرياضة وسيلة للتعبير عن الوحدة الوطنية والهوية الوطنية، خاصة خلال البطولات الكروية المهمة مثل كأس الأمم الأفريقية، حيث تنعكس العواطف السياسية والوطنية للجماهير في المنافسات الرياضية.
هذه الأمثلة توضح كيف أصبحت الرياضة في العالم العربي أداة للتأثير السياسي والتعبير عن المواقف الوطنية والدعم للقضايا السياسية المهمة.[57]
- نموذج السعودية وإيران:-
تتسم العلاقة بين السعودية وإيران بالتوتر المستمر، خصوصاً بعد الثورة الإيرانية في عام 1979 وتأسيس نظام سياسي ديني مذهبي. شهدت العلاقات بين البلدين معاركات واحتكاكات متكررة، بما في ذلك قطع العلاقات بينهما في عام 1988 عقب حادثة مصرع حجاج إيرانيين خلال أداء فريضة الحج. استُعيدت العلاقات في عام 1991، لكنها تصاعدت مجدداً بشكل كبير بعد إعدام العالم الشيعي السعودي نمر باقر النمر في عام 2016، مما أدى إلى اقتحام السفارة السعودية في طهران وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.[58]
في السياق الرياضي، يُذكر أن أول مباراة كرة قدم بين المنتخبين السعودي والإيراني جرت في طهران عام 1975، حيث فاز منتخب إيران بثلاثة أهداف دون رد. تُعد هذه المباراة واحدة من أبرز المواجهات التي شهدتها الرياضة بين البلدين، وقد وصفت بأنها من أكثر المباريات توتراً وتنافسية، وتم تصنيفها في التقرير الصادر عن موقع “Bleacher Report” كواحدة من أكثر المباريات توتراً وسلبية سياسياً بين المنتخبات الرياضية عالمياً.
تبرز هذه الأحداث كيف أن العلاقات السياسية المتوترة بين السعودية وإيران تترك أثراً كبيراً على التفاعلات الرياضية بين البلدين، حيث تتسم المباريات بالتنافسية الشديدة والتوتر السياسي المتجدد.
كما يكشف تاريخ العلاقات الرياضية بين السعودية وإيران عن توتر مستمر، حيث جرت ما يقارب الخمس عشرة مباراة بين المنتخبين، تم وصفها جميعاً بالتوتر وعدم الود. في مثال معين، أقيمت مباراة في ملعب “أزادي” بطهران ضمن تصفيات كأس العالم 2010، وفاز المنتخب السعودي وقام بأداء “العرضة النجدية” كتعبير فلكلوري عن الفرح. فيما بعد، جبرت السلطات السعودية لاعبي نادي بيروزي الإيراني على أخذ بصماتهم بمطار الرياض عام 2011، ورفض النادي هذه الإجراءات مما تسبب في تأخيرهم لساعات.
بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران، حاولت السعودية استخدام نفوذها في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لعزل إيران رياضيًا، ودعت إلى نقل مباريات الأندية السعودية من طهران إلى دولة محايدة. ودعا الأمير عبد الرحمن بن مسعود، رئيس نادي الهلال السابق، إلى مقاطعة إيران رياضيًا ودعوة الأندية الخليجية للانضمام إلى هذه الدعوة بسبب الأوضاع الأمنية.
تاريخ العلاقات الرياضية بين السعودية وإيران يبرز تأثير النزاعات السياسية على الرياضة، حيث يتم تجسيد الصراعات السياسية والحدود الوطنية في الساحة الرياضية بشكل متكرر.[59]
- نموذج مصر والجزائر:-
ظهرت تكنولوجيا الإرسال بالأقمار الصناعية لنقل المباريات الرياضية إلى مختلف أنحاء العالم في آن واحد، مما خلق رابطة غير مباشرة بين الجماهير الرياضية ووسع من قاعدة الجماهير المهتمة بالمباريات الدولية، خاصة تلك التي تجمع بين الفرق الوطنية والأجنبية. هذا الاتصال أدى إلى أن تصبح الجماهير أكثر وعياً بأهمية تلك المباريات وربطها بالكرامة الوطنية، مما جعل الجماهير الرياضية جماهير مسيسة بشكل متزايد.[60]
مثال على ذلك كان في مباراتي مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم عام 1989، حيث شهدت المباراتان حالة من الشغب والتوتر بين الجماهير المصرية والجزائرية. هذه الأحداث أدت إلى أزمة سياسية بين البلدين، خاصة بعد تدخل الانتربول وتقديم شكاوى دولية بسبب الاعتداءات على اللاعبين الجزائريين في مصر. تم سحب القضايا بعد اعتذار رسمي من مصر، ولكن تكررت الأزمة مرة أخرى في عام 2009 بسبب أعمال الشغب بين الجماهير في التصفيات الأفريقية.
وفي هذا السياق، اتهمت وزارة الخارجية المصرية وسائل الإعلام بالتحريض واستخدام لغة الشحن الإعلامي، خاصة قناة الجزيرة، التي قدمت برنامجاً وثائقياً عن الخلافات بين مصر والجزائر، مما زاد من حدة التوتر بين الجماهير في كلا البلدين.
اليوم، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي مثل Facebook اهتماماً متزايداً بالأحداث الرياضية، حيث تعد منبراً للتعبير عن الآراء والتواصل مع اللاعبين والفرق الرياضية في جميع أنحاء العالم، مما يعزز من التفاعل الرياضي والسياسي بين الدول والجماهير.[61]
رابعاً:- الرياضة في السياسات الداخلية وحركات التحرر:-
لم يقتصر تأثير الرياضة على الساحة الدولية فحسب، بل أدرك السياسيون أهمية الرياضة في السياسات الداخلية أيضًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. مثلاً، أصبحت ملاعب كرة القدم منبرًا للمطالبة بالحقوق المجتمعية والسياسية والعمالية، وكذلك للقضايا الأيديولوجية والهوية الوطنية والعرقية. تأسست معظم الأندية في هذه المناطق وفقًا لتوجهات وميول أيديولوجية وسياسية مختلفة، بغض النظر عن مواقف المؤسسين من الاستعمار أو القومية أو الملكية.[62]
في جمهورية مصر العربية على سبيل المثال، يمتلك كلاً من النادي الأهلي ونادي الزمالك نفوذًا هائلًا. يُعتبر النادي الزمالك، بحسب الكثير من التقييمات، ممثلاً للحركات السياسية الموالية للملكية والمهادنة للاستعمار، بينما يُمثل النادي الأهلي الحركات القومية والثورية المناهضة للسياسات الاستعمارية. وصل الأمر إلى أن رأس حركة القومية العربية، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان يترأس النادي الأهلي شرفيًا.
هذه الأندية لم تكن فقط ملاعب لممارسة الرياضة، بل كانت أيضًا مراكز للنشاط السياسي والتأثير على التوجهات الاجتماعية والثقافية في مصر وخارجها.[63]
مع ظهور الدول الإفريقية والآسيوية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، ونظرًا لمحدودية الأدوات المتاحة لهذه الدول في السياسة الخارجية، خاصة الأدوات المرتبطة بالموارد، دخلت هذه الدول ساحة الألعاب الرياضية الدولية. وجدت في الألعاب الرياضية وسيلة رخيصة نسبيًا للتعبير عن سياساتها ومحاولة تنفيذها على الصعيدين الداخلي والخارجي. بالمقارنة مع الدول المتقدمة اقتصاديًا، كانت هذه الدول أكثر ميلاً إلى استخدام الرياضة كأداة للتأثير في السياسة الخارجية.
فيما يلي نموذجان لتداخل السياسة في الرياضة ومطالب حركة التحرر. أولًا، في جنوب إفريقيا، حيث استخدمت حكومة الفصل العنصري الرياضة للترويج لسياساتها العنصرية ومحاولة تبريرها عالميًا، مما أدى إلى عزل البلاد رياضيًا وسياسيًا لسنوات طويلة.
وثانيًا، حالة فريق برشلونة الإسباني، الذي أصبح مركزًا للهوية الكتالونية وحركة الانفصال عن إسبانيا. يُعتبر النادي رمزًا ثقافيًا وسياسيًا للكتالونيين، حيث يعبر عن رغبتهم في الحكم الذاتي والاستقلال عن طريق النجاحات الرياضية والتأثير الثقافي العالمي الذي يتمتع به.
هذه الأمثلة توضح كيف أصبحت الرياضة، خاصة الألعاب الرياضية الدولية، أداة قوية للتأثير في السياسات الداخلية والخارجية للدول التي تواجه تحديات في السياق الدولي.
- نموذج جنوب إفريقيا:-
قال نيلسون مانديلا، الزعيم الجنوب أفريقي، إن الرياضة يمكن أن تغير العالم وتوحد الناس وتوفر الأمل، حيث تُعتبر لغة مشتركة بين الشعوب.
في جنوب إفريقيا، شهدت الرياضة تأثيرًا كبيرًا في الحياة السياسية من خلال ثلاثة مجالات رئيسية: أولاً، على المستوى الدولي، ساهمت في مقاطعة نظام الفصل العنصري الذي كان سائدًا في البلاد. ثانيًا، على المستوى الداخلي، ساهمت في تعزيز الوحدة الوطنية وتجاوز الانقسامات العنصرية. وثالثًا، على المستوى الدولي مجددًا، أظهرت قدرة جنوب إفريقيا على استضافة كأس العالم 2010، وهو حدث دولي ناجح أظهر التقدم والتعددية في البلاد.[64]
تعرضوا سكان جنوب إفريقيا لسنوات طويلة من الاضطهادات بفعل نظام الأبارتهايد، الذي ساد لأكثر من أربعين عامًا، حيث كانت الحكومة البيضاء تسيطر سياسيًا واقتصاديًا. تم استخدام الرياضة في تلك الفترة لفصل الأعراق وتعزيز سياسة الفصل العنصري، مما أدى إلى فصل الفرق الرياضية ومنع الاختلاط بين الأعراق في البلاد وعند السفر إلى الخارج.
بهذه الطريقة، أظهرت الرياضة في جنوب إفريقيا دورًا مزدوجًا كأداة للتغيير السياسي والاجتماعي، كما ساهمت في تحقيق التقدم نحو المساواة والوحدة الوطنية، وتعزيز مكانة البلاد على الساحة الدولية من خلال استضافتها لأحداث رياضية كبرى مثل كأس العالم.[65]
خلال فترة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، كان الرياضيون السود الذين أرادوا المنافسة في البطولات الدولية يضطرون لاستخدام أسماء مستعارة وجوازات سفر مزورة، كذلك تعزز الرياضة دور نظام الفصل العنصري، حيث كانت لعبة الرجبي محتكرة للبيض، بينما كانت كرة القدم مخصصة للسود، وكان منع الاختلاط بين هاتين اللعبتين ضمن سياسات الفصل العنصري.
في جنوب أفريقيا، كانت التمييز العنصري يشمل أيضًا مجالات الرياضة، حيث كانت ملاعب السود تفتقر إلى التجهيزات الأساسية وكانت تعاني من التزاحم بسبب سياسات الفصل العنصري. كما فرضت السلطات الأفريقية قيودًا على الرياضيين السود، بما في ذلك الحاجة للحصول على تصريح للسفر للمشاركة في الأحداث الرياضية الدولية. نتيجة لسياسات الفصل العنصري والضغط الدولي، تم عزل جنوب إفريقيا ثقافيًا ورياضيًا، حيث تمت مقاطعتها من الأحداث الرياضية الدولية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا في الستينيات. في عام 1976، اتخذت 22 دولة إفريقية إجراءً أشد، حيث قاطعت الألعاب الأولمبية الصيفية احتجاجًا على تنظيم مباريات Rugby من قبل نيوزيلندا في جنوب إفريقيا، على الرغم من استمرار سياسة الفصل العنصري “الأبرتهايد” والتمييز.
نتيجة للسياسات العنصرية التي سادت في جنوب أفريقيا، تم اتخاذ إجراءات دولية لمكافحة التمييز العنصري في الرياضة. واحدة من هذه الإجراءات كانت اتفاقية الأمم المتحدة رقم 40/64 التي صدرت في ديسمبر 1985، حيث تضمنت نبذ كافة أشكال التمييز العنصري في الألعاب الرياضية، بما في ذلك الألعاب الأولمبية، وتعريف التمييز العنصري ومنع ممارسته.
بعد انتهاء نظام الفصل العنصري في عام 1994، لا تزال ترد آثاره بشكل واضح في جنوب إفريقيا، والتمييز العنصري ما زال يؤثر على عدد من الجوانب، بما في ذلك في المجال الرياضي، حيث أعلن وزير الرياضة الجنوب إفريقي عن دراسة قوانين لفرض إجراءات لتعزيز التنوع العرقي في المنتخبات الرياضية الوطنية، بهدف دمج مزيد من الرياضيين السود في هذه المنتخبات.
في الماضي، كان المدربون البيض يميلون إلى اختيار لاعبين بيض البشرة بدلاً من دمج الأعراق في الفرق، مما أدى إلى توتر بين اللاعبين السود والبيض، كذلك عبر اللاعبون ذوو البشرة السوداء عن استيائهم من تفضيل المدرب كارلوس كويرزو للاعبين ببشرة بيضاء في منتخب الرجبي.
بعد نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، استخدم الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا الرياضة لكسر الحواجز العرقية، حيث عبر مانديلا عن أمله في أن تلعب الرياضة دورًا في توحيد البلاد بعد عقود من التمييز، حيث حاول النظام السابق استغلال الرياضة لفصل الأعراق.[66]
لم يكتفِ نيلسون مانديلا بالمواقف السياسية في نضاله لإنهاء التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، بل استخدم أيضًا الأحداث الرياضية الكبرى كوسيلة للتأكيد على هذا الهدف. بعد فوزه برئاسة جنوب إفريقيا، قاد مانديلا جهودًا لتعزيز التضامن الوطني من خلال لعبة الرجبي التي كانت تفصل بين الأعراق، كما اختار الزعيم اللون الأخضر لزي الفريق كرمز للتنوع والمصالحة، وخلال مباراة مهمة، سار مانديلا في وسط الملعب مرتديًا هذا الزي، ما أثار إعجاب الجماهير البيضاء وأدى إلى هتافات تشجيعية تكريمًا له. هذه الجهود ساعدت في توحيد الفريق بين الأعراق وتحقيق الفوز بكأس العالم للرجبي عام 1995.[67]
بعد فوز جنوب إفريقيا بكأس العالم للرجبي، قدم نيلسون مانديلا كأس البطولة التي فازت بها بلاده إلى قائد المنتخب البيضاوي فرانسوا بينار. هذه اللفتة فتحت الباب أمام لاعبين من الأعراق المختلفة لدخول هذه الرياضة، وساهمت في كسر حواجز الكراهية والتفرقة بين السود والبيض.[68]
قبل مباراة الافتتاح ضد أستراليا، حل مانديلا على الملعب بمروحية ونقل تمنياته للفريق بالنجاح، مؤكدًا دعم الأمة لهم، مما كان له أثر كبير على الفريق. كما حضر مانديلا مباريات البطولة وجلس في المقصورات الأمامية مرتديًا قميص منتخب جنوب إفريقيا للرجبي، الذي طبع عليه رقم كان يحمله أثناء فترة سجنه التي استمرت 27 عامًا.
هذه الأفعال رمزية لمانديلا أكدت على التضامن الوطني والمساواة بين جميع أفراد المجتمع الجنوب أفريقي، بغض النظر عن الأعراق أو الخلفيات الثقافية.
في عام 1996، ارتدى نيلسون مانديلا قميص لاعب أبيض في منتخب جنوب إفريقيا لكرة القدم، خلال حفل تتويج الفريق بكأس أمم إفريقيا، مما يعد مشهدًا ثانيًا يؤكد على أهمية وحدة جميع سكان البلاد بغض النظر عن لون البشرة. تلك الخطوات كانت جزءًا من جهود مانديلا لتقريب الأعراق في بلد تمزقه التمييز العنصري لعقود، والتي ساهمت في إذابة جليد الانقسامات بين الأعراق.
استخدمت جنوب إفريقيا دبلوماسية الرياضة كأداة لتعزيز نفسها بعد نهاية نظام الفصل العنصري، ولإثبات ديمقراطية النظام الجديد. لعبت الرياضة دورًا مهمًا في استراتيجيات الدبلوماسية العامة التي اعتمدتها الحكومة، ما أتاح لجنوب إفريقيا استضافة أحداث رياضية كبرى مثل كأس العالم للرجبي عام 1995 وكأس الأمم الإفريقية عام 1996، مما أظهر البلاد كدولة متحدة اجتماعيًا وعرقيًا أمام العالم.
علاوة على ذلك لعب التوسيم دورًا كبيرًا في تحول جنوب إفريقيا، حيث ساهم الاستثمار الوافر في جعلها دولة قوية ذات ميزان سياسي دولي قوي، كما جذب التوسيم للاستثمارات ساهم في تعزيز المكانة الإفريقية والعالمية للبلاد، وكانت هناك محاولات جادة من حكومة جنوب إفريقيا لتطوير وتسويق البلاد من خلال الشخصيات الرياضية البارزة والإنجازات البارزة في مختلف المجالات.
فيما يتعلق بتجربة استضافة كأس العالم لكرة القدم FIFA في عام 2010، فقد كانت هذه الفعالية هي فرصة تاريخية لتوسيم القارة الإفريقية، وخاصة جوهانسبيرغ التي وضعت استراتيجيات وخططًا عملية للاستفادة القصوى من هذه الفرصة. كانت هذه الفعالية من بين أبرز الأمثلة على كيفية استخدام التوسيم لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وتحقيق التمثيل الخارجي الفعال للدولة.[69]
استفادت جنوب إفريقيا من توسيمها الوطني خلال استضافتها لكأس العالم في عام 2010، حيث ساعدت هذه الاستراتيجيات في استعادة الاستثمارات الأجنبية وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية التي تعرضت للتدهور بسبب سياسات الفصل العنصري والمقاطعة الدولية.
جذب الحدث حضورًا إعلاميًا قويًا، حيث شارك حوالي 206 طاقم تلفزيوني من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك وسائل إعلام عالمية مثل الجزيرة، بي بي سي، سكاي نيوز، وغيرها، لمدة 30 يومًا متواصلة. تمكنت البثوث العالمية من نقل صور جنوب إفريقيا بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى اهتمام كبير بالحدث، حيث حصلت جنوب إفريقيا في اليوم الأول من البطولة على اهتمام أكبر من حفل تنصيب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.
ساهمت مشاركة جنوب إفريقيا في كأس العالم في بناء توسيم إيجابي للأمة الإفريقية، حيث تم نشر صور البلاد وجعلها وجهة جذابة للسياح الجدد، مما ساهم في نفي الاعتقادات السابقة حول انتشار الجريمة والعنصرية. كما اعتمدت حكومة جنوب إفريقيا في حملاتها الإعلامية على تسليط الضوء على الحياة البرية المميزة والطبيعة الخلابة والأمان في البلاد، مما ساهم في تحويل الصورة النمطية السلبية إلى صورة إيجابية.
هذه التجربة الرياضية لجنوب إفريقيا تُعد من الأمثلة البارزة على كيفية استخدام الرياضة كوسيلة لتحقيق أهداف متعددة، بما في ذلك التحرر من أنظمة الحكم الاستبدادية والترويج للسلام والتواصل العالمي.[70]
- تجربة نادي برشلونة الإسباني:-
تشكل منطقة كاتالونيا في شمال شرق إسبانيا واحدة من المحاور العالمية المهمة في مجال الرياضة الدولية. تتألف من سبع عشرة منطقة ذات حكم ذاتي، وعاصمتها المدينة الشهيرة برشلونة. الإقليم ينقسم إلى أربع مناطق رئيسية هي “لاردة”، “جرندة”، “طراجونة”، وبرشلونة، ويضم برلمانًا مستقلاً يتألف من 135 نائبًا.
يعود الصراع الكاتالوني الإسباني إلى فترة الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من عام 1936 إلى 1939، حيث قامت مجموعة من الجنرالات بانقلاب على الحكم الشرعي في إسبانيا، بقيادة الجنرال إميليو مولا في الشمال وفرانشيسكو فرانكو في الغرب. القوميون، الذين كانوا يدعمهم الحزبان الفاشي والنازي، نازلون ضد الجمهوريين الذين كانوا يحصلون على الدعم الحربي من الاتحاد السوفيتي.[71]
كانت كاتالونيا منطقة صناعية مهمة تدعم الجمهوريين والشيوعيين الاشتراكيين المناهضين للانقلاب العسكري والقائد فرانكو. تعرضت إسبانيا في هذه الحرب لفقدان حوالي نصف مليون شخص بسبب الصراع.
بعد تولي فرانسيسكو فرانكو الحكم، قام بإخضاع إقليم كاتالونيا وسكانه بالقوة العسكرية، من خلال إلغاء المجالس المحلية وحل البرلمان الكاتالوني، وضمه للحكومة المركزية في مدريد. كما قام بمنع استخدام وتعليم اللغة الكاتالونية، وشن حملات اعتقال واستهداف للشخصيات الكاتالونية البارزة، بما في ذلك اعتقال وإعدام رئيس برشلونة، جوسيب سائيل، دون محاكمة، بسبب عدم اعترافه بالولاء للدكتاتور.
هذه الإجراءات أثارت حقد الكاتالونيين وأشعلت الصراعات، وأصبحت المباريات بين ريال مدريد وبرشلونة تحمل طابعًا تنافسيًا ووديًا في السابق، قبل أن تتحول إلى صراع يمتد إلى التاريخ والهوية واللغة، وهو ما بدأ بالظهور في فترة ما بعد الحكم الدكتاتوري في ثلاثينيات القرن الماضي.
بعدما تولى فرانسيسكو فرانكو الحكم، زادت حدة الصراع والحقد في كاتالونيا نتيجة لسياساته التي تهدف إلى إخضاع الإقليم بالقوة. كان فرانكو يعتبر نادي برشلونة الكاتالوني محرضًا على الانفصال وداعمًا لفكرة الاستقلال، بينما كان يرى نادي ريال مدريد الأندلسي ممثلاً للوحدة الوطنية.[72]
انتهاء حكم فرانكو في عام 1975 أدى إلى استعادة بعض الحقوق والحريات لكاتالونيا، مما سمح بإعادة تشكيل المجالس المحلية والبرلمان الكاتالوني. شهدت المنطقة نشوء عدة حركات، بما في ذلك حركة استقلال كاتالونيا التي تطالب بالانفصال عن إسبانيا، مشددة على الثقافة الكاتالونية والهوية الوطنية الخاصة بهم.
في 10 نوفمبر 2014، جرى استفتاء على الانفصال حيث أيد 80% من المشاركين الانفصال، على الرغم من رفض المحكمة الدستورية الإسبانية لتنظيم الاستفتاء. رفضت الحكومة الكاتالونية الحالية قرار المحكمة واعتبرته غير دستوري، ما أدى إلى تصاعد الجدل حول الاستقلال.
أظهرت دراسات أن حوالي 58% من الكاتالونيين يطالبون بالاستقلال، وقد شهدت المقاطعة دعمًا كبيرًا من ناديهم الرياضي التقليدي نادي برشلونة، الذي تأسس في عام 1899، ويمثل رمزًا للوطنية والقومية الكاتالونيتين، مساهمًا بشكل كبير في دعم القضية الكاتالونية على المستوى العالمي.
يعد نادي برشلونة من أغنى الأندية في العالم من حيث الإيرادات، وهو يشكل رمزًا بارزًا للثقافة الكاتالونية. يُنظر إليه دائمًا كالجيش الرمزي لكاتالونيا، ويتجلى ذلك في المعركة التقليدية المشهورة بينه وبين منافسه اللدود ريال مدريد، الممثل للسلطة الحاكمة في مدريد، والتي تُعرف بـ “الكلاسيكو”.
بعد استضافة برشلونة لدورة الألعاب الأولمبية في عام 1992، تحولت المدينة إلى وجهة سياحية حيوية، حيث أصبحت مليئة بالحياة الثقافية وفتحت أبوابها للثقافات من جميع أنحاء العالم.
ترفع الجماهير البرشلونية أعلام الاستقلال وتغني النشيد الوطني الكاتالوني خلال مباريات الفريق، ما يعكس رغبتها في الاستقلال عن مدريد. يُعرف النادي أيضًا بدعمه لحكم ذاتي لكاتالونيا منذ العام 1918، وقد أطلق عليه لقب “جزيرة الحرية”، نظرًا لقدرته على استخدام اللغة الكاتالونية علنًا وتعزيز ثقافتها.
في عام 2014، انضم برشلونة إلى المطالبين بإجراء استفتاء على استقلال كاتالونيا، حيث سمح بإقامة تجمعات استقلالية في ملعبه ونقل رسائل دعم للاستقلال عبر وضع علم كاتالونيا ويافطة تعلن أن “كاتالونيا ليست إسبانيا”.[73]
إن نادي برشلونة ليس مجرد نادٍ رياضي، بل يتمتع بدور سياسي مهم يعكس القومية الكاتالونية. يحمل النادي شعارًا ينص على “برشلونة … أكثر من مجرد نادي”، الذي يُفهم عادةً على أنه منفذ لحركة الاستقلال الكاتالونية. يتضح هذا من هتافات الجماهير خلال المباريات، خاصةً عند الدقيقة 17 و 14 ثانية، والتي ترمز إلى عام 1714، الذي شهد هزيمة الكتالانيين أمام الإسبان وفقدانهم للقطاع الذي كانوا يحكمونه. الجماهير المعروفة باسم Estelades لها دور بارز في تأكيد حق الكتالونيين في الاستقلال، مما يظهر في تجمعاتهم ومبارياتهم.
قد أثارت مثل هذه الهتافات جدلاً كبيرًا، كما حدث في مباراة برشلونة ضد باير ليفركوزن في دوري أبطال أوروبا، حيث رُفعت هتافات الاستقلال وأدت إلى تغريم النادي بمبلغ 40 ألف يورو من قبل الاتحاد الأوروبي. وكانت الحادثة مكررة في نهائي دوري أبطال أوروبا ضد يوفنتوس في برلين عام 2015، مما أدى إلى تغريم النادي مرة أخرى.[74]
رغم الغرامات التي فرضتها الاتحادات الرياضية، لم تثنِّ أنصار نادي برشلونة عن مطالبهم بالاستقلال عن إسبانيا، مما يؤكد أن النادي ليس مجرد مؤسسة رياضية بل له دور سياسي بارز. في إحدى المباريات ضد فريق “باتي بوريسوف” البيلاروسي في دوري أبطال أوروبا، قاموا بتوزيع 30 ألف علم خارج ملعب كامب نو تعبيرًا عن دعمهم للاستقلال. على الرغم من أن معظم أعضاء الفريق احتفظوا بالحياد في المسائل السياسية، إلا أن بعض الشخصيات الرئيسية في النادي، مثل المدرب السابق بيب جوارديولا، أعلنوا دعمهم الكامل لقضية الاستقلال. جوارديولا ظهر في شريط فيديو يدعم حملة “معًا من أجل نعم”، التي تعنى بتحقيق استقلال كاتالونيا، مما أثار اهتمام وسائل الإعلام الإسبانية والكاتالونية، مثل صحيفة “إل بونت أفوي” وموقع “سكواكا”، بموقفه القوي تجاه هذه القضية.
لتأكيد دور نادي برشلونة البارز على الصعيد السياسي، فإن مبارياته التي تُلعب في العاصمة مدريد أصبحت تشكل ضغطًا سياسيًا على حكومة مدريد، حيث يُظهر جمهور النادي دعمهم لقضية الاستقلال من خلال رفع أعلام كاتالونيا وصافرات الاستهجان أثناء عزف النشيد الوطني الإسباني، خاصةً في حضور الملك أثناء المباريات النهائية. هذا السلوك دفع الحكومة إلى حظر حمل الأعلام التي تمثل “جمهورية برشلونة”، ولجأت المنظمات الإقليمية الكاتالونية إلى دعوة الجماهير لرفع أعلام اسكتلندا كرمز للحق في إجراء استفتاء شعبي، مما يعكس رغبتهم في إجراء استفتاء مماثل حول استقلال قطاع كاتالونيا عن إسبانيا، مثلما حدث في عام 2014 مع اسكتلندا تحت لواء المملكة المتحدة.
بالرغم من ذلك، لم يتقاعس نادي برشلونة عن التعبير عن رفضه لهذه العقوبات، وأصدر بيانًا يدين قرار حكومة مدريد، معبرًا عن اعتقاده بأن مثل هذه العقوبات تنتهك الحريات الأساسية، ومؤكدًا أن الدولة الإسبانية تعاني من نقائص ديمقراطية وتنحرف عن الممارسات الديمقراطية، كل هذا يوضح أن نادي برشلونة يرتبط بشكل وثيق بالقضايا الوطنية في كاتالونيا بشكل أعمق من أي فريق آخر يمثل منطقته.[75]
الفصل الثاني
تحليل السياسة الخارجية القطرية في الفترة من 2003 إلى 2023: ( الأهداف، المحددات، والتحديات )
المبحث الأول: أدوات السياسة الخارجية القطرية والأهداف الاستراتيجية.
المطلب الأول :- أدوات السياسة الخارجية القطرية:-
يحتاج صانعو القرار السياسي إلى مجموعة متنوعة من الأدوات لتنفيذ سياساتهم الخارجية، وتختلف هذه الأدوات من دولة لأخرى تبعاً لأهدافها المرجوة، حيث تسعى كل دولة إلى استخدام الأدوات المناسبة لتحقيق استراتيجيات سياستها الخارجية. قام “هيرمان” بتصنيف أدوات السياسة الخارجية إلى ثماني أدوات رئيسية: الأدوات الدبلوماسية، الاقتصادية، العسكرية، السياسية الداخلية، الاستخبارية، العلمية والتكنولوجية، الموارد الطبيعية، والأدوات الرمزية. سنركز على دراسة ثلاث أدوات رئيسية هي: الأداة السياسية، الأداة الاقتصادية، والأداة الإعلامية، باعتبارها الأدوات الأكثر وضوحاً في السياسة الخارجية القطرية.
اعتمدت قطر على استخدام عدة أدوات لتنفيذ سياستها الخارجية الجديدة التي بدأت منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السلطة، وما زالت تواصل تحقيق أهدافها. رغم صغر مساحتها الجغرافية وضعفها الديمغرافي وافتقارها لعوامل القوة السياسية التقليدية، استطاعت قطر أن ترسم مبادئ سياستها الجديدة وتلعب دوراً قوياً في الديناميات الإقليمية والدولية. تمكنت قطر من توظيف دبلوماسيتها العامة وقنواتها الإعلامية للحفاظ على استقلالها الوطني وسيادتها السياسية من خلال بناء منظومة ردع دفاعية ناعمة، وأصبحت فيما بعد لاعباً مؤثراً في الساحة الإقليمية وحاضرة على الساحة الدولية.[76]
نوعت قطر من قنواتها الدبلوماسية وأدوات قوتها الناعمة، موجهة إياها نحو عدة أطراف ضمن إطار عملي منسجم، لتحقيق أهداف رؤية قطر 2030. تهدف هذه الرؤية إلى خلق مجتمع مزدهر يتميز بالتوازن بين الإنسان والبيئة، ويحقق العدالة الاجتماعية، مع تحويل قطر إلى دولة متقدمة بحلول عام 2030 قادرة على تحقيق التنمية المستدامة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وضمان حياة كريمة لشعبها.
كذلك اعتمدت قطر على استخدام أدوات القوة الناعمة من خلال توظيف أدوات الإقناع والمقاربة في علاقاتها الدولية، بعيداً عن أساليب الضغط والترهيب. وفي هذا السياق، احتلت قطر المركز الأول عربياً والـ30 عالمياً من بين 163 دولة في مؤشر السلام العالمي لعام 2017.[77]
أولاً: الأداة السياسية:-
تعتبر الأداة الدبلوماسية من أهم الأدوات السياسية في السياسة الخارجية القطرية، حيث يعرف الأستاذ البريطاني أرنست ساتو (Ernest Satow) الدبلوماسية بأنها “ممارسة استخدام الذكاء والخبرة في تسيير العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة وأحياناً بين حكومات الدول غير المستقلة”.
تعد الدبلوماسية إحدى أدوات حل النزاعات، حيث تعود إلى العصور القديمة وتطورت مع تطور النظم السياسية. هناك أنواع مختلفة من الدبلوماسية، تتراوح بين الدبلوماسية الرسمية التي تتم بين الحكومات والممثلين الرسميين للدول، والدبلوماسية العامة التي تهدف إلى التأثير على الشعوب لتحقيق أهداف الدول ونشر أفكارها ومعتقداتها وثقافتها، ومحاولة تشكيل رأي عام مؤيد لقضاياها. كما تطور مصطلح الدبلوماسية نتيجة لتطور العلاقات والممارسات الدبلوماسية التي انتشرت في معظم الدول الأوروبية منذ القرن الثامن عشر. وتنقسم الدبلوماسية إلى دبلوماسية رسمية ودبلوماسية عامة.[78]
- الدبلوماسية الرسمية:
تعود كلمة الدبلوماسية إلى أصول يونانية وتعني الوثيقة الرسمية، وقد استخدمها اليونانيون لحث سفرائهم على إقامة علاقات متنوعة، بما في ذلك حسن الجوار. عرفها هارولد نيكلسون بأنها “توجيه العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات، والأسلوب الذي به يدير السفراء والمبعوثون هذه العلاقات، وفن الرجل الدبلوماسي”. تعتبر الدبلوماسية إحدى أهم الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها السياسة الخارجية القطرية لتحقيق أهدافها.
تسعى قطر إلى تحقيق مكانة إقليمية طموحة من خلال الوساطة لحل النزاعات بطرق سلمية، مثلما حدث في عام 2007 عندما تم إطلاق سراح الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات الذين كانت تحتجزهم ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، لعبت قطر دورًا في حل الأزمات في لبنان وإريتريا والصومال، مما جعلها وسيطًا دوليًا مقبولاً بين الأطراف الإقليمية والدولية والوجهة الرئيسية للوساطات الدولية. [79]
تحاول قطر الحفاظ على مكانتها ومركزها كوسيط محايد يمكن الوثوق به، مع الاهتمام الكبير بتعزيز مبدأ الأمن والسلم والاستقرار بين دول المنطقة، واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. كما نجحت في بناء علاقات جديدة وآفاق متنوعة مع عدة دول مثل إيران وتركيا.
من خلال الإعلام، لعبت الدبلوماسية القطرية دورًا بارزًا في الثورات العربية بتسليط الضوء على الأنظمة الاستبدادية والشمولية. كما اتسم الأداء القطري منذ اندلاع الأزمة الخليجية في مايو 2017 بالتوازن والثقة والهدوء والواقعية.
يُعتبر انضمام الدول إلى تكتلات وأحلاف من أبرز سمات النظام الدولي الحالي. الأحلاف والتكتلات تجمع دولتين أو أكثر بهدف تحقيق مصالح مشتركة واتخاذ خط استراتيجي محدد. الفرق الرئيسي بينهما هو أن الحلف يركز على الأغراض العسكرية والسياسية ويستند إلى معاهدة دولية، بينما يهدف التكتل إلى التعاون في الشؤون السياسية والاقتصادية.
في هذا السياق، توجهت السياسة القطرية الحديثة نحو خيارات متعددة لحماية نفسها من التهديدات المحتملة. تمثلت هذه الخيارات في الارتباط بقوى إقليمية كبرى، أو اتخاذ موقف وسطي في العلاقات مع الدول، أو التحالف مع مجموعات دولية مثل حلف الناتو. مثال على ذلك هو توقيع قطر وتركيا، خلال الأزمة الخليجية، اتفاقية دفاعية أنشأت بموجبها قاعدة عسكرية تركية في قطر، ومشروع تصنيع عسكري، إلى جانب استثمارات قطرية في تركيا تتجاوز 20 مليار دولار. علاوة على ذلك، تتمتع الدوحة بعلاقة أمنية واضحة مع واشنطن كضمانة لأمنها ضد التهديدات المحتملة. كما تعتمد قطر على موازنة علاقاتها مع عدة دول، فتحتفظ بعلاقات جيدة مع تل أبيب وعلاقات عميقة مع إيران. [80]
بمعنى آخر، استفادت قطر من تناقضات النظام الإقليمي في الشرق الأوسط لحماية نفسها من الوقوع تحت هيمنة قوة إقليمية واحدة مثل السعودية أو إيران، بالإضافة إلى ذلك قامت قطر ببناء علاقات عابرة للقارات، تربط بين فرنسا وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها من الدول. ولذلك، لجأت إلى عقد اتفاقيات عسكرية وأمنية وارتبطت بمعاهدات دولية مع قوى ذات ثقل إقليمي، نظراً لعجزها عن حماية نفسها بمفردها ولتعويض الخلل في الجانب العسكري.
- الدبلوماسية العامة:
تعتمد قطر على الدبلوماسية العامة كأداة رئيسية في سياستها الخارجية. تُعرف الدبلوماسية العامة بأنها “الجهود التي تبذلها الحكومات لتنفيذ سياستها الخارجية وتعزيز مصالحها الوطنية من خلال التواصل مع شعوب البلدان الأخرى”. تظهر الدبلوماسية العامة من خلال توفير المعلومات للجماهير الأجنبية عن طريق البث والإعلام والإنترنت، وتنظيم الفعاليات الثقورية مثل برامج التبادل والمعارض الفنية والحفلات الموسيقية. يُعرفها البعض أيضاً بأنها الجهود التي ترعاها الحكومات للتواصل مع الجماعات والأفراد بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف إقناع الرأي العام الخارجي لدعم الأهداف الاستراتيجية للحكومة، كما يعود مفهوم الدبلوماسية العامة إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وظهر مفهوم الدبلوماسية الشعبية لأول مرة عام 1965، مما يجعلها مفهوماً حديثاً نسبياً في العلاقات الدولية.
تتركز أنشطة الدبلوماسية العامة على توفير المعلومات للجماهير عبر البث والإعلام والإنترنت، إضافة إلى الفعاليات الثقافية مثل المعارض الفنية والحفلات الموسيقية وبرامج التبادل. تشمل أنشطة الدبلوماسية العامة مجالات التعليم والثقافة والإعلام، وتركز على النخب السياسية والثقافية وقادة الرأي العام والمهتمين بالأحداث العالمية، كذلك تلعب الدبلوماسية العامة دوراً في تخطيط وتنفيذ سياسات الدولة.[81]
علق المفكر السياسي الأمريكي جوزيف ناي على أهمية الدبلوماسية العامة قائلاً: “إذا كانت الدول صاحبة الجيوش الأقوى هي التي تنتصر في الماضي، فإن الدول صاحبة القصة الإعلامية هي التي قد تنتصر في عصر المعلومات”. نجحت قطر في هذا المجال من خلال توظيف قناة الجزيرة، التي تعتبر صوت الشعوب ومنبر من لا منبر له، وأصبحت من أهم أدوات القوة الناعمة القطرية. هذه القناة تلعب دوراً كبيراً في نسج شبكة من العلاقات المباشرة وغير المباشرة مع الدول والأفراد ومؤسسات المجتمع المدني حول العالم، وتعتبر أداة مهمة في منظومة الدفاع عن الدولة القطرية في مواجهة الدول الأخرى.
تستخدم قطر قناة الجزيرة للتأثير في الرأي العام الإقليمي والدولي، كأداة لمواجهة أي دولة تحاول تهميش الدور القطري أو إقصائه. تهدف قطر من خلال التأثير في الرأي العام الداخلي للدول الأخرى إلى الضغط على حكوماتها لتغيير مواقفها في قضايا معينة. هذا هو دور الدبلوماسية العامة القطرية التي تلجأ إليها عندما تعجز الدبلوماسية الرسمية عن تحقيق أهدافها.
في عام 2014، استحوذت الأحداث في مصر على اهتمام واسع من الفضائيات العربية والعالمية، حيث لعبت قناة الجزيرة دوراً مؤثراً في تغطية ثورات الربيع العربي، وأخبار الثورة المصرية، وإسقاط الرئيس حسني مبارك.[82]
على الصعيد الرياضي، كانت الدولة هي المحرك الرئيسي لإدارة الرياضة وتحديد توجهاتها، خاصة فيما يتعلق بالترشح للمنافسات الرياضية الدولية. تبنت القيادة السياسية القطرية الدبلوماسية الرياضية كأحد أهم استراتيجيات سياستها الخارجية، بهدف التعريف باسم قطر في جميع أنحاء العالم وفي المحافل الدولية. تُعد الدبلوماسية الرياضية واحدة من أدوات القوة الناعمة التي راهنت عليها قطر لتأمين حمايتها. هذا النهج بدأ منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السلطة، حيث حول سياسة بلاده إلى قوة ناعمة لحماية أمنها، وتأمين مواردها من الطاقة في ظل التحديات الاستراتيجية التي تواجهها من دول أكبر جغرافياً وديمغرافياً، بالإضافة إلى وجود قطر في منطقة غير مستقرة ومضطربة.
أكد الباحث والمحلل الفرنسي باسكال يونيفاس على أهمية هذا النهج بقوله: “أن تصبح عاملاً رئيسياً في الرياضة العالمية يعني أن تصبح عاملاً رئيسياً في الدبلوماسية الدولية”.
إذا نظرنا إلى الارتباط العاطفي بالرياضة، سنجد أن العالم يتوحد في لحظات معينة بمشاعر عابرة للحدود، وهي ظاهرة تعززت بفعل العولمة التي منحت الرياضة أهمية جيوسياسية كبيرة وأكسبتها انتشاراً واسعاً. استغلت قطر هذه الظاهرة لتعزيز دورها على الساحة الدولية، وذلك من خلال فوزها في عام 2010 بحق استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، والتي تُعد من أكثر الأحداث الرياضية شعبية وأهمية على المستوى العالمي والإعلامي.
كما قامت قطر بشراء نادي باريس سان جيرمان، أحد أشهر الأندية الفرنسية، عبر مؤسسة قطر للاستثمار الرياضي. وفي خضم الحصار الخليجي على قطر، أعلن النادي عن توقيع أعلى صفقة في تاريخ كرة القدم مع النجم البرازيلي نيمار، بقيمة 222 مليون يورو، وهي خطوة وصفتها الصحف القطرية بأنها صفعة مؤلمة لدول الحصار.[83]
أطلقت قطر في عام 2003 شبكة قنوات Bein Sport، التي أصبحت لاعباً رئيسياً في الإعلام الرياضي، ليس فقط في الشرق الأوسط بل على الصعيد العالمي. أظهرت هذه الشبكة مدى التأثير الكبير لـ “الدبلوماسية الرياضية القطرية”، حيث أصبحت Bein Sport مسيطرة على سوق البث الرياضي في الشرق الأوسط، مع حقوق بث حصرية للعديد من البطولات والدوريات العالمية التي يتابعها عشرات الملايين من الجماهير، مثل بطولة كأس العالم والدوريات الأوروبية.
ثانياً: الأداة الاقتصادية:-
شهدت قطر خلال العشرين سنة الأخيرة نهضة تنموية متسارعة نقلتها إلى المركز الأول عالميًا من حيث متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذي وصل إلى 129 ألف دولار سنويًا. كما تمتلك قطر ما يقدر بنحو 335 مليار دولار من الأصول المالية في صندوق الثروة السيادي، موزعة على استثمارات بمليارات الدولارات في بنوك عالمية كبرى مثل “باركليز” و”كريدي سويس”، وتعد أكبر مساهم في شركة “فولكسفاغن” الألمانية. يدعم الصندوق كذلك الناقل الجوي الوطني، الخطوط الجوية القطرية، التي تمتلك أسطولًا كبيرًا من الطائرات يصل إلى أكثر من 150 وجهة حول العالم.
ونظرًا لثقلها الاقتصادي وإدراكها لأهمية مصادر الطاقة التي تمتلكها، لم تغفل قطر عن تعزيز مكانتها إقليميًا ودوليًا عبر توجيه ثرواتها الطبيعية لخدمة كيانها السياسي. أصبحت الاستثمارات الخارجية والمساعدات الإنسانية من أهم الأدوات الاقتصادية للسياسة الخارجية القطرية لتحقيق مصالحها. وفقًا لتقرير نشرته جريدة “أميركان كرونيكل” الأمريكية، حصلت قطر على المرتبة الأولى عالميًا من حيث الأمن والأمان، مما جعلها وجهة مفضلة لجذب الاستثمارات العالمية.[84]
تماشيًا مع هذه السياسة، أنشأت قطر في عام 2006 “مركز قطر المالي” لدعم الأنشطة الاستثمارية الكبرى في مجالات متعددة. توسعت الاستثمارات القطرية الخارجية لتشمل مشاريع في صناعات البتروكيماويات في بلدان مثل الصين وإندونيسيا، وكذلك مشاريع عقارية وسياحية في دول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا. كما استحوذت قطر على حصص في عقارات إعلامية مثل مجموعة “لاغاردير”، بالإضافة إلى استثماراتها في مجال الطاقة، حيث امتلكت حصة تبلغ 3% في شركة “توتال” العالمية للطاقة، وشركة “فينشي” للبناء، ودخولها في أسواق المال والاستثمار والخدمات المصرفية عبر عدة شراكات عالمية سواء على مستوى الدول أو الشركات.
تُظهر تزويد قطر دول العالم بالغاز مدى نجاحها في تطوير علاقات الاعتماد المتبادل مع شركائها عالميًا. تتبع قطر سياسة ذكية في تصدير كميات الغاز الوفيرة لديها، حيث تربط مجموعة من الدول الهامة حول العالم بشبكة طاقة واقتصاد. قامت قطر بتصدير أكثر من 200 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى دول مثل الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل، والأرجنتين، والصين، وكوريا، والهند، وتايوان، وبريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإيطاليا، وإسبانيا. تضم هذه القائمة أربع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، مما يعزز أهمية قطر في نظر هذه الدول وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، وقعت شركة قطر للغاز في عام 2009 اتفاقية لمدة 25 سنة لبيع 5 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال إلى شركتي China National Offshore Corporation (CNOOC) وPetroChina.
اعتمدت قطر على المساعدات الإنسانية لتعزيز مكانتها إقليميًا ودوليًا. بدون تمييز ديني أو عرقي، نشطت قطر على الساحة الدولية عبر مجموعة من المبادرات الإنسانية التي قدمتها لمناطق بعيدة عن الجوار العربي والإسلامي، مثل المساعدات الإنسانية التي قدمتها لإغاثة المتضررين من إعصار كاترينا، وتسونامي، وزلزال اليابان، وفيضانات أستراليا عام 2011. كما دعمت قطر القضية الفلسطينية، حيث قدم صندوق قطر للتنمية 150 مليون دولار كمساعدات إنسانية عاجلة للتخفيف من آثار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، و500 مليون دولار كقروض ميسرة واستثمارات لدعم لبنان. كما قدمت مشاريع اقتصادية واستثمارات وودائع بقيمة تصل إلى 55 مليار ريال قطري (حوالي 15 مليار دولار أمريكي) لدعم الاقتصاد التركي.[85]
تشكل السياحة أيضًا أداة أساسية لدعم الاقتصاد القطري. تسعى قطر لجذب أكبر عدد من السياح من خلال إبراز إمكانياتها. كما نجحت الخطوط الجوية القطرية في تحقيق إنجازات كبيرة خلال فترة وجيزة رغم المنافسة الشديدة من الدول المجاورة. أُعيد إطلاق الشركة في عام 1997، وتحولت من شركة طيران تملك عددًا قليلًا من الطائرات التي تحلق إلى 14 وجهة، إلى شركة عالمية تصل إلى أكثر من 150 وجهة. في عام 2017، صُنفت الخطوط الجوية القطرية كأفضل شركة طيران في الشرق الأوسط.
ثالثاً: الأداة الإعلامية:-
وسائل الإعلام تلعب دورًا بارزًا في إدارة وتوجيه الرأي العام، سواء داخليًا أو خارجيًا، في مختلف القضايا. تؤدي وسائل الإعلام في قطر وظائف متعددة في عملية صنع وتنفيذ السياسة الخارجية، حيث تعكس وتسيّس الأخبار بما يتناسب مع التوجهات السياسية والمصالح القطرية.
بسبب صغر حجمها وقلة عدد سكانها، تعوض قطر نقصها في القدرات العسكرية بالاستفادة من فوائض مالية كبيرة من النفط والغاز، وتوجّه هذه الإمكانيات المادية نحو التميز في مجال الإعلام. أنشأت قطر قناة الجزيرة الفضائية، التي تُعد من أبرز القنوات الإخبارية عالميًا، مشابهة لـ C.B.B و CNN، وأصبحت الجزيرة مؤسسة إعلامية مرموقة تعزز نفوذ قطر وتنفذ سياستها الخارجية.
قدّمت قطر دعمًا ماليًا لقناة الجزيرة لتعزيز نفوذها السياسي، وزيادة مكانتها الإقليمية والدولية، مما جعلها أداة رئيسية لتحقيق أهداف السياسة القطرية على المستويين الإقليمي والدولي. تعتبر قناة الجزيرة آلية لتعزيز النفوذ القطري في المنطقة، وأداة من أدوات القوة الذكية، ومنافسة لشبكة “العربية” التي تملكها السعودية.
باستخدام الإعلام بشكل متقن، نجحت قطر في تعزيز تأثيرها ونفوذها دون الحاجة إلى قوة عسكرية كبيرة، مما يبرز دور الإعلام كأداة استراتيجية فعالة في سياستها الخارجية وتحقيق مصالحها على المستوى الدولي.
تبرز قناة الجزيرة كواحدة من أبرز وسائل الإعلام في قطر، حيث شهدت تطورًا سريعًا من شبكة إعلام عربية إلى عالمية. بدأت في عام 1996 وسرعان ما اكتسبت شعبية بفضل تغطيتها الفورية والشاملة للأحداث العالمية ومساندتها للثورات العربية، ومنحت نفسها مكانة بارزة إلى جانب شبكات إعلام عالمية كبيرة مثل البي بي سي وسي إن إن. تتميز بكشفها للحقائق والأخبار المخفية ووصولها لجمهور واسع، مما أثار جدلًا ومواجهات مع أنظمة الحكم المحافظة في منطقة الخليج، حيث طالبت بإغلاقها بسبب اتهامات بالتحريض.
استثمرت قطر في قناة الجزيرة لتصبح ترسانة قوية تعزز مكانتها عالميًا، وأسست عدة قنوات تابعة منها الجزيرة الإنجليزية والجزيرة الرياضية والجزيرة للأطفال والجزيرة الوثائقية والجزيرة مباشر. كما أنشأت مراكز للدراسات والتدريب وحقوق الإنسان، وألقت الضوء على الأحداث العالمية بما في ذلك ثورة مصر من خلال قناة الجزيرة مباشر في مصر.
تمثل الإعلام الرياضي جزءاً من سياسة قطر الخارجية، حيث نجحت في استضافة كأس العالم 2022، وأنجزت صفقة رعاية مع نادي بايرن ميونخ، مما عزز العلاقات بين قطر وألمانيا.[86]
المطلب الثاني:- أهداف السياسة الخارجية القطرية:-
تتمثل سياسة الخارجية لأي دولة في تحقيق أهداف استراتيجية تعكس مصالحها الوطنية والقومية مع الدول الأخرى. يعرف الهدف السياسي الخارجي كوضع محدد يسعى القادة السياسيون لتحقيقه، ويتطلب الجهد والموارد الضرورية لتحويله من مرحلة النظرية إلى الواقعية. هذا التعريف يعكس الرغبة الملحة في تحقيق هذا الوضع المستهدف باستخدام القدرات التأثيرية المتاحة للدولة خارج حدودها الوطنية، وهو ما يساهم في تحديد البعد المعنوي للسياسة الخارجية.
في سياق السياسة الخارجية القطرية، تشمل الأهداف الوضعيات التي تسعى قطر لتحقيقها في المشهد الدولي من خلال التأثير والتفاعل مع الوحدات الدولية الأخرى. على الرغم من أن الأهداف السياسية المعلنة ليست بالضرورة هي الأهداف الحقيقية، إلا أنها ترتبط بدوافع ونوايا غير معلنة تكون جزءاً من التوجهات الدولية لقطر.[87]
تواجه الدول صعوبات في تحقيق أهدافها الخارجية بسبب عدة عوامل:
العامل الأول يتمثل في تعدد وتنوع الأهداف التي قد تكون مختلفة بحسب قوة وطبيعة الدولة، بالإضافة إلى السياق الإقليمي الذي تتواجد فيه.
العامل الثاني يتمثل في التفاوت في أهمية الأهداف بين الدول، حيث قد تكون بعض الأهداف أكثر أهمية وتأثيراً من أخرى بالنسبة لكل دولة على حدة.[88]
تنقسم أهداف السياسة الخارجية إلى أهداف استراتيجية عليا ودنيا:
أولاً:- الأهداف الاستراتيجية العليا: تشير إلى الأهداف التي يتفق عليها أو يقر بضرورة تحقيقها، بناءً على أهميتها الاستراتيجية في حماية الدولة وأمنها القومي. تعتبر هذه الأهداف غير قابلة للتفاوض عليها أو التخلي عنها، وغالباً ما تستدعي الدول الدخول في حروب أو اتخاذ إجراءات دفاعية لضمان تحقيقها وحمايتها. ومن الأهداف الاستراتيجية العليا التي تسعى سياسة قطر إلى تحقيقها وهي:
الحفاظ على استقلال الدولة وسيادتها:-
حيث تسعى قطر جاهدة للحفاظ على استقلالها الوطني وسيادتها، خاصة في ظل القيود الجغرافية والديمغرافية البالغة. لذا، اعتمدت قطر استراتيجيات متعددة لحماية كيانها السياسي والوطني. من بين هذه الاستراتيجيات، اعتمدت قطر سياسة حسن الجوار مع جيرانها، بالإضافة إلى تشكيل تحالفات إقليمية ودولية. تجدر الإشارة إلى التحالفات المعقدة مع القوى الكبرى خارج المنطقة، مثل الولايات المتحدة وإيران وتركيا، وكذلك العلاقات العسكرية المتينة مع الولايات المتحدة، التي استضافت أكبر قاعدة عسكرية لها في العالم. هذه الاستراتيجيات تهدف إلى تأمين الاستقرار السياسي والدفاع عن قطر ضد أي تهديدات تهدد أمنها القومي واستمرارية نظامها الحاكم.[89]
اعتمدت قطر مبدأ الوساطة كجزء أساسي من سياستها الخارجية، مما يساعدها على حماية استقلاليتها وتعزيز وجودها على الصعيدين الإقليمي والدولي. هذا المبدأ تجسد في دستورها لعام 2003، حيث تؤكد السياسة الخارجية القطرية على تعزيز السلم والأمن الدوليين وفض المنازعات بالطرق السلمية.
على الصعيد الثقافي، قامت قطر بجذب قادة الفكر والسياسة عبر استثمارات مثل إنشاء مراكز أبحاث عالمية في الدوحة مثل مركز بروكنجز، وتأسيس جامعات عالمية مثل جامعة تكساس إيه أند إم وكارنيجي ميلون، بالإضافة إلى إنشاء متاحف مثل متحف قطر الوطني والمتحف الإسلامي، لتعزيز التراث الثقافي والفكري ولتعكس قيم الدولة على المستوى العالمي.
تركز قطر على تعزيز الإرث الحضاري كعنصر أساسي للدفاع عن استقلاليتها وسيادتها، مما يساهم في تعزيز الشرعية والقوة الناعمة للدولة، وهو ما يعزز مكانتها ويحافظ على استقرارها على المدى البعيد.[90]
ثانياً: الأهداف الاستراتيجية الدنيا :
وهي الأهداف التي تعنى في زيادة القدرة التأثيرية للدولة وتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية وتعميم الأهداف القيمية لتكريس الهيبة والسمعة الدولية، وهي من ناحية الأولويات تأتي بعد الأهداف الاستراتيجية العليا، ومن الممكن للدولة المفاوضة أو التخلي عن جزء منها بعكس الأهداف الاستراتيجية العليا وهي غير مضطرة للدخول في حروب من أجلها، وتتمثل الأهداف الاستراتيجية الدنيا فى:
تحقيق المكانة الإقليمية والدولية:-
تهدف قطر إلى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية والبقاء في صدارة الأحداث في المنطقة، وذلك من خلال استضافة ومشاركة في أحداث دولية بارزة، مثل رئاسة قمة التنمية الاجتماعية العالمية في كوبنهاجن عام 1995 واستضافة مؤتمر منظمة التجارة العالمية عام 2001. كما نجحت في الحصول على مقعد في مجلس الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي واستضافة قمة مجموعة الـ77 عام 2005. هذه الأهداف تعكس طموحات قيادتها لتعزيز الحضور القطري في الشرق الأوسط والعالم وتعزيز دورها على الساحة الإقليمية.
نتيجة للتغيرات الواسعة في النظام العالمي بفعل التكنولوجيا والعولمة، تحدث تحولات هامة في مفهوم القوة، حيث أصبحت بعض الدول الصغيرة تمتلك نفوذًا يتجاوز حجمها الجغرافي والسكاني. على سبيل المثال، برزت قطر كلاعب صغير يزيد من قوته في مسرح عالمي كبير، رغم حجمها الصغير وقلة مواردها البشرية. تمارس قطر نفوذًا كبيرًا في الساحة الدولية وتستخدم أدوات القوة الناعمة بأشكال جديدة. كذلك ثمرت ثورات الربيع العربي في تراجع العديد من اللاعبين الإقليميين، مما فتح المجال أمام قطر لتعزيز دورها الرئيسي في المنطقة، وهو هدف أساسي من سياسة قطر. فضلاً عن تدعيم قطر مركزها من خلال دورها كوسيط دولي والحفاظ على علاقات مع مختلف الأطراف السياسية، بما في ذلك الحركات الإسلامية كطالبان، التي تثير قلقًا للغرب وتعقيدات في التعامل معها.[91]
بالإضافة إلى تسارع الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2007، مما دفع الاقتصاد العالمي نحو التحول نحو الاعتماد المتبادل. استغلت قطر هذه الفرصة لزيادة تأثيرها في المؤسسات العابرة للحدود، حيث انضمت إلى مبادرة إعادة التصميم الشامل Global Redesign Initiative التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي، إلى جانب سويسرا وسنغافورة. تهدف هذه المبادرة إلى استكشاف وجهات نظر لثماني وعشرين دولة صغيرة ومتوسطة الحجم ضمن مجموعة العشرين، وقد استضافت الدوحة قمة إعادة التصميم الشامل في عام 2010.
في العام 2008، وفي حين كانت البلدان الغربية تتبنى إجراءات تقشفية، شهد الاقتصاد القطري نموًا كبيرًا لصادرات الغاز المسال، مما أدى إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 17% سنويًا في أوج نموه. استفادت السياسة القطرية من هذا النمو القوي لإعادة تشكيل بنية النظام الدولي بطريقة مستدامة.
في عام 2009، أعرب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن رؤيته لمستقبل العلاقات الدولية، حيث أشار إلى نمو الصين والهند وروسيا، وسؤاله عما إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا ستظلان في موقع القيادة.
قرار الاستثمار في بنية الطاقة في قطر في أوائل التسعينيات أتاح للبلاد استخدام أشكال متعددة من القوة الناعمة، خاصة في المجال الاقتصادي. وقد ربطت العقود الطويلة الأجل للغاز القطري مصالح شركاء خارجيين في أمن الطاقة في عدة دول عالمية، مما أدى إلى اهتمام كبير بالأمن القطري والاستقرار الإقليمي. هذا النهج سمح لقطر بتنويع علاقاتها الدولية بشكل واسع.
منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وتأسست قوة قطر كقوة إقليمية مع انعكاسات دولية، مما جعلها واحدة من مراكز الشرق الأوسط البارزة ومساهمة فعالة في صنع القرارات الإقليمية.
تندرج قطر كدولة خليجية ضمن النظام الإقليمي، محتفظة بثوابت بيئتها الخليجية من موقعها الجغرافي والخصائص الاجتماعية والقدرات العسكرية. لكنها في الوقت نفسه تجعل من أولويات سياستها الخارجية عدم الانصياع لأي تأثير خارجي من الدول الرئيسية في الشرق الأوسط، خاصة السعودية. تبرز هذه المواقف في قرار قطر عقد قمة عربية طارئة لمناقشة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009، على الرغم من معارضة السعودية ومصر، كما أظهرت وثائق دبلوماسية أمريكية أن قطر تستخدم قناة الجزيرة كأداة مساومة في سياستها الخارجية لتحقيق أهدافها الدولية.
قرار قطر بالاستقلالية في مواجهة الخطر الاستراتيجي للأمن القومي العربي، كالبرنامج النووي الإيراني، يستند إلى معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتركز قطر على حل الخلافات بطرق سلمية. علاوة على ذلك تعد قناة الجزيرة أداة أساسية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، حيث تؤثر في الرأي العام وتساعد في تعزيز العلاقات الدبلوماسية، كما ساعدت في تقريب وجهات النظر بين قطر والسعودية عام 2007.
منطقة الخليج بشكل عام، وقطر بشكل خاص، تواجهان تحديات سكانية تتمثل أساساً في زيادة أعداد الوافدين مقارنة بالمواطنين.كما تعد هذه المشكلة من أولويات السياسة القطرية، حيث تسعى قطر إلى إيجاد حلول مناسبة كجزء من رؤية قطر 2030، بهدف تحقيق التنمية المستدامة وإدارة النمو السكاني بشكل فعال.[92]
المبحث الثاني:- محددات وتحديات تنفيذ السياسة الخارجية القطرية:-
المطلب الأول:- محددات تنفيذ السياسة الخارجية القطرية:-
تسعى كل دولة في علاقاتها الإقليمية والدولية إلى تحقيق سياسة خارجية تتناسب مع قدراتها البشرية والاقتصادية والعسكرية، بهدف أن تلعب دورًا فعالًا في منطقتها، وتؤثر بشكل أكبر في السياسة الدولية، مع المحافظة على مصالحها الوطنية وأمن أراضيها. تعتبر السياسة الخارجية انعكاسًا للسياسة الداخلية للدولة، حيث يُعرف بعض المفكرين السياسة الخارجية كمجموعة من السلوكيات التي تنبثق من الدولة وتوجهها نحو وحدات النظام الدولي، وتُعتبر من أهم مجالات العلاقات الدولية.[93]
أولاً :- المحددات الداخلية :-
هي العوامل التي تنتمي إلى نطاق الدولة نفسها، وتتعلق بتكوينها الهيكلي والجغرافي والسياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي والسكاني. تلك المحددات تسهم في تحديد أهداف وتوجهات السياسة الخارجية للدولة، وتمثل أساساً لتحديد مساراتها واختيار سياساتها في الساحة الدولية.[94]
أولاً: المحدد الجغرافي:-
المحدد الجغرافي يشمل العوامل الأساسية التي تشكل الجغرافيا السياسية للدولة، مما يؤثر مباشرة على سياساتها الخارجية، ويحدد مكانتها الدولية وقدرتها على العمل الخارجي. يساعد الموقع الاستراتيجي الدولة في تحقيق أهدافها عبر فرض نفوذها، لكنه قد يعرضها لمخاطر التدخل الأجنبي إذا لم تتوفر لها قوة عسكرية كافية للدفاع عنها. كما يؤثر الموقع الجغرافي أيضًا على العلاقات الدولية مع جيرانها، حيث يمكن أن يؤدي إلى تحسين الجوار أو تصاعد التوترات.
تستفيد قطر من موقعها الجغرافي_ بجوارها دول الخليج مثل السعودية والبحرين والإمارات، واستقرار حدودها البحرية مع إيران_ في تعزيز قوتها الاقتصادية من خلال النفط والغاز. يشكل موقع قطر الجيوستراتيجي في منطقة الخليج العربي، خصوصًا قرب مضيق هرمز، ميزة كبيرة، ولكنه يجعلها أيضًا محط اهتمام وصراع بين قوى إقليمية مثل إيران والسعودية.
ساهم ميناء حمد في قطر في تحول الاقتصاد القطري وتعزيز التجارة الخارجية، خاصة بعد الحصار الذي فرض عليها في عام 2017. ورغم صغر مساحة قطر وقلة عدد سكانها، فإنها تفتقر إلى العمق الاستراتيجي والموارد الطبيعية، مما يجعلها ضعيفة عسكريًا. لتعويض هذا الضعف، تبنت قطر سياسات متوازنة تجاه جيرانها واعتمدت على تحالفات دولية، مثل اتفاقية عام 1916 مع بريطانيا واستضافة أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، للحفاظ على استقلالها وحمايتها من الضغوط الإقليمية.[95]
ثانياً: المحدد السياسي:-
قطر إمارة ذات نظام حكم وراثي في أسرة آل ثاني، مشابهة لأنظمة الحكم في دول الخليج الأخرى، حيث يعتمد على الوراثة والنسب داخل الأسرة. يفتقر النظام إلى مشاركة شعبية في صنع القرار، وهو تقليد تاريخي في المنطقة.
منذ تنفيذ أول دستور في يونيو 2004، أصبح النظام الحاكم وراثياً دستورياً. وفق المادة الثامنة، يُورث الحكم في آل ثاني للذكور من ذرية حمد بن خليفة، وإذا لم يكن هناك ابن، يعين الأمير ولي العهد من العائلة. يحظر الدستور تشكيل الأحزاب السياسية، وقد تمت صياغته دون مناقشة عامة.
يعتمد نظام الحكم في قطر على شخصية القائد أو الأمير الحاكم. منذ تولي الأمير حمد بن خليفة ومن بعده الأمير تميم بن حمد، شهدت قطر تغييرات كبيرة وأدواراً مؤثرة إقليمياً وعالمياً، خصوصاً في حل النزاعات خلال الانتفاضات العربية.
تتبع قطر سياسة دبلوماسية نشطة وتعتمد على القوة الإعلامية والتأثير الاقتصادي. كمركز عالمي للمؤتمرات وفروع الجامعات ومراكز الأبحاث الدولية، مثل مركز بروكينغز الدوحة، أظهرت قطر قوتها الناعمة. كما تركز سياستها على الحفاظ على علاقات جيدة مع الجيران والتحالفات الإقليمية والدولية، وتعزيز مكانتها في المجتمع الدولي.
تسعى القيادة القطرية إلى تعزيز الاستقرار السياسي من خلال الإصلاحات والانفتاح السياسي والدستوري، لدعم تطلعاتها في تحقيق تأثير إقليمي ودولي قوي ومستدام.[96]
ثالثاً: المحدد الاقتصادي:-
منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم في قطر، أدرك أهمية الإدارة الاقتصادية في تعزيز قدرات البلاد وجعلها لاعباً مؤثراً في السياسة الخارجية. أسس مجلس التخطيط لوضع خطط وبرامج للتنمية في مختلف القطاعات، مما أدى إلى مرحلة من الازدهار والابتكار في الاقتصاد القطري، مع تنوع سريع في مجالات الاستثمار. بفضل هذه الاستراتيجية، نمت قطر وتقدمت إقليمياً وعالمياً.
تعود أهمية قطر إلى مواردها الطبيعية الضخمة، خاصة النفط والغاز الطبيعي المكتشف في الثلاثينيات. النفط، كسلعة استراتيجية، جعل منطقة الخليج محط أنظار القوى الدولية. اكتشف النفط في قطر لأول مرة في حقل دخان عام 1939، مما أدخل البلاد في اقتصاد يعتمد على الريع، مشابهاً لدول الخليج الأخرى.
يعتمد اقتصاد قطر بشكل رئيسي على النفط والغاز. تمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، حوالي 800 تريليون قدم مكعب، ما يمثل 14% من الاحتياطي العالمي. في 2013، بلغت إيرادات قطر من النفط 38 مليار دولار، وشكلت أرباح الغاز حوالي 49% في 2014. اكتشف أول حقل غاز في قطر عام 1971 (حقل الشمال البحري)، وبدأت تصدير الغاز الطبيعي عام 1997، لتصبح أكبر مصدر له في 2006.[97]
هذه التحولات أدت إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي من 8 مليارات دولار في 1995 إلى 200 مليار دولار في 2013. بحلول 2014، بلغ احتياطي الغاز الطبيعي لقطر حوالي 24,400 مليار متر مكعب، ممثلاً 12% من الاحتياطي العالمي و25% من حصة الأوبك في الغاز الطبيعي.
استغلت قطر ثرواتها الطبيعية لتعزيز التنوع الاقتصادي، باستثمار عائداتها في مشاريع مشتركة مع شركات أجنبية في الصناعات الثقيلة، كالحديد والصلب والبتروكيماويات. بفضل احتياطياتها الكبيرة، تلعب قطر دورًا أساسيًا في نظام إمدادات الطاقة العالمي وتوسع استثماراتها الخارجية، بقيمة تقدر بحوالي 320 مليار دولار، واحتياطيات أجنبية تبلغ 172.48 مليار دولار حتى نهاية 2018.[98]
في ظل حكم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أصبحت قطر واحدة من أكبر الاقتصادات في المنطقة، مع نمو سريع واستقرار داخلي ورفاهية للمواطنين. تُصنف وكالات التصنيف الدولية الاقتصاد القطري كأحد أسرع الاقتصادات نموًا في العالم. تقود هذه النموذجية الاقتصادية إلى استقرار داخلي ورفاهية للمواطنين، إضافة إلى احتلالها المرتبة الأولى في الأمن الغذائي بالمنطقة الخليجية. تتوقع مؤسسة البن كابيتال أن تحقق قطر الاكتفاء الذاتي في الغذاء بحلول 2030.
بعد إعلان الرباعي العربي مقاطعته لقطر في 2017، أقامت قطر علاقات اقتصادية واستراتيجية قوية مع إيران. تعتمد قطر بشكل كبير على حقل الشمال لإنتاج الغاز، الذي يمتد عبر الحدود مع إيران ويُعرف باسم حقل بارس. هذا الحقل يعتبر أكبر حقل غاز في العالم ويشكل جزءًا هامًا من الاقتصاد القطري. ردت إيران على المقاطعة بإرسال منتجات غذائية إلى قطر وفتح مجالاتها البحرية والجوية للخطوط الجوية القطرية، مع تقديم الدعم العسكري لحماية أمن قطر.
بحثت قطر أيضاً عن حلفاء جدد، حيث لعبت تركيا دورًا هامًا كشريك استراتيجي لمساعدة قطر في مواجهة التحديات التي تواجهها.
رابعاً : المحدد العسكري:-
تواجه الدول الصغيرة تحديات تهدد أمنها واستقرارها، خاصة إذا كانت محاطة بدول أكبر أو وسط صراعات كبرى. قطر تُعد مثالاً بارزاً، حيث تقع بين إيران والسعودية وتتمركز أمنياً بينهما.
تتألف القوات المسلحة القطرية من حوالي 11,800 فرد، مما يجعلها ثاني أصغر جيش في الشرق الأوسط بعد البحرين. لتعزيز أمنها، تعتمد قطر على تكامل القوة الصلبة والناعمة. حيث أبرمت اتفاقية تعاون دفاعي مع الولايات المتحدة في 1992، ما منحها مظلة حماية أمريكية قوية. كما تضم قطر أكبر قاعدتين أمريكيتين خارج الولايات المتحدة، وهما قاعدة العديد الجوية وقاعدة السيلية، مما يساعدها في الحفاظ على استقلالها وأمنها في منطقة مليئة بالتوترات.
في ديسمبر 2015، عززت قطر تعاونها العسكري مع تركيا بإقامة قاعدة عسكرية تركية على أراضيها. تم توقيع عدة اتفاقيات أمنية ودفاعية بين البلدين، بدءاً من اتفاقية التعاون الدفاعي الصناعي في 2007، واتفاقية التدريب العسكري المشترك في 2012، وصولاً إلى اتفاقية “وضع القوات” في 2014. هذه الاتفاقيات تعزز التعاون في التدريب العسكري، الصناعة الدفاعية، المناورات العسكرية المشتركة، وتمركز القوات المتبادل واستخدام الموانئ والمطارات والمجال الجوي.[99]
خامساً: المحدد التاريخي والثقافي:-
كانت قطر جزءاً من منطقة الإحساء العثمانية حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما استقلت عن البحرين عام 1868. تحت حكم آل ثاني، اعترفت بريطانيا بسيادتها، وتراوح نفوذها بين البريطانيين والعثمانيين حتى انهيار الإمبراطورية العثمانية في 1916، ثم أصبحت قطر محمية بريطانية حتى 1949. نالت استقلالها عام 1971، وشهدت تغيرات في سياساتها الخارجية بعد تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم في 1995.
قطر جزء من الثقافة الخليجية، ولها علاقات قديمة مع دول الخليج، بما في ذلك روابط قبلية. كما تواجه قطر تحديات في الحفاظ على ثقافتها الوطنية بسبب العمالة الوافدة التي تفوق السكان الأصليين، مما يثير قضايا حول التعايش الثقافي. كذلك يعكس تفاعلها الثقافي مع الدول الأخرى، بما فيها إيران، تاريخاً معقداً من العلاقات العربية الفارسية.
سادساً: المحدد السكاني:-
تلعب التركيبة السكانية دوراً مهماً في السياسة الخارجية للدول، حيث تؤثر على الاقتصاد والقوات المسلحة والمكانة الدولية. تواجه قطر تحدياً ديمغرافياً كبيراً، إذ يشكل المواطنون القطريون فقط 20% من السكان بينما يشكل الوافدون 80%. هذا التغيير بدأ مع اكتشاف النفط في 1939 وزيادة عدد الوافدين للعمل. للحفاظ على التوازن الديمغرافي، لجأت قطر إلى التجنيس وزيادة عدد المواطنين الأصليين.
بلغ عدد سكان قطر في ديسمبر 2018 نحو 2.67 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يستمر النمو السكاني حتى 2025 بفضل مشاريع التنمية واستضافة كأس العالم 2022. رغم ذلك، أدى تزايد العمالة الوافدة إلى جعل القطريين أقلية في بلدهم، مما يؤثر على الأنشطة الاقتصادية ويسبب توترات اجتماعية. ومع ذلك، يسهم الوافدون في تعزيز دور قطر دولياً في المجالات السياسية والاقتصادية.
ثانياً: المحددات الخارجية:-
تتأثر العلاقات السياسية بين الدول بالتعاون والصراع، وتلعب دوراً كبيراً في تشكيل النظام الدولي. تواجه قطر ضغوطاً إقليمية ودولية، خاصة في سياستها مع إيران وتركيا، مما يؤثر على استراتيجيتها للتنمية.
تعد العلاقات بين قطر والولايات المتحدة من أهم العوامل في سياسة قطر الخارجية، حيث تمتد لعقود منذ استقلال قطر في 1972. تعززت هذه العلاقات خلال حرب الخليج الثانية ونقل قاعدة العديد الجوية إلى قطر، مما ساعد في العمليات العسكرية الأمريكية بالمنطقة. يشتركان أيضاً في عضوية منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي.
لعبت الأحداث التاريخية دوراً مهماً في تعزيز التعاون بين قطر والولايات المتحدة، مثل دعم الولايات المتحدة لحكومة قطر بعد محاولة انقلاب 1996. في يناير 2018، تم توقيع ثلاث مذكرات تفاهم تعزز الحوار الاستراتيجي والتعاون الأمني ومكافحة الاتجار بالبشر. كما تشمل الشراكة اتفاقية لمواجهة أي تهديد خارجي لقطر، مما يؤكد التزام الولايات المتحدة بحماية سيادتها.
تعكس هذه الشراكة التقدم الذي حققته قطر في مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستثمار، وتؤكد على الثقة الكبيرة في الاقتصاد القطري ومؤسساته القوية.[100]
تُمكن سياسة “عقيدة كارتر” الولايات المتحدة من استخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها في الخليج العربي، وظهرت كرد على تهديدات الشرق الأوسط بعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان عام 1979. كما تشمل العلاقات القطرية الأمريكية تعاوناً واسعاً في المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية والسياسية.[101]
اقتصادياً، ترتبط قطر والولايات المتحدة بعلاقات تجارية واستثمارية قوية، تشمل توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية عديدة. الولايات المتحدة تعد مورداً رئيسياً لمعدات قطاعي الغاز والنفط في قطر، وتستضيف أكثر من 120 شركة أمريكية تساهم في تطوير هذه القطاعات. أعلنت قطر عن خطة لاستثمار 45 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي.
