الديمقراطية التوافقية في المجتمع التعددي المجزأ بفعل الانقسامات
بقلم : محمد نبيل الشيمي
يقول أرنت لبيهارت أستاذ علم الاجتماع السياسى ( 1937 – ) في مؤلفه الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد / إن المجتمع التعددي هو المجتمع المجزأ بفعل الانقسامات الدينية أو الأيديولوجية أو اللغوية أو الجهوية أو الثقافيه أو العرقيه … كما أن المجتمع الذي تنتظم بداخله الأحزاب السياسية ومجموعات المصالح ووسائل الإعلام والمدارس والجمعيات التطوعية على أساس الانقسامات المميزة له .
…. لقد شهدت بلدان كثيرة انقسامات واضطرابات عريقة وطائفية أدت بعض الاحيان إلى الاستبداد والطغيان( استبدادً الأغلبية عرقاً أو طائفة) على باقي مكونات المجتمع وهو نتيجة لفقدان التجانس المجتمعي ذلك أن اعتماد مبدأ الأغلبية في أي مجتمع متعدد المكونات والاثنيات والأديان سيعمل علي احداث مناخ سياسي غير مستقر ويصل الأمر الي استبداد فصيل أو تيار أو طائفة بكل مكونات المجتمع الأخري…. ومن ثم بدأ التفكير في ضرورة إيجاد صيغة للحكم تتوافق عليها كل أطياف المجتمع وكان المقصود تحديداً البلدان التي تعاني من عدم التجانس وقتها وهما دولتا بلجيكا وهولندا فضلا عن سويسرا وكندا .
كان من أهم العوامل التي كانت سببا في فقدان أي مجتمع لتجانسه الاحساس لدي مجموعة من الناس يعيشون علي أرض ما بأنهم لا يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية وكذا حقوقهم الاجتماعية والاجتماعية والثقافية مما يبعدهم كل البعد عن احساسهم بالانتماء وابتعادهم عن مفهوم المواطنة(المواطنة هي الانتماء الي وطن ما..أي الانتماء الي الأرض التي يعيش عليها انسان ما ويشارك في الحكم ويلتزم بالتشريعات والقوانين التي تصدرها الدولة… هي حقوق وواجبات ولذا يري بعض علماء الاجتماع السياسي أن المواطنة هي روح الديموقراطية…)
توصل المفكرون وعلماء السياسة إلى نظرية الديمقراطية التوافقية التي عرفها ليبهارت بأنها النظرية التي تعني النظام السياسي الذي تتعدد فيه مصادر السلطة ويكون أقرب إلى النظم الديمقراطية من دون التمكن من الوصول إليها … وهي نمط من أنماط الديمقراطية التي تعبر عن استراتيجية في إدارة النزاعات من خلال التوافق والتعاون بين كافة أطياف المجتمع بدلا من التنافس والتناحر الذي ربما يصل إلى احرب أهلية والتهديد بالانفصال عن الدولة من جانب الفئة المقهورة أو المهمشة وهي نمط يتخذ من عدم الاكتغاء بالأغلبية معيارا وحيدا لحكم مجتمع ما ويرى المفكرون أن الديمقراطية التوفيقية تعمل على الحد من مظاهر العنف من خلال توافق النخب في المجتمعات غير المتجانسة أساسه المشاركة في حكومات ائتلافيه أو تخالف بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة مع الاتفاق على تمثيل هذه القوى في مؤسسات الحكم على أساس نسبي كذلك تعطى الديمقراطية التوافقية للأقلية حق الاعتراض عل ما تطرحه الحكومة من تشريعات وقوانيين .
التوافقية بهذا تمثل ضمانات توفر للأقلية حقوقاً دستورية في مواجهة الأغلبية بل ويعتبرها البعض رؤية استراتيجية لحسم النزاعات الداخلية و حلا جيداً للمشاكل التي تعاني منها الدول التي تفتقر إلى وجود حالة من الوعي بأهمية تعدد الثقافات وبالتالي تنجح في حلحلة النزاعات بين الثقافات والطوائف وتحول من تحول حكم الأغلبية إلى حكم استبدادي ويبقي الهدف الأسمي من التوافقية هو الوصول الي حكم ديموقراطي مستقر تنصهر فيها الاختلافات الفردية ويصبح المجتمع مكونا واحدا تذوب فيه كل الكيانات التي الأخري التي ربما يكون لها دور في احداث الانقسام في المجتمع الواحد.. وقد سارت بعض الدول التي تمتلك رصيدا هائلا من الديموقراطية في انتهاج التوافقية بالرغم من أنها لا تواجه مشكلات مؤثرة في تجانس مواطنيها من أبرز هذه الدول ايرلندا الشمالية …ويعد لبنان بالرغم من كل التجاذبات أحد الأمثلة علي التوافقية في المنطقة العربية.
ما تمارسه الدولة العبرية ضد الأقلية العربية (عرب 48) والنموذج الذي تشهده بورما الآن والمتمثل في قمع الأغلبية البوذية للأقلية المسلمة (الروهينجيا) مثالا علي غياب التوافقية في هاتين الدولتين وكانت ممارسات النظام النظام الحاكم في السودان ومحاولاته الدائمة إقصاء باقي التيارات والأعراق لحساب الحزب الحاكم (حزب الأغلبية ) أحد أسباب انفصال الجنوب ثم أن استمرا التمييز ضد الأكراد في تركيا وان لم تحل مشكلتهم ربما أدي ذلك ال زيادة وتيرة العنف في بل قد تتسع حتى انفصال الاكراد عن تركيا في حال تغير نظرة الغرب لحقوق الأكراد وقد يحمل المستقبل مفاجآت غير سارة لو استمرت حالة عدم التجانس في دول عربية كثيرة خاصة دول المغرب العربي والتي تشهد صداما بين الثقافتين العربية والامافيزيغية ويعد العراق بلدا مهددا بالأنقسام في ظل الاستبداد الذي يمارس الآن ضد أعراق وطوائف مستبعدة من المشاركة في الحوار المجتمعي حتي أن العراق شهد عمليات نزوح جماعي للمسيحين خلال السنوات الأخيرة .
إن الديمقراطية التوافقية أكثر ما تعنى أعلاء قيم المواطنة على ما عداها من قيم ولكل مواطن الحق في معتقداته وأفكاره ورؤاه السياسية هي المواطنة التي لا تهدر حق الأقلية وتحول واستبداد الأغلبية .