مقالات

هذه السياسة ستعمل الكثير

بقلم : غازي الحارثي – كاتب سعودي

منذ 1979م تاريخ إسقاط حكم الشاه محمد رضاء بلهوي في ايران وسيطرة الملالي على الحكم و “الحسّابة” قد بدأت ولازالت في تسجيل الاستفزازات الايرانية المتتالية بالتدخل في شؤون دول الجوار العربي وزعزعة كل أسباب الامن القومي الخليجي بالتزامن مع تحولٍ كبير في السياسة الخارجية الإيرانية إلى التوسع الإجباري عن طريق تصدير الثورة الخمينية إلى العراق ودول الخليج طمعاً في مكانة كبيرة بالمنطقة التي كانت تزدحم بالكبار آنذاك .

على مدى تلك السنوات اختلفت الاحوال التي حكمت مراحل المواجهة بين السعودية -أكبر وأقوى دول الخليج- وإيران ففي مرحلة تورطت ايران بحرب طويلة ومرهقة ضد العراق حاولت السعودية خلالها تغليب السياسة ودفع العراق تحديداً إليها قبل ان تتحاز الى صفه وتدعمه ، وفي مرحلة اخرى كانت ايران قد تعدت الحدود عابرةً الى لبنان وسوريا وفلسطين محاولةً وضع موطئ قدم لها هناك وفي مرحلة أخرى كانت قد أثبتت وجودها بمليشيات متفرقة في المنطقة تتولى تحريكها وتمويلها وبدأت العمل في برنامجها النووي لأغراض ظاهرها سلمية لدفع القوى الدولية والعالم إلى الموافقة على البرنامج باعتبارها دولة فاعلة وذات نفوذ وسيطرة واسعة في المنطقة ،، وعلى مر تلك المراحل لم تنشغل السعودية بأكثر من مدافعة هذه المطامع الايرانية وترميم آثارها وتوابعها في العراق والكويت ولبنان والبحرين ودول الربيع العربي .

لكن الثابت في كل تلك المراحل هو أن ايران لم تتوقف عن انتهاك القانون الدولي لتحقيق أهدافها بكل مرحلة ولم يكن لديها أهم من ازعاج السعودية الدولة الأكثر استقراراً -سياسياً واقتصادياً- بجوارها من خلال نشر إيديولوجيتها عن طريق رجالها في الدول المحيطة بالسعودية ، والمشكلة ان السعودية استمرت باحترام ذلك القانون الدولي الذي وقعت على مواثيقه وتعهدت بتعهداته لكنه لم يحترم دبلوماسيتها الحكيمة التي بُنيت على أساسه في كل مراحل المواجهة مع ايران ،، حتى عندما انتهكت ايران حرمة المشاعر المقدسة في السعودية لم تصعد السعودية بعنف والا بقوة غير محسوبة ، لكن احتكمت الي القوانين الدولية التي لم تعد اكثرها مناسبة للتعامل مع نظام مَرَق عنها .

وطوال تاريخ المواجهة ضد ايران كسبت السعودية بسياسة “المواجهة بحكمه” كافة دول المنطقة الى صفها فيما لم تكسب ايران اكثر من ميليشيات متناثرة صنعتها اجهزة استخباراتها التي عملت بجد منذ 1979م في دول الانظمة المتزعزعة باليمن ولبنان ثم العراق بعد الغزو الاميركي ، هذا غير نظام الاسد في سوريا الذي انساق لتحقيق الاهداف المشتركة مع ايران على اساس الرابط الطائفي والعقدي الذي يجمعه بإيران ويبعده جداً عن محيطه العربي .
السياسة الحكيمة لاتقتصر فقط على الدبلوماسية ،، لكنها وصلت لحد الضرب بالقوة العسكرية عندما احتاج الأمر لذلك في مرتين ضد الحوثيين الذين دفعتهم ايران للتعدي على حدود السعودية في كلا المرتين وللتمرد على النظام في اليمن المؤيد للسعودية واحتلال العاصمة صنعاء ، ومرةً اخرى كان ذلك بناءً على مواثيق الأمم المتحدة ومعاهدات الجامعة العربية .

اليوم وقد دخلت المواجهة مرحلة جديدة سيختلف حتماً فيها التعامل بين الدولتين وفقاً للحالة القائمة حيث قطعت السعودية كافة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية وأصبح الهامش أكبر لأن تصل المواجهة لحد أكثر تعقيداً وهو اسوء ماتحتاجه المنطقة ، لكن بما أن السعودية تقف كثيراً لتشرك حلفائها وشركائها في القرار عندما يتعلق الأمر بالمواجهة ضد ايران وتقدم أولاً مصلحة الاستقرار العام للمنطقة وفيما تقف ايران مضطرةً بانتظار الخطوات السعودية بعد أن سقطت أوراق المبادرة من يديها فلا أتوقع أن تعمل السعودية بسياسة العين بالعين والسن بالسن وتقوم بإشعال الفوضى في ايران وهي قادرة على ذلك ولن تحرك الاقليات الموالية لها هناك بشكل غير سلمي ولن تدعم اي حراك مسلح ضد نظام الملالي (وكل ذلك على الأقل الآن) ، لكن سيكون هامش التكهنات مفتوحاً امام خطوات حثيثة لعزل ايران عن محيطها الإقليمي من خلال توحيد الموقف العربي والإسلامي قدر الامكان في إجراءآت قطع العلاقات الدبلوماسية وايقاف الانشطة التجارية مع ايران وإقفال خطوط الملاحة الجوية والبحرية ، أو إحياء الملفات الخامدة مثل قضية الاحواز العربية في ايران وتصعيد قضيتهم دولياً وطرح انتهاكاتهم أمام منظمات حقوق الانسان وتصعيد قضيتهم دولياً حتى يمنحون حق تقرير المصير .. المهم أنني لا أتوقع دبلوماسيةً مختلفة تبتعد عن الحكمة المعتادة وتستجيب لاستفزازات ايران وتسلك نفس اسلوبها ، وهذه السياسة ستعمل الكثير .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى