أيران والباكستان : سياسات ايران الإقليمية بين الأيديولوجيا الدينية وسياسة الأمر الواقع

بقلم : ا.د هاني الحديثي – الخبير في شؤون باكستان و اسيا – المركز الديمقراطي العربي – ألمانيا – برلين
زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لدولة باكستان في اليومين الاوليين من آب/ أوغسطس والمؤتمر الصحفي الصادر في الثالث من هذا الشهر عن الاجتماعات المهمة على مدى يومين مع رئيس وزراء باكستان محمد شهباز شريف فضلا عن الاجتماعات التخصصية لوزراء الدفاع والاقتصاد للبلدين وما صدر عنها من اتفاقيات أهمها السعي لزيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 10مليار دولار سنويا و خلق منطقة للتجارة الحرة في منطقة رغيدان -خمود حيث الحدود المشتركة عند بلوجستان و سيستان و التي تبلغ طولها 905 كلم ، فضلا عن اتفاقيات تامين الامن المتبادل وخاصة عند الحدود المشتركة التي تفصل اقليم بلوجستان الباكستاني عن اقليم بلوجستان الايراني والتي شهدت العام الفائت مشاكل أمنية دفعت كل منهما لتوجيه ضربات متبادلة على معسكرات للمعارضة في كلا الاقليمين ، والموقف الباكستاني الحذر من تطور العلاقات الإيرانية -الهندية والاتفاقات الاقتصادية بينهما وخاصة في مجال توريد الغاز الى الهند من بلدان وسط آسيا وروسيا وعبر محطات استراتيجية تشارك الهند ببناءها داخل ايران لتتحول الأخيرة إلى مركز مصدر للطاقة الى الهند كل ذلك وغيره يلتقي مع مشتركات الهاجس الأمني اتجاه التعاون واسع النطاق بين كل من اسرائيل والهند ، تثير العديد من المسائل والاستفهامات الرئيسية في ظل مؤشرات مهمة حول تصعيد وتائر العقوبات الاقتصادية على ايران من قبل الولايات المتحدة وبلدان أوروبا المتضايقة من تصاعد دور إيراني داخل بلدان أوروبا باتجاه اثارة مشاكل تخص الامن الداخلي لبلدان أوروبا عبر توظيف المجاميع الولائية التي تمارس دورها تحت غطاء الجمعيات والمساجد العقائدية المنتشرة في أنحاء أوروبا ، فضلا عن اعتراضات أوروبية على اصرار ايران في تخصيب اليورانيوم وتطوير قدراتها الصاروخية وهو الدور المتناسق ايرانيا مع الدور الروسي اتجاه أوكرانيا وأوروبا .
لذلك فأن أيران تسعى لفتح أبواب اخرى امام التصعيد الأمريكي المتوقع في تضييق الحصار عليها وعلى موانئها التصديرية. باكستان احدى هذه البوابات لأسباب عديدة أبرزها :
اولا :كشف معلومات عن التنسيق الهندي مع اسرائيل في مجال المعلومات التي وظّفتها اسرائيل في مهاجمة الداخل الإيراني .
ثانيا:التوافق الإيراني -الصيني يلتقي مع التحالف الصيني الباكستاني الأمر الذي يخلق ارضية مشتركة في تحقيق تعاون استراتيجي تستطيع ايران ان تستثمره لصالحها في استخدام ميناء جوادر الباكستاني الذي يشكل ركيزة أساسية في مشروع الطوق والطريق الصيني في مواجهة الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على الموانىء الإيرانية وهو ميناء لايبعد اكثر من 70 كم عن الحدود الإيرانية حيث المشاركة الجيوسياسية عند المحيط الهندي والبحر العربي .
ثالثا:الدور المهم الذي لعبه مهندس البرنامج النووي الباكستاني عبدالقدير خان في تنمية برنامج ايران النووي والذي تسبب لاحقا في وضعه تحت الإقامة الجبرية بضغط أمريكي .
رابعا:الدور الذي يمكن للباكستان بحكم علاقاتها مع الولايات المتحدة ان تلعبه لصالح الوساطة بين ايران والولايات المتحدة خاصة ان ايران تبحث الان عن وسيط فاعل مع الولايات المتحدة تثق به .
خامسا :ان توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والثقافية والسياحية بين ايران وباكستان يعزز فرص التعاون الاقتصادي بينهما وفق تعزيز دور منظمة التعاون الاقتصادي ((ECO)التي تضم ايضا تركيا وهو الأمر الذي يعيد التذكير بالتعاون الاقليمي بين البلدان الثلاث منذ اتفاق سعد أباد ثم حلف بغداد والسنتو.
سادسا:يساعد التعاون بينهما في تحييد الخلافات الإيرانية -الباكستانية حول الجماعات المسلحة البلوشية التي تتخذ من اقليم بلوجستان الباكستاني قاعدة لها في مهاجمة مصالح ومؤسسات ايران وحرسها الثوري وخاصة في اقليم بلوجستان الايراني حيث تصاعد المعارضة البلوشية ضد نظام ولاية الفقيه .
سابعا -السعي لإعادة توجيه البوصلة في مناطق جنوب وجنوب غرب ووسط اسيا بعيدا عن تصاعد النفوذ الأمريكي والغربي لصالح كل من روسيا والصين .
السؤال الذي يطرح نفسه :هل تستطيع ايران فعلا ان تسير وفق نسق تصالحي واقعي مختلف عن مسارات تدخلها في الشؤون الداخلية لدول العالم الإسلامي وفق مبدأ تصدير الثورة بمعنى اعادة تعديل مسارات سياستها الخارجية من الجانب الأيديولوجي الديني وفق مبدأ ولاية الفقيه إلى مبدأ آخر مختلف يذهب مذهبا براغماتيا في تغليب المصالح ؟
الجواب يعتمد على مدى استعدادها للتعامل وفق نسق مشابه في بلدان العالم العربي وخاصة العراق ولبنان واليمن. ان السعي الايراني المستمر لدعم اذرعها العقائدية في بلدان المشرق العربي لايرجح هذا السيناريو انما يدفع لترجيح خيار السياسة الذرائعية في مواجهة التحديات الخطيرة المحيطة بها .
لذلك فان رئيس وزراء باكستان خلال مؤتمره الصحفي مع الرئيس الايراني وبعد تأكيده على عمق وتنوع العلاقات مع ايران ، ختم تصريحاته بالتأكيد على أهمية اقليم كشمير في سياسة بلاده مؤكدا انه اقليم محتل من قبل الهند وان دماءا غزيرة سالت على ارضه ويتطلب الأمر الدفاع عن شعب الإقليم في تحقيق المصير كما هو الحال لقضية الشعب العربي الفلسطيني ليشكل ذلك تاكيد على الرئيس الايراني ان يأخذ بنظر الاعتبار موقف بلاده في ضوء طبيعة العلاقات الإيرانية -الهندية التي شهدت تطورا واسعا خلال العقد الماضي وتاثيرها في موقف باكستان من العلاقات الإيرانية -الأمريكية والمساعي التي يمكن للباكستان ان تبذلها في تصحيح مسارات تلك العلاقات مستقبلا وهو الهدف الرئيس كما يبدو من تلك الزيارة .