مقالات

الشخصية المصرية ..فلسفة الخروج من الأزمة

بقلم : د. إبراهيم حسن الغزاوي – محاضر القانون الدولي وحقوق الإنسان

لسنا بحاجة لجهد في منطقة العرب لندرك أننا في أزمة خانقة …والأزمات كثر..لكن أزمتنا أخبثهم معدنا وأعمقهم قبحا..إنها أزمة الهوية وفقدان البوصلة للمستقبل… فالأزمات بالفعل كثر ..أهونها شأنا الأزمات الاقتصادية المجردة..فالمال مطية لخدمة الإنسان… مثله مثل الدواب والأنعام …خلقت وسخرت لتيسير حياة بني البشر …والمال إن شح يكون الفقر …والفقر على قسوته ، ليس مستحيلا التغلب عليه..فالفقير يمكنه العمل والاجتهاد فيغير حاله للأفضل..وهذا شأن مئات الملايين من البشر في المعمورة..يعملون ويجتهدون ويغيرون حالهم من فقر لغنى..فالمال وإن كان أزمة فهو أزمة يسيرة الشأن .. وهناك أزمة الفكر ..وهي تعنى باستغلاق العقول وغياب الفهم الوسطي والقدرة على التوائم مع الآخر..وهي أصعب قليلا من أزمة المال والفقر..حيث تغيير الفكر يستغرق زمنا ولكنه أيضا يستلزم فهما ووعيا وإدراكا بحالة الاحتياج للتغيير..وهنا صعوبة أزمة الفكر..فهي ليست سهلة الإدراك مثل أزمة الفقر ..التي يدركها صاحبها بكل يسر وألم في التو واللحظة..على حين يستعصى على معظم الناس أن يقبلوا ، أنهم لديهم أزمة في الفكر…إلا أنها مع ذلك تظل أزمة قابلة للتغيير ..إن أحسن المجتمع في صفوته أن يوليها جل اهتمامه ، ويركز عليها بإعلامه، فيحدث التنوير رويدا رويدا..يكون بطيئا لكنه ليس مستحيلا…. ثم إن هناك أزمة العقيدة …. وهي تحدث عندما يقع الإنسان، و الجماعة، أسرى لسمو معتقدهم على معتقد غيرهم .. و أنهم، مسئولون عن تغيير معتقد الآخر ليتفق مع معتقدهم..وهذه كارثة عقائدية…لأنها في مفهوم إسلامنا الذي عرفناه عن قرآننا ونبينا الخاتم ، تجافي أبسط معطيات المعتقد الإسلامي الحقيقي، وهي تتجاهل صريح الكتاب والسنة، لحد الصدام والشقاق المخيف…وبالقطع أزمة العقيدة أزمة مؤلمة ومرة المذاق..لأنها تنال من الآخر في أمر يمس كرامته ويبني عليه استقراره الروحي وسلامه النفسي، وتوائمه مع عالمه المحيط…ولذلك فأزمة العقيدة هي قطعا من أشد الأزمات وطأة..لأنها تجسد أن يعطي بعض البشر لأنفسهم قدرا من صفات الخالق …وقدرا من صفات الرسول …وقدرا من صفات الملائكة..جميع ذلك كذبا وزورا وبهتانا مبينا ..ما أنزل الله به من سلطان …فأزمة العقيدة خطورتها أنها تضرب الإنسان في روحه وسلامه الداخلي…. ولكن الأزمة التي أتحدث عنها..وأجزم بأنها أزمة الأزمات…وأفحش الكوارث بنا وبأوطاننا .. وهي الأزمة الأخطر التي نعاني منها اليوم في كل بلدان العرب بلا استثناء…هي أزمة فقدان الهوية…. نعم ..أزمتنا الأعمق هي بلا ريب فقدان الهوية العربية والإسلامية والمسيحية أيضا…. فمنطقة العرب هي مزيج بين هذا وذاك.ولا تعارض بينها … أو يفترض عقيدة ألا يكون… وأزمة الهوية خطورتها متعددة الأوجه..فهي شديدة التعقيد..وحلها أكثر استعصاء من غيرها بلا ريب… وأول هذه الأوجه أنها تجسد حالة الضياع الزماني … فمن منا ينكر أننا مازلنا نعيش، أو كثير منا على الأقل، في سجن قرون مضت..بشكل أو بآخر..عندما ننشغل ، بل ونتعارك بيننا ..على معتقد ديني ، حسابه على الخالق، مثل مذاهب السنة والشيعة…أو هذه الجماعة أو تلك… وكأننا عدنا بأدراج التاريخ لمرحلة ما قبل نزول الأنبياء وغيبة العقل والبصيرة…فأصبحنا نختلف على ما لا يجوز فيه الخلاف…وتركنا ما يجب علينا أن نتكاتف ونتشارك في شأنه… ويجسد الضياع الزماني أيضا، أننا وقفنا وغيرنا يجري ويسابق الريح… فكل الدول التى استقلت أو بدأت نهضتها في نفس الوقت معنا في الخمسينيات من القرن الماضي تقريبا في المنطقة …هي الآن لها شأن آخر غير شأننا الهين ، ومنها كوريا الجنوبية ، واليابان التي انهارت بعد الحرب العالمية الثانية، وماليزيا واندونيسيا وغيرها وغيرها … وللحديث بقية ….

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى