اتفاقية عنتيبي وجدلية الصراع بين دول المنبع والمصب … المسارات والمآلات
Entebbe Agreement and the dialectic of the conflict between upstream and downstream countries... paths and outcomes
اعداد : د.حمدي سيد محمد محمود – باحث أكاديمي متخصص في الشؤون السياسية – مدير المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
المستخلص:
تبرز هذه الورقة العلمية مخاوف دولتي المصب مصر والسودان من اتفاقية عنتيبي، و المكاسب التي ستحصل عليها أثيوبيا من تفعيل هذه الاتفاقية، وتشير الورقة كذلك إلى الأسباب التي دفعت دولة جنوب السودان على توقيع اتفاقية عنتيبي، كما تسلط الضوء على النتائج المحتملة لتصديق جنوب السودان على تلك الاتفاقية، و تداعيات دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، كما تشير الورقة إلى إمتناع مصر والسودان عن التوقيع على اتفاقية عنتيبي، و تشير كذلك إلى احتمالات نشوب مواجهة عسكرية بين مصر وأثيوبيا بسبب هذه الاتفاقية، وتتختم المقالة بالإشارة إلى أن احتمالية الصدام العسكري بين مصر وإثيوبيا موجودة، إلا أنها غير مرجحة في الوقت الحالي، حيث تُفضل الأطراف الدولية والإقليمية الحلول الدبلوماسية. ومع ذلك، إذا تصاعدت التوترات بشأن حصص المياه أو فشلت الجهود التفاوضية بشكل كامل، فقد تصبح الخيارات العسكرية أكثر جدية، لكن سيكون لذلك عواقب وخيمة على استقرار المنطقة.
Abstract
This paper highlights the concerns of the downstream countries, Egypt and Sudan, regarding the Entebbe Agreement, and the gains that Ethiopia will gain from activating this agreement. The paper also indicates the reasons that prompted South Sudan to sign the Entebbe Agreement, and highlights the possible outcomes of South Sudan’s ratification of this agreement, and the repercussions of the Entebbe Agreement entering into force. The paper also indicates Egypt and Sudan’s refusal to sign the Entebbe Agreement, and also indicates the possibility of a military confrontation between Egypt and Ethiopia due to this agreement. The article concludes by indicating that the possibility of a military clash between Egypt and Ethiopia exists, but it is unlikely at the present time, as international and regional parties prefer diplomatic solutions. However, if tensions escalate over water shares or negotiation efforts fail completely, military options may become more serious, but this will have dire consequences for the stability of the region.
مقدمة:
في خطوة غير متوفعة، أعلنت حكومة جنوب السودان، في الثامن من شهر تموز يوليو 2024، مصادقتها على الانضمام إلى الاتفاقية الإطارية لتعاون دول حوض النيل، والمعروفة باسم “اتفاقية عنتيبي” يعود تاريخ هذه الاتفاقية إلى عام 1999، الذي أطلقت فيه بعض دول حوض النيل مبادرة تعاون مشتركة برعاية من البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تتضمن مبادئ وهياكل ومؤسسات، وتهدف إلى إعادة التنظيم والإدارة للموارد المائية لنهر النيل والموارد المجاورة.
استمرّ الحوار بشأن الاتفاقية بين الدول المعنية بها مدة 10 أعوام، قبل أن توقع 6 منها عليها في 14 أيار/مايو 2009 في عنتيبي في أوغندا، في ظل موقف رافض لبعض بنودها من جانب السودان ومصر، اللذين رأيا أنها تشكل تهديداً لأمنهما المائي؛ إذا لم تأخذ الدول الموقعة بملاحظات جوهرية أبدتها الدولتان، وخصوصاً الملاحظة المتعلقة بصياغة “المادة 14/ب”، التي تنص على أنه “تتفق دول حوض النيل بروح التعاون على عدم التأثير الكبير في الأمن المائي لأي دولة أخرى في حوض النيل. و في يوليو/تموز 2009 اجتمع المجلس الوزاري الـ17 لدول حوض النيل بمدينة الإسكندرية، وسعت دول المنبع وهي “كينيا وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وروندا” لفرض إقامة “مفوضية” لحوض النيل، بدون مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان) لتكون هذه الاتفاقية بديلا عما سبقها من إتفاقيات لتوزيع المياه. ورغم اشتداد الخلافات بين دول الحوض فإن المفاوضات والمشاورات استمرت مدة 6 أشهر، وقرر المجلس الانتهاء من حسم نقاط الخلاف للوصول إلى اتفاقية موحدة بين دول الحوض. وفي مايو/أيار 2010 قررت 5 من دول المنبع التوقيع على اتفاقية في مدينة عنتيبي الأوغندية، وسميت باسمها (إتفاقية عنتيبي) وقد هدفت إلى نقل النفوذ من دولتي المصب إلى دول المنبع وفقا لإتفاقيات 1929 و1959، ومنحت مصر والسودان مهلة عام واحد للانضمام إلى المعاهدة. وقبل توقيع جنوب السودان وقعت خمس دول أخرى في العام 2010 على الاتفاقية وهي إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي، حيث تنص على تصديق برلمانات 6 دول على الأقل، لبدء تنفيذها وسريانها وهو ما اكتمل بتوقيع دولة جنوب السودان، وبهذا تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ.
مخاوف دولتي المصب مصر والسودان من اتفاقية عنتيبي:
دولتي المصب مصر والسودان ترفضاناتفاقية عنتيبي بسبب المخاوف من تأثيرها السلبي على حصصهما من مياه النيل، وترى الدولتان أن الاتفاقية لا تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات التاريخية والحيوية لهما. بدلاً من ذلك، تدعوان إلى التفاوض للتوصل إلى حل شامل يضمن توزيعًا عادلًا للمياه ويحافظ على حقوق جميع الدول المطلة على النهر.
- 1. التمسك بالحصص التاريخية: مصر والسودان تعتمدان على إتفاقيتي 1929 و1959 اللتين تمنحان مصر حوالي 55.5 مليار متر مكعب سنويًا من مياه النيل، والسودان حوالي 18.5 مليار متر مكعب. تعتبر الدولتان أن هذه الاتفاقيات تمثل حقوقًا تاريخية غير قابلة للتعديل أو التجاوز.
أي محاولة لإعادة توزيع المياه بموجب اتفاقية عنتيبي يُنظر إليها على أنها تهديد لحصتهما التاريخية من المياه، مما قد يؤدي إلى نقص كبير في الموارد المائية، وخاصة بالنسبة لمصر التي تعتمد على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه.
- 2. مخاوف من مشاريع دول المنبع: إتفاقية عنتيبي يعطي دول المنبع (مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا) الحق في إقامة مشاريع مائية (مثل السدود ومشاريع الري) دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من دول المصب (مصر والسودان). وهذا يثير قلق مصر والسودان من أن مثل هذه المشاريع قد تؤدي إلى تخفيض تدفق المياه إليهما. بالنسبة لمصر تحديدًا، فإن مشاريع مثل سد النهضة الإثيوبي تعتبر تهديدًا مباشرًا لحصتها من المياه، وتثير الاتفاقية مخاوف من أن إثيوبيا قد تنفذ مشاريع أخرى دون تنسيق.
- 3. الأمن المائي: مصر تعتبر مسألة مياه النيل قضية أمن قومي، حيث يعتمد أكثر من 95% من سكانها على النيل كمصدر رئيسي للمياه. أي تهديد لحصة مصر من المياه سيؤثر بشكل كبير على الأمن الغذائي، والاقتصاد، والاستقرار الداخلي. السودان، رغم أن وضعيته أفضل مقارنة بمصر بسبب موارده المائية الأخرى، إلا أنه يعتمد على النيل لتنمية الزراعة والصناعة، وبالتالي فهو أيضاً يرى أن إعادة توزيع المياه قد تؤثر سلباً على مصالحه.
- 4. الدعوة إلى التفاوض والتوافق : تسعى إتفاقية عنتيبي لإلغاء الامتيازات التاريخية التي كانت تتمتع بها مصر والسودان بموجب الاتفاقيات السابقة. وترى الدولتان أن هذه الخطوة غير عادلة، لأنها تتجاهل اعتماد مصر الكبير على النيل، وعدم وجود بدائل مائية أخرى مقارنة بدول المنبع التي تتمتع بمصادر مائية متعددة.
- 5. مخاوف من تعقيد العلاقات الإقليمية: مصر والسودان تخشيان من أن يؤدي تفعيل الاتفاقية إلى تعقيد العلاقات الإقليمية في حوض النيل، حيث قد يؤدي إلى تصاعد التوترات بين دول المنبع ودول المصب، مما قد يؤثر على التعاون الإقليمي والاستقرار.
- 6. اللجوء إلى الوساطة الدولية: في ظل التوترات حول اتفاقية عنتيبي وسد النهضة، لجأت مصر بشكل خاص إلى الوساطة الدولية، سواء من خلال الأمم المتحدة أو القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، للضغط على دول المنبع للتوصل إلى حلول توافقية.
المكاسب التي ستحصل عليها أثيوبيا من تفعيل اتفاقية عنتيبي
أثيوبيا تعتبر واحدة من أبرز الدول المستفيدة منإتفاقية عنتيبي، ولها مكاسب متعددة إذا تم تفعيل الاتفاقيةية، ومنها:
- 1. زيادة حصتها من مياه النيل: تتيح الاتفاقية لأثيوبيا الحق في استخدام أكبر لمياه نهر النيل دون الحاجة إلى الالتزام بالحصص التاريخية التي وُضعت في إتفاقيات سابقة، والتي تعطي مصر والسودان النصيب الأكبر من المياه.
- 2. تنفيذ مشروعات مائية وتنموية: إثيوبيا ستتمكن من تنفيذ مشاريعها المائية الكبرى مثل سد النهضة بشكل أوسع ودون الحاجة إلى موافقة مصر أو السودان. هذه المشاريع تُعزز من قدرتها على توليد الطاقة الكهرومائية وتدعم تنميتها الاقتصادية.
- 3. تعزيز موقفها الإقليمي: الاتفاقية تمنح إثيوبيا ودول المنبع الأخرى قوة تفاوضية أكبر أمام مصر والسودان، مما يعزز نفوذها الإقليمي والسياسي.
- 4. التنمية الزراعية والاقتصادية: بفضل استخدام أكبر لمياه النيل، ستكون إثيوبيا قادرة على تطوير زراعتها وتحقيق الأمن الغذائي، كما يمكنها تحسين بنيتها التحتية وتطوير قطاعات الزراعة والصناعة.
أسباب ودوافع توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي
جنوب السودان وقعت على إتفاقية عنتيبي لأسباب استراتيجية تتعلق بمصالحها الوطنية والتنموية، وكذلك علاقتها بالدول الأخرى في حوض النيل. أهم هذه الأسباب تشمل:
- 1. الاحتياجات التنموية: جنوب السودان كدولة ناشئة تسعى لتطوير بنيتها التحتية وقطاعي الزراعة والطاقة. توقيع الاتفاقية يمنحها مزيدًا من الحرية في استغلال موارد نهر النيل لتلبية احتياجاتها التنموية دون التقيد بالاتفاقيات السابقة التي كانت موقعة بين مصر والسودان قبل انفصالها.
- 2. استغلال موارد المياه: لدى جنوب السودان كميات كبيرة من الموارد المائية، وتوقيع الاتفاقية يعزز من قدرتها على تطوير مشاريع مائية كبرى مثل السدود ومشاريع الري التي يمكن أن تساهم في تحسين الأمن الغذائي وتوليد الطاقة.
- التحالف مع دول المنبع: بالانضمام إلى اتفاقية عنتيبي، تقف جنوب السودان إلى جانب دول المنبع (إثيوبيا، أوغندا، كينيا، وتنزانيا) التي تسعى لإعادة توزيع مياه النيل بشكل أكثر عدالة. هذه الخطوة تعزز من علاقاتها مع هذه الدول وتدعم 3. استقرارها الإقليمي.
- 4. تقليل الاعتماد على مصر والسودان: توقيع جنوب السودان على الاتفاقية يُظهر رغبتها في تقليل الاعتماد على السياسات المائية السابقة التي كانت مصر والسودان تتحكم فيها إلى حد كبير. إذ ترغب جنوب السودان في أن يكون لها استقلال في اتخاذ قراراتها المتعلقة بإدارة مياه النيل.
- 5. التوجه نحو التنمية المستدامة: جنوب السودان تبحث عن فرص لتحقيق التنمية المستدامة، والاستفادة من مياه النيل بشكل أفضل يمكن أن يساهم في تحسين مستوى المعيشة وتطوير الاقتصاد الوطني. الاتفاقية تتيح لها تنفيذ مشاريع تنموية طويلة الأمد بالتعاون مع دول المنبع.
- 6. الحصول على الدعم الدولي والإقليمي: بتوقيعها على هذه الاتفاقية، تسعى جنوب السودان إلى تعزيز مكانتها كدولة إقليمية فاعلة، وكسب دعم دولي للتنمية والبنية التحتية، خصوصًا من الدول الداعمة لدول المنبع. كما أن توقيعها يعزز من قدرتها على التفاوض للحصول على تمويل دولي لمشاريع تنموية.
النتائج المحتملة لتصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي
توقيع جنوب السودان على إتفاقية عنتيبي يُظهر أنها تسعى لتأمين حقوقها المائية والمشاركة في إعادة هيكلة التوزيع المائي لحوض النيل بشكل يتناسب مع احتياجاتها الوطنية، بعيدًا عن التقيد بالاتفاقيات التاريخية التي كانت تربط مصر والسودان، وبتوقيع جنوب السودان على هذه الاتفاقية، فقد تكون هناك عدة نتائج محتملة نسردها على النحو التالي:
– زيادة النفوذ السياسي: قد تعزز جنوب السودان مكانتها السياسية داخل دول حوض النيل، حيث ستكون جزءًا من مناقشات مهمة تتعلق بتقاسم مياه النيل.
– تعزيز التعاون الإقليمي: تصديق جنوب السودان على الاتفاقية يعزز من شراكة دول حوض النيل في إدارة المياه وتقاسم الموارد. هذا يمكن أن يعزز الاستقرار الإقليمي ويخفف من التوترات بين الدول الأعضاء.
– تأثيرات اقتصادية: قد تستفيد جنوب السودان اقتصاديًا من مشروعات التنمية المرتبطة بالمياه، مثل بناء السدود وتحسين الزراعة المروية، وهذا قد يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي والبنية التحتية للبلاد.
– المشكلات القانونية و السياسية: قد تواجه جنوب السودان مشكلات قانونية أو سياسية من قبل مصر أو السودان إذا شعرتا أن حقوقهما التاريخية مهددة بسبب تصديق جنوب السودان على الاتفاقية.
تداعيات دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ
إذا دخلت اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ بعد توقيع جنوب السودان عليه، فستكون هناك تداعيات كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، خاصةً فيما يتعلق بعلاقات دول حوض النيل، وأبرز هذه التداعيات تشمل:
– تعزيز الموقف القانوني والسياسي لدول المنبع: بانضمام جنوب السودان إلى الاتفاقية، ستزداد قوة دول المنبع مثل إثيوبيا، أوغندا، وكينيا في مطالبتها بإعادة توزيع مياه النيل بشكل أكثر عدالة. وهذا سيعزز موقفها القانوني والسياسي أمام مصر والسودان اللتين تعارضان الاتفاقية.
–تأثيرات على استراتيجيات المياه في مصر والسودان: قد تضطر دولتي المصب إلى تعديل استراتيجياتهما المائية نتيجة دخول الاتفاقية حيز التنفيذ. يمكن أن يتسبب ذلك في تقليص حصتهما من المياه، مما يفرض ضغوطًا إضافية على موارد المياه المتاحة في البلدين، خاصة في ظل زيادة الاحتياجات السكانية والزراعية.
– تقليص النفوذ المصري والسوداني: دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سيضعف نفوذ مصر والسودان اللتين تعتمدان على الإتفاقيات التاريخية، مثل إتفاقيتي 1929 و1959، التي تمنحهما النصيب الأكبر من مياه النيل. وبالتالي، قد يؤدي ذلك إلى تزايد الضغوط على مصر والسودان لإعادة التفاوض حول حصتهما من المياه.
أسباب إمتناع مصر والسودان عن التوقيع على اتفاقية عنتيبي
مصر والسودان لم يوقعا على اتفاقية عنتيبي لأسباب عديدة تتعلق بحصتهما التاريخية من مياه نهر النيل والمخاوف من تأثير هذه الاتفاقية على حقوقهما المائية، ومن أهم هذه الأسباب ما يلي:
–الحفاظ على الحصص التاريخية: تعتمد مصر والسودان على إتفاقيتي 1929 و1959 اللتين تمنحان مصر حوالي 55.5 مليار متر مكعب سنويًا والسودان حوالي 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل. تعتبر الدولتان أن هذه الإتفاقيات تمثل حقوقًا تاريخية غير قابلة للتغيير، فيما تسعى اتفاقية عنتيبي إلى إعادة توزيع المياه بشكل يُعطي دول المنبع (مثل إثيوبيا، كينيا، أوغندا) نصيب أكبر من موارد النهر.
–مخاوف مصر من نقص المياه: حيث تعاني مصر من فقر مائي كبير، وتعتمد بشكل كبير على مياه النيل لتلبية احتياجاتها الزراعية والصناعية والشرب، و أي تغيير في حصتها من المياه قد ينجم عنه العديد من المشكلات الاقتصادية والبيئية، خصوصًا مع تزايد السكان وزيادة الاعتماد على النيل كمصدر رئيسي للمياه.
– المطالبة بالموافقة المسبقة: مصر والسودان تعارضان بندًا في اتفاقية عنتيبي ينص على أنه بإمكان دول المنبع إقامة مشاريع على نهر النيل (مثل السدود) دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من دول المصب، وترى مصر أن هذا البند يهدد أمنها المائي ويعرضها لنقص حاد في المياه إذا قررت دول المنبع إقامة مشاريع مائية ضخمة دون التنسيق معها.
–سد النهضة: يعتبر سد النهضة الإثيوبي رمزًا للصراع على المياه بين مصر وإثيوبيا، و من المؤكد أن دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ سيساهم بشكل حاسم في تعزيز الموقف التفاوضي لإثيوبيا ودول المنبع، مما يزيد من الصعوبات التي تواجهها مصر في الحفاظ على حصتها من مياه النيل.
–معارضة دول المنبع لإنشاء آلية مشتركة لإدارة مياه النيل: مصر والسودان تدعوان إلى إنشاء آلية مشتركة لإدارة مياه النيل، حيث يكون لدولتي المصب دور رئيسي في اتخاذ القرارات المتعلقة بتوزيع المياه وإقامة المشاريع. في المقابل، تعارض دول المنبع هذه الآلية بحجة أنها قد تعيق مشاريع التنمية في تلك الدول.
أبرز ما غيرته اتفاقية عنتيبي:
–السماح لدول المنبع بتنفيذ مشاريع مائية دون موافقة مسبقة: أحد أبرز بنوداتفاقية عنتيبي هو إلغاء شرط الحصول على موافقة مسبقة من دول المصب قبل تنفيذ مشاريع على نهر النيل، مثل بناء السدود أو مشاريع الري. هذا يعني أن دول المنبع، مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا، يمكنها الآن تنفيذ مشاريع تنموية دون الحاجة إلى إذن من مصر أو السودان.
– تقليل الاعتماد على الإتفاقيات السابقة: الاتفاقية تعيد النظر في توزيع المياه المتفق عليه في إتفاقيات سابقة (1929 و1959) التي كانت تعطي مصر والسودان الحصة الأكبر. دول المنبع ترى أن تلك الإتفاقيات غير عادلة، كونها أبرمت في وقت لم تكن فيه دول المنبع مستقلة أو قادرة على المشاركة في المفاوضات.
احتمالات نشوب مواجهة عسكرية بين مصر وأثيوبيا بسبب اتفاقية عنتيبي
إمكانية نشوب مواجهة عسكرية بين مصر وأثيوبيا بسبب دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ بعد توقيع جنوب السودان عليه تُعتبر احتمالاً غير مرجح، ولكنه ليس مستبعداً تماماً في ظل الظروف الحالية. هناك عدة عوامل تجعل الصدام العسكري أقل احتمالاً، رغم التوترات القائمة:
العوامل التي تقلل من احتمالية الصدام العسكري:
- 1. الدبلوماسية الدولية والإقليمية: المجتمع الدولي يسعى إلى تجنب النزاعات المسلحة في مناطق حساسة مثل حوض النيل، حيث تكون المياه عاملاً حيوياً للتنمية. دول كبرى مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والصين لديها مصالح استراتيجية في استقرار المنطقة، وبالتالي قد تمارس ضغوطًا على الطرفين للبحث عن حلول دبلوماسية.
- 2. تكاليف الصدام العسكري: الصدام العسكري بين مصر وإثيوبيا ستكون له تكاليف باهظة على الجانبين. مصر تعتمد بشكل كبير على استقرارها الإقليمي والاقتصادي، وإثيوبيا منخرطة في مشاريع تنموية ضخمة، مثل سد النهضة. الدخول في نزاع عسكري سيؤدي إلى تعقيد جهود التنمية ويزعزع استقرار المنطقة بشكل عام.
- 3. آليات التفاوض: على الرغم من التوترات، هناك مساعٍ دبلوماسية مستمرة لحل النزاع. مصر وإثيوبيا ما زالتا منخرطتين في محادثات بوساطة الاتحاد الإفريقي ودول أخرى حول مسألة سد النهضة، وهي المحادثات التي قد تكون منصة لمناقشة قضايا أخرى متعلقة بإتفاقية عنتيبي.
- 4. الأطراف الإقليمية: انضمام جنوب السودان إلى اتفاقية عنتيبي سيضيف إلى الضغوط، لكن لا يُتوقع أن يكون سببًا مباشرًا للصدام العسكري، وجنوب السودان قد يعمل كوسيط بين دول المنبع ودول المصب بدلًا من تفاقم التوترات، نظرًا لعلاقاته الجيدة مع مصر.
العوامل التي قد تزيد من التوترات:
- 1. المياه قضية أمن قومي: تعتبر مياه نهر النيل قضية أمن قومي لمصر، حيث أنها تعتمد بشكل كبير على تدفق المياه من إثيوبيا. إذا شعرت مصر بأن حصتها من المياه تتعرض لتهديد كبير، خاصةً مع المشاريع المائية الإثيوبية الكبرى مثل سد النهضة، قد تزداد التوترات بشكل قد يؤدي إلى استخدام قدراتها العسكرية كخيار أخير.
- 2. فشل المفاوضات: إذا استمرت المفاوضات حول توزيع مياه النيل وسد النهضة بالفشل، وزادت إثيوبيا من استغلال موارد النيل دون الإتفاق مع مصر، فإن التصعيد قد يصبح أكثر احتمالاً، كما أن دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ قد يُعزز من موقف إثيوبيا في عدم تقديم تنازلات في المفاوضات.
- 3. التحديات الداخلية في كلا البلدين: التحديات السياسية والاقتصادية الداخلية في مصر أو إثيوبيا قد تدفع الحكومات إلى تبني مواقف أكثر تشددًا بشأن القضايا المتعلقة بالمياه، كوسيلة لتوجيه الانتباه بعيدًا عن الأزمات الداخلية.
والخلاصة أن إتفاقية عنتيبي لم تنقل بشكل كامل السيطرة على موارد نهر النيل إلى دول المنبع، لكنها تمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز موقف دول المنبع وزيادة قدرتها على التحكم في كيفية استغلالها لموارد النهر. الاتفاقية تمنح دول المنبع مزيدًا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بمشاريع المياه دون الحاجة إلى الحصول على موافقة مسبقة من دولتي المصب (مصر والسودان)، وهو ما يمثل تغيرًا في موازين القوى التي كانت تقليديًا تميل لصالح دول المصب بموجب الإتفاقيات التاريخية. وبرغم أن احتمالية الصدام العسكري بين مصر وإثيوبيا موجودة، إلا أنها غير مرجحة في الوقت الحالي، حيث تُفضل الأطراف الدولية والإقليمية الحلول الدبلوماسية. ومع ذلك، إذا تصاعدت التوترات بشأن حصص المياه أو فشلت الجهود التفاوضية بشكل كامل، فقد تصبح الخيارات العسكرية أكثر جدية، لكن سيكون لذلك عواقب وخيمة على استقرار المنطقة.