شاشة طفلك تحت المجهر : الذكاء الاصطناعي بين الإيجابيات والسلبيات

بقلم : د. هيفاء محمود الاشقر – جامعة الزهراء(عليها السلام) للبنات- تربية الطفل -العراق
- المركز الديمقراطي العربي
في ظل التطور التكنولوجي والتغيرات المتسارعة أصبح التعليم عن بعد وتطبيقات الذكاء
الاصطناعي مهم جدا لجميع مجالات الحياة المختلفة ولجميع مراحل نمو الإنسان بشكل عام ولمرحلة رياض الاطفال بشكل خاص فمرحلة رياض الأطفال تعد مرحلة حاسمة في تكوين شخصيّة الفرد وما يتكون بهذه الفترة من عادات واتجاهات ومهارات يصعب تعديله فيما بعد ولهذا فإنّ السمات الرئيسيّة للشخصيّة تعود لهذه المرحلة من حياة الإنسان. وفي سياق متصل أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا حيويا من العصر الرقمي الحديث و أمرا واقعا واستخدامه وارد وعلينا تنمية مهارات الأشخاص بشكل عام والأطفال بشكل خاص في مهارات النقد والتحليل للسيطرة على دور هذه التقنيات في حياتهم، مما يضمن استمرار قدرتهم على الإبداع والتفكير، حيث تتواجد تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع الاطفال بكل مكان حولهم من أنظمة التعليم إلى الألعاب ومن الممكن استخدام تطبيقاته لتحليل أسلوب التعلم لكل طفل ونقاط القوة والضعف وتوفير دروس وأنشطة مخصصة تلبي احتياجاته الفردية ولإنشاء تجارب واقع افتراضي تتيح للأطفال استكشاف بيئات مختلفة والتعلم من خلال الأنشطة التفاعلية العملية. وسنقوم بهذا المقال بشرح تفصيلي عن إيجابيات وسلبيات استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع طفل الروضة.
إيجابيات الذكاء الاصطناعي:
- -أصبح بإمكان الأطفال استخدام تطبيقات مثلKhan Academy Kids” ” التي تقدم دروسا بناءً على مستوى الطفل، حيث يتعلم كل طفل بسرعته الخاصة.
- -بعض التطبيقات الذكية تساعد الأطفال على تعلم الرسم، التأليف الموسيقي، وحتى البرمجة، مما ينمي مهاراتهم الإبداعية.
- – تنمي تقنيات الذكاء الاصطناعي لدى الطفل مهارات التواصل الاجتماعي وتعلمهم كيفية التعامل مع مشاعر مختلفة من خلال محاكاتهم لشخصيات افتراضية يتفاعلون معها بمعظم حواسهم.
- – المساعدة على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات بطرق مبتكرة.
- -تعزيز مهارة القراءة والكتابة لدى الطفل عن طريق تقنيات حديثة.
- – توجه الطفل لكيفية تحويل النصوص والمحتوى المكتوب إلى ملفات صوتية مسموعة .
- – تقدم أشكال من التعليم والتعلم التكيفي الذي يتناسب مع قدرات وطبيعة كل طفل .
- -تزيد من الوعي التكنولوجي للأطفال ويساعدهم على الاستخدام الأمثل للأدوات التكنولوجية المختلفة لإيجاد الحلول التقنية.
- -تنمي مهارات التعاون والعمل الجماعي للأطفال حيث يتعلمون كيفية العمل معاً لتطوير مشاريع تكنولوجية وحل مشكلات معقدة مما يعزز من روح الفريق لديهم .
- – تسهل المفاهيم النظرية من خلال تحويلها إلى صور بصرية.
- -توفير تجربة تعليمية متكاملة للأطفال من خلال تقديم مواد تعليمية متنوعة وفعالة كعروض الواقع الافتراضي والزيارات المتحفية ثلاثية الأبعاد مع توصيات ذكية تعزز فهماً أكثر وإتقاناً للمواد الدراسية.
مما سبق نجد أن الذكاء الاصطناعي هو مجموعة من التقنيات والأنظمة التي تهدف إلى إعطاء الكمبيوترات القدرة على التعلم والتفكير واتخاذ القرارات بشكل مستقل وأن اهمية توظيف الذكاء
الاصطناعي في تعليم طفل الروضة تتجلى في اكسابه مهارات النقد والتحليل التي يحتاجها للتعامل مع تقنيات التعليم المتطورة مما يسهم بشكل كبير في إضفاء عنصر الحيوية والتشويق للبيئة التعليمية ويجعل الأطفال محفزين للتعلم بكل شغف.
- -سلبيات الذكاء الاصطناعي:
الجانب المظلم – عندما يصبح الذكاء الاصطناعي عبئا على الطفولة
1- خوارزميات الإدمان: كيف تُبقي الأطفال أسرى الشاشات؟
تستخدم التطبيقات الذكية تقنيات تجعل الطفل يبقى أمام الشاشة لفترة أطول، مثل اقتراح الفيديوهات المستمر في “يوتيوب كيدز”.
عندما ينتهي فيديو، يقترح الذكاء الاصطناعي فيديو آخر جذابا، مما يجعل الطفل يقضي ساعات دون أن يشعر بالوقت.
بعض الألعاب تستخدم مكافآت افتراضية لتشجيع الطفل على اللعب لوقت أطول، مما قد يسبب
الإدمان الرقمي.
2- التلاعب بالعقول الصغيرة – متى يصبح الذكاء الاصطناعي أداة تسويق؟
العديد من التطبيقات المجانية تستخدم الذكاء الاصطناعي لفهم تفضيلات الطفل وعرض الإعلانات التي تجذب انتباهه.
مثال: إذا لاحظ الذكاء الاصطناعي أن الطفل يشاهد فيديوهات حول الألعاب، فسيبدأ في عرض
إعلانات لألعاب جديدة بشكل متكرر. هذه الاستراتيجيات تجعل الطفل أكثر استهلاكا دون أن يدرك ذلك.
3- من الخصوصية إلى المراقبة الدائمة:
بعض الألعاب والتطبيقات تجمع بيانات عن الأطفال، مثل صوتهم، مكانهم، واهتماماتهم، مما يثير مخاوف حول الخصوصية.
حتى بعض الألعاب التي تبدو بريئة، مثل”Talking Tom” قد تطلب الوصول إلى الميكروفون والكاميرا مما قد يشكل خطرا أمنيا. كما سنتوقف لشرح التأثيرات السلبية لتطبيقات الذكاء
الاصطناعي على جوانب نمو الطفل كما يلي:
أ-التأثيرات السلبية على النمو اللغوي والمعرفي لطفل الروضة:
- -الحد من الإبداع والتفكير الابتكاري حيث يتحولون إلى مجرد مستهلكين للمعلومات بدلا من أن يكونوا مبدعين ومبتكرين.
- – ضعف التركيز حيث تعمل الرسائل الهاتفية والإشعارات على تشتيت الانتباه على نحو يؤدي إلى نسيان كثير من المهام.
- – النسيان وانخفاض الذاكرة الذي يرجع في أحد أسبابه إلى الموجات المنبعثة من الهواتف المحمولة.
- – التأثير في طريقة تفكيره وقدرة دماغه على الإدراك، كما تقوده إلى الكسل العقلي.
- -إصابة الأطفال بضعف في مناطق الدماغ المسؤولة عن اكتساب اللغة والقدرات الأكاديمية.
ب-التأثيرات السلبية على نفسية طفل الروضة:
- -إدمان التقنية، حيث يعود ذلك إلى الطبيعة الإدمانية لبعض التطبيقات والألعاب التي تستخدم آليات الجذب والمكافأة للحفاظ على انخراط الأطفال داخلها.
- -تدني الثقة بالنفس، قد يشعر الأطفال بضياعهم وعدم القدرة على المنافسة مع التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، و يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور الثقة بالنفس والإحساس بالعجز.
- -خلق شخصية عصبية متوترة تشعر بالوحدة.
- – زيادة القلق والشعور بالوحدة وتدنّي احترام الذات.
- -يمكن أن يؤدي الاعتماد على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى الانزعاج والإحباط ونفاد الصبر عندما لا يمكن استخدامها.
ج-التأثيرات السلبية على النمو الاجتماعي لطفل الروضة:
- -ابتعاد الطفل عن مشاركة أقرانه في الأنشطة المختلفة .
- -صعوبة في فهم وإدراك ما يريدونه الآخرين .
- – صعوبة في التعبير عن الذات .
- – صعوبة بالقدرة على الاختلاط بالمجتمع .
- – تراجع المهارات الاجتماعية بين أفراد العائلة الواحدة .
- – يصبح الطفل انطوائياً محباً للعزلة .
- – ممكن أن يؤدي إلى الإصابة بالتوحد.
ح-التأثيرات السلبية على صحة طفل الروضة:
يُعد الضوء الأزرق جزءاً من الطيف الضوئي المرئي، ويتميز بأطوال موجية قصيرة وطاقة عالية و التعرض له بشكل مفرط من مصادر اصطناعية مثل شاشات الهواتف الذكية قد يسبب مشكلات صحية خصوصًا للأطفال الصغار كما يلي:
-الضوء الأزرق يتميز بقدرته العالية على النفاذ إلى شبكية العين، ما يثير القلق بشأن تأثيره على الصحة البصرية للأطفال الذين يتعرضون له لفترات طويلة.
– يأثر سلبا على إنتاج هرمون الميلاتونين، المسؤول عن تنظيم دورة النوم ،فالتعرض للضوء الأزرق قبل النوم يمكن أن يعطل إيقاع الساعة البيولوجية للأطفال ويؤدي إلى اضطرابات في النوم.
-التعرض المطول لشاشات الهواتف الذكية قد يؤدي إلى ما يعرف بإجهاد العين الرقمي وهي حالة تحدث نتيجة التحديق المطول في الشاشات الإلكترونية.
– الضوء الأزرق، الذي يخرج من الهواتف الذكي تمتصه الجزيئات في شبكية العين وتسبب في إنتاج مادة كيميائية سامة، والتي تقتل بعد ذلك الخلايا، و ربما يقود إلى ظهور بقع كبيرة في مجال رؤية العين, والتي هي من السمات المميزة لما يسمى بـ (التنكس البقعي ) وهو مرض يصيب العين ويؤدي إلى فقدان البصر، لأن شبكية العين تتعرض للضرر .
-التسبب بآلام في الرقبة، فقضاء أوقات على نفس الوضع يؤثر على الجسم بشكل كبير ومن ثم على الأعصاب الموصلة لبعض الأعضاء .
– التأثير على العمود الفقري ومن ثم على الأعصاب الطرفية نتيجة وضع بعض الأطفال المحمول معه في الحقيبة حين مجيئه إلى الروضة .
-قد يسبب رعشة في إحدى يديه نتيجة اعتياده أن يمسك الهاتف المحمول بها والأمر يرجع إلى وضع اليد؛ فالشخص يضغط على الأعصاب الموصلة للرقبة من خلال مسكه للمحمول لفترات طويلة، ما يتسبب في هذه الرعشة .
- نحو تربية رقمية متوازنة – حلول عملية
1- دور الأهل: كيف نوجه أطفالنا لاستخدام الذكاء الاصطناعي بذكاء؟
- -البدء بشرح بسيط لماهية الذكاء الاصطناعي باستخدام أمثلة من الحياة اليومية مثل الألعاب الذكية.
- -توضيح الفرق بين الذكاء الاصطناعي والبرمجة واشرح للطفل أن الذكاء الاصطناعي هو نوع من البرمجة يمكنه التعلم والتكيف، على عكس البرمجة التقليدية.
- – استخدام التطبيقات المناسبة لعمر الطفل.
- – استخدام الروبوتات التعليمية المناسبة لعمر الطفل .
- – استخدام الألعاب التي تهدف إلى تعليم الأطفال أساسيات الذكاء الاصطناعي.
- -البدء بمشروعات صغيرة مثل برمجة روبوت ليقوم بمهام بسيطة.
- – الانتقال تدريجياً إلى مشروعات أكثر تعقيداً مثل برمجة تطبيق بسيط يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الصور.
- – مشاركة الطفل في ورش عمل تعليمية محلية أو عبر الإنترنت حول الذكاء الاصطناعي.
- – تشجيع الوالدين لأطفالهم على الانخراط في أنشطة بديلة مثل القراءة، اللعب في الهواء الطلق أو ممارسة الرياضة، مما يقلل من الحاجة إلى استخدام الأجهزة الإلكترونية .
- – وضع جهاز الكمبيوتر في نفس مستوى نظر المستخدم وأن تكون جلسته صحيحة حتى لا يتأثر العمود الفقري بشكل سيء.
- -تقليل وقت الشاشة أي تقليل وقت الشاشة للأطفال إلى أقل من ساعة أو ساعتين يومياً وخاصة في الفترات التي تسبق النوم .
- -استخدام نظارات خاصة مزودة بعدسات تصفية الضوء الأزرق، والتي أثبتت فعاليتها في تقليل إجهاد العين وتحسين النوم.
- -القيام بتجارب منزلية مثل استخدام لوحات لتنفيذ مشروعات بسيطة تتعلق بالذكاء الاصطناعي .
- -تشجيع الطفل على طرح الأسئلة واستكشاف موضوعات جديدة تتعلق بالذكاء الاصطناعي.
- -شجع الطفل على المشاركة في مسابقات تتعلق بالذكاء الاصطناعي والبرمجة مثل مسابقات بناء الروبوتات.
- – متابعة تقدم الطفل وتقييم معرفته بانتظام يساعد على تحسين عملية التعليم وتغطية الثغرات باستمرار.
- -قم بمراجعة ما تعلمه الطفل بانتظام، وناقش معه التحديات التي يواجهها.
باتباع هذه المقترحات والنصائح يمكن تعليم الطفل كيفية ممارسة تطبيقات الذكاء الاصطناعي بطرق ممتعة وفعّالة مما يسهم في تطوير مهاراتهم وإعدادهم للمستقبل التكنولوجي.
خاتمة :
و يبقى الحذر مطلوباً والانتباه إلى ضرورة عدم الاستبدال الكامل لعمل الإنسان من قبل تلك التطبيقات وإنما عملها يكون مكملا للقدرات البشرية و معالجة التحديات المتعلقة بالأمان والخصوصية وضمان استخدام التكنولوجيا بشكل متوازن لدعم تطوير الطفل بطرق آمنة وفعالة واستخدام الذكاء الاصطناعي كأداة داعمة وليس بديلا عن التفاعل البشري ولا سيما بمرحلة الطفولة التي هي حجر الأساس في بناء عقلهم وصقل شخصياتهم وقدراتهم بما يساعدهم في المستقبل أن يكونوا أعضاء فاعلين يملكون المهارات اللازمة للتعامل مع العصر الحديث وخدمة مجتمعاته.