عسكرياً، تسعى قطر لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة من خلال توسيع قاعدة العديد الجوية واستضافة القوات البحرية الأمريكية، كما هو مذكور في رؤية قطر 2040 العسكرية.
تواجه قطر تحديات دبلوماسية بسبب سياساتها تجاه الولايات المتحدة وإيران، خاصة في ظل التوترات الأمريكية الإيرانية المتصاعدة منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. عاد التوتر مع تولي الرئيس ترامب السلطة، حيث اتخذت الإدارة موقفاً عدائياً تجاه إيران، واصفة إياها بالنظام المتطرف وراعية الإرهاب، ورفضت الاتفاق النووي لعام 2015، وفرضت حظراً على دخول مواطني سبع دول إسلامية، بما فيها إيران، بالإضافة إلى فرض عقوبات بسبب النشاطات العسكرية والبرنامج الصاروخي الإيراني.
تعتبر العلاقات بين قطر وإيران موضوعاً معقداً نظراً لتوترات العلاقات الإقليمية بين دول الخليج، خاصة مع السعودية، وإيران. والولايات المتحدة، المتحالفة مع قطر والتى تواجه توترات مع إيران، تشعر بقلق بشأن أي تقارب بين قطر وإيران، معتبرة ذلك تهديداً للأمن الإقليمي.
كذلك شملت السياسات الإيرانية المتعددة تشمل التدخلات في النزاعات الإقليمية، مما يعزز من التوترات والصراعات في المنطقة، ويؤثر على الأمن الإقليمي والعالمي، خاصة في الممرات المائية الحيوية.
قبل الأزمة الخليجية في 2017، زار الرئيس الأمريكي ترامب عدة دول خليجية بما في ذلك السعودية، مما أثار تكهنات بدعم أمريكي للسعودية وتوتر العلاقات مع قطر وإيران. بالإضافة إلى ذلك حظي الحصار الذي فرضته مصر والسعودية والإمارات والبحرين على قطر بدعم من ترامب على الرغم من الصفقات الأمريكية مع قطر مثل شراء الطائرات F15.
كما تواجه العلاقات بين قطر وتركيا تحديات بسبب تزايد نفوذ تركيا في المنطقة ودعمها القوي لقطر خلال الأزمة الخليجية، مما قد يؤدي إلى توترات إضافية مع الولايات المتحدة بسبب الرؤى المتباينة بين البلدين بخصوص الملفات مثل دعم الكرد في سوريا والعراق.
في عام 2017، زادت التوترات في المنطقة، مما أدى لتعزيز نفوذ إيران على حساب انحسار النفوذ التركي. حي ثتفضل تركيا حل النزاعات دبلوماسيًا على الصعيد العسكري، على الرغم من امتلاكها أوراق ضغط متعددة. فضلاً عن دعم تركيا قطر أثناء الحصار وتعززت علاقاتها مع إيران، مما يعزز التعاون بين الأطراف الثلاثة ويسهم في تخفيف الضغوط السلبية.
بالإضافة إلى تدهور العلاقات الأمريكية التركية بسبب تصرفات إدارة أوباما وترامب، برغم عضوية تركيا في الناتو ومساهمتها العسكرية البارزة. الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا تصاعد بسبب القس برونسون وأدى إلى تدهور الليرة التركية، ولكن تظل العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة قائمة.[102]
وأخيراً تحاولان تركيا وقطر تعزيز العلاقات رغم التوتر مع الدول الخليجية، مما يعكس استعداد تركيا لدعم قطر وتوفير الحماية العسكرية.
المطلب الثاني:- تحديات السياسة الخارجية القطرية:-
تواجه السياسة الخارجية القطرية تحديات متعددة نابعة من عوامل داخلية وخارجية. رغم أن عملية وضع السياسة الخارجية لأي دولة تتأثر بالعوامل الدولية والداخلية، إلا أن قطر تبرز بمزايا قوية في الجوانب الاقتصادية، الإعلامية والقيادية، مما يشكل أساساً قوياً لسياستها الخارجية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي تشمل الظروف الداخلية والخارجية التي تؤثر على صياغة وتنفيذ هذه السياسة ومن هذه العوامل:
أولاً: التحدي الديمغرافي:-
تتسم دولة قطر بقلة عدد السكان، حيث يبلغ إجمالي عدد السكان حوالي ٢.٦ مليون نسمة حتى سبتمبر ٢٠١٧، وتشكل الوافدون نسبة ٨٥٪ من السكان الإجمالي، ما يشكل تحدياً كبيراً للسياسة الخارجية القطرية. التحدي الرئيسي الناتج عن العمالة الوافدة يمكن تلخيصه بكلمة واحدة: “التدويل”.
- الصورة الخارجية للدولة
في قطر، يواجه العمال الوافدون تحديات كبيرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، خاصة في مجالات العمالة المنزلية ومشاريع البنية التحتية. تتلخص هذه التحديات في انتقادات دولية لانتهاكات محتملة، نتيجة لقصور في سياسات استقدام العمال ونظام تنظيم أوضاعهم الداخلية، مما يعرضهم للاستغلال. على الرغم من الإصلاحات مثل إلغاء نظام الكفالة في عام ٢٠١٦، لا تزال هناك انتقادات دولية لعدم كفاية هذه الإصلاحات في تحقيق التزامات قطر نحو حقوق الإنسان.
في عام ٢٠١٧، طالبت دول الحصار على قطر بسحب تنظيم كأس العالم ٢٠٢٢ منها، معتبرين قطر قاعدة للإرهاب، وذلك استناداً إلى مواد في ميثاق الفيفا التي تسمح بسحب التنظيم في حالات استثنائية.[103]
(2) الأوضاع المستقبلية للعمالة الوافدة:
الأوضاع الحالية للعمالة الوافدة تمثل خطراً مستقبلياً يجب الانتباه إليه، كما حذرت التقارير المختلفة التي تناولت هذا الموضوع، بما في ذلك التقارير الأجنبية. حيث يكمن الخطر في تسلط جنسيات معينة، خصوصاً من الجنسيات الآسيوية، على العمالة الوافدة في قطر واستقرارهم هناك لفترات غير محددة، مما قد يدفعهم في المستقبل إلى المطالبة بحقوق مواطنية واقتصادية واجتماعية في الدولة، في هذه الحالة، يمكن أن يحصلوا على دعم سياسي من بلدانهم الأصلية، وربما دعم دولي من منظمات حقوق الإنسان وأطراف أخرى.[104]
ثانياً: التحدي الجيوسياسي:-
الجيوسياسية أو الجيوبوليتيك هو مصطلح يدرس تأثير العوامل الجغرافية على السياسة. يتم تحليل كيف يؤثر الموقع الجغرافي، بما في ذلك الأراضي البرية والبحرية، الجبال، الأنهار، والموارد الطبيعية، على السياسة وكيفية استغلال هذه العوامل لتحقيق أهداف سياسية.
تتميز قطر بموقع جغرافي هام داخل مياه الخليج العربي، مما يمنحها ميزة استراتيجية عسكرية. ومع ذلك، بسبب التحديات المتعلقة بالسكان والمساحة، يتعين على صانعي القرار السياسيين في قطر اتخاذ استراتيجيات محددة تجاه السياسات الجغرافية. علاوة على ذلك تُظهر سياسة قطر الخارجية جهوداً لتحقيق توازن في التعامل مع القوى السياسية الكبرى في المنطقة مثل السعودية وإيران.
تربط قطر بحدود برية تمتد على 60 كيلومتراً مع السعودية، وهذه الحدود شهدت توترات تاريخية تؤثر على العلاقات بين البلدين. كما أن الحدود بين السعودية وقطر تُعتبر نقطة ضغط سياسي حيث استخدمت السعودية هذه الحدود لتحقيق مكاسب سياسية، بما في ذلك إغلاق المنفذ البري ومنع الحركة من وإلى قطر.
نجحت قطر، برغم ساحلها البحري الضيق الذي يبلغ 550 كيلومتر، في التعامل مع الضغوط السعودية من خلال استخدام الموانئ البحرية للتواصل مع العالم الخارجي. كذلك تجاور قطر إيران، الذي تشترك معها في إدارة أكبر حقل غازي في العالم، مما يجعل من التوازن بين علاقاتها مع السعودية وإيران ضرورة ملحة.
كما تسعى السعودية لتشكيل تحالفات لدعم أهدافها السياسية، وتؤيد مواجهة مشتركة ضد التأثير الإيراني، بينما تواجه تحديات من التيارات السنية الداخلية. بالمقابل، تفضل قطر التحالف مع الجانب العربي بقيادة السعودية ضد إيران، مع استعدادها للقطيعة إذا فعلت دول الخليج الأخرى الشيء ذاته.
بهذا، تعمل قطر على البقاء محايدة بين السعودية وإيران من خلال تعزيز الحوار والتعاون بناءً على المصالح المشتركة، مما يجعل سياستها الخارجية تحديًا في ظل التوترات الإقليمية.[105]
الفصل الثالث
تأثير الدبلوماسية الرياضية على فاعلية السياسة الخارجية القطرية ( 2003- 2023 )
في العقدين الماضيين، برزت قطر كقوة بارزة في الساحة الدولية بفضل استراتيجيتها الفعّالة في استخدام الدبلوماسية الرياضية لتعزيز سياستها الخارجية. من خلال استضافة وتنظيم مجموعة متنوعة من الأحداث الرياضية العالمية مثل كأس العالم لكرة القدم 2022، كما سعت قطر إلى تعزيز صورتها الدولية، وبناء علاقات دبلوماسية جديدة، وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي. يستكشف هذا الفصل تأثير هذه الدبلوماسية الرياضية على فاعلية السياسة الخارجية القطرية خلال الفترة من 2003 إلى 2023، والبحث في كيفية تسخير الرياضة كأداة لتعزيز مكانتها على المسرح العالمي.
المبحث الأول:- أهداف دبلوماسية قطر الرياضية والأدوات المسخرة لتحقيق غاياتها:-
تعتبر قطر من الدول الرائدة في مجال الدبلوماسية الرياضية، حيث اعتمدت على الرياضة كوسيلة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية على الصعيد الدولي. من خلال استثمارها الضخم في البنية التحتية الرياضية واستضافة الفعاليات الكبرى، تسعى قطر إلى تعزيز مكانتها العالمية وإبراز قدراتها المتقدمة في التنظيم والإدارة. تعد بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 أبرز مثال على ذلك، حيث استثمرت الدولة مليارات الدولارات في تطوير الملاعب، وتحسين شبكات النقل، وتحديث المرافق العامة.
تسعى قطر من خلال هذه المبادرات إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية. أولاً، تعزيز العلاقات الدولية من خلال الرياضة، حيث توفر هذه الفعاليات منصة للتفاعل والتواصل بين الدول والشعوب، مما يسهم في بناء شراكات جديدة وتعزيز التعاون القائم. ثانيًا، تهدف قطر إلى الحصول على مكانة مرموقة على الساحة الدولية، ليس فقط كدولة مضيفة للأحداث الرياضية، بل أيضًا كدولة مؤثرة وقادرة على تحقيق إنجازات كبيرة. وأخيرًا، تسعى قطر إلى بناء صورة إيجابية ومتميزة، تعكس قيمها الثقافية والإنسانية، وتجذب الاستثمارات والسياح.
يتضح من هذه الاستراتيجية أن الرياضة بالنسبة لقطر ليست مجرد نشاط ترفيهي أو تنافسي، بل هي أداة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز القوة الناعمة للدولة. إن استضافة الأحداث الرياضية الكبرى تتيح لقطر فرصة للترويج لذاتها كدولة حديثة ومزدهرة، قادرة على استضافة العالم بأسره في أجواء من الفخامة والتنظيم المتقن. بهذه الطريقة، تساهم الدبلوماسية الرياضية في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، التي تهدف إلى تحويل الدولة إلى مجتمع متقدم ومزدهر على جميع الأصعدة.[106]
شكل يوضح أهداف دبلوماسية قطر الرياضية والأدوات المسخرة لتحقيق غاياتها
المصدر:- كمال حميدو، الإعلام والرياضة كأداتين لبناء السمة الوطنية والتسويق لها: الاستراتيجية القَطرية نموذجًا، مجلة
السياسات العربية، العدد 57 المجلد – 10 ، يوليو 2022
أولاً:- بناء صورة الدولة والترويج لها:-
تعد سمعة الدولة من العوامل الرئيسية المؤثرة على علاقاتها الدولية، حيث تمثل صورة الدولة في أعين العالم وتؤثر على مدى قبولها وتفاعلها مع الدول الأخرى. من خلال دبلوماسية الرياضة، يمكن للدول تحقيق فوائد متعددة، مثل تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وتحسين الصورة العامة للدولة على الصعيد العالمي، وتعزيز التفاهم والتعاون بين الشعوب والدول. بناءً على ذلك، يمكن القول إن دبلوماسية الرياضة تعد أداة فعالة لتحقيق الأهداف الدبلوماسية وتعزيز سمعة الدولة عالمياً. يهدف هذا التحليل إلى توضيح العلاقة بين دبلوماسية الرياضة وسمعة الدولة، وكيف تسهم دبلوماسية الرياضة في تحسين صورة الدولة في المجتمع الدولي.
تشير سمعة الدولة إلى “الصورة أو الإدراك العام” الذي تتمتع به الدولة في عيون المجتمع الدولي. تُعد هذه الصورة عاملاً مهماً في تحديد سلوك الدولة وموقفها في العلاقات الدولية. كما يركز مفهوم سمعة الدولة على كيفية تأثير العوامل المختلفة، مثل السياسة الخارجية، التجارة، والأحداث الدولية، على سمعة الدولة، وكيفية تفسير هذه السمعة واستخدامها في العلاقات الدولية. كذلك يعتقد العديد من الخبراء في العلاقات الدولية أن السمعة تعد محركاً هاماً للعلاقات بين الدول، وأن الدول ذات السمعة الجيدة تحظى بمزيد من الاحترام والتأثير في المجتمع الدولي.[107]
تؤثر عدة عوامل على سمعة الدولة، من بينها الرياضة، التي تعتبر عاملاً مهماً في تحديد سمعة الدولة. حيث تُستخدم الرياضة كوسيلة لتحقيق الأهداف الدبلوماسية وتعزيز العلاقات الدولية. يتم تقييم سمعة الدول بناءً على إنجازاتها الرياضية عبر التاريخ. ومن الأمثلة على هذه الدول: الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، روسيا، والبرازيل، كل منها تتميز في رياضات مختلفة.
هناك ارتباط وثيق بين سمعة الدولة ودبلوماسية الرياضة، حيث يركز كلاهما بشكل رئيسي على التأثير. تؤثر دبلوماسية الرياضة على الجمهور الدولي لتحقيق أجندة الدولة الخارجية أو لتغيير الصورة الذهنية وتحسين مستوى العلاقات على المدى المتوسط والطويل. لذا، تتنافس الدول على استضافة أو المشاركة في الأحداث الرياضية الدولية لتعزيز علاقاتها الدولية أو للتقارب مع دول أخرى وكسب ودها.[108]
على سبيل المثال، جذبت استضافة جنوب أفريقيا لكأس العالم لكرة القدم في عام 2010 الانتباه العالمي وأثارت الاهتمام بجنوب أفريقيا كدولة ذات ثقافة غنية وأسلوب حياة متطور. ساعد هذا الحدث على تعزيز السياحة والاستثمارات في الدولة. كذلك، استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من الأحداث الرياضية الدولية، مثل بطولة العالم للجولف وكأس العالم للأندية لكرة القدم. تساهم هذه الأحداث في تعزيز الصورة الإيجابية للدولة وتحقيق فوائد اقتصادية وسياحية. كما تستثمر دول مثل الإمارات بشكل كبير في الرياضة، وتوفر الدعم المالي والموارد اللازمة لرياضييها.
تنعكس دبلوماسية الرياضة بشكل مباشر على سمعة الدولة، وتنتج العديد من الآثار المهمة. كذلك تسهم دبلوماسية الرياضة في تعزيز سمعة الدولة من خلال نشر الثقافة والتراث الوطني في المجتمع الدولي، مما يعزز التفاهم والاحترام المتبادل بين الدول والثقافات المختلفة، كما حدث في مونديال قطر 2022. كما تساعد دبلوماسية الرياضة على تعزيز العلاقات والتعاون بين الدول في مجالات متنوعة، مثل التعاون الرياضي والاجتماعي والثقافي والتنموي، مما يساهم في تعزيز السلام والاستقرار في المجتمع الدولي. بالإضافة إلى ذلك، تعزز دبلوماسية الرياضة الوعي البيئي في المجتمع الدولي، مما يساعد في تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. تسهم دبلوماسية الرياضة أيضًا في بناء سمعة الدولة بطرق متعددة، منها تعزيز السياحة عبر جذب المزيد من الزوار إلى الدولة التي تستضيف الأحداث الرياضية الكبرى مثل بطولات كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية. كما تعزز الفرص الاستثمارية، حيث تجذب الرياضة الاهتمام العالمي وتخلق فرصًا للأعمال والاستثمارات. تسهم كذلك في تعزيز العلامة التجارية للدولة وزيادة شهرتها عالميًا، وتخلق الأحداث الرياضية فرص عمل جديدة وتحفز الاستثمارات.[109]
الرياضة كأداة لتحسين سمعة الدولة:-
ظهر اهتمام متزايد بدبلوماسية الرياضة نتيجة التغيرات التي شهدتها البيئة الدبلوماسية، مما دفع الدبلوماسية إلى التكيف وتجربة أساليب جديدة. بعد نهاية حقبة الحرب الباردة، زاد اهتمام الحكومات بدبلوماسية الرياضة باعتبارها وسيلة غير مباشرة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، واستخدمت كأداة لخلق صورة جذابة للدولة أمام الجماهير الأجنبية. في القرن الحالي، أصبحت دبلوماسية الرياضة أداة قوية في السياسة الخارجية لجذب الجمهور وتعزيز التبادلات الثقافية والرياضية كوسائل للتفاهم والتقارب بين الدول. يُعتبر التبادل الرياضي والثقافي من أساليب القوة الناعمة التي تتبناها الدول في علاقاتها الخارجية، والتي تلعب دوراً مهماً في بناء الجسور بين الثقافات والمجتمعات المختلفة.[110]
الرياضة وتوسيم الأمة:-
تهدف نظرية توسيم الأمة إلى جعل الدولة المصدرة مصدر ثقة، مما يعزز سمعتها في تصدير المنتجات والخدمات والأفكار، وكذلك الثقافة والعنصر البشري، بالإضافة إلى جذب الاستثمار والمواهب والسياحة. لذلك، من المهم أن تعرف الحكومات كيفية إنشاء هذه السمعة الطيبة التي تساهم في بناء روابط دولية قوية بين الدول التي تستخدم التوسيم والدول الأخرى.
اعتمدت قطر على الرياضة كبعد أساسي في استراتيجيتها لبناء الصورة الذهنية، وذلك كجزء من سياستها الخارجية لتعريف العالم بها وتعزيز مكانتها في المحافل الدولية. كانت القيادة السياسية في قطر هي الموجه الرئيسي لاعتماد الرياضة كأداة لبناء هذه الصورة الذهنية. كما حددت القيادة توجهاتها العريضة فيما يتعلق بالترشيح للمنافسات الرياضية الدولية، واستثمرت في الدبلوماسية الرياضية من خلال رعاية المنافسات والأندية المحلية والدولية لتحقيق أهداف بعيدة المدى، مثل التنوع الاقتصادي وإبراز دور النساء في المجتمع القطري المحافظ.[111]
رغم صغر مساحة دولة قطر وقلة عدد سكانها، إلا أنها حصلت على استقلالها في عام 1971. وتهدف الاستراتيجية القطرية، وفقًا لإعلان الرؤية الوطنية لعام 2008، إلى تحويل قطر بحلول عام 2030 إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وتأمين العيش الكريم لشعبها جيلاً بعد جيل.
تمثل قطر نموذجًا نادرًا في التطبيق العملي لنظرية توسيم الأمة ومبادئها وظروفها النموذجية. تستخدم قطر الواجهة السياسية لكسب المزيد من التأييد في الساحة الدولية من خلال الدبلوماسية العامة والسمة الوطنية. تتوافق هاتان الاستراتيجيتان من حيث أنهما مبنيتان على التخصص؛ فالأمة تبني سمتها الوطنية وتستخدم الدبلوماسية العامة لنشر هذه السمة عالميًا.[112]
بالنسبة لدولة صغيرة مثل قطر، توظف الدبلوماسية العامة وقنواتها والسمة الوطنية وعناصرها لتحقيق التواجد في الساحة الدولية وإنشاء منظومة دفاعية. يمثل النموذج الذي تقدمه قطر في الدبلوماسية العامة من خلال النشاط الناعم في المجتمع العالمي دور الوسيط في الصراعات الإقليمية، مما يتيح لها جني مكاسب دبلوماسية تعزز دورها في إقليم مليء بالاضطرابات. وقد برزت الدوحة كوسيط مميز للعديد من الصراعات الإقليمية، مما منحها تأثيرًا دبلوماسيًا يتجاوز حجمها الجغرافي وعدد سكانها.
تستخدم قطر سماتها الوطنية من خلال عدة ركائز تضفي عليها القوة. تشمل هذه الركائز العلاقات الحيوية مع اللاعبين السياسيين على المستويات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، إلى جانب قوتها الاقتصادية، إذ تعد من أغنى دول العالم بالنسبة لحجمها. تعتمد قطر أيضًا على الإعلام من خلال شبكة الجزيرة التي ساهمت في تعزيز حضورها في العديد من القضايا. [113]
تستخدم قطر أيضًا الواجهة الرياضية لتسويق نفسها كأمة متميزة، وقد توجت جهودها باستضافة بطولة كأس العالم عام 2022، كأول بلد عربي وإسلامي ينال هذا الشرف. ومهدت لهذه الاستضافة بعد تحقيق عدة إنجازات رياضية سابقة، مثل استضافة دورة الألعاب الآسيوية عام 2006، وتنظيم جائزة قطر للجولف، وبطولة قطر للتنس، وبطولة قطر للإسكواش.
نفذت قطر عددًا من مشاريع البنية التحتية الرياضية وأنشأت مرافق رياضية مثل أكاديمية التفوق الرياضي “سباير”، التي تؤهل مواهب رياضية على مستوى عالمي بفضل خبراء ومدربين مختصين من مختلف دول العالم. دعمت قطر ملف كأس العالم بالاستحواذ على حقوق بث مباريات البطولتين لكأس العالم 2010-2014 من شركة “إيه آر تي”، وأصبحت شبكة الجزيرة تمتلك حقوق بث معظم الدوريات والبطولات الأوروبية، ما يوفر لها ملايين المشاهدين عبر العالم.
كان ملف كأس العالم الأبرز في الواجهة الرياضية لأنه نقل المجهود القطري للعالم، وأتاح للسمات الوطنية القطرية مساحة غير مسبوقة، ما ساعدها على الترشح لاستضافة البطولة. وقد اعتمدت الاستراتيجية القطرية لتكوين سمة وطنية على عناصر القوة وتغلبت على عناصر الضعف مثل المناخ الحار من خلال صياغة صورة ذهنية “باردة” لقطر. ركزت المواد البصرية على لقطات البحر والشاطئ والأنشطة الرياضية المائية والأشجار والرايات المتطايرة في الهواء، كما استخدمت الألوان الزاهية والباردة في المواد الإعلامية، وقدمت ملفًا لمنشآت رياضية عصرية مجهزة بمكيفات لتلطيف درجة حرارة الملاعب والمدرجات.
قدّمت قطر ملفها لاستضافة كأس العالم بتركيز على سمات الهوية الوطنية، حيث أظهرت مشاعر الشعب القطري تجاه كرة القدم ورغبته في استضافة البطولة العالمية، مبرزة حسن الضيافة العربية التقليدية. استخدم الملف صياغة تصويرية تصف قطر بأنها “باردة الطقس دافئة المشاعر”.
فضلاً عن ذلك، قامت مؤسسة قطر غير الربحية بتوقيع عقد رعاية مهم مع نادي برشلونة الإسباني، مما يعكس استراتيجية قطر في تعزيز وجودها العالمي ونقل الخبرات. وفي ظل التحليلات، يُعزى اختيار قطر للدبلوماسية الرياضية إلى رغبتها في تعزيز دورها الإقليمي والدولي واستخدام القوة الناعمة لإقامة صورة إيجابية تعزز أمنها السياسي.[114]
بهذه الطريقة، أصبحت قطر لاعبًا دوليًا بارزًا رغم صغر مساحتها وعدد سكانها، حيث تلعب دورًا رئيسيًا في الساحة الرياضية العالمية وتعتمد استراتيجيات دبلوماسية تعزز مكانتها الدولية بشكل فعّال.
تستند الدبلوماسية الرياضية القطرية إلى استراتيجية تواصل مرتبطة بالرياضة، مما يساعدها على بناء هوية وطنية قائمة على القيم الرياضية والاستقلالية. تتجنب قطر التورط المباشر بالسياسة من خلال استخدام الرياضة، ما يسمح لها بتعزيز صورة إيجابية والابتعاد عن الصراعات السياسية المحيطة بها.[115]
مع ذلك، تتعرض الدبلوماسية الرياضية لقطر لتحديات إعلامية تستدعي التطور والاستجابة السريعة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا المثيرة للجدل مثل التجنيس للاعبين الأجانب في الفرق الرياضية. على سبيل المثال، أثار تجنيس عدد كبير من اللاعبين الأجانب في منتخب كرة اليد القطري جدلاً واسعاً، مما أدى إلى تصريحات ساخرة من الإعلام الدولي وانتقادات من السلطات الرياضية.
يُعتبر النظام العالمي للرياضة بمثابة نظام اتصال محايد يعتمد على الشفافية والديمقراطية والعدالة، وهو ما يشكل تحدياً للدول التي تسعى لاستخدام الرياضة كأداة للدبلوماسية بمستوى عالٍ من الفعالية والنجاح.[116]
بينما استثمرت قطر بشكل كبير في الدبلوماسية الرياضية، بما في ذلك شراء نيمار من برشلونة وتنظيم كأس العالم 2022، تكبّدت تبعات سلبية. رغم التركيز على تحقيق نجاح رياضي وتعزيز الهوية الوطنية، وجدت قطر نفسها في مواجهة انتقادات حادة، خاصة من الأندية الأوروبية الكبرى التي اعتبرت الصفقات مثل تلك مع باريس سان جيرمان إهانة.
مع ذلك، فإن تنظيم كأس العالم 2022 يمثل تحديًا كبيرًا، حيث أن الاستثمارات في البنية التحتية الضخمة تزامنت مع تكاليف مالية هائلة تفوق 200 مليار دولار. على الرغم من التكاليف الفلكية، فإن الجهود الرامية إلى إبراز قطر كمنظم مثالي للحدث الرياضي الكبير تتعرض لتهديدات بسبب الانتقادات التي تتعرض لها الدولة بسبب سياساتها واستراتيجياتها المالية.
بشكل عام، يبرز التناقض بين الجهود الدبلوماسية الرياضية الطموحة لقطر وبين التحديات العديدة التي تواجهها، مما يجعلها تواجه توترات بين المصلحة الرياضية والتأثيرات السلبية على سمعتها الدولية.[117]
باتت قطر حالة استثنائية في الشرق الأوسط بفضل استراتيجيتها في الدبلوماسية الرياضية، حيث اعتمدت القيادة السياسية على الرياضة كوسيلة فاعلة لتعزيز مكانتها الدولية. منذ وصول الأمير حمد بن خليفة آل ثاني عام 1995، نجحت قطر في تحويل الرياضة إلى أداة رئيسية في سياستها الخارجية، وهو ما اعتبرته اللجنة الأولمبية القطرية أولوية أهم من الاعتراف الدولي التقليدي.
استثمرت قطر بشكل كبير في بنية تحتية رياضية متطورة، وأسست أكاديميات لتطوير المواهب الرياضية وتقديم الرعاية الطبية المتخصصة. كما جعلت من دوريها محطة جذب لنجوم العالم في مسيراتهم الأخيرة. بين سبورت (الجزيرة الرياضية سابقاً) أصبحت منصة رياضية بارزة تنقل البطولات العالمية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية.
من خلال الرياضة، حاولت قطر تغيير الصورة النمطية للمنطقة في العقول الغربية، وتبرز دور المرأة القطرية بمشاركتها في أحداث دولية مثل أولمبياد لندن 2012، ما عكس إرادتها في إبراز التقدم النسائي في البلاد.
بشكل عام، تعتبر الرياضة جزءًا أساسيًا من استراتيجية قطر الدبلوماسية، والتي ساهمت في تعزيز مكانتها الدولية وتخفيف الصور النمطية السلبية المتعلقة بالمنطقة.[118]
مقومات الاستراتيجية القطرية لبناء السمة الوطنية:–
يمكن القول إن بناء السمة الوطنية القطرية تم عبر ثلاث مراحل زمنية متتالية. المرحلة الأولى هي مرحلة التحول والبناء خلال حكم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (1995-2013)، حيث وضعت قطر أسساً للتموضع الدولي كدولة صاعدة. المرحلة الثانية هي مرحلة التجسيد خلال استراتيجيتي التنمية الوطنية (2011-2016) و (2018-2022)، حيث ركزت على تعزيز القدرات الدولية وبناء الهوية الوطنية من خلال استثمارات في الرياضة والإعلام والدبلوماسية. المرحلة الثالثة تمثل رؤية قطر الحالية تحت حكم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
منذ منتصف التسعينيات، وجدت قطر بوصلة واضحة لأهدافها الدولية، مع استراتيجية تنفيذ متدرجة واستمرارية في بناء المقومات اللازمة لتحقيق تأثيرها الدولي. لعبت الرياضة دورًا محوريًا في هذه الاستراتيجية، حيث ساهمت في شكل السمة الوطنية لقطر وتعزيزها عبر إبراز الجوانب الإيجابية للبلاد في الساحة الدولية.
استفادت الفعاليات الرياضية الكبرى، ولا سيما بطولة كأس العالم لكرة القدم، من قوة إعلامية كبيرة نابعة من شغف الجماهير العالمية، مما جعلها منصة للنفوذ السياسي والدبلوماسي، تساهم في تعزيز الصورة الإيجابية لقطر على المستوى الدولي.
بشكل عام، الرياضة لم تكن مجرد مجال للترفيه، بل أصبحت أداة استراتيجية تساهم في تحقيق أهداف دبلوماسية واقتصادية واجتماعية لقطر، مما أسهم في تقوية وترسيخ سمتها الوطنية على الساحة الدولية.[119]
يتمثل مفهوم الدبلوماسية الرياضية في استخدام الرياضة والرياضيين والأحداث الرياضية كأدوات لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة. في حالة قطر، تهدف الدبلوماسية الرياضية إلى تحقيق ثلاث أهداف رئيسية ضمن استراتيجيتها لبناء السمة الوطنية وتعزيزها:
- تغيير الصورة السلبية الشائعة عن قطر، خاصة في الدول الغربية ولدى الشعوب هناك، من خلال إبراز الجوانب الإيجابية والمبادرات الإنسانية والثقافية والرياضية.
- بناء سمعة جديدة لقطر كدولة طموحة تمتلك رؤية واضحة لأهدافها المستقبلية ومكانتها الدولية.
- إبراز عوامل التميز لقطر في المجتمع الإقليمي والدولي، والتأكيد على دورها كلاعب رئيسي في الساحة الرياضية العالمية.
تعتمد الدبلوماسية الرياضية لقطر على ثماني ركائز أساسية:
- تعزيز الانخراط الفعال في الهيئات والروابط الرياضية الدولية.
- بناء القدرات الإعلامية في مجال الرياضة لتعزيز الوجود الإعلامي لقطر.
- تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى بشكل ناجح على المستوى الدولي والإقليمي.
- بناء منشآت رياضية كبرى تكنولوجيا وصديقة للبيئة، ومنشآت صحية متقدمة لخدمة الرياضيين.
- الاستثمار التجاري في الفرق الرياضية العالمية.
- الرعاية الكاملة للروابط الرياضية الدولية والفعاليات الرياضية الكبرى من خلال شركات الرعاية التجارية.
- توظيف الشخصيات الرياضية البارزة كسفراء لخدمة أهداف الدبلوماسية الرياضية لقطر.
- تطوير القدرات البشرية الرياضية للمشاركة في الفعاليات الرياضية العالمية والإقليمية.[120]
باستخدام هذه الركائز، تسعى قطر إلى تعزيز مكانتها الدولية وبناء صورة إيجابية ومتميزة عن نفسها على الساحة العالمية من خلال الرياضة كأداة دبلوماسية فعالة، بالإضافة إلى تطوير ونشر مختلف الرياضات في البلاد، حيث استضافت قطر أكثر من 500 فعالية رياضية دولية منذ عام 2005.[121]
تم تنظيم هذه الركائز بشكل متكامل لتعزيز دور قطر في المشهد الرياضي العالمي. يتضمن ذلك استضافة قطر بانتظام للمؤتمرات الرياضية الكبرى، مثل منتدى الدوحة الرياضي الدولي الذي يجمع سنويًا مئات الأكاديميين والرياضيين لمناقشة دور الرياضة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي. كما تضمنت الجهود بناء منشآت رياضية كبرى تكنولوجيا وصديقة للبيئة، لتعزيز البنية التحتية الرياضية القطرية وإظهار قدرتها على الابتكار والاحترام للمعايير البيئية العالمية، بمثل مشروع “أسبيتار” الذي تم اختياره كمركز للتميز الطبي في مجال الصحة الرياضية من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم.
من ناحية أخرى، تستثمر قطر في الفرق الرياضية العالمية لتعزيز الحضور الدائم للعلامة القطرية عبر العالم، مجعلة الميادين الرياضية منصات إشهارية للعلامة القطرية. كما تلعب شركة قطر للاستثمارات دوراً رئيسياً في هذا المجال، وقد حصلت شركة الخطوط الجوية القطرية على عقد طويل الأمد لرعاية مسابقات الاتحاد الدولي لكرة القدم، إضافة إلى رعاية قميص نادي برشلونة الإسباني.[122]
تم تعزيز الجهود التسويقية للعلامة القومية القطرية من خلال تعيين الشخصيات الرياضية البارزة كسفراء، مثل بيب غوارديولا، زين الدين زيدان، غابرييل باتيستوتا، رونالد دي بوير، روجيه ميلا، سامي الجابر، ونايمار دا سيلفا، بتمويل من مؤسسة قطر للاستثمار الرياضي. هذه الخطوة تهدف إلى زيادة التأثير الإعلامي المرتبط بأهداف دبلوماسية قطر الرياضية.
كأس العالم لكرة القدم فيفا 2022 بصفته محركا تنمويًا وواجهة لتسويق سمة قطر الوطنية:-
لم تشهد إعلانات فوز قطر بتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022 نفس الضجة الإعلامية والجدل التي شهدتها الإعلانات السابقة لتنظيم البطولات. في السابق، كان هناك توقعات بأن إحدى الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان ستفوز بالحق في التنظيم، ولذلك زاد الجدل عندما فازت قطر، الدولة الصغيرة ذات الخلفية الثقافية العربية الإسلامية، بالتنظيم.
تلقت قطر اتهامات بالفساد والرشوة، ونقل الانتقادات إلى قضايا مثل المناخ الصحراوي القاسي في فصل الصيف ومعاملة العمال المهاجرين. على الرغم من ذلك، تسببت هذه الحملات في تعزيز الوعي الدولي بقطر وإبراز ملامحها الجغرافية والثقافية والتاريخية. بينما استخدمت قطر هذه التحديات كفرص لتحسين صورتها الوطنية وتقديم نفسها على المستوى العالمي من خلال تنفيذ إجراءات تنظيمية وتشريعية وتكنولوجية وإعلامية.[123]
ثانياً:- تعزيز العلاقات الدولية:-
قطر … الرياضة لتحسين علاقاتها الخارجية:-
تعد علاقات الفرنسية القطرية نموذجًا لاستخدام الرياضة في الدبلوماسية، حيث نمت العلاقات بين البلدين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وزادت من تطورها على المستوى الشعبي بعد استحواذ قطر على 70% من نادي باريس سان جيرمان. ساهم هذا الاستحواذ في تقدم الكرة الفرنسية بشكل عام، حيث أصبح النادي من بين الأندية الكبار في أوروبا ووصل إلى المراحل النهائية بفضل الاستثمارات القطرية وجذب نجوم كبار بالرياضة.[124]
في السياق نفسه، استخدمت قطر الأزمة القطرية لتوسيع علاقاتها السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية وتركيا وإيران. بعد فرض الحصار، نفذت الولايات المتحدة تمرينات عسكرية جنوبي قطر، وشهدت علاقاتها توقيع اتفاقية لشراء طائرات F15 بتكلفة تقدر بـ 12 مليار دولار أمريكي في يونيو 2018.
وفي هذا الصدد أيضاً كانت هناك اتفاق سري بخصوص إستضافة قطر لكأس العالم العام 2022م، وتنص الوثيقة على أنه عندما حضرت المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية وقطر كدولتين أساسيتين وقويتين في المنافسة من أجل الحصول على حق إستضافة نهائيات كأس العالم 2022 رأت القيادة الأمريكية في ذلك فرصة للضغط على أمير قطر الذي يسعى الأخذ دور السعودية في الوطن العربي كأقوى دولة خليجية، وبدأت أعمال التخطيط لكسب نتائج هذه القضية وقلبها لصالحها وتم الكشف عن بنود هذه الاتفاقية التي شملت ما يلي:
تقوم الولايات المتحدة بالتخلي عن حق الاستضافة لصالح قطر، ولكن هذا التخلي لا يكون علنياً بل سرياً مقابل قيام قطر بمجموعة من الأعمال مقابل هذا الإجراء، ومجموعة المطالب التي وقعت عليها قطر هي:-
- المشاريع الخاصة بالملاعب والمنشات الرياضية التي ستقوم قطر بإشادتها من أجل نهائيات كأس العالم لعام 2022 يكون حق بنائها محصوراً بشركتي بناء أمريكيتين هما شركة (موديولار کونستراکشن سیستم الأمريكية) وشركة (ستار جوزيف الأمريكية).
- يحق للولايات المتحدة الأمريكية عمل إستثمارات جديدة في قطاعي النفط والطاقة في قطر وبتسهيلات قطرية مميزة.
- السماح للولايات المتحدة الأمريكية بالعمل (غير المشروط) في مجال الإعلام خلال فترة المونديال وتجهيز معدات إعلامية متطورة يتم وضعها في قطر إعتباراً من عام 2020 أي قبل المونديال بعامين.
أضف إلى ذلك كله العديد من البنود المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط ومنها خلق علاقات مع تركيا وإعطاء مساحة كبيرة لقناة الجزيرة في النشاط الإعلامي الموجة ضد التيارات الحليفة للسعودية.
وتجد قطر بأن استضافتها لهذه الألعاب إنجاز للشرق الأوسط، ومناسبة لتغيير صورة المنطقة عالمياً، ولخلق أجواء من التفاعل الإيجابي بين المنطقة والعالم.
الظاهرة السياسية في المونديال القطري سنة 2022:
منذ عام 1930، عندما تم تنظيم أول مباريات كأس العالم في كرة القدم في الأوروغواي، لم تتمكن دولة عربية أو مسلمة من استضافة هذا الحدث الرياضي حتى قدوم قطر في عام 2022. وقد أفادت تقديرات دراسة صادرة عن المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية بأن قطر قد أنفقت حوالي 220 مليار دولار لتأمين ونجاح هذا الحدث الكبير.[125]
ومع ذلك، رافقت استضافة قطر لكأس العالم العديد من الملابسات السياسية، بما في ذلك:
- الجدل السياسي والثقافي حول التزام قطر بحقوق الإنسان، بما في ذلك معاملة العمال الأجانب وحقوق المثليين، بالإضافة إلى سياسة بيع المشروبات الكحولية ومشاركة إيران في المباريات. وقد دافع رئيس الفيفا، جياني انفانتينو، عن قطر في هذه القضايا.
- تعرضت قطر لاتهامات رسمية من وزارة العدل الأمريكية بتقديم رشاوى لأعضاء في الفيفا للحصول على حق استضافة كأس العالم. كما ظهرت ادعاءات أخرى بأن قطر قدمت رشاوى للاعبين من الأكوادور لضمان فوزها في مباراة الافتتاح، وهذه الادعاءات نفتها قطر جميعها.
بالرغم من هذه التحديات، نجحت قطر في استضافة كأس العالم بنجاح، مما يعد إنجازاً كبيراً للمنطقة وفرصة لتغيير صورتها الدولية وتعزيز التفاعل الإيجابي مع العالم.
الحضور الإسرائيلي في قطر
تمثل مناسبة تنظيم قطر لكأس العالم في كرة القدم فرصة للديبلوماسية الإسرائيلية لاختبار علاقاتها مع دولة قطر. وعلى الرغم من أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يشترط عدم وضع قيود على حضور الأفراد في النشاطات الرياضية التي ينظمها، وافقت قطر على السماح للإسرائيليين بالحضور عبر طائرات نقل تجارية وتنظيم منحهم تأشيرات الدخول إلى قطر. كما فتحت قطر مكتبًا قنصليًا إسرائيليًا في الدوحة طيلة فترة المباريات، وسمحت للقنوات الفضائية والصحافة الإسرائيلية بالحضور. وعلى الرغم من ذلك، لا يتماشى الربط بين السماح للإسرائيليين بالدخول إلى قطر وبين شروط الفيفا، والتي تنص على عدم تحديد قيود على حضور الأفراد بسبب جنسيتهم في الأحداث الرياضية.[126]
بالإضافة إلى ذلك، تعود سياسة قطر قبل المونديال إلى التطبيع مع العالم العربي، حيث شاركت الفرق الرياضية الإسرائيلية في مجموعة من الأنشطة الرياضية في قطر منذ عام 2008، كما يوضح الجدول التالي:
جدول رقم 1 المشاركات الإسرائيلية في البطولات الرياضية في قطر:-
المشاركة الإسرائيلية في قطر | التاريخ |
تنس الطاولة | 2008 |
تنس الطاولة | 2012 |
السباحة | 2014 |
كرة الطائرة | 2016 |
تنس الطاولة | 2018 |
كرة اليد | 2018 |
الجمباز | 2018 |
الفروسية | 2018 |
الجمباز ( وتم عزف النشيد الإسرائيلي). | 2019 |
رياضات متنوعة لأبطال العالم | 2019 |
الجودو | 2021 |
الجمباز | 2021 |
تعزز هشاشة التبرير الرسمي بشأن اشتراطات الفيفا بالعودة إلى العلاقات القطرية الإسرائيلية، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو الاقتصادي، إلى جانب الأبعاد الرياضية المذكورة سابقاً. ففي عام 1996، تم افتتاح مكتب تجاري لإسرائيل في الدوحة بمبادرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، وعاد هذا المكتب مرة أخرى في عام 2007. وفي عام 2008، جرت لقاءات بين المسؤولين الإسرائيليين والقطريين، بما في ذلك وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس الوزراء القطري السابق الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني، وكذلك لقاءات مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني مع أمير قطر. وتستمر قناة الجزيرة في استضافة الصحافيين والمعلقين الإسرائيليين رغم التوترات السياسية، بما في ذلك بعد حادث استشهاد المراسلة الإسرائيلية شيرين أبو عاقلة عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت قطر في نقل يهود يمنيين إلى إسرائيل في عام 2013.[127]
هذه العلاقات الطويلة الأمد تكشف أن العلاقات الرياضية الملتبسة بالسياسة سبقت تنظيم كأس العالم في الدوحة بنحو ربع قرن، مما يُقلل من مصداقية التبرير الذي يعتمد على شروط الفيفا فقط لتبرير السماح للإسرائيليين بالدخول إلى قطر خلال الحدث الرياضي الكبير.
من منظور آخر، تبرز الظاهرة الرياضية بطبيعتها الجدلية كظاهرة اجتماعية وسياسية. لاحظنا أن القنوات الإعلامية الإسرائيلية وبعض القنوات الغربية لم تركز فقط على الجوانب الرياضية لهذه الأحداث الرياضية الدولية، بل أعطت أهمية كبيرة للبُعد السياسي المتمثل في “رفض الشعب العربي لإسرائيل”، والمواقف الرافضة للتواصل مع الإعلام الإسرائيلي. كما شددت على الحضور الفلسطيني من خلال استخدام رموز مثل الكوفية والأعلام الفلسطينية، مما أثار ترديد الأغاني والهتافات التي تؤيد الفلسطينيين.
من الضروري الوقوف عند مسألتين في هذا الجانب الخاص بالتغطية الإسرائيلية لهذا الحدث الرياضي :
- الاستحضار الدائم للرفض الشعبي العربي والإسلامي لـ “إسرائيل” من ناحية وتغييب دلالات الوجود الإسرائيلي في قطر ضمن سياسات التطبيع العربي المتزايدة من ناحية ثانية.
فالجانب الأول الرفض الشعبي ؛ أمر يدركه مسبقاً كل من الإعلام الإسرائيلي والنخبة الفكرية الإسرائيلية ناهيك عن صناع القرار في الحكومة اليمينية السابقة والقائمة، فاستطلاعات الرأي العربية والدولية تؤكد ذلك وباستمرار وبالتالي فهو ليس كشفاً علمياً، ويكفي مراجعة هذه الاستطلاعات للتأكد من أن ذلك سابق على المونديال الرياضي في الدوحة إضافة لما ذكرناه عن رفض العشرات من الرياضيين العرب والمسلمين المشاركة في تنافس رياضي مع إسرائيليين لأكثر من خمسين مرة في السنوات القليلة الماضية . ويبدو أن التركيز على الرفض الشعبي العربي للتطبيع يؤدي إلى نتيجتين متناقضتين :
أولاً: التركيز على العداء الشعبي العربي لـ “إسرائيل” يهدف إلى تشكيل صورة سلبية حول مواقف المجتمع العربي تجاه “السلام”. يرمي ذلك إلى تصوير السياسات اليمينية الإسرائيلية كرد فعل مبرر لهذه المواقف العربية. ومن الناحية الأخرى، يسعى هذا النهج إلى تعزيز القاعدة الشعبية المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي، مما يخدم أجندات اليمين الإسرائيلي ويوسع دائرة ناخبيه.
ثانياً: هذا التباين بين مواقف الأنظمة السياسية العربية والرأي الشعبي يكشف عن الهوة الواسعة بينهما فيما يتعلق بـ “إسرائيل”. يعزز هذا الاختلاف ثقة المقاومة في اتخاذ مواقفها السياسية.
- بصرف النظر عن استمرار التطبيع القطري مع إسرائيل، يُنظر إليه من منظور “ديبلوماسية الإنابة”، حيث تسعى الدولة إلى تحفيز الاتصالات بين الأطراف المتنازعة في النزاعات الدولية. تقدم الدولة في هذا السياق منافع ومواقف إيجابية للأطراف المتنازعة، بهدف قبول دورها كوسيط في الأوقات الحرجة. حيث يُعتبر التطبيع الرياضي جزءًا من هذه الديبلوماسية الإنابة، ويشكل أيضًا قوة ناعمة للدولة المعنية.
من ناحية أخرى، تستهدف الدعاية الإسرائيلية المكثفة حول العداء العربي والإسلامي تعزيز التطرف ضد العرب، بينما يُغيب موضوع التطبيع القطري الإسرائيلي، وهو ما يخدم دبلوماسية قطر في المجال الرياضي.[128]
إن التركيز على غياب التطبيع العربي مع “إسرائيل” خلال فعاليات البطولات الرياضية، يتجلى في الحماس الشعبي العربي لأداء المنتخب المغربي المتميز في كأس العالم في قطر. وفي الوقت نفسه، تعلن شركة الطاقة الإسرائيلية “نيوميد إنرجي” عن توقيعها اتفاقية مع وزارة الإنتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية للتنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة بوجدور بالقرب من الساحل الأطلسي. كما يُعلن المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء عن زيادة في التبادل التجاري بنسبة 25% بين المغرب وإسرائيل خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022 مقارنة بالعام السابق. وتمت مصادقة إسرائيل والإمارات على اتفاقية شراكة اقتصادية تلغي أو تخفض الرسوم الضريبية على معظم التجارة المتبادلة بينهما. يُستغل هذا “الابتهاج العربي” بتنظيم كأس العالم و”نشوة أداء المنتخب المغربي” لتغطية استمرار تواصل النفوذ الإسرائيلي في الجوانب السياسية والاقتصادية العربية، وهذا يمثل جوهر الدبلوماسية الرياضية بتوظيف “المتعة كوسيلة لتخفيف التوترات”.[129]
الحضور الإيراني في قطر
أثار حضور الفريق الإيراني في منافسات كأس العالم في قطر موضوعات سياسية عملت جهات مختلفة على استغلالها ؛ وهو ما يتضح في الآتي :
1 .الربط بين نتائج مباريات الفريق الإيراني خصوصاً الأولى مع بريطانيا، وبين الاضطرابات السياسية في إيران فقد نقلت وسائل الإعلام خصوصاً الخليجية والبريطانية والأمريكية والإسرائيلية تقارير عن مظاهرات تقوم بها المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج بسبب الهزيمة الثقيلة لمنتخب إيران وركّز البعض على موضوع عدم إنشاد الفريق الرياضي الإيراني النشيد الوطني لبلاده في المباراة الأولى .
2 . ظهور مطالب من جهات عدة لمنع إيران من المشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم في الدوحة بسبب ” سياسات الحكومة الإيرانية تجاه الشعب “، وقد جاءت هذه الدعوات من جهات إيرانية معارضة ومن مسؤولين سابقين في الاتحاد الدولي لكرة القدم ومن جهات غربية مختلفة .
من جانب آخر فإن الحضور الشعبي الإسرائيلي إلى قطر هو خرق استراتيجي نحو مزيد من التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي؛ لأنه سيفتح الباب أمام الانتقال من التطبيع الرسمي إلى التطبيع الشعبي حتى وإن واجه هذا التطبيع بعض العراقيل، فمن الواضح أن حضور آلاف الإسرائيليين في شوارع وفنادق ومدرجات ملاعب كرة القدم ولمدة تقارب الشهر دون تعرّض أي من هؤلاء الإسرائيليين لأي هجوم حتى ولو مشاجرة يكشف عن الجهد الأمني الذي بذلته الحكومة القطرية لحمايتهم وهو ما أسهم في عدم ردع الحضور الإسرائيلي المتلاحق خلال المونديال على الرغم من الرفض الشعبي، ولكنه بداية لتنسيق أمني ينتقل نموذجه من حماية المستوطنين في الضفة الغربية إلى حمايتهم في المدن العربية سواحاً أو تجاراً أو سياسيين أو عسكريين .[130]
ثالثاً:- تعزيز المكانة الدولية :-
الرياضة: وسيلة لقطر لكسب الاعتراف الدولي
لقد مكنت الرياضة قطر إلى الاعتراف الدولي بعد استقلالها في عام 1971. تزايدت الحاجة للتأثير الدولي بعد غزو العراق للكويت في 1990 وبسبب الموقع الاستراتيجي بين السعودية وإيران. بعد انقلاب حمد بن خليفة على والده في 1995، تأسست مجموعة الجزيرة الإعلامية في 1996، وأصبحت مركزًا رائدًا للإعلام العربي غير المراقب، مما منح قطر تأثيرًا فريدًا في العالم العربي.
