الدبلوماسية الشعبية وقضية الأسرى
بقلم الأسير: ثامر عبد الغني سباعنة – سجن النقب – فلسطين
- المركز الديمقراطي العربي
قال تعالى: “يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون” ال عمران- 200
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “فكوا العاني ” رواه البخاري ومسلم
المقدمة:
شكلت قضية الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال في تاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن إحدى عناوين النضال الوطني بعد أن تحولت السجون غلى ساحات صراع مع المحتل، وميدان تم فيه استيعاب مئات الألوف من الفلسطينيين الذين توافدوا على السجون والعمل على توعيتهم وتنظيمهم.
وقد شكلت قضية الاسرى اهتماما كبيرا لدى الشارع الفلسطيني حتى أن المعظم يضعها القضية الثانية الأكثر أهمية وحساسية بعد قضية القدس والاقصى.
مع تطور الصراع تطورت ادواته وباتت الدبلوماسية الشعبية سلاح وأداة جديدة يمكن استخدامها في التأثير وخلق حالات التفاعل والتضامن مع القضايا الوطنية والإنسانية، ولعل قضية الأسرى أحد تلك القضايا التي لا بد وأن تطرق باب الدبلوماسية الشعبية، والتي لا بد وأن يتم فيها استخدام الدبلوماسية الشعبية وأدواتها المختلفة لتقديم قضية الأسرى وإبرازها محليا وعربيا وعالميا، وبالتالي تحقيق إنجازات تخدم قضية الاسرى.
كيف يمكن استخدام الدبلوماسية الشعبية؟ وفعلا هل يمكن أن تخدم الدبلوماسية الشعبية قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال؟
من خلال هذه الدراسة بفصولها الأربع سأتناول الدبلوماسية الشعبية ثم قضية الأسرى ثم العلاقة بين الدبلوماسية الشعبية وقضية الاسرى محاولاً الخروج بإجابة لدور الدبلوماسية الشعبية وقضية الاسرى.
أهمية الدراسة:
في ظل التسارع في استخدام الدبلوماسية الشعبية بكافة أدواتها، والتطور الجاري على أساليب وطرق التفاعل واستخدام الدبلوماسية العبية، بات من الواجب استخدامها في قضايا الامة المختلفة، ولعل أهمها القضية الفلسطينية، والتي تضم قضية الأسرى في سجون الاحتلال.
ولعل من القليل جدا أن تجد من كَتَب وتناول هذا الموضوع المهم والمؤثر على الساحة الدولية والذي قد يكون له انعكاسات إيجابية وعملية على قضية الاسرى.
أهداف الدراسة:
- 1.إدراك أهمية الدبلوماسية الشعبية.
- 2.دراسة أدوات الدبلوماسية الشعبية.
- 3.التعرف على قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
- 4.دراسة أهم الجوانب التي يمكن تناولها في قضية الاسرى عبر الدبلوماسية الشعبية.
- 5.الخروج بنتائج وتوصيات حول استخدام الدبلوماسية الشعبية في قضية الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
تساؤلات الدراسة:
- 1.ما هي الدبلوماسية الشعبية؟
- 2.ما هي أدوات الدبلوماسية الشعبية؟
- 3.ما هي قضية الأسرى في سجون الاحتلال؟
- 4.ذكر الجوانب المهمة والمؤثرة في قضية الاسرى؟
- والسؤال المركزي هو: كيف يمكن أن تخدم الدبلوماسية الشعبية قضية الاسرى؟!
فرضية الدراسة:
من خلال دراسة الدبلوماسية الشعبية وأدواتها وعناصرها، يمكن استخدام الدبلوماسية الشعبية في تفعيل قضية الأسرى عربياً وعالمياً، وخلق حالة رأي عام متضامن ومتفاعل مع الأسرى، بالإضافة إلى تغيير الصورة النمطية التي سوقها الاحتلال “الإسرائيلي” عن الأسرى في الغرب.
الفصل الأول
الدبلوماسية الشعبية
شكلت الدبلوماسية الشعبية شكل من اشكال الدبلوماسية، والدبلوماسية هي: إدارة العلاقات الدولية عبر التفاوض او حل المشكلات دون استخدام القوة [1]، وتتعدد اشكال الدبلوماسية، وتختلف الدبلوماسية الشعبية عن الدبلوماسية الرسمية بأن الدبلوماسية الشعبية يمارسها موظفو الدولة وغير موظفو الدولة ويلتقي هذان الشكلان للدبلوماسية بأن الهدف منهما إقامة العلاقات الإيجابية دون تصادم.
الدبلوماسية –سواء الرسمية او الشعبية- باتت شكل من أشكال وأدوات القوة الناعمة التي تمارسها الدول بأساليب مختلفة.
القوة الناعمة: القدرة على التأثير على الاخرين من خلال وسائل الاستتباع غير القهرية عبر تأطير جدول الأعمال والإقتناع وإثارة جذب إيجابي من أجل الحصول على النتائج المفضلة[2]،والقوة الناعمة تعمل بأسلوب تدريجي وماكر وغير مباشر وخفي.
جدول (1 ) : مقارنه بين القوة الصلبة والقوة الناعمة:
القوة الناعمة | القوة الصلبة | |
الجذب، الاستتباع، ضبط الاجندة | الاكراه، الاغواء، الإمده | السلوك |
المؤسسات، القيم، الثقافة، السياسة، الاعلام | العقوبات، الحرب، الرشاوى | المواد الأكثر استخدام |
وتمر مراحل انشاء القوة الناعمة بثلاث مراحل[3] هي:
أولا: على الطرف الفاعل إنشاء مجموعة (سياق بنيوي) من الثقافة والأفكار والمعايير التي تشكل مصدرا للقوة الناعمة.
ثانيا: هناك الوكلاء الذين يُفَعلون الاستفادة من موارد القوة الناعمة (أجهزة حكومية، شركات، مؤسسات، منظمات، …) يستخدم الوكلاء موارد القوة الناعمة ضد سياقاتهم الاجتماعية لتوليد التأثير.
ثالثا: يخلق الوكلاء روابط لنقل الأفكار والمعلومات التي يفترض أن تغير أفكار المستهدف وقيمه ومعاييره، ويعتمد نجاح القوة الناعمة على تلك الروابط وفعاليتها.
أما مراحل القوة الناعمة[4]:
1.فهم المستهدَف (مجتمع او منظمة او نظام حكم) وجمع المعلومات حول الفئة المستهدفة.
2.تحديد الموارد (الثقافة، الأفكار، المعايير، السرديات، القيم، التصورات، المعلومات) التي يجب نقلها.
3.اساليب النقل (التي تتنوع وتعتمد بشكل كبير على تصورات المُتلقين ويمكن اعتبار درجة القبول مؤشرا على مدى نعومة برامج او سياسات محددة).
4.استقبال الأفكار: كيف أدرك الجمهور المستهدف هذه الأفكار والرسائل، وكم شخص تأثر بها، ما هي مخرجات هذه العملية (استطلاعات الرأي، المسوحات، مجموعات التركيز، ومواقف النخب، والسلوك السياسي).
وتأتي الدبلوماسية الشعبية ضمن دائرة القوة الناعمة وهنا يأتي تعريف الدبلوماسية الشعبية على أنها[5]:
-دبلوماسية شعبية الشعب في مجال العلاقات الدولية بشكل عام.
-تواصل مع جمهور أجنبي بغرض تأسيس حوار يومي لإعلامه والتأثير عليه.
-علاقة الشعب بالشعب.
وتشمل الدبلوماسية الشعبية: الشعب، المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، المنظمات، العلاقات الشخصية للأفراد وغيره.
أما أبرز محاور الدبلوماسية الشعبية فهي الاستماع والحملات والتبادل العلمي والدبلوماسية الثقافية والبث الإعلامي.
إذ أن الحملات تأتي من خلال تنظيم الحملات المختلفة للتأثير، أما الاستماع فيأتي ضمن دور الحوار وتوصيل الأفكار للغير، أما البث الإعلامي فمن خلال الاعلام المرئي والمكتوب ومواقع التواصل الاجتماعي فيما تأتي الدبلوماسية الثقافية ضمن الفن والرياضة والطعام والأزياء وغيره من العناصر.
تهدف الدبلوماسية الشعبية لبناء منظومة فعالة للتواصل والاتصال مع المجتمعات الأخرى من خلال أدوات الدبلوماسية الشعبية[6] وهي :
-الاتصال عن بعد: (الاعلام، الفضائيات، التواصل الاجتماعي).
-الاتصال المباشر (المحاضرات، الندوات، زيارات الوفود، البعثات، الجاليات).
تعمل الدبلوماسية الشعبية على التأثير في الصورة الذهنية وهي الفكرة الشائعة الراسخة في اذهان الجمهور عن شيء ما، إضافة الى الاهتمام بالرواية الوطنية (السردية) ونقلها بشكل سليم ودقيق للوصول الى المجتمعات والأمم الأخرى.
مجالات تفعيل قضية الاسرى من خلال القوة الناعمة:
1.انتاج الأفلام التي تتناول قضية الاسرى ونشرها في لغات مختلفة وعدم الاكتفاء باللغة العربية.
2.إطلاق الحملات الدورية للتعريف بقضية الاسرى وتبني قضاياهم.
3.عقد المؤتمرات واللقاءات.
4.انتاج الأغاني المرتبطة بالأسرى (بكل اللغات).
5.تفعيل دور مواقع التواصل الاجتماعي ضمن برنامج عملي واقعي ومتفق عليه ضمن اهداف واضحة.
6.طباعة وإصدار كتب الاسرى وإبراز أدب السجون والمشاركة في معارض الكتب الدولية للترويج لكتب وابداعات الاسرى.
7.دحض الرواية “الاسرائيلية” بحق الاسرى وكشف زيف وكذب السردية الإسرائيلية، وإبراز الرواية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة وبالتالي الوصف الحقيقي لوضع ووصف الأسرى في سجون الاحتلال.
8.تفعيل دور السفارات والقنصليات الفلسطينية والعربية في موضوع الاسرى.
9.اعطاء دور للأكاديميين والفنانين والرياضيين في عرض قضية الاسرى وتبنيها وطرحها في المنابر المختلفة.
10.تشكيل مجموعات ضغط وتضامن مع الاسرى في البرلمانات العربية والغربية.
الفصل الثاني:
قضية الاسرى في سجون الاحتلال:
شكلت قضية الاسرى في سجون الاحتلال في تاريخها الممتد منذ عام 1948م حتى الان أهمية كبيره وجزء هام من القضية الفلسطينية ،و غدت أحد عناوين واشكال النضال الوطني ضد الاحتلال، وعكست حال القضية الفلسطينية في المراحل المختلفة، بعد أن حاولت الحركة الأسيرة السجون إلى ساحة من ساحات الصراع والمواجهة مع المحتل.
فقد استوعبت السجون حوالي مليون أسير فلسطيني من النكبة، عملت الحركة الأسيرة على استيعابهم وتثقيفهم وتنظيمهم، وتحويل السجون إلى مدارس وجامعات ومحاضن للتربية والتنظيم.
لم تتمكن الحركة الأسيرة ولأسباب متعددة من تشكيل هيئة او لجنة قيادية عليا تمثل الاسرى ككل، الا في محطات مؤقتة، كإضرابات الاسرى عن الطعام، ففي مرحلتها الأولى منذ عام 167م حتى أواسط تسعينات القرن الماضي، افتقدت الحركة الاسيرة لمثل هذا الجسم؛ نتيجة لعوامل مختلفة مرتبطة بتاريخ هذه الحركة وتطورها واتساع رقعة السجون، حيث كان الأسرى يتوزعون على عشرات السجون في الضفة وقطاع غزة والداخل المحتل، مما أعاق إمكانية التواصل السريع لاتخاذ القرارات المهمة[7].
ومؤخرا وتحديدا في شهر أيلول من عام 2023 تمكنت الحركة الاسيرة من توحيد صفوفها والاعلان عن تشكيل “اللجنة الوطنية العليا للأسرى” التي غدت تمثل كل الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وذلك بعد الهجمة الاحتلالية بقيادة وزير الامن الداخلي “بن غفير” الذي سن مجموعة من القوانين التي تمس الحياة الاعتقالية لكل الاسرى في سجون الاحتلال فبات من المطلوب التوحد في وجه هذا الاستهداف.
*المراحل التي مرت بها الحركة الاسيرة:
يمكن تقسيم المراحل التي مرت بها قضية الأسرى والحركة الأسيرة إلى عدة مراحل:
-المرحلة الأولى: منذ عام 1948 حتى عام 1994: وهذه المرحلة ندر الحديث والكتابة عنها لغياب المراجع والكتب والهادات التي تتناول المرحلة الأولى.
-المرحلة الثانية: من عام 1967 حتى عام 1994: وامتازت هذه المرحلة ببداية العمل التنظيمي في السجون، والعمل على تحقيق الإنجازات لصالح الاسرى، وتغيير الواقع الإعتقالي في السجون، وبالفعل استطاع الاسرى ادخال تحسينات كبيرة على الواقع الإعتقالي مع تشكيل الأجسام التنظيمية لكل فصل داخل سجون الاحتلال.
-المرحلة الثالثة: من عام 1994 حتى عام 2000: وامتازت بانخفاض أعداد الاسرى بسبب الإفراجات التي جاءت بعد اتفاق أوسلو، إضافة إلى انتقال التمثيل الإعتقالي في معظم السجون من حركة فتح إلى حركة حماس، بسبب ارتفاع عدد أسرى حماس عن أسرى فتح، وتم اقفال عدد من السجون.
-المرحلة الرابعة: منذ عام 2000 حتى عام 2007: انتفاضة الأقصى وارتفاع عدد الاسرى وافتتاح سجون جديدة مع عودة التمثيل الإعتقالي لحركة فتح.
-المرحلة الخامسة: ما بعد الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني-، حيث تم عزل أسرى حماس عن أسرى فتح، واستفردت إدارة السجون بالأسرى، وقامت بسن مجموعة من العقوبات بحق أسري حماس، إضافة لبدء ظهور ظاهرة الإضراب الفردي عن الطعام احتجاجا على الاعتقال الإداري، وبدء تشكيل الهيئات العامة للأسرى من كل فصيل مثل الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس، والهيئة القيادية العليا لأسرى الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية.
إضافة إلى هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع عام 2021م، ومجموعة القوانين والإجراءات القاسية بحق الاسرى والتي ممكن اعتبارها مرحلة جديدة من مراحل الاسيرة.
اشتدت الهجمة “الإسرائيلية” في تنفيذ عمليات الاعتقال ضد الفلسطينيين، فكانت ولا زالت لهذه السياسة كبير الأثر على مجمل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الفلسطيني، كما تركت هذه السياسة انعكاسات اجتماعية خطيرة على الحياة الاجتماعية والظروف المعيشية الفلسطينية[8].
إن الظروف المعيشية التي عايشتها اسرة المعتقل الفلسطيني اتسمت بالعجز والحرمان في كثير من الأحيان، عن توفير الحاجات الضرورية للبقاء، في الذي لم تتوفر وسائل دعم كافية للأخذ بيد مثل هذه الاسر نتيجة سياسة الاحتلال في تفريغ فلسطين من المؤسسات الشعبية والوطنية التي قد توفر مساعدات لأسر المعتقلين والشهداء.
أوضاع الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال تمتلئ بالأسي والجرائم والمعاناة التي يلاقيها هؤلاء الأسرى، ويتعرض الأسرى طوال فترة الاعتقال إلى مختلف أنواع التعذيب والتضييق والحرمان، وليس هناك دليل على استشهاد أكثر من 200 أسير فلسطيني، وعبارة الجنرال “الإسرائيلي” (موشيه ديان):”سوف نجعل هذه السجون تخرج معاقين وعجزه؛ ليكونوا عبئا على المجتمع الفلسطيني[9]”
لقد دخل سجون الاحتلال منذ الاحتلال أكثر من مليون اسير، حسب الاحصائيات التي تُعدها المؤسسات العاملة في شؤون الأسرى، واستطاع هؤلاء الأسرى خلال سنوات الأسر الطويلة أن يفرضوا على الاحتلال تنظيم حياتهم الاعتقالية بأنفسهم، وافرزوا قيادات منتخبة خاصة بكل فصيل من الفصائل، وتعاونت هذه القيادات مع نظرائها في نفس السجن مع باقي القيادات في السجون الأخرى، وإدارة شؤونهم الثقافية والنضالية والأمنية والمالية والرياضية وغيرها[10].
خرجت السجون مئات القيادات السياسية الفلسطينية والمئات من الكفاءات المؤهلة، والعديد محملون الشهادات العلمية والأكاديمية، ابتداءاً من شهادة الثانوية العامة إلى الماجستير مرورا بالبكالوريوس والعمل على شهادة الدكتوراه، إضافة إلى تخريج الالاف من شهادات التحفيظ والتجويد والأسانيد للقران الكريم.
الفصل الثالث
الدبلوماسية الشعبية وقضية الاسرى:
أبدأ هذا الفصل بكلام لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله :(يجب على المسلمين أن يبذلوا كل ما يستطيعون من أجل فك أسراهم، وتحريرهم من الأسر، وتحكم الأعداء الكفار في رقابهم، ويجب على أمراء المسلمين أن يسلكوا كل سبيل يؤدي إلى فكاك الاسرى من أيدي الأعداء، ومن ذلك المفاوضة معهم، وإن كان تحريرهم يتوقف على إعلان الجهاد جاهدوا من أجل انقاذهم، والمهم أن من فرض الكفاية على الأمة أن تخلص أسراها ولا تدعهم فريسة لأعدائهم) [11]
ولعل الدبلوماسية الشعبية بأدواتها المختلفة قادرة فعلا ان تكون أحد طرق نصرة الاسرى وإبراز قضيتهم وطرحها في المحافل الدولية والمناسبات المختلفة وإظهار مقدار معاناة الاسرى والظلم الواقع عليهم.
الجوانب والملفات التي يمكن تناولها عبر الدبلوماسية الشعبية:
قضية الاسرى قضية غنية بالعناوين والملفات التي يمكن طرحها وتداولها من خلال الدبلوماسية الشعبية ومن هذه الملفات
-أولا: الأسيرات:
قضية الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال أحد أهم الملفات التي يمكن طرحها وتبنيها من خلال الدبلوماسية الشعبية، وربط الملف بموضوع حقوق المرأة والقوانين الدولية والإنسانية، وطرح معاناة الأسيرات البالغ عددهن حاليا 38 أسيرة [12]، وعدم مراعاة السجان الظروف الخاصة بالنساء، بل والتعامل مع الأسيرات كما يتم التعامل مع الاسرى سواء من حيث الاعتقال والتحقيق او التنقل بالبوسطة، إضافة لوجود الأمهات الاسيرات وما ينعكس لك على الاسرة الفلسطينية، اضافة إلى إنجاب بعض الاسيرات لأطفاهم في الاسر دون توفير أدني متطلبات الرعاية والعلاج والمتابعة.
-ثانيا: الأسرى الأطفال:
لا يفرق الاحتلال في اعتقالاته بين طفل او شاب او مسن، كما لا يفرق في تعامله من تعذيب واستجواب وتحقيق وظروف اعتقاليه بين الاسرى الأطفال وكبار السن، والاحتلال بهذا يخالف القوانين الدولية والقوانين المرتبطة بالأطفال والطفولة.
لذا يمكن للدبلوماسية الشعبية تناول هذا الملف الحساس “الأسرى الأطفال” وإظهار مخالفات الاحتلال وتجاوزاته في موضوع اعتقال الأطفال الفلسطينيين ومخاطبة المؤسسات الدولية والقانونية لأجل تصويب أوضاع المعتقلين الأطفال، وتوفير احتياجاتهم والعمل الجاد للإفراج عنهم.
-ثالثا: الاعتقال الإداري:
أحد الملفات الهامة والتي تتعارض في بعض تفاصيلها مع القوانين الدولية، وبالتالي أحد الملفات التي يمكن فعلا تناولها وطرحها من خلال الدبلوماسية الشعبية.
يبلغ عدد المعتقلين الإداريين حوالي 1300 معتقل اداري (أيلول 2023) وهو اعتقال دون لائحة اتهام ودون وجود ملف واضح أمام القضاء، بل يتم محاكمة الأسير بناءاً على ملف سري ولا يوجد للأسير تاريخ افراج محدد او معتمد، إذ أن المخابرات “الاسرائيلية” ممكن أن تجدد الاعتقال الإداري للأسير في نفس يوم الافراج عنه.
كما لجأ الاحتلال مؤخرا لاعتقال الأطفال والنساء وفلسطيني الداخل المحتل عام 1948م إلى الاعتقال الإداري دون وجود أي محددات او ضوابط.
-رابعا: الأسرى المرضى:
وهنا الحديث عن أكثر من 1600 اسير مريض تتنوع الامراض التي يعانون منها سواء السرطان او القلب او السكري وبقية الامراض، كما يوجد عدد من الاسرى الذين فقدوا أطرافا من جسمهم.
ويمكن تناول هذا الملف من ضرورة تقديم العلاج المناسب لهؤلاء الأسرى وتوفير الأدوات والأماكن المناسبة للعلاج، إضافة إلى ضرورة الافراج عن الأسرى المرضى والإشراف على حالتهم الصحية مع تقديم ما يلزم لهم من علاج.
-خامسا: إضرابات الأسرى:
شكلت إضرابات الأسرى عن الطعام في سجون الاحتلال شكل من أشكال المواجهة بين الأسير والسجان وشكل من أشكال رفض الأسير للظلم الواقع عليه.
ومن خلال استعراض مجموعة التجارب للإضرابات ناجحة مثل اضراب الأسير سامر العيساوي وإضراب الكرامة عام 2014م، نجد بوضوح دور الدبلوماسية الشعبية الفلسطينية في إنجاح هذه الإضرابات، ودورنا في خلق حالة تضامن عربي ودولي مع الإضرابات، ووجدنا مسيرات تضامن ونصرة في عواصم غربية؛ ليشير ذلك لنجاح الدبلوماسية الشعبية.
لذا من الواجب تفعيل دور الدبلوماسية الشعبية في التضامن والتفاعل مع الاضرابات عن الطعام التي يعلن عنها الاسرى.
-سادسا: الجثث المحتجزة لدى الاحتلال[13]:
ملف مهم جدا وحساس جدا جدا، وبه طابع إنساني يجمع عليه الكثيرون، وأربطه أنا هنا في دراستي بموضوع الاسرى؛ لأن الاحتلال فعليا يعتقل ويأسر هذه الجثث سواء في الثلاجات أو في مقابر الأرقام، إضافة إلى كون عدد من الجثث المحتجزة هي لأسرى في سجون الاحتلال.
ملف الجثث المحتجزة لدى الاحتلال ملف مخالف للقوانين الإنسانية وللشرائع والأديان، ويمكن للدبلوماسية الشعبية تناوله وطرحه بقوة وتحقيق إنجازات في هذا المجال.
وظيفة الدبلوماسية الشعبية تجاه قضية الاسرى:
-أولا: تغيير الصورة النمطية التي صنعها الاحتلال عن الأسرى الفلسطينيين، إذ أن الاحتلال تمكن من خلال إعلامه ودبلوماسيته أن يصور الأسرى الفلسطينيين بأنهم إرهابيين مجرمين، وبالتالي أضعف حالة التضامن والتفاعل مع قضيتهم.
والمطلوب من الدبلوماسية الشعبية تغيير هذه الصورة النمطية وإيصال الصورة الحقيقية عن الأسرى وحقيقة وصفهم.
-ثانيا: إيصال الرواية (السردية) الفلسطينية حول القضية الفلسطينية بشكل واضح ودقيق وصحيح للمجتمعات الغربية ومواجهة السردية “الاسرائيلية” الكاذبة.
-ثالثا: تناول الجوانب والملفات السرية الحساسة والهامة في قضية الاسرى والتي تم طرحها سابقا في الدراسة، وخلق حالة راي عام متضامن ومتفاعل مع قضية الاسرى.
رابعا: تنظيم الحملات وبناء منظومة فعالة للتواصل والاتصال مع المجتمعات الغربية للضغط على صناع القرار.
خامسا: تفعيل الدبلوماسية الشعبية الرقمية واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر قضية الاسرى وتفعيلها وتوضيح الأكاذيب المتعلقة بالأسرى وقضيتهم.
أولا: النتائج:
-تلعب الدبلوماسية الشعبية دور هام كونها أحد مكونات القوة الناعمة ولها القدرة على بناء منظومة فعالة للتواصل والاتصال.
-تتعدد أدوات الدبلوماسية الشعبية ويشكل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أحد تلك الأدوات.
-تعتبر قضية الاسرى في سجون الاحتلال أحد اهم الملفات الفلسطينية بعد قضية الأقصى.
-مرت قضية الاسرى بالعديد من المراحل الزمنية.
-يمكن تسخير الدبلوماسية الشعبية من خلال ادواتها المختلفة، يمكن أن تلعب دور مهم في قضية الأسرى سواء من حيث تغيير السردية النمطية للأسرى في الغرب، ومن خلال نشر السردية الفلسطينية حول الاسرى.
-هناك عدة جوانب متعلقة بالأسرى ممكن ان تكون الأكثر نجاحا وقوة لطرحها عبر الدبلوماسية الشعبية.
ثانيا: – التوصيات:
-تطوير الأبحاث والدراسات المتعلقة بالموضوع.
-العمل الدائم على تطوير أدوات الدبلوماسية الشعبية.
-الحرص على استخدام اللغات المختلفة لمخاطبة المجتمعات الغربية لخلق حالة راي عام وتضامن مع الاسرى.
-العمل على الحرص على المصداقية والاستمرارية وعدم بقاء حالة التفاعل والتضامن بشكل كوسمي ومؤقت.
-الحرص على تحويل العمل ضمن الدبلوماسية الشعبية كعمل مُمنهج قائم على راسة ووعى مع وضع خطط واهداف لهذا العمل.
-تكثيف التواصل مع الجهات الفلسطينية الرسمية مع الدبلوماسية الشعبية، وتقديم كل ما يلزم من معلومات وإحصائيات.
-تشكيل مجموعات ضغط من المتضامنين مع قضية الأسرى في عواصم العالم، والعمل على تفعيل قضية الاسرى.
الخاتمة
يقول الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله: “ان لم نكتب نحن روايتنا، كتبها أعداؤنا”، وتعطي هذه العبارة أهمية العمل الحقيقي والواعي لنشر الرواية والسردية الفلسطينية.
تعد الدبلوماسية الشعبية من الأدوات التي يجب استخدامها فلسطينيا للدفاع عن الحقوق المسلوبة من الاحتلال، وتمثل قضية الأسرى بما تحتويه من ملفات ذات طابع إنساني وقانوني ووجداني مُلح، من ام القضايا التي يمكن استخدام أدوات هذا النوع الدبلوماسي الناعم.
ويتوقع تحقيق إنجازات واختراقات تُساهم في كف يد الاحتلال عن الاسرى، وتخفيف الأذى وصولا لتحريرهم مع تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة بإذن الله.
ولعل هذه الدراسة جهد مبذول كلبنة من لبنات البناء القائم على نصرة وتحرير الأسرى والمسرى وأرض فلسطين، راجياً أن يتبعه دراسات وأبحاث تخدم هذه الفكرة.
المراجع والمصادر
-القران الكريم
-كتاب: ما بعد القتال، حرب القوة الناعمة بين أمريكيا وحزب الله، الكاتب حسام مطر.
-كتاب الاسرى: حقوقهم. واجباتهم. احكامهم، ناصر عبد الجواد، دار كنوز المعرفة، الأردن، الطبعة الأولى 2012
-كتاب: كتيب لقيادات السجون، الأمم المتحدة، نيويورك، 2013
-كتاب: فتاوى معاصرة: يوسف القرضاوي
-رسالة ماجستير: سياسة الاعتقال الإسرائيلية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على اسر المعتقلين الفلسطينيين، ناصر علي، جامعة الازهر، فلسطين، 2012
-مقالة: لجنة الطوارئ الوطنية والسجود، كميل أبو حنيش، جريدة القدس، فلسطين، 26/08/2023
-محاضرة الدبلوماسية الشعبية، الدكتور محمد بلعاوي، قناة طيف 20/09/2023
-محاضرة الدبلوماسية والعلاقات الدولية، د.محمود رنتيس، قناة طيف 25/09/2023
*مقابلات
-الأسير سلامة قطاوي –رئيس الهيئة القيادية العليا للأسرى حماس، سجن النقب – 23/09/2023
-الأسير اسلام أبو عون –ناشط وموثر على مواقع التواصل، سجن النقب – 26/09/2023
فلسطين – سجن النقب
[1] محمد بلعاوي: محاضرة الدبلوماسية الشعبية، قناة طيف، 20/09/2023م.
[2] حسام مطر: ما بعد القتال، حرب القوة الناعمة بين أمريكيا وحزب الله، صفحة 72.
[3] المصدر السابق، ص 96
[4] المصدر السابق، بتصرف ص 97-100
[5] محمد بلعاوي: الدبلوماسية الشعبية، قناة طيف، 200/09/2023
[6] المصدر السابق 21/09/2023
[7] كميل أبو حنيش: لجنة الطوارئ الوطنية والسجون، صحيفة القدس، فلسطين، أيلول 2023
[8] ناصر خالد: سياسة الاعتقال الإسرائيلية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على أسر المعتقلين الفلسطينيين، رسالة ماجستسر، جامعة الازهر، فلسطين، 2012، ص 117
[9] ناصر عبد الجواد: الاسرى حقوقهم واجباتهم واحكامهم، دار كنوز المعرفة، الأردن، الطبعة الأولى، 2012، ص84 (بتصرف).
[10] المصدر السابق ص 28-29 (بتصرف).
[11] يوسف القرضاوي: فتاوي معاصرة 3/493
[12] مقابلة مع رئيس هيئة شؤون الاسرى قدورة فارس عبر برنامج ملف اليوم-تلفزيون فلسطين- 26 أيلول 2023
[13] بلغ عدد الشهداء المحتجزة جثامينهم 142 منذ عام 2015م، كما يوجد أكثر من 300 شهيد محتجزة منذ عام 1967م –قناة الجزيرة- 30/09/2023
الإهداء إلى فاطمة زوجتي ومولاتي وأُم اولادي إلى التي صبرت ولا زالت تصبر …… لك…