استراليا تطرد السفير الإيراني: تصاعد التوترات بسبب تهديد أمنى على أراضيها

اعداد : د. مصطفى عيد إبراهيم – خبير في الشئون الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
خلال مؤتمر صحفي ضم رئيس الوزراء الأسترالي ووزيرة الخارجية ووزير الداخلية ومفوض الامن يوم الثلاثاء الموافق 26 أغسطس 2025، قال رئيس الوزراء، أنطوني ألبانيز، إن حكومته لديها “معلومات استخباراتية موثوقة” تفيد بأن الحكومة الإيرانية قد وجهت هجومي متعمدين على الأقل في أستراليا العام الماضي، أحدهما على كنيس “أداس إسرائيل” في ملبورن والآخر على مطعم “لويس كونتيننتال كيتشن” في مدينة بونداي بسيدني. وقال ألبانيز إنه من المرجح أن تكون إيران مسؤولة عن هجمات أخرى معادية للسامية. وقد وصف ألبانيز الحادثين “بانهما محاولتان لتقويض التماسك الاجتماعي وزرع الفتنة في مجتمعنا”
وعلى إثر ذلك، فلقد شوهدت سيارة تقل دبلوماسيين وهي تغادر السفارة الإيرانية في العاصمة الأسترالية كانبيرا مساء الثلاثاء. ولقد تم منح السفير الإيراني أحمد صادقي وثلاثة دبلوماسيين اخرين – الذين أصبحوا الآن أشخاص غير مرغوب فيهم – ودبلوماسيون آخرون مهلة سبعة أيام لمغادرة الأراضي الأسترالية.[i]
اولا: اتهامات ضد إيران
صرّح مايك بيرجس، رئيس منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية (ASIO)، بأن المنظمة كشفت عن روابط بين الجرائم التي وقعت على أراضي الأسترالية في العام الماضي على أماكن يهودية وقادة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، بعد تحقيق “مضنٍ” استمر لأشهر. وقال السيد بيرجس للصحفيين: “إنهم يستخدمون مجرمون وأعضاء في عصابات الجريمة المنظمة لتنفيذ أوامرهم أو توجيهها. وأضاف أن الحرس الثوري الإيراني “استخدم شبكة معقدة من الوكلاء لإخفاء تورطه” في الهجمات على مطعم لويس كونتيننتال كيتشن في سيدني في 20 أكتوبر الماضي، وكنيس أداس إسرائيل في ملبورن في 6 ديسمبر الماضي. كما وجدت أجهزة الاستخبارات الأسترالية أدلة على أن إيران من المرجح أن تكون وراء حوادث معادية للسامية أخرى في أستراليا، التي شهدت هجمات على مدارس ومنازل ومركبات ومعابد يهودية منذ هجوم حماس، ربما بدوافع من إيران، على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والحرب التي تلتها في غزة. وعندما سُئلت وزيرة الخارجية الأسترالية “بيني وونغ” يوم الأربعاء عن الاتهام الموجه لأستراليا بالتحرك لاسترضاء إسرائيل، قالت: “نحن نتحرك بما يخدم مصالح أستراليا”.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقد رئيس الوزراء الأسترالي، وعند توجيه سؤال عن طبيعة الأدلة التي قدمتها وكالة الاستخبارات الأمنية الأسترالية (ASIO) لتقييم وقوف إيران وراء الهجمات، رفضت وزيرة الخارجية “وونغ” الإفصاح عنها، لكنها قالت إن الحكومة تثق بأجهزتها الأمنية. وقالت: “نحن نثق بتقييمات وكالة الاستخبارات الأمنية الأسترالية ASIO ونثق بأجهزتنا الأمنية. وقالت: قد اتخذنا إجراءاتٍ بناءً على ذلك، بناءً على تقييماتهم. وعندما سُئلت عن سبب استهداف أستراليا بهذه الطريقة، قالت” وونغ” إن إيران تورطت في تدخلٍ أجنبيٍّ حول العالم. وقالت: “الأمر المُختلف في هذا… هو أنه تدبيرٌ لهجومٍ عنيف. لذلك من الواضح أننا سنواصل التحقيق في هذه الأنواع من القضايا، والأسباب الكامنة وراءها، بالإضافة إلى مسارات التحقيق الأخرى، مؤكدة بان هذا أمر غير مقبول. مضيفة، لدينا علاقات دبلوماسية مع دول لا نتفق معها. نفعل ذلك لمصالحنا، لكن أن تُنظّم دولة أجنبية عملاً عنيفاً على الأراضي الأسترالية فهذا تجاوز للحدود. أعربت “وونغ” عن اعتقادها بوجود ما بين 2000 و4000 أسترالي حاليًا في إيران وتمنت رجوعهم سالمين. وفي ردها على سؤال القناة التاسعة الاسترالية حول نفي إيران، قالت “وونغ” إن الحكومة “لن تتسامح مع انخراط نظام أجنبي في أنشطة في أستراليا لا تهدف فقط إلى بث الفرقة، بل هي كذلك بالفعل. بل هي أيضًا أعمال عنف تضر أو قد تضر بالأستراليين”.
والجدير بالذكر الى انه في يناير الماضي، أصدر مفوض الشرطة الفيدرالية الأسترالية، ريس كيرشو، بيانًا قال فيه: “نبحث فيما إذا كانت جهات أو أفراد من الخارج قد دفعوا أموالًا لمجرمين محليين في أستراليا لارتكاب بعض هذه الجرائم.[ii]
ثانيا: رد الفعل الإيراني
رفضت إيران وقوفها وراء هجومي حريق متعمدين معاديين للسامية في أستراليا، وتعهدت بالرد بالمثل على أستراليا لطردها سفيرها. وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية الإيراني، سيد عباس عراقجي، بأن هجوم إيران على الجالية اليهودية في أستراليا “غير منطقي على الإطلاق”. وقال عراقجي عبر موقع اكس: “ليس من عادتي التعاون مع مجرمي الحرب المطلوبين، لكن نتنياهو محق في أمر واحد: ان رئيس وزراء أستراليا هو في الواقع “سياسي ضعيف”. وان إيران تدفع ثمن دعم الشعب الأسترالي لفلسطين. وأضاف على كانبيرا أن تعي جيدًا ألا تحاول استرضاء نظام يقوده مجرمون حرب. إن القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى تشجيع نتنياهو وأمثاله.
وقال وزير الخارجية الإيراني إن تصرفات أستراليا – التي شملت محاولة تصنيف الحرس الثوري الإسلامي القوي كمنظمة إرهابية – تعد محاولة لاسترضاء إسرائيل.
وقال وزير الخارجية الإيراني، ان إيران موطنٌ لإحدى أقدم الجاليات اليهودية في العالم، بما في ذلك عشرات المعابد اليهودية. وان اتهام إيران بمهاجمة مثل هذه المواقع في أستراليا بينما نبذل قصارى جهدنا لحمايتها في بلدنا أمرٌ غير منطقي على الإطلاق.
وعلى صعيد اخر، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي بأن طهران تدرس كيفية الرد على قرار أستراليا طرد سفيرها من كانبيرا، وتعليق عملياتها الدبلوماسية في إيران. وقال في مؤتمر صحفي عُقد في إيران: “بشكل أساسي، أي إجراء غير لائق وغير مبرر على المستوى الدبلوماسي سيكون له رد فعل مماثل”. وأضاف: “الاتهام الموجه مرفوض رفضًا قاطعًا”. وقال: “للأسف، في هذه الحالات، يلجؤون إلى إلقاء اللوم على الآخرين لتبرير سياساتهم المعادية لإيران”. وأضاف: “من الواضح أن هذا القرار بإغلاق هذه السفارة في كانبيرا يبدو أنه متأثر بالتطورات الداخلية في أستراليا. وجادل بأن التركيز يجب أن ينصب على عدوان إسرائيل المستمر على غزة.
ثالثا: انعكاسات على العلاقات الثنائية
صرحت وزيرة الخارجية بيني وونغ بأن هذه هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تطرد فيها أستراليا سفيرًا، في الوقت الذي أكد السيد “بيرغس” رئيس منظمة الاستخبارات- أنه لم يثبت وجود أي صلة للسفير بالهجمات.
وأضافت وونغ أن أستراليا ستواصل الحفاظ على بعض الخطوط الدبلوماسية مع طهران، لكنها علّقت العمل في سفارتها في إيران حرصًا على سلامة الموظفين. كما حثّت الأستراليين على عدم السفر إلى إيران، ودعت أي مواطن في البلاد إلى مغادرتها الآن إذا كان ذلك آمنًا.
وفي نفس الإطار، أكدت الحكومة الأسترالية انها بصدد تصنيف الحرس الثوري الإسلامي كمنظمة إرهابية بموجب القانون الأسترالي.[iii] ومن المرجح أن يستغرق التشريع الخاص بتصنيف الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية بعض الوقت، ربما أسابيع. [iv]. حيث صرّح وزير الداخلية “توني بيرك” لشبكة سكاي نيوز بأن التشريع قيد الصياغة، على أمل إجراء التغيير “بأسرع ما يمكن”. وقال: إنها عملية غير ممكنة في ظل التشريع الحالي.
رابعا: الموقف الاسرائيلي
أشادت إسرائيل بخطوة أستراليا ضد إيران بشأن الهجمات المعادية للسامية. وتنسب الحكومة الإسرائيلية الفضل لرئيس الوزراء أنطوني ألبانيز وأجهزة الاستخبارات في نشر معلومات عن تورط إيران في هجمات معادية للسامية على الأراضي الأسترالية، بالإضافة إلى طرد السفير الإيراني من كانبيرا.
ولقد رفض المسؤولون في إسرائيل التعليق لساعات بعد الإعلان، مكتفين بالإشارة إلى بيان صادر عن السفارة الإسرائيلية في كانبيرا يرحب بالخطوة. ولكن في مؤتمر صحفي عُقد لاحقا، اتهم المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، ديفيد منسر، أستراليا بأنها شعرت بالخجل ودفعتها إلى اتخاذ هذه الخطوة. وقال منسر ردًا على سؤال من هيئة الإذاعة الأسترالية: “لقد تدخل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بصراحة تامة فيما يتعلق بأستراليا، وهي دولة تربطنا بها علاقات ودية طويلة”. وقال: نرى بالتأكيد -من إسرائيل- أن أخذ أستراليا للتهديدات الموجهة ضدها والشعب اليهودي، أي اليهود الأستراليين المقيمين في أستراليا، على محمل الجد هو نتيجة إيجابية.”
على صعيد اخر، قال وزير الداخلية الأسترالي توني بيرك إن ادعاء إسرائيل الفضل “محض هراء”. وقال السيد بيرك لإذاعة ABC الوطنية الأسترالية: “لم تمضِ دقيقة واحدة بين تلقينا هذا التقييم [من جهاز الاستخبارات الأمنية الأسترالي] وبدئنا في دراسة ما سنفعله ردًا على ذلك. لقد اتخذنا هذا الإجراء لأن إيران هاجمت أستراليين. لا علاقة لأي دولة أخرى بهذا الاستنتاج.
ويذكر ان كل من رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد تعرضا لانتقادات من إحدى الجماعات اليهودية المركزية في أستراليا، وذلك بسبب “حرب الكلمات” بينهما، عقب إعلان أستراليا اعترافها بفلسطين الشهر المقبل.
وسلفا، أعلنت إسرائيل أنها ستمزق تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين العاملين في الضفة الغربية احتجاجًا على خطوات حكومة ألبانيز للاعتراف بدولة فلسطينية ومنع الشخصيات الإسرائيلية المثيرة للجدل من السفر إلى إسرائيل.
خامسا: قراءة في السيناريوهات المحتملة
سيناريو الرد بالمثل (السيناريو الأقرب)
- إيران قد تُقدم على طرد السفير الأسترالي في طهران أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي.
- هذا السيناريو يعكس القاعدة المتعارف عليها في العلاقات الدولية: المعاملة بالمثل. وهو امر سيزيد من عزلة ايران الدولية والتي تواجه بالأساس ضغوطا أوروبية وامريكية وعزلة من معظم دول المنطقة.
سيناريو التصعيد التدريجي
- إيران قد تتهم أستراليا بالانحياز للغرب أو العمل ضمن أجندة أميركية/بريطانية.
- قد تشدد لهجتها الإعلامية ضد كانيبرا وتربط القرار بـ ” ضغوط صهيونية أو أميركية”.
- قد تتعرض بعض المصالح الأسترالية في دول أخرى لانتقام إيراني من قبل الاذرع الإيرانية [v]
- إمكانية فرض قيود على تحركات الدبلوماسيين أو المؤسسات الأسترالية في إيران.
سيناريو الاحتواء المؤقت
- إيران قد تختار عدم الرد بشكل متماثل حفاظًا على بعض المصالح الاقتصادية أو السياسية “الطفيفة” مع أستراليا (خاصة في ملف التجارة والطلاب الإيرانيين بأستراليا).
- قد تكتفي باستدعاء القائم بالأعمال الأسترالي للاحتجاج، وإبقاء الباب مفتوحًا للتهدئة.
سيناريو التدويل
- إيران قد تلجأ إلى الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية للادعاء بأن أستراليا انتهكت الأعراف الدبلوماسية.
- قد تستغل الحادثة لكسب تعاطف بعض الدول المناوئة للغرب.
سيناريو التهدئة (الأقل احتمالًا على المدى القريب)
- عبر وساطة دبلوماسية (مثلاً من قبل دول مثل إندونيسيا أو عُمان)، قد يُعاد تطبيع العلاقات إذا قدمت إيران ضمانات بعدم تكرار ما اتهمت به.
الخاتمة
اتسمت العلاقات بين أستراليا وإيران بالمد والجزر تبعًا للتوترات الدولية. أستراليا، بحكم تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، تتبنى مواقف نقدية تجاه إيران في ملفات مثل: البرنامج النووي، حقوق الإنسان، ودور إيران الإقليمي. وشاركت أستراليا في العقوبات الدولية المفروضة على إيران، سواء عبر الأمم المتحدة أو انسجامًا مع العقوبات الغربية. وفي السنوات الأخيرة، أعربت كانبرا عن قلقها من أنشطة إيرانية داخل أراضيها (مثل التهديدات ضد معارضين إيرانيين في أستراليا)[vi].
ومن ثم، لا توجد زيارات رفيعة المستوى متكررة بين الجانبين، وغالبًا ما يجري التواصل عبر القنوات متعددة الأطراف (الأمم المتحدة، مؤتمرات دولية). كما ان حجم التبادل التجاري بين البلدين محدود نسبيًا بسبب العقوبات. وتاريخيًا، أستراليا صدّرت إلى إيران القمح واللحوم، بينما استوردت منها البتروكيماويات والسجاد والفستق. وفي فترات رفع العقوبات (مثل بعد الاتفاق النووي 2015)، حاولت الشركات الأسترالية دخول السوق الإيرانية، خصوصًا في مجالات الزراعة، التعدين، والخدمات الهندسية. الا ان الشركات الأسترالية تتجنب الاستثمار المباشر في إيران خوفًا من تبعات العقوبات الأميركية. وبناء على ذلك فان تجميد العلاقات الدبلوماسية بين استراليا وإيران ليس له مردود سلبي ملموس على استراليا. فضلا عن الاستراليين من أصول إيرانية والذين يعيشون في استراليا معظمهم ان لم يكن جميعهم من غير المتعاطفين او الموالين لنظام الحكم في إيران. بل ان معظمهم قد هاجر لأستراليا هربا من نظام الملالي في إيران.
وأخيرا، فانه من المؤكد ان الولايات المتحدة، بريطانيا، وربما دول أوروبية ستدعم أستراليا وتزيد من عزل إيران دبلوماسيًا. وقد تُشجع هذه الخطوة دولًا أخرى في المحيطين الهادئ والهندي على تشديد الرقابة أو اتخاذ إجراءات مماثلة ضد النشاط الإيراني. وان هذه الخطوات ستمثل مزيد من الضغط على السياسة الإيرانية والتي تواجه ضغوطا لعودة فرض العقوبات الاممية عليها عبر الية سناب باك مرة أخرى.
[i] – Yang Tian and Flora Drury, Australia accuses Iran of directing antisemitic attacks on cafe and synagogue, https://www.bbc.com/news/articles/c9d085n75q3o
[ii] -IBID
[iii] – https://www.abc.net.au/news/2025-08-27/israel-claims-credit-albanese-expel-iranian-diplomats/105700756
[iv] – https://www.theguardian.com/australia-news/2025/aug/26/iran-vows-reciprocal-action-against-australia-after-expulsion-of-ambassador
[v] – www.theguardian.com/australia-news/2025/aug/26/its-a-scary-situation-australias-iranian-diaspora-fear-repris