بدأت قطر في استبدال اعتمادها على الغاز من خلال صندوق الثروة السيادية القطري، QIA، الذي أُنشئ في 2005، لينمو اقتصاديا وأمنيا عبر الاستثمار في شركات عالمية على خمس قارات. بالإضافة إلى ذلك، تبنت قطر استراتيجية شراكة مع الدول الغربية، خاصة على صعيد الأمن والدفاع، لتعزيز مكانتها الدولية وضمان أمنها.
تجاوزت السلطات القطرية الاستراتيجيات السابقة من خلال تطوير استراتيجية دبلوماسية تركز على الرياضة، والتي لا تحتاج إلى ترجمة عالمية من الآن فصاعدًا. تم تحقيق هذا الهدف الرئيسي من خلال مشاركة مواطنين قطريين في هيئات رياضية عالمية، مثل محمد بن همام، الذي انضم إلى اللجنة التنفيذية للفيفا عام 1996 كرئيس للاتحاد الآسيوي لكرة القدم. كذلك، أصبح الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأمير الحالي لقطر، عضوًا في اللجنة الأولمبية الدولية منذ عام 2002.
الدافع الرئيسي لهذه الاستراتيجية جاء مع صعود والده إلى السلطة في 1995، حيث جعل الرياضة محورًا أساسيًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية. كان الهدف المزدوج هو تعزيز مكانة قطر على الساحة الدولية، بتشجيع المواطنين على ممارسة الرياضة وتنظيم الأحداث الرياضية الكبرى كوسيلة للتواصل الدولي في عصر عولمة وسائل الإعلام.
بعد أن نظمت الدوحة أول بطولة مفتوحة للتنس للرجال في عام 1993، أُقيمت نسخة للسيدات في عام 2001، وتم إنشاء جائزة قطر الكبرى لألعاب القوى في الدوحة منذ عام 1997، وهي واحدة من المنافسات الأربعة عشر الماسية للاتحاد الدولي لألعاب القوى. تبع ذلك تنظيم دورة الألعاب الآسيوية في الدوحة عام 2006، وبطولة العالم لكرة اليد للرجال، وكذلك بطولة العالم لألعاب القوى في الدوحة عام 2019. برزت الدوحة بطموحها في استضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية مرتين، لكنها لم تحقق النجاح في تنظيم منافسات 2016 و2020.
مع ذلك، الحدث الأبرز الذي جذب انتباه العالم هو تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر. حصلت الدوحة على هذه الفرصة من خلال استراتيجية دبلوماسية رياضية مكثفة، رغم الاتهامات بالفساد المتعلقة بعضو قطري في اللجنة التنفيذية للفيفا وتواطؤ رئيسها آنذاك. هذا الحدث سيكون ذروة للدبلوماسية الرياضية القطرية، حيث سيكون أول بطولة كأس العالم تُقام في دولة عربية ودولة صغيرة جغرافيًا وديموغرافيًا.[131]
الرياضة: أداة نفوذ لقطر
دبلوماسية قطر واستخدامها للرياضة تتعدى مجرد الاعتراف الدولي وتأكيد مكانتها في محافل الأمم، إذ تسعى الرياضة إلى زيادة نفوذها في الدول الغربية وبين سكانها مباشرة. كما تركز استراتيجية الاستثمار المباشر بشكل خاص على الرياضات الاحترافية، مع اقتناء أندية كرة القدم الكبرى مثل ملقة في عام 2010 وخاصة باريس سان جيرمان، الذي اشترته شركة قطر للاستثمارات الرياضية (QSI). يقود ناصر الخليفي، لاعب تنس سابق، كل من QSI وباريس سان جيرمان. وقبل كل شيء، أسهمت إمبراطورية الإعلام الرياضي التي أنشأتها الجزيرة الرياضية في 2003 (اليوم تُعرف بمجموعة beIN الإعلامية) في زيادة الاعتراف بقطر وتحسين صورتها بصورة كبيرة.
تسلمت الجزيرة الرياضية حقوق بث دوري الدرجة الأولى الفرنسي حتى عام 2020، ودوري أبطال أوروبا في الفترة من 2012 إلى 2015، بالإضافة إلى حقوق بث كأس العالم 2018 و2022. تتضمن استراتيجية التأثير هذه تكاليف كبيرة، مع استثمارات تجاوزت 400 مليون يورو لتعزيز فريق باريس سان جيرمان لتحقيق المنافسة العالمية في كرة القدم. تعزز هذه الاستثمارات صورة باريس سان جيرمان بشكل إيجابي، وكانت أكبر من صورة أولمبيك مرسيليا في عام 2017، مما يعزز التقدير الدولي والصورة الإيجابية لقطر بشكل عام في عالم كرة القدم.[132]
تركز سياسة الاتصالات في قطر بشكل رئيسي على أهداف اقتصادية قصيرة المدى والحفاظ على استدامة البلاد بعد فترة ما بعد النفط. تُنظر البنية التحتية المخصصة للأحداث الرياضية كمورد مهم لتعزيز الممارسة الرياضية والبحث، بما في ذلك مكافحة المنشطات والتدريب البدني، بالإضافة إلى القدرات التنظيمية الموجهة نحو استضافة الأحداث ووسائل الإعلام. تُعد هذه العناصر مكونات أساسية لتطوير اقتصاد مستدام يعتمد على الرياضة والسياحة الرياضية، مما يسهم في تأمين مستقبل البلد الصغير عند نضوب احتياطيات الغاز الطبيعي.
توجد إرادة قوية لجذب عدد كبير من الرياضيين الشباب من البلدان النامية لتدريبهم من خلال برنامج أسباير، وتجنيس عدد معين من النجوم كما حدث مع لاعبي كرة اليد استعدادًا لبطولة العالم لكرة اليد للرجال عام 2015، لكن النتائج الفعلية لا تزال قصصية في الوقت الحالي. تمثل أسباير زون مجمعًا رياضيًا فاخرًا تأسس في عام 2003 على مساحة 250 هكتارًا، يشمل العديد من المرافق مثل استاد خليفة الدولي وحمام سباحة أولمبي وعيادة سبيتار. تضم أيضًا أكاديمية أسباير التي تهدف إلى تدريب النخبة الرياضية القطرية، والتي غالباً ما تكون من أصول أجنبية كما هو مذكور سابقًا.
بالإضافة إلى ذلك، تشكيل فريق وطني قادر على تحقيق النتائج في المسابقات الدولية وتعزيز قوة البلاد يعد هدفًا ثانويًا في سياسات قطر الرياضية الوطنية.[133]
قطر لا تقتصر اهتمامها على أداء الأندية التي استثمرت فيها فقط، بل تسعى أيضًا إلى التفوق الإقليمي، كما يتضح من المنافسة بين مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان. يحمل الأخير أهمية رمزية كبيرة في الاستراتيجية القطرية، ويُعتبر عاملاً مهماً في تعزيز الاعتراف الدولي بقطر. بالفعل، كما يشير نبيل النصري، مدير مرصد قطر، “كرة القدم هي الديانة الثانية في الشرق الأوسط، وإذا فشل المنتخب الوطني، فسيكون باريس سان جيرمان بديلاً له، مما يعزز مكانة تميم على الصعيد الدولي”.
من خلال الدبلوماسية الرياضية، تسعى قطر إلى تعزيز الاعتراف بها وزيادة التعاطف العالمي تجاهها، وتجعل نفسها ضرورية للسلطات الرياضية عبر التمويل والرعاية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم قطر الرياضة لتعزيز مواقعها المالية والجيوسياسية من خلال تنويع اقتصادها لمستقبل مستدام.[134]
كيف تستخدم قطر الرياضة لكسب النفوذ العالمي؟
في العقد الماضي، قامت قطر بحملة شاملة لرفع سمعتها العالمية، من خلال تطوير نفسها كمركز رياضي بارز. فازت بحق استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، مما وضعها “على الخريطة”. قبل ذلك، استضافت كأس آسيا والألعاب العربية في 2006 و2008، وتقدمت بعروض لاستضافة بطولات مثل كأس العالم لكرة اليد وبطولة العالم للملاكمة وبطولة العالم لألعاب القوى. تم ذلك بشكل استراتيجي لكسب الخبرة من خلال استضافة أحداث أقل شهرة، استعدادًا لكأس العالم. بعد فوز قطر بالمناقصة بشكل “صادم”، تبين أن عضو اللجنة التنفيذية السابق للفيفا، محمد بن همام، متورط في فضيحة رشوة للفوز بالدعم، وتم حظره مدى الحياة من ممارسة كرة القدم بسبب تضارب المصالح.
في إطار رؤيتها الصناعية لعام 2030، تعتبر الرياضة في قطر ركيزة أساسية لتطوير الأمة ونموها. تحتضن منطقة الخليج العربي العديد من المرافق الرياضية الواسعة، وقد استخدمت قطر الرياضة كوسيلة للترويج لنفسها ولمدينتها الرئيسية، كما حصلت على استضافة أحداث دولية بارزة مثل سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 وكأس العالم لكرة القدم. تركز قطر بشكل خاص على كرة القدم كجزء حيوي من استراتيجيتها، وتبرز الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة كراعٍ لهذه الرياضة، مما يعزز سمعتها كوجهة سياحية ومركزٍ للسفر الدولي، ويساهم في تعزيز سياستها الخارجية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتتأثر السياسة الخارجية لقطر بموقعها الجغرافي في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعمل على تحسين صورتها الوطنية ومواجهة التحديات المتعلقة بتأثير الجوار والصور النمطية. رغم التوترات مع الجيران، تمكنت قطر من الاستمرار والتكيف، وتوسيع دائرة علاقاتها الدولية والاستثمارات، مما يعكس استقرارها النسبي وقدرتها على البقاء في وجه التحديات السياسية والاقتصادية.
تركز سياسة الدبلوماسية الرياضية الشاملة لقطر بشكل أساسي على تعزيز مكانتها العالمية من خلال استراتيجيات متعددة المستويات. تشمل هذه الاستراتيجيات جذب اللاعبين الأجانب ذوي المستوى العالمي للمشاركة في الفرق المحلية أو تمثيل المنتخبات الوطنية في المسابقات الدولية، حيث يتم اعتبار المواطنة جزءاً من الاتفاقية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل أكاديمية أسباير القطرية على استكشاف وتطوير المواهب الرياضية الشابة على المستوى العالمي، مع استخدام نخبة من المدربين وعلماء الرياضة لدعم الصناعة المحلية.[135]
على الصعيد العالمي، يمكن تقسيم النهج القطري نحو “دبلوماسية كرة القدم” إلى ثلاثة مكونات رئيسية متكاملة. أولاً، تركز قطر على تعزيز المواهب المحلية. ثانياً، تشجع الاستثمارات والرعاية الدولية للرياضة. وأخيراً، تسعى إلى استضافة مجموعة واسعة من الأحداث الرياضية، بما في ذلك كأس العالم 2022 التي تعد الحدث الأبرز في جدول أعمالها الرياضي.
تمثل هذه السياسة جزءًا حيويًا من استراتيجية الدوحة الطويلة المدى، والتي تركز على تعزيز الاستثمارات وتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد الحصري على الغاز الطبيعي. كما تبرز أهمية العائلة الحاكمة في تنفيذ واستدامة هذه السياسة الرياضية، مع تعزيز الشراكات الدولية في مختلف المجالات، وخاصة في فترات التحديات الاقتصادية.
بينما سعت قطر جاهدة للاستفادة دبلوماسياً من استضافة كأس العالم لكرة القدم، ظهرت تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد العمال المهاجرين الذين شاركوا في بناء البنية التحتية. تم الإبلاغ عن وفاة ما لا يقل عن 6500 عامل، ووفقاً لقانون العمل القطري، لم يتم التحقيق بشكل كاف في الوفيات المصنفة بسبب “أسباب طبيعية” غير متعلقة بالعمل، مما يعني عدم تعويض أسر الضحايا. العمال الوافدون اضطروا للعمل لساعات طويلة في ظروف حرارية قاسية، دون إمكانية العودة إلى منازلهم بسبب حجم العمل الهائل. تعرضوا أيضاً لسرقة الأجور من قبل أصحاب العمل بفعل نظام الكفالة الذي يمنحهم سيطرة كاملة على عمالهم. لا تزال الأثر الكامل لهذه الانتهاكات غير معروف، وكيف ستتعامل الحكومات الدولية مع قطر في ضوء هذه الحوادث وكيف سيؤثر ذلك على مكانة قطر الدبلوماسية بعد استضافة كأس العالم.[136]
المبحث الثاني:- تقييم فاعلية الدبلوماسية الرياضية القطرية في السياسة الخارجية:-
المطلب الأول :- تطبيقات وجهود قطر في الدبلوماسية الرياضية:-
لم تكن تنظيم كأس العالم في قطر مجرد رهان على التألق الرياضي، بل كانت أداة لتسريع عملية التنمية والتغيير، وللتأثير على جميع الفاعلين بما في ذلك الموظفين الحكوميين والمواطنين والمقيمين في المجتمع المدني. جميع التغييرات والإصلاحات المتعلقة بتنظيم البطولة كانت موائمة مع أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، مما جعلها جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية الشاملة التي خططت لتحقيقها. الاستثمارات الضخمة التي تم إنفاقها على بناء المنشآت الرياضية والبنية التحتية للبطولة، التي بلغت إجماليها 200 مليار دولار، تضمنت أيضاً البنية التحتية الحقيقية مثل الطرق السريعة، وخطوط السكك الحديدية، والموانئ، والمطارات، والفنادق، والمستشفيات، بما يعكس التكامل بين مشروعات البطولة وخطط التنمية الوطنية.
في سياق آخر، اتخذت قطر إجراءات محكمة لتحضيرها لاستضافة البطولة، تتضمن قرارات تحمل دلالات رمزية قوية على مستويات اجتماعية وسياسية وقانونية. تشمل هذه القرارات إصلاحات جوهرية تهدف إلى تكييف التشريعات المحلية مع المعايير الدولية لتقليص النقائص التي يمكن أن تُستغل إعلاميًا، بالإضافة إلى تحقيق تغيير اجتماعي إيجابي داخل المجتمع القطري.
على الناحية القانونية، أطلقت قطر عدة مبادرات إصلاحية مهمة في مجال حقوق الإنسان، منها القانون رقم 17 لعام 2020 الذي يحدد الحد الأدنى لأجور العمال والمستخدمين في المنازل، والقانون رقم 19 لعام 2020 الذي يعدل بعض أحكام القانون رقم 21 لعام 2015 المتعلق بتنظيم دخول وإقامة الوافدين. تشمل هذه المبادرات أيضًا تعزيز الترسانة القانونية لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة في قطر، خاصة مع توسيع صلاحيات اللجنة القطرية لحقوق الإنسان ومنحها استقلالية في العمل عن أي تأثير حكومي.[137]
في إطار هذه الخطوات، قامت دولة قطر بتعزيز الفعاليات والأنشطة المجتمعية لنشر ثقافة حقوق الإنسان بين أفراد المجتمع القطري. وقد تم إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 15 لعام 2017، بالإضافة إلى انضمام قطر إلى العهدين الدوليين لحقوق الإنسان في عام 2018. هذا يتضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع التزام قطر بتكييف تشريعاتها وإجراءاتها لتوافق هذه التعهدات.
في إطار عضويتها في مجموعة “أصدقاء تحالف الحضارات” التابعة للأمم المتحدة، تلعب قطر دورًا فعالًا في جهود التقريب بين الشعوب والحضارات، من خلال حملات مستمرة للتوعية والتعريف بأهداف التحالف. تركز هذه الجهود على نشر قيم التسامح، ونبذ العنف، وتقليص الهوة الثقافية بين الحضارات، بالإضافة إلى بناء مجتمع إنساني يسوده العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.
وتحرص قطر على اتخاذ إجراءات تشريعية تعزز حقوق المرأة، بما في ذلك حقوق المشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص. كما تقوم باتخاذ إجراءات لصون حقوق الطفل، وضمان حقوق المعوقين وتمكينهم اجتماعيًا ومهنيًا.
وتتضمن هذه الخطوات القانونية تغييرات سياسية ذات دلالات رمزية، بما في ذلك تعديل آلية تعيين أعضاء مجلس الشورى القطري، حيث يتم انتخاب ثلثي أعضائه البالغ عددهم 45 عضوًا بالاقتراع العام السري. وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز فصل السلطات، وجعل السلطة التشريعية تمثل إرادة الشعب وتعكس روح الدستور القطري لعام 2004، وتعزيز المشاركة الشعبية وفقا لرؤية قطر الوطنية 2030.
بالإضافة إلى ما سبق، حرصت قطر على الوفاء بالتزامات رمزية أخرى التي قطعتها في ملف ترشحها لاستضافة بطولة كأس العالم. تمثلت هذه التزامات في مراعاة متطلبات التنمية المستدامة في عمليات الإنشاء، والتقليل من الانبعاثات الغازية في مرحلة الإنشاء وأثناء استضافتها للبطولة وبعدها. لتحقيق هذه الأهداف، اعتمدت قطر تكنولوجيات مبتكرة تستخدم المواد والبدائل الصديقة للبيئة إلى أقصى حد ممكن.
تمكنت قطر من تجهيز الملاعب التي شيدت لاستضافة المباريات بأنظمة تبريد قليلة الانبعاثات الكربونية، التي طورتها محليًا خصيصًا لهذا الغرض. كما تسعى قطر أيضًا إلى تنفيذ التزاماتها بالتقليل من الانبعاثات الغازية الناتجة من استخدام السيارات ووسائل النقل الملوثة خلال فعاليات البطولة. وذلك من خلال توفير حلول نظيفة بديلة مثل شبكة مترو الدوحة وشبكات الترامواي والحافلات الموفرة للطاقة، إضافة إلى المسارات المخصصة للدراجات الهوائية والدراجات اللوحية الإلكترونية (سكوتر) في مختلف مناطق مدينة الدوحة وبقية المدن الأخرى.[138]
المطلب الثاني:- تقييم فاعلية الدبلوماسية الرياضية في السياسة الخارجية القطرية :-
على الرغم من أن رؤية الدبلوماسية الرياضية لقطر تبدو معقولة من الناحية الاقتصادية، إلا أن الجدل قائم حول ما إذا كانت استراتيجيتها قد أدت إلى التحول المرغوب فيه لتحقيق هدف جعلها مركزًا رياضيًا عالميًا. على سبيل المثال، لم تؤد خطة التجنيس التي تم تنفيذها خلال أولمبياد ريو 2016 إلى نجاح رياضي ملحوظ، حيث فازت قطر بميدالية واحدة فقط، وهو ما يثير تساؤلات حول جدوى هذه السياسة على المدى الطويل. بدلاً من ذلك، قد يؤدي الاعتماد المتزايد على الرياضيين الأجانب إلى تحديات في تطوير المواهب المحلية، مما يعكس التناقض في استراتيجية البلاد. ومع ذلك، تظل الاستثمارات في التطوير الطويل الأمد للمواهب الرياضية القطرية كـ أكاديمية أسباير، فرصة لتحقيق نجاح رياضي مستدام وتطوير جيل جديد من الرياضيين.
رغم نجاح تجنيس اللاعبين لبطولة العالم لكرة اليد للرجال عام 2015 من الناحية الرياضية، إلا أن الحدث شهد جدلاً كبيراً ولم يحسن صورة قطر عالمياً. تسبب اعتماد الفريق على اللاعبين المولودين في الخارج الذين يحملون الجنسية القطرية المؤقتة، حيث كانوا أكثر من ثلثي الفريق، في تقويض الروح الرياضية والنزاهة في المنافسة، مما أثار انتقادات واسعة من الصحافة الدولية واللاعبين. بالرغم من أن هذا الإجراء لم ينتهك قوانين الاتحاد الدولي لكرة اليد تقنياً، إلا أنه أثر سلباً على سمعة قطر كمستضيفة رياضية.[139]
بالنسبة لكأس العالم 2022 التي تستضيفها قطر، فمن المشكوك في أن تحقق الفوائد المتوقعة منها كتعزيز الصورة الدولية، وجذب السياحة والاستثمارات، وتعزيز التنمية التحتية المحلية. هذه الأهداف تتعرض للتقويض بسبب الجدل المحيط بسياسات قطر في المجالات الرياضية الكبرى، مما يسلط الشكوك حول النتائج الإيجابية المتوقعة من الحدث الرياضي الكبير هذا.
بعد إعلان نجاح قطر في استضافة كأس العالم، بدأ محللو الرياضة وخبراء الصحة في التعبير عن شكوكهم بشأن ملاءمة مناخ الإمارة، مشيرين إلى المخاطر المحتملة لصحة اللاعبين والمشجعين في ظل درجات الحرارة القاسية التي قد تتجاوز 40 درجة مئوية في الصيف. حتى المسؤول الطبي الرئيسي في الفيفا أكد أن استضافة الحدث في مثل هذه الظروف تشكل خطرًا جسيمًا.
رغم تأجيل الحدث إلى أشهر الشتاء من قبل الفيفا للرد على هذه المخاوف، إلا أن الجدل الذي نشأ بسبب مناخ الإمارة ألحق ضررًا كبيرًا بسمعتها كوجهة سياحية صيفية متقدمة.[140]
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحصار الذي فرضته السعودية على قطر في عام 2017 ألحق ضررًا بتصورات قطر كدولة مستقرة، حيث أدى إلى تعزيز الصورة السلبية للإمارة كداعم للجماعات الإسلامية المتشددة، مما أضر بجهودها في جذب السياح والاستثمارات الأجنبية.
كأس العالم 2022 جذب الانتباه بفضح نظام الكفالة في قطر الذي يؤثر على العمال الأجانب والمحليين الذين يعملون في بناء المنشآت الرياضية. وفقًا لتقرير “الجارديان”، توفي حوالي 6500 عامل أجنبي، معظمهم من جنوب شرق آسيا، منذ عام 2010 بسبب ظروف العمل القاسية ونقص اللوائح الأمنية. وهذا أدى إلى انتقادات حادة من وسائل الإعلام الدولية ومنظمات حقوق الإنسان مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، التي اتهمت قطر بممارسات الكفالة التي تجعل العمال يعيشون في ظروف غير إنسانية وتحرمهم من حقوقهم الأساسية، ما يعرضهم لخطر “العبودية الحديثة”.[141]
رغم تعهدها بالشفافية والامتثال للمعايير الدولية، بقيت الانتقادات من النقاد الرياضيين واللاعبين المحترفين تلقي بظلال سوداء على سمعة قطر وعلى كأس العالم قبل بدء الحدث.
فيما يتعلق بكأس العالم لكرة القدم 2022، يتم تسليط الضوء على التناقض الكبير بين الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية الوطنية والأداء المنتظر للمنتخب القطري في الحدث الكبير. كما يُجادل أن الدولة، رغم إنفاقها الهائل وإنشائها لمرافق عالمية المستوى، تواجه تحديات في رفع مستوى منتخبها الوطني، مما يقلل من مصداقيتها كدولة رياضية ذات تاريخ في اللعبة، ويجعلها تبدو ككاريكاتير تسعى لإظهار صورة زائفة مليئة بالأموال النفطية.[142]
بالإضافة إلى ذلك، استراتيجية قطر في امتلاك حصص في أندية كرة القدم الأوروبية تثير جدلاً واسعاً في عالم الرياضة، حيث تُنظر إلى هذه الاستثمارات بنظرة سلبية بسبب ممارستها لما يعرف بـ “المنشطات المالية”. على سبيل المثال، تساءلت الجماهير عن نزاهة مثل هذه الصفقات، مع تلقي الأندية تحذيرات من الهيئات التنظيمية بشأن عمليات الانتقالات غير الشفافة والقانونية التي تناقض مبادئ “لعب النزاهة المالية” في أوروبا.
بشكل عام، تعزز هذه الاستراتيجيات السلبية صورة قطر بشكل واسع، وتؤثر سلباً على محاولاتها في بناء سمعتها الرياضية العالمية وجذب التقدير والاحترام في مجال كرة القدم العالمية.
بالرغم من النوايا الإعلامية وراء الاستحواذ على باريس سان جيرمان في ظل الحصار السعودي في العام نفسه، يعتبر المنافسون الأوروبيون أن الاستحواذ كان يمثل مظهرًا من مظاهر سلوك “النوفو ريش” للإمارة وللنادي. تم استنكار هذه الخطوة من قبل عشاق كرة القدم واعتبرت دليلاً إضافيًا على نقص نزاهة النادي والمالكين. منذ استحواذ الإمارة على النادي في عام 2012، كانت ردود الفعل السلبية حادة لدرجة أن الإمارة اضطرت في بعض الأحيان إلى تقليص مشاركتها في إدارة باريس سان جيرمان لحفظ صورة قطر والنخبة الحاكمة، مما يبرز الجوانب السلبية المحتملة للدبلوماسية الرياضية للإمارة في مواجهة التحديات المتزايدة للفحص والانتقادات.[143]
المطلب الثالث:- التحديات التي تواجه الدبلوماسية الرياضية القطرية :-
تواجه الدبلوماسية الرياضية في قطر تحديات كبيرة تنبثق من طبيعتها كدولة صغيرة في النظام الدولي المعقد. أحد أبرز هذه التحديات هو التأثير المحدود الذي تمارسه قطر على الساحة الدولية، نظراً لحجمها الصغير مقارنة بالدول الكبرى. هذا يجعلها تعتمد بشكل أساسي على بناء تحالفات وشراكات دولية لدعم أجندتها الخارجية وتحقيق أهدافها بشكل أكبر.
علاوة على ذلك، تشكل العلاقات الإقليمية جزءاً كبيراً من التحديات التي تواجهها قطر، خاصة بعد الأزمة الخليجية في 2017 التي أدت إلى فرض حصار عليها من قبل بعض الدول الخليجية ومصر. هذا الحصار أثر سلباً على العلاقات السياسية والاقتصادية في المنطقة، وخفض من قدرتها على التأثير الدبلوماسي والاقتصادي في الإقليم.
من الناحية الاقتصادية، تواجه قطر تحديات مالية كبيرة بسبب الحصار، مما يؤثر على قدرتها على تمويل الجهود الدبلوماسية والتفاوض بشكل فعال في المنتديات الدولية. وبالرغم من جهودها في استعادة الاستقرار الاقتصادي، فإن الضغوط المالية المتبقية لا تزال تمثل عائقاً أمام تحقيق أهدافها الإستراتيجية بشكل كامل.[144]
تحديات التغيرات الجيوسياسية العالمية تزيد من ضغوط قطر، حيث يتعين عليها التكيف مع التغيرات الجديدة في النظام الدولي والتحديات المتنوعة مثل التغيرات المناخية والأمن السيبراني. هذا يتطلب منها استراتيجيات دبلوماسية مرنة وفعالة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والأمنية في هذه المجالات الحيوية.
في الختام، تلك التحديات تدفع قطر إلى تطوير استراتيجيات دبلوماسية شاملة تتفاعل بشكل مثالي مع التحديات المتغيرة على الساحة الدولية والإقليمية.
لتحليل التحديات التي تواجه الدبلوماسية الرياضية في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية، يجب فهم عدة جوانب تأثيرية تؤثر على استراتيجيات قطر وقدرتها على البقاء والنجاح في المشهد الدولي المتغير:
استجابة استراتيجية متطورة
تواجه قطر تحديات عديدة تتضمن التغيرات السريعة في الديناميكيات الدولية، مثل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية. الاستجابة لهذه التحديات تتطلب استراتيجية متطورة تعزز من قدرتها على التكيف والتأقلم، مما يتطلب قدرة قطر على استيعاب التغيرات وتعديل سياساتها بمرونة لضمان الحفاظ على مصالحها الوطنية والدولية.
تعزيز التعاون الدولي والإقليمي
يعزز التعاون مع دول ومنظمات دولية مختلفة من تأثير قطر على الساحة الدولية ويوسع نطاق تأثيرها الدبلوماسي. هذا يشمل العمل على بناء شراكات متينة وإقامة علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف تعزز من مكانتها وتساهم في حل المشكلات الإقليمية والدولية بشكل فعال.
الابتكار في الدبلوماسية
تعمل قطر على تطوير استراتيجيات دبلوماسية جديدة ومبتكرة تعزز من تأثيرها الدولي وتسهم في تحقيق أهدافها السياسية بشكل أكثر فعالية. كذلك يعزز استخدام التكنولوجيا والدبلوماسية الرقمية من قدرتها على التفاعل مع الجماهير الدولية والتأثير في صياغة السياسات العالمية.
إدارة الخلافات الإقليمية بحكمة
المنطقة التي تتواجد فيها قطر معقدة ومحفوفة بالتحديات الإقليمية، مما يتطلب منها استراتيجيات دبلوماسية حكيمة لإدارة الخلافات والتوترات بين الأطراف المختلفة. كما أن بناء الجسور الدبلوماسية ودعم جهود الوساطة يمكن أن يساهم في تحقيق الاستقرار والسلام الإقليمي.
الاستثمار في التنمية المستدامة
تسعى قطر إلى دعم المبادرات الدولية للتنمية المستدامة كجزء من دورها كلاعب عالمي مسؤول، مما يعزز من تأثيرها الإيجابي ويساهم في بناء علاقات متينة مع الدول والمنظمات الدولية الأخرى.
باستخدام هذه الاستراتيجيات والتحليل الدقيق، يمكن لقطر تعزيز قدراتها الدبلوماسية والتأثيرية في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، مما يساهم في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الخارجية بشكل فعال ومستدام.[145]
الخاتمة :-
احتل مفهوم دبلوماسية الرياضة مكانة هامة في أروقة الدبلوماسية العامة خلال العشر سنوات الأخيرة، وأصبحت الرياضة أحد أدوات تشكيل صور الدول على المسرح العالمي، ويظهر ذلك جلياً من خلال تعبير الجماهير عن مشاعرها الحقيقية تجاه قضية ما أو دولة ما أثناء الأحداث الرياضية. وهو ما يمكن أن يشكل مساحة لكل دولة لبناء صورة ذهنية عنها وعن قوتها الناعمة، وأيضا يحمل في طياته مخاطر يمكن أن تتعرض لها الدولة نتيجة إثارة مشاعر الجماهير أو عدائها لقضية ما أو دولة ما، حيث تنجح الأحداث الرياضية الضخمة في جذب انتباه مليارات الأشخاص، وهي الفكرة التي أشار لها جوزيف ناي في كتابه “القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية”، عندما ذكر أن الرياضة يمكن أن تلعب دوراً هاما في نقل القيم وإيصالها وهو ما قامت به العديد من الدول التي سبق ونظمت أحداثا رياضية عالمية، فضلا عن أنها تعد منصة مثالية لتسليط الضوء على الدولة المضيفة مما يعزز من سمعة الدولة في الساحة الدولية.
أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة:-
شهد مفهوم الدبلوماسية الرياضية تطوراً ملحوظاً حيث أصبحت الرياضة أداة فعالة لتحقيق الأهداف السياسية والدبلوماسية. استخدمت الدول الرياضة كوسيلة لتعزيز التعاون الدولي والتفاهم بين الشعوب وتجنب النزاعات. حيث أكدت الدراسات والنماذج الواقعية أن الدبلوماسية الرياضية تسهم بشكل كبير في تحسين العلاقات بين الدول وتعزيز السلام العالمي. على سبيل المثال، تمكنت دول مثل قطر من استخدام الأحداث الرياضية الكبرى لتعزيز مكانتها الدولية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
اعتمدت قطر على مجموعة متنوعة من الأدوات الدبلوماسية، بما في ذلك الدبلوماسية الرياضية، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. برغم من التوترات الإقليمية والتحديات الاقتصادية التي واجهتها، فقد استثمرت قطر بشكل كبير في البنية التحتية الرياضية واستضافة الأحداث الرياضية الكبرى مثل كأس العالم 2022. هذا الاستثمار لم يقتصر على البنية التحتية فقط، بل شمل أيضاً إعداد برامج رياضية وبرامج تطوير للشباب تساهم في تعزيز قوتها الناعمة والترويج لصورتها كدولة متقدمة ومضيافة.
أثبتت الدبلوماسية الرياضية القطرية فاعليتها في تحسين العلاقات الدولية لقطر وتعزيز مكانتها العالمية. لقد ساهمت الأحداث الرياضية في تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي مع العديد من الدول. فاستضافة قطر لكأس العالم 2022 لم يكن مجرد حدث رياضي، بل كان مناسبة لعرض قدرة الدولة على التنظيم والإدارة وتقديم صورة إيجابية للعالم. إضافة إلى ذلك، تمكنت قطر من استخدام الرياضة كأداة لفتح قنوات جديدة للتعاون الدولي، وتعزيز دورها كلاعب رئيسي في السياسة الإقليمية والدولية.
تظهر التجارب أن استثمار قطر في الرياضة يعزز من تأثيرها السياسي والاقتصادي. فالشراكات الرياضية والتبادل الثقافي المرتبط بالفعاليات الرياضية الكبرى ساهم في تعزيز العلاقات الثنائية مع العديد من الدول، وفتح فرص اقتصادية جديدة تتجاوز قطاع الرياضة. علاوة على ذلك، ساعدت هذه الاستثمارات في خلق صورة دولية لقطر كدولة قادرة على التأثير الإيجابي في المشهد العالمي من خلال القوة الناعمة.
من ناحية أخرى، استخدمت قطر الرياضة كوسيلة لتعزيز الحوار الثقافي والتفاهم بين الشعوب، مما أسهم في تخفيف التوترات الإقليمية وفتح قنوات جديدة للتعاون.كما أسهمت مبادرات مثل أكاديمية أسباير ومنظمة العمل ضد الفساد الرياضي في تعزيز القيم الأخلاقية والشفافية في الرياضة، ما يعكس التزام قطر بالتنمية المستدامة والممارسات العادلة.
بشكل عام، تؤكد النتائج أن الدبلوماسية الرياضية أثبتت فعاليتها كأداة لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية لقطر، وقدمت نموذجاً ناجحاً لكيفية استخدام الرياضة لتعزيز السياسة الخارجية، وخلق بيئة دولية إيجابية تدعم التنمية الاقتصادية والتفاهم الثقافي.
التوصيات:-
استناداً إلى النتائج المستخلصة من دراسة أثر الدبلوماسية الرياضية في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية في الفترة من 2003 إلى 2023، تُقدم الباحثة مجموعة من التوصيات لضمان تعزيز فاعلية وتأثير هذه الأداة الدبلوماسية:
أولاً، يُوصى بالاستمرار في الاستثمار في البنية التحتية الرياضية واستضافة الأحداث الرياضية الكبرى لتعزيز القوة الناعمة لقطر. يمثل هذا الاستثمار أساساً متيناً لتحقيق تأثير طويل الأمد في المشهد الدولي. لقد أظهرت التجارب أن استضافة فعاليات رياضية كبرى مثل كأس العالم لكرة القدم 2022 ، تساهم بشكل كبير في تحسين صورة الدولة وتعزيز مكانتها العالمية. لذلك، يجب على قطر الاستمرار في تطوير منشآتها الرياضية وفق أعلى المعايير الدولية، مما سيمكنها من استضافة المزيد من البطولات الدولية وجذب الانتباه العالمي.
ثانياً، يجب زيادة الجهود لتعزيز التعاون الرياضي مع دول أخرى. كذلك يمكن التعاون الرياضي أن يسهم في تعزيز السلام والتفاهم الدولي، وهو ما يمثل أحد أهداف الدبلوماسية الرياضية. كما يمكن لقطر أن تنظم برامج تبادل رياضي وثقافي مع دول مختلفة، مما يتيح فرصاً جديدة للتعاون وبناء علاقات ثنائية قوية. هذه المبادرات يمكن أن تشمل تنظيم معسكرات تدريبية مشتركة، وبرامج تعليمية رياضية، وبطولات ودية تجمع الرياضيين من مختلف أنحاء العالم.
ثالثاً، ينبغي لقطر تنويع أدواتها الدبلوماسية وعدم الاعتماد بشكل كامل على الرياضة لضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية في كافة الظروف. رغم أهمية الدبلوماسية الرياضية، إلا أنه يجب استخدامها كجزء من استراتيجية شاملة تضم أدوات دبلوماسية أخرى مثل الدبلوماسية الثقافية، والاقتصادية، والعلمية. فضلاً عن تنويع الأدوات الذي سيمنح قطر مرونة أكبر في التعامل مع مختلف التحديات الدولية والإقليمية، ويعزز من قدرتها على تحقيق أهدافها في جميع الظروف.
رابعاً، يجب إجراء تقييمات دورية لفعالية الدبلوماسية الرياضية والسياسات الخارجية لضمان تحقيق الأهداف المرسومة وتعديل الاستراتيجيات حسب الحاجة. هذا التقييم يمكن أن يتم من خلال إنشاء هيئة مستقلة لتقييم السياسات الدبلوماسية الرياضية، تجمع بين الخبراء المحليين والدوليين لتقديم تقارير شاملة حول الفعالية والمجالات التي تحتاج إلى تحسين. هذه العملية ستمكن قطر من تطوير استراتيجيات أكثر فعالية وتحقيق أفضل النتائج الممكنة.
خامساً، تعزيز دور الإعلام في تسليط الضوء على الجهود الرياضية والدبلوماسية يمكن أن يسهم في زيادة الدعم الدولي والمحلي لهذه السياسات. فالإعلام يلعب دوراً حيوياً في نقل الصورة الإيجابية للبلاد وتعزيز الوعي الدولي بجهودها في مجال الدبلوماسية الرياضية. لذلك، يُوصى بتطوير استراتيجية إعلامية متكاملة تتضمن حملات ترويجية على المستويين المحلي والدولي، وإشراك وسائل الإعلام العالمية في تغطية الفعاليات الرياضية التي تستضيفها قطر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لقطر تعزيز استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر قصص النجاح وتسليط الضوء على مبادراتها في مجال الدبلوماسية الرياضية.
سادساً، ينبغي التركيز على التعليم والتدريب في مجال إدارة الرياضة والدبلوماسية الرياضية. كما يمكن إنشاء برامج دراسات عليا متخصصة في هذا المجال بالتعاون مع الجامعات المحلية والدولية، مما سيسهم في إعداد كوادر متخصصة قادرة على تطوير وتنفيذ استراتيجيات دبلوماسية رياضية فعالة. هذه البرامج يمكن أن تشمل دورات تدريبية وورش عمل متقدمة لتزويد المشاركين بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحقيق أهداف الدبلوماسية الرياضية.
أخيراً، يمكن لقطر الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال الدبلوماسية الرياضية لتطوير ممارساتها وسياساتها. فضلاً عن تبادل الخبرات والمعرفة مع الدول الرائدة في هذا المجال يمكن أن يوفر لقطر رؤى جديدة وأفكار مبتكرة لتعزيز دور الرياضة في سياستها الخارجية.
في الختام، تعكس هذه التوصيات أهمية الدبلوماسية الرياضية كأداة لتعزيز السياسة الخارجية القطرية، ولكنها تؤكد أيضاً على ضرورة تنويع الأدوات واستخدام استراتيجيات شاملة لضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة في جميع الظروف.
قائمة المراجع
قائمة المراجع باللغة العربية:-
أولاً:- الوثائق:-
الميثاق العربي لحقوق الإنسان، جامعة الدول العربية، 2004،
http://www.lasportal.org/ar/legalnetwork/Documents/%D8%A7%D9%84%D9%85%
ثانياً:-الكتب :-
- د. عبد العزيز بن محمد بن جبر آل ثاني ، كتاب السياسة الخارجية القطرية خلال الفترة 1995_2005م
- محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية ، مكتبه النهضة العلمية ، 1989 – العلاقات الدولية
- سعيد محمد ابو عباه، كتاب الدبلوماسية: تاريخها مؤسساتها انواعها قوانينها ، دار الشيماء للنشر والتوزيع ، 2009
- نواف التميمي ، كتاب الدبلوماسية وتكوين السمة الوطنية النظرية والتطبيق على نموذج قطر – 2018
- حسن المستكاوي، النادي الاهلي قلعة للبطولة الوطنية, القاهرة: دار الشرق, 2009
- د. محمد بن نوميي، السياسة الخارجية القطرية، الطبعة الرابعة – 2023م – 1445هـ، الناشر: وزارة الثقافة، إدارة الإصدارات والترجمة.
- طارق عبدالوهاب احمد محمد، سياسة قطر الخارجية استثمار في القوة الناعمة (1995- 2017)
- علي جلال معوض، مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية ، الناشر، مكتبة الإسكندرية ، 2019
ثالثاً:- الرسائل :-
- الحتامله، الشيماء عمر خالد، السياسة الخارجية القطرية تجاه قوي إقليمية في الشرق الأوسط: إيران وتركيا كحالة دراسة 2010-2018 ، رسالة ماجستير, جامعة اليرموك، كلية الآداب، الاردن، 2019
- نادر زهير قاسم،عبدالرحمن الحاج إبراهيم، توظيف الرياضة في السياسة الدولية، رسالة ماجستير _ جامعة بيرزيت _ كلية الدراسات العليا ، 2013
- إيمان قديح ، تحول مفهوم القوة في العلاقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة ، رسالة ماجستير كلية الحقوق والعلوم السياسية 2017
- شروق إبراهيم محمود زيد، الدبلوماسية العامة الفلسطينية : الرياضة نموذجاً للقوة الناعمة، رسالة ماجستير_جامعة بيرزيت ، 2017
- رعد أحمد عيسى الحسنات، أثر القوة الناعمة على السياسة الخارجية: دولة قطر أنموذجا 2011-2021 ، رسالة ماجستير_ جامعة آل البيت ، 2022
- عبدالله سالم ناصر النعيمي، السياسة الخارجية القطرية في بعدها العربي والإقليمي والدولي 2010-2015 ، رسالة ماجستير _ الجامعة الاردنية ، 2017
- عبد الرحمن محمد ، السياسة الخارجية القطرية وأدواتها الدبلوماسية،رسالة ماجستير ، جامعة حمد بن خليفة (قطر)، 2018
رابعاً:- الدوريات :-
- على محمد شمبش، مفهوم السياسة الخارجية : دارسة الأهداف والوسائل، دراسات في الاقتصاد والتجارة، الناشر: جامعة بنغازي – كلية الاقتصاد – مكتب البحوث ، مج11, ع2
- محمد سالم صالح، القوة والسياسة الخارجية : دراسة نظرية ، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية ، الناشر:جامعة الكوفة – كلية القانون،مج 2, ع 6
- عبد الرحمن النجاري ، محددات السياسة الخارجية ،مجلة التجارة والتمويل ، جامعة طنطا – كلية التجارة ،ع 2
- تركي بن صالح العواد ، القوة الناعمة: تعريفها ومصادرها وأهميتها وأختلافها عن القوة الصلبة، مجلة الدراسات الدولية , ع27 ، معهد الدراسات الدبلوماسية ،2016
- ماريوا دي مارتيني، القوة الناعمة الإطار النظري والأسس السياسية المجلة المغربية للعلوم الاجتماعية والانسانية , ع19 ، 2022
- قراءات في كتاب القوة الناعمة لجوزيف ناى ،مجلة ركائز معرفية , مج5, ع1 ، مركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث ، 2018
- جوزيف ناى ، القوة الناعمة : وسيلة النجاح في السياسة الدولية، المجلة الاجتماعية القومية , مج49, ع3 ، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، 2012
- تركي بن صالح العواد، الدبلوماسية العامة، مجلة الدبلوماسي، وزارة الخارجية – معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، ع82 ، 2015
- فيليب م . تايلور ، الدبلوماسية العامة ومكانتها في السياسة الخارجية، مجلة الدبلوماسي ، الناشر:وزارة الخارجية – معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، ع 52 ، 2010
- أحمد سامي عبدالفتاح، لماذا تتنافس الدول على استضافة كأس العالم ، آفاق سياسية، الناشر: المركز العربي للبحوث والدراسات، ع96، 2023
- باسكال بونيفاس، محمد السعدي ، جيوسياسية الرياضة، رؤى استراتيجية ، الناشر:مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مج2, ع8 ،2014
- هادي شيب، سميرة ناصري، الرياضة والسياسة في عالمنا العربي،مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية ، الناشر: جامعة باتنة 1 الحاج لخضر – كلية الحقوق والعلوم السياسية، ع5 ،2015
- كرم سعيد، أبعاد التداخل بين كرة القدم والعلاقات الدولية، مجلة السياسة الدولية ، مؤسسة الاهرام، المجلد/العدد: س51, ع202، 2015
- علي الدين هلال، العلاقة بين الرياضة والسياسة، مجلة النهضة، جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مج 9, ع 2 ،2008
- محمد السيد سليم، الألعاب الرياضية والعلاقات الدولية، مجلة السياسة الدولية ، الناشر:مؤسسة الاهرام، المجلد/العدد: س 26, ع 101 1990
- رشيد البزيم، المشاريع الرياضية والثقافية في دول الخليج والقوة الناعمة، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، الناشر: جامعة الكويت – مجلس النشر العلمي، المجلد/العدد: س47, ع183، 2021
- محمد رحوتي، توظيف الألعاب الرياضية في السياسة الخارجية للدول: كرة القدم نموذجا، مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية، الناشر:حميد اليسسفي ، المجلد/العدد: ع19,20 ، 2022
- علي محمد مصطفى ديهوم، القوة الناعمة ودورها في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية “1995-2020 م.”،مجلة العلوم الاقتصادية والسياسية , الناشر:الجامعة الأسمرية الإسلامية – كلية الاقتصاد والتجارة ، مج19, ع1 ، 2022
- محمد عبدالله اشكناني، القوة الناعمة للسياسة الخارجية القطرية ودورها تجاه الأزمات السياسية والاقتصادية 2011-2021 ، رسالة ماجستير _ جامعة اليرموك ، 2022
- محمد مرعى جاسم ، السياسة الخارجية القطرية بعد 2010: المتغيرات والدور الإقليمى المتوثب، مجلة العلوم القانونية والسياسية ، الناشر: الجمعية العلمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، المجلد/العدد:س9, ع3 ، 2019
- أحمد قاسم حسين، الرياضة وحقل العلاقات الدولية: التفكير في الرياضة عبر عدسات النظريات الوضعية، مجلة السياسات العربية، العدد 28، المجلد 10 ، سبتمبر 2022 , ص 65
- علي نجات، دبلوماسية الرياضية القطرية والدروس المستفادة للعراق، مركز البيان للدراسات والتخطيط ، 2022
- مروان محمد عبود، دور الدبلوماسية الرياضية في تعزيز العلاقات بين الشعوب المتجاورة: دراسة حالة دول الخليج العربي ، جامعة الأنبار/ كلية القانون والعلوم السياسية، العدد 46 المجلد الأول، 2023
- سنى الخطيب، كأس العالم 2022 فضاءً لتصدير هوية قطرية عالم-محلية ، مجلة السياسات العربية، العدد 58، المجلد 10، سبتمبر 2022
- كمال حميدو، الإعلام والرياضة كأداتين لبناء السمة الوطنية والتسويق لها: الاستراتيجية القَطرية نموذجًا، مجلة السياسات العربية، العدد 57 المجلد – 10 ، يوليو 2022
- هادي الشيب ، مهارات التربية البدنية الرياضية كأداة للدبلوماسية العامة قطر وفلسطين نموذجا، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية، المجلد 4 ، العدد 2 ، 2017
- د. مي سامي المرشد ، استراتيجية القوة الناعمة في السياسة الخارجية – دراسة حالة الواليات المتحدة، مجلة العلوم السياسية والقانون،https://democraticac.de/?p=80924 ،2022
- كاترين فرج الله، الدبلوماسية الناعمة.. ضرورة استراتيجية فى توازن العلاقات الدولية، مجلة السياسة الدولية ، 25-9-2023 , https://www.siyassa.org.eg/News/19685.aspx
- علي حسين الشامي، الدبلوماسية: نشأتها وتطورها وقواعدها ونظام الحصانات والامتيازات الدبلوماسية ( عمان، دار الثقافة للنشر والتوزيع 2011 )
- هديل داهي عبدالله ، الفلسفة الحديثة للألعاب الأولمبية القديمة والحديثة ، دراسة إيديولوجية مقارنة، مجلة علوم التربية الرياضية، العدد الرابع، المجلد الرابع، 2011 ، ص 213-210
- كمال الربضي، الرياضة في السياسة الدولية، عمان: الجامعة الأردنية، 1989
- رجاء الله السلمي، التعصب الرياضي وتأثير وسائل الإعلام الجديدة، ورقة بحثية مقدمة لجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية، الرياض2014
- محمد سليمان الأحمد، عقود تنظيم المسابقات الرياضية والمسؤولية الناجمة عنها، عمان: دار وائل للنشر، 2002 , ص 80- 82
- محمد صادق إسماعيل، تجربة جنوب إفريقيا ( نيلسون مانديال والمصالحة الوطنية) ،القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2014
- محمد أحمد علي مفتي: الدور السياسي للألعاب الرياضية، الرياض : جامعة الملك سعود 1993
خامساً:- مواقع الإنترنت:-
- د. وليد عبد الحي ، الديبلوماسية الرياضية: مونديال قطر نموذجاً, مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ، يناير 2023, https://www.alzaytouna.net/2023/01/01/%D9%88%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9D9%88%D9%86/
- آية عنان ، دبلوماسية الرياضة والعلاقات الدولية: كأس العالم 2022 نموذجًا ، المرصد المصري ، 2022، https://marsad.ecss.com.eg/74784/
- د. مروة فكري ، ما بعد القوة الناعمة: السياسة القطرية تجاه دول الثورات العربية ، مجلة السياسة الدولية ، 2012 , https://www.siyassa.org.eg/News/2067.aspx
- مصطفي أحمد، دبلوماسية الرياضة: كيف تساهم الفعاليات في تعزيز سمعة الدول؟ 29 مارس 2023 ، https://www.habtoorresearch.com/ar/programmes/%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84
- محمد الطائي، الرياضة وتداعيات القوة الناعمة .. مونديال قطر نموذجاً ، https://arabprf.com/?p=3860&=1
- د. سليمان صالح، الرياضة.. كيف أصبحت القوة الناعمة للدول؟ 21 أغسطس 2021 , https://m.al-sharq.com/opinion/21/08/2021/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D8%A9-%D9%83%D9%8A%D9
- نعمان عبد الغني، الألعاب الرياضة والعلاقات الدولية، موقع بالعربي الإخباري، 2015، http://www.belarabinews.net/news/145828html
- روسيا اليوم، السعودية وإيران.. تاريخ أسود من الكراهية تغذيها الطائفية والعرقية، 2016، https://arabic.rt.com/news/806333
- تفاقم الأزمة بين القاهرة والجزائر.. والسودان تهاجم مصر ، CNN , 19 /12/ 2009، http://archive.arabic.cnn.com/2009/middle_east/11/19/egypt.algeria
- مانديلا.. وظف الرياضة لإنهاء التمييز العنصري، سكاي نيوز عربية، 2016/12/8 , http://www.skynewsarabia.com
- من 1995 إلى 2010 : المصالحة عبر الرياضة في جنوب أفريقيا، موقع كورة الرياضي، http://www.kooora.com/?n=67873
- محمد علاء ، ”كتالونيا“ من الحكم الإسبانى.. للبحث عن الاستقلال، وكالة الأنباء اونا، 14 نوفمبر 2014، http://onaeg.com/?p=2028424
- د. أحمد خميس، الكرة والسياسة، مركز الأهرام للدراسات لسياسية والاستراتيجية ، 2019 , https://acpss.ahram.org.eg/News/16929.aspx
- إيمان علاء الدين، الرياضة والسياسة والهوية: جدالات كأس العالم لكرة القدم ، مركز الحضارة للدراسات والبحوث ، أبريل 2022, https://hadaracenter.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9
ثانياً:- قائمة المراجع باللغة الإنجليزية :-
- Olga G. Leonov ,Soft Power as a State’s Foreign Policy Resource ,Globalists and Globalization Studies,2014,
https://www.sociostudies.org/almanac/articles/files/globalistics_and_globalization_3/099-103.pdf.
- Thierry Côme, Michel Raspaud, Sports diplomacy: A strategic challenge for Qatar, Volume 81, Issue 2, 2018, pages 169 to 175
- Alioune Aboutalib, leveraging sports for public diplomacy outcomes: the case of qatar’s fifa world cup 2022
- Tarek Elias, “Qatar’s Sports Diplomacy as a Driver for International Visibility, Prestige, and Branding” , 2021
- Håvard Stamnes Søyland, Qatar’s sports strategy: A case of sports diplomacy or sportswashing?, Master in International Studies University Institute of Lisbon، November, 2020
- Giorgio Cafiero, Kristian Alexander, Qatar’s soft power sports diplomacy, March 9, 2020 , https://www.mei.edu/publications/qatars-soft-power-sports-diplomacy
- Qatar’s Sports Diplomacy Project, July 2, 2020 , https://breakingthelines.com/investigation-piece/qatars-sports-diplomacy-project
- Nermeen Singer, Role of World Cup Soccer in Healing the Gulf Region: Zeal of Qatar’s Sport Diplomacy and Soft Power, March 10, 2023, https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=4406327
- David Ellwood, soft power and public diplomacy in qatar after the world cup,
Mar16, 2023 , https://uscpublicdiplomacy.org/blog/soft-power-and-public-diplomacy-qatar-after-world-cup
- Hans Erik Næss, A figurational approach to soft power and sport events. The case of the FIFA World Cup Qatar 2022, Volume 5 – 2023 |, https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fspor.2023.1142878/ful
- Amnah Mosly ,Sports Diplomacy in the GCC, June 2022
- Kristian Coates Ulrichsen, The World Cup’s importance to Qatar’s foreign policy, November 14, 2022, https://gulfstateanalytics.com/the-world-cups-importance-to-qatars-foreign-policy/
- Sports Diplomacy in Motion Opportunities and Challenges of Sport in International Relations , https://sportdiplomacy.wordpress.com/
- Amrashaa Singh, Sports and Soft Power: Qatar Diplomacy in light of Football World Cup, December 26, 2022, https://nickledanddimed.com/2022/12/26/sports-and-soft-power-qatar-diplomacy-in-light-of-football-world-cup/
- Thierry Côme, Michel Raspaud, Sports diplomacy: A strategic challenge for Qatar
In Hermès, La Revue Volume 81, Issue 2, 2018, pages 3 – 5 , Publishers C.N.R.S. Editions, https://www.cairn-int.info/article-E_HERM_081_0169–sports-diplomacy-a-strategic-challenge.htm#:~:text=By%20means%20of%20the%20soft,l’Arc%20de%20Triomphe%2C%2or
- Ewan Morgan, Qatar’s Sports Diplomacy Project, 2 July 2020, https://breakingthelines.com/investigation-piece/qatars-sports-diplomacy-project/
- Amrashaa Singh, Sports and Soft Power: Qatar Diplomacy in light of Football World Cup, December 26, 2022 https://nickledanddimed.com/2022/12/26/sports-and-soft-power-qatar-diplomacy-in-light-of-football-world-cup
- /Arnau Gonzàlez I Vilalta, The Catalan Countries Project (1931-1939), Department of Contemporany History, Universitat Autònoma de Barcelona (Barcelona :Institute of Political and Social Sciences, 2006),pp16-1
- Elena gurgu, the role of public diplomacy in international relations in full process of globalization , Annals of Spiru Haret University Economic Series, Issue 2/2016
- Dosari-Al Noof , Sport and international relations: Qatar soft power and foreign policy making, ,Tajseer , Issue 2 , Volume 3, 2021
[1] علي نجات، دبلوماسية الرياضية القطرية والدروس المستفادة للعراق، مركز البيان للدراسات والتخطيط ، 2022، نوفمبر 2022 , ص ٣ https://www.bayancenter.org/2022/11/8991/
[2] المرجع السابق
[3] رعد أحمد عيسى الحسنات، أثر القوة الناعمة على السياسة الخارجية: دولة قطر أنموذجا 2011-2021 ، رسالة ماجستير_ جامعة آل البيت ، 2022، ص 20
[4] المرجع السابق
[5] د. أحمد خميس، الكرة والسياسة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، 2019 , https://acpss.ahram.org.eg/News/16929.aspx
[6] نادر زهير قاسم،عبدالرحمن الحاج إبراهيم، توظيف الرياضة في السياسة الدولية، رسالة ماجستير _ جامعة بيرزيت _ كلية الدراسات العليا ، 2013
[7] مقال وزارة الخارجية الأمريكية، مكتب الشؤون التعليمية والثقافية تحت عنوان “ما هي دبلوماسية الرياضة؟ “،
Bureau of Educational and Cultural Affairs, What is Sports Diplomacy ?, http://exchanges.state.gov/sports/diplomacy.html
[8] نادر زهير قاسم،عبدالرحمن الحاج إبراهيم، توظيف الرياضة في السياسة الدولية، رسالة ماجستير _ جامعة بيرزيت _ كلية الدراسات العليا ، 2013
[9] محمد السيد سليم، الألعاب الرياضية والعلاقات الدولية، مجلة السياسة الدولية ، الناشر:مؤسسة الاهرام، المجلد/العدد: س 26, ع 101 ، 1990
[10] رحوتي محمد، توظيف الألعاب الرياضية في السياسة الخارجية للدول: كرة القدم نموذجا، مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية، الناشر: حميد اليسسفي ، المجلد/العدد: ع19,20 ، 2022
[11] هادي شيب، سميرة ناصري، الرياضة والسياسة في عالمنا العربي، مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية ، الناشر: جامعة باتنة 1 الحاج لخضر – كلية الحقوق والعلوم السياسية، ع5 ، 2015
[12] شروق إبراهيم محمود زيد، الدبلوماسية العامة الفلسطينية : الرياضة نموذجاً للقوة الناعمة، رسالة ماجستير_جامعة بيرزيت ، 2017
[13] علي نجات، دبلوماسية الرياضية القطرية والدروس المستفادة للعراق، مركز البيان للدراسات والتخطيط ، 2022
[14] “دبلوماسية الرياضة وآبارتهايد جنوب إفريقيا “،
Sports Diplomacy and Apartheid South Africa للباحث ألكساندر الفرتي، من جامعة جنوب كاليفورنيا
Alex Laverty: Sports Diplomacy and Apartheid South Africa,2010, from https://theafricanfile.com/politicshistory/sports-diplomacy-and-apartheid-south-africa/
[15] مروان محمد عبود، دور الدبلوماسية الرياضية في تعزيز العلاقات بين الشعوب المتجاورة: دراسة حالة دول الخليج العربي ، جامعة الأنبار/ كلية القانون والعلوم السياسية، العدد 46 المجلد الأول، 2023
[16] رشيد البزيم، المشاريع الرياضية والثقافية في دول الخليج والقوة الناعمة، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، الناشر: جامعة الكويت – مجلس النشر العلمي، المجلد/العدد: س47, ع183 ، 2021
[17] رعد أحمد عيسى الحسنات، أثر القوة الناعمة على السياسة الخارجية: دولة قطر أنموذجا 2011-2021 ، رسالة ماجستير_ جامعة آل البيت ، 2022
[18] نواف التميمي ، كتاب الدبلوماسية وتكوين السمة الوطنية النظرية والتطبيق على نموذج قطر – 2018
[19] علي محمد مصطفى ديهوم، القوة الناعمة ودورها في تنفيذ السياسة الخارجية القطرية “1995-2020 م.”، مجلة العلوم الاقتصادية والسياسية , الناشر: الجامعة الأسمرية الإسلامية – كلية الاقتصاد والتجارة ، مج19, ع1 ، 2022
[20] حسين محمد نعيم الحق، الإسلام كقوة ناعمة لدولة قطر في تنظيم كأس العالم 2022 ، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، الناشر: جامعة قطر – مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية , مج3, ع2 ، 2021
[21] عبد الرحمن محمد ، السياسة الخارجية القطرية وأدواتها الدبلوماسية، جامعة حمد بن خليفة (قطر)، 2018
[22] طارق عبدالوهاب احمد محمد، سياسة قطر الخارجية استثمار في القوة الناعمة (1995- 2017)
[23] على محمد شمبش، مفهوم السياسة الخارجية : دارسة الأهداف والوسائل، دراسات في الاقتصاد والتجارة، الناشر: جامعة بنغازي – كلية الاقتصاد – مكتب البحوث ، مج11, ع2
[24] محمد سالم صالح، القوة والسياسة الخارجية : دراسة نظرية ، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية ، الناشر: جامعة الكوفة – كلية القانون،مج 2, ع 6
[25] تركي بن صالح العواد، الدبلوماسية العامة، مجلة الدبلوماسي، وزارة الخارجية – معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، ع82 ، 2015
[26] فيليب م . تايلور ، الدبلوماسية العامة ومكانتها في السياسة الخارجية، مجلة الدبلوماسي ، الناشر: وزارة الخارجية – معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، ع 52 ، 2010
[27] سعيد محمد ابو عباه، كتاب الدبلوماسية: تاريخها مؤسساتها انواعها قوانينها ، دار الشيماء للنشر والتوزيع ، 2009
[28] المرجع السابق
[29] مارتن غريفيتش، تيري أوكالاهان، المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية ، (الإمارات العربية المتحدة: مركز الخليج لألبحاث، ٢٠٠٨) ص. ٣٨٧-٣٨٨.
[30] محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية ، مكتبه النهضة العلمية ، 1989 – العلاقات الدولية
[31] أحمد قاسم حسين، الرياضة وحقل العلاقات الدولية: التفكير في الرياضة عبر عدسات النظريات الوضعية، مجلة السياسات العربية، العدد 28، المجلد 10 ، سبتمبر 2022 , ص 65
[32] تركي بن صالح العواد ، القوة الناعمة: تعريفها ومصادرها وأهميتها وأختلافها عن القوة الصلبة، مجلة الدراسات الدولية , ع27 ، معهد الدراسات الدبلوماسية ،2016
[33] ماريوا دي مارتيني، القوة الناعمة الإطار النظري والأسس السياسية، لمجلة المغربية للعلوم الاجتماعية والانسانية , ع19 ، 2022
[34] قراءات في كتاب القوة الناعمة لجوزيف ناى ، مجلة ركائز معرفية , مج5, ع1 ، مركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث ، 2018
[35] د. مي سامي المرشد ، استراتيجية القوة الناعمة في السياسة الخارجية – دراسة حالة الواليات المتحدة، مجلة العلوم السياسية والقانون،
https://democraticac.de/?p=80924 ،2022
[36] جوزيف ناى ، القوة الناعمة : وسيلة النجاح في السياسة الدولية، المجلة الاجتماعية القومية , مج49, ع3 ، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، 2012
[37] محمد سالم صالح، القوة والسياسة الخارجية : دراسة نظرية ، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية ، الناشر:جامعة الكوفة – كلية القانون،مج 2, ع 6
[38] المرجع السابق
[39] علي حسين الشامي، الدبلوماسية: نشأتها وتطورها وقواعدها ونظام الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية ( عمان،
دار الثقافة للنشر والتوزيع 2011 ) , ص ٢٧
[40] المرجع السابق ، ص ٢٧ ، ٢٨
[41] فيليب م . تايلور ، الدبلوماسية العامة ومكانتها في السياسة الخارجية، مجلة الدبلوماسي ، الناشر: وزارة الخارجية – معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، ع 52 ، 2010
[42] تركي بن صالح العواد، الدبلوماسية العامة، مجلة الدبلوماسي، وزارة الخارجية – معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، ع82 ، 2015
[43] Elena gurgu, the role of public diplomacy In International Relations In Full Process
Of Globalization, Annals of Spiru Haret University Economic Series, Issue 2/2016
[44] شروق إبراهيم محمود زيد، الدبلوماسية العامة الفلسطينية : الرياضة نموذجاً للقوة الناعمة، رسالة ماجستير_جامعة بيرزيت ، 2017, ص 5
[45] المرجع السابق ، ص 6
[46] المرجع السابق ، ص 7
[47] المرجع السابق ، ص 8 ، 9
[48] الميثاق العربي لحقوق االنسان، جامعة الدول العربية 2004 ،
http://www.lasportal.org/ar/legalnetwork/Documents/%D8%A7%D9%84%D9%85%
[49] المرجع السابق
[50] هديل داهي عبدالله ، الفلسفة الحديثة للألعاب الأولمبية القديمة والحديثة ، دراسة إيديولوجية مقارنة، مجلة علوم التربية الرياضية، العدد الرابع، المجلد الرابع، 2011 ، ص 213-210
[51] كمال الربضي، الرياضة في السياسة الدولية، عمان: الجامعة الأردنية، 1989 ، ص 21
[52] نعمان عبد الغني، الألعاب الرياضة والعلاقات الدولية، موقع بالعربي الإخباري، 2015
http://www.belarabinews.net/news/145828html
[53] نادر زهير قاسم،عبدالرحمن الحاج إبراهيم، توظيف الرياضة في السياسة الدولية، رسالة ماجستير _ جامعة بيرزيت _ كلية الدراسات العليا ، 2013
[54] علي الدين هلال، العلاقة بين الرياضة والسياسة، مجلة النهضة، جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مج 9, ع 2 , 2008
[55] محمد رحوتي، توظيف الألعاب الرياضية في السياسة الخارجية للدول: كرة القدم نموذجا، مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية، الناشر: حميد اليسسفي، المجلد/العدد: ع19,20 ، 2022
[56] محمد السيد سليم، الألعاب الرياضية والعلاقات الدولية، مجلة السياسة الدولية ، الناشر:مؤسسة الاهرام، المجلد/العدد: س 26, ع 101
، 1990
[57] هادي شيب، سميرة ناصري، الرياضة والسياسة في عالمنا العربي، مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية ، الناشر: جامعة باتنة 1 الحاج لخضر – كلية الحقوق والعلوم السياسية، ع5 ، 2015
[58] شروق إبراهيم محمود زيد، الدبلوماسية العامة الفلسطينية : الرياضة نموذجاً للقوة الناعمة، رسالة ماجستير_جامعة بيرزيت ، 2017، ص ٣٦, ٣٧
[59] روسيا اليوم، السعودية وإيران.. تاريخ أسود من الكراهية تغذيها الطائفية والعرقية، 2016
https://arabic.rt.com/news/806333
[60] تفاقم الأزمة بين القاهرة والجزائر.. والسودان تهاجم مصر ، CNN , 19 /12/ 2009
http://archive.arabic.cnn.com/2009/middle_east/11/19/egypt.algeria
[61] رجاء الله السلمي، التعصب الرياضي وتأثير وسائل الإعلام الجديدة، ورقة بحثية مقدمة لجامعة الأمير نايف
للعلوم الأمنية، الرياض2014، ص 447
[62] محمد سليمان الأحمد، عقود تنظيم المسابقات الرياضية والمسؤولية الناجمة عنها، عمان: دار وائل للنشر، 2002 , ص 80- 82
[63] حسن المستكاوي، النادي الاهلي قلعة للبطولة الوطنية, القاهرة: دار الشرق, 2009 , ص 5- 8
[64] محمد صادق إسماعيل، تجربة جنوب إفريقيا ( نيلسون مانديال والمصالحة الوطنية) ،القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2014، ص 15
[65] محمد أحمد علي مفتي: الدور السياسي للألعاب الرياضية، الرياض : جامعة الملك سعود 1993، ص 2
[66] Alex Laverty: Sports Diplomacy and Apartheid South Africa,2010, from https://theafricanfile.com/politicshistory/sports-diplomacy-and-apartheid-south-africa/
[67] Ibid
[68] كرم سعيد، أبعاد التداخل بين كرة القدم والعلاقات الدولية، مجلة السياسة الدولية ، مؤسسة الاهرام، المجلد/العدد: س51, ع202 ، 2015
[69] مانديلا.. وظف الرياضة لإنهاء التمييز العنصري، سكاي نيوز عربية، 2016/12/8
[70] من 1995 إلى 2010 : المصالحة عبر الرياضة في جنوب أفريقيا، موقع كورة الرياضي،
http://www.kooora.com/?n=67873
[71] محمد علاء ، ”كتالونيا“ من الحكم الإسبانى.. للبحث عن الاستقلال، وكالة الأنباء اونا، 14 نوفمبر 2014
[72] Arnau Gonzàlez I Vilalta, The Catalan Countries Project (1931-1939), Department of ContemporanyHistory, Universitat Autònoma de Barcelona (Barcelona :Institute of Political and Social Sciences, 2006),pp16-1
[73] Ibid
[74] شروق إبراهيم محمود زيد، مرجع سبق ذكره، ص34
[75] المرجع السابق
[76] د. محمد بن نوميي، السياسة الخارجية القطرية، الطبعة الرابعة – 2023م – 1445هـ، الناشر: وزارة الثقافة، إدارة الإصدارات والترجمة ، ص 43
[77] المرجع السابق ، ص 44
[78] الحتامله، الشيماء عمر خالد، السياسة الخارجية القطرية تجاه قوي إقليمية في الشرق الأوسط: إيران وتركيا كحالة دراسة 2010-2018 ، رسالة ماجستير, جامعة اليرموك، كلية الآداب، الاردن، 2019،ص 58
[79] المرجع السابق ، ص 59
[80] المرجع السابق ، ص 60
[81] المرجع السابق ، ص 61
[82] المرجع السابق ، ص 63
[83] المرجع السابق ، ص 65
[84] المرجع السابق ، ص 68
[85] المرجع السابق ، ص 69
[86] المرجع السابق ، ص 70، 71
[88] جاسم، محمد مرعى, السياسة الخارجية القطرية بعد :2010 المتغيرات والدور الإقليمى المتوثب، مجلة العلوم القانونية والسياسية، الناشر: الجمعية العلمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، المجلد/العدد: س,9 ع3 ، 2019 , ص 244
[89] المرجع السابق ، ص 245
[90] المرجع السابق ، ص 246
[91] المرجع السابق ،ص 247
[92] ، الحتامله، الشيماء عمر خالد ، مرجع سابق ذكره
[93] الحتامله، الشيماء عمر خالد، السياسة الخارجية القطرية تجاه قوي إقليمية في الشرق الأوسط: إيران وتركيا كحالة دراسة 2010-2018 ، رسالة ماجستير, جامعة اليرموك، كلية الآداب، الاردن، 2019، ص 7
[95] المرجع السابق ، ص 8
[96] المرجع السابق ، ص 9
[97] المرجع السابق ، ص 10- 11
[98] المرجع السابق ، ص 13
[99] المرجع السابق ، ص 15
[100] المرجع السابق ، ص 35
[101] المرجع السابق ، ص 20
[102] المرجع السابق ، ص 30
[103] عبد الرحمن محمد ، السياسة الخارجية القطرية وأدواتها الدبلوماسية، جامعة حمد بن خليفة (قطر)، 2018
[104] عبدالله سالم ناصر النعيمي، السياسة الخارجية القطرية في بعدها العربي والإقليمي والدولي 2010-2015 ، رسالة ماجستير _ الجامعة الاردنية ، 2017
[105] المرجع السابق
[106] كمال حميدو، الإعلام والرياضة كأداتين لبناء السمة الوطنية والتسويق لها: الاستراتيجية القَطرية نموذجًا، مجلة السياسات العربية، العدد 57 المجلد – 10 ، يوليو 2022
[107] سنى الخطيب، كأس العالم 2022 فضاءً لتصدير هوية قطرية عالم-محلية ، مجلة السياسات العربية، العدد 58، المجلد 10، سبتمبر 2022 ص 76
[108] المرجع السابق ، ص 80
[110] مصطفي أحمد، دبلوماسية الرياضة: كيف تساهم الفعاليات في تعزيز سمعة الدول؟، 29 مارس 2023 ، مركز الحبتور للأبحاث ، https://www.habtoorresearch.com/ar/programmes/%d8%af%d8%a8%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%b6%d8%a9-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d8%b3%d8%a7%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7/
[111] نواف التميمي ، كتاب الدبلوماسية وتكوين السمة الوطنية النظرية والتطبيق على نموذج قطر – 2018 ، ص 61- 62
[112] المرجع السابق ، ص 66- 67
[113] المرجع السابق ، ص 70
[114] المرجع السابق ، ص 73 ، 74
[115] المرجع السابق ، ص 74
[116] المرجع السابق ، ص 113، 114
[117] المرجع السابق ، ص 115
[118] المرجع السابق ، ص 141
[119] كمال حميدو، الإعلام والرياضة كأداتين لبناء السمة الوطنية والتسويق لها: الاستراتيجية القَطرية نموذجًا، مجلة السياسات العربية، العدد 57 المجلد – 10 ، يوليو 2022 ، ص 32
[120] المرجع السابق ، ص 34
[121] المرجع السابق ، ص 35
[122] المرجع السابق ، ص 36
[123] المرجع السابق ، ص 40، 41
[124] هادي الشيب ، مهارات التربية البدنية الرياضية كأداة للدبلوماسية العامة قطر وفلسطين نموذجا، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية، المجلد 4 ، العدد 2 ، 2017، ص 173
[125] Dosari-Al Noof , Sport and international relations: Qatar soft power and foreign policy making, ,Tajseer , Issue 2 , Volume 3, 2021
[126] أ. د. وليد عبد الحي ، الديبلوماسية الرياضية: مونديال قطر نموذجاً, مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ، يناير 2023, ص ٩- ١٠ ، https://www.alzaytouna.net/2023/01/01/%D9%88%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%88%D9%86/
[127] المرجع السابق ،ص 69
[128] المرجع السابق
[129] المرجع السابق
[130] المرجع السابق
[131] Thierry Côme, Michel Raspaud, Sports diplomacy: A strategic challenge for Qatar ,
In Hermès, La Revue Volume 81, Issue 2, 2018, pages 3 – 5 , Publishers C.N.R.S. Editions, https://www.cairn-int.info/article-E_HERM_081_0169–sports-diplomacy-a-strategic-challenge.htm#:~:text=By%20means%20of%20the%20soft,l’Arc%20de%20Triomphe%2C%20or
[132] Ibid
[133] أحمد سامي عبدالفتاح، لماذا تتنافس الدول على استضافة كأس العالم ، آفاق سياسية، الناشر: المركز العربي للبحوث والدراسات، ع96، 2023
[134] المرجع السابق
[135] Amrashaa Singh, Sports and Soft Power: Qatar Diplomacy in light of Football World Cup
December 26, 2022
[136] Ibid
[137] Ewan Morgan, Qatar’s Sports Diplomacy Project, 2 July 2020, https://breakingthelines.com/investigation-piece/qatars-sports-diplomacy-project/
[138] Ibid, p77
[139] إيمان علاء الدين، الرياضة والسياسة والهوية: جدالات كأس العالم لكرة القدم ، مركز الحضارة للدراسات والبحوث ، أبريل 2022 , https://hadaracenter.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%83%D8%A3%D8%B3-%D8%A7/
[140] Tarek Elias, “Qatar’s Sports Diplomacy as a Driver for International Visibility, Prestige, and Branding” , 2021 ، P 12
[141] Ibid ,p 13
[142] د. آية عنان ، دبلوماسية الرياضة والعلاقات الدولية: كأس العالم 2022 نموذجًا ، 2022, المرصد المصري ، https://marsad.ecss.com.eg/74784/
[143] المرجع السابق
[144] محمد الطائي، الرياضة وتداعيات القوة الناعمة .. مونديال قطر نموذجاً ، https://arabprf.com/?p=3860&=1
[145] د. مروة فكري ، ما بعد القوة الناعمة: السياسة القطرية تجاه دول الثورات العربية ، مجلة السياسة الدولية ، 2012 , https://www.siyassa.org.eg/News/2067.aspx