الدراسات البحثيةالعلاقات الدولية

المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة في القانون الدولي العام

إعداد الباحث: محمد عز الدين مصطفى حمدان – باحث في” المركز الديمقراطي العربي”

 

مقدمة:
يعترف القانون الدولي للشعوب التي تسعى للحصول على حقها في تقرير مصيرها ونيل الاستقلال بأن تسلك الوسائل السلمية وغير السلمية، فأجاز اللجوء لاستخدام الوسائل السلمية للحصول على حقها وإن حيل بينها وبين الحصول على حقها هذا بالوسائل السلمية، فإنه يكون لها أن تستخدم من الوسائل غير السلمية بما في ذلك القوة المسلحة ما يكفل لها الحصول على هذا الحق.

ويعترف أيضاً المجتمع الدولي والمنظومة الدولية بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لذلك فللشعب الفلسطيني الحق في استخدام كافة الوسائل السلمية وغير السلمية لاتنزاع هذا الحق، بمعنى آخر على الشعب الفلسطيني استخدام الوسائل السلمية بدايةً فإذا حيل بينه وبين الحصول على حقه في تقرير مصيره يصبح من حقه أن يسلك من الوسائل الأخرى بما فيها القوة المسلحة ما يكفل له الحصول على هذا الحق وممارسته.

مما لاشك فيه أن دولة الاحتلال الاسرائيلي –الدولة القائمة بالاحتلال للأراضي الفلسطينية- أضحت لا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني ومنها حقه في تقرير مصيره، وترفض التفاوض –أو تعرقل- مع ممثلي الشعب الفلسطيني، فإنه يصبح من حقه أن يستخدم ما يراه مناسباً من الوسائل غير السلمية من أجل الحصول على حقه في تقرير مصيره.
فتدور المشكلة البحثية لهذه الدراسة من حقيقة تقوم على أنه بالرغم من أن المجتمع الدولي يعترف بحق الشعب الفلسطيني

في تقرير مصيره إلا أنه يدين عمليات حركات المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة، ومن هنا سيكون التساؤل الرئيسي الذي تدور حوله الدراسة هو: ما هي مشروعية استخدام القوة المسلحة من جانب حركات المقاومة الشعبية الفلسطينة في سيبل الحصول على حقها في تقرير المصير في ضوء القانون الدولي العام؟

لهذا ستتطرق هذه الدراسة إلى تبيان مشروعية المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة في القانون الدولي العام وذلك من خلال مبحثين، الأول سيتناول شرعية المقاومة الشعبية المسلحة في ضوء القانون الدولي العام كإطار نظري، أما ثانيمهما فيعالج شرعية المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة كحالة تطبيقية.

المبحث الأول:
شرعية المقاومة الشعبية المسلحة في ضوء القانون الدولي العام:

إن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية قد أصبح عملاً غير مشروع وفقاً للقانون الدولي الحديث، حيث يترتب على استخدام أو التهديد باستخدام القوة المسئولية الدولية الملقاة على كنف شخص القانون الدولي الذي يخالف هذا الالتزام.

يختلف الفقهاء القانونيين في تحديد الاستثناءات على هذا الالتزام العام، فمنهم من حصرها في حق الدفاع الشرعي -الفردي والجماعي- عن النفس ، وآخرين أضافوا إلى حق الدفاع الشرعي عن النفس إجراءات القسر التي تتخذها الأمم المتحدة أو التي تتم بناءً على موافقه منها -وتحديداً من قبل مجلس الأمن الدولي- على أن الرأي الراجح يوضح أن الاستثناءات تنحصر في الدفاع الشرعي عن النفس من جانب، وأعمال الكفاح المسلح على طريق التحرير الوطني –المقاومة الشعبية المسلحة- من الجانب الآخر ، إضافة إلى إجراءات الأمن الجماعي التي تتخذها الأمم المتحدة.

المطلب الأول: التعريف بالمقاومة الشعبية المسلحة.
يطلق على المقاومة الشعبية المسلحة العديد من التعبيرات الأخرى، منها حروب التحرير الوطنية War of National Liberation، وحركات التحرير الوطنية National Liberation Movements، فقد تعني المقاومة المسلحة بمفهومها الواسع، استخدام القوة المسلحة من جانب عناصر وطنية من غير أفراد القوات المسلحة النظامية، دفاعاً عن مصالحها الوطنية، ضد قوى أجنبية، سواء كانت تلك العناصر تعمل بناءً على مبادرتها الخاصة، وسواء باشرت هذا الاستخدام للقوة المسلحة فوق الإقليم الوطني أو من خارج هذا الإقليم، بمعنى آخر، “يقصد بالمقاومة الشعبية المسلحة أي نشاط مسلح تقوم به الشعوب ضد مستعمريها أو محتلي أراضيها أو من يمارسون ضدها تفرقة عنصرية صارخة وصريحة، فهي بهذا المعنى نضال الشعوب المسلح من أجل الحصول على الحق في تقرير المصير” .

تبرز المقومات الأساسية للمقاومة الشعبية المسلحة وفقاً للتعريفات سالفة الذكر كالتالي:
1) نشاط وحراك يقوم به الشعب أو جزء منه.
2) استخدام القوة المسلحة.
3) الدافع الأساسي لهذا الحراك هو دافع وطني.
4) أن يكون هذا الحراك الشعبي موجه ضد قوى أجنبية أو نظم عنصرية أو استعمارية.

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لحركات المقاومة الشعبية المسلحة.
تعد حركات المقاومة الشعبية المسلحة في ظل القانون الدولي التقليدي نوعاً من الحروب الداخلية أو الأهلية التي لا تخضع للقانون الدولي العام ، وتفسيراً لذلك، فعندما كانت الحروب مشروعة وعندما كان للمحتل سلطة مماثلة للسلطة السابقة على الاقليم –بمعنى استبدال السيادة السابقة بسيادة السلطة القائمة بالاحتلال- فكان على جميع السكان الالتزام المطلق بالطاعة والولاء للسلطة القائمة بالاحتلال.

حيث أرجع الفقهاء هذا الالتزام المطلق بالطاعة والولاء إلى :
1) وجود اتفاق ضمني بين السلطة القائمة بالاحتلال والسكان، بحيث يسمح للسكان بتسيير أمورهم المعتادة بدون أي تدخل من قبل السلطة القائمة بالاحتلال، أما إذا فرضت -السلطة القائمة بالاحتلال- أي قيود أو اجراءات غير عادية ضد السكان وعاملتهم بقسوة وصادرة أموالهم وأملاكهم وقيدت حريتهم وأعتدت على حقوقهم، فإنها بذلك تكون قد أخلت بالتزاماتها تجاههم مما يسقط عنهم هذا الالتزام ويجعل ثورتهم مشروعة، ويصبح لسكان الأراضي المحتلة الحق في التمتع بحقوق المحاربين.
2) الضرورة العسكرية والمحافظة على النوايا الحسنة تجاه السلطة القائمة بالاحتلال، وذلك لتجنب بشطها وفتكها.
3) القانون الدولي التقلدي، فقد أعطى السلطة القائمة بالاحتلال الحق في تحديد الأنظمة والقوانين التي تكفل الاستقرار والأمن، فالاعتراف بالسلطة القائمة بالاحتلال هي في الحقيقة شرط مسبق لحماية السكان من القوة الصارمة زمن الحرب.
وذهب جانب آخر من الفقه الدولي إلى اعتبار أن الاخلال بهذا الالتزام المطلق يعد جريمة حرب، تعطي الحق للسلطة القائمة بالاحتلال محاكمة من لا يلتزم بالطاعة من هؤلاء السكان.

بيد أن هذه النظرة أخذت بالتطور البطيء خلال القرن التاسع عشر، فقد أثيرت هذه المسألة وطرحت للنقاش في مؤتمر لاهاي لعام 1899م ، حيث لم تنص قرارات هذا المؤتمر على وجوب الطاعة إزاء السلطة القائمة بالاحتلال، إلا أن الأنظمة الملحقة بالاتفاقية قد أوجبت بعض الالتزامات على السكان تجاه السلطة القائمة بالاحتلال، ففي حينه استمرت نظرة الفقه الدولي إلى حركات المقاومة الشعبية المسلحة باعتبارها نوعاً من النزاعات غير ذات الطابع الدولي .

استمر هذا الجدال حتى صدور اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م، حيث اعتبرت –هذه الاتفاقيات- أن الاحتلال لا ينقل السيادة على الاقليم المحتل بمجرد قيامه، وإنما تظل السيادة لدولة الأصل، ويقتصر أثر حالة الاحتلال على منع دولة الأصل صاحبة السيادة على الاقليم من ممارسة هذه السيادة على الاقليم المحتل.

فالاحتلال ما هو إلا حالة فعلية مؤقتة، وهو وإن قطع مباشرة الدولة لاختصاصات السيادة على الجزء المحتل من اقليمها، فإنه لا يخول دولة الاحتلال نقل حقوق السيادة إليها، وإنما تظل هذه الحقوق محفوظة لدولة الأصل حتى تنتهي حالة الاحتلال .
ولذلك فلم يعد ثمة أساس قانوني أو نظري يبرر الطاعة أو يجعل من ثورة أهالي الأراضي المحتلة ضد قوات السلطة القائمة بالاحتلال خرقاً لأية التزامات أو مبادئ دولية ، وبالتدقيق والاستنتاج في أحكام اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب، يتضح بأنها تجيز المقاومة الشعبية المسلحة ضد سلطات الاحتلال ، وقد وضحت بأن أسرى الحرب هم الاشخاص الذين ينتمون إلى حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الاقليم محتلاً، على أن تتوافر الشروط التالية:

‌أ. أن يقودها شخص مسئول عن مرؤسيه.
‌ب. أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد.
‌ج. أن تحمل الأسلحة علناً.
‌د. أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وأعرافها.

فمن الواضح بأن هذه الشروط تماثل بين رجال المقاومة والقوات النظامية المسلحة دونما اعتبار للاختلاف الكبير في ظروف كلاً منهما، وهذا الاحتلال لا ينفي اعترافها الصريح بحركات المقاومة الشعبية المسلحة ضد سلطات الاحتلال –مع توافر هذه الشروط- وقد يعتبر ذلك تطور واضح وملموس تجاه حركات المقاومة الشعبية المسلحة في طبيعتها الدولية.

أما الفقه الدولي نحى بشكل كبير لهذا الاتجاه، فاعترف بحق سكان الأراضي المحتلة في الثورة على السلطة القائمة بالاحتلال واعتبرها بالواجب، ودعى جانب آخر إلى تطبيق قوانين الحرب وأعرافها والقواعد الانسانية الخاصة بتخفيف ويلات الحرب على أفراد قوات المقاومة دون أفراد القوات النظامية للسلطات القائمة الاحتلال الناشئة عن وجود غير شرعي واجتياح للإقليم المحتل بالمخالفة لأحكام القانون الدولي، فبينما يصبح السكان أحراراً في الدفاع عن أنفسهم ووطنهم ضد المحتل بكافة الوسائل المختلفة، فإن قوات السلطة القائمة بالاحتلال تبقى مقيدة باتباع قوانين الحرب وأعرافها في صدد معاملة السكان المدنيين وأسرى أفراد المقاومة.

إن الاعتراف الصريح من قبل اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب بالحق في المقاومة الشعبية المسلحة وإضفاء رجالها بحماية أسرى الحرب لم يكن كافياً، فالعديد من الدول –التي حصلت على استقلالها نتيجة لحروب تحرير مقاومة شعبية مسلحة مارسها سكانها- طالبت بإضفاء الطابع الدولي على حركات المقاومة الشعبية المسلحة، “وأشارت بوجوب تفسير الشروط التي نصت عليها اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب لإسباغ حماية أسرى الحرب على رجال المقاومة الشعبية المسلحة نظراً لتطور أساليب ووسائل القتال” ، أما الفقه الدولي فقد أوجب تنقيح قانون الحرب تنقيحاً شاملاً بهدف الوصول إلى كفالة حماية أفراد المقاومة، وتقليل وتحديد عدد الشروط التي يجرى إلزام أفراد المقاومة بإستفيائها ليكون لهم وصف المقاتلين القانونيين.

أما الأمم المتحدة أصدرت العديد من القرارات لتؤكد حق الشعوب في الكفاح والمقاومة، واسباغ حماية أسرى الحرب على أفراد حركات المقاومة الشعبية وحركات التحرير الوطني، ومن أبرز هذه القرارات القرار رقم 2649 / د-25 المؤرخ في 30 نوفمبر 1970م ، والقرار رقم 2852 / د-26 والصادر في عام 1971م ، والذي جاء فيه أن الجمعية العامة “تؤكد أن الأشخاص المشتركين في حركات المقاومة والمقاتلين في سبيل الحرية في جنوب افريقيا وفي الاقاليم الخاضعة للاستعمار والسيطرة الاجنبية والاحتلال الاجنبي، والذين يناضلون في سبيل حريتهم وحقهم في تقرير المصير، ينبغي في حالة اعتقالهم معاملتهم معاملة أسرى الحرب وفقاً لمبادئ اتفاقية لاهاي لعام 1907م واتفاقية جنيف الثاثلة لعام 1949م، وكذلك فقد جاء في القرار رقم 3103 / د-28 والصادر في 12 ديسمبر 1973م بأغلبية كبيرة ، أن النزاعات المسلحة بما في ذلك كفاح الشعوب ضد السيطرة الاجنبية والاستعمارية والانظمة العنصرية، يجب اعتبارها نزاعات دولية مسلحة لأغراض اتفاقيات جنيف لعام 1949م والقوانين الدولية الأخرى، ينبغي ان ينطبق على الاشخاص المنخرطين في الكفاح المسلح ضد السيطرة الاستعمارية والاجنبية والنظم العنصرية، وأن المعتقلين من رجال المقاومة والمقاتلين في سبيل الحرية ينبغي معاملتهم معاملة أسرى الحرب وفقاً لمبادئ اتفاقية لاهاي لعام 1907م وجنيف الثالثة لعام 1949م.

ووفقاً لما تقدم، فإن المنظومة الأممية قد أنشأت قاعدة عرفية جديدة مؤداها التسليم بحق الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الاجنبي أو النظم العنصرية بالنضال والكفاح المسلح من أجل الحصول على حقها في تقرير مصيرها والقضاء على الاستعمار والتسلط الأجنبي، وإضافة لذلك فقد دعت الدول والمنظمات الدولية إلى تقديم كل وسائل الدعم –المادي والمعنوي- لحركات المقاومة الشعبية المسلحة.

ففي العام 1977م تم إقرار بوتوكول تفسيري لشروط اسباغ حماية أسرى الحرب على رجال حركات المقاومة الشعبية المسلحة، وحصرت فيه الشروط على أن يكون وصف أفراد المقاومة كمقاتلين ظاهراً، بحيث يسهل تمييزهم سواء عن طريق علامة مميزة وزي عسكري أو عن طريق حمل السلاح ظاهراً، بالإضافة لشرط احترام قوانين الحرب وأعرافها ، واكتفى البروتوكول بتحقيق نوع من الارتباط بين حركات المقاومة الشعبية المسلحة بإحدى الدول الأطراف في النزاع أو الاعتراف لها بنوع من الشخصية الدولية من جانب دولة أو عدد من الدول.

وهكذا فإن القانون الدولي المعاصر قد أضحى يعترف بالصفة الدولية لحركات المقاومة الشعبية المسلحة ويضفي عليها شرعية دولية، وذلك من خلال القانون الدولي الاتفاقي كما تجسد في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م وبروتوكوليها لعام 1977م، ومن خلال القرارات العديدة التي أصدرتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والاقليمية –لاسيما جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الافريقية- والتي اعترفت فيها بحركات المقاومة الشعبية المسلحة وبشرعية كفاحها المسلح وتمثيلها لشعوبها، كما اعترفت لها بحضور اجتماعاتها ومؤتمراتها بصفة مراقبين، بالإضافة إلى ممارسات الدول والتي تجسدت في اعتراف عدد كبير منها بهذه الحركات والدخول معها في علاقات دولية ومد يد العون لها.

المطلب الثالث: الأساس القانوني لاستخدام القوة من جانب حركات المقاومة الشعبية المسلحة.
حظرت المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، ولكنه ورد عليا استثناءات، فما هي الأسس القانونية لاستخدام القوة من قبل حركات المقاومة الشعبية المسلحة؟، مع الاشارة إلى أن القانون الدولي قد أضحى يعترف بطبيعتها الدوليةـ ويضفي حماية أسرى الحرب على رجالها الذين يقعون بالأسر، فالواقع يمكننا أن نشير إلى وجود ثلاثة أسس قانونية تضفي مشروعية على استخدام القوة من قبل حركات المقاومة الشعبية المسلحة هي:

1) حق الدفاع الشرعي عن النفس.
يذهب جانب من الفقه الدولي إلى تأسيس مشروعية لجوء حركات المقاومة الشعبية إلى استخدام القوة المسلحة ضد الدولة المستعمرة أو المحتلة أو القائمة بممارسة التفرقة العنصرية الصارخة، على حق الدفاع الشرعي ، حيث أن هذا الحق كما أقرته المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة يتسع ليشمل بالإضافة إلى الدول، الشعوب والأفراد وحركات المقاومة الشعبية.
مما سبق ذكره، فإن قصر حق الدفاع الشرعي عن النفس على الدول فقط، يقتضي –وفقاً لمنطق العدالة- ان يقتصر الحظر الوارد على استخدام القوة على الدول فقط، فلا معنى لأن يحظر استعمال القوة على الدول والشعوب وحركات المقاومة جميعاً، ثم يكون حق الدفاع الشرعي عن النفس مقتصر على الدول وحدها من دون الشعوب وحركات المقاومة الشعبية.
من جانب آخر، فإن الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي أو التفرقة العنصرية الصارخة، يمثل كلاً منها عدواناً مستمراً ودائماً على الشعوب الخاضعة لها، مما يعطي الحق بهذه الشعوب في ممارسة حقها في الدفاع الشرعي عن النفس ضد هذه الانظمة.

2) الحق في تقرير المصير.
يذهب جانب من الفقه الدولي إلى تأسيس مشروعية استخدام حركات المقاومة الشعبية للقوة المسلحة على الحق في تقرير المصير ، فيعد الحق في تقرير المصير حقاً قانونياً معترف به لجميع الشعوب –وفقاً لما جاء في العديد من القرارات الدولية- فمن حق الشعوب السعي إلى مماسته بكافة الوسائل بما فيها القوة المسلحة، إذا حيل بينهما وبين مماترسته بالوسائل السلمية، وبالعودة للحظر الوارد في المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة على استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، فلم ينطبق فقط على السلامة الاقليمية أو الاستقلال السياسي للدول بها بل امتد ليشمل استخدامها أو التهديد بها بأي شكل يتنافى مع مقاصد الأمم المتحدة التي من ضمنها تنمية علاقات ودية بين الأمم على أساس الاحترام لمبدأ تساوي الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير المصير.

ووفقاً لما تقدم، فإن استخدام القوة المسلحة بغرض دعم السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الاجنبي ضد الشعوب التي تكافح للتخلص من هذه السيطرة أو هذا الاحتلال ممارسة منها لحقها في تقرير المصير، يعد عملا غير مشروع، وذلك لأنه يحول بين الشعب وبين حقه في تقرير مصيره، ولأنه أيضاً يتناقض مع العديد من قرارات الأمم المتحدة –التي نادت بأن استخدام القوة المسلحة لحرمان الشعوب غير المستقلة من حقوقها الثابتة- التي يرأسها حقها في تقرير المصير، يعتبر خرقاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960م، أما استخدام القوة المسلحة من جانب الشعوب المستعمرة أو المحتلة أراضيها أو التي تمارس ضدها تفرقة عنصرية صارمة، بهدف ممارسة حقها في تقرير مصيرها، لا يعد خروجاً على قرارات الأمم المتحدة وإنما يعد عملا مشروعا.

من جانب آخر، فإن الأمم المتحدة عاجزة عن ضمان احترام هذا الحق المقرر للشعوب نتيجة لعوامل متعددة، فإنه يكون للشعوب المقهورة الحق في أن تستخدم القوة المسلحة من أجل إزالة هذا القهر وممارسة حقها في تقرير المصير، وذلك بما تم تأكيده في العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي جاءت لتقر بمشروعية لجوء الشعوب إلى النضال المسلح للحصول على حقها في تقرير المصير، مما يمكن اعتباره إنابة وتفويض ضمني لهذه الشعوب من قبل الأمم المتحدة لتنفيذ أحكام وقرارات المنظمة بصدد الحق في تقرير المصير .

3) ضمان احترام حقوق الانسان.
يذهب جانب من الفقه الدولي إلى تأسيس مشروعية استخدام حركات المقاومة الشعبية للقوة المسلحة على الحق في ضمان واحترام حقوق الانسان ، فالواضح أن حقوق الانسان اكتسبت أهمية كبيرة في إطار القانون الدولي –وتحديداً مع ظهور ميثاق الأمم المتحدة والوثائق الدولية ذات الطابع الإنساني- وأصبح يعتبر أن أي انتهاك لهذه الحقوق هو انتهاك للقانون الدولي يترتب عليه المسئولية ومن ثم إزالته.

أكدت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في قراراتها –السابقة الذكر- على مشروعية المقاومة الشعبية المسلحة التي تسعى للقضاء على نظم التفرقة العنصرية وسياساتها، فإذا ما اتخذ انتهاك حقوق الانسان سياسة عامة تنتهجها سلطات الاستعمار أو الاحتلال أو حتى سلطات الدولة الوطنية إزاء سكان المستعمرة أو الاراضي المحتلة أو إزاء جماعة معينة من سكان الدولة، فمن حق الذين يمارس ضدهم انتهاك حقوق الانسان أو التفرقة العنصرية أن يكونوا حركة مقاومة شعبية تستخدم القوة لإزالة هذا الانتهاك على حقوقهم الأساسية التي كفلها القانون الدولي.
وأخيراً، فللشعوب الحق في المقاومة الشعبية المسلحة سعياً للحصول على حقها في تقرير مصيرها وممارسته -أي استخدام القوة المسلحة- فمن الأولى أن تنتهج بداية وأن تستخدم ما تراه مناسبا من الوسائل السلمية غير المسلحة التي تعد من أبرزها المقاومة المدنية أو العصيان المدني.

المبحث الثاني:
مشروعية المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة:
قامت دولة الاحتلال الاسرائيلي في الخامس من يونيو 1967م باغتصاب ما تبقى من أراضي الدولة الفلسطينية التي حددها من قبل قرار التقسيم رقم (181/د-2)، حيث مارست كافة أشكال الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني على أراضيه، وانتهجت سياسة تتناقض مع أحكام القانون الدولي بهدف إرهابهم والقضاء على كل أشكال المقاومة المشروعة لديهم، حيث ارتكبت جرائم القتل العمد ضد السكان المدنيين وجرائم تعذيب ونسف المنازل والمباني وفرض الاقامات الجبرية ونفل السكان وطردهم من أماكن إقامتهم أو نفيهم خارج راضي الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى قيامها بانتهاك قواعد قانون الاحتلال الحربي المنظمة لواجباتها كسلطة قائمة بالاحتلال في صدد النظم والضمانات القضائية والتشريعية والادارية السارية بالاقليم المحتل.

ورداً على الاحتلال الاسرائيلي غير المشروع والانتهاكات المستمرة لحقوق السكان المدنيين في الاراضي الفلسطينية المحتلة ونتيجة لعجز المجتمع الدولي المنظم في صورة منظمة الأمم المتحدة والمجتمع العربي المنظم في صورة جامعة الدول العربية عن إزالة هذا الاحتلال وآثاره، قام الفلسطينيون بحمل السلاح وتشكيل حركة مقاومة شعبية مسلحة دفاعاً عن حقوقهم وسعياً لتحرير أراضيهم والحصول على حقهم في تقرير المصير .

ويمكننا في هذا السياق توضيح الأسس القانونية التي تقوم عليها شرعية المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة في التالي:
1) كاداة للدفاع الشرعي عن النفس.
يمثل الاحتلال الحربي لإقليم الدولة أو أجزاء منه عدواناً مستمراً ودائماً على الدولة المحتلة وإقليمها، مما يتيح لها الحق في أن تستدم القوة المسلحة للدفاع عن نفسها ضد هذا العدوان المستمر، أي أنه من حق السكان المدنيين في الأراضي المحتلة أن يقوموا باستخدام القوة المسلحة للدفاع عن أنفسهم وعن دولتهم ضد الدولة الغازية.

لهذا فإنه يكون للفلسطينيين باعتبارهم شعب خاضع لاحتلال أجنبي –احتلا حربي اسرائيلي- الحق في أن ينظموا أنفسهم في شكل حركة مقاومة شعبية تستخدم القوة المسلحة ضد دولة ىالاحتلال الاسرائيلي الذي يعد وفق القانون الدولي عدواناً مستمراً ودائماً عليهم، مستمدة بذلك شرعيتها في كونها تمارس حقها في الدفاع الشرعي عن النفس.

2) كأداة للحصول على الحق في تقرير المصير.
لجميع الشعوب في سعيها للحصول على حقها في تقرير المصير أن تستخدم القوة المسلحة من أجل ذلك، إذا حيل بينها وبين الحصول على هذا الحق بالوسائل السلمية، فقد أضحى المجتمع الدولي يعترف للفلسطينيين بوصفهم شعباً وبحقهم في تقرير المصير وتكوين دولتهم المستقلة، وبهذا يصبح من حقهم الحصول على حقهم في تقرير مصيرهم بكافة الوسائل السلمية وغير السلمية.

لطالما أنكرت دولة الاحتلال الاسرائيلي حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وعرقلت عملية التفاوض مع الفلسطينيين، فإنه يصبح من حق الفلسطينيين استخدام القوة المسلحة من أجل الحصول على هذا الحق على اعتبار ذلك آخر الوسائل التي يكفلها القانون الدولي للشعوب التي تسعى للحصول على الحق في تقرير المصير.

3) كأداة لاحترام حقوق الانسان.
يحق لحركات المقاومة الشهبية في مواجهة الاستعمار أو الاحتلال الاجنبي أو التفرقة العنصرية استخدام القوة المسلحة لضمان احترام حقوق الانسان، لأن انتهاك هذه الحقوق تمثل جريمة تهدد السلم والأمن الدوليين، وقد رأينا العديد من ممارسات دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تعد انتهاكات صارخة لحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ولهذا يحق لحركة المقاومة الشعبية الفلسطينية حمل السلاح ومقاومة دولة الاحتلال الاسرائيلي دفاعاً عن الاحترام لحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

المراجع:
المراجع باللغة العربية:
1. أحمد عبد الونيس، الدولة العاصية: دراسة في التعارض بين مواقف الدول والتزاماتها الدولية في الأمم المتحدة، رسالة دكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1986.
2. محمد شوقي عبد العال حافظ، الدولة الفلسطينية “دراسة سياسية قانونية في ضوء مبدأي الاستمرارية والفعالية في القانون الدولي العام”، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1991.
3. صلاح الدين عامر، المقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي العام “مع إشارة خاصة إلى أسس الشرعية الدولية للمقاومة الفلسطينية”، دار الفكر العربي، القاهرة.
4. عز الدين فودة، الاحتلال الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في ضوء القانون الدولي العام، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، بيروت، 1969.
5. عز الدين فودة، حق الشعب الفلسطيني بالأراضي المحتلة في الثورة على سلطات الاحتلال الحربي، مجلة معهد البحوث والدراسات العربية، العدد الرابع، يونيو 1973.
6. تيسير النابلسي، الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية: دراسة لواقع الاحتلال الاسرائيلي في ضوء القانون الدولي العام، الطبعة الثانية، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، بيروت، 1981.
7. رجا شحادة، قانون المحتل: اسرائيل والضفة الغربية، الطبعة الأولى، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1991.

English References:
1. D. W. Bowett, Self-Defence in Int. Law, Manchester University Press, 1958.
2. Mohie El Din Ashwami, Cibilian Rights Under Belligerent Occupation With Special Study of Israeli Violation of Human Rights in Occupied Arab Terretories, L.Egybte Contemporine, October 1972.
3. F. Yahia, The Palestine Question and Int. Law, Palestine Books, P.L.O., Research Center, Beirut, 1970.
4. George Abi Saab, War of National Liberation in the Genava Conventions and Protocols, R.C.D.A.C., 1979.
5. Richard R. Baxter, The Duty of Obedience to the Belligerent Occupant, B.Y.I.L., XXVII, 1950.
6. THE IMPORTANCE OF THE UNIVERSAL REALIZATION OF THE RIGHT OF PEOPLES TO SELF-DETERMINATION AND OF THE SPEEDY GRANTING OF INDEPENDENCE TO COLONIAL COUNTRIES AND PEOPLES FOR THE EFFECTIVE GUARANTEE AND OBSERVANCE OF HUMAN RIGHTS, 2649 (XXV),
30 November 1970, http://daccess-ods.un.org/TMP/8937749.8626709.html
7. RESPECT FOR HUMAN RIGHTS IN ARMED CONFLICTS, 2852 (XXVI), General Assembly Resolutions 26th Session, http://daccess-ods.un.org/TMP/9090251.32656097.html
8. Basic principles of the legal status of the combatants struggling against colonial and alien domination and racist régimes, 3103 (XXVIII), 12 December 1973, http://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/RES/3103%28XXVIII%29&Lang=E&Area=RESOLUTION
9. W. J. Ford, Resistance Movemants in Occupied Territory, Netherlands Int. Law Review, Vol. III, October 1956.
10. Jean S. Pictct, The New Geneva Conventions for the Protection of the war Victims, A.J.I.L., Vol. 45, July, 1952.
11. Buljit Singh and Ko-Wang Mei, Theory and Practice of Modern Guerrilla Warfare, Asia Publishing House, London, 1971.

 

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى