الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الحروب الإسرائيلية على لبنان

بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

نناقش في هذه المقالة سلسلة الاجتياحات والحروب الإسرائيلية على لبنان فجميع هذه الحروب انطلقت من طبيعة فكر واستراتيجية وسياسة إسرائيل العدوانية والإجرامية والرافضة للاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وضرب كل من يقاوم أو يدعم مقاومة الشعب الفلسطيني. فكانت لبنان ومازالت هي الحاضنة الثورية للثورة الفلسطينية، وحاضنة المقاومة الفلسطينية في القطاع والضفة؛ فلبنان منذ منتصف السبعينات وحتى اليوم يقف بالدم والنار مع الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتهم حزب الله الذي قدم ومازال يقدم قادته وكوادره دفاعًا وإسنادًا لفلسطين؛ فالشعب الفلسطيني ومقاومته مدينة للحزب ابتداء من الدعم اللامحدود بكل الوسائل التي أوصلت المقاومة إلى السابع من أكتوبر وما تلاها منذ اليوم الثاني لمعركة الطوفان من وقفة عز وشجاعة منقطعة النظير في التاريخ العربي والإسلامي، وهذا يقودنا لتناول الحروب أو الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية الأربعة على لبنان:

الحرب الأولى، في آذار/مارس 1978، كانت تستهدف المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان وإقامة منطقة عازلة، وادعت إسرائيل بأنها ردًا على عملية كمال عدوان التي نفذتها حركة فتح حيث استهدفت حافلة إسرائيلية في ساحل حيفا، بعد تسللهم عبر زورقين عن طريق البحر مما تسبّب في مقتل 37 مستوطنًا وجرح 82 آخرين في 11 آذار/مارس 1978، فقد اجتاحت إسرائيل الليطاني عبر 6 محاور، واستمرت لثلاثة أيام متتالية. ووصلت العملية إلى عمق 10 كيلومترات بامتداد 80 كيلومترًا على الحدود اللبنانية، وتسبّبت في نزوح نحو 400 ألف لبناني من المناطق الجنوبية، وأدت العملية أيضًا إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى، وتم إقامة منطقة أمنية في جنوب لبنان لتكون حاجزًا أمام هجمات الفصائل الفلسطينية، وقد ظلت المنطقة لسنوات تحت السيطرة الإسرائيلية حتى اجتياح سنة 1982.

الحرب الثانية، في 6حزيران/يونيو 1982، كان اجتياح بيروت بذريعة التصدي للهجمات الصاروخية، التي تطلقها الفصائل الفلسطينية واللبنانية من الجنوب، وكذلك ردًا على محاولة اغتيال سفير إسرائيل في بريطانيا حينذاك شلومو أرجوف، وهي العملية التي نفذتها جماعة أبو نضال. حيث شنت إسرائيل حربًا على لبنان من أجل سحق منظمة التحرير وتحطيم مجتمع اللاجئين في المخيمات الفلسطينية، بناءً على اعتقاد من قادة الليكود بأن إزالة قواعد منظمة التحرير من لبنان سيجبر الفلسطينيين في الأراضي المحتلة إلى التوصل لاتفاق مع إسرائيل، مما أجبر ياسر عرفات ورجاله على الخروج من لبنان والذهاب إلى المنفى في تونس، وتوزع عناصر المقاومة الفلسطينية على المنافي في كل من السودان واليمن وسوريا والجزائر.

ومن ثم تلقت منظمة التحرير ضربة سياسية أخرى تمثلت في المبادرة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في الثاني من أيلول/سبتمبر عام 1982، والتي أكدت على أن الحرب في لبنان ضد منظمة التحرير تأتي في سياق ردع الإتحاد السوفييتي وعملائه. ونصت المبادرة على أنه لا دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، ولا يحق لإسرائيل ضم الأراضي المحتلة وأن تحقيق الحكم الذاتي للفلسطينيين في كل من الضفة وغزة يتم بالارتباط مع الأردن، ونصت أيضًا على التجميد المباشر لمخططات تطوير المستوطنات الإسرائيلية الجديدة في الأراضي المحتلة، وعدم تقسيم القدس على أن يتم تحديد مستقبلها عن طريق المفاوضات. وأخيرًا التزام الولايات المتحدة بحماية أمن إسرائيل، فرفضت منظمة التحرير هذا المشروع كونه يصب في صالح المحتل متجاهلًا حقوق الشعب الفلسطيني. مما لا شك فيه أن إسرائيل استطاعت إخراج منظمة التحرير من لبنان إلا أنه بعد انتهاء وجود منظمة التحرير في بيروت تأسس حزب الله استطاع هزيمة إسرائيل.

الحرب الثالثة، اجتاحت إسرائيل لبنان في 12تموز/يوليو 2006، بعد عملية الوعد الصادق بعد خطف حزب الله جنديان إسرائيليين لإطلاق سراح أسرى لبنانيين وفلسطينيين، حيث اندلعت حرب استمرت لثلاثة وثلاثين يومًا، وتسبّبت في استشهاد نحو 1200 لبناني وإصابة 4400 آخرين، ومقتل ما لا يقل عن 159 مستوطنًا وجرح 1500 آخرين، وقد انتهى الاجتياح بصدور قرار مجلس قرار الأمن 1701، الذي نص على انسحاب جيش الاحتلال ووقف حزب الله لهجماته. إضافة إلى ذلك تقرر إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تشرف عليها قوات اليونيفيل الأممية وتكون خالية من أي عتاد حربي أو صواريخ.

وقد أعلن حزب الله النصر الإلهي، ويعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في 14 آب/أغسطس 2006، إخفاق من منظور إسرائيلي أدى إلى استقالة وزير الحرب ورئيس الأركان وعدة ضباط في الجيش الإسرائيلي آنذاك.

الحرب الرابعة، في الأول من تشرين أول/أكتوبر 2024، تعاود إسرائيل حربها على لبنان وسط تصاعد غاراتها على مختلف مناطق لبنان، ما تسبّب في اغتيال قيادات من الصف الأول والثاني من حزب الله أبرزهم الأمين العام للحزب سماحة السيد حسن نصر الله في 27أيلول/سبتمبر2024، ولقد أصدر الحزب بيانًا في الذكرى السنوية الأولى لمعركة الطوفان، وقد جاء فيه “قرارنا فتح جبهة الإسناد في الثامن من أكتوبر لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الشريفة هو قرار إلى ‏جانب الحق والعدل والإنسانية التامة”. ففي هذه الحرب اعتمدت إسرائيل على القصف الجوي للبنان وسياسة الاغتيالات ولم تستطع الاجتياح البري على مدار الأيام الأولى من أكتوبر الجاري، واستطاعت المقاومة رغم الزلزال الذي أصاب بنيتها التنظيمية والقيادية إلى زيادة عدد المستوطنات في الشمال التي تقع تحت نيران صواريخ الحزب ليشمل منطقة حيفا مما زاد عدد المستوطنين النازحين من المستوطنات، وبنفس الوقت لم تستطع إسرائيل التقدم بريًا بظل الصمود والتصدي الأسطوري من قبل مقاتلي الحزب، فقد انطبق على الجيش الإسرائيلي المثل الشعبي “كأنك يا أبوزيد ما غزيت”. فالتاريخ يعيد نفسه ففي الحرب الثانية سنة 1982، كان هدف الليكود هو الضغط على منظمة التحرير للتوقيع على اتفاق سلام، وفي الحرب الرابعة يضغط قائد الليكود نتنياهو على حزب الله لوقف المساندة للمقاومة الفلسطينية في غزة وفصل الجبهات ومن ثم تفكيكها للضغط على المقاومة الفلسطينية لتوقيع اتفاقية الصفقة حسب مقاييس نتنياهو للتبادل، وإبعاد القائد يحيى السنوار للخارج، كما أبعدت ياسر عرفات ورجاله من بيروت.

فهذه الحرب الأولى بتاريخ المقاومة الفلسطينية التي تقاتل ومعها العديد من الجبهات، فإسرائيل تواجه سبع جبهات في آن واحد -غزة، والضفة والـ 1948ولبنان، والعراق، واليمن، وإيران- حيث استطاعت الجبهات مجتمعة إعادة إحياء القضية الفلسطينية، وتم تهشيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر فتم قهره في عقر معسكراته وبدد شعور الإسرائيليين بالأمن والاستقرار وهذا ما تحدث عنه الإعلام العبري. فعملية الطوفان أعادت إسرائيل إلى بداية قيامها قبل 76 سنة على أرض فلسطين، ومسحت كل تاريخها المصنوع، حيث أصدرت غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بيانًا في 8تشرين الأول/أكتوبر2024 من أبرز ما جاء فيه، “نقول لغزة الحبيبة، نحن على العهد والوعد ولن نتخلى عن دعمنا وإسنادنا لشعبنا الصامد في قطاع غزة ومقاومته الباسلة ‌‏‌‏‌والشريفة، هذه وصيّة سيد شهداء طريق القدس، وهي أمانةٌ في أعناقنا، ونحن أهل الأمانة حتى النفس الأخير”.

وللمرة الأولى يتم قصف إسرائيل بالصواريخ الإيرانية والفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية أكثر من مرة مساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته، ولم تترك المقاومة الفلسطينية يتيمة كما كان في السابق، وقد شكلت المقاومة المحور الذي أرق الولايات المتحدة والغرب والبعض العربي وأصبح المشروع الاستعماري في الشرق الأوسط في خطر، وبدأت أمريكا في التحرك لحماية إسرائيل من قياداتها التي عجزت عن مواجهة هذا المحور لوحدها، وكما قال نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم لو لم يقاتل الغرب مع إسرائيل لوقفت الحرب من أول شهر، ويمكن القول لانهزمت أمام صمود المحور.

مما لا شك فيه أن لبنان تحمل جميع هذه الحروب الكارثية من أجل القضية الفلسطينية ودفاعًا عنها، في الوقت الذي تخلت فيه عنها الدول العربية التي وقعت اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وقبلت مغادرة البعد العربي والقومي وطعنت القضية الفلسطينية، والبعض الآخر تحالف مع إسرائيل ضد المقاومة؛ بينما خطت دماء سماحة السيد نصر الله خارطة الطريق نحو القدس؛ هذه الدماء الطاهرة لقادة الحزب التي امتزجت مع دماء الشعب الفلسطيني قتلت مشروع الفتنة ما بين السنة والشيعة، فالشيعة هم من وقفوا مع فلسطين ومضوا إلى لقاء الله من أجل مساندة فلسطين، ومازالوا يقدمون أرواحهم من أجل القضية الفلسطينية المقدسة. فاستهداف بيروت المتكرر يؤكد على أنها العمود الفقري للشعب الفلسطيني، وكما قال الشاعر محمود درويش بيروت خيمتنا وبيروت نجمتنا.

لكن يبقى التساؤل المطروح بعد الحرب الإسرائيلية الأمريكية المدعومة من قبل الغرب على غزة ولبنان والعراق واليمن وسوريا، تواجه الدول العربية تحديات تهدد مستقبلها، وعلى الرغم من ذلك ما زال موقفها مزر على جميع الصعد، ويرتقي لدرجة التآمر على القضية الفلسطينية، ففي النهاية إذا لم تتخذ الدول العربية خطوات ومواقف صادقة وتفرض مقاطعة اقتصادية وسياسية على إسرائيل وحلفائها، فإنها ستجد نفسها أمام مصير مشابه؛ وهذا يقودنا إلى السؤال الموجه للدول العربية الصامتة صمت القبور بعد فلسطين ولبنان من التالي؟. ولمن لا يعرف إجابة السؤال عليه الاستعانة بتصريح الوزير الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش في 10تشرين الأول/أكتوبر2024، بخصوص السلام وحدود دولة إسرائيل إلى أين ستصل.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى