الشرق الأوسطعاجل

التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم في الشرق الأوسط : سيناريوهات مستقبلية محتملة

بقلم : د.حمدي سيد محمد محمود – باحث أكاديمي – مدير المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

في ضوء التطورات المتسارعة التي شهدها فجر يوم الأحد 22 يونيو 2025، دخلت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية منعطفًا استراتيجيًا بالغ الخطورة، مع انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر في مسار العمليات العسكرية من خلال تنفيذ ضربات جوية مركّزة استهدفت مواقع نووية حساسة داخل العمق الإيراني. لقد مثّل هذا التدخل العسكري الأميركي تصعيدًا غير مسبوق، ليس فقط في طبيعة الأهداف التي تم قصفها – مثل منشأتي فوردو وناتانز النوويتين – بل في دلالاته السياسية والعسكرية، حيث أعلن الرئيس الأميركي في خطاب متلفز أن “الرد على التهديد الإيراني لم يعد مؤجَّلًا”، مؤكدًا أنّ الضربات جاءت في سياق “حماية المصالح الغربية من الانفلات النووي الإيراني”. هذا الإعلان ترافق مع تأييد إسرائيلي مطلق، حيث أُعلن عن تنسيق استخباري وعسكري بين تل أبيب وواشنطن لإنجاح هذه العمليات.

إنّ هذه الخطوة التصعيدية أعادت خلط الأوراق على الساحة الإقليمية، وأدخلت المنطقة برمّتها في حالة استنفار سياسي وعسكري غير مسبوقة، في ظل تهديدات متصاعدة من القيادة الإيرانية بالردّ المباشر على “العدوان الثلاثي الأميركي-الإسرائيلي-الغربي”، وهو ما ينذر بانزلاق الوضع نحو مواجهات شاملة قد تتجاوز الطابع الثنائي بين إيران وإسرائيل، لتتحول إلى صراع مفتوح تشارك فيه أطراف إقليمية ودولية. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل التحذيرات التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني، والتي أشار فيها إلى نية استهداف القواعد العسكرية الأميركية في الخليج، وعرقلة الملاحة في مضيق هرمز، وفتح جبهات قتالية في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، عبر الحلفاء الإقليميين لطهران، ما يوسّع دائرة الصراع الجغرافي ويزيد احتمالات الانفجار الإقليمي.

وسط هذه التوترات، تُطرح تساؤلات جوهرية حول السيناريوهات المستقبلية المحتملة، ومدى قابلية هذه الحرب المحدودة للتوسع إلى حرب إقليمية شاملة، بل وربما إلى حرب عالمية ثالثة إذا ما تورّطت فيها القوى الكبرى. في السيناريو الأول، قد تستمر المواجهات بشكل محدود ضمن قواعد اشتباك غير معلنة بين إسرائيل وإيران، تستنزف فيها طهران قدراتها من خلال هجمات صاروخية أو عمليات عبر وكلائها، بينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية لمواقع عسكرية وبنى تحتية إيرانية، مع بقاء واشنطن في موقع المراقب الداعم. هذا السيناريو يراهن على الضغوط الدولية ووساطات إقليمية (عُمان، قطر، تركيا) لاحتواء التصعيد، لكنه يظل هشًا نظرًا لتصاعد وتيرة الردود.

أما السيناريو الثاني، وهو الأكثر ترجيحًا في ظل المعطيات الحالية، فيتجه نحو توسع الصراع إلى نطاق إقليمي يشمل حلفاء إيران، خاصة حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وربما ميليشيات شيعية في العراق وسوريا، ما قد يؤدي إلى اشتعال أكثر من جبهة في وقت واحد، ويضع إسرائيل في مواجهة متعددة الأطراف، خاصة إذا دخلت غزة على خط النار. في هذا السياق، قد تتعرّض المنشآت الحيوية الخليجية، لا سيما النفطية منها، لهجمات، وهو ما سيؤدي إلى اضطرابات في سوق الطاقة العالمية، وارتفاع حاد في أسعار النفط قد يصل إلى مستويات غير مسبوقة، مما يُشكّل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد العالمي.

ويبقى السيناريو الثالث – الأخطر – متمثلًا في دخول الولايات المتحدة في مواجهة شاملة ومباشرة مع إيران، على خلفية استهداف قواعدها أو مقتل جنود أميركيين في هجمات إيرانية أو من قبل وكلائها. هذا السيناريو سيفتح أبواب الجحيم على المنطقة، حيث قد تشهد ضربات أميركية مكثفة على مراكز القيادة والسيطرة داخل إيران، وربما اجتياحًا بحريًا لبعض الموانئ، أو تدخلًا بريًا محدودًا في بعض المناطق الحدودية، مما يضع المنطقة أمام مشهد يشبه “حرب الخليج الثالثة”. وإذا ما اختارت إيران في هذه اللحظة استخدام أسلحة غير تقليدية – حتى وإن كانت محدودة التأثير، كالقذائف المشعة أو الهجمات السيبرانية واسعة النطاق – فإن ردّ الفعل الإسرائيلي قد يكون أكثر تطرفًا، وربما يتجاوز الخطوط الحمراء المعروفة، بما فيها التلويح بالخيار النووي التكتيكي، وهو ما سيدخل العالم في نفق مظلم.

وفي ظل هذه السيناريوهات المقلقة، تبرز احتمالات تدخل قوى دولية كبرى مثل روسيا والصين، إما بشكل غير مباشر من خلال دعم إيران سياسيًا واقتصاديًا، أو عبر التهديد بإعادة هيكلة التحالفات الدولية، لا سيما إذا رأت موسكو وبكين في هذه الحرب فرصة لإضعاف الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط. وقد تدفع هذه الحسابات الاستراتيجية المتشابكة نحو نشوء تحالفات عسكرية جديدة على غرار “محور بكين – موسكو – طهران”، في مواجهة “محور واشنطن – تل أبيب – الغرب”، ما سيحوّل المنطقة إلى مسرح لتجاذب دولي خطير، لا يختلف كثيرًا عمّا سبق الحربين العالميتين الأولى والثانية من مؤشرات.

خلاصة القول، إنّ الهجوم الأميركي‑الإسرائيلي على إيران ليس مجرد عملية عسكرية محدودة، بل هو اختراق شامل للخطوط الاستراتيجية والتوازنات الإقليمية، يفتح الباب على مصراعيه أمام تصعيد قد لا تقوى القوى الدولية على احتوائه لاحقًا. وإن لم تُبادر الأطراف المعنية – عبر وساطات دولية حقيقية – إلى تهدئة فورية وفتح قنوات تفاوض حقيقية، فإن شبح حرب إقليمية كبرى، وربما عالمية ثالثة، سيبقى معلقًا فوق رؤوس الجميع، في لحظة تاريخية شديدة القسوة، يتحدد فيها شكل النظام العالمي القادم.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى