العلاقات السعودية – الباكستانية : من التآلف الايديولجي الى الموائمة الاستراتيجية

بقلم : د. ماجد حميد الضيدان – استاذ السياسة الخارجية والفكر السياسي الامريكي – كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين
- المركز الديمقراطي العربي
ارتبطت العلاقات السعودية الباكستانية بجذور عميقة لجهة طبيعة القيم الدينية والمشتركات التي تجمعهما بقوة, وقد تعززت هذه العلاقات عبر حقب تاريخية طويلة تمتد لعقود عدة كانت بدايتها مع حصول باكستان على استقلالها ومن ثم وقعت السعودية معاهدة صداقة معها واستمرت هذه العلاقات نحو مزيد من التعزيز والتوافق في المحافل الدولية والمواقف الثابتة حيال القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك.
وكان للتوافق الايديولوجي دور حاسم في تثبيت اواصر هذه العلاقات الممتدة تاريخيا خصوصا خلال سنوات الحرب الباردة ومواجهة المعسكر الاشتراكي ذي الايديولوجية الشيوعية وذلك لردع الشيوعية ضمن منظومة غربية اوسع ذات توجهات رأسمالية, وكان من نتائج هذا التوافق والتآلف الايديولوجي الكبير ان فتحت ميادين واسعة للتعاون الاقتصادي وفرص العمل واستيراد العمالة الباكستانية وفي المقابل شرعت السعودية في ارساء اسس البنية التعليمية الدينية من خلال بناء الجامعة الاسلامية العالمية وبناء الكثير من المساجد او المساهمة في تمويلها. وكان لهذا التآلف الايديولوجي دور في التوافق والتفاهم العميق تجاه الكثير من القضايا الدولية ومنها اجتياح العراق للكويت في شهر آب من عام 1990 وفي المقابل دعمت السعودية موقف باكستان في قضية كشمير وحق الاقليم في تقرير مصيره, على الرغم من بقاء العلاقات الهندية مع السعودية وباقي بلدان الخليج على نحو جيد لكنها ليست بالمستوى الذي عليه العلاقات السعودية مع باكستان. وتأتي القضية الفلسطينية ضمن اولوليات هذه العلاقات طيلة مراحلها التاريخية وتأسيس منظمة المؤتمر الاسلامي ودعم الافغان خلال الاجتياح السوفيتي في عام 1979 والتصدي لمحاولات السوفييت في التغلغل في آسيا والعالم العربي فكانت هناك اشبه بما يمكن تسميته قطبية ايديولوجية عربية واسلامية وقفت بالضد من تدخلات السوفييت في سلطنة عمان واليمن في عدن وصنعاء وبالضد ايضا من طموحات جمال عبد الناصر القومية الاشتراكية وهو اصطفاف اوسع ضمن منظومة الغرب الرأسمالي. وكانت من اعلى درجات التعاون بين السعودية وباكستان هو ارسال باكستان فريق للمساعدة في فك حصار الحرم المكي عام 1979 في حادثة ابن جهيمان. تطور مستوى التعاون الدفاعي بين البلدين نحو تطوير القوات المسلحة عبر التدريب والمشورة خصوصا اذا من نظرنا الى الباكستان كقوة نووية ينظر اليها المحافظون انها الدولة الاسلامية النووية الوحيدة, ان ما تقدم من استعراض لابرز محطات العلاقات السعوية الباكستانية لا ينفي وجود مآخذ وتسجيل ملاحظات وتقييم موضوعي في نقطة تاريخية فاصلة في العالم الاسلامي وهي احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001. لقد احدثت هذه الهجمات فجوة في العلاقة الامريكية الاسلامية وتراجعا في حوار الحضارات وتفويضا لمنطق وفائض القوة الامريكية نحو تدخلات عسكرية احادية امريكية في كل من افغانستان والعراق والصومال , وتراجعت ايضا فرص التعاون السعودي مع باكستان على اثر الدعم بالباكستاني عبر الحدود لحركة طالبان في افغانستان . ان ثمة فور قد حصل في العلاقات السعودية الباكستانية ربما يعود الى تراجع قيمة الايديولوجية كعنصر داعم للتحالف والتآلف بينهما وان الموازين قد تغيرت في العقدين الماضيين وعلى ما يبدو انها خضعت لتغيرات كبيرة بين كل من الهند والسعودية وايران وباكستان وباقي بلدان الخليج العربي , فمن جهة اثارت زيارة رئيس الوزراء الهندي المتزعم للحزب القومي الهندوسي المتشدد الى السعودية حفيظة باكسات التي ردت باستقبال باكستان للرئيس الايراني حسن روحاني وتوقيع عدة اتفاقيات وتدشين خط الغاز من ايران.
اهم ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد وجود تنافر بدل من التآلف وحصول مساومات في الفعل وردات الفعل بين البلدين خصوصا بعد حقبة برويز مشرف وكانت ثقة الخليجيين قد اهتزت في افغانستان خلال الحرب في اليمن وتوالت المقالات وصور الكاريكاتير الساخرة والناقدة للموقف الباكستاني من الخليج في حرب اليمن في اشارة الى الدعم المالي السخي من جانب الخليج لباكستان . وفي المقابل من هذه الرؤية تقف رؤية اخرى تبدو اكثر انصافا لباكستان وهي وجود التزام باكستاني بأمن الخليج وقد اثبتته الكثير من المواقف لكنه لا يصل الى مستوى الاصطفاف الكامل اذ لا يروق لباكستان ان تأخذ المذهبية حيزا كبيرا في قيمها الدينية بقدر ارتباط مخاوفها من غريمتها الهند ومن ثم ترغب في تحشيد خليجي اسلامي داعم لها خصوصا وانها خسرت باكستان الشرقية بنغلاديش وهذا قد انعكس كثيرا في سياستها الخارجية التي لا تريد خسارة جارتها ايران ولا ان تلقي بكامل قوتها في حروب خارجية والرغبة بالاحتفاظ بفائض قوة كبير تدخره للايام الصعبة وللصراع الكامن والمعلن مع الهند. وتقف محددات اخرى امام باكستان منها الخشية من اثارة حفيظة الولايات المتحدة وحاجتها للابقاء على تحالفها وتعاونها العسكري والاقتصادي الكبير مع الصين ضمن مبادرة الحزام والطريق, وايضا لا ترغب في اعطاء فرصة للهند في اقامة تحالف مع ايران على حساب التعاون الباكستاني السعودي. إذا لعبة التوازن مهمة كثيرا لدى باكستان والرغبة بالاحتفاظ بمزيد من الملفات وادارتها بما يتوافق مع المصلحة الباكستانية العليا. ان حالة اللعبة الصفرية اختفت بانتهاء الحرب الباردة وهو امر يدركه كلا طرفي العلاقة السعودية او باكستان ومن ثم ما يمكن الارتكان اليه في التحليل هو وجود براغماتية عالية يتم تغليفها احيانا وبصورة منمقة بروابط الاخوة الاسلامية وتاريخ من التعاون الممتد عميقا في تاريخ الدولتين على الرغم من وجود مستجدات تستدعي استحظار التآلف الايديولوجي. في المقابل تقف عزلة ايران الطويلة والعقوبات الامريكية والغربية عليها والتوجس الخليجي من رغبة ايران في ممارسة نفوذ اكبر نحو اراضيها الرخوة يقف حائلا امام تحالف هندي ايراني او اي تحالف باكستاني ايراني ومن ثم بقاء حالة من التأرجح عبر ميزان المصالح الانية والرغبة في التعاون المحدود زمنيا وجغرافيا إذ خلعت الكثير من الدول المذكورة عباءة تحالفات الحرب الباردة.
ان الخليج وتحديدا المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة تحاول في الاونة الاخيرة اجراء تقييم تاريخي للعلاقة مع كل من الهند وباكستان لا سيما وان العالم يشهد تراجعا في اسعار النفط ضمن حسابات استراتيجية تحاول مغادرة البنية التحتية للصناعة النفطية ودخول اسواق الطاقة النظيفة مما يعني ان الهند والصين ستكونان السوق النفطية الرائدة للخليج في ظل عقوبات غربية طالت النفط الروسي جراء الغزو الروسي لاوكرانيا.
ان التدخل الاسرائيلي الدائر في غزة ومحاولاتها لالغاء حق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولته ومحاولتها الالتفاف على مقترح حل الدولتين الذي نال قبولا دوليا واسعا خصوصا ضمن المنظومة الغربية باستثناء الولايات المتحدة التي استخدمت حق الفيتو في دحض طموحات الشعب الفلسطيني, وكذلك فائض القوة الاسرائيلي واتساع دائرة تدخلاتها في لبنان وسوريا واليمن وايران واخيرا هجمات اسرائيل ضد قياديي حركة حماس في العاصمة القطرية الدولية دفع باتجاه تدشين عهد جديد من العلاقات السعودية الباكستانية لاتجاه تعزيز تعاون سعودي خليجي ايراني باكستاني لمجابة اسرائيل وتكوين قوة ردع نووية او اشبه ما يكون بمظلة نووية اسلامية خصوصا وان نذر حرب جديدة تلوح في الافق بين ايران واسرائيل والخشية من اتساع دائرتها وسط تأييد امريكي مطلق. على الرغم من المخاوف من ان تتجه اسرائيل نحو تعزيز تعاونها الدفاعي مع الهند , خصوصا وان الهند قد خسرت كثيرا من سمعتها العسكرية في حربها التي جرت هذا العام 2025 مع باكستان والتي نجحت جهود المملكة العربية السعودية في انهائها .
ان توسيع الشراكة السعوديم مع باكستان خصوصا في بعدها العسكري يأتي بعد مدة قصيرة من هجمات اسرائيل ضد قادة حماس في الدوحة فهي شراكة دفاعية عبر تتويج مسار من التعاون العسكري بعقد (اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك) وعدتا اي هجوم ضد احدهما بمثابة اعتداء جماعي عليها وتاتي الاتفاقية ضمن هدف تعزيز الردع المشترك وان كان لا يرقى الى الردع الامريكي الاسرائيلي لكنه محاولة لدفع واشنطن نحو الموازنة في علاقاتها بين العرب واسرائيل. قادم الايام سيثبت مصادقية واستمرارية هذه الشراكة الامنية ومدى فاعلية هذه الاتفاقية , على الرغم من هذه الاتفاقية لا يبدو انها تستهدف طرفا محددا كاسرائيل ولا توجد مبررات اسرائيلية لاستهداف السعودية وذلك وفقا لموقف السعودية من حركة حماس.