الاجتماعية والثقافيةالدراسات البحثية

تموقع الفعل القرائي لأدب الطفل في عصر الوسائط الرّقمية

Positioning the Act of Reading Children’s Literature in the Digital Media Age

اعداد : د. شينة نصيرة – المركز الجامعي سي الحواس – بريكة، الجزائر

المركز الديمقراطي العربي : –

  • مجلة المؤتمرات العلمية الدولية : العدد السابع والعشرون تشرين الثاني – نوفمبر 2025– المجلد 6 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي المانيا- برلين.
  •  تُعنى بنشر الأبحاث ضمن جميع التخصصات الأكاديمية  ضمن مجالات التخصص العلوم التطبيقية مع التركيز على ( هندسة ,طب ) وايضا العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية كما تُعنى بنشر الأبحاث من وقائع المؤتمرات العلمية في جميع التخصصات التي تنظم من قبل المراكز الجامعية والمخابر البحثية من مختلف الجامعات في الوطن العربي ضمن التخصصات الأكاديمية .
Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland
ISSN  2701-3995
International Journal of Scientific Confrences

 

للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –

https://democraticac.de/wp-content/uploads/2025/11/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%88%D9%86-%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%E2%80%93-%D9%86%D9%88%D9%81%D9%85%D8%A8%D8%B1-2025.pdf

المستخلص

يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على أثر التحول الرقمي على الفعل القرائي لأدب الطفل، فقد أضحى جيل ما بعد الثورة الرقمية يعيش تجربة قرائية تختلف عن نظيرتها في الماضي، وتحوّل طفل هذا العصر من قارئ سلبي للنص الورقي الكلاسيكي إلى متلقٍّ تفاعلي في بيئات رقمية متطوّرة، وأصبح أدب الطفل ظاهرة رقمية قائمة بذاتها تتطلّب إعادة تعريفٍ للعلاقة بين المؤلّف والنصّ والمتلقّي، يناقش هذا البحث خصائص الأدب الرقمي الموجّه للطفل محلّلا مزاياه وعيوبه، ويبيّن الإمكانات التي يتمتّع بها النص الرقمي التفاعلي والفرص التي يقدّمها للمبدعين لجذب الطفل وتعزيز الفعل القرائي لديه،  وكذا التحدّيات الأساسية التي تواجه المؤلّفين في بيئة أكثر تنوعا وأكثر ثراءً، تفرض عليهم امتلاك مهارات تقنية وأدبية جديدة تضمن إنتاج محتوى تفاعلي متكامل، يستجيب لحاجات الطفل المعرفية والوجدانية ويواكب متطلبات عصر الثقافة الرقمية.

Abstract

This research aims to shed light on the impact of digital transformation on the act of reading children’s literature. The post-digital revolution generation now experiences reading in a way that differs significantly from the past. The child of this era has shifted from being a passive reader of the traditional printed text to becoming an interactive recipient in advanced digital environments. Children’s literature has thus evolved into a digital phenomenon in its own right, requiring a redefinition of the relationship between the author, the text, and the reader. This study discusses the characteristics of digital literature for children, analyzing its advantages and drawbacks. It highlights the potential of interactive digital texts and the opportunities they offer creators to attract children and enhance their reading practices. At the same time, it explores the fundamental challenges authors face in a more diverse and enriched environment, one that compels them to acquire new technical and literary skills to ensure the production of comprehensive interactive content that responds to the child’s cognitive and emotional needs while keeping pace with the demands of the digital culture era.

المقدّمة

تعدّ القراءة إحدى نوافذ المعرفة؛ وواحدة من أهم فنون اللغة ومهاراتها، وهي، بوصفها فعلا حضاريا بامتياز، تشكل قناة لا غنى عنها للاتصال مع عالم يتّسع باستمرار، وركيزة أساسية لتوسيع المدارك وإثراء المعارف والخبرات الإنسانية، لذلك وجب الاهتمام بإكساب الناشئة مهارات الاستعداد القرائي في سن مبكرة، وأن نغرس في نفوسهم شغف مطالعة النّصوص بأنواعها وأشكالها المختلفة، في شكلها الورقي أو الرقمي.

لقد اتخذ الكتاب في ظل العصف المعلوماتي الذي يشهده عصرنا شكلا إلكترونيا جذابا يستطيع التّمظهر من خلاله عبر الشّاشة الزرقاء، ويطل على القارئ الصغير بمؤثراته المرئية والصوتية التي باتت تستهويه وتأسر خياله الغض، فيتفاعل معها بعفوية ويقع تحت تأثيرها مستنبطا بطريقة لا شعورية ما تتضمنه من قيم ومبادئ. في ظل هيمنة الوسائط الرقمية على العلاقة بين الطفل والكتاب، أي مستقبل لهذه العلاقة في خضم الموجة الافتراضية الجديدة؟ وهل ساهمت الوسائط الرقمية في تحفيز الفعل القرائي لدى الطفل العربي اليوم؟ أم زادت الأزمة القرائية حدة وعمقت الهوة بين الطفل وبين هذه الممارسة اللغوية التواصلية الضرورية لبناء كيانه وترسيخ هويته؟ هذا ما ستحاول هذه الورقة البحثية الإجابة عنه بالوقوف على تأثير الوسائط الرقمية على ثقافة الطفل العربي، وأثرها على فعل القراءة وشغف الاطلاع لديه.

أولا/ أطفالنا في عالم رقمي:

يشهد العالم اليوم انعطافات وتطورات مذهلة نجمت عن تحول المجتمعات من السمة الصناعية إلى السمة الذكية المعلوماتية، وأرخى التطور التكنولوجي المشهود سدوله على جميع القطاعات والحقول الإنسانية، الاجتماعية منها والاقتصادية والثقافية، وكان من الطبيعي أن يتأثر الأطفال بهذه الطفرة التقنية التي أذهلت الكبار قبلهم وقلبت حياتهم ظهرا على عقب، إذ جعل هذا التحول الجذري بيئة الطفولة البسيطة الساذجة بيئة معقدة متشبعة بالعديد من الوسائل والوسائط والألعاب الإلكترونية، التي وسعت مدارك الطفل وفتحت أمامه أبواب المعرفة والاندماج في عوالم خيالية شائقة، شدّته إليها بسحرها وجاذبيتها فصار متعلقا بها بشكل كبير، بل أضحى أغلب أطفال اليوم مهووسين بالتحديق في الشاشات المتوهجة التي لا تكاد تفارق أيديهم الصغيرة.

إن طفل هذا العصر لم يعد منذ سنين طفل الزمن الغابر، فهو يتعرض لزخم معرفي هائل يتهاطل عليه دون انقطاع من مختلف الوسائط الرقمية، بدءً بشاشة التلفزيون، وصولا إلى شاشة الحاسوب والهواتف والألواح الإلكترونية، لقد فرضت علينا الشبكة العنكبوتية صنفا جديدا من الأطفال أصبح يعرف “بالطفل الرقمي” أو “طفل الغرف الزرقاء”، طفل لا يتوانى عن قضاء الساعات الطوال متسمّرا أمام الشاشة مشدوها، مشدودا إلى المؤثرات الرقمية التي سلبت لبّه ووقته، وجعلته ينمو ويتطور ذهنيا وفكريا قبل الأوان وبصفة غير طبيعية، تجلت في سلوكياته وخطاباته التي تفوق سنه وتتخطى مختلف المراحل العمرية الفرعية التي حددها علم النفس لنمو الطفل الطبيعي.

لقد استطاع جيل الأنترنت الذي خبر منذ طفولته نقلة متفردة في التجربة الإنسانية، كسر الصورة النمطية للطفل بثقافته التقليدية، فطفل هذا العصر، ليس كأي طفل، «إنه ابن عصر الحاسوب، والمُشاهد الأكثر مثابرة على شاشات التلفاز، والذي يتفرج بحرية عالية دون انتقاء ولا اصطفاء، عقله تعرض لملايين المعارف التي قد لا يتيح لنا الوقت أن نطلع عليها، كما أنه سبقنا في ماراثون اللغة، فنحن في معظمنا اطلعنا على لغة ثانية بحدود معقولة، بينما تسنى له اكتساب أكثر من لغة، بالقدر نفسه والبراعة ذاتها اللذين يشرب فيهما لغته الأم، وتلك ميزة تجعل من عقله مسرحا لنشاط فكري منفتح وخلّاق»([i])، فجيل الرقمنة والمعلوماتية، هو جيل مختلف بامتياز، لا يؤمن بحدود الزمان ولا المكان، ولا يميز بين الواقع والخيال، إنه جيل يصنع عالمه بالأنترنت عبر الأجهزة الذكية والروابط الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي، ويستطيع بسهولة التواصل مع العالم الخارجي ويتقن ببراعة التجوال عبر العوالم الرقمية، بل ربما عرف هذا الطفل المميز ما لا يعرفه الراشد، إذ أكسبه الإبحار في العالم الافتراضي خبرات لم يسبق للكبار خوضها ولا الاطلاع عليها رغم تجاربهم الطويلة.

إن تعامل الجيل الحالي مع الأنترنت هو تعامل سلس لا يتطلب جهدا أو تفكيرا، فشباب اليوم يعايشون العالم الرقمي بأريحية ويجابهون طوفان المعلوماتية بانسيابية وثقة، فلا شك أن لكل واحد منا خبرة بعالم الأنترنت، وأننا نزور موقع الويكيبيديا من حين لآخر، وأننا نعكف على هواتفنا وقتا طويلا، لكن أطفال وفتيان هذا الزمان «تربطهم بالتكنولوجيا ألفة فطرية يصعب تفسيرها؛ فأول ما يلجئون إليه هو الأنترنت من أجل التواصل والفهم والتعلم والبحث وغير ذلك الكثير. إذا أردت بيع سيارة أو استئجار شقة فسوف تستخدم الإعلانات المبوبة، في حين أنهم سيدخلون موقع “Craigslist”»([ii])، فطفل اليوم أكثر فطنة ونباهة من الكبار أنفسهم، فهو يسبقهم بأشواط بينما يعانون هم رغم تعلّمهم أبجديات المعلوماتية والعالم الرقمي، إنهم يبدون متعثرين ضائعين بين عاداتهم الكلاسيكية التي شبّوا عليها وبين العادات الإلكترونية الجديدة، التي تظل تتطلب منهم بذل جهد مضاعف للتعامل معها، وإتقان تقنياتها الرقمية الصعبة (في نظرهم) التي تشكل عبئا متواصلا على كواهلهم.

في نفس السياق، يعقد الكاتب الكندي “دون تابسكوت” (Don Tapscott) مقارنة بين جيل الأنترنت والجيل الذي سبقه، فيقول: «أنت تستخدم المحتوى الموجود في الأنترنت، لكنهم يستحدثون أو يغيرون هذا المحتوى دائما، أنت تدخل على موقع يوتيوب لمشاهدة مقطع فيديو سمعت عنه، في حين يدخلون هم على هذا الموقع طوال اليوم للتعرف على الجديد، أنت تشتري جهازا جديدا وتقرأ دليل المستخدم المرفق به، لكنهم يشترون الجهاز الجديد ويبدؤون في استخدامه على الفور، أنت تتحدث إلى الركاب الآخرين في السيارة، لكن أولادك في الخلف يتبادلون الرسائل النصية. إنهم يجدون نشوة كبيرة في استخدام التكنولوجيا، ولديهم قدرة مذهلة في التعامل مع جميع الأشياء الرقمية التي تبدو محيرة في بعض الأحيان»([iii])، لذلك يصدق وصفنا لهم بأنهم جيل رقمي بامتياز، ويصدق وصفنا لطفل هذا الجيل بالكائن البيوتكنولوجي.

لقد أتاحت التقنية الجديدة فرصة البحث عن صيغ جديدة لتقديمها للطفل، مع الاستفادة من معطيات التقنية نفسها، سواء بالصورة أو الصوت أو غيره، وبالمقابل، توقف النقاد عند سلوكيات الطفل أثناء التعامل مع التقنية الجديدة والأنترنت، وقد حذروا من جلوس الطفل إلى جهاز الكمبيوتر لساعات دون التسلح بالقيم التربوية، خاصة أن المواد المقدمة فيه مرئية، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن حاسة البصر أقدر على التقاط المعلومات وتخزينها أكثر من بقية الحواس.

كما أوضح النقاد كيفية التعامل مع المعارف الجديدة والغزيرة أيضا، علما أن تلك البرامج المعدة سلفا للطفل يمكن وضعها في أسطوانات ممغنطة، قادرة على نقل المعارف والألعاب إلى الطفل إلى أي مكان في العالم بفضل السرعة الفائقة لشبكة الأنترنت، وهو أمر إيجابي إذا تسلح الصغير باللغة ثم بالقدرة على الاختيار والتمييز، مع إمكانية أن تتوافر البرامج المناسبة باللغة العربية، بما تتضمنه ممن معايير ثقافية وأخلاقية تناسب الطفل العربي. فتعامل الطفل مع هذه المعطيات الجديدة بصورة واعية يجعله يكتسب مهارات فائقة تمكنه من الإبحار في العالم الرقمي بمردود أفضل وبصورة آمنة، وبالمقابل، تجعلنا نحن الكبار مجبرين على التعامل مع التكنولوجيا الرقمية ومواكبة مستجداتها مجاراة لأبنائنا، بهدف رعايتهم وتوفير الحماية اللازمة لهم من مخاطر متاهة الشاشات الزرقاء.

إن جيلا منهمكا في التكنولوجيا غارقا حتى أذنيه في غياهب العالم الرقمي، مهيأ دون شك لتلقي ما تنتجه التكنولوجيا، لأنه نشأ في كنفها وترعرع على منتجاتها وتطبيقاتها المختلفة، وهو جاهر لا محالة لاستقبال الأدب الرقمي وتذوقه والتفاعل معه، وإذا كانت الكتابة التقليدية للطفل صعبة فإن الكتابة الموجهة للطفل الرقمي أصعب وأعقد، لعلوّ سقف توقعاته وتنامي مهاراته الرقمية، لذلك صار لزاما على الأدباء الذين يكتبون للطفل إعادة تكييف المادة التي يبدعونها للتناسب وذوق قارئنا الرقمي الصغير، الذي يتوقع منتوجا مبتكرا يتماشى مع قدراته واهتماماته التي باتت مختلفة ومتطورة عما مضى، لأن معارف وخبرات طفل القرن الحادي والعشرين تفوق نظيرتها لدى الكثير من الكبار، لذلك لن يكون الخوض في موضوع موجه له أمرا هينا، فليس كل إبداع يرضي غروره ويجاري طموحه.

ثانيا/ القراءة الإلكترونية والأدب الرقمي الموجه للطفل:

ينظر الكثير إلى القراءة الرقمية على أنها ظاهرة صحية، خاصة أنها أصبحت ضرورة من ضروريات عصر يطلق عليه العصر الرقمي، قاد المجتمعات إلى تطورات كبيرة في شتى المجالات، وبغض النظر عن إيجابيات أو سلبيات هذه الظاهرة تبقى حتميةً فرضتها سيطرة ثقافة الحياة الرقمية، ما انعكس على الثقافة المكتوبة التي تراجعت وانحسرت بشكل لافت. خصوصا بعدما أضحت شبكة الأنترنت مصدرا مهما للمعلومات في مختلف الحقول المعرفية، مفرزة بذلك نوعا جديدا من النصوص، تختلف من حيث طبيعة الوسيط الحامل لها عن النصوص الورقية التقليدية.

أ/ مفهوم القراءة الإلكترونية:

والقراءة الإلكترونية في أبسط مفاهيمها هي «تقنية أو ظاهرة رقمية يتم فيها التعامل مع النص المقروء إلكترونيا بما يتضمنه من مؤثرات بصرية وصوتية وسمعية وحركية، بهدف تنمية المهارات المعرفية، ومهارات التفكير العليا، والاستمتاع بالنص المقروء»([iv]). فهي ظاهرة تكنولوجية جديدة في الأوساط التعليمية، يتفاعل فيها القارئ مع النص المقدم إليه إلكترونيا عبر الوسائط الرقمية كالحواسيب والألواح الإلكترونية، فيفهم معانيه ويتذوّقه وينقده، ويصدر الحكم عليه.

وتعد القراءة الإلكترونية «قراءة انتقائية من النص أكثر منها قراءة كلية له، وكما هو الحال في النصوص المطبوعة، فهي تهدف إلى إيجاد المعلومات التي تصب مباشرة في إطار اهتمامات المستخدم البحثية، دون الحاجة إلى اتباع مسار النص الأحادي الاتجاه من البداية حتى النهاية»([v]).

وتخدم القراءة الإلكترونية جميع الأغراض التي تتوخاها القراءة الورقية التقليدية، وتحقق كافة أهدافها؛ إذ يجد القارئ الفرصة للقراءة التعليمية، والقراءة التثقيفية، والقراءة الاستمتاعية، والقراءة الترفيهية، بل وتزيد عليها في سرعة وسهولة الحصول على المعلومات وبوفرة منقطعة النظير، ما يوفر الجهد والوقت على القارئ بل ويغنيه عن التكلفة المادية أيضا.

وللقراءة الإلكترونية الحرة مهارات متنوعة، منها اللغوية التي تعود للقراءة نفسها كمهارات الفهم القرائي والسرعة في القراءة، ومنها التقنية التي تخص قدرة وبراعة القارئ في التعامل مع الحاسوب والأجهزة الذكية وشبكة الأنترنت.

ب/ أنواع القراءة الإلكترونية:

تنقسم القراءة الإلكترونية وفق ما ذكره الباحث “عبد العزيز صبحي” إلى:([vi])

ب1- قراءة الصفحات الساكنة: وتعرف أيضا بالقراءة على الشاشة، وتشير إلى غياب التفاعل مع محتوى هذه الصفحات، ويكتفي القارئ بقراءتها فقط لغياب أدوات التفاعل مع محتواها وبنائها، فهي قراءة في اتجاه واحد، وهي قراءة لكل ما هو مكتوب قراءة بصرية للنصوص المكتوبة على الشاشة الزرقاء. وقد يكون هذا النص ذا نسق خطي (مغلق أو سلبي)، لا يستفيد من تقنيات الثورة الرقمية، اكتسب صفة الرقمية فقط لأنه نشر إلكترونيا، مثل الموسوعات الرقمية والكتب الإلكترونية. وقد يكون النص الساكن رقميا، ذا نسق مفتوح أو غير خطي، وهو ذلك النص الذي نشر رقميا واستفاد من التقنيات التي أتاحتها الثورة المعلوماتية الرقمية، لاستخدام النص الفائق (Hyper Text).

ب2- القراءة التفاعلية: وفيها يمكن للقارئ التفاعل مع المحتوى المقروء، وتتضمن نوعين من القراءة:

  • القراءة الخطية: وهي قراءة أفقية تتابعية، يُعتمَد فيها على قراءة الكتاب من بدايته بالتتابع حتى نهايته، وعادة ما تستخدم لأغراض ترفيهية خاصة في الأعمال الأدبية لا سيما الروائية، التي تقرأ بالكامل.
  • القراءة غير الخطية: هي قراءة غير تتابعية، لأن القارئ حين يفتح النص سيصادف عددا من الروابط، كل منها يحيل إلى جزء من أجزاء النص، ومن خلال انتقاله إلى أي رابط يمكنه أن يربط النص بعضه ببعض، وهنا يتجلى جانب التفاعلية في هذا النوع.

ج/ الأدب الرقمي الموجه للطفل:

لقد كان لظهور الرقمية آثار عديدة على المؤسسة الأدبية برمتها، إذ نشهد اليوم مراجعة لمفاهيم المؤلف والنص والقراءة والكتابة، ما يؤذن بدخول الأدب مرحلة جديدة وحده المستقبل يمكنه تحديد ملامحها النهائية، وقد أدت التطورات التي أتاحتها التكنولوجيا الحديثة إلى تغير كثير من العادات التقليدية الموروثة عن الماضي، لعل أهمها عادات القراءة التي تغيرت وتنوعت، واتسعت مع توفر الكتاب بصيغ إلكترونية تتوافق والمعطى التقني الجديد.

ناهيك عن ظهور نص جديد مغاير يعتمد على اللغة الرقمية البرمجية التي تقدم نصا فارقا، يدمج مختلف المعطيات التقنية الرقمية ليشكل نصا قابلا للتجديد ومفتوحا على كل الإضافات. في ظل هذا التجلي الجديد للنتاج الأدبي وللذائقة الإبداعية، يخلق المبدعون عالما متميزا يجذب القارئَ الطفلَ إليه ويدفعه للإقبال عليه طواعية وبشغف وإصرار، مستغلين أبرز سمة في الأدب الرقمي وهي التفاعلية، ومشاركة الطفل للمؤلف في عملية إبداع النص وفق ذوقه الخاص.

ويقترح “السيد نجم” تعريفا للأدب الرقمي الموجه للأطفال، فيقول: «هو نص يتشكل بحسب معطيات التقنية الرقمية، بتوظيف اللغة الرقمية والبرامج المتاحة داخل جهاز الكمبيوتر، بحيث يتضمن الصورة والصوت واللون والحركة والكلمة، في تشكيل فني يساعد الطفل على نمو الذوق والشخصية، ويتوافق مع احتياجات عالم الطفل الشعورية والمعرفية»([vii]).

وفي دراستها لأدب الطفل التفاعلي، تضبط الباحثة “صفية علية” مفهوم هذا اللون الأدبي معتبرة أنه «عولمة مجمل النصوص الأدبية الموجهة للطفل، وإبداع نصوص أخرى ذات طبيعة رقمية لأغراض شتى كالتربية والتعليم والترفيه والتسلية، فتكتنز في جرابها نصوصا رقمية وأخرى مرقمنة، يبرز من خلالها أجناس أدبية رقمية موجهة للطفل المعاصر»([viii])، فلا يستطيع أحد إنكار صلاحية الأدب الرقمي للطفل، لاسيما أنه يوظف الوسائل التكنولوجية في تثقيف الطفل وتعليمه وإعداده للمستقبل.

ونظرا لميزته الرقمية التفاعلية، يتمتع النص الإلكتروني بخصائص ومقومات ثورية، إذ «يتعرض استقرار النص اليوم لخلخلة تتمثل في إمكانية تخليل الكتابة بالصورة والصوت، وقابلية النص للاستنساخ والانتشار السريعين اللانهائيين، وإمكانية ربط النص بنصوص أخرى كتابية أو سمعية أو مرئية، وذلك من داخل النص نفسه أو من موقع وجوده أو من أماكن خارجية، وذلك عبر الروابط التشعبية (Liens hypertextuels)، كما صار بوسع المؤلف نشر النص متقطعا، لأنه تحرر من شرط الاكتمال لكي يصل إلى القرّاء، فأصبح بوسع المؤلف أن يضع فصول كتابه رهن إشارة القراء فصلا تلو الآخر، وفي التوقيت الذي يختاره. ولهذا المستجد فضيلة وصول القارئ إلى المعلومات في راهنيّتِها»([ix]).

ولعل أبرز سمة جمالية في الأدب الرقمي الموجه للطفل، توفره على الخطاب البصري الذي يجذب الأطفال ويؤثر فيهم بصورة كبيرة أكثر من الخطاب الكتابي الخطي، ذلك أن «التعويل على خطاب الصورة في تثقيف الطفل له مبرراته العلمية والجمالية، فقد أضحت الصورة المصدر الأساس في نقل الثقافة بل وفي نشر المظهر الحضاري، نظرا لما تمتلكه الصورة من عناصر التشويق والتبليغ وتجميل الموضوعات المصورة، يضاف إلى هذه الخصائص الفنية الإبداعية والجمالية ضرورة التكامل والتضافر ما بين النصين أو الخطابين: خطاب اللغة وخطاب الصورة»([x]). ولَإن ظل الاعتقاد بأن خطاب الصورة وخطاب اللغة منفصلان، أو أن الصورة مكملة للغة موضحة لها، فإن الأدب الرقمي الموجه للطفل قد فنّد هذه المقولة، وسعى ليطرح نموذجا أدبيا تتضافر فيه الخطابات بأنواعها (اللغة والصورة والصوت) وتمتزج لتنتج نصا موحدا ذا خصوصية جمالية استثنائية، إذ استطاع أن يطوع عناصر مختلفة لتتآلف فيما بينها وتقدم نصا جديدا منسقا منسجما لا تنافر فيه.

إن أدب الطفل من المنظور التقني، يضع أيدينا على مبلغ التطور الذي أصاب هذا الفرع من المعرفة الإنسانية، وما يمكن أن تقدم التقنية للأطفال من أنماط الثقافات وألوان الإبداع، على الرغم مما تنطوي عليه من مخاطر وسلبيات، لن تلغيها الأرضية المعرفية والثقافية للطفل، ولن تجدي معها المراقبة المنزلية والمدرسية([xi]). فالاستخدام السلبي للتقنية الرقمية جعل الأولياء يتوجسون خيفة من خطرها على أبنائهم، مما جعلهم يحرصون على الاحتفاظ بمسافة أمان بين أطفالهم وبين التكنولوجيا، غير أن رياح التغيير فرضت نفسها ولا يمكن لأحد إيقافها، إذ اكتسحت التقنية الرقمية حياتنا دون استئذان، فغيرتها وأجبرتنا على تقبلها واستكشاف المزايا الإيجابية فيها رغم السلبيات التي تحفّها.

ولا يمكن إغفال المهارات والعادات السلوكية الإيجابية التي يكتسبها أطفالنا من تعاملهم مع التكنولوجيا الرقمية، والتي لا يمكن أن تتاح لهم مع غيرها، يأتي على رأسها بناء شخصية مستقلة وإدراك كيفية فك شيفرات العالم الرقمي، ومن ثم استيراد تلك الخبرة وتوظيفها في العالم الواقعي، ليجد نفسه وقد تحول إلى طفل أيقوني متمكن من التقنية مواكب لتطورات عصره المتسارعة الوتيرة.

لقد فرض قارئ اليوم مفهوما جديدا للقراءة يتعلق بتطور مهارات التعلم والفعل القرائي، وهو مفهوم يتأسس على فعل المشاركة والتفاعل، ذلك أن القراءة هي التي باتت تحمل على عاتقها مهمة تنظيم وتنسيق وتقديم المعلومات، عبر الروابط التي يتحكم من خلالها القارئ في بعض تفاصيل النص الرقمي ويتدخل في تأليفه، لتتخلى القراءة بذلك عن شكلها البسيط التقليدي باعتبارها مسرحا للتواصل والتلقي والتفاعل.

فالقراءة التي تتسم باللّاخطية وترتبط بنص لا يعترف بالبداية والنهاية ولا بمسار موحد، هي مهارة ثورية تمثل بحق مكسبا يفتح للأطفال آفاق العلم والثقافة، في عالم يواجه فيه الطفل العربي طفلا آخر من نتاج المجتمعات المتقدمة، مزودا بأقوى أسلحة التفوق العلمي والتكنولوجي، وهنا يبرز دور الأدب التفاعلي ليؤدي مهمته في مساعدة أطفالنا على مواكبة التطور الرقمي الحاصل ومواجهة التحديات المستقبلية.

ثالثا/ الشّاشة وتحوّلات القراءة لدى الطفل:

أدى ظهور الثقافة الرقمية إلى تغيرات جذرية طرأت على القراءة والقراء، حيث انتقل القارئ من موقع المتلقي السلبي للعمل الأدبي إلى منزلة المتفاعل معه، وامتلاك حرية التدخل في النص وإبداء الرأي فيه عبر التعقيب والمناقشة، ما حطم الحواجز التقليدية بين الكاتب وقرائه، وأعطى تصورا لفعل القراءة مغايرا تماما لصورته النمطية التقليدية.

وتجعل طبيعة النص الرقمي من قراءته والتعامل معه أمرا يسيرا؛ فبنية النص الإلكتروني تختلف كثيرا عن نظيرتها في النص الورقي، وهو ما جعل قراءته وكتابته أمرا مغايرا للمألوف، ما يرجح كفة إقبال الطفل عليه وشغفه بمطالعته، على تقليب صفحات الكتاب الورقي والاستمتاع بتصفحها. ورغم ضعف إقبال طفل اليوم على الكتاب الورقي، إلا أننا لا نستطيع الجزم بأن العلاقة بينهما انصرمت، فمع التقدم التقني الذي يشهده العالم لم يعد الكتاب الورقي وسيلة تسلية أو نموذجا لمعرفة محببة، لأن الوسائل الأخرى التي حلت محله تعد أكثر جذبا بصريا وحسيا، ذلك أن التكنولوجيا تحمل القارئ الصغير لعوالم غرائبية ساحرة لا ينقله إليها العالم الرقمي، أو على الأقل ليس بنفس الطريقة وبنفس مستوى الجاذبية والإدهاش.

إنّ الجمالية المادية تتكامل مع نظيرتها اللغوية في النص الرقمي لتقدم نصا مدهشا وفائقا من ناحية المؤثرات البصرية، وميزة مشاركة المتلقي في كتابة النص الرقمي في شقه المتعلق بالتنظيم وإعادة بناء القصة، هي التي تصنع الفارق بينه وبين النص التقليدي، فمساحة التفاعل التي أمّنتها النصوص الجديدة للطفل لا تتوفر عليها النصوص الورقية، تلك المساحة تشبه كثيرا ما يعرفه الطفل في العالم الواقعي باسم “اللعب”، الذي يعد ضرورة أساسية لنمو الطفل ذهنيا ونفسيا وجسميا في مختلف مراحله العمرية.

ويتجلّى جانب اللعب في الأدب الرقمي الموجه للطفل «في تخلي القصة الرقمية عن مفهوم البداية والنهاية، وتحرر القراءة من أبواب التتابع المفروض عليها من الكتاب، حيث يشعر القارئ أنه يناور القصة ويدخل عالمها من أبواب متعددة، ويخرج منها أيضا من أبواب متعددة، وأنه يستطيع قراءتها بالقفز أو بالعكس أو بحسب التصميم الذي يضعه ويحس معنه أنه يتحكم به، مع هذا الاستقلال البنيوي للقصة وارتباطها السياقي الزمني، يصبح بمقدور القارئ تقديم أحداث وتأخير أخرى والتعامل مع فضاء الشاشة كرقعة الشطرنج أو كاللعب الورق»([xii]).

فخاصّية اللعب هي ميزة إيجابية يحاول منتج النص الرقمي استغلالها لمقاربة عالم الطفولة وخصوصياته، إذ يجعل من قصته لعبة تقوم على فكرة اللغز، وما إن يشرع القارئ في المطالعة حتى تصادفه كلمة قابلة للتنشيط تخفي وراءها قصة جديدة، وفي نفس الوقت تستحثه على النقر وتشحذ كل حواسه، فهو يراها مثل باب موصد أو مجهول يرتاب منه ويتشوق إليه، أو لغز يتطلب حلا فما الذي سيفعله ليحل هذا اللغز؟([xiii]) هذه التقنية تضع الطفل في تحدٍّ وتجعله يقبل على النص، لأنه سيجد فيه إدهاشا ومتعة لم يعد يلمسها في النص الورقي.

هذا الشكل المتاهي الغامض للأدب الرقمي وافق هوى الطفل الذي يعشق المغامرة ويسعى للتحدي ويرفض القيود، ليجد متعة كبيرة وهو يتنقل بالنقرات عبر فضاء هذا النص، وإذا استسلمنا لهذه الرغبة في نفس الطفل، فإننا سنضمن تشكيل جيل لا يقرأ لا ورقيا ولا رقميا، وكل ما يفعله هو اللعب، كما أن الطفل وهو يتجول في أرضية النص الرقمي ويؤخذ بمؤثراته المختلفة، قد يفقد في خضمّ استغراقه فيه وتفاعله معه إمكانية الخروج بفائدة علمية أو أخلاقية، وهو مشكل ينبغي التنبه له ومحاولة تداركه حتى لا يخلق المحكي الرقمي أزمة مقروئية من نوع جديد، إذ ينبغي استغلال السمة الرقمية لتقديم أعمال إبداعية مدروسة للطفل تضمن اشتغاله عليها وإفادته منها، ولهذا تأسس أدب الطفل الرقمي بمغريات يمكن أن تنجح في إعادة الطفل لعالم القراءة حتى وإن اختلف الوسيط.

فالقراءة في النص الرقمي هي في الواقع «إعادة قراءة، ومن خلال عمليات الإعادة، تستبدل القراءة في كل مرة زيا بآخر، مما يسمح بنشوء نوع من القراءة يمكن نعته بالقراءة الحوارية، التي تتم من خلال مواجهة القراءات المتعددة بعضها ببعض، فالقراءة الأولى ليست هي الثانية ولا الثالثة… والنص في كل مرة يأخذ وجها جديدا؛ يكفي المتلقي أن يبدل حدثا مساعدا أو ثانويا بآخر كي تتبدل القراءة والرؤيا المبنية على العالم المقروء، المنفتح أبدا ودوما على التغيير من جهة وعلى القارئ من جهة أخرى. وهكذا يصبح القارئ الفردي أو الجماعي عنصرا فاعلا في السرد لأنه لم يعد عنصرا برّانيا خارجا عن العالم السردي»([xiv]).

وهو ما يتماشى وحب الطفل للمشاركة والتدخل في الأحداث، فدعوته للمساهمة في العمل الأدبي ستفرحه بالتأكيد، وتدفعه لتوظيف مخيلته وكل معارفه على بساطتها ليشارك بفعالية في النص. خاصة أن تقنية إعادة الكتابة ستكون بسيطة جدا وغير مزعجة للطفل، ولا سيما إذا كان النص مترابطا؛ لأنه سيضغط على الرابط ليكتشفه ثم يعيد الضغط عليه دونما ملل، ومعروف عن الأطفال حبهم للتكرار وميلهم لأداء الفعل نفسه مرات عديدة دونما شعور بالسأم أو الضجر.

إن المزج بين البنيات المختلفة للنص الرقمي ومستوياته وأنواع الخطاب المتعددة، قد لا يحقق في النهاية مادة واحدة قابلة للقراءة بمعناها التقليدي، إن الطفل يقفز من رابط لآخر فينقر هنا وينقر هناك، ويتجول في مضمرات النص ويتراقص على ألحانه ويطرب لألوانه، لينتهي به المطاف إلى أن يشاهد أكثر مما يقرأ، فماذا يستفيد في النهاية؟ وما جدوى هذا النمط القرائي؟ هذا التصور أربك الباحثين فاعتبروا النص الرقمي عصيًّا على القراءة، لكن تركيبة هذا اللون الأدبي الحقيقية مغايرة للمألوف وتتأكد من خلال اختلافه عن النص الورقي بشكل كبير، ما يعني أن القراءة فيه ستكون مختلفة، وهي تتمثل في عرض خبرات مختلفة للطفل وهو يتجول بينها ويستفيد منها بصورة عفوية.

وفيما يخص القراءة للأطفال، تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن القراءة للأطفال من الأجهزة الإلكترونية تضعف الديناميكية التي تقود لتطور اللغة، لافتقادها التفاعلات المتبادلة بين الطفل والوالدين أثناء قراءة الكتب الورقية. واعتبرت عالمة النفس “كاتي هيرش-باسك” أن ما يهم في القراءة للأطفال هو السلوك الذي يطلق شرارة المحادثة بين الطفل ومن يقرأ له، لكن إذا كان في ذلك الكتاب أمور تعرقل المحادثة مثل لعبة تظهر في منتصف القصة، فإن ذلك الكتاب لا يوفر لك المزايا نفسها التي يوفرها الكتاب قديم الطراز. هذا ويعُد ناشرو الكتب الإلكترونية ومطوّرو التطبيقات الجانب التفاعلي في النص الرقمي الموجه للطفل ميزة تعليمية، وليس عامل إلهاء يشتت الانتباه، ويعتبرون أن مؤثرات مثل صوت نباح كلب، والنبرة الناعسة لبعض الحديث وظهور الكلمات، يساعد الأطفال على اكتساب اللغة.([xv])

وفي دراسة أجريت سنة 2013، توصل الباحثون إلى حقيقة انخفاض معدل الاستيعاب لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة والخامسة، وقرأ لهم آباؤهم من كتب إلكترونية/ مقارنة بالأطفال الذين قرأ لهم آباؤهم من كتب ورقية؛ لأن الأطفال يمضون وقتا كثيرا في التركيز على الأجهزة نفسها وتتبع مؤثراتها السمعية والبصرية، أكثر من القصص نفسها.([xvi])

ومن المشاكل التي يواجهها القارئ الرقمي الصغير ضياعه بين ثنايا النصوص الرقمية دون أن يعي ذلك، فيهيم ذات اليمين وذات الشمال ويتخذ القراءة كنوع من اللعب فينغمس في النص الإلكتروني ويتيه على غير هدى. وهناك تعقيد آخر يرتبط بالناحية التقنية، يتلخص في «تقنية الخفاء والظهور من خلال الفأرة (الماوس)، سواء أكان ذلك الخفاء والظهور نافذا، أي متفرعا لصفحة جديدة، أم غير نافذ، فبالضغط على أيقونات محددة في النص التفاعلي-الرقمي، تنفتح أمامنا نوافذ جديدة نافذة، في حين لا تنفتح تلك النوافذ حين تكون البرمجة المتعاطية مع الماوس بالتمرير لا بالضغط»([xvii]).

ويؤكد الباحثون أن سلوكيات القراء في البيئة الرقمية أصبحت أكثر تحررا وأكثر نشاطا، مع تخليهم عن عادات سلوكية كانوا يمارسونها أثناء القراءة التقليدية، واكتسابهم مهارات جديدة كالقراءة السريعة والقراءة بالعين دون تحريك الشفاه، لكنهم بالمقابل أصبحوا يملّون بسرعة ويقرؤون المحتوى بسرعة ودون ترتيب وخارج السياق، إذ يفضلون قراءة المقتطفات ويتوجهون مباشرة إلى المحتوى الذي يهمّهم مهملين بقية الفقرات الواردة في النص.

وتتشابك معوقات القراءة الرقمية لدى الطفل وتتداخل، فزيادة على ما سبق الإشارة إليه، فإن التلقي السلبي يعد أبرز مشكلات هذا النمط القرائي؛ «فلا يقتصر الأثر السلبي للصورة المحددة على ما سبق، بل يمتد إلى غرس عادة التلقي السلبي في الطفل، وهذا التلقي السلبي هو التقاط الصور وإيداعها في الذهن، دون أي جهد من الطفل في إعمال خياله، فإذا اعتاد هذا الطفل التلقي السلبي اعتاد في الوقت نفسه عدم استعمال خياله، مما يجعله في مواقف الحياة كلها سلبيا، يطلب الراحة والأمر الجاهز، ويتذمّر من أية محاولة لدفعه للعمل داخل الأسرة والمدرسة وخارجهما».([xviii]) وهو المشكل ذاته الذي يطرحه موضوع التلقي لدى الطفل من خلال الوسائط الإلكترونية عامة كالتلفزيون، ويتعلق بإدمان الأطفال استخدام هذه الوسائط وتعلقهم الشديد بها، وهو ما يشكل خطرا على صحتهم الجسمية والنفسية والعقلية.

لذلك تشدد “الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال” على ضرورة عدم استخدام الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين الشاشات الإلكترونية، وبالنسبة للأطفال الأكبر سنا، فينبغي أن تقل المدة اليومية لاستخدامهم عن ساعتين،([xix]) حتى لا تتأذى عيونهم من أشعتها الساطعة، ولا تتراجع قدراتهم العقلية مع الوقت. وهو ما يضع الأولياء في مأزق حقيقي، فمن ناحية تؤرقهم هذه التحذيرات المتعلقة بالمستقبل الصحي لأطفالهم، ومن ناحية أخرى تتحول القراءة نسبيا إلى التقليب في الصفحات على شاشة جهاز إلكتروني، متخلية عن النمط القرائي التقليدي الآمن، ليتراجع الكتاب الورقي وإقبال الطفل عليه، ويحل محله هذا النوع القرائي الجديد الذي يربك الأطفال والآباء الذين يتوجسون منه ومن عواقبه الوخيمة.

خاتمة:

رغم مساوئ القراءة الرقمية، لا ينكر المتابع الافتراضي الحضور المعتبر للمنابر المشتغلة على نشر نصوص أدبية للطفل مع أن كثيرا منها يعتريها غياب الاحترافية، ورغم مغريات الأدب الرقمي، ما زال هناك من يفضل الكتاب الورقي، ويسعى لتعويد أبنائه على مطالعة الكتب الورقية، حتى يُنشئ الطفل علاقة حميمة بالكتاب، ويكبر في داخله حب المصنفات وتوقير محتواها من العلوم والمعارف، لأن القراءة ليست تخزينا للمعلومات فحسب، بل تتداخل فيها المعرفة باللمس وشم رائحة الورق وسماع صوت تقليبه، وهنا تصبح القراءة فعلا عاطفيا لا معرفيا فقط.

ولكي نعيد للقراءة ألقها وقيمتها، بغض النظر عن نوعها، ونجعلها عادة لدى أطفالنا، علينا تجاوز المعتاد والمألوف ومحاولة صناعة أعمال إبداعية بمختلف أجناسها، تتجاوز حدود الواقع الثابت ومجاراته بما يروي ظمأه ويُشبع شغفه ويُقوي وجدانه ويُنير بصيرته، على الكاتب أن يُطلق العنان لخياله ليسبق به خيال ذلك الطفل التكنولوجي، الرقمي، الخيالي، الجامح، المتطلع. والعمل على إدهاش طفل اليوم لمضاعفة إقباله على القراءة والمطالعة ورقيًّا وإلكترونيًّا.

إننا لو درسنا الظرف الراهن بما يسيطر عليه من فتوحات تكنولوجية وخيال علمي، لاستطعنا استعادة شغف الطفل بالقراءة، بشرط ألا يفقد الكتّاب شغفهم المتواصل بتقديم الجديد، ليظل الطفل متحفزًا متحمّسًا لمتابعة حياته وحياة أقرانه وحيوات أخرى يتمنّى أن يحياها بين دفات الكتب التي بين يديه، ويظل ينهل منها مهما تكاثرت حوله المغريات التكنولوجية بمختلف أنواعها، ليظل الكتاب خير جليس وأصدق الأصحاب وأكثرهم محبة ووفاء.

قائمة المراجع

[i]– سميحة خريس، نكتب للطفل وكأنه نحن، مجلة الجوبة الثقافية، مركز الأمير عبد الرحمان السديري الثقافي، الجوف، المملكة العربية السعودية، العدد2، صيف 2011، ص10.

[ii]– دون تابسكوت، جيل الأنترنت: كيف يغير جيل الأنترنت عالمنا، تر: حسام بيومي محمود، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، ط1، 2012، ص39.

[iii]– المرجع نفسه، ص40.

[iv]– ظبية سعيد فرج، اتجاهات طلاب المدارس المستقبلية بالمرحلة الإعدادية، نحو القراءة الإلكترونية بدولة قطر، مجلة القراءة والمعرفة، الجمعية المصرية للقراءة والمعرفة، مصر، العدد92، 2009، ص22.

[v]– عبد العزيز بن عباس الصبحي، القراءة الإلكترونية، مجلة التطوير التربوي، وزارة التربية والتعليم، سلطنة عمان، 2007، السنة6، عدد3، ص51.

[vi]– ينظر: المرجع نفسه، ص52.

[vii]– السيد نجم، التقنية الرقمية: الأنترنت ودورها في أدب الطفل، مقال منشور على موقع مجلة الجسرة الثقافية، العدد28، تمت زيارته بتاريخ 21 أوت 2022، على الرابط: https://aljasra.org/archive/cms/?p=2143

[viii]– صفية علية، آفاق النص الأدبي ضمن العولمة، أطروحة دكتوراه تخصص أدب جزائري حديث، قسم اللغة والأدب العربي، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2014-2015، ص150.

[ix]– محمد أسليم، الرقمية وتحولات الكتابة والقراءة، مقال منشور على موقع محمد أسليم، بتاريخ 5 سبتمبر 2012، تمت زيارته بتاريخ 25 أوت 2022، على الرابط: https://www.aslim.org/?p=1653

[x]– عبد القادر عميش، قصة الطفل في الجزائر دراسة في الخصائص والمضامين، دار الأمل للطباعة والنشر، تيزي وزو، الجزائر، ط2، 2003، ص205.

[xi]– ينظر: محمد قرانيا، قصائد الأطفال في سوريا، دراسة تطبيقية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003، ص109.

[xii]– لبيبة خمار، اللعب في القصة الرقمية، حفنات جمر أنموذجا، (بتصرف) مقال متوفر على موقع لبيبة خمار، تمت زيارته بتاريخ 6 أوت 2022 على الرابط:

https://labiba-khemmar-narration.over-blog.com/2015/05/5543b5f0-886d.html

[xiii]– ينظر: المرجع نفسه.

[xiv]– لبيبة خمار، شعرية النص التفاعلي: آليات السرد وسحر القراءة، دار رؤية لنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2014، ص105.

[xv]– ينظر: مجموعة مؤلفين، خلاف بشأن فوائد القراءة الإلكترونية للأطفال، مقال منشور على موقع الإمارات اليوم، بتاريخ 23 أكتوبر 2014، تمت زيارته بتاريخ 6 أوت 2022، على الرابط:

https://www.emaratalyoum.com/technology/electronic-equipment/2014-10-23-1.720788

[xvi]– ينظر: المرجع نفسه.

[xvii]– علاء جبر محمد، الحداثة التكنوثقافية، مطبعة الزوراء، بغداد، العراق، ط1، 2009، ص70.

[xviii]– سمر روحي الفيصل، الخيال والتخييل في أدب الطفل، مقال منشور على موقع ستار تايمز بتاريخ 6 جانفي 2011، تمت زيارته بتاريخ 28 سبتمبر 2022، على الرابط: www.startimes.com/?t=26729661

[xix]– ينظر: مجموعة مؤلفين، خلاف بشأن فوائد القراءة الإلكترونية للأطفال.

قائمة المراجع:

أ/ الكتب:

  • دون تابسكوت، جيل الأنترنت: كيف يغير جيل الأنترنت عالمنا، تر: حسام بيومي محمود، كلمات عربية للترجمة والنشر، مصر، ط1، 2012.
  • عبد القادر عميش، قصة الطفل في الجزائر دراسة في الخصائص والمضامين، دار الأمل للطباعة والنشر، تيزي وزو، الجزائر، ط2، 2003.
  • علاء جبر محمد، الحداثة التكنوثقافية، مطبعة الزوراء، بغداد، العراق، ط1، 2009.
  • لبيبة خمار، شعرية النص التفاعلي: آليات السرد وسحر القراءة، دار رؤية لنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2014.
  • محمد قرانيا، قصائد الأطفال في سوريا، دراسة تطبيقية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003.

ب/ المجلات والدوريات:

  • سميحة خريس، نكتب للطفل وكأنه نحن، مجلة الجوبة الثقافية، مركز الأمير عبد الرحمان السديري الثقافي، الجوف، المملكة العربية السعودية، العدد2، صيف 2011.
  • ظبية سعيد فرج، اتجاهات طلاب المدارس المستقبلية بالمرحلة الإعدادية، نحو القراءة الإلكترونية بدولة قطر، مجلة القراءة والمعرفة، الجمعية المصرية للقراءة والمعرفة، مصر، العدد92، 2009.
  • عبد العزيز بن عباس الصبحي، القراءة الإلكترونية، مجلة التطوير التربوي، وزارة التربية والتعليم، سلطنة عمان، السنة6، عدد3، 2007.

ج/ المواقع الإلكترونية:

  • السيد نجم، التقنية الرقمية: الأنترنت ودورها في أدب الطفل، مقال منشور على موقع مجلة الجسرة الثقافية، العدد28، تمت زيارته بتاريخ 21 أوت 2022، على الرابط: https://aljasra.org/archive/cms/?p=2143
  • سمر روحي الفيصل، الخيال والتخييل في أدب الطفل، مقال منشور على موقع ستار تايمز بتاريخ 6 جانفي 2011، تمت زيارته بتاريخ 28 سبتمبر 2022، على الرابط: startimes.com/?t=26729661
  • لبيبة خمار، اللعب في القصة الرقمية، حفنات جمر أنموذجا، (بتصرف) مقال متوفر على موقع لبيبة خمار، تمت زيارته بتاريخ 6 أوت 2022 على الرابط:
  • https://labiba-khemmar-narration.over-com/2015/05/5543b5f0-886d.html
  • مجموعة مؤلفين، خلاف بشأن فوائد القراءة الإلكترونية للأطفال، مقال منشور على موقع الإمارات اليوم، بتاريخ 23 أكتوبر 2014، تمت زيارته بتاريخ 6 أوت 2022، على الرابط:
  • https://www.emaratalyoum.com/technology/electronic-equipment/2014-10-23-1.720788
  • محمد أسليم، الرقمية وتحولات الكتابة والقراءة، مقال منشور على موقع محمد أسليم، بتاريخ 5 سبتمبر 2012، تمت زيارته بتاريخ 25 أوت 2022، على الرابط: https://www.aslim.org/?p=1653
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى