الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

لماذا يعتبر ضرب المنشآت النووية الإيرانية فكرة سيئة؟

Why Striking Iranian Nuclear Facilities Is a Bad Idea

إعداد: د. دورين هورشج  – مراجعة وتحرير: د. طالب عبد الجبّار الدغيم

نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ( (CSISفي واشنطن  تقريراً (أُرسلت منه نسخ إلى الكونغرس الأمريكي وإدارة البيت الأبيض)، وعنوانه: لماذا يعتبر ضرب المنشآت النووية الإيرانية فكرة سيئة؟

  • المركز الديمقراطي العربي

 

إن الهجوم الصاروخي الباليستي الذي شنته إيران على إسرائيل في الأول من أكتوبر من المرجح أن يدفع إدارة نتنياهو إلى الاستمرار في تصعيد ردودها في الصراع الإقليمي. ويأتي هذا الحادث بعد ضربات مماثلة في أبريل الماضي. وعلى الرغم من أن أي من الهجومين لم يتسبب في أضرار كبيرة، إلا أن قرار طهران استهداف المناطق المدنية بشكل مباشر، بما في ذلك تل أبيب، يثير القلق.

وفي أبريل الماضي، اختارت إسرائيل الرد بشكل محسوب على المواقع العسكرية الإيرانية. وأما الآن، فإن العديد من الخيارات الأخرى تبدو مطروحة على الطاولة، تتراوح بين شن هجمات على مصافي النفط الإيرانية، واغتيالات محددة تستهدف عناصر من الحرس الثوري الإيراني، إلى إمكانية توجيه ضربات على المنشآت النووية الإيرانية. ويرى المؤيدون لهذه التحركات أن اللحظة الحالية مناسبة لشن هجوم على البنية التحتية النووية الإيرانية، مستشهدين بالحاجة الملحة لإحباط توقيت إيران الوشيك للوصول إلى قدرة نووية، وفشل الجهود الدبلوماسية، واستمرار الصراع الإقليمي.

ومع ذلك، فإن هذا المنظور يتجاهل بعض التعقيدات والتداعيات المحتملة لمثل هذا الهجوم. إن اختيار الحكومة الإسرائيلية الامتناع عن استهداف المنشآت النووية هو قرار حكيم ولا ينبغي إعادة النظر فيه. فتوجيه ضربات إلى المنشآت النووية الإيرانية لن يقضي على التهديد الوجودي الذي يشكله برنامج نووي إيراني على إسرائيل. بل على العكس، سيزيد من هذا التهديد. وعلى الرغم من أن الحل الدبلوماسي بطيء ومعقد، إلا أنه يظل الخيار الأكثر جدوى للحد من الطموحات النووية الإيرانية.

حدود الضربات العسكرية

غالبًا ما يرى منتقدو الدبلوماسية أنها أداة غير كافية ضد انتشار الأسلحة النووية الإيرانية. وعلى الرغم من أن المفاوضات قد تعثرت وأن آفاق التوصل إلى اتفاق نووي جديد تبدو قاتمة، إلا أن فكرة أن الضربات العسكرية تمثل بديلًا منطقيًا هي فكرة معيبة لعدة أسباب.

أولًا، تدمير المنشآت النووية الإيرانية بالكامل يشكل تحديًا هائلًا. على عكس الضربات الإسرائيلية السابقة ضد الانتشار النووي في عام 1981 ضد العراق وفي عام 2007 ضد سوريا، حيث تم استهداف مفاعلات معزولة، فإن البرنامج النووي الإيراني يتكون من العديد من مواقع إنتاج وتخصيب اليورانيوم، مناجم، ومرافق بحثية، وجميعها أكثر تقدمًا ومنتشرة في مواقع متعددة. لذا، فإن تفكيك هذا البرنامج يتطلب عملية عسكرية معقدة للغاية، مع خطر أن يتم إعادة بناء “برنامج الطرد المركزي في شكل أكثر قابلية للبقاء وبسرعة نسبية”.

ثانيًا، إن المنشآت الرئيسية، مثل مرافق تخصيب اليورانيوم الإيرانية، محصنة، مما يستلزم استخدام ذخائر مخترقة للتحصينات لتدميرها بالكامل. وهذا سيتطلب على الأرجح دعمًا من الولايات المتحدة، خاصة من خلال استخدامها للقنبلة الضخمة المصممة لاستهداف المواقع تحت الأرض (بينما تمتلك إسرائيل قنابل صغيرة مخترقة للتحصينات، فإن الأضرار المحتملة ستكون محدودة). ومع ذلك، فإن الرئيس بايدن قد أعرب عن معارضته لضرب المواقع النووية الإيرانية. أي دعم لمثل هذه التحركات الإسرائيلية قد يدفع واشنطن إلى التورط بشكل أعمق في الصراع، مما قد يثير غضبًا دوليًا ويعقد جهود الولايات المتحدة لكسب الدعم العالمي في جبهات أخرى، بما في ذلك أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي.

ثالثًا، حتى في أفضل السيناريوهات التي تنجح فيها الضربات العسكرية في تدمير المنشآت الرئيسية، ستبقى المعرفة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، وتقنية المفاعلات، ودورة الوقود اللازمة للحفاظ على الانشطار النووي قائمة. القضاء على هذه المعرفة سيتطلب عمليات سرية مستمرة داخل المجتمع العلمي الإيراني، وهو جهد مرهق وصعب الاستمرار. وعلى الرغم من أن إسرائيل استخدمت سابقًا الاغتيالات المستهدفة للحد من هذه المعرفة، إلا أنه من المشكوك فيه ما إذا كانت هذه الاستراتيجية تتماشى مع أهداف الموساد طويلة الأمد في التعامل مع القدرات النووية الإيرانية.

الطبيعة العكسية للضربات العسكرية

وأكثر أهمية من بقاء المعرفة التقنية هو العزم على متابعة تطوير الأسلحة النووية. فالتاريخ يثبت أن العدوان العسكري على المنشآت النووية الإيرانية عزز فقط من إصرار إيران، وربما يكون ذلك أكثر دقة. تشير الأبحاث إلى أنه على الرغم من العمليات السرية الإسرائيلية، بما في ذلك الهجمات السيبرانية والاغتيالات، فإن إيران واصلت زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب وعدد أجهزة الطرد المركزي العاملة. ففي عام 2021، قامت إيران بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 في المئة لأول مرة، كرد مباشر على عملية التخريب الإسرائيلية ضد منشأة نطنز النووية في عام 2021 (ويعتبر اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة صالحًا للاستخدام في الأسلحة النووية). العمليات الإسرائيلية توقف الطموحات النووية الإيرانية مؤقتًا فقط. أنجح التدخلات العسكرية تحدث عندما يكون التهديد بالانتشار النووي في مراحله الأولى؛ أما إيران فقد تجاوزت هذا الحد بوقت طويل.

علاوةً على ذلك، فإن سياسة التريث النووي الإيراني كانت في الغالب استجابةً للتهديدات المتصوَّرة لبقائها. إذا نظرنا إلى مثال آخر، فإن البرنامج النووي الباكستاني ظهر كرد فعل مباشر على حرب تحرير بنغلاديش عام 1971. وبالمثل، كان قرار إسرائيل بتطوير أسلحة نووية متأثرًا بشكل كبير بأزمة السويس عام 1956 والتوترات الإقليمية اللاحقة. إن هجومًا إسرائيليًا شاملًا على المنشآت النووية الإيرانية من المرجح أن يزيد من إدراك طهران للتهديد ويُسرِّع من سعيها لامتلاك ترسانة نووية.

بينما قد تعيق الضربات العسكرية التقدم النووي الإيراني مؤقتًا، فإنها من غير المحتمل أن توقفه بشكل كامل، بل قد تدفع البرنامج النووي الإيراني إلى مزيد من العمل تحت الأرض.

طريق للمضي قدمًاً

يُشير منتقدو الضربات على المنشآت النووية إلى خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع. ولكن مع تصاعد الصراعات التي تشمل حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، فإن هذه الحرب قد بدأت بالفعل. ومع ذلك، فإن الضربات العسكرية قد تُطيل من أمد الصراعات القائمة، وتساهم في خلق بيئة إقليمية “فوضوية”.

وقال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، في وقت سابق من هذا الشهر، إنه لا يوجد دليل على أن إيران قررت تطوير سلاح نووي. وحتى الآن، استخدمت طهران برنامجها النووي كضمانة أكثر من كونه قدرة هجومية. ورغم أن البلاد تقترب تدريجيًا من الانتشار النووي، إلا أنها لم تتجاوز العتبة بعد، مما يشير إلى وجود نافذة صغيرة—وإن كانت ضيقة—للانخراط الدبلوماسي. وبينما لم تكن الدبلوماسية فعالة بشكل خاص ولم تكن في مصلحة إسرائيل، إلا أن السعي إلى جهود دبلوماسية تدريجية قد يكون مفيدًا بدلًا من السعي إلى صفقة شاملة كالاتفاق النووي الشامل لعام 2015.

ويمكن لإسرائيل دعم صفقات محدودة وتكتيكية تُجمِّد الجوانب الأكثر إثارةً للقلق في البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وكما قد تساعد الجهود الدبلوماسية الصغيرة والممكنة في إبطاء العملية، وتجنب الإخفاقات الشاملة للمفاوضات السابقة. وبالمقابل، يمكن للوسطاء في المنطقة تسهيل المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأوروبية وإيران. وإن هذا قد يساعد في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة دون الالتزام بمحادثات رسمية. وربما تكون الصين أو روسيا، اللتان تنمو علاقاتهما مع إيران، مهتمتين أيضًا بمنع إيران من الانتشار النووي، وقد تدفعانها نحو ضبط النفس النووي.

قد ترغب إسرائيل في الضغط من أجل فرض عقوبات أشد تركز تحديدًا على البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، بالتعاون مع القوى الأخرى. وبالتالي، يجب أن تكون العقوبات محددة لاستهداف الصناعات أو الأفراد المرتبطين بشكل مباشر بالبرنامج النووي، مثل حظر استيراد التكنولوجيا وتجميد الأصول المتعلقة بالبنية التحتية النووية لطهران.

وإنه من الضروري أن تنظر إسرائيل في التداعيات الأوسع لأي عمل عسكري ضد إيران. وبينما قد يرى المتشددون، مثل رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، بأن الضربات العسكرية تمثل فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، يجب على إسرائيل أن تزن ما إذا كانت مثل هذه الإجراءات تتماشى مع مصالحها طويلة الأمد، وتساهم في الحد من عزلتها المتزايدة عن المجتمع الدولي.

ملاحظة: دورين هورشج هي زميلة مشاركة في مشروع القضايا النووية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.

رابط التقرير الأصلي:

Why Striking Iranian Nuclear Facilities Is a Bad Idea

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى