الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الدور الروسي في إفريقيا : الجاذبية والحضور (حالتا إفريقيا الوسطى وجنوب إفريقيا)

إعداد: د. عمران طه عبدالرحمن عمران   – دكتوراه العلوم السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تراجع الحضور الروسي في القارة الإفريقية بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي؛ إذ جرى إغلاق عدد من البعثات الدبلوماسية والمراكز الثقافية الروسية في إفريقيا، كما جرى إلغاء برامج المساعدات والمنح الاقتصادية لكن هذا التراجع لم يستمر طويلاً. فبعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحكم، أحدث تحولات جذرية في السياسة الخارجية لإستعادة روسيا مكانتها ونفوذها ضمن القوى العظمى المؤثرة في السياسة الدولية.

وجاءت قمة سوتشي الروسية الإفريقية سبتمبر 2019، تحت شعار من أجل السلام والأمن والتنمية معلنةً للحضور الروسي الجديد في النظام الدولي، وعودة الدور الروسي إلى أفريقيا. فما هي مظاهر عودة هذا الدور ومحدداته؟ وللإجابة على هذا التساؤل سوف نستعرض أولاً، الدور الروسي في جنوب أفريقيا، وثانياً، الدور الروسي في أفريقيا الوسطى، على النحو التالي.

أولاً: الدور الروسي في جنوب أفريقيا:

عرفت العلاقات الروسية مع عالمها الخارجي تحولا جديدا ابتداء من عام 2000 مع تولى بوتين قيادة روسيا، حيث اتسمت سياسته الخارجية بالنظرة الواقعية للعلاقات الدولية وبمصالح روسيا السيادية. وقد شكلت روسيا في تلك اللحظة، حالة سياسية لفتت انتباه السياسيين والمراقبين في العالم على السواء، وقد أعطيت لهذه الحالة عناوين عدة لعل أبرزها “استيقاظ الدب الروسي  كدلالة على عودة روسيا إلى مصاف القوى المؤثرة  في صناعة القرار الدولي، وعمل بوتين على استعادة المكانة الدولية  لروسيا والحفاظ على أمنها القومي، معلناً في بداية ولايته عما عرف ب”مبدأ بوتين” الذي يتضمن الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب، لا يخضع لقوة عظمى واحدة ويكون لروسيا دورا أساسيا فيه، ولم تخرج أفريقيا عن نطاق هذا التوجه، ضمن سياسات روسيا الخارجية، وقد شرع بوتين على جعل روسيا حاضرة  في كل منطقة من مناطق العالم وخاصة أفريقيا، ففي عام 2000 استقبل بوتن زعماء دول كل من: الجزائر، مصر، نيجيريا، غينيا، والغابون. وفي نفس العام زار وزير الخارجية الروسي كلاً من أنغولا، ناميبيا، اتحاد جنوب أفريقيا، وتنزانيا. وفي عام 2002 زار وزير الخارجية الروسي المغرب وتونس[i]. ولا يخفى ما لهذه الزيارات من تأثير على تطوير العلاقات الأفريقية الروسية باعتبارها مؤشرا مهما في رصد وتتبع مدى تطور هذه العلاقات. لكن نقطة الانعطاف والتحول في هذه العلاقة  كانت عام 2006 مع الزيارات التاريخية التي قام بها بوتين إلى كل من جنوب أفريقيا والمغرب، والتي جاءت في إطار الدبلوماسية الجديدة “المتعددة الأقطاب” التي تبناها الكرملين، وقد عبرعنها عالم السياسة ايفكيني فولك بأن “روسيا تحاول إعادة طبع الصورة النمطية التي بصمتها سابقا على المستوى الدولي، كقوة تقليدية حاضرة في البناء الدولي، عبر تطوير علاقاتها مع كل العالم، خاصة أفريقيا[ii]. ومع وصول الرئيس ميدفيديف إلى السلطة حذا خلفه بوتين في إستعادة مكانة روسيا في أفريقيا، ناهجا بذلك نفس توجهه في السياسة الخارجية تجاه القارة الأفريقية، وتجلى ذلك واضحا في الزيارة التاريخية التي قام بها ميدفيديف  عام 2009 إلى مصر، نيجيريا، ناميبيا، وأنغولا؛ صاحبًا معه 400 من رجال  الأعمال وكان من ثمار هذه الزيارات التوقيع على مجموعة من الاتفاقات التجارية المهمة. وعليه  يبدو جليا عزم روسيا القوي على لعب دور محوري في القارة الأفريقية من خلال تثمين علاقاتها مع البلدان الأفريقية. وجعلت من مسألة الديون الأفريقية تجاهها مدخلا مهما لهذا المنحى، بحيث أن سياسة إلغاء الديون التي نهجها كل من بوتين وميدفيديف كانت مقابل خيارين؛ إما أن تستبدل هذه الديون بتوقيع اتفاقيات جديدة في المجال العسكري أو الصيد البحري، وإما أن تستخلص هذه الديون عن طريق تحويل أسهم بعض الشركات الوطنية الأفريقية دِّينَة إلى تراخيص استغلال معادن من الدرجة الأولى لصالح  الشركات الروسية، وبذلك ستعمل الشركات الروسية الكبرى، في مجال استخراج المعادن واستغلالها. ثم وقعت شركة  ROSNEFT الروسية مع شركة النفط الوطنية في موزمبيق مذكرة تفاهم حول التنقيب واستغلال حقول النفط والغاز، وهذا أول استثمار لهذه الشركة العملاقة  في هذه المنطقة،. أما في أنغولا فنجد شركة GAZPROM في المجال النفطي وشركة ROSATOM في مجال اليورانيوم، بينما في مجال الماس نجد شركة ALROSA  التي أنشأت مشروعا مشتركا مع شركة  ENDIAMA ، وفي ناميبيا تنشط شركة RENOVA  في مجال اليورانيوم وهي كذلك حاضرة في جنوب أفريقيا العضو في مجموعة البريكس ، باستثمارات مهمة قاربت 350 مليون دولار في استغلال المنغنيز و   250  مليون دولار في تجديد مصنع السبائك الحديدية. وفي هذا الصدد، لا يمكن إغفال دور مجموعة البريكس ( الهند والبرازيل والصين وجنوب أفريقيا وروسيا) في مساعدة هذه الشركات على الحصول على امتيازات متبادلة في أفريقيا، مما ينعكس إيجابا على العلاقات الروسية الأفريقية. فقد اعتبر مجموعة من الباحثين والمحللين أن القمة الخامسة لهذه المجموعة التي نظمت في جنوب أفريقيا  مارس  2013 أعطت زخما جديدا لهذه العلاقات[iii].

أما في الجانب العسكري فروسيا بدأت في استعادة مكانتها في أفريقيا كتاجر للأسلحة، مستفيدة من رغبة الدول الأفريقية في تحديث ترسانتها العسكرية التي  اقتنَتْهَا خلال فترة الاتحاد السوفياتي. وبهذا أضحت الوكالة الروسية العامة المكلفة بتصدير الأسلحة  Rosobonexport تتعاون مع  15 بلدا أفريقيا في جنوب الصحراء  الكبرى  لكن هذا التعاون مع أفريقيا لا يمثل سوى 2% من جميع الصادرات العسكرية الروسية في العالم، مع أن هذه المنطقة تحتل المرتبة التاسعة عالميا من حيث الإنفاق العسكري، ومجمل القول، أن سياسة روسيا في أفريقيا هي ذات بعد “جيواقتصادي” أكثر منه “جيوسياسي فما يجذب روسيا إلى أفريقيا هو نفسه ما يجذب باقي الدول الأمر الذي جعل حضور روسيا في أفريقيا يبنى على مبدأين؛ أولهاالمفاوضات الأفريقية الروسية حول مسألة الديون، والتي مكنت الشركات الروسية من الولوج إلى الاقتصاديات الأفريقية. وثانيها، تجارة السلاح والتكنولوجية العسكرية[iv].

ربما يسبب “فلاديمير بوتين” رعبًا لبعض الدول، لكن روسيا تمثل بالنسبة لكثيرين من مواطنى دولة جنوب أفريقيا شعورًا دافئًا وغامضًا. فهم يتذكرون تأييد روسيا لها فى العقود السابقة. ففى أثناء فترة التفرقة العنصرية، أمدَّ الاتحاد السوفيتى حزب “المؤتمر الوطنى الأفريقى ” بالتدريب العسكرى وبالأسلحة، هذا بالإضافة إلى مساندته للحركات التحررية الأخرى فى القارة. ومما يثير الاندهاش أن بعض الأسماء الأولى لمواطنى جنوب أفريقيا مثل “سوفيت” و”موسكو” و”لينين” تُعد تكريمًا حيًا لتلك الروابط القديمة. ويشغل “سبوتنيك راتاو”، الذى ُولد عقب إطلاق أول قمر صناعى بفترة وجيزة منصب المتحدث باسم إدارة المياه والصرف الصحى. وهناك مدرسة ثانوية فى إقليم “كوازولو ناتال” تمت تسميتها أيضًا باسم “إريك ماتشالى”، وهو نصير الكفاح الذى أمضى عقودًا فى المنفى ،وصار معروفًا باسم الكُنية “ستالين”[v].

ومؤخرًا، بحثت كل من روسيا وجنوب أفريقيا كيفية عودة العلاقات إلى ما كانت عليه إبان فترة الحرب الباردة، وتقليص شروط التأشيرة. وقد قام رئيس جنوب أفريقيا ومعه وزير الداخلية في عام 2014 بزيارة روسيا لقضاء أجازتهم فيها والاستجمام لمدة 6 أيام عقب انتهاء حملتة الانتخابات، كما وقَّعت جنوب أفريقيا  في عام 2017 اتفاقية مع “روزاتوم”، وهى شركة روسية للطاقة النووية مملوكة للدولة وذلك لشراء العديد من محطات الطاقة النووية بقيمة تريليون راند ؛(أى ما يوازى 76 مليار دولار)، وفى مجالى المخابرات والدفاع قامت روسيا بإرسال قوات لتدريب جواسيس جنوب أفريقيا وطيارى القوات الجوية هناك، ومع مرور الذكري الثلاثين للعلاقات بين روسيا وجنوب أفريقيا في مارس 2022 أكد الرئيسا أكد الرئيسان عزمهما على تطوير الشراكة الاستراتيجية بين بلديهم، وضرورة توسيع التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والإنسانية، والتأكيد على أهمية استمرار التعاون في إطار مجموعة بريكس، وقد صارت كلتا الدولتين أكثر قربًا داخل تجمع  دول “البريكس” (وهى البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا) مكونةً ناديًا اقتصاديًا تطور ليصير تحالفًا أكثر اتساعًا وأكثر توجهًا سياسيًا. إن روسيا التى أضرتها العقوبات تنظر إلى أفريقيا باعتبارها داعمًا سياسيًا ومجموعة فرص تجارية واعدة[vi].

ويقول “جيرى أوليفيير” ، السفير السابق لجنوب أفريقيا لدى روسيا إن السفر بدون تأشيرة يرمز إلى هذه العلاقة الخاصة، ولكنه يشك فى أن ذلك سوف يعزز السفر بينهما، حيث إن هناك القليل من الاتفاقات التجارية الجنوب أفريقية ـ الروسية، وليس هناك أية خطوط جوية مباشرة. ويعتبر “جيرى” أن التباين الثقافى يُعد مشكلة أيضًا. فربما يكون السر فى استمرار الصداقة بين البلدين هو بقاء التفاعلات الشخصية حالة نادرة. ومازالت اهتمامات السياسة الخارجية الروسية تركز على المناطق القريبة منها والتي تشكل خاصرتها وحدائقها الخلفية، وهي الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي، وآسيا والشرق الأوسط. إلا أن هذا الاهتمام لا يغيب باقي المناطق الإقليمية من منظورها الاستراتيجي، ومن هذا المنطلق جعلت روسيا العودة إلى القارة الأفريقية، منذ بداية القرن 21في صلب اهتمام سياستها الخارجية، وإن كان اهتمام، وبالنظر لملامح الدور الروسي في أفريقيا، يتبين بوضوح أن هذه العودة تحكمها معطيات عدة أقلها أهمية هو المعطى الإيديولوجي، وأهمها المعطيين الاقتصادي والعسكري المتجليان في تكثيف المبادلات التجارية وفي زيادة صفقات التسليح والتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب. أما المعطى السياسي فهو حاضر لكن ليس بتلك الأهمية المؤثرة على جيوسياسية رو سيا في المنطقة، فروسيا اختارت تبني سياسة الحياد في النزاعات الأفريقية[vii].

ثانياً: الدور الروسي في أفريقيا الوسطى:

ترتبط بعض الدول الإفريقية بعلاقات عسكرية مع روسيا من خلال عقود الأسلحة وكذلك التدريب والاستشارات واتفاقيات التعاون الأمني والاستخباري. وتعتبر إفريقيا ثاني أكبر مستورد للأسلحة الروسية بعد قارة آسيا، ومن أهم تلك الدول: نيجيريا، وأنغولا، والسودان، والكاميرون، والسنغال، وموزمبيق”. وتعني إفريقيا بالنسبة إلى روسيا الكثير إذ تشكِّل مصدرًا مهمًّا للموارد الطبيعية “النفط والغاز والمعادن والأخشاب والثروة الحيوانية[viii].

بدأ الحضور الروسي في إفريقيا الوسطى في العام 2017 حين ناشد الرئيس، فوستين أرشانج، مجلس الأمن برفع حظر الأسلحة المفروض على بلاده حتى يتسنى للحكومة استيراد أسلحة ومعدات عسكرية للدفاع عن نفسها وحماية المدنيين. كان فوستين يراهن على فرنسا التي قدمت اقتراحًا بإرسال 1400 بندقية من طراز (AK-47) استولت عليها البحرية الفرنسية أثناء عملية لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، إلا أن روسيا استخدمت حق النقض تجاه الفكرة الفرنسية بحجة أنه لا يمكن استخدام الأسلحة المصادرة أثناء عملية حظر الأسلحة وتوجيهها لأغراض أخرى. عرضت موسكو بدلًا من ذلك التبرع بأسلحة خفيفة لجمهورية إفريقيا الوسطى، وهو الاقتراح الذي حظي بموافقة جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي، وما بدأ بتبرع روسي محدود بالأسلحة الخفيفة سرعان ما تحول إلى وجود أمني فعال، إثر إرسال موسكو 170 مدرِّبًا مدنيًّا وخمسة أفراد عسكريين في مهمة أمنية تحت ستار زائف متعلق بحراسة مواد بناء ومستشفيات تنشئها روسيا هناك. تبين لاحقًا أن المدنيين نخبة من قوات مرتزقة الروس التابعين لمجموعتي سيرا للخدمات الأمنية وفاغنر التي يديرها رجل الأعمال، يفغيني بريغوجين، المقرب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين[ix].

خلال فترة وجيزة سيطر الروس على جميع المهام الأمنية المهمة في إفريقيا الوسطى بما في ذلك حراسة الرئيس فوستين أرشانج. وفي خطوة تعكس حجم التعاون بين موسكو وبانغي تم تعيين الروسي فاليري زاخاروف، ضابط المخابرات السابق، في منصب مستشار الأمن القومي للرئيس فوستين أرشانج. تُوِّجت العلاقة في أغسطس 2018؛ حيث وقَّع البلدان اتفاقية تعاون عسكري وجرى السماح بافتتاح مكتب لتمثيل وزارة الدفاع الروسية في بانغي، وأعلن رئيس إفريقيا الوسطى أن بلاده تدرس السماح بإنشاء قاعدة عسكرية فوق أراضيها، فضلًا عن سيطرة روسيا على مناطق واسعة ضمَّت مناجم الماس والذهب واليورانيوم[x].

تعد جمهورية إفريقيا الوسطى رافعة مهمة من روافع الاقتصاد الفرنسي حيث ينشط الكثير من الشركات الفرنسية في الاستثمار في العديد من المجالات لاسيما في مجال التعدين “الألماس والذهب والنحاس” وأيضًا تعمل في تحويل اليورانيوم من جنوب البلاد إلى فرنسا، لكن روسيا نجحت بإضعاف النفوذ الفرنسي وفي غضون فترة وجيزة أصبحت إفريقيا الوسطى نموذجًا للتصدير مع انتزاع مميزات الدور الفرنسي في مجالات تدريب الجيش، والحرس الرئاسي، وأمن المؤسسات، ومناجم الذهب والألماس والبلاتين والكروم، مقابل حصة من الدخل والمنافع الاقتصادية. والتعاون العسكري الروسي لا يقتصر على البعد الرسمي والنظامي حيث جرى الكشف عن إرسال وحدات من مرتزقة فاغنر حيث تعتمد على استراتيجية تقديم الأسلحة والمعدات العسكرية ونقلها بشكل خفي بعيدًا عن أنظار الجهات الحقوقية واستخدام أساليب وتقنيات الحرب السيبرانية واعتماد روسيا على مرتزقة فاغنر كرأس حربة لنفوذها في إفريقيا الوسطى للحيلولة دون تحمل مسؤولية مباشرة أو التزامات تجاه ما تقوم به فاغنر، واستمرت روسيا في تعزيز نفوذها في مختلف المجالات والأصعدة بجمهورية إفريقيا الوسطى؛ حيث تدخلت في سَنِّ التشريعات لضمان مصالحها واستراتيجيتها التي تتعارض مع متطلبات المانحين الدوليين والمؤسسات الدولية[xi].

وسياسياً، لعبت روسيا أيضًا دورًا مهمًّا في إيجاد مقاربة وصيغة جديدة من أجل إبرام اتفاق سلام بين الحكومة في بانغي بقيادة فوستين أرشانج والجماعات المتمردة؛ حيث استطاع الروس إقناع حكومة إفريقيا الوسطى والجماعات المتمردة بالتفاوض وتوقيع اتفاقية الخرطوم للسلام من أجل تسوية الصراعات في فبراير 2019، وكانت أهم مخرجات المباحثات وقف إطلاق النار وحرية التنقل والحركة للأفراد والبضائع التجارية في جميع أنحاء البلاد، ثم تشكَّلت حكومة وحدة وطنية تضم كل الجماعات المتمردة والمسلحة، وإعادة دمج المجموعات المسلحة في الجيش الوطني. كما شرعت الحكومة في تنفيذ اتفاق الخرطوم للسلام والتشاور مع الجماعات الموقِّعة على اتفاق السلام حول امكانية إجراء الانتخابات في موعدها. وفي الاتجاه الآخر، انخرطت الجماعات غير الموقعة على اتفاق السلام بإعداد خطة بديلة لإسقاط الحكومة والسيطرة على العاصمة، لكن سرعان ما فشلت مخططات الجماعات المسلحة المقربة من باريس[xii].

دخلت البلاد في عام 2020في أزمة حادة انقسمت فيها القوى السياسية إلى فريقين: فريق يتزعمه الرئيس فوستين أرشانج أكد على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها تفاديًا لحدوث فراغ دستوري، وفريق يتزعمه رئيس البرلمان يطالب بتأجيل الانتخابات لدواعي عدم توافر الأمن، وجرت الانتخابات التشريعية في إفريقيا الوسطى، في 27 ديسمبر 2020، وتمكن من خلالها فوستين أرشانج، الذي تسيطر حكومته على ثلث مساحة البلاد، من الفوز بولاية رئاسية ثانية بعد حصوله على 53٪ من الأصوات. بعدها تغيرت المعادلة بشكل متسارع حيث استعادت الحكومة الجديدة وبدعم روسي السيطرة على أغلبية التراب الوطني وانحسر نطاق وجود المعارضة المسلحة في مناطق محدودة وصغيرة بالقرب من حدود السودان وتشاد وجنوب السودان[xiii].

خاتمة

يمكن القول بأن تعامل روسيا مع الدول الإفريقية يختلف تمامًا عن التعامل الغربي فليس هناك اشتراطات مرتبطة بحقوق الإنسان وتحقيق الديمقراطية وتوطين الحريات من قبل الجانب الروسي مقابل الحصول على التسليح والتعاون العسكري، وهذا ما فتح الباب واسعًا لمزيد من الشراكات الاستراتيجية بين موسكو وبقية دول أفريقيا، كما إن استراتيجية روسيا تعتمد على صيغ متعددة الأوجه، من بينها: وجود رسمي من قبل وزارة الدفاع الروسية يلتزم نسبيًّا بالقانون والمواثيق الدولية، مع وجود آخر شبه رسمي ويتمثل في مجموعة فاغنر المعنية بالحسم العسكري، والنموذج الذي قدمته روسيا في إفريقيا الوسطى سيحفز العديد من النظم الإفريقية للتعاون مع الروس، لاسيما مع الجانب شبه الرسمي، أي مجموعة فاغنر.

إن طبيعة النظم السياسية في الدول الإفريقية والتحولات الإقليمية والدولية والتنافس الدولي على القارة الإفريقية، كل هذه العوامل سوف تسهم في تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا لأن روسيا الاتحادية دولة ذات تأثير في السياسة الدولية بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي تستخدم دائماً حق (الفيتو) لمصلحة حلفائها هي الميزة التي تجعلها ذات أهمية بالنسبة لبعض الدول الإفريقية وبالأخص الخاضعة للعقوبات الغربية مثل “السودان، وإريتريا”، أو تلك التي تحتاج لبعض أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي لمواجهة النفوذ الفرنسي في الدول الفرنكفونية مثل “إفريقيا الوسطى، مالي، بوركينا فاسو، غينيا، الكونغو”، أو تلك التي تحتاج لبعض أشكال الدعم العسكري والأمني لمواجهة تنامي نشاط الحركات الجهادية مثل “موزمبيق، مالي، الكونغو، وبوركينا فاسو.

المراجع

[i] عبدالعزيز مهدي الراوي، توجهات السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، عدد 35، بغداد، 2008، ص ص 64-65.

[ii] أيمن طلال ، روسيا البوتينية بين الأوتوقراطية الداخلية والأولويات الجيوبوليتيكية الخارجية 2000-2008، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، عدد 358، بيروت، 2008، ص 111.

[iii] ناصر زيدان، دور روسيا في الشرق الأوسط وأفريقيا من بطرس الأكبر حتى فلاديمير بوتين، الدار العربية للعلوم والنشر، ط1، بيروت 2014، ص  ص 89-92.

[iv] لمي الأمارة، الاستراتيجية الروسية بعد الحرب الباردة وانعكاساتها على المنطقة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، 2009، ص ص 122-123.

[v] بافل باييف، القوة العسكرية الروسية وسياسة بوتين والبحث عن العظمة الروسية، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1، أبوظبي، 2011، ص 25.

[vi] عزالدين عبدالله أبوسمهدانة، الاستراتيجية الروسية تجاه الشرق الأوسط 2008-2020، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، جامعة الأزهر، غزة، 2022، ص ص 145-147.

[vii] مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، روسيا والنظام الدولي المستقبلي في أفريقيا، يوليو 2022، على الرابط:

https://africacenter.org/ar/spotlight/ar-russia-future-international-order-africa/

[viii] عبدالعزيز مهدي الراوى، توجهات السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، مرجع سابق، ص 71.

[ix] Russia in Africa – Undermining democracy through elite capture,23-september-2021,on,

http://democracyinafrica.org/russia-in-africa-undermining-democracy-through-elite-

[x] Joseph siegle,Russia’s asymmetric strategy for expanding influence in Africa,17september 2021,on,

Russia’s asymmetric strategy for expanding influence in Africa

[xi] حمزة حبحوب، فاغنر وجه روسيا الجديد في أفريقيا، 14-4-2022، على:

https://www.france24.com

[xii] بعد عام على إتفاق السلام في أفريقيا الوسطي: الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى الالتزام ببنوده، 6 فبراير 2020، على:

https://news.un.org/ar/story/2020/02/1048732

[xiii] مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية،  الديمقراطية الحقيقية هو الشيء الذي ترغب فيه أغلبية قوية من الأفارقة، 24 مايو 2022، على:

https://afrobarometer.org/blogs/do-africans-want-democracy

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى