مدي التمثيل البرلماني للأقباط والشباب والمرأة
اعداد : الدكتور عادل عامر
سعت المرأة المصرية منذ زمن طويل للحصول على حقوقها السياسية والانتخابية، فخلال حفل افتتاح البرلمان في مارس 1924 تقدمت المرأة بطلب حضور الحفل، وحملن لافتات كتب عليها: “احترموا حقوق نسائكم”، وطالبت بمنح النساء حق الانتخاب، وأمام إصرارها علي الحضور تم تخصيص مقصورة لهن عام 1925 ثم مقصورتين، ثم تبع ذلك إعلان البرلمان بأنه سيناقش بالفعل حق المرأة في التصويت أثناء انعقاد جلساته، توالت الأحداث التي طالبت فيها النساء بحقوقهن السياسية. إلي أن أثبتت التجربة نجاح المرأة في مجال العمل البرلماني، حيث مثلت المواطنين بشكل جيد. وكان لها بصماتها الواضحة في مسيرة الحياة النيابية، سواء في مجالس الرقابة أو التشريع.
وعلى الرغم من ذلك، لم تعكس أية انتخابات تشريعية مصرية التمثيل الحقيقي للمرأة في المجتمع. فعلى سبيل المثال كانت الانتخابات البرلمانية لعام 2012 الأكثر ترشيحًا في تاريخ البرلمانات المصرية، ولكنه ليس الأكثر تمثيلاً للسيدات. فقد ترشحت خلال تلك الانتخابات 984 سيدة منهن 351 على المقاعد الفردية، و633 على القوائم الحزبية، وذلك مقابل ترشح نحو 131 و449 سيدة في انتخابات 2005 و2010 على الترتيب. وكانت محافظات القاهرة فالدقهلية والإسكندرية، ذات النصيب الأوفر من المرشحات على مستوى الترشيح للمقاعد الفردية والقوائم إجمالاً (152 و71 و66 مرشحة على الترتيب). ويرجع ذلك، إلى أن تلك المحافظات هي الأكبر في عدد الناخبين قاطبة، في حين أن المحافظة الثانية هي ثان أكبر محافظة من حيث عدد المطلوب انتخابهم على مستوى محافظات الجمهورية (36 عضوًا)، كما إن المحافظتين الأولى والثانية والبالغ عدد ممثليها في مجلس الشعب 54 و24 على الترتيب هي الأكثر تمدينًا وتحضرًا على مستوى الجمهورية.
وعلى الرغم من العدد المرتفع للمرشحات في برلمان 2012 إلا أنه شهد تراجعًا في تمثيل المرأة، رغم ما كان ينتظره الكثيرون من تحسن وضعية تمثيل المرأة في عضوية المجلس عند الأخذ بنظام الانتخاب بالقوائم الحزبية، إلا أن عضوية المرأة في برلمان الثورة انحسرت في إحدى عشرة سيدة يمثلن 2.2% فقط من أعضاء المجلس، وهى نسبة تقع في المنتصف بين ما كان عليه الحال في مجلس 2005 (2%) ونظيرتها في مجلس 2000 (2.4%)، وإن كانت تدور في ذات المستوى تقريبا.
لأول مرة في تاريخ الحياة الدستورية والنيابية المصرية، عملت لجنة الخمسين على التميز الإيجابي لفئات ستة من مكونات المجتمع المصري، حيث أكدت المادة (102) من الدستور على مراعاة التمثيل العادل للسكان، والمحافظات، والتمثيل المتكافئ للناخبين، ويجوز الأخذ بالنظام الانتخابي الفردي أو القائمة أو الجمع بأي نسبة بينهما. كما يجوز لرئيس الجمهورية تعيين عدد من الأعضاء في مجلس النواب لا يزيد على 5%، ويحدد القانون كيفية ترشيحهم. كما نصت المادتان 243 و244 على أن تعمل الدولة على تمثيل العمال والفلاحين والشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين في الخارج، تمثيلاً ملائمًا في أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور. وبناء على المواد الدستورية السابقة، قام الرئيس المؤقت للبلاد المستشار عدلي منصور في 5 يونيو 2014 بإصدار قرار بالقانون رقم 46 لسنة 2014 والخاص بقانون مجلس النواب، والذي نص في مادته الأولى على أن يُشكل أول مجلس النواب من (540) عضوًا، ويجوز لرئيس الجمهورية تعيين ما لا يزيد على (5%) من الأعضاء. كما نص في مادته الثالثة على يكون انتخاب مجلس النواب بواقع (420) مقعدًا بالنظام الفردي، و(120) مقعدًا بنظام القوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما. وقد نص القانون في مادته الرابعة على أن تقسم الجمهورية إلى (4) دوائر تخصص للانتخابات بنظام القوائم، يخصص لدائرتين منهما عدد (15) مقعدًا لكل منهما، ويخصص للدائرتين الآخرتين عدد (45) مقعدًا لكل منهما… وينتخب عن كل دائرة منها عدد الأعضاء الذي يتناسب وعدد السكان والناخبين بها، بما يراعي التمثيل العادل للسكان والمحافظات، والمتكافئ للناخبين. أولا المرأة ودورها في الحياة السياسية المصرية
كان أول تنظيم نقابي خاص بالعاملات المصريات عام 1946 (رابطة عاملات القطر المصري) للدفاع عن حقوق المرأة العاملة والمطالبة بتحسين ظروف العمل للمرأة لمساعدتها على تحقيق التوازن بين دورها الأسرى ودورها في العمل والإنتاج.
وشاركت النساء في الريف في عضوية مجلس إدارة الجمعيات التعاونية عام 1957 وفى ظل قانون الحكم المحلى رقم 43 لسنة 1979 أنشئت مجالس للأحياء ومجالس للمدن ومجالس للقرى والمجلس الشعبي المحلى للمحافظة خصص للمرأة في كل منها مقاعد تتراوح نسبتها بين 10% – 20% من إجمالي عدد الأعضاء بالإضافة إلى حقها في مقاعد أخرى من خلال المنافسة في الانتخابات مع الرجل.
ومن واقع الإحصاءات فإن نسبة مشاركة المرأة المصرية في الحياة السياسية لا تتعدى 5%، بينما لا تتعدى مشاركتها كنائب في البرلمان 2% وتتدنى مشاركتها في التصويت بالانتخابات المختلفة لتعكس تدني واضح في نسب المشاركة.
وتشير الإحصائيات إلى وجود نمو مضطرد في نسب قيد النساء بالجداول الانتخابية حيث بلغت نسبة القيد حوالي 16% من جملة المقيدين بالجداول الانتخابية عام 1975م، وبعد مرور ربع قرن من هذا التاريخ وصلت نسبة قيد النساء إلى إجمالي المقيدين بالجداول الانتخابية إلى 35% عام 2000م، ووصلت الآن إلى 40% تقريباً.
وتعكس نسب قيد المرأة في جداول الانتخابات – رغم تزايدها بشكل مستمر – فجوة نوعية بين الذكور والإناث في جداول القيد بالانتخابات، مما أنعكس بالسلب على قوة المرأة كصوت انتخابي خلال الفترة الماضية. وتشير أغلب الإحصائيات إلى ضعف المشاركة النسائية في العملية الانتخابية والذي يعد جزءا من غياب لقطاعات واسعة من المصريين التي تحجم عن المشاركة في هذه العملية حيث تبلغ نسبة الممتنعين عن التصويت أكثر من 75%، وتدنى مستوى المشاركة السياسية للناخبين المصريين في الانتخابات التشريعية، والتي بلغت حدها الأقصى في انتخابات مجلس الشعب عام 1987 محققة نسبة 50.42%، أما أدنى مستوياتها فكانت في انتخابات 2000، حيث بلغت نسبة المشاركة 25%، وهى نسبة ضعيفة جدا ولا يوجد لها مثيل حتى في البلدان النامية
المرأة المعينة في مجلس الشعب
إن إجمالي عدد المعينين في البرلمانات السابقة منذ برلمان 1980 و حتى 2011 بلغ 287 معينا، موضحاً أن عدد الأقباط المعينين من بين 287 34 قبطيا فقط و48 من المرأة. عند رصد تمثيل المرأة المصرية في عضوية المجالس الشعبية المحلية على مستوى الجمهورية خلال ربع قرن تقريباً(من 1979 وحتى 2008) يتضح ضعف تمثيل المرأة المصرية في تلك المجالس، حيث بلغ المتوسط العام لتمثيلها في هذه المجالس طوال هذه الفترة 4.4%. كما يلاحظ أيضاً من معطيات الهبوط المستمر في نسبة تمثيل المرأة في المجالس المحلية على مستوى مجالس المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى على حد سواء. حيث هبطت نسبة التمثيل من 11.2% عام 1979م إلى 0.8% عام 2002. ولا يلاءم تمثيل المرأة المصرية في المجالس المحلية على الإطلاق حجم تمثيلها في المجتمع، وحجم مشاركتها في التنمية المحلية بكافة المحافظات والمراكز والأحياء والمدن والقرى على مستوى الجمهورية، كما لا يتلاءم في الوقت ذاته مع حجم جهودها في خدمة المجتمع المحلى.
فقد قادت المرأة الأحزاب والائتلافات للصمود والمطالبة ليس فقط برحيل نظام محمد مرسي ولكن أيضًا محاكمته ورموز جماعة الإخوان والجماعات المتشددة الأخرى. كما لعبت دورًا جادًا في فضح الإخوان وتصوراتها عن المرأة وطبيعة دورها في المجتمع، وذلك بعدما أكدت بعض النائبات المنتميات للإخوان في برلمان 2012 بأن دور المرأة هو البيت وطاعة زوجها فقط وتربية الأولاد، وأن لزم الأمر في العمل فهناك مهن معينة بشرط إلا يحدث اختلاط مع الرجال. وهو ما تصدت له التيارات النسوية في المجتمع والمجلس القومي للمرأة، خاصة بعد محاولة بعض القوى المتأسلمة من إعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية، وقد تخطى الأمر ذلك حيث تقدمت النائبة سناء السعيد عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي بطلب إحاطة بضرورة حل جماعة الإخوان المسلمين وتقنين أوضاعها، وهو ما أدى إلى الإعلان عن نشأة جمعية الإخوان المسلمين أثر هذا الطلب.
وعلى مستوى المشاركة الانتخابية، كانت المرأة هي الأعلى تصويتًا من الرجال في الاستحقاقات الانتخابية والاستفتاءات العامة التي جرت في مصر بعد ثورة 25 يناير حتى الانتخابات الرئاسية في يونيو 2014. وتحمل أيضًا عبء تشجيع الشباب والرجال على ضرورة المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أجريت في 15 يناير 2014، والانتخابات الرئاسية التي جرت في منتصف نفس العام والتي فاز بها الرئيس عبد الفتاح السيسي بنتيجة لافتة للنظر.
أن متوسط نسبة تمثيل المرأة المصرية خلال نصف القرن الماضي في مجلس الشعب لا يتعدى 2.9% في المتوسط، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه النسبة تشتمل على المعينات والمنتخبات في الوقت نفسه. كما يوضح الجدول ذاته أن أعلى معدلات المشاركة للمرأة المصرية في مجلس الشعب خلال نصف القرن الماضي ارتبطت بمجلسي 1979- 1984، حيث بلغت نسبة تمثيل المرأة فيهما 8.9%، 7.8% على التوالي، وارتبط ذلك بصدور قانون يخصص 30 مقعدًا للمرأة، بحد أدنى مقعد لكل محافظة، خلاف منافستها للرجل على بقية المقاعد. وباستثناء هذين المجلسين، فإن نسب تمثيل المرأة في البرلمان كانت محدودة للغاية، حيث تراوحت بين 0.57% في حدها الأدنى و3.9% في حدها الأقصى. أن المشرع القانوني والدستوري، مازال يفكر بنفس الطريقة التقليدية لتمثيل السيدات، حيت أجبر الأحزاب والائتلافات على اختيار المرأة من ضمن الفئات الخمسة المذكورة الأخرى. بمعنى أخر، أجبر المشرع الأحزاب والائتلافات على اختيار النساء ضمن الفئات صاحبة التمييز الإيجابي، وهو ما اتضح بشكل جلي من خلال قائمة الدكتور كمال الجنزوري الذي اختار أغلب الأقباط من النساء في قائمته. ومن ناحية أخرى فإن أعلى نسبة تعيين هي تلك التي ضمت تعيين 3 أعضاء عام 1992 من إجمالي 11 عضو جديد بنسبة 27%. وأقل نسبة تعيين هي 5.9% عام 2007 حيث تم تعيين عضو قبطي واحد من إجمالي 17 عضو جديد. أما في عام 2010، بلغ عدد الأقباط الجدد المعينون في المجلس اثنان منهما سيدة كما سبق القول بنسبة تجديد بلغت 18.5% وهي مرتفعة عن دورة 2005حيث بلغت حوالي 5.9% من نسبة التجديد بتعيين قبطي واحد جديد في المجلس. بالنسبة لتمثيل المرأة في البرلمان لعام 2005، فإن مؤشرات هذا التمثيل تسجل انخفاضا في برلمان 2005 عن نظيره 2000، حيث حصلت المرأة على 9 مقاعد (4 بالانتخاب، 5 بالتعيين) فقط مقارنة ببرلمان 2000 حيث حصلن على 11 مقعدا (7 بالانتخاب، 4 بالتعيين)، كما انخفضت نسبة المشاركة السياسية، فطبقا للأرقام الرسمية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية، وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات إلى 26% من المقيدين في الجداول الانتخابية، والذي يصل عددهم إلى 32 مليون مواطن، بما يساوى أكثر قليلا من 8 مليون مواطن.
– في انتخابات 2005 بلغ عدد السيدات المرشحات 131 سيدة، بنسبة 2.5% من إجمالي عدد المرشحين. هذا في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة النساء إلى مجموع السكان حوالي 50%، وهو الأمر الذي يعنى أن مشاركة المرأة في الترشح لمقاعد مجلس الشعب تظل شديدة الضعف. ويلاحظ أن نسبة السيدات المرشحات قد انخفضت عن مستواها عام 2000، ولكنها تظل مرتفعة عن تلك النسب التي سادت في انتخابات 1990 و1995 .ويبلغ متوسط نسبة تمثيل المرأة المصرية خلال نصف القرن الماضي في مجلس الشعب لا يتعدى 2.9% في المتوسط، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه النسبة تشتمل على المعينات والمنتخبات في الوقت نفسه.ويتضح أن أعلى معدلات من المشاركة للمرأة المصرية في مجلس الشعب خلال نصف القرن الماضي ارتبطت بمجلسي 1979 و1984حيث بلغت نسبة تمثيل المرأة فيهما 8.9%، 7.8% على التوالي، وأرتبط ذلك بصدور قانون يخصص 30 مقعداً للمرأة بحد ادني مقعد لكل محافظة، بخلاف منافستها للرجل على بقية المقاعد. وباستثناء هذين المجلسين، فإن نسب تمثيل المرأة في البرلمان كانت محدودة للغاية، حيث تراوحت بين 0.57% في حدها الأدنى و3.9% في حدها الأقصى. وهنا يجب الإشارة إلى أن المادة الخامسة، سالفة الذكر، أكدت على أن من بين أصحاب الفئات صاحبة التمييز الإيجابي على كل دائرة ذات 15 مقعد أو من غيرهم سبع نساء على الأقل، وبالتالي يكون إجمالي المرأة على الدائرتين ذات الخمسة عشر مقعدا هو 14 سيدة. في حين ذكرت نفس المادة على أن يتعين لكل قائمة مخصص لها عدد (45) مقعدًا أن يكون من بينهم أحدي وعشرون من النساء على الأقل، وبالتالي يكون إجمالي الدائرتين 42 مقعدًا.
وقد وضعت المادة (27) ضوابط تعيين الـ 5% المخصصة لرئيس الجمهورية على أن يكون نصفهم على الأقل من النساء، لتمثيل الخبراء وأصحاب الإنجازات العلمية والعملية في المجالات المختلفة، والفئات التي يري تمثيلها في المجلس، وذلك في ضوء ترشيحات المجالس القومية، والمجلس الأعلى للجامعات، ومراكز البحوث العلمية، والنقابات المهنية والعمالية، ومن غيرها، بمراعاة الضوابط التالية: أولا، أن تتوفر فيمن يعين الشروط ذاتها اللازمة للترشح لعضوية مجلس النواب، ثانيا ألا يعين عددًا من الأشخاص ذوى الانتماء الحزبي الواحد، يؤدى إلى تغيير الأكثرية النيابية في المجلس، ثالثا ألا يعين أحد أعضاء الحزب الذي كان ينتمي إليه الرئيس قبل أن يتولى مهام منصبه، رابعا ألا يعين شخصًا خاض انتخابات المجلس في الفصل التشريعي ذاته، وخسرها. وفي هذا الإطار سوف يقوم رئيس الجمهورية بتعيين 27 فردًا داخل البرلمان، وسيكون نصفهم على الأقل من النساء.
يمكن القول أبداء عدة ملاحظات:
أولها، أن تمثيل المرأة في البرلمان القادم لن يقل بأي حال عن 70 سيدة، وذلك في إطار القوائم المغلقة وتعيينات رئيس الجمهورية. ثانيها، ربما تستطيع بعض النساء من الفوز في الدوائر الفردي، وهو ما يؤدى إلى رفع تمثيل النساء داخل البرلمان، وأن كنا لا نتوقع فوز عدد كبير منهن، على الأرجح سيدتان أو ثلاثة على الأكثر، وذلك في إطار الخبرة الانتخابية الماضية التي تؤكد على ذلك. ثالثا، لن يكون هناك ترشيحات معقولة للسيدات من قبل الأحزاب على المقاعد الفردي، وهو ما يؤدى إلى ضعف تمثيلهن داخل البرلمان. رابعا، العدد المحجوز مسبقًا للسيدات هو الأكبر من حيت الحجم ولكنه مازال يدور في نفس إطار المعدلات الطبيعية لتمثيلهن داخل البرلمان، والذي يتراوح بين من 2 إلى 3% فقط.
ثانيا ؛- مدي مشاركة الأقباط في البرلمان
بالنسبة لمشاركة المسيحيين بالترشح ،لابد أن نعترف أن هناك تراجعاً حقيقيا لمشاركة الأقباط في الحياة السياسية، يتضح ذلك عند مراجعة دور الأقباط، والدولة في الانتخابات في مصر عبر القرن الماضي، كذلك فحص تأثير هذه الانتخابات علي الأقباط وعلي المجتمع المصري بوجه عام. وبدراسة مشاركة الأقباط التي حدثت طبقا لدستور عام 1923، كانت أقل نسبة لتمثيل الأقباط في البرلمان 3% في عام1950 وأعلي نسبة في عام 1942 هي 10.2% فاز حزب الوفد ومعظم النواب الأقباط من حزب الوفد. وبلغت نسبة التمثيل القبطي في هذه الدورات الانتخابية السبعة نحو 8%.وبلغت نسبة المسيحيين المرشحين إلى إجمالي المرشحين1.5%لعام 2005، لتسجل انخفاضا عن نسبة عام 2000، ولكنها تظل أعلى من نسبة 1995، وبغض النظر عن التذبذبات الطفيفة، تظل هذه النسبة محدودة مقارنة بنسبة المسيحيين إلى إجمالي عدد السكان التي تتراوح بين 6% و10%. وقد بلغ عدد المسيحيين المرشحين في انتخابات 2005 حوالي 81 مرشحا، وهو عدد مرتفع عن عدد المرشحين في انتخابات 2000 و1995.ونشير أيضا إلى ضعف نسبة المسيحيين لإجمالي عدد المرشحين فلا يجب أن يخفى حقيقة أن نسبة المسيحيين على قوائم بعض الأحزاب كانت مقاربة لنسبتهم في السكان، بل ربما تكون أكثر. كانت انتخابات 1957 فارقة فيما يخص وجود المسيحيين في البرلمان لأن مجلس 1957 لم يشهد نجاح مسيحي واحد. وهو الأمر الذي وضع النظام في مأزق فقد كانت تلك أول مرة في تاريخ مصر النيابي (الذي بدأ بتأسيس مجلس شورى النواب في عهد إسماعيل باشا) يتشكل فيها برلمان ليس به اى تواجد للأقليات. ولذلك قرر الرئيس عبد الناصر استحداث آلية جديدة يأتي بواسطتها المسيحيين إلى البرلمان، وهى إضافة مادة في الدستور تسمح لرئيس الجمهورية بتعيين عشرة أعضاء. يبدو أن نسبة المعينين من المسيحيين لها علاقة بنسبة المسيحيين الذين وصلوا إلى البرلمان عن طريق الانتخاب. فكلما زاد عدد المسيحيين المنتخبين كلما دفع ذلك رئيس الجمهورية إلى تقليل عدد المعينين هذا ما حدث في مجلس شعب 2000. ويلاحظ في عهد الرئيس مبارك أن العشرة المعينين أصبحوا يستخدمون كآلية لإيصال بعض الفئات المحرومة من التمثيل مثل المرأة. وهو الأمر الذي أثر على المسيحيين المعينين أنفسهم، بحيث أصبح معظمهم نساء، وبهذا يضرب النظام عصفورين بحجر واحد، وهو رفع نسبة المسيحيين والمرأة في ذات الوقت.
إذن هناك مشكلة تتطلب الحل، ليس فقط من أجل الأقباط، ولكن من أجل برلمان أكثر تنوعا، وتمثيلا، وتعبيرا عن المواطنين المصريين. المهم في هذه القصة أن مسألة تمكين الشباب أو الأقباط لم تكن مطروحة في هذه المرحلة، والحديث عن توسيع تمثيل المرأة في مجلس النواب شكل رسالة للخارج أكثر منه للداخل، وهذا ما كشفت عنه النقاشات في «الحوار الوطني» داخل مؤسسة الرئاسة.
اليوم يعود موضوع «التمييز الإيجابي» للأقباط في إطار مداولات تعديلات الدستور، وهناك عدد من الأقباط عبروا عن ذلك على مستويات مختلفة بما في ذلك لقاء مسئولين داخل لجنة الخمسين المكلفة بتعديل الدستور. المسألة معقدة ومتشابكة. فمن ناحية أولى فرص الأقباط في النجاح في الانتخابات محدودة، وتكاد تكون معدومة في حالة إجراء الانتخابات وفق النظام الفردي. وبالتالي ينبغي أن يكون هناك تمييز إيجابي يعزز مشاركتهم وحضورهم في مجلس النواب. ومن ناحية أخرى يُخشى أن يعزز هذا النظام «الطائفية» بالمعنى السياسي، فتصبح هناك مقاعد للطائفة، ويتحول الأمر إلى ما يشبه المحاصصة الطائفية في بلد لم يعرف طوائف أو عرقيات أو انقسامات ثقافية حادة.
إن قضية التمثيل السياسي للمرأة والأقباط ليست مجرد قضية نوعية أو فئوية، ولكنها قضية سياسية في المقام الأول، فاستمرار ضعف – وأحيانا غياب – التمثيل المتكافئ للأقباط والمرأة، خاصة على مستوى الوظائف العامة والمواقع القيادية، وأيضا على مستوى الهياكل السياسية ودوائر صنع السياسة والقرار، إنما يغذى – سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة – ثقافة التطرف أو يصب في النهاية لصالحها. وإذا كنا نريد بالفعل مواجهة التطرف الفكري والحركة، فإننا لن نستطيع ذلك بدون إعادة تشكيل النخبة السياسية بما يضمن مشاركة أكثر توازنا وتنوعا، وبالتالي فالسعي لرفع نسبة التمثيل السياسي للأقباط والمرأة لا يقتصر على مجرد رفع نسبة تمثيلهما في البرلمان وإنما يعنى مواجهة شاملة للسياسات القديمة لضمان تمثيلهما الفعلي وليس الشكلي على مستوى مؤسسات الدولة والوظائف العامة والحكومية. وترى أن لدينا ما يكفى من الديمقراطية، و”التغيير قبل التمكين”، لأننا نحتاج أولا لتغيير ثقافة الشباب حتى يستوعب زيادة مساحة الديمقراطية والحريات ويستأهل التمكين لكي تتاح له فرصة الوصول إلى مواقع القيادة. وقد يتطرف رأى هذه المدرسة بالترويج لفكرة أن “الشباب لا يستحق أكثر من هذا..”، و”أن الشعوب العربية أمية تعليميا وسياسيا، وتخضع لتقاليد قبلية وعصبية، ولا تصلح للديمقراطية.. وهكذا الشباب في هذه الشعوب..”. وهذه النظرة النخبوية غالبا ما تكون تكنوقراطية أيضا، لأنها ترادف بين “التمكين والتعيين”، فتقوم بإعادة تعريف مفهوم تمكين الشباب إلى مؤشرات كمية -غير دالة غالبا- على الحالة النوعية، مثل الزعم بأن تعيين بضعة وزراء من الشباب دلالة كافية وقاطعة على تحقيق التمكين السياسي للشباب ككل، أو القول بأن “الخطاب السياسي يؤكد على مشاركة الشباب أما المجتمع فهو الذي لا يستوعب هذا الخطاب..”، أو “تم إنشاء مجلس للشباب ولا يحق لأحد بعد ذلك الحديث باسم الشباب”. هناك مدرستان لمفهوم الحكم الجيد، الأولى ترى أنه يعبر عن نوعية نظام الحكم وأسلوب صنع السياسة، التي تشتمل على نفس القواعد الأساسية المألوفة للديمقراطية، مثل سيادة القانون، التعددية السياسية والاجتماعية والتسامح والتعبير الحر، حريات وحقوق المواطنة.. وبالتالي فهو أقرب إلى كونه مجرد “صياغة حديثة لمبادئ مستقرة”. أما المدرسة الثانية فتعتبر المفهوم عنوانا لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح السياسي والاجتماعي ككل، مثل اعتماد آليات المحاسبة في مواجهة السلطات العامة، والمطالبة بتوفير مظاهر الشفافية في مؤسسات صنع القرار، وتقييم نوعية الحكم من زاوية الالتزام بسيادة القانون وقدرته على تعزيز فرص والميل إلى المشاركة واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد..، أي أنه محاولة لوضع تعريف أمبريقى Operational لمفاهيم كلية ومؤسسات وأطر سياسية معقدة، مثل البرلمان والحكومة.
بعبارة أخرى، فهذه المدرسة ترى مفهوم الحكم الجيد بشيرا ومؤشرا للانتقال في فكر الإصلاح من التعامل النظري إلى التفكير العملي وتحديد مؤشرات قابلة للقياس لتقويم حالة الحكم وصنع السياسة، لاسيما في الدول التي تشهد عمليات إصلاح اقتصادي وسياسي.
من هذا المنطلق، ربما تتضح علاقة تمكين الشباب بتفعيل آليات الحكم الجيد، باعتبارها “إطار مؤسسي يجسد قيما سياسية تعطى للفرد “القدرة على الاختيار”، وبالتالي خلق وتعزيز الميل إلى السعي والمنافسة وتنمية القدرات، دون عرقلة ناتجة عن نقص الحكمانية في إدارة شئون الدولة والمجتمع”.- المشاركة: من خلال رفع حواجز المشاركة وإتاحة الفرصة أمام الشباب للانخراط في الأحزاب والجمعيات المدنية، وتقليل الميل إلى العزلة الناتج عن الإحباط، وكذلك من خلال إعادة النظر في أعمار المشاركة السياسية (بداية من الانتخاب ووصولا إلى تولى المواقع القيادية).. وبالطبع، سوف يكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للمجتمع ككل، وللشباب بوجه خاص، كلما انخفض مستوى احترام آليات الحكم الجيد بالمعنى السابق. وفى مناخ يسيطر فيه شخص أو بضعة أشخاص على السلطة، في مختلف مستوياتها، ودون الخضوع للمحاسبة، فإن إشكالية تمكين الشباب تصبح جزءا من إشكالية نظام الحكم ككل.